قرآن، حديث، دعا |
زندگينامه |
کتابخانه |
احكام و فتاوا |
دروس |
معرفى و اخبار دفاتر |
ديدارها و ملاقات ها |
پيامها |
فعاليتهاى فرهنگى |
کتابخانه تخصصى فقهى |
نگارخانه |
اخبار |
مناسبتها |
صفحه ويژه |
|
مجمع
البيان ج : 7 ص : 283
كأن بنحره و بمنكبيه عبيرا ، بات تعبأه عروس أي
تهيئة و عبأت الجيش بالتشديد و التخفيف إذا هيأته و ما أعبؤ به أي لا أهيء به أمرا
. المعنى ثم قال سبحانه « و من تاب » أي أقلع عن معاصيه و ندم عليها «
و عمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا » أي يرجع إليه مرجعا عظيما جميلا و فرق علي
بن عيسى بين التوبة إلى الله و التوبة من القبيح لقبحه بأن التوبة إلى الله تقتضي
طلب ثوابه و ليس كذلك التوبة من القبيح لقبحه فعلى هذا يكون المعنى من عزم على
التوبة من المعاصي فإنه ينبغي أن يوجه توبته إلى الله بالقصد إلى طلب جزائه و رضائه
عنه فإنه يرجع إلى الله فيكافيه و قيل معناه من تاب و عمل صالحا فقد انقطع إلى الله
فاعرفوا ذلك له فإن من انقطع إلى خدمة بعض الملوك فقد أحرز شرفا فكيف المنقطع إلى
الله سبحانه ثم عاد سبحانه إلى وصف عباده المخلصين فقال « و الذين لا يشهدون الزور
» أي لا يحضرون مجالس الباطل و يدخل فيه مجالس الغناء و الفحش و الخنا و قيل الزور
الشرك عن الضحاك قال الزجاج الزور في اللغة الكذب و لا كذب فوق الشرك بالله و قيل
الزور أعياد أهل الذمة كالسعانين و غيرها عن محمد بن سيرين و قيل هو الغناء عن
مجاهد و هو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) و أبي عبد الله (عليه السلام) و قيل
يعني شهادة الزور عن علي بن أبي طلحة فيكون المراد أنهم لا يشهدون شهادة الزور فحذف
المضاف و كان عمر بن الخطاب يجلد شاهد الزور أربعين جلدة و يسخم وجهه و يطوف به في
السوق و أصل الزور تمويه الباطل بما يوهم أنه حق « و إذا مروا باللغو مروا كراما »
و اللغو المعاصي كلها أي مروا به مر الكرماء الذين لا يرضون باللغو لأنهم يجلون عن
الدخول فيه و الاختلاط بأهله عن الحسن و الكلبي و التقدير إذا مروا بأهل اللغو و
ذوي اللغو مروا منزهين أنفسهم معرضين عنهم فلم يجاروهم فيه و لم يخوضوا معهم في ذلك
فهذه صفة الكرام يقال تكرم فلان عما يشينه إذا تنزه و أكرم نفسه عنه و قيل مرورهم
كراما هو أن يمروا بمن يسبهم فيصفحون عنه و بمن يستعين بهم على حق فيعينونه و قيل
هم الذين إذا أرادوا ذكر الفرج كنوا عنه عن أبي جعفر (عليه السلام) و مجاهد و أصل
اللغو هو الفعل الذي لا فائدة فيه و لهذا يقال للكلمة التي لا تفيد لغو و ليس
المراد به القبيح فإن فعل الساهي و النائم لغو و ليس بحسن و لا قبيح إلا ما يتعدى
إلى الغير على الخلاف فيه « و الذين إذا ذكروا
مجمع البيان ج : 7 ص : 284
ب
آيات ربهم لم يخروا عليها صما و عميانا » أي إذا وعظوا بالقرآن و الأدلة التي نصبها
الله لهم نظروا فيها و تفكروا في مقتضاها و لم يقعوا عليها صما كأنهم لم يسمعوها و
عميانا كأنهم لهم يروها لكنهم سمعوها و أبصروها و انتفعوا بها و تدبروا لها قال
الحسن كم من قارىء يقرؤها فخر عليها أصم و أعمى و قال الأخفش « لم يخروا عليها » أي
لم يقيموا و قال ابن قتيبة لم يتغافلوا عنها كأنهم صم لم يسمعوها و عمي لم يروها «
و الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا و ذرياتنا قرة أعين » أي اجعل أزواجنا و
ذرياتنا قرة أعين بأن نراهم يطيعون الله عن الحسن و قيل معناه ارزقنا من أزواجنا
أولادا و من ذريتنا أعقابا قرة أعين أي أهل طاعة تقر بهم أعيننا في الدنيا بالصلاح
و في الآخرة بالجنة « و اجعلنا للمتقين إماما » أي اجعلنا ممن يقتدي بنا المتقون
طلبوا العز بالتقوى لا بالدنيا و قيل معناه اجعلنا نأتم بمن قبلنا حتى يأتم أي
يقتدي بنا من بعدنا و على هذا فيجوز أن يكون اللام في اللفظ في المتقين و في المعنى
في نا و التقدير و اجعل المتقين لنا إماما و مثله قول الشاعر كأننا رعن قف يرفع
الآلا و التقدير يرفعه الآل ثم أخبر سبحانه عن جميع هذه الأوصاف فقال « أولئك يجزون
الغرفة » أي يثابون الدرجة الرفيعة في الجنة « بما صبروا » على أمر ربهم و طاعة
نبيهم و على مشاق الدنيا و صعوبة التكليف و قيل هي غرف الزبرجد و الدر و الياقوت عن
عطا و الغرفة في الأصل بناء فوق بناء و قيل الغرفة اسم لأعلى منازل الجنة و أفضلها
كما أنها في الدنيا أعلى المساكن « و يلقون فيها تحية و سلاما » أي تتلقاهم
الملائكة فيها بالتحية و هي كل قول يسر به الإنسان و بالسلام بشارة لهم بعظيم
الثواب و قيل التحية الملك العظيم و السلام جميع أنواع السلامة و قيل التحية البقاء
الدائم و قال الكلبي يحيي بعضهم بعضا بالسلام و يرسل إليهم الرب بالسلام « خالدين »
أي مقيمين « فيها » من غير موت و لا زوال « حسنت » الغرفة « مستقرا و مقاما » أي
موضع قرار و استقامة « قل » يا محمد « ما يعبؤ بكم ربي » أي ما يصنع بكم ربي عن
مجاهد و ابن زيد و قيل ما يبالي بكم ربي عن أبي عمرو بن العلاء و ما لا يعبأ به
فوجوده و عدمه سواء « لو لا دعاؤكم » أي لو لا دعاؤه إياكم إلى الدين و الإسلام عن
ابن عباس فيكون المصدر مضافا إلى المفعول و المعنى قل للمشركين ما يفعل بكم ربي أي
أي نفع له فيكم و أي ضرر يعود إليه من عدمكم و أي قدر لكم عند الله حتى يدعوكم إلى
الإيمان لكن الواجب في الحكمة دعاؤكم إلى الدين و إرسال الرسول و قد فعل و قيل
معناه لو لا عبادتكم له و إيمانكم به و توحيدكم إياه عن الكلبي و مقاتل و الزجاج
فيكون الدعاء بمعنى
مجمع البيان ج : 7 ص : 285
العبادة و في هذا دلالة على
أن من لا يعبد الله و لا يطيعه فلا وزن له عند الله و قيل معناه ما يعبأ بعذابكم
ربي لو لا دعاء بعضكم بعضا إلى الشرك و الشر عن البلخي و دليله ما يفعل الله
بعذابكم الآية و قيل معناه لو لا دعاؤكم له إذا مسكم ضر أو أصابكم سوء رغبة له و
خضوعا له و روى العياشي بإسناده عن يزيد بن معاوية العجلي قال قلت لأبي جعفر (عليه
السلام) كثرة القراءة أفضل أم كثرة الدعاء أفضل قال كثرة الدعاء أفضل و قرأ هذه
الآية « فقد كذبتم » الخطاب لأهل مكة أي أن الله دعاكم بالرسول إلى توحيده و عبادته
فقد كذبتم يا معاشر الكفار الرسول « فسوف يكون لزاما » أي فسوف يكون عقابه لتكذيبكم
إياه لازما لكم قال صخر الغي : فأما ينجوا من حتف أرضي فقد لقيا حتوفهما
لزاما أي أنه واقع لا محالة قال الزجاج تأويله فسوف يكون تكذيبكم لزاما يلزمكم فلا
تعطون التوبة و تلزمكم به العقوبة و قال أبو عبيدة لزاما فيصلا و قيل في تفسير
اللزام أنه القتل يوم بدر عن ابن مسعود و أبي بن كعب و قيل هو عذاب الآخرة و قال
أبو ذؤيب في اللزام : ففاجأه بعادية لزام كما يتفجر الحوض اللقيف فلزام
معناه كثيرة يلزم بعضها بعضا و لقيف متساقط متهدم و بالله التوفيق .
