قرآن، حديث، دعا |
زندگينامه |
کتابخانه |
احكام و فتاوا |
دروس |
معرفى و اخبار دفاتر |
ديدارها و ملاقات ها |
پيامها |
فعاليتهاى فرهنگى |
کتابخانه تخصصى فقهى |
نگارخانه |
اخبار |
مناسبتها |
صفحه ويژه |
|
مجمع البيان ج : 7 ص :
238
القراءة قرأ أبو بكر كما استخلف بضم التاء و الباقون بفتح التاء و قرأ
ابن كثير و أبو بكر و يعقوب و سهل و ليبدلنهم من الإبدال و الباقون بالتشديد من
التبديل . الحجة قال أبو علي الوجه في « كما استخلف » بفتح التاء و
اللام لأن اسم الله قد تقدم ذكره و الضمير في « ليستخلفنهم » يعود إليه فكذلك في
قوله « كما استخلف » و الوجه في استخلف أنه يراد به ما يراد باستخلف و التبديل و
الإبدال بمعنى و قيل إن التبديل تغيير حال إلى حال أخرى يقال بدل صورته و الإبدال
رفع الشيء بأن يجعل غيره مكانه قال عزل الأمير بالأمير المبدل .
الإعراب « و أقسموا بالله جهد أيمانهم » أصله و أقسموا بالله يجهدون
الأيمان جهدا فحذف الفعل و أقيم مصدره مضافا إلى المفعول مقامه كقوله فضرب الرقاب و
حكم هذا المنصوب حكم الحال كأنه قال جاهدين أيمانهم طاعة مبتدأ و خبره محذوف و
تقديره طاعة معروفة أولى بكم و أفضل لكم « ليستخلفنهم » جواب قسم يدل عليه قوله «
وعد الله » لأن وعده سبحانه كالقسم « يعبدونني » يجوز أن يكون جملة مستأنفة على
طريق الثناء عليهم و يجوز أن يكون في موضع نصب على الحال .
المعنى
و
لما بين الله سبحانه كراهتهم لحكمه قالوا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و الله لو
أمرتنا بالخروج من ديارنا و أموالنا لفعلنا فقال الله سبحانه « و أقسموا بالله جهد
أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن » أي حلفوا بالله أغلظ أيمانهم و قدر طاقتهم أنك إن
أمرتنا بالخروج في غزواتك لخرجنا « قل » لهم يا محمد « لا تقسموا » أي لا تحلفوا و
تم الكلام « طاعة معروفة » أي طاعة حسنة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) خالصة
صادقة أفضل و أحسن من قسمكم بما لا تصدقون فحذف خبر المبتدأ للعلم به و قيل معناه
ليكن منكم طاعة و القول المعروف هو المعروف صحته « إن الله خبير بما تعملون » أي من
طاعتكم بالقول و مخالفتكم بالفعل ثم أمرهم سبحانه بالطاعة فقال « قل » لهم « أطيعوا
الله » فيما أمركم به « و أطيعوا الرسول » فيما أتاكم به و احذروا المخالفة « فإن
تولوا » أي فإن تعرضوا عن طاعة الله و طاعة رسوله و الأصل تتولوا فحذف أحد التاءين
« فإنما عليه » أي على الرسول « ما حمل » أي كلف و أمر من التبليغ و أداء الرسالة «
و عليكم ما حملتم » أي كلفتم من الطاعة و المتابعة « و إن تطيعوه » أي و إن تطيعوا
الرسول « تهتدوا » إلى الرشد و الصلاح و إلى طريق الجنة « و ما على الرسول إلا
البلاغ المبين » أي ليس عليه إلا أداء الرسالة بيان الشريعة و ليس عليه الاهتداء و
إنما ذلك عليكم و نفعه عائد إليكم و المبين البين الواضح « وعد الله الذين آمنوا
منكم » أي صدقوا بالله
مجمع البيان ج : 7 ص : 239
و برسوله و بجميع ما يجب
التصديق به « و عملوا الصالحات » أي الطاعات الخالصة لله « ليستخلفنهم في الأرض »
أي ليجعلنهم يخلفون من قبلهم و المعنى ليورثنهم أرض الكافر من العرب و العجم
فيجعلهم سكانها و ملوكها « كما استخلف الذين من قبلهم » قال مقاتل يعني بني إسرائيل
إذ أهلك الله الجبابرة بمصر و أورثهم أرضهم و ديارهم و أموالهم و عن أبي بن كعب قال
لما قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و أصحابه المدينة و آوتهم الأنصار
رمتهم العرب عن قوس واحدة و كانوا لا يبيتون إلا مع السلاح و لا يصبحون إلا فيه
فقالوا ترون أنا نعيش حتى نبيت آمنين مطمئنين لا نخاف إلا الله فنزلت هذه الآية و
عن المقداد بن الأسود عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال لا يبقى على
الأرض بيت مدر و لا وبر إلا أدخله الله تعالى كلمة الإسلام بعز عزيز أو ذل ذليل إما
أن يعزهم الله فيجعلهم من أهلها و إما أن يذلهم فيدينون لها و قيل إنه أراد بالأرض
أرض مكة لأن المهاجرين كانوا يسألون ذلك « و ليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم »
يعني دين الإسلام الذي أمرهم أن يدينوا به و تمكينه أن يظهره على الدين كله كما قال
زويت لي الأرض فأريت مشارقها و مغاربها و سيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها و قيل
تمكينه بإعزاز أهله و إذلال أهل الشرك و تمكين أهله من إظهاره بعد أن كانوا يخفونه
« و ليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا » أي و ليصيرنهم بعد أن كانوا خائفين بمكة آمنين
بقوة الإسلام و انبساطه قال مقاتل و قد فعل الله ذلك بهم و بمن كان بعدهم من هذه
الأمة مكن لهم في الأرض و أبدلهم أمنا من بعد خوف و بسط لهم في الأرض فقد أنجز وعده
لهم و قيل معناه و ليبدلنهم من بعد خوفهم في الدنيا أمنا في الآخرة و يعضده ما روي
عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال حاكيا عن الله سبحانه إني لا أجمع على
عبد واحد بين خوفين و لا بين أمنين إن خافني في الدنيا آمنته في الآخرة و إن أمنني
في الدنيا خوفته في الآخرة « يعبدونني لا يشركون بي شيئا » هذا استئناف كلام في
الثناء عليهم و معناه لا يخافون غيري عن ابن عباس و قيل معناه لا يراءون بعبادتي
أحدا و في الآية دلالة على صحة نبوة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) من جهة الإخبار
عن غيب لا يعلم إلا بوحي من الله عز و جل « و من كفر بعد ذلك » أي بعد هذه النعم «
فأولئك هم الفاسقون » ذكر الفسق بعد الكفر مع أن الكفر أعظم من الفسق لأن الفسق في
كل شيء هو الخروج إلى أكثره فالمعنى أولئك هم الخارجون إلى أقبح وجوه الكفر و أفحشه
و قيل معناه من جحد تلك النعمة بعد إنعام الله تعالى بها فأولئك هم العاصون لله عن
ابن عباس و اختلف في الآية فقيل إنها واردة في أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و قيل هي عامة في أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن ابن عباس و
مجاهد و المروي عن أهل البيت (عليهم السلام) أنها في المهدي من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و روي العياشي بإسناده عن علي بن الحسين (عليهماالسلام) أنه قرأ
الآية و قال هم و الله شيعتنا أهل البيت يفعل الله ذلك بهم على يدي
مجمع البيان
ج : 7 ص : 240
رجل منا و هو مهدي هذه الأمة و هو الذي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يلي رجل
من عترتي اسمه اسمي يملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت ظلما و جورا و روي مثل ذلك عن
أبي جعفر (عليه السلام) و أبي عبد الله (عليه السلام) فعلى هذا يكون المراد بالذين
آمنوا و عملوا الصالحات النبي و أهل بيته صلوات الرحمن عليهم و تضمنت الآية البشارة
لهم بالاستخلاف و التمكن في البلاد و ارتفاع الخوف عنهم عند قيام المهدي (عليه
السلام) منهم و يكون المراد بقوله « كما استخلف الذين من قبلهم » هو أن جعل الصالح
للخلاف خليفة مثل آدم و داود و سليمان (عليهماالسلام) و يدل على ذلك قوله إني جاعل
في الأرض خليفة و يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض و قوله فقد آتينا آل إبراهيم
الكتاب و الحكمة و آتيناه ملكا عظيما و على هذا إجماع العترة الطاهرة و إجماعهم حجة
لقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي أهل
بيتي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض و أيضا فإن التمكين في الأرض على الإطلاق لم
يتفق فيما مضى فهو منتظر لأن الله عز اسمه لا يخلف وعده . وَ أَقِيمُوا
الصلَوةَ وَ ءَاتُوا الزَّكَوةَ وَ أَطِيعُوا الرَّسولَ لَعَلَّكمْ تُرْحَمُونَ(56)
لا تحْسبنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فى الأَرْضِ وَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ
وَ لَبِئْس الْمَصِيرُ(57)
القراءة قرأ ابن عامر و حمزة لا يحسبن بالياء و
الباقون بالتاء . الحجة قال أبو علي من قرأ بالياء جاز أن يكون فاعله
أحد شيئين إما أن يكون تضمن ضميرا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أي لا يحسبن
النبي الذين كفروا معجزين فالذين في موضع نصب بأنه المفعول الأول و معجزين المفعول
الثاني و يجوز أن يكون فاعل الحسبان الذين كفروا و يكون المفعول الثاني محذوفا و
تقديره لا يحسبن الذين كفروا أنفسهم معجزين و من قرأ بالتاء ففاعل تحسبن المخاطب .
