قرآن، حديث، دعا |
زندگينامه |
کتابخانه |
احكام و فتاوا |
دروس |
معرفى و اخبار دفاتر |
ديدارها و ملاقات ها |
پيامها |
فعاليتهاى فرهنگى |
کتابخانه تخصصى فقهى |
نگارخانه |
اخبار |
مناسبتها |
صفحه ويژه |
|
تزايلن حتى لا يمس دم دما
مجمع البيان ج : 10 ص : 735
و المرصاد الطريق
مفعال من رصده يرصده رصدا إذا راعى ما يكون منه ليقابله بما يقتضيه و اللم الجمع و
لممت ما على الخوان ألمه لما إذا أكلته أجمع كأنه يأكل ما ألم به و لا يميز شيئا من
شيء و الجم الكثير العظيم و جمة الماء معظمه و جم الماء في الحوض إذا اجتمع و كثر
قال زهير : فلما وردن الماء زرقا جمامة وضعن عصي الحاضر المتخيم و الدك حط
المرتفع بالبسط يقال اندك سنام البعير إذا انفرش في ظهره و ناقة دكاء إذا كانت كذلك
و منه الدكان لاستوائه قال : ليت الجبال تداعت عند مصرعها دكا فلم يبق من
أحجارها حجر و الوثاق الشد و أوثقته شددته . الإعراب جواب القسم قوله «
إن ربك لبالمرصاد » و قيل جوابه محذوف تقديره ليقبضن على كل ظالم أو لينتصفن كل
مظلوم من ظالمة أ ما رأيت كيف فعلنا بعاد و فرعون و ثمود لما ظلموا و أجري إرم على
عاد عطف بيان أو على البدل و لا يجوز أن يكون صفة لأنه غير مشتق و إنما لا ينصرف
إرم للتعريف و التأنيث أ لا ترى إلى قوله « ذات العماد » و من أضاف فقال بعاد إرم
في الشواذ فإنه عنده بمنزلة قولهم زيد بطة لأنه لقب فيضاف إليه الاسم و ثمود في
موضع جر أي و بثمود لا ينصرف لأنه أعجمي معرفة على طعام المسكين تقديره على إطعام
طعام المسكين فحذف المضاف و يجوز أن يكون طعام اسما أقيم مقام الإطعام كقول لبيد :
باكرت حاجتها الدجاج بسحرة لأعل منها حين هب نيامها أي لاحتياجي إليها فهو
مفعول له و التراث أصله الوارث من ورثت و لكن التاء تبدل من الواو و مثله تجاه أصله
وجاه من واجهه و جواب إذا في قوله « إذا دكت الأرض » قوله « فيومئذ لا يعذب عذابه
أحد » و قوله « صفا صفا » مصدر وضع موضع الحال أي مصطفين . المعنى « و
الفجر » أقسم الله سبحانه بفجر النهار و هو انفجار الصبح كل يوم عن
مجمع البيان
ج : 10 ص : 736
عكرمة و الحسن و الجبائي و رواه أبو صالح عن ابن عباس و قيل هو
فجر ذي الحجة لأن الله تعالى قرن الأيام به فقال « و ليال عشر » و هي عشر ذي الحجة
عن مجاهد و الضحاك و قيل فجر أول المحرم لأنه تتجدد عنده السنة عن قتادة و قيل يريد
فجر يوم النحر لأنه يقع فيه القربان و يتصل بالليالي العشر عن أبي مسلم و قيل أراد
بالفجر النهار كله عن ابن عباس و ليال عشر يعني العشر من ذي الحجة عن ابن عباس و
الحسن و قتادة و مجاهد و الضحاك و السدي و روي ذلك مرفوعا شرفها الله ليسارع الناس
فيها إلى عمل الخير و قيل هي العشر الأواخر من شهر رمضان في رواية أخرى عن ابن عباس
و قيل إنها عشر موسى للثلاثين ليلة التي أتمها الله بها « و الشفع و الوتر » يعني
الزوج و الفرد من العدد كله عن الحسن قال أبو مسلم هو تذكير بالحساب لعظم ما فيه من
النفع و النعم بما يضبط به من المقادير و قيل الشفع و الوتر كل ما خلقه الله تعالى
لأن جميع الأشياء إما زوج و إما فرد عن ابن زيد و الجبائي و قيل الشفع الخلق لأنه
قال و خلقناكم أزواجا و الوتر الله تعالى عن عطية العوفي و أبي صالح و ابن عباس و
مجاهد و هي رواية أبي سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و قيل الشفع و
الوتر الصلاة و منه شفع و منها وتر و هي رواية ابن حصين عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و قيل الشفع يوم النحر و الوتر يوم عرفة عن ابن عباس و عكرمة و
الضحاك و هي رواية جابر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و الوجه فيه أن يوم
النحر يشفع بيوم نفر بعده و ينفرد يوم عرفة بالموقف و قيل الشفع يوم التروية و
الوتر يوم عرفة و روي ذلك عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) و قيل إن الشفع
و الوتر في قول الله عز و جل فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه و من تأخر فلا إثم
عليه فالشفع النفر الأول و الوتر يوم النفر الأخير و هو الثالث و أما الليالي العشر
فالثماني من ذي الحجة و عرفة و النحر عن ابن الزبير و قيل الوتر آدم شفع بزوجته عن
ابن عباس و قيل الشفع الأيام و الليالي و الوتر اليوم الذي لا ليل بعده و هو يوم
القيامة عن مقاتل بن حيان و قيل الشفع صفات المخلوقين و تضادها العز و الذل و
الوجود و العدم و القدرة و العجز و العلم و الجهل و الحياة و الموت و الوتر صفة
الله تعالى إذ هو الموجود لا يجوز عليه العدم و القادر لا يجوز عليه العجز و العالم
لا يجوز عليه الجهل و الحي لا يجوز عليه الموت و قيل الشفع علي و فاطمة
(عليهماالسلام) و الوتر محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و قيل الشفع الصفا و المروة
و الوتر البيت الحرام « و الليل إذا يسر » اختلفوا في المراد به على وجهين ( أحدهما
) أنه أراد جنس الليالي كما قال و الليل إذ أدبر أقسم بالليل إذا يمضي بظلامه فيذهب
حتى ينقضي بالضياء المبتدىء ففي سيره على المقادير المرتبة و مجيئه بالضياء عند
تقضيه أدل دلالة على أن فاعله يختص بالعز و الجلال و يتعالى عن الأشباه و الأمثال و
قيل إنه إنما أضاف السير إليه لأن الليل يسير بمسير الشمس في الفلك و انتقالها من
أفق إلى أفق و قيل إذا يسري إذا جاء مجمع البيان ج : 10 ص : 737 و أقبل
إلينا و يريد كل ليلة عن قتادة و الجبائي و الوجه الآخر أن المراد به ليلة بعينها
تمييزا لها من بين الليالي ثم قيل إنها ليلة المزدلفة لاختصاصها باجتماع الناس فيها
بطاعة الله تعالى و فيها يسري الحاج من عرفة إلى المزدلفة ثم يصلي الغداة بها و