مجمع
البيان ج : 7 ص : 286
( 26 ) سورة الشعراء مكية و آياتها سبع و عشرون و مائتان
( 227 ) مكية كلها غير قوله « و الشعراء يتبعهم الغاوون » الآيات إلى آخر
السورة فإنها نزلت بالمدينة . عدد آيها مائتان و سبع و عشرون آية كوفي
و شامي و المدني الأول و ست في الباقين . اختلافها أربع آيات « طسم »
كوفي « فلسوف تعلمون » غير الكوفي « ما كنتم تعبدون » غير البصري و « ما تنزلت به
الشياطين » عراقي شامي و المدني الأول . فضلها أبي بن كعب قال قال رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من قرأ سورة الشعراء كان له من الأجر عشر حسنات بعدد
من صدق بنوح (عليه السلام) و كذب به و هود و شعيب و صالح و إبراهيم (عليه السلام) و
بعدد من كذب بعيسى (عليه السلام) و صدق بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و عن ابن
عباس قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أعطيت سورة التي يذكر فيها البقرة
من الذكر الأول و أعطيت طه و طواسين من ألواح موسى و أعطيت فواتح القرآن و خواتيم
السورة التي يذكر فيها البقرة من تحت العرش و أعطيت المفصلة نافلة و روى أبو بصير
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من قرأ الطواسين الثلاث في ليلة الجمعة كان من
أولياء الله و في جواره و كنفه و أسكنه الله في جنة عدن وسط الجنة مع النبيين و
المرسلين و الوصيين الراشدين و لم يصبه في الدنيا بؤس أبدا و أعطي في الآخرة من
الأجر الجنة حتى يرضى و فوق رضاه و زوجه الله مائة حوراء من الحور العين .
تفسيرها ذكر الله سبحانه في مختتم سورة الفرقان تكذيبهم بالكتاب و ذكر
في مفتتح هذه السورة وصف الكتاب فقال :
مجمع البيان ج : 7 ص : 287
سورة
الشعراء بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ طسم(1) تِلْك ءَايَت الْكِتَبِ
الْمُبِينِ(2) لَعَلَّك بَخِعٌ نَّفْسك أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ(3) إِن نَّشأْ
نُنزِّلْ عَلَيهِم مِّنَ السمَاءِ ءَايَةً فَظلَّت أَعْنَقُهُمْ لهََا خَضِعِينَ(4)
وَ مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْر مِّنَ الرَّحْمَنِ محْدَث إِلا كانُوا عَنْهُ
مُعْرِضِينَ(5) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسيَأْتِيهِمْ أَنبَؤُا مَا كانُوا بِهِ
يَستهْزِءُونَ(6) أَ وَ لَمْ يَرَوْا إِلى الأَرْضِ كمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كلِّ
زَوْج كَرِيم(7) إِنَّ فى ذَلِك لاَيَةً وَ مَا كانَ أَكْثرُهُم مُّؤْمِنِينَ(8) وَ
إِنَّ رَبَّك لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ(9)
القراءة قرأ أهل الكوفة غير
الأعشى و البرجمي و حفص « طسم » و يس و حم بالإمالة و الباقون بالفتح و التفخيم و
ابن كثير أشد فتحا و تفخيما و كذلك عاصم ثم يعقوب و الآخرون لا يفتحون فتحا شديدا و
قرأ أبو جعفر و حمزة بإظهار النون من سين عند الميم و الآخرون يدغمون .
الحجة قال أبو علي تبيين النون هو الوجه لأن حروف الهجاء في تقدير
الانفصال و الانقطاع مما بعدها فإذا كان كذلك وجب تبيين النون لأنها إنما تخفى إذا
اتصلت بحرف من حروف الفم فإذا لم تتصل بها لم يكن شيء يوجب إخفاءها و وجه إخفائها
مع هذه الحروف أن همزة الوصل قد وصلت و لم تقطع و همزة الوصل إنما تذهب في الدرج
فلما سقطت همزة الوصل و هي لا تسقط إلا في الدرج مع هذه الحروف في ألف لام ميم الله
كذلك لا يبين النون و يقدر فيها الاتصال بما قبلها و لا يقدر الانفصال .
الإعراب « أن لا يكونوا » في محل نصب بأنه مفعول له و التقدير لأن لا
يكونوا أو بأن
مجمع البيان ج : 7 ص : 288
لا يكونوا « ظلت أعناقهم » في
موضع جزم عطفا على تنزل « من ذكر » في محل رفع و من مزيدة و كم في موضع نصب بأنه
مفعول أنبتنا و « أنبتنا » في موضع نصب على الحال و قد مضمرة و التقدير مثبتا .
المعنى « طسم » قد بينا معاني هذه الحروف المقطعة في أول البقرة فلا
معنى لإعادته و قال مجاهد و الضحاك إن « طسم » و طس من أسماء القرآن و قال ابن عباس
في رواية الوالبي طسم قسم و هو من أسماء الله عز و جل و قال القرظي أقسم الله بطوله
و سنائه و ملكه و روي عن ابن الحنفية عن علي (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لما نزلت « طسم » قال الطاء طور سيناء و سين الإسكندرية و الميم مكة
و قيل الطاء شجرة طوبى و السين سدرة المنتهى و الميم محمد المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلّم) « تلك آيات الكتاب المبين » أشار بتلك إلى ما ليس بحاضر لكنه متوقع
فهو كالحاضر لحضور المعنى في النفس و التقدير تلك الآيات التي وعدتم بها هي آيات
الكتاب أي القرآن و المبين الذي يبين الحق من الباطل « لعلك باخع نفسك ألا يكونوا
مؤمنين » أي لعلك مهلك نفسك و قاتل نفسك بأن لا يكونوا مؤمنين و بأن يقيموا على
الكفر إنما قال ذلك سبحانه تسلية لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) و تخفيفا عنه بعض
ما كان يصيبه من الاغتمام لذلك « إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية » أي دلالة و
علامة تلجئهم و تضطرهم إلى الإيمان « فظلت أعناقهم لها » أي لتلك الآية « خاضعين »
منقادين و قيل في ذلك وجوه ( أحدها ) إن المراد فظل أصحاب الأعناق لها خاضعين فحذف
المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه لدلالة الكلام عليه ( و ثانيها ) أنه جعل الفعل
أولا للأعناق ثم جعل خاضعين للرجال لأن الأعناق إذا خضعت فأربابها خاضعون ( و
ثالثها ) إن الخضوع مردود إلى المضمر الذي أضيف الأعناق إليه عن الأخفش و المبرد و
أبي عبيدة و أنشدوا قول جرير : أرى مر السنين أخذن مني كما أخذ السرار من
الهلال ( و رابعها ) إن المراد بالأعناق الرؤساء و الجماعات يقال جاءني عنق من
الناس أي جماعة ( و خامسها ) إنه لما وصف الأعناق بصفة ما يعقل نسب إليها ما يكون
من العقلاء كما قال الشاعر : تمززتها و الديك يدعو صياحه إذا ما بنو نعش
دنوا فتصوبوا
مجمع البيان ج : 7 ص : 289
و روي نادى صياحه و ذكر أبو حمزة
الثمالي في هذه الآية أنها صوت يسمع من السماء في النصف من شهر رمضان و تخرج له
العواتق من البيوت و قال ابن عباس نزلت فينا و في بني أمية قال سيكون لنا عليهم
الدولة فتخضع لنا أعناقهم بعد صعوبتها و تلين « و ما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث
إلا كانوا عنه معرضين » أخبر سبحانه عن هؤلاء الكفار أنه لا يأتيهم ذكر من الرحمن
محدث أي جديد يعني القرآن كما قال إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون و قال إن
هو إلا ذكر إلا أعرضوا عن الذكر و لم يتدبروا فيه « فقد كذبوا فسيأتيهم » فيما بعد
يعني يوم القيامة « أنباء ما كانوا به يستهزءؤن » و هي مفسرة في سورة الأنعام « أ و
لم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج » معناه من كل نوع معه قرينة « كريم »
أي حسن و قيل نافع محمود مما يحتاج إليه و قيل من كل صنف يكرم على أهله و قيل كريم
مما يأكل الناس و الأنعام عن مجاهد و قال الشعبي الناس نبات الأرض كما قال سبحانه و
الله أنبتكم من الأرض نباتا فمن دخل الجنة فهو كريم و من دخل النار فهو لئيم « إن
في ذلك لآية » أي لدلالة على وحدانيتنا و كمال قدرتنا « و ما كان أكثرهم مؤمنين »
أي لا يصدقون بذلك و لا يعترفون به عنادا و تقليدا لأسلافهم و هربا من مشقة التكليف
قال سيبويه كان هنا مزيدة و مجازه و ما أكثرهم مؤمنين « و إن ربك » يا محمد « لهو
العزيز » أي القادر و الذي لا يعجز و الغالب الذي لا يغلب « الرحيم » أي المنعم على
عباده بأنواع النعم .
