قرآن، حديث، دعا |
زندگينامه |
کتابخانه |
احكام و فتاوا |
دروس |
معرفى و اخبار دفاتر |
ديدارها و ملاقات ها |
پيامها |
فعاليتهاى فرهنگى |
کتابخانه تخصصى فقهى |
نگارخانه |
اخبار |
مناسبتها |
صفحه ويژه |
|
مجمع البيان ج : 8 ص : 595
و هو قراءة علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) و أبي عبد الله (عليه
السلام) . الحجة قال الزجاج أما الرفع في و الطير ففيه وجهان ( أحدهما
) أن يكون نسقا على الياء في أو بي المعنى يا جبال رجعي التسبيح أنت معه و الطير (
و الآخر ) أن يكون معطوفا على لفظ جبال التقدير يا جبال و الطير و أما النصب ففيه
ثلاثة أوجه ( أحدها ) أن يكون عطفا على فضلا أي آتينا داود منا فضلا و الطير بمعنى
و سخرنا له الطير حكى ذلك أبو عبيدة عن أبي عمرو بن العلاء ( و الثاني ) أن يكون
نصبا على النداء و يكون معطوفا على محل جبال كأنه قال أدعو الجبال و الطير ( و
الثالث ) أن يكون منصوبا على معنى مع و المعنى أو بي معه و مع الطير قال أبو علي من
قرأ « و لسليمان الريح » بالنصب حمله على التسخير في قوله فسخرنا له الريح تجري
بأمره و يقوي ذلك قوله و لسليمان الريح عاصفة و وجه الرفع أن الريح إذا سخرت
لسليمان جاز أن يقال له الريح على معنى له تسخير الريح فالرفع على هذا يؤول إلى
معنى النصب لأن المصدر المقدر في تقدير الإضافة إلى المفعول به قال و القياس في
الجوابي أن يثبت الياء مع الألف و اللام و إنما وقف أبو عمرو بغير ياء لأنه فاصلة
أي مشبه بها من حيث تم الكلام و من حذف الياء في الوصل و الوقف فلأن هذا النحو قد
يحذف كثيرا و القياس في همزة منسأته إذا خففت الهمزة منها أن تجعل بين بين إلا أنهم
خففوا همزتها على غير القياس قال الشاعر أنشده أبو الحسن : إذا دببت على
المنساة من هرم فقد تباعد عنك اللهو و الغزل و أما قوله تبينت الإنس فمعناه
تبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب و هكذا هو في مصحف
عبد الله و يؤول إلى هذا المعنى قراءة يعقوب « تبينت الجن » . اللغة
التأويب الترجيع بالتسبيح قال سلامة بن جندل : يومان يوم مقامات و أندية
و يوم سير إلى الأعداء تأويب أي رجوع بعد رجوع و السابغ التام من اللباس و سرد
الحديد نظمه قال الشاعر : على ابن أبي العاصي دلاص حصينة أجاد المسدي سردها
و أذالها مجمع البيان ج : 8 ص : 596 و قال أبو ذؤيب : و عليهما
مسرودتان قضاهما داود أو صنع السوابغ تبع و هو مأخوذ من سرد الكلام يسرد سردا
إذا تابع بين بعض حروفه و بعض قال المبرد لا يسمى محرابا إلا ما يرتقى إليه بدرج
قال عدي بن زيد : كدمي العاج في المحاريب أو كالبيض في الروض زهرة مستنير و
قال وضاح اليمن : ربة محراب إذا جئتها لم ألقها أو أرتقي سلما و التماثيل
صور الأشياء واحدها تمثال و أصلها من المثول و هو القيام كأنه نصب قائما و منه
الحديث من سره أن يمثل له الناس فليتبوأ مقعده من النار و الجوابي جمع جابية و هي
الحوض العظيم يجبى فيه الماء قال الأعشى : تروح على آل المحلق جفنة كجابية
الشيخ العراقي تفهق و المنساة العصا الكبيرة التي يسوق بها الراعي غنمه مفعلة من
نسأت الناقة و البعير إذا زجرته . الإعراب « أن اعمل سابغات » أن هاهنا
في تأويل التفسير و القول و هي تدعى المفسرة بمعنى أي كأنه قيل و ألنا له الحديد أي
اعمل سابغات و التقدير قلنا له اعمل و يكون في معنى لأن يعمل و لنا تصل أن هذه بلفظ
الأمر و مثله في الكلام أرسل إليه أن قم إلى فلان و قدر مفعوله محذوف أي قدر الحلق
و المسامير و قوله « غدوها شهر و رواحها شهر » في موضع نصب على الحال و التقدير
غدوها مسيرة شهر و رواحها كذلك فحذف المضاف و العامل في الحال
مجمع البيان ج :
8 ص : 597
معنى التسخير في قوله « و لسليمان الريح » و « من يعمل » في موضع نصب
على تقدير و سخرنا من الجن من يعمل . شكرا يجوز أن يكون مفعول اعملوا على تقدير
اشكروا شكرا كما تقول أحمد الله شكرا فيكون مفعولا مطلقا و هو المصدر و يجوز أن
يكون مفعولا له و مفعول اعمل محذوف و تقديره اعملوا الطاعة شكرا و قوله « أن لو
كانوا يعلمون الغيب » أن هذه مخففة من الثقيلة على تقدير أنهم لو كانوا يعلمون
الغيب قال أبو علي و التقدير فلما خر تبين أمر الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب فحذف
المضاف فإن لو كانوا بدل من الجن و لفظ تبين هنا لازم غير متعد مثله في قوله و تبين
لكم كيف فعلنا بهم و قوله فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير و المعنى
فلما خر انكشف للإنس أمر الجن من جهلهم بالغيب و ذلك لأن الجن ما ادعوا علم الغيب و
إنما اعتقد الإنس فيهم أنهم يعلمون الغيب فأبطل الله عقيدتهم فيهم بموت سليمان .
المعنى لما تقدم ذكر عباد الله المنيبين إليه وصله سبحانه بذكر داود و
سليمان فقال « و لقد آتينا داود منا فضلا » معناه و لقد أعطينا داود من عندنا نعمة
و إحسانا أي فضلناه على غيره بما أعطيناه من النبوة و الكتاب و فصل الخطاب و
المعجزات ثم فصل سبحانه ما أعطاه فقال « يا جبال أوبي معه و الطير » أي قلنا للجبال
يا جبال سبحي معه إذا سبح عن ابن عباس الحسن و قتادة و مجاهد قالوا أمر الله الجبال
أن تسبح معه إذا سبح فسبحت معه و تأوله عند أهل اللغة رجعي معه التسبيح من آب يؤوب
و يجوز أن يكون سبحانه فعل في الجبال ما يأتي به منها التسبيح معجزا له و أما الطير
فيجوز أن يسبح و يحصل له من التمييز ما يتأتى منه ذلك بأن يزيد الله في فطنته فيفهم
ذلك و قيل معناه سيري معه فكانت الجبال و الطير تسير معه أينما سار و كان ذلك معجزا
له عن الجبائي و التأويب السير بالنهار و قيل معناه ارجعي إلى مراد داود فيما يريده
من حفر بئر و استنباط عين و استخراج معدن و وضع طريق « و ألنا له الحديد » فصار في
يده كالشمع يعمل به ما شاء من غير أن يدخله النار و لا أن يضربه بالمطرقة عن قتادة
« أن اعمل سابغات » أي قلنا له اعمل من الحديد دروعا تامات و إنما ألان الله تعالى
الحديد لداود لأنه أحب أن يأكل من كسب يده فألان الحديد له و علمه صنعة الدرع و كان
أول من اتخذها و كان يبيعها و يأكل من ثمنها و يطعم عياله و يتصدق منه و روي عن
الصادق (عليه السلام) قال إن الله أوحى إلى داود (عليه السلام) نعم العبد أنت إلا
أنك تأكل من بيت المال فبكى داود أربعين صباحا فألان الله له الحديد و كان يعمل كل
يوم درعا فيبيعها بألف درهم فعمل ثلاثمائة و ستين درعا فباعها بثلاثمائة و ستين
ألفا فاستغنى عن بيت المال « و قدر في السرد » أي عدل في نسج الدروع و منه قيل
لصانعها سراد و زراد و المعنى لا تجعل
مجمع البيان ج : 8 ص : 598
المسامير
دقاقا فتفلق و لا غلاظا فتكسر الحلق و قيل السرد المسامير التي في حلق الدروع عن
قتادة حكي أن لقمان حضر داود عند أول درع عملها فجعل يتفكر فيها و لا يدري ما يريد
و لم يسأله حتى فرغ منها ثم قام فلبسها و قال نعم جنة الحرب هذه فقال لقمان عند ذلك
الصمت حكمة و قليل فاعله « و اعملوا صالحا » أي و قلنا اعمل أنت و أهلك الصالحات و
هي الطاعات شكرا لله سبحانه على عظيم نعمه « إني بما تعملون بصير » أي أنا عالم بما
تفعلونه لا يخفى علي شيء من أعمالكم ثم ذكر سبحانه سليمان و ما أتاه من الفضل و
الكرامة فقال « و لسليمان الريح » أي و سخرنا لسليمان الريح « غدوها شهر و رواحها
شهر » أي مسير غدو تلك الريح المسخرة له مسيرة شهر و مسير رواح تلك الريح مسيرة شهر