المعنى ثم أمر سبحانه بإقامة أمور الدين فقال « و أقيموا الصلوة » أي
قوموا بأدائها و إتمامها في أوقاتها « و آتوا الزكوة » المفروضة « و أطيعوا الرسول
لعلكم ترحمون » أي لترحموا جزاء على ذلك و تثابوا بالنعم الجزيلة ثم قال « لا تحسبن
» يا محمد أو أيها السامع « الذين كفروا معجزين » أي سابقين فائتين في الأرض يقال
طلبته فأعجزني أي فاتني
مجمع البيان ج : 7 ص : 241
و سبقني أي لا يفوتونني
و من قرأ بالياء فمعناه لا يظنن الكافرون أنهم يفوتونني « و مأواهم النار » أي
مستقرهم و مصيرهم النار « و لبئس المصير » أي بئس المستقر و المأوى و إنما وصفها
بذلك و إن كانت حكمة و صوابا من فعل الله تعالى لما ينال الصائر إليها من الشدائد و
الآلام . يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لِيَستَئْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَت
أَيْمَنُكمْ وَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الحُْلُمَ مِنكمْ ثَلَث مَرَّت مِّن
قَبْلِ صلَوةِ الْفَجْرِ وَ حِينَ تَضعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظهِيرَةِ وَ مِن
بَعْدِ صلَوةِ الْعِشاءِ ثَلَث عَوْرَت لَّكُمْ لَيْس عَلَيْكمْ وَ لا عَلَيْهِمْ
جُنَاحُ بَعْدَهُنَّ طوَّفُونَ عَلَيْكم بَعْضكمْ عَلى بَعْض كَذَلِك يُبَينُ
اللَّهُ لَكُمُ الاَيَتِ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(58) وَ إِذَا بَلَغَ الأَطفَلُ
مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَستَئْذِنُوا كمَا استَئْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ
كَذَلِك يُبَينُ اللَّهُ لَكمْ ءَايَتِهِ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكيمٌ(59) وَ
الْقَوَعِدُ مِنَ النِّساءِ الَّتى لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْس عَلَيْهِنَّ
جُنَاحٌ أَن يَضعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيرَ مُتَبرِّجَتِ بِزِينَة وَ أَن
يَستَعْفِفْنَ خَيرٌ لَّهُنَّ وَ اللَّهُ سمِيعٌ عَلِيمٌ(60)
القراءة
قرأ
أهل الكوفة غير حفص ثلاث عورات بالنصب و الباقون بالرفع و في الشواذ عن الأعمش
عورات بفتح الواو و قرأ أبو جعفر و أبو عبد الله (عليه السلام) يضعن من ثيابهن و
روي ذلك عن ابن عباس و سعيد بن جبير . الحجة قال أبو علي من رفع كان
خبر المبتدأ محذوفا كأنه قال هذا ثلاث عورات فاجعل بعد التفصيل و من نصب جعله بدلا
من قوله « ثلاث مرات » فإن قلت فإن قوله « ثلاث مرات »
مجمع البيان ج : 7 ص :
242
زمان بدلالة أنه فسر بزمان و هو قوله « من قبل صلاة الفجر و حين تضعون
ثيابكم من الظهيرة و من بعد صلاة العشاء » و ليس العورات بزمان فكيف يصح و ليس هي
هو قيل يكون ذلك على أن تضمر الأوقات كأنه قال أوقات ثلاث عورات فلما حذف المضاف
أعرب المضاف إليه بإعراب المضاف و العورات جمع عورة و حكم ما كان على فعله من
الأسماء تحريك العين في الجمع نحو جفنة و جفنات إلا أن عامة العرب كرهوا تحريك
العين فيما كان عينه واوا أو ياء لما كان يلزم من الانقلاب إلى الألف فأسكنوا و
قالوا عورات و بيضات إلا أن هذيلا حركوا العين منها فقالوا عورات و لوزات و أنشد
بعضهم : أخو بيضات رائح متأوب رفيق بمسح المنكبين سبوح فحرك الياء من بيضات
و الجيد عند النحويين الأول و من قرأ من ثيابهن فلأنه لا يوضع كل الثياب و إنما
يوضع بعضها و روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال هو الجلباب إلا أن تكون
أمة فليس عليها جناح أن تضع خمارها . اللغة التبرج إظهار المرأة عن
محاسنها ما يجب عليها ستره و أصله الظهور و منه البرج البناء العالي لظهوره .