مجمع البيان ج : 7 ص : 290
وَ إِذْ نَادَى رَبُّك
مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظلِمِينَ(10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَ لا يَتَّقُونَ(11)
قَالَ رَب إِنى أَخَاف أَن يُكَذِّبُونِ(12) وَ يَضِيقُ صدْرِى وَ لا يَنطلِقُ
لِسانى فَأَرْسِلْ إِلى هَرُونَ(13) وَ لهَُمْ عَلىَّ ذَنبٌ فَأَخَاف أَن
يَقْتُلُونِ(14) قَالَ َكلا فَاذْهَبَا بِئَايَتِنَا إِنَّا مَعَكُم
مُّستَمِعُونَ(15) فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسولُ رَب
الْعَلَمِينَ(16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنى إِسرءِيلَ(17) قَالَ أَ لَمْ نُرَبِّك
فِينَا وَلِيداً وَ لَبِثْت فِينَا مِنْ عُمُرِك سِنِينَ(18) وَ فَعَلْت فَعْلَتَك
الَّتى فَعَلْت وَ أَنت مِنَ الْكَفِرِينَ(19) قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَ أَنَا
مِنَ الضالِّينَ(20) فَفَرَرْت مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَب لى رَبى حُكْماً
وَ جَعَلَنى مِنَ الْمُرْسلِينَ(21) وَ تِلْك نِعْمَةٌ تَمُنهَا عَلىَّ أَنْ
عَبَّدت بَنى إِسرءِيلَ(22) قَالَ فِرْعَوْنُ وَ مَا رَب الْعَلَمِينَ(23) قَالَ
رَب السمَوَتِ وَ الأَرْضِ وَ مَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ(24) قَالَ
لِمَنْ حَوْلَهُ أَ لا تَستَمِعُونَ(25) قَالَ رَبُّكمْ وَ رَب كُمُ ائكُمُ
الأَوَّلِينَ(26) قَالَ إِنَّ رَسولَكُمُ الَّذِى أُرْسِلَ إِلَيْكمْ
لَمَجْنُونٌ(27) قَالَ رَب الْمَشرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ مَا بَيْنهُمَا إِن
كُنتُمْ تَعْقِلُونَ(28) قَالَ لَئنِ اتخَذْت إِلَهاً غَيرِى لأَجْعَلَنَّك مِنَ
الْمَسجُونِينَ(29) قَالَ أَ وَ لَوْ جِئْتُك بِشىْء مُّبِين(30)
القراءة
قرأ يعقوب و يضيق و لا ينطلق بالنصب فيهما و الباقون بالرفع و في الشواذ قراءة
عبد الله بن مسلم بن يسار و حماد بن سلمة أ لا تتقون بالتاء و قراءة الشعبي و فعلت
فعلتك . الحجة من قرأ « يضيق » « و لا ينطلق » بالرفع عطف على « أخاف »
و من قرأ بالنصب عطف على « أن يكذبون » أي أخاف أن يكذبون و أن يضيق صدري و لا
ينطلق لساني و من قرأ أ لا تتقون بالتاء فهو على إضمار القول أي فقل لهم أ لا تتقون
و من قرأ فعلتك بكسر الفاء فهي مثل الركبة و الجلسة تكون كناية عن الحال التي يكون
عليها و قد يكون المصدر على هذه الزنة تقول نشدته بالله نشدة . الإعراب
قال الزجاج موضع إذ نصب على معنى و اتل عليهم هذه القصة فيما تتلو و الدليل
عليه قوله عطفا على هذه القصة « و اتل عليهم نبأ إبراهيم إن ائت القوم الظالمين »
مجمع البيان ج : 7 ص : 291
موضعه نصب بأنه مفعول نادى أي ناداه بهذه الكلمة
رسول رب العالمين واحد في معنى الجمع كقوله فإنهم عدو لي و يجوز أن يكون كل واحد
منهما رسولا . « إن عبدت بني إسرائيل » في موضع رفع لأنه بدل من نعمة تقديره و
تلك نعمة تعبيدك بني إسرائيل و تركك إياي غير عبد و يجوز أن يكون في موضع نصب بأنه
مفعول له أي إنما صارت نعمة لأن عبدت بني إسرائيل و المعنى لو لم تفعل ما فعلت
لكفلني أهلي و لم يلقوني في اليم فإنما صارت نعمة لما فعلت من البلاء . فما ذا
تأمرون يجوز أن يكون ما في موضع رفع بالابتداء و ذا بمعنى الذي على تقدير فأي شيء
الذي تأمرونه و يجوز أن يكون في موضع نصب بأنه مفعول تأمرون و يكون مع ذا بمنزلة
اسم واحد و تقديره أي شيء تأمرون . المعنى ثم ذكر سبحانه أقاصيص رسله
تسلية للرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) و تحريضا له على الصبر ثقة بنزول النصر و
ابتدأ بقصة موسى و فرعون فقال « و إذ نادى ربك » أي و اذكر يا محمد و اتل عليهم
الوقت الذي نادى فيه ربك الذي خلقك « موسى إن ائت القوم الظالمين » هذا أمر بعد
النداء و تقديره قال له يا موسى إن ائت القوم الذين ظلموا أنفسهم بارتكاب المعاصي و
ظلموا بني إسرائيل بأن ساموهم سوء العذاب ثم بين القوم الموصوفين بهذه الصفة فقال «
قوم فرعون » و هو عطف بيان « ألا يتقون » إنما قاله بالياء لأنه على الحكاية و
معناه أ ما أن لهم أن يتقوا و يصرفوا عن أنفسهم عقوبة الله بطاعته و التقوى مجانبة
القبائح بفعل المحاسن و أصله صرف الأمر بحاجز بين الصارف و بينه « قال » موسى « رب
إني أخاف أن يكذبون » بالرسالة و لا يقبلوا مني و الخوف انزعاج النفس بتوقيع الضر و
نقيضه الأمن و هو سكون النفس إلى خلوص النفع « و يضيق صدري » بتكذيبهم إياي « و لا
ينطلق لساني » أي لا ينبعث بالكلام للعقدة التي كانت فيه و قد مر بيانها و قد يتعذر
ذلك لآفة في اللسان و قد يتعذر لضيق الصدر و غروب المعاني التي تطلب للكلام « فأرسل
إلى هارون » أخي يعني ليعاونني كما يقال إذا نزلت بنا نازلة أرسلنا إليك أي لتعيننا
و إنما طلب المعاونة حرصا على القيام بالطاعة و قال الجبائي لم يسأل موسى (عليه
السلام) ذلك إلا بعد أن أذن الله له في ذلك لأن الأنبياء لا يسألون الله إلا ما
يؤذن لهم في مسألته « و لهم علي ذنب » يعني قتل القبطي الذي قتله موسى (عليه
السلام) أي لهم علي دعوى ذنب « فأخاف أن يقتلون » خاف أن يقتلوه بتلك النفس لا
لإبلاغ الرسالة فإنه علم أن الله تعالى إذا بعث رسولا تكفل بمعونته على تبليغ
رسالته « قال » الله « كلا » و هو زجر أي لا يكون ذلك و لن يقتلوك به فإني لا
أسلطهم عليك « فاذهبا » أنت و أخوك و حذف ذكر هارون و إجابة موسى إلى ما اقترحه من
إرساله معه إلى فرعون لدلالة قوله « فاذهبا » عليه « ب آياتنا » أي بدلالاتنا و
معجزاتنا
مجمع البيان ج : 7 ص : 292
التي خصصناكما بها « إنا معكم مستمعون
» أي نحن نحفظكم و نحن سامعون ما يجري بينكم و مستمع هنا في موضع سامع لأن الاستماع
طلب السمع بالإصغاء إليه و ذلك لا يجوز عليه سبحانه و إنما أتى بهذه اللفظة لأنه
أبلغ في الصفة و أوكد و هو قوله « إنني معكما أسمع و أرى » و إنما قال أنا معكم
لأنه أجراهما مجرى الجماعة « فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين » أرسلنا الله