يغدو منها إلى منى عن مجاهد و عكرمة و الكلبي « هل في ذلك قسم لذي حجر » أي هل فيما
ذكر من الأقسام مقنع لذي عقل و لب يعقل القسم و المقسم به و هذا تأكيد و تعظيم لما
وقع القسم به و المعنى أن من كان ذا لب علم أن ما أقسم الله به من هذه الأشياء فيه
عجائب و دلائل على توحيد الله توضح عن عجائب صنعه و بدائع حكمته ثم اعترض بين القسم
و جوابه بقوله « أ لم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد » و هذا خطاب للنبي (صلى
الله عليهوآلهوسلّم) و تنبيه للكفار على ما فعله سبحانه بالأمم السالفة لما كفرت
بالله و بأنبيائه و كانت أطول أعمارا و أشد قوة و عاد قوم هود و اختلفوا في إرم على
أقوال ( أحدها ) أنه اسم لقبيلة قال أبو عبيدة هما عادان فالأولى هي إرم و هي التي
قال الله تعالى فيهم و أنه أهلك عادا الأولى و قيل هو جد عاد و هو عاد بن عوص بن
إرم بن سام بن نوح عن محمد بن إسحاق و قيل هو سام بن نوح نسب عاد إليه عن الكلبي و
قيل إرم قبيلة من قوم عاد كان فيهم الملك و كانوا بمهرة و كان عاد أباهم عن مقاتل و
قتادة ( و ثانيها ) أن إرم اسم بلد ثم قيل هو دمشق عن ابن سعيد المقري و سعيد بن
المسيب و عكرمة و قيل هو مدينة الإسكندرية عن محمد بن كعب القرظي و قيل هو مدينة
بناها شداد بن عاد فلما أتمها و أراد أن يدخلها أهلكه الله بصيحة نزلت من السماء (
و ثالثها ) أنه ليس بقبيلة و لا بلد بل هو لقب لعاد و كان عاد يعرف به عن الجبائي و
روي عن الحسن أنه قرأ بعاد إرم على الإضافة و قيل هو اسم آخر لعاد و كان له اسمان و
من جعله بلدا فالتقدير في الآية بعاد صاحب إرم و قوله « ذات العماد » يعني أنهم
كانوا أهل عمد سيارة في الربيع فإذا هاج النبت رجعوا إلى منازلهم عن ابن عباس في
رواية عطاء و الكلبي عن قتادة و قيل معناه ذات الطول و الشدة عن ابن عباس و مجاهد
من قول العرب رجل معمد للطويل و رجل طويل العماد أي القامة ثم وصفهم سبحانه فقال «
التي لم يخلق مثلها في البلاد » أي لم يخلق في البلاد مثل تلك القبيلة في الطول و
القوة و عظم الأجسام و هم الذين قالوا من أشد منا قوة و روي أن الرجل منهم كان يأتي
بالصخرة فيحملها على الحي فيهلكهم و قيل ذات العماد أي ذات الأبنية العظام المرتفعة
عن الحسن و قال ابن زيد ذات العماد في أحكام البنيان التي لم يخلق مثلها أي مثل
أبنيتها في البلاد . [ قصة إرم ذات العماد ] قال وهب بن منبه خرج عبد
الله بن قلابة في طلب إبل له شردت فبينا هو في صحاري
مجمع البيان ج : 10 ص :
738
عدن إذ هو قد وقع في مدينة في تلك الفلوات عليها حصن و حول الحصن قصور
كثيرة و أعلام طوال فلما دنا منها ظن أن فيها أحدا يسأله عن إبله فنزل عن دابته و
عقلها و سل سيفه و دخل من باب الحصن فلما دخل الحصن فإذا هو ببابين عظيمين لم ير
أعظم منهما و البابان مرصعان بالياقوت الأبيض و الأحمر فلما رأى ذلك دهش ففتح أحد
البابين فإذا هو بمدينة لم ير أحد مثلها و إذا هو قصور كل قصر فوقه غرف و فوق الغرف
غرف مبنية بالذهب و الفضة و اللؤلؤ و الياقوت و مصاريع تلك الغرف مثل مصراع المدينة
يقابل بعضها بعضا مفروشة كلها باللآلىء و بنادق من مسك و زعفران فلما رأى الرجل ما
رأى و لم ير فيها أحدا هاله ذلك ثم نظر إلى الأزقة فإذا هو بشجر في كل زقاق منها قد
أثمرت تلك الأشجار و تحت الأشجار أنهار مطردة يجري ماؤها من قنوات من فضة كل قناة
أشد بياضا من الشمس فقال الرجل و الذي بعث محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالحق ما
خلق الله مثل هذه في الدنيا و إن هذه هي الجنة التي وصفها الله تعالى في كتابه فحمل
معه من لؤلؤها و من بنادق المسك و الزعفران و لم يستطع أن يقلع من زبرجدها و من
ياقوتها شيئا و خرج و رجع إلى اليمن فأظهر ما كان معه و علم الناس أمره فلم يزل
ينمو أمره حتى بلغ معاوية خبره فأرسل في طلبه حتى قدم عليه فقص عليه القصة فأرسل
معاوية إلى كعب الأحبار فلما أتاه قال يا أبا إسحاق هل في الدنيا مدينة من ذهب و
فضة قال نعم أخبرك بها و بمن بناها إنما بناها شداد بن عاد فأما المدينة فارم ذات
العماد التي وصفها الله تعالى في كتابه و هي التي لم يخلق مثلها في البلاد قال
معاوية فحدثني حديثها فقال إن عادا الأولى ليس بعاد قوم هود و إنما هود و قوم هود
ولد ذلك و كاد عاد له ابنان شداد و شديد فهلك عاد فبقيا و ملكا فقهرا البلاد و
أخذاها عنوة ثم هلك شديد و بقي شداد فملك وحده و دانت له ملوك الأرض فدعته نفسه إلى
بناء مثل الجنة عتوا على الله سبحانه فأمر بصنعة تلك المدينة إرم ذات العماد و أمر
على صنعتها مائة قهرمان مع كل قهرمان ألف من الأعوان و كتب إلى كل ملك في الدنيا أن
يجمع له ما في بلاده من الجواهر و كان هؤلاء القهارمة أقاموا في بنيانها مدة طويلة
فلما فرغوا منها جعلوا عليها حصنا و حول الحصن ألف قصر ثم سار الملك إليها في جنده
و وزرائه فلما كان منها على مسيرة يوم و ليلة بعث الله عز و جل عليه و على من معه
صيحة من السماء فأهلكتهم جميعا و لم يبق منهم أحدا و سيدخلها في زمانك رجل من
المسلمين أحمر أشقر قصير على حاجبه خال و على عنقه خال يخرج في طلب إبل له في تلك
الصحاري و الرجل عند معاوية فالتفت كعب إليه و قال هذا و الله ذلك الرجل ثم قال
سبحانه « و ثمود الذين جابوا الصخر بالواد » أي و كيف فعل بثمود الذين قطعوا الصخر
و نقبوها بالوادي الذي كانوا ينزلونه يعني وادي القرى قال ابن عباس كانوا ينحتون
الجبال
مجمع البيان ج : 10 ص : 739
فيجعلون منها بيوتا كما قال الله تعالى
و تنحتون من الجبال بيوتا فارهين « و فرعون » أي و كيف فعل فرعون الذي أرسل إليه
موسى « ذي الأوتاد » أي ذي الجنود الذين كانوا يشيدون أمره عن ابن عباس و سماهم