المعنى لما تقدم أحكام النساء و الرجال و من أبيح له الدخول على النساء
استثنى سبحانه هاهنا أوقاتا من ذلك فقال « يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين
ملكت أيمانكم » معناه مروا عبيدكم و إماءكم أن يستأذنوا عليكم إذا أرادوا الدخول
إلى مواضع خلواتكم عن ابن عباس و قيل أراد العبيد خاصة عن ابن عمر و هو المروي عن
أبي جعفر (عليه السلام) و أبي عبد الله (عليه السلام) « و الذين لم يبلغوا الحلم
منكم » من أحراركم و أراد به الصبي الذي يميز بين العورة و غيرها و قال الجبائي
الاستئذان واجب على كل بالغ في كل حال و على الأطفال في هذه الأوقات الثلاثة بظاهر
الآية ثلاث مرات أي في ثلاث أوقات من ساعات الليل و النهار ثم فسرها فقال « من قبل
صلاة الفجر » و ذلك أن الإنسان ربما يبيت عريانا أو على حال لا يحب أن يراه غيره في
تلك الحال « و حين تضعون ثيابكم من الظهيرة » يريد عند القائلة « و من بعد صلاة
العشاء » الآخرة حين يأوي الرجل إلى امرأته و يخلو بها أمر الله بالاستئذان في هذه
الأوقات التي يتخلى الناس فيها و ينكشفون و فصلها ثم أجملها بعد التفصيل فقال
مجمع البيان ج : 7 ص : 243
« ثلاث عورات لكم » أي هذه الأوقات ثلاث عورات
لكم سمى سبحانه هذه الأوقات عورات لأن الإنسان يضع فيها ثيابه فتبدو عورته قال
السدي كان أناس من الصحابة يعجبهم أن يواقعوا نساءهم في هذه الأوقات الساعات
ليغتسلوا ثم يخرجوا إلى الصلاة فأمرهم الله سبحانه أن يأمروا الغلمان و المملوكين
أن يستأذنوا في هذه الساعات الثلاث « ليس عليكم » يعني المؤمنين الأحرار « و لا
عليهم » يعني الخدم و الغلمان « جناح بعدهن » أي حرج في أن لا يستأذنوا في غير هذه
الأوقات الثلاثة ثم بين المعنى فقال « طوافون عليكم » أي هم خدمكم فلا يجدون بدا من
دخولهم عليكم في غير هذه الأوقات و يتعذر عليهم الاستئذان في كل وقت كما قال سبحانه
و يطوف عليهم ولدان مخلدون أي يخدمهم و قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إنها من
الطوافين عليكم و الطوافات جعل الحرة بمنزلة العبيد و الإماء و قال مقاتل ينقلبون
فيكم ليلا و نهارا « بعضكم على بعض » أي يطوف بعضكم و هم المماليك على بعض و هم
الموالي « كذلك » أي كما بين لكم ما تعبدكم به في هذه الآية « يبين الله لكم الآيات
» أي الدلالات على الأحكام « و الله عليم » بما يصلحكم « حكيم » فيما يفعله « و إذا
بلغ الأطفال منكم الحلم » يعني من الأحرار « فليستأذنوا » أي في جميع الأوقات « كما
استأذن الذين من قبلهم » من الأحرار الكبار الذين أمروا بالاستئذان على كل حال في
الدخول عليكم فالبالغ يستأذن في كل الأوقات و الطفل و العبد يستأذن في العورات
الثلاث « كذلك يبين الله لكم آياته و الله عليم حكيم » مر معناه قال سعيد بن المسيب
ليستأذن الرجل على أمه فإنما نزلت هذه الآية في ذلك « و القواعد من النساء اللاتي
لا يرجون نكاحا » و هن المسنات من النساء اللاتي قعدن عن التزويج لأن لا يرغب في
تزويجهن و قيل هن اللاتي ارتفع حيضهن و قعدن عن ذلك اللاتي لا يطمعن في النكاح أي
لا يطمع في جماعهن لكبرهن « فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن » يعني الجلباب فوق
الخمار عن ابن مسعود و سعيد بن جبير و قيل يعني الخمار و الرداء عن جابر بن زيد و
قيل ما فوق الخمار من المقانع و غيرها أبيح لهن القعود بين يدي الأجانب في ثياب
أبدانهن مكشوفة الوجه و اليد فالمراد بالثياب ما ذكرناه لا كل الثياب « غير متبرجات
بزينة » أي غير قاصدات بوضع ثيابهن إظهار زينتهن بل يقصدن به التخفيف عن أنفسهن
فإظهار الزينة في القواعد و غيرهن محظور و أما الشابات فإنهن يمنعن من وضع الجلباب
أو الخمار و يؤمرن بلبس أكثف الجلابيب لئلا تصفهن ثيابهن و قد روي عن النبي (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) أنه قال للزوج ما تحت الدرع و للابن و الأخ ما فوق الدرع و
لغير ذي محرم أربعة أثواب درع و خمار و جلباب و إزار « و أن يستعففن » أي و استعفاف
القواعد و هو أن يطلبن العفة بلبس الجلابيب « خير لهن » من وضعها و إن سقط الحرج
عنهن فيه « و الله سميع »
مجمع البيان ج : 7 ص : 244
لأقوالكم « عليم » بما
في قلوبكم . لَّيْس عَلى الأَعْمَى حَرَجٌ وَ لا عَلى الأَعْرَج حَرَجٌ وَ لا
عَلى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَ لا عَلى أَنفُسِكمْ أَن تَأْكلُوا مِن بُيُوتِكمْ أَوْ
بُيُوتِ ءَابَائكمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَنِكمْ أَوْ
بُيُوتِ أَخَوَتِكمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَمِكمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّتِكمْ أَوْ
بُيُوتِ أَخْوَلِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَلَتِكمْ أَوْ مَا مَلَكتُم مَّفَاتحَهُ أَوْ
صدِيقِكمْ لَيْس عَلَيْكمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشتَاتاً فَإِذَا
دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسلِّمُوا عَلى أَنفُسِكُمْ تحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ
مُبَرَكةً طيِّبَةً كذَلِك يُبَينُ اللَّهُ لَكمُ الاَيَتِ لَعَلَّكمْ
تَعْقِلُونَ(61)
اللغة الحرج الضيق من الحرجة و هي الشجر الملتف بعضه ببعض
لضيق المسالك فيه و جمعها حرجات و حراج قال .
أيا حرجات الحي حين تحملوا
بذي سلم لا جادكن ربيع و حرج فلان إذا أثم و تحرج من كذا إذا تأثم من فعله و
الأشتات المتفرقون و هو جمع شت . الإعراب « جميعا » نصب على الحال و
كذلك « أشتاتا » و « تحية » منصوب لأنها مصدر سلموا لأن التحية بمعنى التسليم من
عند الله صفة تحية . المعنى لما تقدم ذكر الاستيذان عقبه سبحانه بذكر
رفع الحرج عن المؤمنين في
مجمع البيان ج : 7 ص : 245
الانبساط بالأكل و
الشرب فقال « ليس على الأعمى حرج » الذي كف بصره « و لا على الأعرج » الذي يعرج من
رجليه أو أحدهما « حرج و لا على المريض » العليل « حرج » أي إثم و اختلف في تأويله
على وجوه ( أحدها ) أن المعنى ليس عليكم في مؤاكلتهم حرج لأنهم كانوا يتحرجون من
ذلك و يقولون إن الأعمى لا يبصر فنأكل جيد الطعام دونه و الأعرج لا يتمكن من الجلوس
و المريض يضعف عن الأكل عن ابن عباس و الفراء و ( ثانيها ) أن المسلمين كانوا إذا
غزوا خلفوا زمناهم و كانوا يدفعون إليهم مفاتيح أبوابهم و يقولون قد أحللنا لكم أن
تأكلوا مما في بيوتنا فكان أولئك يتحرجون من ذلك و يقولون لا ندخلها و هم غيب فنفى
الله سبحانه الحرج عن الزمنى في أكلهم من بيت أقاربهم أو من بيت من يدفع إليهم
المفتاح إذا أخرج للغزو عن سعيد بن المسيب و الزهري و ( ثالثها ) أن المعنى ليس على
الأعمى و الأعرج و المريض ضيق و لا إثم في ترك الجهاد و التخلف عنه و يكون قوله « و
لا على أنفسكم » كلاما مستأنفا فأول الكلام في الجهاد و آخره في الأكل عن ابن زيد و
الحسن و الجبائي و ( رابعها ) أن العمي و العرج و المرضى كانوا يتنزهون عن مؤاكلة
الأصحاء لأن الناس كانوا يتقذرون منهم و يكرهون مؤاكلتهم و كان أهل المدينة لا
يخالطهم في طعام أعمى و لا أعرج و لا مريض عن سعيد بن جبير و الضحاك و ( خامسها )
أن الزمنى و المرضى رخص الله سبحانه لهم في الأكل من بيوت من سماهم في الآية و ذلك
أن قوما من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) كانوا إذا لم يكن عندهم ما
يطعمونهم ذهبوا بهم إلى بيوت آبائهم و أمهاتهم و قراباتهم فكان أهل الزمانة يتحرجون
من أن يطعموا ذلك الطعام لأنه يطعمهم غير مالكيه عن مجاهد « و لا على أنفسكم » أي و