إليك لندعوك إلى عبادته و ترك الإشراك به و لم يقل رسولا رب العالمين لأن الرسول قد
يكون في معنى الجمع قال الهذلي : ألكني إليها و خير الرسول أعلمهم بنواحي
الخبر أي غير الرسل و قيل إن الرسول بمعنى الرسالة كما في قوله : لقد كذب
الواشون ما بحت عندهم بسر و لا أرسلتهم برسول أي برسالة و قال العباس بن مرداس
: أ لا من مبلغ عني خفافا رسولا بيت أهلك منتهاها فأنث الرسول تأنيث
الرسالة و قد يقع المصدر موقع الصفة كما تقع الصفة موقع المصدر فيكون مجازه أنا ذوا
رسالة رب العالمين « أن أرسل معنا بني إسرائيل » أي أمرك الله بأن أرسلهم و أطلقهم
من الاستعباد و خل عنهم و في الكلام حذف تقديره أنهما أتيا فرعون و بلغا الرسالة
على ما أمرهما الله تعالى به « قال » فرعون لموسى « أ لم نربك فينا وليدا » و
التربية تنشية الشيء حالا بعد حال معناه أ لم تكن فينا صبيا صغيرا فربيناك « و لبثت
فينا من عمرك سنين » أي أقمت سنين كثيرة عندنا و هي ثماني عشرة سنة عن ابن عباس و
قيل ثلاثين سنة عن مقاتل و قيل أربعين سنة عن الكلبي و إنما قال ذلك امتنانا عليه
بإحسانه إليه و قيل أنه أظهر لؤمه حيث ذكر صنائعه « و فعلت فعلتك التي فعلت » يعني
قتل القبطي « و أنت من الكافرين » لنعمتنا و حق تربيتنا عن ابن عباس و عطاء و مقاتل
و قيل معناه و أنت من الكافرين بإلهك إذ كنت معناه على ديننا الذي تعيب و تقول إنه
كفر عن الحسن و السدي « قال » موسى « فعلتها إذا و أنا من الضالين » أي فعلت هذه
الفعلة و أنا من الجاهلين لم أعلم بأنها تبلغ القتل و قيل معناه من الناسين عن ابن
زيد و قيل من الضالين عن العلم بأن ذلك يؤدي إلى قتله عن الجبائي و قيل من الضالين
عن طريق الصواب لأني ما تعمدته و إنما وقع مني خطأ كمن يرمي طائرا فيصيب إنسانا و
قيل من الضالين عن النبوة أي لم يوح إلي تحريم قتله
مجمع البيان ج : 7 ص : 293
« ففررت منكم لما خفتكم » أي ذهبت من بينكم حذرا على نفسي إلى مدين لما خفتكم
أن تقتلوني بمن قتلته « فوهب لي ربي حكما » أي نبوة و قيل إن الحكم العلم بما تدعو
إليه الحكمة و هو الذي وهبه الله تعالى لموسى من التوراة و العلم بالحلال و الحرام
و سائر الأحكام « و جعلني من المرسلين » أي نبيا من جملة الأنبياء « و تلك نعمة
تمنها علي إن عبدت بني إسرائيل » يقال عبده و أعبده إذا اتخذه عبدا و قيل في معناه
أقوال ( أحدها ) أن فيه اعترافا بأن تربيته له كانت نعمة منه على موسى و إنكارا
للنعمة في ترك استعباده و يكون ألف التوبيخ مضمرا فيه فكأنه يقول أو تلك نعمة تمنها
علي إن عبدت بني إسرائيل و لم تعبدني ( و ثانيها ) إنه إنكار للمنة أصلا و معناه أ
تمن علي بأن ربيتني مع استعبادك قومي هذه ليست بنعمة يريد أن اتخاذك بني إسرائيل
الذين هم قومي عبيدا أحبط نعمتك التي تمن بها علي ( و ثالثها ) إن معناه إنك لو كنت
لا تستعبد بني إسرائيل و لا تقتل أبناءهم لكانت أمي مستغنية عن قذفي في اليم فكأنك
تمتن علي بما كان بلاؤك سببا له عن الزجاج و زاد الأزهري لهذا بيانا فقال إن فرعون
لما قال لموسى (عليه السلام) أ لم نربك فينا وليدا فاعتد عليه بأن رباه وليدا منذ
ولد إلى أن كبر فكان من جواب موسى (عليه السلام) له تلك نعمة تعتد بها علي لأنك
عبدت بني إسرائيل و لو لم تعبدهم لكفلني أهلي فلم يلقوني في اليم فإنما صارت لك علي
نعمة لما أقدمت عليه مما حظره الله عليك ( و رابعها ) إن فيه بيان أنه ليس لفرعون
عليه نعمة لأن الذي تولى تربيته أمه و غيرها من بني إسرائيل بأمر فرعون لما
استعبدهم فيكون معناه أنك تمن علي بأن استعبدت بني إسرائيل حتى ربوني و حفظوني عن
الجبائي « قال فرعون و ما رب العالمين » أي أي جنس رب العالمين الذي تدعوني إلى
عبادته « قال » موسى في جوابه « رب السماوات و الأرض » أي مبدعهما و منشئهما و
خالقهما « و ما بينهما » من الحيوان و الجماد و النبات « إن كنتم موقنين » بأن الرب
من كان بهذه الصفة أو موقنين بأن هذه الأشياء محدثة و ليست من فعلكم و المحدث لا بد
له من محدث و لم يشتغل موسى لجواب ما سأله فرعون لأن الله تعالى ليس بذي جنس بل
اشتغل ببيان ربوبيته و صفاته و بيان الحجة الدالة عليه من خلقه الذي يعجز المخلوقون
عن مثله « قال » فرعون « لمن حوله أ لا تستمعون » يريد أ لا تستمعون مقالة موسى عن
ابن عباس و قيل معناه أ لا تصغون إليه و تفهمون ما يقوله معجبا من قوله و إنما عجب
فرعون من حوله من جوابه لأنه طلب منه أي أجناس الأجسام هو جهلا منه بالتوحيد لأنه
لو كان كأحد أجناس الأجسام لكان محدثا كسائر الأجسام التي هي من جنسه لحلول الحوادث
فيه و دله موسى على الله بدلالة أفعاله التي بها يجب أن يستدل عليه تعالى فقال
فرعون انظروا إلى هذا أسأله عن شيء فيجيب عن غيره فجرى موسى (عليه السلام) على
عادته
مجمع البيان ج : 7 ص : 294
في الرفق و تأكيد الحجة و تكريرها « قال
ربكم و رب آبائكم الأولين » و إنما ذكره تأييدا لما قبله و توكيدا له فإن فرعون كان
يدعي الربوبية على أهل عصره دون من قبله فبين إن المستحق للربوبية من هو رب أهل كل
عصر و مالك تدبيرهم فعند ذلك « قال » فرعون إذ لم يقدر على جواب لكلام موسى (عليه
السلام) يموه عليهم « إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون » لأني أسأله عن ماهية رب
العالمين فيجيبني عن غير ذلك كما يفعل المجنون فعند ذلك لم يشتغل موسى (عليه
السلام) بالجواب عما نسبه إليه من الجنون و لكن اشتغل بتأكيد الحجة و الزيادة في
الإبانة بأن « قال رب المشرق و المغرب و ما بينهما إن كنتم تعقلون » ذلك و تدبرونه
و قيل إن كنتم تعلمون أنه إنما يستحق العبادة من كان بهذه الصفة فلما طال على فرعون
الاحتجاج من موسى « قال » مهددا له « لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين »
أي من المحبوسين قالوا و كان إذا سجن أحدا لم يخرجه حتى يموت فلما توعده بالسجن «
قال أ و لو جئتك بشيء مبين » معناه أ تسجنني و لو جئتك بأمر ظاهر تعرف به صدقي و
كذبك و حجة ظاهرة تدل على نبوتي .