أوتادا لأنهم قواد عسكره الذين بهم قوام أمره و قيل كان يشد الرجل بأربعة أوتاد على
الأرض إذا أراد تعذيبه و يتركه حتى يموت عن مجاهد و عن ابن مسعود قال وتد امرأته
بأربعة أوتاد ثم جعل على ظهرها رحى عظيمة حتى ماتت و قد مر بيانه في سورة ص « الذين
طغوا في البلاد » يعني عادا و ثمود و فرعون طغوا أي تجبروا في البلاد على أنبياء
الله و عملوا فيها بمعصية الله « فأكثروا فيها » أي في الأرض أو في البلاد « الفساد
» أي القتل و المعصية عن الكلبي ثم بين سبحانه ما فعله بهم عاجلا بأن قال « فصب
عليهم ربك سوط عذاب » أي فجعل سوطة الذي ضربهم به العذاب عن الزجاج و قيل معناه صب
عليهم قسط عذاب كالعذاب بالسوط الذي يعرف أراد ما عذبوا به و قيل إن كل شيء عذب
الله به فهو سوط فأجري على العذاب اسم السوط مجازا عن قتادة شبه سبحانه العذاب الذي
أحله بهم و ألقاه عليهم بانصباب السوط و تواتره على المضروب حتى يهلكه « إن ربك
لبالمرصاد » أي عليه طريق العباد فلا يفوته أحد عن الكلبي و الحسن و عكرمة و المعنى
أنه لا يفوته شيء من أعمالهم لأنه يسمع و يرى جميع أقوالهم و أفعالهم كما لا يفوت
من هو بالمرصاد و روي عن علي (عليه السلام) أنه قال معناه إن ربك قادر على أن يجزي
أهل المعاصي جزاءهم و عن الصادق (عليه السلام) أنه قال المرصاد قنطرة على الصراط لا
يجوزها عبد بمظلمة عبد و قال عطاء يعني يجازي كل واحد و ينتصف من الظالم للمظلوم و
قيل لأعرابي أين ربك قال بالمرصاد و ليس يريد به المكان فقد سئل علي (عليه السلام)
أين كان ربنا قبل أن خلق السماوات و الأرض فقال أين سؤال عن مكان و كان الله و لا
مكان و روي عن ابن عباس في هذه الآية قال إن على جسر جهنم سبع محابس يسأل العبد
عندها أولها عن شهادة أن لا إله إلا الله فإن جاء بها تامة جاز إلى الثاني فيسأل عن
الصلاة فإن جاء بها تامة جاز إلى الثالث فيسأل عن الزكاة فإن جاء بها تامة جاز إلى
الرابع فيسأل عن الصوم فإن جاء بها تامة جاز إلى الخامس فيسأل عن الحج فإن جاء به
تاما جاز إلى السادس فيسأل عن العمرة فإن جاء بها تامة جاز إلى السابع فيسأل عن
المظالم فإن خرج منها و إلا يقال انظروا فإن كان له تطوع أكمل به أعماله فإذا فرغ
انطلق به إلى الجنة ثم قسم سبحانه أحوال البشر فقال « فأما الإنسان إذا ما ابتلاه
ربه » أي اختبره و امتحنه بالنعمة « فأكرمه » بالمال « و نعمه » بما وسع عليه من
أنواع الإفضال « فيقول ربي أكرمن » فيفرح بذلك و يسر و يقول ربي أعطاني هذا لكرامتي
عنده و منزلتي لديه أي يحسب أنه كريم على ربه حيث وسع الدنيا عليه « و أما إذا ما
ابتلاه » بالفقر و الفاقة « فقدر » أي فضيق و
مجمع البيان ج : 10 ص : 740
قتر « عليه رزقه » و جعله على قدر البلغة « فيقول ربي أهانن » أي فيظن أن ذلك
هوان من الله و يقول ربي أذلني بالفقر ثم قال « كلا » أي ليس كما ظن فإني لا أغني
المرء لكرامته علي و لا أفقره لمهانته عندي و لكني أوسع على من أشاء و أضيق على من
أشاء بحسب ما توجبه الحكمة و يقتضيه الصلاح ابتلاء بالشكر و الصبر و إنما الإكرام
على الحقيقة يكون بالطاعة و الإهانة تكون بالمعصية ثم بين سبحانه ما يستحق به
الهوان فقال بل إنما أهنت من أهنت لأنهم عصوني . ثم فصل العصيان فقال « بل لا
تكرمون اليتيم » و هو الطفل الذي لا أب له أي لا تعطونهم مما أعطاكم الله حتى
تغنوهم عن ذل السؤال و خص اليتيم لأنهم لا كافل لهم يقوم بأمرهم و قد قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنا و كافل اليتيم كهاتين في الجنة و أشار بالسبابة و الوسطى قال
مقاتل : كان قدامة بن مظعون في حجر أمية بن خلف يتيما و كان يدفعه عن حقه فعلى هذا
فإنه يحتمل معنيين ( أحدهما ) إنكم لا تحسنون إليه ( و الآخر ) إنكم لا تعطونه حقه
من الميراث على ما جرت به عادة الكفار من حرمان اليتيم ما كان له من الميراث و لا
تحضون على طعام المسكين أي و لا تحثون على إطعامه و لا تأمرون بالتصدق عليه و من
قرأ « لا تحاضون » أراد لا يحض بعضكم بعضا على ذلك و المعنى أن الإهانة ما فعلتموه
من ترك إكرام اليتيم و منع الصدقة من الفقير لا ما توهمتموه و قيل إن المراد إنما
أعطيتكم المال لذلك فإذا لم تفعلوه فذلك يوجب إهانتكم « و تأكلون التراث » أي
الميراث و قيل أموال اليتامى عن أبي مسلم قال و لم يرد الميراث الحلال لأنه لا يلام
آكله عليه قال الحسن : يأكل نصيبه و نصيب اليتيم و ذلك أنهم كانوا لا يورثون النساء
و الصبيان و يأكلون أموالهم و قيل يأكلون الميراث فيما يشتهون و لا يتفكرون في
إخراج ما أوجب الله عليهم من الحقوق فيه « أكلا لما » شديدا تلمون جميعه في الأكل و
قيل هو أن يأكل نصيبه و نصيب غيره عن الحسن و قيل هو أن يأكل ما يجده و لا يفكر
فيما يأكله من خبيث و طيب عن ابن زيد « و تحبون المال حبا جما » أي كثيرا شديدا عن
ابن عباس و مجاهد و المعنى تحبون جمع المال و تولعون به فلا تنفقونه في خير و قيل
يحبون كثرة المال من فرط حرصهم فيجمعونه من غير وجهه و يصرفونه في غير وجهه و لا
يتفكرون في العاقبة ثم قال سبحانه « كلا » أي لا ينبغي أن يكون الأمر هكذا و قال
مقاتل : معناه لا يفعلون ما أمروا به في اليتيم و المسكين و قيل كلا زجر تقديره لا
تفعلوا هكذا ثم خوفهم فقال « إذا دكت الأرض دكا دكا » أي كسر كل شيء على ظهرها من
جبل أو بناء أو شجر حتى زلزلت فلم يبق عليها شيء يفعل ذلك مرة بعد مرة و قيل دكت
الأرض أي مدت يوم القيامة مد الأديم عن ابن عباس و قيل دقت جبالها و إنشازها حتى
استوت عن ابن قتيبة و المعنى استوت في انفراشها و ذهب دورها و قصورها و سائر
أبنيتها حتى تصير كالصحراء
مجمع البيان ج : 10 ص : 741
الملساء « و جاء ربك
» أي أمر ربك و قضاؤه و محاسبته عن الحسن و الجبائي و قيل جاء أمره الذي لا أمر معه