ليس عليكم حرج في أنفسكم « أن تأكلوا من بيوتكم » أي بيوت عيالكم و أزواجكم و بيت
المرأة كبيت الزوج و قيل معناه من بيوت أولادكم فنسب بيوت الأولاد إلى الآباء لأن
الأولاد كسبهم و أموالهم كأموالهم و يدل عليه قوله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنت و
مالك لأبيك و قوله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إن أطيب ما يأكل المؤمن كسبه و إن ولده
من كسبه و لذلك لم يذكر الله بيوت الأبناء حين ذكر بيوت الآباء و الأقارب اكتفاء
بهذا الذكر ثم ذكر بيوت الأقارب بعد الأولاد فقال « أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم
» إلى قوله « أو بيوت خالاتكم » و هذه الرخصة في أكل مال القرابات و هم لا يعلمون
ذلك كالرخصة لمن دخل حائطا و هو جائع أن يصيب من ثمره أو مر في سفره بغنم و هو
عطشان أن يشرب من رسله توسعة منه على عباده و لطفا لهم و رغبة بهم عن دناءة الأخلاق
و ضيق العطن و قال الجبائي إن الآية منسوخة بقوله لا تدخلوا
مجمع البيان ج : 7
ص : 246
بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه و بقول النبي
(صلى الله عليه وآله وسلّم) لا يحل مال امرىء مسلم إلا بطيبة نفس منه و المروي عن
أئمة الهدى صلوات الله عليهم أنهم قالوا لا بأس بالأكل لهؤلاء من بيوت من ذكر الله
تعالى بغير إذنهم قدر حاجتهم من غير إسراف و قوله « أو ما ملكتم مفاتحه » معناه أو
بيوت عبيدكم و مماليككم و ذلك أن السيد يملك منزل عبده و المفاتح هنا الخزائن لقوله
و عنده مفاتح الغيب و قيل هي التي يفتح الغيب بها عن ابن عباس قال عنى بذلك وكيل
الرجل و قيمه في ضيعته و ماشيته فلا بأس عليه أن يأكل من ثمر حائطه و يشرب من لبن
ماشيته و قيل إذا ملك الرجل المفتاح فهو خازن فلا بأس أن يطعم الشيء اليسير عن
عكرمة و قيل هو الرجل يولي طعام غيره يقوم عليه فلا بأس أن يأكل منه عن السدي « أو
صديقكم » رفع الحرج عن الأكل من بيت صديقه بغير إذن إذا كان عالما بأنه تطيب نفسه
بذلك و الصديق هو الذي صدقك عن مودته و قيل هو الذي يوافق باطنه باطنك كما وافق
ظاهره ظاهرك و لفظ الصديق يقع على الواحد و على الجمع قال جرير : دعون الهوى ثم
ارتمين قلوبنا بأسهم أعداء و هن صديق و قال الحسن و قتادة يجوز دخول الرجل بيت
صديقه و التحرم بطعامه من غير استئذان في الأكل و قال أبو عبد الله (عليه السلام)
لهو و الله الرجل يأتي بيت صديقه فيأكل طعامه بغير إذنه و روي أن صديقا للربيع بن
خثيم دخل منزله و أكل من طعامه فلما عاد الربيع إلى المنزل أخبرته جاريته بذلك فقال
إن كنت صادقة فأنت حرة « ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا » أي مجتمعين أو
متفرقين و ذكر في تأويله وجوه ( أحدها ) أن حيا من كنانة كان الرجل منهم لا يأكل
وحده فإنما لم يجد من يؤاكله لم يأكل شيئا و ربما كانت معه الإبل الحفل فلا يشرب من
ألبانها حتى يجد من يشاربه فأعلم الله سبحانه أن الرجل منهم إن أكل وحده فلا إثم
عليه عن قتادة و الضحاك و ابن جريج و ( ثانيها ) أن معناه لا بأس بأن يأكل الغني مع
الفقير في بيته فإن الغني كان يدخل على الفقير من ذوي قرابته أو صداقته فيدعوه إلى
طعامه فيتحرج عن ابن عباس و ( ثالثها ) أنهم كانوا إذا نزل بهم ضيف تحرجوا أن
يأكلوا إلا معه فأباح الله سبحانه الأكل على الانفراد و على الاجتماع عن أبي صالح و
الأقوال متقاربة و الأولى الحمل على العموم « فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم »
أي ليسلم بعضكم على بعض عن الحسن فيكون كقوله إن اقتلوا أنفسكم و قيل معناه فسلموا
على أهليكم و عيالكم عن جابر و قتادة و الزهري و الضحاك و قيل معناه فإذا دخلتم
بيوتا يعني المساجد فسلموا على من فيها
مجمع البيان ج : 7 ص : 247
عن ابن
عباس و الأولى حمله على العموم و قال إبراهيم إذا دخلت بيتا ليس فيه أحد فقل السلام
علينا و على عباد الله الصالحين و قال أبو عبد الله (عليه السلام) هو تسليم الرجل
على أهل البيت حين يدخل ثم يردون عليه فهو سلامكم على أنفسكم « تحية من عند الله »
أي هذه تحية حاكم الله بها عن ابن عباس و قيل معناه علمها الله و شرعها لكم فإنهم
كانوا يقولون عم صباحا ثم وصف التحية فقال « مباركة طيبة » أي إذا ألزمتموها كثر
خيركم و طاب أجركم و قيل مؤبدة حسنة جميلة عن ابن عباس و قيل إنما قال مباركة لأن
معنى السلام عليكم حفظكم الله و سلمكم الله من الآفات فهو دعاء بالسلامة من آفات
الدنيا و الآخرة و قال طيبة لما فيها من طيب العيش بالتواصل و قيل لما فيها من
الأجر الجزيل و الثواب العظيم « كذلك » أي كما بين لكم هذه الأحكام و الآداب « يبين
الله لكم الآيات » أي الأدلة على جميع ما يتعبدكم به « لعلكم تعقلون » أي لتعقلوا
معالم دينكم . إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَ
رَسولِهِ وَ إِذَا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْر جَامِع لَّمْ يَذْهَبُوا حَتى
يَستَئْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَستَئْذِنُونَك أُولَئك الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ وَ رَسولِهِ فَإِذَا استَئْذَنُوك لِبَعْضِ شأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن
شِئْت مِنْهُمْ وَ استَغْفِرْ لهَُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(62)
لا تجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسولِ بَيْنَكمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضاً قَدْ
يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ
يخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ(63) أَلا إِنَّ للَّهِ مَا فى السمَوَتِ وَ الأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا
أَنتُمْ عَلَيْهِ وَ يَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا وَ
اللَّهُ بِكلِّ شىْء عَلِيمُ(64)
اللغة التسلل الخروج في خفية يقال تسلل
فلان من بين أصحابه إذا خرج من
مجمع البيان ج : 7 ص : 248
جملتهم و السلة
السرقة في الخفية و كذلك الإسلال و منه الحديث لا أغلال و لا إسلال و اللواذ أن
يستتر بشيء مخافة من يراه و قيل اللواذ الاعتصام بالشيء بأن يدور معه حيث دار من
قولهم لاذ به و قال الزجاج الملاوذة المخالفة هاهنا بدلالة قوله « فليحذر الذين
يخالفون عن أمره » و يقال خالفه إلى الأمر إذا ذهب إليه دونه و منه قوله و ما أريد
أن أخالفكم إلى ما أنهيكم عنه و خالفه عن الأمر إذا صد عنه دونه . الإعراب
« لواذا » مصدر وضع موضع الحال و التقدير يتسللون منكم ملاوذين « يخالفون عن
أمره » أي يخالفون الله عن أمره بمعنى يجاوزون أمره . و « يوم يرجعون » يوم
منصوب بالعطف على محذوف و هو ظرف زمان و التقدير ما أنتم تثبتون عليه الآن « و يوم
يرجعون إليه » خرج من الخطاب إلى الغيبة . المعنى لما تقدم ذكر
المعاشرة مع الأقرباء و المسلمين بين سبحانه في هذه الآية كيفية المعاشرة مع النبي
(صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال « إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله و رسوله » أي ليس
المؤمنون على الحقيقة إلا الذين صدقوا بتوحيد الله و عدله و أقروا بصدق رسوله « و
إذا كانوا معه » أي مع رسوله « على أمر جامع » و هو الذي يقتضي الإجماع عليه و
التعاون فيه من حضور حرب أو مشورة في أمر أو صلاة جمعة أو ما أشبه ذلك « لم يذهبوا
حتى يستأذنوه » أي لم ينصرفوا عن الرسول أو عن ذلك الأمر إلا بعد أن يطلبوا الأذن
منه في الانصراف « إن الذين يستأذنونك » يا محمد « أولئك الذين يؤمنون بالله و
رسوله » أي فهم الذين يصدقون بالله و رسوله على الحقيقة دون الذين ينصرفون بلا