و المعنى أنها كانت تسير في اليوم مسيرة شهرين للراكب قال قتادة كان يغدو مسيرة شهر
إلى نصف النهار و يروح مسيرة شهر إلى آخر النهار و قال الحسن كان يغدو من دمشق
فيقيل بإصطخر من أرض أصفهان و بينهما مسيرة شهر للمسرع و يروح من اصطخر فيبيت بكابل
و بينهما مسيرة شهر تحمله الريح مع جنوده أعطاه الله الريح بدلا من الصافنات الجياد
« و أسلنا له عين القطر » أي أذبنا له عين النحاس و أظهرناها له قالوا أجريت له عين
الصفر ثلاثة أيام بلياليهن جعلها الله له كالماء و إنما يعمل الناس بما أعطي سليمان
منه « و من الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه » المعنى و سخرنا له من الجن من يعمل له
بحضرته و أمام عينه ما يأمرهم به من الأعمال كما يعمل الآدمي بين يدي الآدمي بأمر
ربه تعالى و كان يكلفهم الأعمال الشاقة مثل عمل الطين و غيره و قال ابن عباس سخرهم
الله لسليمان و أمرهم بطاعته فيما يأمرهم به و في هذا دلالة على أنه قد كان من الجن
من هو غير مسخر له « و من يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير » المعنى و من
يعدل من هؤلاء الجن الذين سخرناهم لسليمان عما أمرناهم به من طاعة سليمان نذقه من
عذاب السعير أي عذاب النار في الآخرة عن أكثر المفسرين و في هذا دلالة على أنهم قد
كانوا مكلفين و قيل معناه نذيقه العذاب في الدنيا و أن الله سبحانه وكل بهم ملكا
بيده سوط من نار فمن زاغ منهم عن طاعة سليمان ضربه ضربة أحرقته « يعملون له ما يشاء
من محاريب » و هي بيوت الشريعة و قيل هي القصور و المساجد يتعبد فيها عن قتادة و
الجبائي قال و كان مما عملوه بيت المقدس و قد كان الله عز و جل سلط على بني إسرائيل
الطاعون فهلك خلق كثير في يوم واحد فأمرهم داود أن يغتسلوا و يبرزوا إلى الصعيد
بالذراري و الأهلين و يتضرعون إلى الله لعله يرحمهم و ذلك صعيد بيت المقدس قبل بناء
المسجد و ارتفع داود فوق الصخرة فخر ساجدا يبتهل إلى الله سبحانه و سجدوا معه فلم
يرفعوا رءوسهم حتى كشف الله عنهم الطاعون فلما أن شفع الله داود في بني إسرائيل
مجمع البيان ج : 8 ص : 599
جمعهم داود بعد ثلاث و قال لهم أن الله تعالى قد
من عليكم و رحمكم فجددوا له شكرا بأن تتخذوا من هذا الصعيد الذي رحمكم فيه مسجدا
ففعلوا و أخذوا في بناء بيت المقدس و كان داود ينقل الحجارة لهم على عاتقه و كذلك
خيار بني إسرائيل حتى رفعوه قامة و لداود يومئذ سبع و عشرون و مائة سنة فأوحى الله
إلى داود أن تمام بنائه يكون على يدي ابنه سليمان فلما صار داود ابن أربعين و مائة
سنة توفاه الله و استخلف سليمان فأحب إتمام بيت المقدس فجمع الجن و الشياطين و قسم
عليهم الأعمال يخص كل طائفة منهم بعمل فأرسل الجن و الشياطين في تحصيل الرخام و
ألمها الأبيض الصافي من معادنه و أمر ببناء المدينة من الرخام و الصفاح و جعلها
اثني عشر ربضا و أنزل كل ربض منها سبطا من الأسباط و لما فرغ من بناء المدينة ابتدأ
في بناء المسجد فوجه الشياطين فرقا فرقة يستخرجون الذهب و اليواقيت من معادنها و
فرقة يقلعون الجواهر و الأحجار من أماكنها و فرقة يأتون بالمسك و العنبر و سائر
الطيب و فرقة يأتون بالدر من البحار فأوتي من ذلك بشيء لا يحصيه إلا الله تعالى ثم
أحضر الصناع و أمرهم بنحت تلك الأحجار حتى صيروها ألواحا و معالجة تلك الجواهر و
اللآلىء قال و بنى سليمان المسجد بالرخام الأبيض و الأصفر و الأخضر و عمده بأساطين
ألمها الصافي و سقفه بالواح الجواهر و فضض سقوفه و حيطانه باللآلىء و اليواقيت و
الجواهر و بسط أرضه بالواح الفيروزج فلم يكن في الأرض بيت أبهى و لا أنور من ذلك
المسجد كان يضيء في الظلمة كالقمر ليلة البدر فلما فرغ منه جمع إليه أخبار بني
إسرائيل فأعلمهم أنه بناه الله تعالى و اتخذ ذلك اليوم الذي فرغ منه عيدا فلم يزل
بيت المقدس على ما بناه سليمان حتى غزا بخت نصر بني إسرائيل فخرب المدينة و هدمها و
نقض المسجد و أخذ ما في سقوفه و حيطانه من الذهب و الفضة و الدر و اليواقيت و
الجواهر فحملها إلى دار مملكته من أرض العراق قال سعيد بن المسيب لما فرغ سليمان من
بناء بيت المقدس تغلقت أبوابه فعالجها سليمان فلم تنفتح حتى قال في دعائه بصلوات
أبي داود إلا فتحت الأبواب ففتحت ففرغ له سليمان عشرة آلاف من قراء بني إسرائيل
خمسة آلاف بالليل و خمسة آلاف بالنهار فلا تأتي ساعة من ليل و لا نهار إلا و يعبد
الله فيها « و تماثيل » يعني صورا من نحاس و شبه و زجاج و رخام كانت الجن تعملها ثم
اختلفوا فقال بعضهم كانت صور للحيوانات و قال آخرون كانوا يعملون صور .
مجمع البيان ج : 8 ص : 600
السباع و البهائم على كرسيه ليكون أهيب له
فذكروا أنهم صوروا أسدين أسفل كرسيه و نسرين فوق عمودي كرسيه فكان إذا أراد أن يصعد
الكرسي بسط الأسدان ذراعيهما و إذا علا على الكرسي نشر النسران أجنحتهما فظللاه من
الشمس و يقال أن ذلك كان مما لا يعرفه أحد من الناس فلما حاول بخت نصر صعود الكرسي
بعد سليمان حين غلب على بني إسرائيل لم يعرف كيف كان يصعد سليمان فرفع الأسد ذراعيه
فضرب ساقه فقدها فوقع مغشيا عليه فما جسر أحد بعده أن يصعد ذلك الكرسي قال الحسن و
لم تكن يومئذ التصاوير محرمة و هي محظورة في شريعة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم)
فإنه قال لعن الله المصورين و يجوز أن يكره ذلك في زمن دون زمن و قد بين الله
سبحانه أن المسيح كان يصور بأمر الله من الطين كهيئة الطير و قال ابن عباس كانوا
يعملون صور الأنبياء و العباد في المساجد ليقتدى بهم و روي عن الصادق (عليه السلام)
أنه قال و الله ما هي تماثيل النساء و الرجال و لكنه الشجر و ما أشبهه « و جفان
كالجواب » أي صحاف كالحياض التي يجبى فيها الماء أي يجمع و كان سليمان (عليه
السلام) يصلح طعام جيشه في مثل هذه الجفان فإنه لم يمكنه أن يطعمهم في مثل قصاع
الناس لكثرتهم و قيل أنه كان يجمع على كل جفنة ألف رجل يأكلون بين يديه « و قدور
راسيات » أي ثابتات لا يزلن عن أمكنتهن لعظمهن عن قتادة و كانت باليمن و قيل كانت
عظيمة كالجبال يحملونها مع أنفسهم و كان سليمان يطعم جنده ثم نادى سبحانه آل داود و
أمرهم بالشكر على ما أنعم به عليهم من هذه النعمة العجيبة لأن نعمته على سليمان
نعمة عليهم فقال « اعملوا آل داود شكرا » أي قلنا لهم يا آل داود اعملوا بطاعة الله
شكرا له على ما آتاكم من النعم عن مجاهد و في هذا دلالة على وجوب شكر النعمة و أن
الشكر طاعة المنعم و تعظيمه و فيه إشارة أيضا إلى أن لقرابة أنبياء الله تعالى أثرا
في القرب إلى رضي الله حين خص آل داود بالأمر « و قليل من عبادي الشكور » و الفرق
بين الشكور و الشاكر أن الشكور من تكرر منه الشكر و الشاكر من وقع منه الشكر قال
ابن عباس أراد به المؤمن الموحد و في هذا دلالة على أن المؤمن الشاكر يقل في كل عصر
« فلما قضينا عليه الموت » أي فلما حكمنا على سليمان بالموت و قيل معناه أوجبنا على
سليمان الموت « ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته » أي ما دل الجن على
موته إلا الأرضة و لم يعلموا موته حتى أكلت عصاه فسقط فعلموا أنه ميت و قيل أن
سليمان كان يعتكف في مسجد بيت المقدس السنة و السنتين و الشهر و الشهرين و أقل و
أكثر يدخل فيه طعامه و شرابه و يتعبد فيه فلما كان في المرة التي مات فيها لم يكن
يصبح يوما إلا و تنبت شجرة كان يسألها سليمان فتخبره عن اسمها و نفعها و ضرها فرأى