بخلاف حال الدنيا عن أبي مسلم و قيل جاء جلائل آياته فجعل مجيئها مجيئه تفخيما
لأمرها و قال بعض المحققين : المعنى و جاء ظهور ربك لضرورة المعرفة به لأن ظهور
المعرفة بالشيء يقوم مقام ظهوره و رؤيته و لما صارت المعارف بالله في ذلك اليوم
ضرورية صار ذلك كظهوره و تجليه للخلق فقيل جاء ربك أي زالت الشبهة و ارتفع الشك كما
يرتفع عند مجيء الشيء الذي كان يشك فيه جل و تقدس عن المجيء و الذهاب لقيام
البراهين القاهرة و الدلائل الباهرة على أنه سبحانه ليس بجسم « و الملك » أي و تجيء
الملائكة « صفا صفا » يريد صفوف الملائكة و أهل كل سماء صف على حدة عن عطاء و قال
الضحاك : أهل كل سماء إذا زلزلوا يوم القيامة كانوا صفا محيطين بالأرض و بمن فيها
فيكون سبع صفوف فذلك قوله « صفا صفا » و قيل معناه مصطفين كصفوف الناس في الصلاة
يأتي الصف الأول ثم الصف الثاني ثم الصف الثالث ثم على هذا الترتيب لأن ذلك أشبه
بحال الاستواء من التشويش فالتعديل و التقويم أولى « و جيء يومئذ بجهنم » أي و
أحضرت في ذلك اليوم جهنم ليعاقب بها المستحقون لها و يرى أهل الموقف هولها و عظم
منظرها و روي مرفوعا عن أبي سعيد الخدري قال لما نزلت هذه الآية تغير وجه رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلّم) و عرف في وجهه حتى اشتد على أصحابه ما رأوا من حاله و
انطلق بعضهم إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقالوا يا علي لقد حدث أمر قد
رأيناه في نبي الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فجاء علي (عليه السلام) فاحتضنه من
خلفه و قبل بين عاتقيه ثم قال يا نبي الله بأبي أنت و أمي ما الذي حدث اليوم قال
جاء جبرائيل (عليه السلام) فأقرأني « و جيء يومئذ بجهنم » قال فقلت كيف يجاء بها
قال يجيء بها سبعون ألف ملك يقودونها بسبعين ألف زمام فتشرد شردة لو تركت لأحرقت
أهل الجمع ثم أتعرض لجهنم فتقول ما لي و لك يا محمد فقد حرم الله لحمك علي فلا يبقى
أحد إلا قال نفسي نفسي و إن محمدا يقول رب أمتي أمتي ثم قال سبحانه « يومئذ » يعني
يوما يجاء بجهنم « يتذكر الإنسان » أي يتعظ و يتوب الكافر « و أنى له الذكرى » أي و
من أين له التوبة عن الزجاج و قيل معناه يتذكر الإنسان ما قصر و فرط إذ يعلم يقينا
ما قد توعد به فكيف ينفعه التذكر أثبت له التذكر ثم نفاه بمعنى أنه لا ينتفع به
فكأنه لم يكن و كان ينبغي له أن يتذكر في وقت ينفعه ذلك فيه ثم حكى سبحانه ما يقول
الكافر و المفرط الجاني على نفسه و يتمناه بقوله « يقول يا ليتني قدمت لحياتي » أي
يتمنى أن يكون قد كان عمل الطاعات و الحسنات لحياته بعد موته أو عملها للحياة التي
تدوم له بقوله « يا ليتني قدمت لحياتي » العمل الصالح لآخرتي التي لا موت فيها ثم
قال سبحانه « فيومئذ لا يعذب عذابه أحد » أي لا يعذب عذاب الله أحد من
مجمع
البيان ج : 10 ص : 742
الخلق « و لا يوثق وثاقه أحد » أي وثاق الله أحد من
الخلق فالمعنى لا يعذب أحد في الدنيا مثل عذاب الله الكافر يومئذ و لا يوثق أحد في
الدنيا بمثل وثاق الله الكافر يومئذ و أما القراءة بفتح العين في يعذب و يوثق فقد
وردت الرواية عن أبي قلابة قال أقرأني من أقرأه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)
فيومئذ لا يعذب عذابه أحد و لا يوثق وثاقه أحد و المعنى لا يعذب أحد تعذيب هذا
الكافر إن قلنا إنه كافر بعينه أو تعذيب هذا الصنف من الكفار و هم الذين ذكروا في
قوله « لا تكرمون اليتيم » الآيات و هذا و إن أطلق فالأولى أن يكون المراد التقييد
لأنا نعلم أن إبليس أشد عذابا و وثاقا منه و قيل معناه لا يؤاخذ بذنبه غيره و
التقدير لا يعذب أحد بعذابه لأنه المستحق بعذابه و لا يؤاخذ الله أحدا بجرم غيره «
يا أيتها النفس المطمئنة » بالإيمان المؤمنة الموقنة المصدقة بالثواب و البعث و
الطمأنينة حقيقة الإيمان عن الحسن و مجاهد و قيل المطمئنة الآمنة بالبشارة بالجنة
عند الموت و يوم البعث عن ابن زيد و قيل النفس المطمئنة التي يبيض وجهها و يعطى
كتابها بيمينها فحينئذ تطمئن عن الكلبي و أبي روق « ارجعي إلى ربك » أي يقال لها
عند الموت عن أبي صالح و قيل عند البعث عن عكرمة و الضحاك ارجعي إلى ثواب ربك و ما
أعده لك من النعيم عن الحسن و قيل ارجعي إلى الموضع الذي يختص الله سبحانه بالأمر و
النهي فيه دون خلقه و قيل إن المراد ارجعي إلى صاحبك و جسدك فيكون الخطاب للروح أن
ترجع إلى الجسد عن ابن عباس « راضية » بثواب الله « مرضية » أعمالها التي عملتها و
قيل راضية عن الله بما أعد الله لها مرضية رضي عنها ربها بما عملت من طاعته و قيل
راضية بقضاء الله في الدنيا حتى رضي الله عنها و رضي بأفعالها و اعتقادها « فادخلي
في عبادي » أي في زمرة عبادي الصالحين المصطفين الذين رضيت عنهم و هذه نسبة تشريف و
تعظيم « و ادخلي جنتي » التي وعدتكم بها و أعددت نعيمكم فيها . النظم
وجه اتصال قوله « فأما الإنسان » الآية بما قبله فيه قولان ( أحدهما ) أنه يتصل
بقوله « إن ربك لبالمرصاد » أي هو بالمرصاد لأعمالهم لا يخفى عليه شيء من مصالحهم
فإذا أكرم أحدا منهم بنوع من النعم التي هي الصحة و السلامة و المال و البنون
امتحانا و اختبارا ظن ذلك واجبا و إذا قتر عليه رزقه ظن ذلك إهانة له و إنما يفعل
سبحانه جميع ذلك للمصالح عن أبي مسلم ( و الثاني ) أن المعنى بالمرصاد لهم يتعبده
بما هو الأصلح لهم و أنهم يظنون أنه يبتدىء عباده بالإكرام و الإهانة و ليس كذلك بل
هما مستحقان و لا يدخل العباد تحت الاستحقاق إلا بعد التكليف و أما قوله « بل لا
تكرمون اليتيم » فوجه اتصاله بما قبله أنه رد عليهم ظنهم أنه ضيق عليهم أرزاقهم على
وجه الإهانة فبين سبحانه أن الإهانة لما ذكره لا لما قالوه .