استئذان « فإذا استأذنوك لبعض شأنهم » أي متى ما استأذنك هؤلاء المؤمنون أن يذهبوا
لبعض مهماتهم و حاجاتهم « فأذن لمن شئت منهم » خير سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) بين أن يأذن و أن لا يأذن و هكذا حكم من قام مقامه من الأئمة « و
استغفر لهم الله » أي و اطلب المغفرة لهم من الله بخروجهم من جملة من معك و استغفار
النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لهم هو دعاؤه لهم باللطف الذي تقع معه المغفرة « إن
الله غفور » للمؤمنين أي ساتر لذنوبهم « رحيم » بهم أي منعم عليهم ثم أمر سبحانه
جميع المكلفين فقال « لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا » اختلف في
تأويله على وجوه ( أحدها ) أنه سبحانه علمهم تفخيم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)
في المخاطبة و أعلمهم فضله فيه على سائر البرية و المعنى لا تقولوا له عند دعائه يا
محمد أو يا ابن عبد الله و لكن قولوا يا رسول الله يا نبي الله في لين و تواضع و
خفض صوت عن ابن عباس و مجاهد و قتادة ( و ثانيها ) أنه نهى عن التعرض لدعاء رسوله
عليهم فالمعنى احذروا دعاءه عليكم إذا أسخطتموه فإن دعاءه موجب مجاب بغير شك
مجمع البيان ج : 7 ص : 249
و ليس كدعاء غيره عن ابن عباس في رواية أخرى ( و
ثالثها ) أن المعنى ليس الذي يأمركم به الرسول و يدعوكم إليه كما يدعو بعضكم بعضا
لأن في القعود عن أمره قعودا عن أمر الله تعالى عن أبي مسلم « قد يعلم الله الذين
يتسللون منكم لواذا » قال ابن عباس هو أن يلوذ بغيره فيهرب و ذلك أن المنافقين كان
يثقل عليهم خطبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يوم الجمعة فيلوذون ببعض أصحابه
فيخرجون من المسجد في استتار من غير استئذان و فيه معنى التهديد بالمجازاة و قال
مجاهد كانوا يتسللون في الجهاد رجوعا عنه و قيل معناه يستترون و يستخفون تقية و
التجاء « فليحذر الذين يخالفون عن أمره » حذرهم سبحانه عن مخالفة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أي فليحذر الذين يعرضون عن أمر الله تعالى و إنما دخلت عن لهذا
المعنى و قيل عن أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) « أن تصيبهم فتنة » أي بلية
تظهر ما في قلوبهم من النفاق و قيل عقوبة في الدنيا « أو يصيبهم عذاب أليم » في
الآخرة و في هذا دلالة على أن أوامر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) على الإيجاب
لأنها لو لم تكن كذلك لما حذر سبحانه عن مخالفته ثم عظم سبحانه نفسه بأن قال « ألا
إن لله ما في السماوات و الأرض » أي له التصرف في جميع ذلك و لا يجوز لأحد الاعتراض
عليه و لا مخالفة أمره فليس للعبد أن يخالف أمر مالكه « قد يعلم ما أنتم عليه » من
الخيرات و المعاصي و من الإيمان و النفاق لا يخفى عليه شيء من أحوالكم « و يوم
يرجعون إليه » يعني يوم البعث يعلمه الله سبحانه متى هو « فينبؤهم بما عملوا » من
الخير و الشر و الطاعات و المعاصي « و الله بكل شيء » من أعمالهم و غيرها « عليم »
معناه يردون إليه للجزاء فيجازي كلا على قدر عمله من الثواب و العقاب .
مجمع البيان ج : 7 ص : 250
( 25 ) سورة الفرقان مكية و آياتها سبع و سبعون ( 77 ) مكية كلها عن مجاهد و قتادة و قال ابن عباس إلا ثلاث آيات منها
نزلت بالمدينة من قوله « و الذين لا يدعون مع الله إلها آخر » إلى قوله « غفورا
رحيما » . عدد آيها و هي سبع و سبعون آية بلا خلاف .
فضلها
أبي بن كعب قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من قرأ سورة الفرقان
بعث يوم القيامة و هو يؤمن أن الساعة آتية لا ريب فيها و أن الله يبعث من في القبور
و دخل الجنة بغير حساب و روى إسحاق بن عمار عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال
يا بن عمار لا تدع قراءة تبارك الذي نزل الفرقان على عبده فإن من قرأها في كل ليلة
لم يعذبه الله أبدا و لم يحاسبه و كان منزلته في الفردوس الأعلى . تفسيرها
اتصلت هذه السورة بسورة النور اتصال النظير بالنظير فإن مختتم تلك السورة تضمن
« إن لله ما في السماوات و الأرض » و إنه بكل شيء عليم و مفتتح هذه السورة أن « له
ملك السماوات و الأرض » سبحانه من قدير حكيم .
مجمع البيان ج : 7 ص :
251
سورة الفرقان بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تَبَارَك الَّذِى
نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَلَمِينَ نَذِيراً(1) الَّذِى
لَهُ مُلْك السمَوَتِ وَ الأَرْضِ وَ لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَ لَمْ يَكُن لَّهُ
شرِيكٌ فى الْمُلْكِ وَ خَلَقَ كلَّ شىْء فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً(2) وَ اتخَذُوا
مِن دُونِهِ ءَالِهَةً لا يخْلُقُونَ شيْئاً وَ هُمْ يخْلَقُونَ وَ لا يَمْلِكُونَ
لأَنفُسِهِمْ ضرًّا وَ لا نَفْعاً وَ لا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَ لا حَيَوةً وَ لا
نُشوراً(3) وَ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا إِفْكٌ افْترَاهُ وَ
أَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ ءَاخَرُونَ فَقَدْ جَاءُو ظلْماً وَ زُوراً(4) وَ
قَالُوا أَسطِيرُ الأَوَّلِينَ اكتَتَبَهَا فَهِىَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكرَةً وَ
أَصِيلاً(5) قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِى يَعْلَمُ السرَّ فى السمَوَتِ وَ الأَرْضِ
إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَّحِيماً(6) وَ قَالُوا مَا لِ هَذَا الرَّسولِ يَأْكلُ
الطعَامَ وَ يَمْشى فى الأَسوَاقِ لَوْ لا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ
مَعَهُ نَذِيراً(7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكلُ
مِنْهَا وَ َالَ الظلِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلاً مَّسحُوراً(8) انظرْ
كيْف ضرَبُوا لَك الأَمْثَلَ فَضلُّوا فَلا يَستَطِيعُونَ سبِيلاً(9) تَبَارَك
الَّذِى إِن شاءَ جَعَلَ لَك خَيراً مِّن ذَلِك جَنَّت تجْرِى مِن تحْتِهَا
الأَنْهَرُ وَ يجْعَل لَّك قُصورَا(10)
القراءة قرأ أهل الكوفة غير عاصم
نأكل منها بالنون و الباقون بالياء و قرأ ابن كثير و ابن عامر و أبو بكر و يجعل لك
بالرفع و الباقون بالجزم . الحجة من قرأ « يأكل منها » بالياء فإنه
يعني به النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و من قرأ نأكل منها فكأنه أراد أنه تكون له
المزية علينا في الفضل بأكلنا من جنته و من قرأ « و يجعل لك » بالجزم عطف على موضع
جعل لأنه جزاء الشرط قال الشاعر : إني سلكت فإنني لك كاشح و على انتقاصك في
الحياة و أزدد
مجمع البيان ج : 7 ص : 252
و من رفع قطعه مما قبله و استأنف
. الإعراب قال الزجاج التقدير جاءوا بظلم و زور فلما سقطت الباء أفضى
الفعل فنصب الفعل و أقول إنه يجوز جاءوا ظلما بمعنى أتوا ظلما قال طرفة : على
غير ذنب جئته غير أنني نشدت فلم أغفل حمولة معبد فمعنى جئته فعلته . «
اكتتبها » جملة في موضع نصب على الحال من « أساطير الأولين » و قد مضمرة و « أساطير
» خبر مبتدإ محذوف و « يأكل الطعام » حال و العامل فيه ما تعلق به اللام في قوله «
ما لهذا الرسول » فيكون منصوبا بإضمار أن . « كيف ضربوا » كيف في محل النصب على
المصدر و التقدير ضرب أي ضربوا لك الأمثال و يجوز أن يكون في موضع نصب على الحال من
الواو في ضربوا التقدير أنظر أ منكرين ضربوا لك الأمثال أم لا . « أن شاء جعل
لك خيرا من ذلك » الشرط و الجزاء صلة الذي و « جنات » بدل من قوله « خيرا » .