يوما نبتا فقال ما اسمك قال الخرنوب قال لأي شيء أنت قال للخراب فعلم أنه سيموت
فقال اللهم عم على
مجمع البيان ج : 8 ص : 601
الجن موتي ليعلم الإنس أنهم
لا يعلمون الغيب و كان قد بقي من بنائه سنة و قال لأهله لا تخبروا الجن بموتي حتى
يفرغوا من بنائه و دخل محرابه و قام متكئا على عصاه فمات و بقي قائما سنة و تم
البناء ثم سلط الله على منسأته الأرضة حتى أكلتها فخر ميتا فعرف الجن موته و كانوا
يحسبونه حيا لما كانوا يشاهدون من طول قيامه قبل ذلك و قيل أن في إماتته قائما و
بقائه كذلك أغراضا منها إتمام البناء و منها أن يعلم الإنس أن الجن لا تعلم الغيب و
أنهم في ادعاء ذلك كاذبون و منها أن يعلم أن من حضر أجله فلا يتأخر إذ لم يؤخر
سليمان مع جلالته و روي أنه أطلعه الله سبحانه على حضور وفاته فاغتسل و تحنط و تكفن
و الجن في عملهم و روى أبو بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال أن سليمان أمر
الشياطين فعملوا له قبة من قوارير فبينا هو قائم متكىء على عصاه في القبة ينظر إلى
الجن كيف يعملون و هم ينظرون إليه و لا يصلون إليه إذا رجل معه في القبة فقال من
أنت فقال أنا الذي لا أقبل الرشى و لا أهاب الملوك فقبضه و هو قائم متكىء على عصاه
في القبة قال فمكثوا سنة يعملون له حتى بعث الله الأرضة فأكلت منسأته و في حديث آخر
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال فكان آصف يدبر أمره حتى دبت الأرضة « فلما خر »
أي سقط سليمان ميتا « تبينت الجن » أي ظهرت الجن فانكشف للناس « أن لو كانوا يعلمون
الغيب ما لبثوا في العذاب المهين » معناه في الأعمال الشاقة و إنما سماها عذابا
للمشاق التي فيها لا أنه كان عذابا فليس ذلك إلا أن يكون عبادة له أو بمنزلة ما
يعوضون عليه أي ما عملوا مسخرين لسليمان و هو ميت و هم يظنون أنه حي و قيل أن
المعنى تبينت عامة الجن و ضعفتهم أن رؤساءهم لا يعلمون الغيب لأنهم كانوا يوهمونهم
أنهم يعلمون الغيب و قيل معناه تبينت الإنس أن الجن كانوا لا يعلمون الغيب فإنهم
كانوا يوهمون الإنس إنا نعلم الغيب و إنما قال تبينت الجن كما يقول من يناظر غيره و
يلزمه الحجة هل تبين لك أنك على باطل و على هذا تدل قراءة من قرأ تبينت الإنس و قد
مضى بيانه و ذكر أهل التاريخ أن عمر سليمان كان ثلاثا و خمسين سنة مدة ملكه منها
أربعون سنة و ملك يوم ملك و هو ابن ثلاث عشرة سنة و ابتدأ في بناء بيت المقدس لأربع
سنين مضين من ملكه و الله أعلم و أما الوجه في عمل الجن تلك الأعمال العظيمة فهو أن
الله تعالى زاد في أجسامهم و قوتهم و غير خلقهم عن خلق الجن الذين لا يرون للطافتهم
و رقة أجسامهم على سبيل الإعجاز الدال على نبوة سليمان فكانوا بمنزلة الأسراء في
يده و كانوا تتهيأ لهم الأعمال التي كان يكلفها إياهم ثم لما مات (عليه السلام) جعل
الله خلقهم على ما كانوا عليه فلا يتهيأ لهم في هذا الزمان شيء من ذلك . لَقَدْ
كانَ لِسبَإ فى مَسكَنِهِمْ ءَايَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِين وَ شِمَال كلُوا مِن
رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَ اشكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طيِّبَةٌ وَ رَبُّ غَفُورٌ(15)
فَأَعْرَضوا فَأَرْسلْنَا عَلَيهِمْ سيْلَ الْعَرِمِ وَ بَدَّلْنَهُم بجَنَّتَيهِمْ
جَنَّتَينِ ذَوَاتىْ أُكل خَمْط وَ أَثْل وَ شىْء مِّن سِدْر قَلِيل(16) ذَلِك
جَزَيْنَهُم بِمَا كَفَرُوا وَ هَلْ نجَزِى إِلا الْكَفُورَ(17) وَ جَعَلْنَا
بَيْنهُمْ وَ بَينَ الْقُرَى الَّتى بَرَكنَا فِيهَا قُرًى ظهِرَةً وَ قَدَّرْنَا
فِيهَا السيرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالىَ وَ أَيَّاماً ءَامِنِينَ(18) فَقَالُوا
رَبَّنَا بَعِدْ بَينَ أَسفَارِنَا وَ ظلَمُوا أَنفُسهُمْ فَجَعَلْنَهُمْ أَحَادِيث
وَ مَزَّقْنَهُمْ كلَّ مُمَزَّق إِنَّ فى ذَلِك لاَيَت لِّكلِّ صبَّار شكُور(19)
مجمع البيان ج : 8 ص : 602
القراءة قرأ « مسكنهم » على التوحيد
بفتح الكاف حمزة و حفص و بكسر الكاف الكسائي و خلف و الباقون مساكنهم على الجمع و
قرأ أكل خمط مضاف غير منون أهل البصرة و قرأ الباقون غير مضاف بالتنوين و قرأ أهل
الكوفة غير أبي بكر و يعقوب « و هل نجازي » بالنون و كسر الزاي « إلا الكفور »
بالنصب و أدغم الكسائي اللام من هل في النون و غيره لم يدغم و الباقون يجازي بالياء
و فتح الزاي و الكفور بالرفع و قرأ أبو عمرو و ابن كثير و هشام باعد بين أسفارنا
بالتشديد على لفظ الأمر و قرأ يعقوب و سهل ربنا بالضم باعد بالألف و فتح الباء و
العين و الدال مخففة و هو قراءة محمد بن علي الباقر (عليهماالسلام) و ابن عباس و
قرأ الباقون « ربنا » بالنصب « باعد » بالألف على الدعاء و في الشواذ قراءة ابن
يعمر و محمد بن السميقع « ربنا » بالنصب بعد بفتح الباء و الدال و ضم العين بين
أسفارنا بالرفع . الحجة قال أبو علي من قرأ مساكنهم أتى باللفظ وفقا
للمعنى لأن لكل ساكن مسكنا و من قرأ « مسكنهم » فيشبه أن يكون جعل المسكن مصدرا و
حذف المضاف و التقدير في مواضع سكناهم فلما جعل المسكن كالسكنى و السكون أفرد كما
يفرد المصدر و هذا أشبه من أن تحمله على نحو : كلوا في بعض بطنكم و على هذا
قوله تعالى في مقعد صدق أي في
مجمع البيان ج : 8 ص : 603
موضع قعود أ لا
ترى أن لكل واحد من المتقين موضع قعود و الأشبه في الكاف الفتح لأن اسم المكان و
المصدر من باب يفعل على المفعل و قد يشذ على القياس نحو هذا كما جاء المسجد و
سيبويه يحمله على اسم البيت و كذلك المطلع إلا أن أبا الحسن يقول إن المسكن إذا
كسرته لغة كثيرة و هي لغة الناس اليوم و الفتح لغة أهل الحجاز فأما الإضافة في «
أكل خمط » فإن أبا عبيدة قال الخمط كل شجرة مرة ذات شوكة و الأكل الجنى فعلى هذا
التفسير تحسن الإضافة و ذلك أن الأكل إذا كان الجنى فإن جنى كل شجرة منه و غير
الإضافة ليس في حسن الإضافة لأن الخمط إنما هو اسم شجرة و ليس بوصف فإذا لم يكن
وصفا لم يجر على ما قبله كما يجري الوصف على الموصوف و البدل ليس بالسهل أيضا لأنه
ليس هو هو و لا بعضه لأن الجنى من الشجر و ليس الشجر من الجنى فيكون إجراؤه عليه
على وجه العطف البيان كأنه بين أن الجنى لهذا الشجر و منه قال أبو الحسن الأحسن في
كلام العرب أن يضيفوا ما كان من نحو هذا مثل دار آجر و ثوب خز قال فأكل خمط قراءة
كثيرة و ليست بجيدة في العربية و حجة من قرأ « و هل نجازي » بالنون قوله « جزيناهم
» و من قرأ يجازى على بناء الفعل للمفعول فإن المجازي أيضا هو الله تعالى و إنما خص
الكفور بالجزاء لأن المؤمن قد يكفر عن سيئاته قال سبحانه و نتجاوز عن سيئاتهم و قال
إن الحسنات يذهبن السيئات و ليس كذلك الكافر فإنه يجازى بكل سوء يعمله و أما إدغام
الكسائي اللام في النون فجائز حكاه سيبويه و البيان أحسن و أما قوله « ربنا باعد
بين أسفارنا » فذكر سيبويه أن فاعل و فعل يجيئان بمعنى كقولهم ضاعف و ضعف و قارب و
قرب و اللفظان جميعا على معنى الطلب و الدعاء قال ابن جني بين منصوب نصب المفعول به
أي بعد و باعد مسافة أسفارنا و ليس نصبه على الظرف يدلك على ذلك قراءة من قرأ بعد
بين أسفارنا كما تقول بعد مدى أسفارنا فرفعه دليل كونه اسما و عليه قوله : كان
رماحهم أشطان بئر بعيد بين جاليها جرور أي بعيد مدى جاليها أو مسافة جاليها .