مجمع البيان ج : 7 ص : 295
قَالَ
فَأْتِ بِهِ إِن كنت مِنَ الصدِقِينَ(31) فَأَلْقَى عَصاهُ فَإِذَا هِىَ ثُعْبَانٌ
مُّبِينٌ(32) وَ نَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِىَ بَيْضاءُ لِلنَّظِرِينَ(33) قَالَ
لِلْمَلا حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسحِرٌ عَلِيمٌ(34) يُرِيدُ أَن يخْرِجَكُم مِّنْ
أَرْضِكم بِسِحْرِهِ فَمَا ذَا تَأْمُرُونَ(35) قَالُوا أَرْجِهْ وَ أَخَاهُ وَ
ابْعَث فى المَْدَائنِ حَشِرِينَ(36) يَأْتُوك بِكلِّ سحَّار عَلِيم(37) فَجُمِعَ
السحَرَةُ لِمِيقَتِ يَوْم مَّعْلُوم(38) وَ قِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم
مجْتَمِعُونَ(39) لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السحَرَةَ إِن كانُوا هُمُ الْغَلِبِينَ(40)
فَلَمَّا جَاءَ السحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَ ئنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا
نحْنُ الْغَلِبِينَ(41) قَالَ نَعَمْ وَ إِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ
الْمُقَرَّبِينَ(42) قَالَ لهَُم مُّوسى أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ(43)
فَأَلْقَوْا حِبَالهَُمْ وَ عِصِيَّهُمْ وَ قَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا
لَنَحْنُ الْغَلِبُونَ(44) فَأَلْقَى مُوسى عَصاهُ فَإِذَا هِىَ تَلْقَف مَا
يَأْفِكُونَ(45) فَأُلْقِىَ السحَرَةُ سجِدِينَ(46) قَالُوا ءَامَنَّا بِرَب
َلَمِينَ(47) 47) رَب مُوسى وَ هَرُونَ(48) قَالَ ءَامَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ
ءَاذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِى عَلَّمَكُمُ السحْرَ فَلَسوْف
تَعْلَمُونَ لأُقَطعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَ أَرْجُلَكم مِّنْ خِلَف وَ
لأُصلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ(49) قَالُوا لا ضيرَ إِنَّا إِلى رَبِّنَا
مُنقَلِبُونَ(50)
المعنى « قال » فرعون لموسى « فأت به إن كنت من الصادقين
» أي هات ما ادعيت من المعجزات إن كنت صادقا « فألقى » حينئذ موسى « عصاه فإذا هي
ثعبان » أي حية عظيمة و قيل الثعبان الذكر من الحيات « مبين » ثعبان لا شبهة فيه «
و نزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين » أي و أخرج يده من كمه أو جيبه على ما روي فإذا
هي بيضاء بياضا نوريا كالشمس في إشراقها للناظرين إليها « قال » فرعون « للملأ »
الأشراف من قومه « حوله إن هذا » يعني موسى « لساحر عليم » بالسحر و الحيل « يريد
أن يخرجكم من أرضكم » و دياركم و يتغلب عليها « بسحره فما ذا تأمرون » في بابه و
إنما شاور قومه في ذلك مع أنه كان يقول لهم أنه إله لأنه يجوز أن يكون ذهب عليه و
على قومه إن الإله لا يجوز أن يشاور غيره كما ذهب عليهم أن الإله لا يجوز أن يكون
جسما محتاجا فاعتقدوا إلهيته مع ظهور حاجته « قالوا أرجه و أخاه » قد مر تفسيره و
اختلاف القراء فيه في سورة الأعراف « و ابعث في المدائن حاشرين » يحشرون الناس من
جميع البلدان « يأتوك بكل سحار عليم » و في الكلام حذف تقديره أنه أنفذ الحاشرين في
البلدان فحشروهم « فجمع السحرة لميقات يوم معلوم » أي لوقت يوم بعينه اختاروه و
عينوه و هو يوم عيدهم يوم الزينة « و قيل للناس » أي لأهل مصر « هل أنتم مجتمعون
لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين » لموسى و أخيه « فلما جاء السحرة » و
حضروا بين يدي فرعون « قالوا » له « أ إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين » أي هل
لنا أجرة و جزاء على غلبتنا إياه إن نحن غلبناه « قال » فرعون
مجمع البيان ج :
7 ص : 296
« نعم » لكم على ذلك الأجر الجزيل « و إنكم » مع ما تعطون من الجزاء
و الأجر « إذا لمن المقربين » و المقرب المدني من مجلس الكرامة « قال لهم » أي
للسحرة « موسى ألقوا ما أنتم ملقون » هذا بصورة الأمر و المراد به التحدي « فألقوا
حبالهم و عصيهم » أي طرحوا ما كان معهم من الحبال و العصي « و قالوا بعزة فرعون إنا
لنحن الغالبون » و العزة القوة التي يمتنع بها من لحاق ضيم لعلو منزلتها و هذا
القول قسم منهم و إن كان غير مبرور « فألقى » عند ذلك « موسى عصاه فإذا هي تلقف ما
يأفكون » أي أن العصا تتناول جميع ما موهوا به في أوجز مدة من الزمان « فألقي
السحرة ساجدين » لما بهرهم ما أظهره موسى (عليه السلام) من قلب العصا حية و تلقفها
جميع ما أتعبوا به نفوسهم فيه و علموا إن ذلك من عند الله إذ أحد من البشر لا يقدر
عليه « قالوا آمنا برب العالمين رب موسى و هارون » فعند ذلك « قال » فرعون مهددا
لهم « آمنتم » أي صدقتم له فيما يدعو إليه « قبل أن آذن لكم » أي أنا في تصديقه «
أنه لكبيركم » أي أستاذكم و عالمكم « الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون » فيما بعد ما
أفعله بكم عقوبة لكم على تصديقكم إياه ثم فسر ذلك بقوله « لأقطعن أيديكم و أرجلكم
من خلاف » يعني قطع اليد من جانب و الرجل من الجانب الآخر كقطع اليد اليمني و الرجل
اليسرى « و لأصلبنكم أجمعين » مع ذلك على الجذوع و لا أترك أحدا منكم لا تناله
عقوبتي « قالوا » في جوابه عن ذلك « لا ضير » أي لا ضرر علينا فيما تفعله يقال ضاره
يضيره ضيرا و ضره يضره ضررا « إنا إلى ربنا منقلبون » أي إلى ثواب ربنا راجعون
فيجازينا على إيماننا و صبرنا بالنعيم الدائم الذي لا ينقضي و لا يضرنا قطعك و صلبك
فإنه ألم ساعة عن قريب ينقضي قال الحسن لم يصل فرعون إلى قتل واحد منهم و لا قطعه و
قيل إن أول من قطع الأيدي و الأرجل فرعون . إِنَّا نَطمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا
رَبُّنَا خَطيَنَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ(51) * وَ أَوْحَيْنَا إِلى
مُوسى أَنْ أَسرِ بِعِبَادِى إِنَّكم مُّتَّبَعُونَ(52) فَأَرْسلَ فِرْعَوْنُ فى
الْمَدَائنِ حَشِرِينَ(53) إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ(54) وَ إِنهُمْ
لَنَا لَغَائظونَ(55) وَ إِنَّا لجََمِيعٌ حَذِرُونَ(56) فَأَخْرَجْنَهُم مِّن
جَنَّت وَ عُيُون(57) وَ كُنُوز وَ مَقَام كَرِيم(58) كَذَلِك وَ أَوْرَثْنَهَا
بَنى إِسرءِيلَ(59) فَأَتْبَعُوهُم مُّشرِقِينَ(60) فَلَمَّا تَرءَا الْجَمْعَانِ
قَالَ أَصحَب مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ(61) قَالَ َكلا إِنَّ مَعِىَ رَبى
سيهْدِينِ(62) فَأَوْحَيْنَا إِلى مُوسى أَنِ اضرِب بِّعَصاك الْبَحْرَ فَانفَلَقَ
فَكانَ كلُّ فِرْق كالطوْدِ الْعَظِيمِ(63) وَ أَزْلَفْنَا ثَمَّ الاَخَرِينَ(64)
وَ أَنجَيْنَا مُوسى وَ مَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ(65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا
الاَخَرِينَ(66) إِنَّ فى ذَلِك لاَيَةً وَ مَا كانَ أَكْثرُهُم مُّؤْمِنِينَ(67)
وَ إِنَّ رَبَّك لهَُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ(68)
مجمع البيان ج : 7 ص :
297
القراءة قرأ ابن عامر و أهل الكوفة حاذرون بالألف و الباقون بغير ألف و
قرأ فاتبعوهم موصولة الألف مشددة التاء زيد عن يعقوب و قرأ الباقون « فأتبعوهم »
بقطع الألف و سكون التاء و قرأ حمزة و نصير عن الكسائي و خلف ترىء الجمعان بكسر
الراء و الباقون بفتحها و في الشواذ قراءة أبان بن تغلب إن كنا أول المؤمنين بكسر
الهمزة من أن و قراءة ابن أبي عامر حادرون بالدال غير المعجمة و قراءة الأعرج و
عبيد بن عمير إنا لمدركون بتشديد الدال و قراءة عبد الله بن الحرث و أزلقنا بالقاف
. الحجة قال أبو علي قال أبو عبيدة رجل حذر و حذر و حاذر قال ابن أحمر
: هل ينسان يومي إلى غيره أني حوالي و أني حذر حوالي أي ذو حيلة و قال
العباس بن مرداس : و إني حاذر أنمي سلاحي إلى أوصال ذيال منيع و وجه إمالة