المعنى « تبارك » تفاعل من البركة معناه عظمت بركاته و كثرت عن ابن
عباس و البركة و الكثرة من الخير و قيل معناه تقدس و جل بما لم يزل عليه من الصفات
و لا يزال كذلك فلا يشاركه فيها غيره و أصله من بروك الطير فكأنه قال ثبت و دام
فيما لم يزل و لا يزال عن جماعة من المفسرين و قيل معناه قام بكل بركة و جاء بكل
بركة « الذي نزل الفرقان » أي القرآن الذي يفرق بين الحق و الباطل و الثواب و الخطإ
في أمور الدين بما فيه من الحث على أفعال الخير و الزجر عن القبائح و الشر « على
عبده » محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) « ليكون » محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم)
بالقرآن « للعالمين » أي لجميع المكلفين من الإنس و الجن « نذيرا » أي مخوفا
بالعقاب و داعيا لهم إلى الرشاد ثم وصف سبحانه نفسه فقال « الذي له ملك السماوات و
الأرض و لم يتخذ ولدا » كما زعمت اليهود و النصارى و المشركون « و لم يكن له شريك
في الملك » يشاركه فيما خلق و يمنعه عن مراده « و خلق كل شيء » مما يطلق عليه اسم
المخلوق « فقدره تقديرا » على ما اقتضته الحكمة و التقدير تبيين مقادير الأشياء
للعباد فيكون معناه قدر الأشياء بأن كتبها في الكتاب الذي كتبه الملائكة لطفا لهم و
قيل خلق كل شيء فقدر طوله و عرضه و لونه و سائر صفاته و مدة بقائه عن الحسن ثم أخبر
سبحانه عن الكفار فقال « و اتخذوا من دونه » أي من دون الله « آلهة » من الأصنام و
الأوثان وجهوا عبادتهم إليها ثم وصف آلهتهم بما ينبىء أنها لا تستحق العبادة فقال «
لا يخلقون شيئا و هم يخلقون » أي و هي مخلوقة
مجمع البيان ج : 7 ص : 253
مصنوعة « و لا يملكون لأنفسهم ضرا » فيدفعونه عن أنفسهم « و لا نفعا » فيجرونه
إلى أنفسهم أي لا يقدرون على دفع ضر و لا على جر نفع « و لا يملكون موتا و لا حياة
» أي لا يستطيعون إماتة و لا إحياء « و لا نشورا » و لا إعادة بعد الموت يقال أنشره
الله فنشر فإن جميع ذلك يختص الله تعالى بالقدرة عليه و المعنى فكيف يعبدون من لا
يقدر على شيء من ذلك و يتركون عبادة ربهم الذي يملك ذلك كله ثم أخبر سبحانه عن
تكذيبهم بالقرآن فقال « و قال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه » أي ما هذا
القرآن إلا كذب افتراه محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و اختلقه من تلقاء نفسه « و
أعانه عليه قوم آخرون » قالوا أعان محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) على هذا القرآن
عداس مولى حويطب بن عبد العزى و يسار غلام العلاء بن الحضرمي و حبر مولى عامر و
كانوا من أهل الكتاب و قيل إنهم قالوا أعانه قوم اليهود عن مجاهد « فقد جاءوا ظلما
و زورا » أي فقد قالوا شركا و كذبا حين زعموا أن القرآن ليس من الله و متى قيل كيف
اكتفي بهذا القدر في جوابهم قلنا إنه لما تقدم التحدي و عجزهم عن الإتيان بمثله
اكتفي هاهنا بالتنبيه على ذلك « و قالوا أساطير الأولين اكتتبها » معناه و قالوا
أيضا هذه أحاديث المتقدمين و ما سطروه في كتبهم انتسخها و قيل استكتبها « فهي تملى
عليه بكرة و أصيلا » أي تملى عليه طرفي نهاره حتى يحفظها و ينسخها و الأصيل العشي
لأنه أصل الليل و أوله و في هذا بيان مناقضتهم و كذبهم لأنهم قالوا افتراه ثم قالوا
تملى عليه فقد افتراه غيره و قالوا أنه كتب و قد علموا أنه كان لا يحسن الكتابة
فكيف كتب و لم يستكتب ثم قال سبحانه « قل » يا محمد لهم تكذيبا لقولهم « أنزله » أي
أنزل القرآن « الذي يعلم السر » أي الخفيات « في السماوات و الأرض » على ما اقتضاه
علمه ببواطن الأمور لا على ما تقتضيه أهواء النفوس و الصدور « إنه كان غفورا رحيما
» حيث لم يعاجلهم بالعذاب بل أنعم عليهم بإرسال الرسول إليهم لتأكيد الحجة و قطع
المعذرة « و قالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام » كما نأكل « و يمشي في الأسواق » في
طلب المعاش كما نمشي « لو لا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا » أي هلا أنزل إليه ملك
فيكون معينا له على الإنذار و التخويف و هذا أيضا من مقالاتهم الفاسدة لأن الملك لو
كان معينا له على الرسالة و مخوفا من ترك قبولها و لو فعل تعالى ذلك لأدى ذلك إلى
استصغار كل واحد منهما من حيث إنه لم يقم بنفسه في أداء الرسالة و لأن الجنس إلى
الجنس أميل و به آنس « أو يلقى إليه كنز » يستغني به عن طلب المعاش قال ابن عباس أو
ينزل إليه مال من السماء « أو تكون له جنة يأكل منها » أي بستان يأكل من ثمارها و
من قرأ بالنون فالمعنى نأكل نحن معه و نتبعه « و قال الظالمون » أي المشركون
للمؤمنين « إن تتبعون إلا رجلا مسحورا » أي ما تتبعون إلا رجلا مخدوعا مغلوبا على
عقله و قد سبق تفسير
مجمع البيان ج : 7 ص : 254
المسحور في بني إسرائيل «
أنظر » يا محمد « كيف ضربوا لك الأمثال » أي الأشباه لأنهم قالوا تارة هو مسحور و
تارة هو محتاج متروك حتى تمنوا له الكنز و تارة أنه ناقص عن القيام بالأمور « فضلوا
» بهذا عن الهدى و عن وجه الصواب و طريق الحق « فلا يستطيعون سبيلا » لإلزامك الحجة
من الوجوه المذكورة و قيل معناه لا يستطيعون سبيلا إلى إبطال أمرك و قيل معناه لا
يستطيعون سبيلا إلى الحق مع ردهم الدلائل و الحجج و اتباعهم التقليد و الألف و
العادة « تبارك » أي تقدس « الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك » الذي اقترحوه من
الكنز و البستان ثم فسر الذي هو خير مما اقترحوه فقال « جنات تجري من تحتها الأنهار
» ليكون أبلغ في الزهو و أسرع في نضج الثمار « و يجعل لك قصورا » أي و سيجعل لك
قصورا في كل بستان قصرا و القصور البيوت المبنية المشيدة المطولة عن مجاهد و أراد
في الآخرة أي سيعطيك الله في الآخرة أكثر مما قالوا و قيل أراد به في الدنيا لأن
جبرائيل (عليه السلام) عرض عليه ذلك كله فاختار الزهد في الدنيا .