اللغة العرم المسناة التي تحبس الماء واحدها عرمة أخذ من عرامة الماء و
هي ذهابه كل مذهب قال الأعشى : ففي ذاك للمؤتسي أسوة و مأرب قفى عليه العرم
مجمع البيان ج : 8 ص : 604
رخام بنته له حمير إذا جاء ماؤهم لم
يرم و قيل العرم اسم واد كان يجتمع فيه سيول من أودية شتى و قيل العرم هنا اسم
الجرذ الذي نقب السكر عليهم و هو الذي يقال له الخلد و قيل العرم المطر الشديد .
الإعراب « آية » اسم كان . « جنتان » رفع على أنه بدل من آية و
يجوز أن يكون خبرا لمبتدء محذوف كأنه قيل ما الآية فقال الآية جنتان و « عن يمين و
شمال » صفة لجنتان و على هذا تقف على قوله « آية » و تبتدىء بقوله « جنتان » .
« كلوا من رزق ربكم » أي يقال كلوا من رزق ربكم منهما فحذف العائد من الصفة إلى
الموصوف كما حذف القول . « بلدة طيبة » تقديره هذه بلدة طيبة و الله رب غفور .
المعنى ثم أخبر سبحانه عن قصة سبإ بما دل على حسن عاقبة الشكور و سوء
عاقبة الكفور فقال « لقد كان لسبإ » و هو أبو عرب اليمن كلها و قد تسمى به القبيلة
و في الحديث عن فروة بن مسيك أنه قال سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن
سبإ أ رجل هو أم امرأة فقال هو رجل من العرب ولد له عشرة تيامن منهم ستة و تشاءم
منهم أربعة فأما الذين تيامنوا فالأزد و كندة و مذحج و الأشعرون و أنمار و حمير
فقال رجل من القوم ما أنمار قال الذين منهم خثعم و بجيلة و أما الذين تشاءموا
فعاملة و جذام و لخم و غسان فالمراد بسبأ هاهنا القبيلة الذين هم أولاد سبإ ابن
يشجب بن يعرب بن قحطان « في مسكنهم » أي في بلدهم « آية » أي حجة على وحدانية الله
عز اسمه و كمال قدرته و علامة على سبوغ نعمه ثم فسر سبحانه الآية فقال « جنتان عن
يمين و شمال » أي بستانين عن يمين من أتاهما و شماله و قيل عن يمين البلد و شماله و
قيل أنه لم يرد جنتين اثنتين و المراد كانت ديارهم على وتيرة واحدة إذا كانت
البساتين عن يمينهم و شمالهم متصلة بعضها ببعض و كان من كثرة النعم أن المرأة كانت
تمشي و المكتل على رأسها فيمتلىء بالفواكه من غير أن تمس بيدها شيئا و قيل الآية
المذكورة هي أنه لم يكن في قريتهم بعوضة و لا ذباب و لا برغوث و لا عقرب و لا حية و
كان الغريب إذا دخل بلدهم و في ثيابه قمل و دواب ماتت عن ابن زيد و قيل إن المراد
بالآية خروج الأزهار و الثمار من الأشجار على اختلاف ألوانها و طعومها و قيل إنما
كانت ثلاث عشرة قرية في كل قرية نبي يدعوهم إلى الله سبحانه يقولون لهم « كلوا من
رزق ربكم و اشكروا له » أي كلوا مما رزقكم الله في هذه الجنان و اشكروا له يزيدكم
من نعمه و استغفروه يغفر لكم « بلدة
مجمع البيان ج : 8 ص : 605
طيبة » أي
هذه بلدة مخصبة نزهة أرضها عذبة تخرج النبات و ليست بسبخة و ليس فيها شيء من الهوام
المؤذية قيل أراد به صحة هواها و عذوبة مائها و سلامة تربتها و أنه ليس فيها حر
يؤذي في القيظ و لا برد يؤذي في الشتاء « و رب غفور » أي كثير المغفرة للذنوب «
فأعرضوا » عن الحق و لم يشكروا الله سبحانه و لم يقبلوا من دعاهم إلى الله من
أنبيائه « فأرسلنا عليهم سيل العرم » و ذلك أن الماء كان يأتي أرض سبإ من أودية
اليمن و كان هناك جبلان يجتمع ماء المطر و السيول بينهما فسدوا ما بين الجبلين فإذا
احتاجوا إلى الماء نقبوا السد بقدر الحاجة فكانوا يسقون زروعهم و بساتينهم فلما
كذبوا رسلهم و تركوا أمر الله بعث الله جرذا نقبت ذلك الردم و فاض الماء عليهم
فأغرقهم عن وهب و قد مر تفسير العرم و قال ابن الأعرابي العرم السيل الذي لا يطاق «
و بدلناهم بجنتيهم » اللتين فيهما أنواع الفواكه و الخيرات « جنتين » أخراوين سماها
جنتين لازدواج الكلام كما قال و مكروا و مكر الله فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه «
ذواتي أكل خمط و أثل » أي صاحبتي أكل و هو اسم لثمر كل شجرة و ثمر الخمط البرير قال
ابن عباس و الخمط هو الأراك و قيل هو شجر الغضا و قيل هو كل شجر له شوك و الأثل
الطرفاء عن ابن عباس و قيل ضرب من الخشب عن قتادة و قيل هو السمر « و شيء من سدر
قليل » يعني . أن الأثل و الخمط كانا أكثر فيهما من السدر و هو النبق قال قتادة
كان شجرهم خير شجر فصيره الله شر شجر بسوء أعمالهم « ذلك » أي ما فعلنا بهم «
جزيناهم بما كفروا » أي بكفرهم « و هل نجازي » بهذا الجزاء « إلا الكفور » الذي
يكفر نعم الله و قد استدل الخوارج بهذا على أن مرتكب الكبيرة كافر و هذا الاستدلال
غير سديد من حيث إنه سبحانه إنما بين بذلك أنه لا يجازي بهذا النوع من العذاب الذي
هو الاستئصال إلا الكافر و يجوز أن يعذب الفاسق بغير ذلك العذاب و قيل إن معناه هل
نجازي بجميع سيئاته إلا الكافر لأن المؤمن قد يكفر عنه بعض سيئاته و قيل إن
المجازاة من التجازي و هو التقاضي أي لا يقتضي و لا يرتجع ما أعطي إلا الكافر و
إنهم لما كفروا النعمة اقتضوا ما أعطوا أي ارتجع منهم عن أبي مسلم « و جعلنا بينهم
و بين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة » أي و قد كان من قصتهم أنا جعلنا بينهم و
بين قرى الشام التي باركنا فيها بالماء و الشجر قرى متواصلة و كان متجرهم من أرض
اليمن إلى الشام و كانوا يبيتون بقرية و يقيلون بأخرى حتى يرجعوا و كانوا لا
يحتاجون إلى زاد من وادي سبإ إلى الشام و معنى الظاهرة أن الثانية كانت ترى من
الأولى لقربها منها « و قدرنا فيها السير » أي جعلنا السير من القرية إلى القرية
مقدارا واحدا نصف يوم و قلنا لهم « سيروا فيها » أي في تلك القرى « ليالي و أياما »
أي ليلا شئتم المسير أو نهارا « آمنين » من الجوع و العطش و التعب و من السباع و كل
المخاوف و في هذا إشارة إلى تكامل
مجمع البيان ج : 8 ص : 606
نعمه عليهم في
السفر كما أنه كذلك في الحضر ثم أخبر سبحانه أنهم بطروا و بغوا « فقالوا ربنا باعد
بين أسفارنا » أي اجعل بيننا و بين الشام فلوات و مفاوز لنركب إليها الرواحل و نقطع
المنازل و هذا كما قالت بنو إسرائيل لما ملوا النعمة أخرج إلينا مما تنبت الأرض من
بقلها بدلا من المن و السلوى « و ظلموا أنفسهم » بارتكاب المعاصي و الكفر «
فجعلناهم أحاديث » لمن بعدهم يتحدثون بأمرهم و شأنهم و يضربون بهم المثل فيقولون
تفرقوا أيادي سبإ إذا تشتتوا أعظم التشتت « و مزقناهم كل ممزق » أي فرقناهم في كل
وجه من البلاد كل تفريق « إن في ذلك لآيات » أي دلالات « لكل صبار » على الشدائد «
شكور » على النعماء و قيل لكل صبار عن المعاصي شكور للنعم بالطاعات .