الحركة على الراء من تراءى أن قياسه أن يكون تراآى في الموقف مثال تراعى فأمال فتحة
الراء لإمالة فتحة الهمزة التي أميلت ليميل الألف نحو الياء كما قالوا رأى
مجمع
البيان ج : 7 ص : 298
أمالوا فتحة الراء لإمالة فتحة الهمزة فإن قيل فإذا وصل و
قيل تراه الجمعان فهلا لم يجز إمالة الفتحة التي على الراء لأنه إذا كان إمالتها
لإمالة فتحة الهمزة و ما يوجب إمالة الفتحة فقد سقط و هو الألف المنقلبة من الياء
التي سقطت لالتقاء الساكنين فإذا سقطت لم يجز إمالة فتحة الهمزة فإذا لم يجز إمالة
فتحة الهمزة وجب أن لا يجوز إمالة فتحة الراء فقيل إن إمالة فتحة الراء في تراآى
جائزة في الوصل مع سقوط الألف من تفاعل لالتقاء الساكنين و ما سقط الألف عن تفاعل
لالتقاء الساكنين فهو عندهم في حكم الثابت يدل على ذلك قولهم و لا ذاكرا لله
إلا قليلا فنصب مع سقوط التنوين لالتقاء الساكنين كما ينصب إذا ثبت و زعم أبو الحسن
أنه قد قرأ في القتلى الحر بإمالة فتحة اللام مع سقوط الألف و قال ابن جني قوله إن
كنا أول المؤمنين من الكلام الذي يعتاده المستظهر المدل بما عنده يقول الرجل لصاحبه
أنا أحفظه عليك إن كنت وافيا و لن يضيع لك جميل عندي إن كنت شاكرا أي فكما تعلم إن
هذا معروف من حالي فثق بوفائي و شكري و مثله بيت كتاب سيبويه : أ تغضب أن أذنا
قتيبة حزتا جهارا و لم تغضب لقتل ابن حازم فشرط بذلك و قد كان و وقع قبل ذلك و
قد جاء به أبو تمام فقال : و مكارما عتق النجار تليدة إن كان هضب عمايتين
تليدا أي كما كان هضب عمايتين تليدا فكذلك هذه المكارم و أما قوله حادرون فالحادر
القوي الشديد و منه الحادرة الشاعرة و حدر الرجل إذا قوي جسمه و امتلأ لحما و شحما
قال الأعشى : و عسير أدماء حادرة العين خنوف عير أنة شملال و يقال أدركت
الشيء و أدركته بمعنى و من قرأ « و أزلفنا » بالفاء فالآخرون موسى و أصحابه و من
قرأ بالقاف فالآخرون فرعون و أصحابه أي أهلكناهم . اللغة سرى و أسرى
لغتان و قد فرق بينهما و الشرذمة العصبة الباقية من عصب كثيرة
مجمع البيان ج :
7 ص : 299
و شرذمة كل شيء بقيته القليلة قال الراجز : جاه الشتاء و قميصي
أخلاق شراذم يضحك منها التواق و الفرق بين الحذر و الحاذر أن الحاذر الفاعل
للحذر و الحذر المطبوع على الحذر و الكنوز الأموال المخباة في مواضع غامضة من الأرض
بعضها على بعض و منه كناز التمر و غيره مما يعبأ بعضه على بعض و المقام الموضع الذي
يقام فيه و الكريم الحقيق بإعطاء الخير الجزيل و هي صفة تعظيم في المدح و اتبع فلان
فلانا و تبعه إذا اقتفى أثره و الإشراق الدخول في وقت شروق الشمس و يقال شرقت الشمس
إذا طلعت و أشرقت إذا أضاءت و صفت و أشرقنا دخلنا في الشروق و تراءا الجمعان أي
تقابلا بحيث يرى كل منهما صاحبه و يقال تراءى نارا هما إذا تقابلا و إنما جاز تثنية
الجمع لأنه يقع عليه صفة التوحيد فتقول هذا جمع واحد كما تقول جملة واحدة و الإدراك
اللحاق يقال أدرك قتادة الحسن أي لحقه و أدرك الزرع أي لحق ببلوغه و أدرك الغلام أي
بلغ و أدركت القدر نضجت و الطود الجبل قال الأسود بن يعفر : حلوا بانقرة يجيش
عليهم ماء الفرات يجيء من أطواد و الإزدلاف الإدناء و التقريب و منه المزدلفة
أبو عبيدة أزلفنا جمعنا و ليلة المزدلفة ليلة جمع قال الشاعر : و كل يوم مضى أو
ليلة سلفت فيها النفوس إلى الآجال تزدلف و الآخر بفتح الخاء الثاني من قسمي أحد
يقال نجى الله أحدهما و أهلك الآخر و بكسر الخاء هو الثاني من قسمي الأول يقال نجى
الأول و هلك الآخر . المعنى ثم أخبر سبحانه عن السحرة أنهم قالوا
لفرعون حين آمنوا « إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا » أي ما فعلناه من السحر و
غيره « أن كنا أول المؤمنين » أي لأنا كنا أول من صدق موسى و أقر بنبوته و بما
دعانا إليه من التوحيد و نفي التشبيه و قيل أنهم أول من آمن عند تلك الآية أو أول
من آمن من آل فرعون لأن بني إسرائيل كانوا آمنوا به « و أوحينا
مجمع البيان ج :
7 ص : 300
إلى موسى أن أسر بعبادي » سبق تفسيره في سورة طه « إنكم متبعون »
بتبعكم فرعون و جنوده ليحولوا بينكم و بين الخروج من أرض مصر « فأرسل فرعون في
المدائن حاشرين » يحشرون إليه الناس و يجمعون له الجيوش ليقبضوا على موسى و قومه
لما ساروا بأمر الله عز و جل فلما حضروا عنده قال لهم « إن هؤلاء » يعني أصحاب موسى
« لشرذمة قليلون » أي عصابة من الناس قليلة قال الفراء يقال عصبة قليلة و قليلون و
كثيرة و كثيرون قال المفسرون و كان الشرذمة الذين قللهم فرعون ستمائة ألف و لا يحصى
عدد أصحاب فرعون « و إنهم لنا لغائظون » يقال غاظه و اغتاظه و غيظه إذا أغضبه أي
أنهم غاظونا لمخالفتهم إيانا في الدين ثم لخروجهم من أرضنا على كره منا و ذهابهم
بالحلي الذي استعاروها و خلوصهم من استعبادنا « و إنا لجميع حاذرون » أي خائفون
شرهم و حاذرون أي مؤدون مقوون أي ذوو أداة و قوة مستعدون شاكون في السلاح و قال
الزجاج الحاذر المستعد و الحذر المتيقظ ثم أخبر سبحانه عن كيفية إهلاكهم بقوله «
فأخرجناهم » يعني آل فرعون « من جنات » أي بساتين « و عيون » جارية فيها « و كنوز »
أي أموال مخبأة و خزائن و دفائن « و مقام كريم » أي منابر يخطب عليها الخطباء عن
ابن عباس و قيل هو مجالس الأمراء و الرؤساء التي كان يحف بها الأتباع فيأتمرون
بأمرهم و قيل المنازل الحسان التي كانوا مقيمين فيها في كرامة و قيل يريد مرابط
الحيل لتفرد الرؤساء بارتباطها عدة و زينة فصار مقامها أكرم مقام متروك « كذلك » أي
كما وصفنا لك أخبارهم « و أورثناها بني إسرائيل » و ذلك إن الله سبحانه رد بني
إسرائيل إلى مصر بعد ما أغرق فرعون و قومه و أعطاهم جميع ما كان لفرعون و قومه من
الأموال و العقار و المساكن و الديار « فأتبعوهم مشرقين » يعني قوم فرعون أدركوا
موسى و أصحابه حين شرقت الشمس و ظهر ضوءها و ذلك قوله « فلما تراءا الجمعان » أي
تقابلا بحيث يرى كل فريق صاحبه « قال أصحاب موسى إنا لمدركون » أي سيدركنا جمع
فرعون و لا طاقة لنا بهم « قال » موسى ثقة بنصر الله تعالى « كلا » لن يدركونا و لا
يكون ما تظنون فانتهوا عن هذا القول « إن معي ربي » بنصره « سيهدين » أي سيرشدني
إلى طريق النجاة و قيل سيكفيني عن السدي « فأوحينا إلى موسى أن أضرب بعصاك البحر »
و هو نهر النيل ما بين إيلة و مصر و قيل هو بحر قلزم ما بين اليمن و مكة إلى مصر و
فيه حذف أي فضرب « فانفلق » أي فانشق البحر و ظهر فيه اثنا عشر طريقا و قام الماء
عن يمين الطريق و يساره كالجبل العظيم و ذلك قوله « فكان كل فرق كالطود العظيم » أي
فكان كل قطعة من البحر كالجبل العظيم و الفرق الاسم لما انفرق و الفرق مصدر « و
أزلفنا ثم الآخرين » أي قربنا إلى البحر فرعون و قومه حتى أغرقناهم عن
مجمع
البيان ج : 7 ص : 301
ابن عباس و قتادة و قيل معناه جمعنا في البحر فرعون و
قومه عن أبي عبيدة و قيل معناه و قربناهم إلى المنية لمجيء وقت هلاكهم « و أنجينا
موسى و من معه أجمعين » يعني بني إسرائيل أنجينا جميعهم من الغرق و الهلاك « ثم
أغرقنا الآخرين » فرعون و جنوده « إن في ذلك لآية » معناه إن في فرق البحر و إنجاء
موسى و قومه و إغراق فرعون و قومه لدلالة واضحة على توحيد الله و صفاته التي لا
يشاركه فيها غيره « و ما كان أكثرهم مؤمنين » معناه أنهم مع هذا السلطان الظاهر و
البرهان الباهر و المعجز القاهر ما آمن أكثرهم فلا تستوحش يا محمد من قعود قومك عن
الحق الذي تأتيهم به و تدلهم عليه فقد جروا على عادة أسلافهم في إنكار الحق و قبول
الباطل « و إن ربك لهو العزيز » في سلطانه « الرحيم » بخلقه و قيل العزيز في
انتقامه من أعدائه الرحيم في إنجائه من الهلاك لأوليائه و قيل أنه لم يؤمن من أهل
مصر غير آسية امرأة فرعون و مؤمن آل فرعون و مريم التي دلت على عظام يوسف .