مجمع
البيان ج : 7 ص : 255
بَلْ كَذَّبُوا بِالساعَةِ وَ أَعْتَدْنَا لِمَن كذَّب
بِالساعَةِ سعِيراً(11) إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكانِ بَعِيد سمِعُوا لهََا
تَغَيُّظاً وَ زَفِيراً(12) وَ إِذَا أُلْقُوا مِنهَا مَكاناً ضيِّقاً
مُّقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِك ثُبُوراً(13) لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً
وَحِداً وَ ادْعُوا ثُبُوراً كثِيراً(14) قُلْ أَ ذَلِك خَيرٌ أَمْ جَنَّةُ
الْخُلْدِ الَّتى وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَت لهَُمْ جَزَاءً وَ مَصِيراً(15)
لهَُّمْ فِيهَا مَا يَشاءُونَ خَلِدِينَ كانَ عَلى رَبِّك وَعْداً مَّسئُولاً(16)
وَ يَوْمَ يَحْشرُهُمْ وَ مَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ ءَ أَنتُمْ
أَضلَلْتُمْ عِبَادِى هَؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضلُّوا السبِيلَ(17) قَالُوا سبْحَنَك مَا
كانَ يَنبَغِى لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِك مِنْ أَوْلِيَاءَ وَ لَكِن
مَّتَّعْتَهُمْ وَ ءَابَاءَهُمْ حَتى نَسوا الذِّكرَ وَ كانُوا قَوْمَا بُوراً(18)
فَقَدْ كذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَستَطِيعُونَ صرْفاً وَ لا نَصراً وَ
مَن يَظلِم مِّنكمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كبِيراً(19) وَ مَا أَرْسلْنَا قَبْلَك مِنَ
الْمُرْسلِينَ إِلا إِنَّهُمْ يَأْكلُونَ َ الطعَامَ وَ يَمْشونَ فى الأَسوَاقِ وَ
جَعَلْنَا بَعْضكمْ لِبَعْض فِتْنَةً أَ تَصبرُونَ وَ كانَ رَبُّك بَصِيراً(20)
القراءة قرأ أبو جعفر و ابن كثير و حفص و يعقوب « و يوم يحشرهم » بالياء و
الباقون بالنون و قرأ ابن عامر فنقول بالنون و الباقون بالياء و قرأ أبو جعفر و زيد
عن يعقوب أن نتخذ بضم النون و فتح الخاء و هو قراءة زيد بن ثابت و أبي الدرداء و
روي عن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) و زيد بن علي و الباقون « نتخذ » بفتح النون و
كسر الخاء و روي بعضهم عن ابن كثير فقد كذبوكم بما يقولون بالياء و القراءة
المشهورة بالتاء و قرأ حفص « فما تستطيعون » بالتاء و الباقون بالياء و روي عن علي
(عليه السلام) و يمشون في الأسواق بضم الياء و فتح الشين المشددة . الحجة
قال أبو علي حجة من قرأ « يحشرهم » بالياء قوله « كان على ربك وعدا مسئولا » و
يوم يحشرهم ربك و من قرأ نحشرهم بالنون « فيقول » بالياء فعلى أنه أفرد بعد أن جمع
كما أفرد بعد الجمع في قوله و آتينا موسى الكتاب إلى قوله إلا تتخذوا من دوني وكيلا
و قراءة ابن عامر و يوم نحشرهم فنقول حسن لإجرائه المعطوف مجرى المعطوف عليه في لفظ
الجمع قال ابن جني من قرأ أن نتخذ بضم النون فإن قوله « من أولياء » في موضع الحال
أي ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك أولياء و دخلت من زائدة لمكان النفي تقول
اتخذت زيدا وكيلا فإن نفيت قلت ما اتخذت زيدا من وكيل و كذلك أعطيته درهما و ما
أعطيته من درهم و هذا في المفعول به و أما قراءة الجماعة « أن نتخذ من دونك من
أولياء » فإن قوله « من أولياء » في موضع المفعول أي أولياء فهو كقولك ضربت رجلا
فإن نفيت قلت ما ضربت من رجل و المعنى في قوله « ما كان ينبغي لنا أن نتخذ » لسنا
ندعي استحقاق الولاء و لا العبادة لنا و المعنى في قوله « فقد كذبوكم بما تقولون »
بالتاء كذبوكم في قولكم أنهم شركاء و أنهم آلهة و ذلك في قولهم تبرأنا إليك ما
كانوا إيانا يعبدون و من قرأ بما يقولون بالياء فالمعنى فقد كذبوكم أي ما كنتم
تعبدون بقولهم و قولهم هو نحو ما قالوه في قوله و قال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون
و قوله فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون و قوله فما يستطيعون بالياء معناه فما
يستطيع الشركاء صرفا و لا نصرا لكم و من قرأ بالتاء فمعناه فما تستطيعون أنتم أيها
المتخذون للشركاء من دونه صرفا
مجمع البيان ج : 7 ص : 256
و لا نصرا و من
قرأ يمشون فمعناه يدعون إلى المشي و يحملهم حامل على المشي و جاء على فعل لتكثير
فعلهم لأنهم جماعة . اللغة السعير النار الملتهبة مأخوذة من إسعار
النار و هو شدة إيقادها أسعرتها إسعارا و سعرها الله تسعيرا و التغيظ الهيجان و
الغليان و منه قيل لشدة الغضب الغيظ و مقرنين مأخوذ من القرن و هو الحبل يشد فيه
بعيران أو أبعرة ثم يستعمل في كل مجتمعين و الثبور الهلاك و ثبر الرجل فهو مثبور
أهلك قال ابن الزبعري : إذ أجاري الشيطان في سنن الغي و من مال ميلة مثبور
و يقال ما خبرك عن هذا الأمر أي ما صرفك عنه فكان المثبور ممنوع من كل خير حتى هلك
و البور الهلكى و هو جمع الباير و قيل هو مصدر لا يثنى و لا يجمع و لا يؤنث قال ابن
الزبعري : يا رسول المليك إن لساني راتق ما فتقت إذ أنا بور و أصل الباب من
بارت السلعة تبور إذا كسدت فلا تشترى فكأنها بقيت و فسدت . الإعراب
«
مكانا » ظرف لألقى . « مقرنين » نصب على الحال . « ثبورا » مصدر فعل محذوف
تقديره ثبر ثبورا . و « دعوا » هنا بمعنى قالوا و « هنالك » يحتمل أن يكون ظرف
زمان و أن يكون ظرف مكان أي دعوا في ذلك اليوم أو في ذلك المكان . « كانت لهم
جزاء و مصيرا » في موضع نصب على الحال من وعد و قد مضمرة و ذو الحال الضمير المحذوف
العائد من الصلة إلى الموصول . « لهم فيها ما يشاءون » جملة أخرى في موضع الحال
من قوله « المتقون » « و ما أرسلنا قبلك من المرسلين » مفعول أرسلنا محذوف تقديره و
ما أرسلنا قبلك رسلا و يدل عليه قوله « من المرسلين » « إلا أنهم ليأكلون الطعام »
إن مع اسمه و خبره مستثنى عن الرسل المحذوفة تقديره و ما أرسلنا قبلك رسلا إلا هم
يأكلون الطعام و هذا كما يقال ما قدم علينا أمير إلا أنه مكرم لي و ليست كسرة أن
لأجل اللام فإن دخولها و خروجها واحد في هذا الموضع و قيل ما في الآية كقول الشاعر
: ما أعطياني و لا سألتهما إلا و إني لحاجز كرمي . المعنى
ثم
بين سبحانه سوء اعتقادهم و ما أعده لهم على قبيح فعالهم و مقالهم فقال « بل كذبوا
بالساعة » أي ما كذبوك لأنك تأكل الطعام و تمشي في الأسواق بل لأنهم لم
مجمع
البيان ج : 7 ص : 257
يقروا بالبعث و النشور و الثواب و العقاب « و أعتدنا لمن
كذب بالساعة سعيرا » أي نارا تتلظى ثم وصف ذلك السعير فقال « إذا رأتهم من مكان
بعيد » أي من مسيرة مائة عام عن السدي و الكلبي و قال أبو عبد الله (عليه السلام)
من مسيرة سنة و نسب الرؤية إلى النار و إنما يرونها هم لأن ذلك أبلغ كأنها تراهم
رؤية الغضبان الذي يزفر غيظا و ذلك قوله « سمعوا لها تغيظا و زفيرا » و تغيظها
تقطعها عند شدة اضطرابها و زفيرها صوتها عند شدة التهابها كالتهاب الرجل المغتاظ و
التغيظ لا يسمع و إنما يعلم بدلالة الحال عليه و قيل معناه سمعوا لها صوت تغيظ و
غليان قال عبيد بن عمير أن جهنم لتزفر زفرة لا يبقى نبي و لا ملك إلا خر لوجهه و