]
القصة [ عن الكلبي عن أبي صالح قال ألقت طريفة الكاهنة إلى عمرو بن عامر الذي
يقال له مزيقياء بن ماء السماء و كانت قد رأت في كهانتها أن سد مأرب سيخرب و أنه
سيأتي سيل العرم فيخرب الجنتين فباع عمرو بن عامر أمواله و سار هو و قومه حتى
انتهوا إلى مكة فأقاموا بها و ما حولها فأصابتهم الحمى و كانوا ببلد لا يدرون فيه
ما الحمى فدعوا طريفة فشكوا إليها الذي أصابهم فقالت لهم قد أصابني الذي تشكون و هو
مفرق بيننا قالوا فما ذا تأمرين قالت من كان منكم ذا هم بعيد و جمل شديد و مزاد
جديد فليلحق بقصر عمان المشيد و كانت أزد عمان ثم قالت من كان منكم ذا جلد و قسر و
صبر على أزمات الدهر فعليه بالأراك من بطن مر و كانت خزاعة ثم قالت من كان منكم
يريد الراسيات في الوحل المطعمات في المحل فليلحق بيثرب ذات النخل و كانت الأوس و
الخزرج ثم قالت من كان منكم يريد الخمر و الخمير و الملك و التأمير و ملابس التاج و
الحرير فليلحق ببصرى و غوير و هما من أرض الشام و كان الذين سكنوها آل جفنة بن غسان
ثم قالت من كان منكم يريد الثياب الرقاق و الخيل العتاق و كنوز الأرزاق و الدم
المهراق فليلحق بأرض العراق و كان الذين سكنوها آل جذيمة الأبرش و من كان بالحيرة و
آل محرق . وَ لَقَدْ صدَّقَ عَلَيهِمْ إِبْلِيس ظنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلا
فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ(20) وَ مَا كانَ لَهُ عَلَيهِم مِّن سلْطن إِلا
لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالاَخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فى شك وَ رَبُّك عَلى
كلِّ شىْء حَفِيظٌ(21) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لا
يَمْلِكونَ مِثْقَالَ ذَرَّة فى السمَوَتِ وَ لا فى الأَرْضِ وَ مَا لهَُمْ
فِيهِمَا مِن شِرْك وَ مَا لَهُ مِنهُم مِّن ظهِير(22) وَ لا تَنفَعُ الشفَعَةُ
عِندَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَا
ذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَ هُوَ الْعَلىُّ الْكَبِيرُ(23) * قُلْ مَن
يَرْزُقُكُم مِّنَ السمَوَتِ وَ الأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَ إِنَّا أَوْ إِيَّاكمْ
لَعَلى هُدىً أَوْ فى ضلَل مُّبِين(24) قُل لا تُسئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَ لا
نُسئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ(25)
مجمع البيان ج : 8 ص : 607
القراءة
قرأ أهل الكوفة « صدق » بتشديد الدال و الباقون بتخفيفها و قرأ يعقوب و سهل «
صدق » بالتشديد إبليس بالنصب ظنه بالرفع و قرأ أبو عمرو و أهل الكوفة غير عاصم إلا
الأعشى و البرجمي أذن بضم الهمزة و الباقون بفتحها و قرأ ابن عامر و يعقوب فزع بفتح
الفاء و الزاي و الباقون بضم الفاء و كسر الزاي و في الشواذ قراءة الحسن بخلاف و
قتادة فزع بفتح الفاء و الزاي و العين و التشديد و عن الحسن أيضا « فزع » بضم الفاء
و كسر الزاي و التشديد و عنه عن قتادة فزع بضم الفاء و كسر الزاي و التخفيف .
الحجة قال أبو علي معنى التخفيف في صدق أنه صدق ظنه بهم من متابعتهم
إياه إذا أغواهم و ذلك نحو قوله فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم و لأغوينهم
أجمعين فهذا ظنه لأنه لم يقل ذلك عن يقين فظنه على هذا ينتصب انتصاب المفعول به و
يجوز أن ينتصب انتصاب الظرف أي في ظنه و قد يقال أصاب الظن و أخطأ الظن و قال
الشاعر : إن يك ظني صادقا و هو صادق بشملة يحبسهم بها محبسا وعرا
مجمع
البيان ج : 8 ص : 608
فعداه إلى المفعول به و من قرأ بالتشديد نصب الظن على أنه
مفعول به و من قرأ صدق عليهم إبليس بالنصب ظنه بالرفع فالمعنى أن إبليس كان سولت له
نفسه شيئا فصدقه ظنه و من قرأ « إلا لمن أذن له » فالمعنى لمن أذن الله له أن يشفع
و من قرأ أذن له فبنى الفعل للمفعول به فهو يريد هذا المعنى أيضا كما أن قوله « حتى
إذا فزع عن قلوبهم » و فزع و هل نجازي إلا الكفور و هل يجازي إلا الكفور واحد في
المعنى و إن اختلفت الألفاظ . اللغة يقال صدقت زيدا و صدقته و كذبته و
كذبته و ينشد الأعشى : و صدقته و كذبته و المرء ينفعه كذابه أبو عبيدة فزع عن
قلوبهم نفس عنه يقال فزع و فزع إذا أزيل الفزع عنها . الإعراب « لنعلم
» قال الزجاج معناه ما امتحناهم في إبليس إلا لنعلم ذلك علم وقوعه منهم و هو الذي
يجازون عليه . « لا يملكون » الأجود أن يكون جملة مستأنفة و يجوز أن يكون حالا
و قوله « و إنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين » تقديره و إنا لعلى هدى أو في
ضلال مبين و إنكم لعلى هدى أو في ضلال مبين . المعنى ثم قال سبحانه « و
لقد صدق عليهم إبليس ظنه » الضمير في عليهم يعود إلى أهل سبإ و قيل إلى الناس كلهم
إلا من أطاع الله عن مجاهد و المعنى أن إبليس كان قال لأغوينهم و لأضلنهم و ما كان
ذلك عن علم و تحقيق و إنما قاله ظنا فلما تابعه أهل الزيغ و الشرك صدق ظنه و حققه «
فاتبعوه » فيما دعاهم إليه « إلا فريقا من المؤمنين » من هنا للتبيين يعني المؤمنين
كلهم عن ابن عباس أي علموا قبح متابعته فلم يتبعوه و اتبعوا أمر الله تعالى « و ما
كان له عليهم من سلطان » أي و لم يكن لإبليس عليهم من سلطنة و لا ولاية يتمكن بها
من إجبارهم على الغي و الضلال و إنما كان يمكنه الوسوسة فقط كما قال و ما كان لي
عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي » « إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو
منها في شك » المعنى أنا لم نمكنه من إغوائهم و وسوستهم إلا لنميز بين من يقبل منه
و من يمتنع و يأبى متابعته فنعذب من تابعه و نثيب من خالفه فعبر عن التمييز بين
الفريقين بالعلم و هذا التمييز متجدد لأنه لا يكون إلا بعد وقوع ما يستحقون به ذلك
و أما العلم فبخلاف ذلك فإنه سبحانه كان عالما بأحوالهم و بما يكون منهم فيما لم
يزل و قيل معناه لتعلم طاعاتهم موجودة أو معاصيهم إن عصوا فنجازيهم بحسبها لأنه
سبحانه لا يجازي أحدا على ما يعلم من حاله إلا بعد أن يقع ذلك منه و قيل معناه
لنعامله معاملة من كأنه لا يعلم و إنما يعمل ليعلم من يصدق بالآخرة و يعترف بها ممن
يرتاب فيها أو يشك « و ربك » يا محمد « على كل
مجمع البيان ج : 8 ص : 609
شيء حفيظ » أي عالم لا يفوته علم شيء من أحوالهم ثم قال سبحانه « قل » يا محمد
لهؤلاء المشركين « ادعوا الذين زعمتم من دون الله » أنهم آلهة و أنهم شركاء لله
تعالى و أنهم شفعاؤكم و أنها تستحق الإلهية هل يستجيبون لكم إلى ما تسألونهم و هذا
نوع توبيخ لا أمر ليعلموا أن أوثانهم لا تنفعهم و لا تضرهم « لا يملكون مثقال ذرة
في السماوات و لا في الأرض » أي لا يملكون زنة ذرة من خير و شر و نفع و ضر فيهما «
و ما لهم فيهما » أي و ليس لهم في خلق السماوات و الأرض « من شرك » و نصيب « و ما
له منهم من ظهير » أي ليس لله سبحانه منهم معاون على خلق السماوات و الأرض و لا على
شيء من الأشياء « و لا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له » المعنى أنه لا تنفع
الشفاعة عند الله تعالى إلا لمن رضيه الله و ارتضاه و أذن له في الشفاعة مثل