مجمع البيان ج
: 10 ص : 743
( 90 ) سورة البلد مكية و آياتها عشرون ( 20 ) مكية عشرون آية
بالإجماع . فضلها أبي بن كعب قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من قرأها أعطاه الله الأمن من غضبه يوم القيامة أبو بصير عن أبي عبد
الله (عليه السلام) قال من كان قراءته في الفريضة لا أقسم بهذا البلد كان في الدنيا
معروفا أنه من الصالحين و كان في الآخرة معروفا أن له من الله مكانا و كان من رفقاء
النبيين و الشهداء و الصالحين . تفسيرها لما ختم تلك السورة بذكر النفس
المطمئنة بين في هذه السورة وجه الاطمئنان و أنه النظر في طريق معرفة الله و أكد
ذلك بالقسم فقال :
مجمع البيان ج : 10 ص : 744 سورة البلد بِسمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لا أُقْسِمُ بهَذَا الْبَلَدِ(1) وَ أَنت حِلُّ بهَذَا
الْبَلَدِ(2) وَ وَالِد وَ مَا وَلَدَ(3) لَقَدْ خَلَقْنَا الانسنَ فى كَبَد(4) أَ
يحْسب أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ(5) يَقُولُ أَهْلَكْت مَالاً لُّبَداً(6)
أَ يحْسب أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ(7) أَ لَمْ نجْعَل لَّهُ عَيْنَينِ(8) وَ لِساناً
وَ شفَتَينِ(9) وَ هَدَيْنَهُ النَّجْدَيْنِ(10) فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ(11) وَ
مَا أَدْرَاك مَا الْعَقَبَةُ(12) فَك رَقَبَة(13) أَوْ إِطعَمٌ فى يَوْم ذِى
مَسغَبَة(14) يَتِيماً ذَا مَقْرَبَة(15) أَوْ مِسكِيناً ذَا مَترَبَة(16) ثُمَّ
كانَ مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ تَوَاصوْا بِالصبرِ وَ تَوَاصوْا
بِالْمَرْحَمَةِ(17) أُولَئك أَصحَب المَْيْمَنَةِ(18) وَ الَّذِينَ كَفَرُوا
بِئَايَتِنَا هُمْ أَصحَب الْمَشئَمَةِ(19) عَلَيهِمْ نَارٌ مُّؤْصدَةُ(20)
القراءة قرأ أبو جعفر لبدا بالتشديد و الباقون بالتخفيف و قرأ ابن كثير و
أبو عمرو و الكسائي فك رقبة أو أطعم و الباقون « فك رقبة » بالرفع و الإضافة « أو
إطعام » بالتنوين و قرأ أبو عمرو و أهل الكوفة غير عاصم مؤصدة بالهمزة و الباقون
بغير همزة و يعقوب مختلف عنه و في الشواذ قراءة الحسن في يوم ذا مسغبة .
الحجة لبد يجوز أن يكون واحدا على وزن زمل و جبا و يجوز أن يكون جمعا
فيكون جمع لأبد و أما قوله « فك رقبة أو إطعام » فقد قال أبو علي : المعنى فيه و ما
أدراك ما اقتحام العقبة فك رقبة أو إطعام أي اقتحامها أحد هذين أو هذا الضرب من فعل
القرب فلو لم تقدره و تركت الكلام على ظاهره كان المعنى العقبة فك رقبة و لا تكون
العقبة الفك لأنه عين و الفك حدث و الخبر ينبغي أن يكون المبتدأ في المعنى و مثل
هذا قوله « و ما أدراك ما الحطمة نار الله الموقدة » أي الحطمة نار الله و مثله « و
ما أدراك ما هيه نار حامية » و كذلك قوله « و ما أدراك ما القارعة يوم يكون الناس
كالفراش المبثوث » و المعنى القارعة يوم يكون الناس لأن القارعة مصدر فيكون اسم
الزمان خبرا عنه فهذه الجمل من الابتداء و الخبر تفسير لهذه الأشياء المتقدم ذكرها
من اقتحام العقبة و الحطمة و القارعة كما أن قوله تعالى « لهم مغفرة و أجر عظيم »
تفسير للوعد و قوله « فلا اقتحم العقبة » معناه فلم يقتحم و إذا كانت لا بمعنى لم
لم يلزم تكريرها كما لا يلزم التكرير مع لم فإن تكررت في موضع نحو فلا صدق و لا صلى
فهو كتكرير لم في قوله لم يسرفوا و لم يقتروا و قوله « ثم كان من الذين آمنوا » أي
كان مقتحم العقبة و فكاك الرقبة من الذين آمنوا فإنه إذا لم يكن منهم لم ينفعه قربه
و جاز وصف
مجمع البيان ج : 10 ص : 745
اليوم بقوله « ذي مسغبة » كما جاز أن
يقال ليله نائم و نهاره صائم و نحو ذلك و من قرأ فك رقبة أو أطعم فإنه يجوز أن يكون
ما ذكر من الفعل تفسيرا لاقتحام العقبة فإن قلت إن هذا الضرب لم يفسر بالفعل و إنما
فسر بالابتداء و الخبر كقوله « نار الله الموقدة » و قوله « نار حامية » فهلا رجحت
القراءة الأخرى قيل إنه قد يمكن أن يكون كذبت ثمود و عاد بالقارعة تفسيرا لقوله و
ما أدراك ما القارعة على المعنى و قد جاء إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم و فسر
المثل بقوله خلقه من تراب و زعموا أن أبا عمرو احتج بقوله « ثم كان من الذين آمنوا
» لقراءة فك رقبة كأنه لما كان فعلا وجب أن يكون المعطوف عليه مثله و قد يجوز أن
يكون ذلك كالقطع من الأول و الاستئناف كأنه أعلم أن فكاك الرقبة من الرق بأن كان من
الذين آمنوا لأنه بالإيمان يحرز ثواب ذلك و يحوزه فإذا لم ينضم الإيمان إلى فعل
القرب التي تقدم ذكرها لم ينفع ذلك و التقدير ثم كونه من الذين آمنوا فجاء هذا مجيء
قوله سبحانه كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم و شهدوا يريد و إن شهدوا . و
أوصدت الباب و أصدته لغتان فمن لم يهمز موصدة احتمل أمرين ( أحدهما ) أن يكون على
لغة من قال أوصدت ( و الوجه الآخر ) أن يكون من آصدت ثم خففت الهمزة فقلبت واوا كما
جاء في جونة و تووي و من همز مؤصدة فهو من أصدت و أبو عمرو يترك الهمزة الساكنة و
يبدلها واوا إذا انضم ما قبلها نحو يؤمنون و مؤمنين و يبدلها ألفا إذا انفتح ما
قبلها ياء إذا انكسر ما قبلها و لا يبدلها في نحو قوله « مؤصدة » بل يهمزها لأن
مؤصدة بالهمز هي لغة من قال آصدت الباب و الباب مؤصدة و أبو عمرو على هذه اللغة فلا
يترك الهمز إذا احتاج أن يترك لغته و ينتقل عنها إلى لغة أخرى و كذلك لا يترك الهمز
في قوله تؤوي إليك لأنه لو أبدلها واوا و بعدها واو اجتمع واوان و اجتماعهما أثقل
من الهمزة و كذلك إذا كان الفعل مجزوما و لامها همزة بقاها على حالها و لا يبدلها
بتة نحو قوله إن تمسسكم حسنة تسؤهم لأنه لو أبدلها واوا وجب حذفها بالجزم كما تقول
في يغزو لم يغز كذلك إن يشأ يذهبكم لا يبدلها ألفا لهذا المعنى أيضا و كذلك قوله
أثاثا و رئيا لا يقلبها ياء لأنه يشتبه بالري من روي من الماء فهذه أربعة أحوال لا
يترك الهمز فيها إذا احتاج إلى ترك لغته و أن ينتقل إلى لغة أخرى و إذا كان الهمز
في موضع الجزم و إذا اشتبه المعنى في الكلمة بكلمة أخرى و إذا كان ترك الهمز يؤدي
إلى اجتماع الواوين فافهم ذلك و من قرأ ذا مسغبة جعله مفعول إطعام و يتيما بدل منه