مجمع البيان ج : 7 ص : 302
وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَهِيمَ(69)
إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَ قَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ(70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصنَاماً
فَنَظلُّ لهََا عَكِفِينَ(71) قَالَ هَلْ يَسمَعُونَكمْ إِذْ تَدْعُونَ(72) أَوْ
يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضرُّونَ(73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا ءَابَاءَنَا كَذَلِك
يَفْعَلُونَ(74) قَالَ أَ فَرَءَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ(75) أَنتُمْ وَ
ءَابَاؤُكمُ الأَقْدَمُونَ(76) فَإِنهُمْ عَدُوُّ لى إِلا رَب الْعَلَمِينَ(77)
الَّذِى خَلَقَنى فَهُوَ يهْدِينِ(78) وَ الَّذِى هُوَ يُطعِمُنى وَ يَسقِينِ(79)
وَ إِذَا مَرِضت فَهُوَ يَشفِينِ(80) وَ الَّذِى يُمِيتُنى ثُمَّ يحْيِينِ(81) وَ
الَّذِى أَطمَعُ أَن يَغْفِرَ لى خَطِيئَتى يَوْمَ الدِّينِ(82) رَب هَب لى حُكماً
وَ أَلْحِقْنى بِالصلِحِينَ(83) وَ اجْعَل لى لِسانَ صِدْق فى الاَخِرِينَ(84) وَ
اجْعَلْنى مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ(85) وَ اغْفِرْ لأَبى إِنَّهُ كانَ مِنَ
الضالِّينَ(86) وَ لا تخْزِنى يَوْمَ يُبْعَثُونَ(87) يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَ
لا بَنُونَ(88) إِلا مَنْ أَتى اللَّهَ بِقَلْب سلِيم(89) وَ أُزْلِفَتِ الجَْنَّةُ
قِينَ(90) ِينَ(90) وَ بُرِّزَتِ الجَْحِيمُ لِلْغَاوِينَ(91) وَ قِيلَ لهَُمْ
أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ(92) مِن دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنصرُونَكُمْ أَوْ
يَنتَصِرُونَ(93) فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَ الْغَاوُنَ(94) وَ جُنُودُ إِبْلِيس
أَجْمَعُونَ(95) قَالُوا وَ هُمْ فِيهَا يخْتَصِمُونَ(96) تَاللَّهِ إِن كُنَّا
لَفِى ضلَل مُّبِين(97) إِذْ نُسوِّيكُم بِرَب الْعَلَمِينَ(98) وَ مَا أَضلَّنَا
إِلا الْمُجْرِمُونَ(99) فَمَا لَنَا مِن شفِعِينَ(100) وَ لا صدِيق حَمِيم(101)
فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ(102) إِنَّ فى ذَلِك
لاَيَةً وَ مَا كانَ أَكْثرُهُم مُّؤْمِنِينَ(103) وَ إِنَّ رَبَّك لهَُوَ
الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ(104)
اللغة الأقدم الموجود قبل غيره و مثله الأول و
الأسبق و القدم وجود الشيء لا إلى أول و التبريز الإظهار يقال أبرزه و برزه فبرز
يبرز بروزا و الغاوي العامل بما يوجب الخيبة من الثواب كبكبوا أصله كببوا إلا أنه
ضوعف بتكرير الفاء أي دهدهوا و طرح فيها بعضهم على بعض جماعة جماعة و الحميم القريب
الذي توده و يودك . الإعراب « هل يسمعونكم » أصله أن يتعدى إلى ما كان
صوتا مسموعا تقول سمعت كلامك فإن وقع على جوهر تعدى إلى مفعولين و لا يكون الثاني
منهما إلا صوتا كقولك سمعت زيدا يقرأ و لا يجوز سمعت زيدا يقوم لأن القيام لا يكون
مسموعا و قوله « هل يسمعونكم إذ تدعون » على حذف المضاف و التقدير هل يسمعون دعاءكم
فحذف المضاف
مجمع البيان ج : 7 ص : 303
و دل عليه قوله « إذ تدعون » .
« إلا رب العالمين » استثناء منقطع و يجوز أن يكون غير منقطع على تقدير فإن
جميع ما عبدتم عدو لي إلا رب العالمين و قد عبدوا مع الله تعالى الأصنام . «
إلا من أتى الله » الموصول و الصلة في محل النصب على البدل من مفعول ينفع المحذوف
تقديره يوم لا ينفع أحدا مال و لا بنون إلا من أتى الله و يجوز أيضا أن يكون منصوبا
على الاستثناء . « هم فيها » مبتدأ و خبر . « يختصمون » في موضع نصب على
الحال و يجوز أن يكون يختصمون خبر المبتدأ و فيها يتعلق به فيكون منصوبا بإضمار أن
في جواب التمني . المعنى ثم قال سبحانه « و اتل عليهم » يا محمد « نبأ
إبراهيم » أي خبر إبراهيم فإنه شجرة الأنبياء و به افتخار العرب و فيه تسلية لك و
عظة لقومك « إذ قال لأبيه و قومه » على وجه الإنكار عليهم « ما تعبدون » أي أي شيء
تعبدون من دون الله « قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين » أي فنظل لها مصلين عن
ابن عباس و قيل معناه فنقيم على عبادتها مداومين « قال » إبراهيم « هل يسمعونكم »
أي هل يسمعون دعاءكم « إذ تدعون » معناه هل يستجيبون دعاءكم إذا دعوتموهم « أو
ينفعونكم » إذا عبدتموهم « أو يضرون » إن تركتم عبادتها و في هذا بيان إن الدين
إنما يثبت بالحجة و لو لا ذلك لم يحاجهم إبراهيم (عليه السلام) هذا الحجاج « قالوا
بل وجدنا آبائنا كذلك يفعلون » و هذا إخبار عن تقليدهم آباءهم في عبادة الأصنام «
قال » إبراهيم (عليه السلام) منكرا عليهم التقليد « أ فرأيتم ما كنتم تعبدون » أي
الذي كنتم تعبدونه من الأصنام « أنتم » الآن « و آباؤكم الأقدمون » أي المتقدمون أي
و الذين كان آباؤكم يعبدونهم و إنما دخل لفظة كان لأنه جمع بين الحال و الماضي «
فإنهم عدو لي » معناه إن عبادة الأصنام مع الأصنام عدو لي إلا أنه غلب ما يعقل و
قيل أنه يعني الأصنام و إنما قال فإنهم فجمعها جمع العقلاء لما وصفها بالعداوة التي
لا تكون إلا من العقلاء و جعل الأصنام كالعدو في الضرر من جهة عبادتها و يجوز أن
يكون قال فإنهم لأنه كان منهم من يعبد الله مع عبادته الأصنام فغلب ما يعقل و لذلك
استثنى فقال « إلا رب العالمين » استثناء من جميع المعبودين قال الفراء أنه من
المقلوب و المعنى فإني عدو لهم و من عاديته فقد عاداك ثم وصف رب العالمين فقال «
الذي خلقني » و أخرجني من العدم إلى الوجود « فهو يهديني » أي يرشدني إلى ما فيه
نجاتي و قيل الذي خلقني لطاعته فهو يهديني إلى جنته « و الذي هو يطعمني و يسقيني و
إذا مرضت فهو يشفيني » معناه أنه يرزقني ما أتغذى به و يفعل ما يصح بدني « و الذي
يميتني ثم يحييني » أي يميتني بعد أن كنت حيا و يحييني يوم القيامة بعد أن أكون
ميتا « و الذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين » أي يوم الجزاء و إنما قال ذلك
على سبيل الانقطاع منه إلى الله تعالى لا على سبيل أن له خطيئة
مجمع البيان ج :
7 ص : 304
يحتاج إلى أن يغفر له يوم القيامة لأن عندنا لا يجوز أن يقع من
الأنبياء شيء من القبائح و عند جميع أهل العدل و إن جوزوا عليهم الصغائر فإنها تقع
عندهم محبطة مكفرة فليس شيء منها غير مغفور فيحتاج إلى أن يغفر يوم القيامة و قيل
معناه أطمع أن يغفر لمن يشفعني فيه فأضافه إلى نفسه كقوله سبحانه لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك و ما تأخر و إنما قال و إذا مرضت
فأضاف المرض إلى نفسه و إن كان من الله استعمالا لحسن الأدب فإن المقصود شكر نعمة
الله تعالى و لو كان المقصود بيان القدرة لأضافه إلى الله تعالى و نظيره قول الخضر
(عليه السلام) فأردت أن أعيبها ثم قال فأراد ربك أن يبلغا أشدهما و إنما حذف
الياءات لأنه رءوس الآيات و هذا الكلام من إبراهيم (عليه السلام) إنما صدر على وجه