الملائكة و الأنبياء و الأولياء و يجوز أن يكن المعنى إلا لمن أذن الله في أن يشفع
له فيكون مثل قوله و لا يشفعون إلا لمن ارتضى و إنما قال سبحانه ذلك لأن الكفار
كانوا يقولون نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى و هؤلاء شفعاؤنا عند الله فحكم الله
تعالى ببطلان اعتقاداتهم « حتى إذا فزع عن قلوبهم » أي كشف الفزع عن قلوبهم و فزع
كشف الله الفزع عن قلوبهم و اختلف في الضمير في قوله « قلوبهم » فقيل يعود إلى
المشركين الذين تقدم ذكرهم فيكون المعنى حتى إذا أخرج عن قلوبهم الفزع وقت الفزع
ليسمعوا كلام الملائكة « قالوا » أي قالت الملائكة لهم « ما ذا قال ربكم قالوا » أي
قال هؤلاء المشركون مجيبين لهم « الحق » أي قال الحق فيعترفون أن ما جاء به الرسل
كان حقا عن ابن عباس و قتادة و ابن زيد و قيل إن الضمير يعود إلى الملائكة ثم اختلف
في معناه على وجوه ( أحدها ) أن الملائكة إذا صعدوا بأعمال العباد و لهم زجل و صوت
عظيم فتحسب الملائكة أنها الساعة فيخرون سجدا و يفزعون فإذا علموا أنه ليس ذلك
قالوا ما ذا قال ربكم قالوا الحق ( و ثانيها ) أن الفترة لما كانت بين عيسى (عليه
السلام) و محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و بعث الله محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنزل الله سبحانه جبرائيل بالوحي فلما نزل ظنت الملائكة أنه نزل
بشيء من أمر الساعة فصعقوا لذلك فجعل جبرائيل يمر بكل سماء و يكشف عنهم الفزع
فرفعوا رءوسهم و قال بعضهم لبعض ما ذا قال ربكم قالوا الحق يعني الوحي عن مقاتل و
الكلبي ( و ثالثها ) أن الله تعالى إذا أوحى إلى بعض ملائكته لحق الملائكة غشي عند
سماع الوحي و يصعقون و يخرون سجدا للآية العظيمة فإذا فزع عن قلوبهم سألت الملائكة
ذلك الملك الذي أوحي إليه ما ذا قال ربك أو يسأل بعضهم بعضا فيعلمون أن الأمر في
غيرهم عن ابن مسعود و اختاره الجبائي « و هو العلي » أي السيد القادر المطاع و قيل
العلي في صفاته « الكبير » في قدرته « قل من يرزقكم من السماوات و الأرض » فإنهم لا
يمكنهم أن يقولوا ترزقنا آلهتنا التي نعبدها ثم عند
مجمع البيان ج : 8 ص : 610
ذلك « قل الله » الذي يرزقكم « و إنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين » إنما
قال ذلك على وجه الإنصاف في الحجاج دون الشك كما يقول القائل لغيره أحدنا كاذب و إن
كان هو عالما بالكاذب و على هذا يقول أبو الأسود الدئلي يمدح أهل البيت (عليهم
السلام) : يقول الأرذلون بنو قشير طوال الدهر لا تنسى عليا بنو عم
النبي و أقربوه أحب الناس كلهم إليا فإن يك حبهم رشدا أصبه و لست
بمخطىء إن كان غيا لم يقل هذا لكونه شاكا في محبتهم و قد أيقن أن محبتهم رشد و هدى
و قيل إنه جمع بين الخبرين و فوض التمييز إلى العقول فكأنه قال أنا على هدى و أنتم
على ضلال كقول امرىء القيس : كان قلوب الطير رطبا و يابسا لدى وكرها العناب
و الحشف البالي فجمع بين القلوب الرطبة و اليابسة و جمع بين العناب و الحشف البالي
و قيل إنما قاله على وجه الاستعطاف و المداراة ليسمع الكلام و هذا من أحسن ما ينسب
به المحق نفسه إلى الهدى و خصمه إلى الضلال لأنه كلام من لا يكاشف خصمه بالتضليل بل
ينسبه إليه على أحسن وجه و يحثه على النظر و لا يجب النظر إلا بعد التردد « قل » يا
محمد إذا لم ينقادوا للحجة « لا تسئلون » أيها الكفار « عما أجرمنا » أي اقترفنا من
المعاصي « و لا نسأل » نحن « عما تعملون » أي تعملونه أنتم بل كل إنسان يسأل عما
يعمله و يجازى على فعله دون فعل غيره و في هذا دلالة على أن أحدا لا يجوز أن يؤخذ
بذنب غيره . قُلْ يجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا
بِالْحَقِّ وَ هُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ(26) قُلْ أَرُونىَ الَّذِينَ
أَلْحَقْتُم بِهِ شرَكاءَ َكلا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(27) وَ مَا
أَرْسلْنَك إِلا كافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَ نَذِيراً وَ لَكِنَّ أَكثرَ
النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ(28) وَ يَقُولُونَ مَتى هَذَا الْوَعْدُ إِن كنتُمْ
صدِقِينَ(29) قُل لَّكم مِّيعَادُ يَوْم لا تَستَئْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَ لا
تَستَقْدِمُونَ(30)
مجمع البيان ج : 8 ص : 611
الأعراب
« الذين
ألحقتم به » العائد من الصلة إلى الموصول محذوف و التقدير ألحقتموهم به و « شركاء »
حال من هم المحذوف و « كافة » حال من الكاف في « أرسلناك » أي ما أرسلناك إلا تكفهم
و تردعهم و قيل في الكلام تقديم و تأخير أي و ما أرسلناك إلا للناس كافة و كافة
كالعافية و العاقبة و ما أشبه ذلك « بشيرا » حال بعد حال و « نذيرا » معطوف عليه .
المعنى ثم أمر سبحانه أن يحاكمهم إلى الله لإعراضهم عن الحجة فقال « قل
» يا محمد « يجمع بيننا ربنا » يوم القيامة « ثم يفتح بيننا » أي يحكم « بالحق و هو
الفتاح » أي الحاكم « العليم » بالحكم لا يخفى عليه شيء منه « قل » يا محمد « أروني
الذين ألحقتم به شركاء » إنما ذكر هذا سبحانه على وجه التعظيم و التعجيب أي أروني
الذين زعمتم أنهم شركاء لله تعبدونهم معه و هذا كالتوبيخ لهم فيما اعتقدوه من
الإشراك مع الله كما يقول القائل لمن أفسد عملا أرني ما عملته توبيخا له بما أفسده
فإنهم سيفتضحون بذلك إذا أشاروا إلى الأصنام ثم قال سبحانه « كلا » أي ليس كما
تزعمون و قيل معناه ارتدعوا عن هذا المقال و تنبهوا من الغي و الضلال « بل هو الله
العزيز » أي القادر الذي لا يغالب « الحكيم » في جميع أفعاله فكيف يكون له شريك ثم
بين سبحانه نبوة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال « و ما أرسلناك » يا محمد
بالرسالة التي حملناكها « إلا كافة للناس » أي عامة للناس كلهم العرب و العجم و
سائر الأمم عن الجبائي و غيره و يؤيده الحديث المروي عن ابن عباس عن النبي (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) أعطيت خمسا و لا أقول فخرا بعثت إلى الأحمر و الأسود و جعلت لي
الأرض طهورا و مسجدا و أحل لي المغنم و لا يحل لأحد قبلي و نصرت بالرعب فهو يسير
أمامي مسيرة شهر و أعطيت الشفاعة فادخرتها لأمتي يوم القيامة و قيل معناه جامعا
للناس بالإنذار و الدعوة و قيل كافأ للناس أي مانعا لهم عما هم عليه من الكفر و
المعاصي بالأمر و النهي و الوعيد و الإنذار و الهاء للمبالغة عن أبي مسلم « بشيرا »
لهم بالجنة « و نذيرا » بالنار « و لكن أكثر الناس لا يعلمون » رسالتك لإعراضهم عن
النظر في معجزتك و قيل لا يعلمون ما لهم في الآخرة في اتباعك من الثواب و النعيم و
ما عليهم في مخالفتك من العذاب الأليم ثم حكى سبحانه عن الكفار فقال « و يقولون متى
هذا الوعد » الذي تعدوننا به « إن كنتم صادقين » فيما تقولونه يا معشر
مجمع
البيان ج : 8 ص : 612
المؤمنين ثم أمر سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم)
بإجابتهم فقال « قل » يا محمد « لكم ميعاد يوم » أي ميقات يوم ينزل بكم ما وعدتم به
و هو يوم القيامة و قيل يوم وفاتهم و قبض أرواحهم عن أبي مسلم « لا تستأخرون عنه