و يجوز أن يكون يتيما وصفا لذا مسغبة كقولك رأيت كريما عاقلا و جاز وصف الصفة الذي
هو كريم لأنه لما لم يجر على الاسم الموصوف أشبه الاسم . اللغة الحل
الحال و هو الساكن و الحل الحلال و رجل حل و حلال أي محل و الكبد
مجمع البيان ج
: 10 ص : 746
في اللغة شدة الأمر و منه تكبد اللبن إذا غلظ و اشتد و منه الكبد
لأنه دم يغلظ و يشتد و تكبد الدم إذا صار كالكبد قال لبيد : عين هلا بكيت أربد
إذ قمنا و قام الخصوم في كبد و اللبد الكثير مأخوذ من تلبد الشيء إذا تراكب
بعضه على بعض و منه اللبد يقال ما له سبد و لا لبد و أصل النجد العلو و سمي نجد
نجدا لعلوه عن انخفاض تهامة و كل عال من الأرض نجد و الجمع نجود قال امرؤ القيس :
غداة غدوا فسألك بطن نخلة و آخر منهم جازع نجد كبكب أراد طريقه في ارتفاع و
كبكب جبل و في المثل ( أنجد من رأى حضنا ) و رجل نجد بين النجدة إذا كان جلدا قويا
لاستعلائه على قرنه و استنجدت فلانا فأنجدني أي استعنته للاستعلاء على قرني فأعانني
و شبه طريق الخير و الشر بالطريقين العاليين لظهور ما فيهما و الاقتحام الدخول على
الشدة بالضيق يقال اقتحم و تقحم و أقحمه و قحمه غيره و العقبة الطريقة التي ترتقي
على صعوبة و يحتاج فيها إلى معاقبة الشدة بالضيق و المخاطرة و قيل العقبة الثنية
الضيقة في رأس الجبل يتعاقبها الناس فشبهت النفقة في وجوه البر بها و عاقب الرجل
صاحبه إذا صار في موضعه بدلا منه و الفك فرق يزيد المنع و يمكن معه أمر لم يكن
متمكنا كفك القيد و الغل لأنه يزول به المنع و يمكن به تصرف لم يمكن قبل ففك الرقبة
فرق بينها و بين حال الرق بإيجاب الحرية و إبطال العبودية و المسغبة المجاعة سغب
يسغب سغبا فهو ساغب إذا جاع قال جرير : تعلل و هي ساغبة بنيها بأنفاس من
الشبم القراح و المقربة القرابة و لا يقال فلان قرابتي و إنما يقال ذو قرابتي لأنه
مصدر كما قال الشاعر :
مجمع البيان ج : 10 ص : 747
يبكي الغريب عليه
ليس يعرفه و ذو قرابته في الحي مسرور و المتربة الحاجة الشديدة من قولهم ترب
الرجل إذا افتقر . المعنى « لا أقسم بهذا البلد » أجمع المفسرون على أن
هذا قسم بالبلد الحرام و هو مكة و قد تقدم بيان قوله « لا أقسم » في سورة القيامة «
و أنت حل بهذا البلد » أي و أنت يا محمد مقيم به و هو محلك و هذا تنبيه على شرف
البلد بشرف من حل به من الرسول الداعي إلى توحيده و إخلاص عبادته و بيان أن تعظيمه
له و قسمه به لأجله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و لكونه حالا فيه كما سميت المدينة
طيبة لأنها طابت به حيا و ميتا و قيل معناه و أنت محل بهذا البلد و هو ضد المحرم و
المراد و أنت حلال لك قتل من رأيت به من الكفار و ذلك حين أمر بالقتال يوم فتح مكة
فأحلها الله له (صلى الله عليه وآله وسلّم) حتى قاتل و قتل و قد قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) لا يحل لأحد قبلي و لا يحل لأحد من بعدي و لم يحل لي إلا ساعة من
نهار عن ابن عباس و مجاهد و قتادة و عطاء و هذا وعد من الله لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يحل له مكة حتى يقاتل فيها و يفتحها على يده و يكون بها حلا يصنع
بها ما يريد القتل و الأسر و قد فعل سبحانه ذلك فدخلها غلبة و كرها و قتل ابن أخطل
و هو متعلق بأستار الكعبة و مقيس بن سبابة و غيرهما و قيل معناه لا أقسم بهذا البلد
و أنت حل فيه منتهك الحرمة مستباح العرض لا تحترم فلم يبن للبلد حرمة حيث هتكت
حرمتك عن أبي مسلم و هو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال كانت قريش تعظم
البلد و تستحل محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) فيه فقال « لا أقسم بهذا البلد و أنت
حل بهذا البلد » يريد أنهم استحلوك فيه فكذبوك و شتموك و كانوا لا يأخذ الرجل منهم
فيه قاتل أبيه و يتقلدون لحاء شجر الحرم فيأمنون بتقليدهم إياه فاستحلوا من رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ما لم يستحلوا من غيره فعاب الله ذلك عليهم ثم عطف
على القسم فقال « و والد و ما ولد » يعني آدم (عليه السلام) و ذريته عن الحسن و
مجاهد و قتادة و ذلك أنهم خليقة أعجب من هذه الخليقة و هم عمار الدنيا و قيل آدم و
ما ولد من الأنبياء و الأوصياء و أتباعهم عن أبي عبد الله (عليه السلام) و قيل يريد
إبراهيم (عليه السلام) و ولده عن ابن أبي عمران الجوني لما أقسم بالبلد أقسم
بإبراهيم فإنه بانيه و بأولاده العرب إذ هم المخصصون بالبلد و قيل يعني كل والد و
ولده عن ابن عباس و الجبائي و قيل و والد من يولد له و ما ولد يعني العاقر عن ابن
جبير فيكون ما نفيا و هو بعيد لأنه يكون تقديره و ما ما ولد فحذف ما الأولى التي
تكون موصولة أو موصوفة « لقد خلقنا الإنسان في كبد » أي في نصب و شدة عن ابن عباس و
سعيد بن جبير و الحسن قال يكابد مصائب الدنيا و شدائد الآخرة و قال ابن آدم لا يزال
يكابد أمرا حتى يفارق الدنيا و قيل في شدة خلق من حمله و ولادته و رضاعه و فطامه و
معاشه و حياته و موته ثم أنه سبحانه لم
مجمع البيان ج : 10 ص : 748
يخلق
خلقا يكابد ما يكابد ابن آدم و هو أضعف الخلق و قيل في كبد أي قائما على قدميه
منتصبا و كل شيء خلق فإنه يمسي مكبا إلا الإنسان فإنه خلق منتصبا فالكبد الاستواء و
الاستقامة و هو رواية مقسم عن ابن عباس و هو قول مجاهد و أبي صالح و عكرمة و قيل
يريد شدة الأمر و النهي أي خلقناه ليعبدنا بالعبادات الشاقة مثل الاغتسال من
الجنابة في البرد و القيام إلى الصلاة من النوم فينبغي له أن يعلم أن الدنيا دار
كبد و مشقة و الجنة دار الراحة و النعمة « أ يحسب أن لن يقدر عليه أحد » معناه أ
يظن هذا الإنسان أنه لن يقدر على عقابه أحد إذا عصى الله تعالى و ركب القبائح فبئس
الظن ذلك و هذا استفهام إنكار أي لا يظنن ذلك و قيل معناه أ يحسب هذا المغتر بماله
أن لا يقدر عليه أحد يأخذ ماله عن الحسن و قيل أ يحسب أن لا يسأل عن هذا المال من
أين اكتسبه و في ما ذا أنفقه عن قتادة و قيل أنه يعني أبا الأسد بن كلدة و هو رجل
من جمح كان قويا شديد الخلق بحيث يجلس على أديم عكاظي فتجره العشرة من تحته فينقطع