الاحتجاج على قومه و الإخبار بأنه لا يصلح للإلهية إلا من فعل هذه الأفعال ثم حكى
الله عنه أنه سأله و قال « رب هب لي حكما » و الحكم بيان الشيء على ما تقتضيه
الحكمة و قيل إنه العلم عن ابن عباس يعني علما إلى علم و فقها إلى فقه و قيل إنه
النبوة عن الكلبي « و ألحقني بالصالحين » أي بمن قبلي من النبيين في الدرجة و
المنزلة و قيل معناه افعل بي من اللطف ما يؤديني إلى الصلاح و الاجتماع مع النبيين
في الثواب و في هذا دلالة على عظم شأن الصلاح و هو الاستقامة على ما أمر الله تعالى
به و دعا إليه « و اجعل لي لسان صدق في الآخرين » أي ثناء حسنا في آخر الأمم و ذكرا
جميلا و قبولا عاما في الذين يأتون بعدي إلى يوم القيامة فأجاب الله سبحانه دعاه
فكل أهل الأديان يثنون عليه و يقرون بنبوته و العرب تضع اللسان موضع القول على
الاستعارة لأن القول يكون بها و كذلك يسمون اللغة لسانا قال الأعشى بأهلة : إني
أتتني لسانا لا أسر بها من علو لا عجب منها و لا سخر و قيل إن معناه و اجعل لي
ولد صدق في آخر الأمم يدعو إلى الله و يقوم بالحق و هو محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) « و اجعلني من ورثة جنة النعيم » أي من الذين يرثون الفردوس « و
اغفر لأبي أنه كان من الضالين » أي من الذاهبين عن الصواب في اعتقاده و وصفه بأنه
ضال يدل على أنه كان كافرا كفر جهالة لا كفر عناد و قد ذكرنا الوجه في استغفار
إبراهيم لأبيه في سورة التوبة « و لا تحزني يوم يبعثون » أي لا تفضحني و لا تعيرني
بذنب يوم تحشر الخلائق و هذا الدعاء كان منه (عليه السلام) على وجه الانقطاع إلى
الله تعالى لما بينا أن القبيح لا يجوز وقوعه من الأنبياء (عليهم السلام) ثم فسر
ذلك اليوم بأن قال « يوم لا ينفع مال و لا بنون » أي لا ينفع المال و البنون أحدا
إذ لا يتهيأ لذي المال أن يفتدي من شدائد ذلك اليوم
مجمع البيان ج : 7 ص : 305
به و لا يتحمل من صاحب البنين بنوه شيئا من معاصيه « إلا من أتى الله بقلب سليم
» من الشرك و الشك عن الحسن و مجاهد و قيل سليم من الفساد و المعاصي و إنما خص
القلب بالسلامة لأنه إذا سلم القلب سلم سائر الجوارح من الفساد من حيث أن الفساد
بالجارحة لا يكون إلا عن قصد بالقلب الفاسد و روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال
هو القلب الذي سلم من حب الدنيا و يؤيده قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) حب
الدنيا رأس كل خطيئة « و أزلفت الجنة للمتقين » أي قربت لهم ليدخلوها « و برزت
الجحيم للغاوين » أي أظهرت و كشف الغطاء عنها للضالين عن طريق الحق و الصواب « و
قيل لهم » في ذلك اليوم على وجه التوبيخ « أينما كنتم تعبدون من دون الله » من
الأصنام و الأوثان و غيرهما و إنما وبخوا بلفظ الاستفهام لأنه لا جواب لهم عن ذلك
إلا بما فيه فضيحتهم « هل ينصرونكم » بدفع العذاب عنكم في ذلك اليوم « أو ينتصرون »
لكم إذا عوقبتم و قيل ينتصرون أي يمتنعون من العذاب « فكبكبوا فيها » أي جمعوا و
طرح بعضهم على بعض عن ابن عباس و قيل نكسوا فيها على رءوسهم عن السدي « هم » يعني
الآلهة التي تعبدونها « و الغاوون » أي و العابدون و المعنى اجتمع المعبودون من دون
الله و العابدون لها في النار « و جنود إبليس أجمعون » أي و كبكب معهم جنود إبليس
يريد من اتبعه من ولده و ولد آدم « قالوا و هم فيها يختصمون » أي قال هؤلاء و هم في
النار يخاصم بعضهم بعضا « تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين » و
إن هذه هي المخففة من الثقيلة أي إنا كنا في ضلال و معناه لقد كنا في ضلال عن الحق
بين و ذهاب عن الصواب ظاهر إذ سويناكم بالله و عدلناكم به في توجيه العبادة إليكم «
و ما أضلنا إلا المجرمون » أي إلا أولونا الذين اقتدينا بهم عن الكلبي و قيل إلا
الشياطين عن مقاتل و قيل الكافرون الذين دعونا إلى الضلال ثم أظهروا الحسرة فقالوا
« فما لنا من شافعين » يشفعون لنا و يسألون في أمرنا « و لا صديق حميم » أي ذي
قرابة بهمة أمرنا و المعنى ما لنا من شفيع من الأباعد و لا صديق من الأقارب و ذلك
حين يشفع الملائكة و النبيون و المؤمنون و في الخبر المأثور عن جابر بن عبد الله
قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول إن الرجل يقول في الجنة ما فعل
صديقي فلان و صديقه في الجحيم فيقول الله تعالى أخرجوا له صديقه إلى الجنة فيقول من
بقي في النار فما لنا من شافعين و لا صديق حميم و روى العياشي بالإسناد عن حمران بن
أعين عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال و الله لنشفعن لشيعتنا و الله لنشفعن
لشيعتنا حتى يقول الناس « فما لنا من شافعين و لا صديق حميم » إلى قوله « فنكون من
المؤمنين » و في رواية أخرى حتى يقول عدونا و عن أبان بن تغلب قال سمعت أبا عبد
الله (عليه السلام) يقول إن المؤمن ليشفع يوم القيامة
مجمع البيان ج : 7 ص :
306
لأهل بيته فيشفع فيهم حتى يبقى خادمه فيقول و يرفع سبابتيه يا رب خويدمي
كان يقيني الحر و البرد فيشفع فيه و في خبر آخر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال أن
المؤمن ليشفع لجاره و ما له حسنة فيقول يا رب جاري كان يكف عني الأذى فيشفع فيه و
إن أدنى المؤمنين شفاعة ليشفع لثلاثين إنسانا ثم قالوا « فلو أن لنا كرة » أي رجعة
إلى الدنيا « فنكون من المؤمنين » المصدقين فتحل لنا الشفاعة « إن في ذلك » أي فيما
قصصناه « لآية » أي دلالة لمن نظر فيها و اعتبر بها « و ما كان أكثرهم مؤمنين »
فيها تسلية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و إعلام له بأن الشر قديم « و إن ربك
لهو العزيز الرحيم » مضى معناه . كَذَّبَت قَوْمُ نُوح الْمُرْسلِينَ(105) إِذْ
قَالَ لهَُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَ لا تَتَّقُونَ(106) إِنى لَكُمْ رَسولٌ
أَمِينٌ(107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُونِ(108) وَ مَا أَسئَلُكُمْ عَلَيْهِ
مِنْ أَجْر إِنْ أَجْرِى إِلا عَلى رَب الْعَلَمِينَ(109) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ
أَطِيعُونِ(110) * قَالُوا أَ نُؤْمِنُ لَك وَ اتَّبَعَك الأَرْذَلُونَ(111) قَالَ
وَ مَا عِلْمِى بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ(112) إِنْ حِسابهُمْ إِلا عَلى رَبى لَوْ
تَشعُرُونَ(113) وَ مَا أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ(114) إِنْ أَنَا إِلا
نَذِيرٌ مُّبِينٌ(115) قَالُوا لَئن لَّمْ تَنتَهِ يَنُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ
الْمَرْجُومِينَ(116) قَالَ رَب إِنَّ قَوْمِى كَذَّبُونِ(117) فَافْتَحْ بَيْنى وَ
بَيْنَهُمْ فَتْحاً وَ نجِّنى وَ مَن مَّعِىَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ(118)
فَأَنجَيْنَهُ وَ مَن مَّعَهُ فى الْفُلْكِ الْمَشحُونِ(119) ثمَّ أَغْرَقْنَا
بَعْدُ الْبَاقِينَ(120) إِنَّ فى ذَلِك لاَيَةً وَ مَا كانَ أَكْثرُهُم
مُّؤْمِنِينَ(121) وَ إِنَّ رَبَّك لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ(122)
|