ساعة و لا تستقدمون » أي لا تتأخرون عن ذلك اليوم و لا تتقدمون عليه بأن يزاد في
آجالكم أو ينقص منها . وَ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا
الْقُرْءَانِ وَ لا بِالَّذِى بَينَ يَدَيْهِ وَ لَوْ تَرَى إِذِ الظلِمُونَ
مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبهِمْ يَرْجِعُ بَعْضهُمْ إِلى بَعْض الْقَوْلَ يَقُولُ
الَّذِينَ استُضعِفُوا لِلَّذِينَ استَكْبرُوا لَوْ لا أَنتُمْ لَكُنَّا
مُؤْمِنِينَ(31) قَالَ الَّذِينَ استَكْبرُوا لِلَّذِينَ استُضعِفُوا أَ نحْنُ
صدَدْنَكُمْ عَنِ الهُْدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكم بَلْ كُنتُم مجْرِمِينَ(32) وَ
قَالَ الَّذِينَ استُضعِفُوا لِلَّذِينَ استَكْبرُوا بَلْ مَكْرُ الَّيْلِ وَ
النَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَ نجْعَلَ لَهُ أَندَاداً
وَ أَسرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَاب وَ جَعَلْنَا الأَغْلَلَ فى
أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يجْزَوْنَ إِلا مَا كانُوا يَعْمَلُونَ(33) وَ
مَا أَرْسلْنَا فى قَرْيَة مِّن نَّذِير إِلا قَالَ مُترَفُوهَا إِنَّا بِمَا
أُرْسِلْتُم بِهِ كَفِرُونَ(34) وَ قَالُوا نحْنُ أَكثرُ أَمْوَلاً وَ أَوْلَداً وَ
مَا نحْنُ بِمُعَذَّبِينَ(35)
الإعراب « بل مكر الليل و النهار » فيه وجهان
( أحدهما ) أن يكون مكر مبتدأ و خبره محذوفا أي مكركم في الليل و النهار صدنا عن
ذلك حين أمرتمونا أن نكفر بالله ( و الآخر ) أن يكون فاعل فعل محذوف تقديره بل صدنا
مكركم في الليل و النهار و العرب تضيف الأحداث إلى الزمان على سبيل الاتساع فتقول
صيام النهار و قيام الليل و المعنى أن الصيام في النهار
مجمع البيان ج : 8 ص :
613
و القيام في الليل قال الشاعر : لقد لمتنا يا أم غيلان في السري و
نمت و ما ليل المطي بنائم فوصف الليل بالنوم و هذا على حد قولك نهارك صائم و ليلك
قائم . المعنى ثم بين سبحانه حالهم في القيامة فقال حكاية عنهم « و قال
الذين كفروا » و هم اليهود و قيل هم مشركو العرب و هو الأصح « لن نؤمن بهذا القرآن
» أي لا نصدق بأنه من الله تعالى « و لا بالذي بين يديه » من أمر الآخرة و قيل
يعنون به التوراة و الإنجيل و ذلك أنه لما قال مؤمنوا أهل الكتاب أن صفة محمد (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) في كتابنا و هو نبي مبعوث كفر المشركون بكتابهم ثم قال « و لو
ترى » يا محمد « إذ الظالمون موقوفون عند ربهم » أي محبوسون للحساب يوم القيامة «
يرجع بعضهم إلى بعض القول » أي يرد بعضهم إلى بعض القول في الجدال « يقول الذين
استضعفوا » و هم الأتباع « للذين استكبروا » و هم الأشراف و القادة « لو لا أنتم
لكنا مؤمنين » مصدقين بتوحيد الله أي أنتم منعتمونا من الإيمان و المعنى لو لا
دعاؤكم إيانا إلى الكفر لآمنا بالله في الدنيا « قال الذين استكبروا للذين استضعفوا
» أي قال المتبوعون للأتباع على طريق الإنكار « أ نحن صددناكم عن الهدى بعد إذ
جاءكم » أي لم نصدكم نحن عن قبول الهدى « بل كنتم مجرمين » أي بل أنتم كفرتم و لم
نحملكم على الكفر قهرا فكل واحد من الفريقين ورك الذنب على صاحبه و اتهمه و لم يضف
واحد منهم الذنب إلى الله تعالى « و قال الذين استضعفوا للذين استكبروا » يعني
الأتباع للمتبوعين « بل مكر الليل و النهار » أي مكركم في الليل و النهار صدنا عن
قبول الهدى « إذ تأمروننا أن نكفر بالله و نجعل له أندادا » أي حين أمرتمونا أن
نجحد وحدانية الله تعالى و دعوتمونا إلى أن نجعل له شركاء في العبادة « و أسروا
الندامة » فيه وجهان ( أحدهما ) أن معناه أظهروا الندامة ( و الآخر ) أن المعنى
أخفوها و قد فسر الأسرار في بيت امرىء القيس : تجاوزت أحراسا إليها و معشرا
علي حراصا لو يسرون مقتلي على الوجهين فمن قال بالأول قال معناه أظهر المتبوعون
الندامة على الإضلال و أظهر
مجمع البيان ج : 8 ص : 614 الأتباع الندامة على
الضلال و قيل معناه أقبل بعضهم على بعض يلومه و يظهر ندمه و من قال بالثاني قال
معناه أخفوا الندامة في أنفسهم خوف الفضيحة و قيل معناه أن الرؤساء أخفوا الندامة
عن الأتباع « لما رأوا العذاب » أي حين رأوا نزول العذاب بهم « و جعلنا الأغلال في
أعناق الذين كفروا » قال ابن عباس غلوا بها في النيران « هل يجزون إلا ما كانوا
يعملون » أي لا يجزون إلا بأعمالهم التي عملوها على قدر استحقاقهم « و ما أرسلنا في
قرية من نذير » أي من نبي مخوف بالله تعالى « إلا قال مترفوها » أي جبابرتها و
أغنياؤها المتنعمون فيها « إنا بما أرسلتم به كافرون » و في هذا بيان للنبي (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) أن أهل قريته جروا على منهاج الأولين و إشارة إلى أنه كان
أتباع الأنبياء فيما مضى الفقراء و أوساط الناس دون الأغنياء ثم بين سبحانه علة
كفرهم بأن قال « و قالوا نحن أكثر أموالا و أولادا » أي افتخروا بأموالهم و أولادهم
ظنا بأن الله سبحانه إنما خولهم المال و الولد كرامة لهم عنده فقالوا إذا رزقنا و
حرمتم فنحن أكرم منكم و أفضل عند الله تعالى فلا يعذبنا على كفرنا بكم و ذلك قوله «
و ما نحن بمعذبين » و لم يعلموا أن الأموال و الأولاد عطاء من الله تعالى يستحق به
الشكر عليهم و ليس ذلك للإكرام و التفضل . قُلْ إِنَّ رَبى يَبْسط الرِّزْقَ
لِمَن يَشاءُ وَ يَقْدِرُ وَ لَكِنَّ أَكْثرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ(36) وَ مَا
أَمْوَلُكمْ وَ لا أَوْلَدُكم بِالَّتى تُقَرِّبُكمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلا مَنْ
ءَامَنَ وَ عَمِلَ صلِحاً فَأُولَئك لهَُمْ جَزَاءُ الضعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَ هُمْ
فى الْغُرُفَتِ ءَامِنُونَ(37) وَ الَّذِينَ يَسعَوْنَ فى ءَايَتِنَا مُعَجِزِينَ
أُولَئك فى الْعَذَابِ محْضرُونَ(38) قُلْ إِنَّ رَبى يَبْسط الرِّزْقَ لِمَن
يَشاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَ يَقْدِرُ لَهُ وَ مَا أَنفَقْتُم مِّن شىْء فَهُوَ
يخْلِفُهُ وَ هُوَ خَيرُ الرَّزِقِينَ(39) وَ يَوْمَ يحْشرُهُمْ جَمِيعاً ثمَّ
يَقُولُ لِلْمَلَئكَةِ أَ هَؤُلاءِ إِيَّاكمْ كانُوا يَعْبُدُونَ(40)
مجمع
البيان ج : 8 ص : 615
القراءة قرأ حمزة وحده في الغرفة و الباقون « في
الغرفات » على الجمع و قرأ يعقوب جزاء بالنصب . الضعف بالرفع . الحجة
حجة من قرأ الغرفة قوله تعالى أولئك يجزون الغرفة بما صبروا و في الجنة غرفات و
غرف ) غير أن العرب قد تجتزىء بالواحد عن الجمع إذا كان اسم الجنس قالوا أهلك الناس
الدينار و الدرهم و من قرأ « فأولئك لهم جزاء الضعف » فالتقدير فأولئك لهم الضعف
جزاء في حال المجازاة فهو مصدر وضع موضع الحال أي مجزيين جزاء و يجوز أن يكون
مفعولا له و أما إضافة جزاء إلى الضعف في القراءة المشهورة فهو على إضافته إلى
المفعول . الإعراب « زلفى » في موضع نصب على المصدر تقديره تقربكم قربة
و تقريبا و قوله « إلا من آمن » الموصول و الصلة في موضع نصب على البدل من الكاف و
الميم في تقربكم و يجوز أن يكون نصبا على الاستثناء .