و لا يبرح من مكانه عن الكلبي ثم أخبر سبحانه عن مقالة هذا الإنسان فقال « يقول
أهلكت مالا لبدا » أي أنفقت مالا كثيرا في عداوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)
يفتخر بذلك و قيل هو الحرث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف و ذلك أنه أذنب ذنبا
فاستفتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فأمره أن يكفر فقال لقد ذهب مالي في
الكفارات و النفقات منذ دخلت في دين محمد عن مقاتل « أ يحسب أن لم يره أحد »
فيطالبه من أين اكتسبه و في ما ذا أنفقه عن قتادة و سعيد بن جبير و روي عن ابن عباس
عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال لا تزول قدما العبد حتى يسأل عن أربعة عن
عمره فيما أفناه و عن ماله من أين جمعه و فيما ذا أنفقه و عن عمله ما ذا عمل به و
عن حبنا أهل البيت و قيل أنه كان كاذبا لم ينفق ما قاله فقال الله سبحانه أ يظن أن
الله تعالى لم ير ذلك فعل أو لم يفعل أنفق أو لم ينفق عن الكلبي ثم ذكر سبحانه
النعم التي أنعم بها عليه ليستدل بها على توحيده فقال « أ لم نجعل له عينين » ليبصر
بهما آثار حكمته « و لسانا و شفتين » لينطق بهما فيبين باللسان و يستعين بالشفتين
على البيان قال قتادة : نعم الله عليك متظاهرة فقررك بها كيما تشكر و روى عبد
الحميد المدائني عن أبي حازم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال إن الله
تعالى يقول يا ابن آدم إن نازعك لسانك فيما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقتين فأطبق
و إن نازعك بصرك إلى بعض ما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقتين فأطبق و إن نازعك
فرجك إلى ما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقتين فأطبق « و هديناه النجدين » أي سبيل
الخير و سبيل الشر عن علي (عليه السلام) و ابن مسعود و ابن عباس و الحسن و مجاهد و
قتادة و قيل معناه أرشدناه للثديين عن سعيد بن المسيب و الضحاك و في رواية أخرى عن
ابن عباس روي أنه قيل لأمير المؤمنين (عليه السلام) أن ناسا يقولون في قوله « و
هديناه
مجمع البيان ج : 10 ص : 749
النجدين » أنهما الثديان فقال لا هما
الخير و الشر و قال الحسن بلغني أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال يا أيها
الناس هما نجدان نجد الخير و نجد الشر فما جعل نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير و
لو قيل كيف يكون نجد الشر مرتفعا كنجد الخير و معلوم أنه لا رفعة في الشر و الجواب
أن الطريقين جميعا ظاهران باديان للمكلفين فسمى سبحانه كلاهما نجدا لظهوره و بروزه
و يجوز أن يكون سمي طريق الشر نجدا من حيث يحصل في اجتناب سلوكه الرفعة و الشرف كما
يحصل ذلك في طريق الخير و قيل أيضا أنه على عادة العرب في تثنية الأمرين إذا اتفقا
على بعض الوجوه فيجري لفظ أحدهما على الآخر كقولهم القمرين في الشمس و القمر قال
الفرزدق : أخذنا ب آفاق السماء عليكم لنا قمراها و النجوم الطوالع و نظائره
كثيرة « فلا اقتحم العقبة » فيه أقوال ( أحدها ) أن المعنى فلم يقتحم هذا الإنسان
العقبة و لا جاوزها و أكثر ما يستعمل هذا الوجه بتكرير لفظة لا كما قال سبحانه فلا
صدق و لا صلى أي لم يصدق و لم يصل و كما قال الحطيئة : و إن كانت النعماء فيهم
جزوا بها و إن أنعموا لا كدروها و لا كدوا و قد جاء من غير تكرار في نحو قوله :
إن تغفر اللهم تغفر جما و أي عبد لك لا ألما أي لم يلم بذنب ( و الآخر ) أن
يكون على وجه الدعاء عليه بأن لا يقتحم العقبة كما يقال لا غفر الله له و لا نجا و
لا سلم و المعنى لا نجا من العقبة و لا جاوزها ( و الثالث ) أن المعنى فهلا اقتحم
العقبة أو أ فلا اقتحم العقبة عن ابن زيد و الجبائي و أبي مسلم قالوا و يدل على ذلك
قوله تعالى « ثم كان من الذين آمنوا و تواصوا بالصبر و تواصوا بالمرحمة » و لو كان
أراد النفي لم يتصل الكلام قال المرتضى قدس الله روحه : هذا الوجه ضعيف جدا لأن
الكلام خال من لفظ الاستفهام و قبيح حذف حرف الاستفهام في مثل هذا الموضع و قد عيب
على عمر بن أبي ربيعة قوله : ثم قالوا تحبها قلت بهرا عدد الرمل و الحصى و
التراب
مجمع البيان ج : 10 ص : 750
و أما قولهم لو أريد النفي لم يتصل
الكلام فليس بشيء لأن المعنى فلا اقتحم العقبة ثم كان من الذين آمنوا أي لم يقتحم و
لم يؤمن و أما المراد بالعقبة ففيه وجوه ( أحدها ) أنه مثل ضربه الله تعالى لمجاهدة
النفس و الهوى و الشيطان في أعمال الخير و البر فجعل ذلك كتكليف صعود العقبة الشاقة
الكؤود فكأنه قال لم يحمل على نفسه المشقة بعتق الرقبة و الإطعام و هو قوله « و ما
أدراك ما العقبة » أي ما اقتحام العقبة ثم ذكره فقال « فك رقبة » و هو تخليصها من
إسار الرق إلى آخره ( و ثانيها ) أنها عقبة حقيقة قال الحسن و قتادة : هي عقبة
شديدة في النار دون الجسر فاقتحموها بطاعة الله عز و جل و روي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال إن أمامكم عقبة كؤودا لا يجوزها المثقلون و أنا أريد أن
أخفف عنكم لتلك العقبة و عن ابن عباس أنه قال : هي النار نفسها و روي عنه أيضا أنها
عقبة في النار ( و ثالثها ) ما روي عن مجاهد و الضحاك و الكلبي أنها الصراط يضرب
على جهنم كحد السيف مسيرة ثلاثة آلاف سهلا و صعودا و هبوطا و إن في جنبيه كلاليب و
خطاطيف كأنها شوك السعدان فمن بين مسلم و ناج و مخدوش في النار منكوس فمن الناس من
يمر عليه كالبرق الخاطف و منهم من يمر عليه كالريح العاصف و منهم من يمر عليه
كالفارس و منهم من يمر عليه كالرجل يعدو و منهم من يمر عليه كالرجل يسير و منهم من
يزحف زحفا و منهم الزالون و الزالات و منهم من يكردس في النار و اقتحامه على المؤمن
كما بين صلاة العصر إلى العشاء و قال سفيان بن عيينة : كل شيء قاله سبحانه « و ما
أدراك » فإنه أخبره به و كل شيء قال فيه « و ما يدريك » فإنه لم يخبره به و روي
مرفوعا عن البراء بن عازب قال جاء أعرابي إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال
يا رسول الله علمني عملا يدخلني الجنة قال إن كنت أقصرت الخطبة لقد عرضت المسألة
أعتق النسمة و فك الرقبة فقال أ و ليسا واحدا قال لا عتق النسمة أن تنفرد بعتقها و