قيل التغيظ للنار و الزفير لأهلها كأنه يقول رأوا للنار تغيظا و سمعوا لأهلها زفيرا
« و إذا ألقوا منها مكانا ضيقا » معناه و إذا ألقوا من النار في مكان ضيق يضيق
عليهم كما يضيق الزج في الرمح عن أكثر المفسرين و في الحديث قال (عليه السلام) في
هذه الآية و الذي نفسي بيده أنهم يستكرهون في النار كما يستكره الوتد في الحائط «
مقرنين » أي مصفدين قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال و قيل قرنوا مع الشياطين في
السلاسل و الأغلال عن الجبائي « دعوا هنالك ثبورا » أي دعوا بالويل و الهلاك على
أنفسهم كما يقول القائل وا ثبورا أي وا هلاكاه و قيل وا انصرافاه عن طاعة الله
فتجيبهم الملائكة « لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا و ادعوا ثبورا كثيرا » أي لا تدعوا
ويلا واحدا و ادعوا ويلا كثيرا أي لا ينفعكم هذا و إن كثر منكم قال الزجاج معناه
هلاككم أكبر من أن تدعوا مرة واحدة « قل » يا محمد « أ ذلك » يعني ما ذكره من
السعير « خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت » تلك الجنة « لهم جزاء » على
أعمالهم « و مصيرا » أي مرجعا و مستقرا « لهم فيها ما يشاءون » و يشتهون من المنافع
و اللذات « خالدين » مؤبدين لا يفنون فيها « كان على ربك وعدا مسئولا » قال ابن
عباس معناه أن الله سبحانه وعد لهم الجزاء فسألوه الوفاء فوفى و قيل معناه أن
الملائكة سألوا الله تعالى ذلك لهم فأجيبوا إلى مسألتهم و ذلك قولهم ربنا و أدخلهم
جنات عدن التي وعدتهم عن محمد بن كعب و قيل أنهم سألوا الله تعالى في الدنيا الجنة
بالدعاء فأجابهم في الآخرة إلى ما سألوا و أتاهم ما طلبوا « و يوم يحشرهم » أي
يجمعهم « و ما يعبدون من دون الله » يعني عيسى و عزير و الملائكة عن مجاهد و قيل
يعني الأصنام عن عكرمة و الضحاك « فيقول » الله تعالى لهؤلاء المعبودين « أ أنتم
أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل » أي طريق الجنة و النجاة « قالوا » يعني
المعبودين من الملائكة و الإنس أو الأصنام إذا أحياهم الله و أنطقهم « سبحانك »
تنزيها لك عن الشريك و عن أن يكون معبود سواك « ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك
من أولياء » أي ليس لنا أن نوالي أعداءك بل أنت ولينا من
مجمع البيان ج : 7 ص :
258
دونهم و قيل معناه ما كان يجوز لنا و للعابدين و ما كان يحق لنا أن نأمر
أحدا بأن يعبدنا و لا يعبدك فإنا لو أمرناهم بذلك لكنا واليناهم و نحن لا نوالي من
يكفر بك و من قرأ نتخذ فمعناه ما كان يحق لنا أن نعبد « و لكن متعتهم و آبائهم حتى
نسوا الذكر » معناه و لكن طولت أعمارهم و أعمار آبائهم و متعتهم بالأموال و الأولاد
بعد موت الرسل حتى نسوا الذكر المنزل على الأنبياء و تركوه « و كانوا قوما بورا »
أي هلكى فاسدين هذا تمام الحكاية عن قول المعبودين من دون الله فيقول الله سبحانه
عند تبرء المعبودين من عبدتهم « فقد كذبوكم » أي كذبكم المعبودون أيها المشركون «
بما تقولون » أي بقولكم أنهم آلهة شركاء لله و من قرأ بالياء فالمعنى فقد كذبوكم
بقولهم « سبحانك ما كان ينبغي لنا » الآية فما يستطيعون صرفا أي فما يستطيع
المعبودون صرف العذاب عنكم « و لا نصرا » لكم بدفع العذاب عنكم و من قرأ بالتاء
فالمعنى فما تستطيعون أيها المتخذون الشركاء صرف العذاب عن أنفسكم و لا أن تنصروا
أنفسكم بمنعها من العذاب « و من يظلم منكم » نفسه بالشرك و ارتكاب المعاصي « نذقه »
في الآخرة « عذابا كبيرا » أي شديدا عظيما ثم رجع سبحانه إلى مخاطبة النبي (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) فقال « و ما أرسلنا قبلك » يا محمد « من المرسلين إلا أنهم
ليأكلون الطعام و يمشون في الأسواق » قال الزجاج و هذا احتجاج عليهم في قوله « ما ل
هذا الرسول يأكل الطعام و يمشي في الأسواق » أي فقل لهم كذلك كان من خلا من الرسل
فكيف يكون محمد بدعا منهم « و جعلنا بعضكم لبعض فتنة » أي امتحانا و ابتلاء و هو
افتتان الفقير بالغني يقول لو شاء الله لجعلني مثله غنيا و الأعمى بالبصير يقول لو
شاء الله لجعلني مثله بصيرا و كذلك السقيم بالصحيح عن الحسن و قيل هو ابتلاء فقراء
المؤمنين بالمستهزئين من قريش كانوا يقولون انظروا إلى هؤلاء الذين اتبعوا محمدا من
موالينا و رذالنا فقال الله لهؤلاء الفقراء « أ تصبرون » أيها الفقراء على الأذى و
الاستهزاء « و كان ربك بصيرا » إن صبرتم فاصبروا فأنزل الله فيهم إني جزيتهم اليوم
بما صبروا عن مقاتل و قيل معناه أ تصبرون أيها الفقراء على فقركم و لا تفعلون ما
يؤدي إلى مخالفتنا أ تصبرون أيها الأغنياء فتشكرون و لا تفعلون ما يؤدي إلى
مخالفتنا « و كان ربك بصيرا » أي عليما فيغني من أوجبت الحكمة إغناءه و يفقر من
أوجبت الحكمة إفقاره و قيل بصيرا بمن يصبر و بمن يجزع عن ابن جريج .
مجمع
البيان ج : 7 ص : 259
* وَ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْ لا
أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَئكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ استَكْبرُوا فى
أَنفُسِهِمْ وَ عَتَوْ عُتُوًّا كَبِيراً(21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَئكَةَ لا
بُشرَى يَوْمَئذ لِّلْمُجْرِمِينَ وَ يَقُولُونَ حِجْراً محْجُوراً(22) وَ
قَدِمْنَا إِلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَل فَجَعَلْنَهُ هَبَاءً مَّنثُوراً(23)
أَصحَب الْجَنَّةِ يَوْمَئذ خَيرٌ مُّستَقَرًّا وَ أَحْسنُ مَقِيلاً(24) وَ يَوْمَ
تَشقَّقُ السمَاءُ بِالْغَمَمِ وَ نُزِّلَ المَْلَئكَةُ تَنزِيلاً(25) الْمُلْك
يَوْمَئذ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَ كانَ يَوْماً عَلى الْكَفِرِينَ عَسِيراً(26) وَ
يَوْمَ يَعَض الظالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يَلَيْتَنى اتخَذْت مَعَ الرَّسولِ
سبِيلاً(27) يَوَيْلَتى لَيْتَنى لَمْ أَتخِذْ فُلاناً خَلِيلاً(28) لَّقَدْ
أَضلَّنى عَنِ الذِّكرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنى وَ كانَ الشيْطنُ لِلانسنِ
خَذُولاً(29) وَ قَالَ الرَّسولُ يَرَب إِنَّ قَوْمِى اتخَذُوا هَذَا الْقُرْءَانَ
مَهْجُوراً(30)
القراءة قرأ أهل الكوفة و أبو عمرو تشقق خفيفة الشين هاهنا
و في سورة ق و الباقون « تشقق » مشددة الشين و قرأ ابن كثير ننزل بنونين خفيفة
الملائكة بالنصب و الباقون و « نزل » بنون واحدة و تشديد الزاي و فتح اللام و «
الملائكة » بالرفع . الحجة تشقق أصله تتشقق فأدغم التاء في الشين و
التخفيف أكثر في الكلام لأن الحذف أخف عليهم من الإدغام و من قرأ و ننزل الملائكة
تنزيلا فإن أنزل مثل نزل و مثله في التنزيل و تبتل إليه تبتيلا فجاء المصدر على فعل
قال الشاعر و قد تطويت انطواء الخصب . اللغة الرجاء ترقب الخير
الذي يقوى في النفس وقوعه و مثله الطمع و الأمل و اللقاء المصير إلى الشيء من غير
حائل و العتو الخروج إلى أفحش الظلم و أصل الحجر الضيق
|