المعنى لما حكى
الله سبحانه عن الكفار أنهم قالوا ما نحن بمعذبين لأن الله تعالى أغنانا في الدنيا
فلا يعذبنا في الآخرة قال رادا عليهم « قل » يا محمد « إن ربي » الذي خلقني « يبسط
الرزق لمن يشاء » على ما يعلمه من مصلحته و مصلحة غيره « و يقدر » أي و يضيق أيضا
على حسب المصلحة فبسط الرزق هو الزيادة فيه على قدر الكفاية و القدر تضييقه عن قدر
الكفاية « و لكن أكثر الناس لا يعلمون » ذلك بجهلهم بالله و بحكمته فيظنون أن كثرة
مال الإنسان يدل على كرامته عند الله تعالى ثم صرح بهذا المعنى فقال « و ما أموالكم
» أي ليس أموالكم التي خولتموها « و لا أولادكم » التي رزقتموها « بالتي تقربكم
عندنا زلفى » أي قربى عن مجاهد قال الأخفش أراد بالتي تقربكم عندنا تقريبا فزلفى
اسم المصدر و قال الفراء التي يجوز أن يقع على الأموال و الأولاد و جاء الخبر بلفظ
الواحدة و أن دخل فيه الأخرى « إلا من آمن و عمل صالحا » معناه لكن من آمن بالله و
عرفه و صدق نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) و أطاعه فيما أمر به و انتهى عما نهاه
عنه « فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا » أي يضاعف الله حسناتهم فيجزي بالحسنة
الواحدة عشرا إلى ما زاد و الضعف اسم جنس يدل على الكثير و القليل و يجوز أن يكون
الأموال و الأولاد تقرب إلى الله تعالى زلفى بأن يكسب المؤمن المال مستعينا به على
القيام بحق التكليف و يستولد الولد كذلك فيقر بأنه عند الله زلفى فعلى هذا يكون
الاستثناء متصلا و لا يكون بمعنى لكن و قيل أن جزاء الضعف أن يعطيهم في الآخرة مثل
ما كان لهم في الدنيا من النعيم و الضعف المثل عن أبي مسلم
مجمع البيان ج : 8 ص
: 616
« و هم في الغرفات » أي في غرف الجنة و هي البيوت فوق الأبنية « آمنون »
فيها لا يخافون شيئا مما يخاف مثله في دار الدنيا من الموت و الغير و الآفات و
الأحزان « و الذين يسعون في آياتنا » أي يجتهدون في إبطال آياتنا و تكذيبها «
معاجزين » لأنبيائنا و معاجزين أي مثبطين غيرهم عن أفعال البر « أولئك في العذاب
محضرون قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده و يقدر له » مر تفسيره و إنما كرره
سبحانه لاختلاف الفائدة فالأول توبيخ للكافرين و هم المخاطبون به و الثاني وعظ
للمؤمنين فكأنه قال ليس إغناء الكفار و إعطاؤهم بدلالة على كرامتهم و سعادتهم بل
يزيدهم ذلك عقوبة و إغناء المؤمنين يجوز أن يكون زيادة في سعادتهم بأن ينفقوها في
سبيل الله و يدل على ذلك قوله « و ما أنفقتم من شيء فهو يخلفه » أي و ما أخرجتم من
أموالكم في وجوه البر فإنه سبحانه يعطيكم خلفه و عوضه إما في الدنيا بزيادة النعمة
و إما في الآخرة بثواب الجنة يقال أخلف الله له و عليه إذا أبدل له ما ذهب عنه « و
هو خير الرازقين » لأنه يعطي لمنافع عباده لا لدفع ضرر أو جر نفع لاستحالة المنافع
و المضار عليه و قال الكلبي ما تصدقتم به في خير فهو يخلفه أما أن يجعله لكم في
الدنيا أو يدخر لكم في الآخرة و روى أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)
قال قال الله عز و جل لي أنفق أنفق عليك و روى أنس بن مالك عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال ينادي مناد كل ليلة لدوا للموت و ينادي مناد ابنوا للخراب و
ينادي مناد اللهم هب للمنفق خلفا و ينادي مناد اللهم هب للممسك تلفا و ينادي مناد
ليت الناس لم يخلقوا و ينادي مناد ليتهم إذ خلقوا فكروا فيما له خلقوا و عن جابر عن
النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال كل معروف صدقة و ما وقى به الرجل عرضه فهو صدقة
و ما أنفق المؤمن من نفقة فعلى الله خلفها ضامنا إلا ما كان من نفقة في بنيان أو
معصية و عن أبي أمامة قال إنكم تؤولون هذه الآية في غير تأويلها « و ما أنفقتم من
شيء فهو يخلفه » و قد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول و إلا فصمتا
إياكم و السرف في المال و النفقة و عليكم بالاقتصاد فما افتقر قوم قط اقتصدوا ثم
قال سبحانه « و يوم يحشرهم جميعا » يعني يوم القيامة يجمع العابدين لغير الله و
المعبودين من الملائكة للحساب « ثم يقول للملائكة أ هؤلاء » الكفار « إياكم كانوا
يعبدون » أي كانوا يعبدونكم و يقصدونكم بالعبادة و على هذا وجه التقرير و الاستشهاد
للملائكة على اعتقادات الكفار حتى تتبرأ الملائكة منهم و من عبادتهم كما قال سبحانه
. ء أنت قلت للناس اتخذوني و أمي إلهين من دون الله . النظم
وجه
اتصال هذه الآية بما قبلها أنهم لما قالوا نحن أكثر أموالا و أولادا بين أن دعواهم
مردودة و أنهم معذبون محجوجون .
مجمع البيان ج : 8 ص : 617
قَالُوا
سبْحَنَك أَنت وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكثرُهُم
بهِم مُّؤْمِنُونَ(41) فَالْيَوْمَ لا يَمْلِك بَعْضكمْ لِبَعْض نَّفْعاً وَ لا
ضرًّا وَ نَقُولُ لِلَّذِينَ ظلَمُوا ذُوقُوا عَذَاب النَّارِ الَّتى كُنتُم بهَا
تُكَذِّبُونَ(42) وَ إِذَا تُتْلى عَلَيهِمْ ءَايَتُنَا بَيِّنَت قَالُوا مَا هَذَا
إِلا رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصدَّكمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ ءَابَاؤُكُمْ وَ قَالُوا
مَا هَذَا إِلا إِفْكٌ مُّفْترًى وَ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا
جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُّبِينٌ(43) وَ مَا ءَاتَيْنَهُم مِّن كُتُب
يَدْرُسونهَا وَ مَا أَرْسلْنَا إِلَيهِمْ قَبْلَك مِن نَّذِير(44) وَ كَذَّب
الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَ مَا بَلَغُوا مِعْشارَ مَا ءَاتَيْنَهُمْ فَكَذَّبُوا
رُسلى فَكَيْف كانَ نَكِيرِ(45)
الإعراب « بينات » نصب على الحال و «
آباؤكم » فاعل يعبد و اسم كان محذوف يفسره آباؤكم و التقدير عما كان آباؤكم يعبدون
. « يدرسونها » يجوز أن يكون في محل جر صفة لكتب و يجوز أن يكون في محل نصب على
موضع الجار و المجرور لأن المعنى و ما آتيناهم كتبا مدرسة و « كيف كان نكير » كيف
خبر كان و نكير اسمه و النكير مصدر مثل عذير في قوله : عذير الحي من عدوان
كانوا حية الأرض . المعنى « قالوا » أي قالت الملائكة « سبحانك » أي
تنزيها لك عن أن نعبد
مجمع البيان ج : 8 ص : 618
سواك و نتخذ معبودا غيرك «
أنت » يا الله « ولينا » أي ناصرنا و أولى بنا « من دونهم » أي دون هؤلاء الكفار و
دون كل أحد و ما كنا نرضى بعبادتهم إيانا مع علمنا بأنك ربنا و ربهم « بل كانوا
يعبدون الجن » بطاعتهم إياهم فيما دعوهم إليه من عبادة الملائكة و قيل المراد بالجن
إبليس و ذريته و أعوانه و « أكثرهم بهم مؤمنون » أي مصدقون بالشياطين مطيعون لهم ثم
يقول الله سبحانه « فاليوم » يعني في الآخرة « لا يملك بعضكم لبعض » يعني العابدين
و المعبودين « نفعا و لا ضرا » أي نفعا بالشفاعة و لا ضرا بالتعذيب « و نقول للذين
ظلموا » بأن عبدوا غير الله « ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون » أي لا
تعترفون بها و تجحدونها ثم عاد سبحانه إلى الحكاية عن حال الكفار في الدنيا فقال «
و إذا تتلى عليهم آياتنا » أي تقرأ عليهم حججنا « بينات » أي واضحات من القرآن الذي
أنزلناه على نبينا « قالوا » عند ذلك « ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم » أي يمنعكم «
عما كان يعبد آباؤكم » فزعوا إلى تقليد الآباء لما أعوزتهم الحجة « و قالوا ما هذا
» القرآن « إلا إفك » أي كذب « مفترى » قد تخرصه و افتراه « و قال الذين كفروا للحق
» أي للقرآن « لما جاءهم إن هذا » أي ليس هذا « إلا سحر مبين » أي ظاهر ثم أخبر
سبحانه أنهم لم يقولوا ذلك عن بينة فقال « و ما آتيناهم من كتب يدرسونها » أي و ما
أعطينا مشركي قريش كتابا قط يدرسونه فيعلمون بدرسه أن ما جئت به حق أو باطل و إنما
يكذبونك بهواهم من غير حجة « و ما أرسلنا إليهم قبلك من نذير » أي رسول أمرهم
بتكذيبك و أخبرهم ببطلان قولك يعني أنهم لا يرجعون في تكذيبك إلا إلى الجهل و
العناد و اتباع الهوى ثم أخبر سبحانه عن عاقبة من كذب الرسل قبلهم تخويفا لهم فقال
« و كذب الذين من قبلهم » بمن بعث إليهم من الرسل و ما آتاهم الله من الكتب « و ما
بلغوا معشار ما آتيناهم » أي و ما بلغ قومك يا محمد معشار ما أعطينا من قبلهم من
القوة و كثرة المال و طول العمر فأهلكهم الله عن ابن عباس و قتادة « فكذبوا رسلي
فكيف كان نكير » أي عقوبتي و تغييري حالهم و قيل معناه أنظر في آثارهم كيف كان
إنكاري عليهم بالهلاك عن ابن مسلم و المراد أنا كما أهلكنا أولئك حين كذبوا رسلنا
فليحذر هؤلاء مثل ما نزل بهم من الهلاك و الاستئصال . * قُلْ إِنَّمَا أَعِظكُم
بِوَحِدَة أَن تَقُومُوا للَّهِ مَثْنى وَ فُرَدَى ثُمَّ تَتَفَكرُوا مَا
بِصاحِبِكم مِّن جِنَّة إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ لَّكُم بَينَ يَدَى عَذَاب
شدِيد(46) قُلْ مَا سأَلْتُكُم مِّنْ أَجْر فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِى إِلا عَلى
اللَّهِ وَ هُوَ عَلى كلِّ شىْء شهِيدٌ(47) قُلْ إِنَّ رَبى يَقْذِف بِالحَْقِّ
عَلَّمُ الْغُيُوبِ(48) قُلْ جَاءَ الحَْقُّ وَ مَا يُبْدِىُ الْبَطِلُ وَ مَا
يُعِيدُ(49) قُلْ إِن ضلَلْت فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلى نَفْسى وَ إِنِ اهْتَدَيْت
فَبِمَا يُوحِى إِلىَّ رَبى إِنَّهُ سمِيعٌ قَرِيبٌ(50)
|