فك الرقبة أن تعين في ثمنها و الفيء على ذي الرحم الظالم فإن لم يكن ذلك فأطعم
الجائع و اسق الظم آن و ائمر بالمعروف و أنه عن المنكر فإن لم تطق ذلك فكف لسانك
إلا من الخير و قيل أن معنى فك رقبة أن يفك رقبة من الذنوب بالتوبة عن عكرمة و قيل
أراد فك نفسه من العقاب بتحمل الطاعات عن الجبائي « أو إطعام في يوم ذي مسغبة » أي
ذي مجاعة قال ابن عباس : يريد بالمسغبة الجوع و في الحديث عن معاذ بن جبل قال قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من أشبع جائعا في يوم سغب أدخله الله يوم
القيامة من باب من أبواب الجنة لا يدخلها إلا من فعل مثل ما فعل و عن جابر بن عبد
الله قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من موجبات المغفرة إطعام المسلم
مجمع البيان ج : 10 ص : 751
السغبان و روي عن محمد بن عمر بن يزيد قال قلت
لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) أن لي ابنا شديد العلة قال مرة يتصدق بالقبضة من
الطعام بعد القبضة فإن الله تعالى يقول فلا اقتحم العقبة و قرأ الآيات « يتيما ذا
مقربة » أي ذا قربى من قرابة النسب و الرحم و هذا حث على تقديم ذوي القرابة
المحتاجين على الأجانب في الإطعام و الإنعام « أو مسكينا » أي فقيرا « ذا متربة »
قد لصق بالتراب من شدة فقره و ضره و روى مجاهد عن ابن عباس أنه قال : هو المطروح في
التراب لا يقيه شيء و هذا مثل قولهم فقير مدقع مأخوذ من الدقعاء و هو التراب ثم بين
سبحانه أن هذه القربة إنما تنفع مع الإيمان فقال « ثم كان من الذين آمنوا » أي ثم
كان مع هذا من جملة المؤمنين الذين استقاموا على إيمانهم « و تواصوا بالصبر » على
فرائض الله و الصبر عن معصية الله أي وصى بعضهم بعضا بذلك « و تواصوا بالمرحمة » أي
و أوصى بعضهم بعضا بالمرحمة على أهل الفقر و ذوي المسكنة و الفاقة و قيل تواصوا
بالمرحمة فيما بينهم فرحموا الناس كلهم « أولئك أصحاب الميمنة » يؤخذ بهم ناحية
اليمين و يأخذون كتبهم بأيمانهم عن الجبائي و قيل هم أصحاب اليمن و البركة على
أنفسهم عن الحسن و أبي مسلم « و الذين كفروا ب آياتنا » أي بحججنا و دلالاتنا و
كذبوا أنبياءنا « هم أصحاب المشأمة » أي يأخذون كتبهم بشمالهم و يؤخذ بهم ذات
الشمال و قيل أنهم أصحاب الشؤم على أنفسهم « عليهم نار مؤصدة » أي مطبقة عن ابن
عباس و مجاهد و قيل يعني أن أبوابها عليهم مطبقة فلا يفتح لهم باب و لا يخرج عنها
غم و لا يدخل فيها روح آخر الأبد عن مقاتل . النظم وجه اتصال قوله
سبحانه « أ لم نجعل له عينين » بما قبله أن المعنى كيف يحسب هذا الإنسان أن الله
سبحانه لا يراه و هو الذي خلقه و جعل له عينين و كذا و كذا و قيل أنه اتصل بقوله «
لقد خلقنا الإنسان في كبد » أي اختبرناه حيث كلفناه ثم أزحنا علته بأن جعلنا له
عينين و قيل أنه يتصل بقوله « أ يحسب أن لن يقدر عليه أحد » و المعنى كيف يظن ذلك و
قد خلقناه و خلقنا أعضاءه التي يبصر الدلائل بها و يتكلم بها .
مجمع البيان
ج : 10 ص : 752
( 91 ) سورة الشمس مكية و آياتها خمس عشرة ( 15 )
عدد
آياتها ست عشرة آية مكي و المدني الأول و خمس عشرة في الباقين .
اختلافها آية فعقروها مكي و المدني الأول . فضلها
أبي بن
كعب عنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال من قرأها فكأنما تصدق بكل شيء طلعت عليه
الشمس و القمر . معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من أكثر
قراءة و الشمس و ضحاها و الليل إذا يغشى و الضحى و أ لم نشرح في يومه أو في ليلته
لم يبق شيء بحضرته إلا شهد له يوم القيامة حتى شعره و بشره و لحمه و دمه و عروقه و
عصبه و عظامه و جميع ما أقلت الأرض منه و يقول الرب تبارك و تعالى قبلت شهادتكم
لعبدي و أجزتها له انطلقوا به إلى جناني حتى يتخير منها حيث أحب فأعطوه إياها من
غير من مني و لكن رحمة و فضلا مني عليه فهنيئا هنيئا لعبدي . تفسيرها
لما ختم الله سبحانه تلك السورة بذكر النار المؤصدة بين في هذه السورة أن
النجاة منها لمن زكى نفسه و أكده بأن أقسم عليه فقال :
مجمع البيان ج : 10 ص :
753 سورة الشمس بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَ الشمْسِ وَ
ضحَاهَا(1) وَ الْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا(2) وَ النهَارِ إِذَا جَلَّاهَا(3) وَ
الَّيْلِ إِذَا يَغْشاهَا(4) وَ السمَاءِ وَ مَا بَنَاهَا(5) وَ الأَرْضِ وَ مَا
طحَاهَا(6) وَ نَفْس وَ مَا سوَّاهَا(7) فَأَلهَْمَهَا فجُورَهَا وَ تَقْوَاهَا(8)
قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا(9) وَ قَدْ خَاب مَن دَساهَا(10) كَذَّبَت ثَمُودُ
بِطغْوَاهَا(11) إِذِ انبَعَث أَشقَاهَا(12) فَقَالَ لهَُمْ رَسولُ اللَّهِ نَاقَةَ
اللَّهِ وَ سقْيَهَا(13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم
بِذَنبِهِمْ فَسوَّاهَا(14) وَ لا يخَاف عُقْبَهَا(15)
القراءة قرأ أهل
المدينة و ابن عامر فلا يخاف بالفاء و كذلك هو في مصاحف أهل المدينة و الشام و روي
ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) و الباقون « و لا يخاف » بالواو و كذلك هو في
مصاحفهم . الحجة قال أبو علي : الواو يجوز أن يكون في موضع حال أي
فسواها غير خائف عقباها يعني غير خائف أن يتعقب عليه في شيء مما فعله و فاعل يخاف
الضمير العائد إلى قوله « ربهم » و قيل أن الضمير يعود إلى صالح النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) الذي أرسل إليهم و قيل إذا انبعث أشقاها و هو لا يخاف عقباها أي لا
يخاف من إقدامه على ما أتاه مما نهي عنه ففاعل يخاف العاقر على هذا و الفاء للعطف
على قوله « فكذبوه فعقروها » فلا يخاف كأنه يتبع تكذيبهم و عقرهم إن لم يخوفوا .
اللغة ضحى الشمس صدر وقت طلوعها و ضحى النهار صدر وقت كونه و أضحى يفعل
كذا إذا فعله في وقت الضحى و ضحى بكبش أو غيره إذا ذبحه في وقت الضحى من أيام
الأضحى ثم كثر ذلك حتى لو ذبح في غير ذلك الوقت لقيل ضحى و الطحو و الدحو بمعنى
يقال طحا بك همك يطحو طحوا إذا انبسط بك إلى مذهب بعيد قال علقمة : طحا بك قلب
في الحسان ظروب يقال طحا القوم بعضهم بعضا عن الشيء إذا دفعوا دفعا
مجمع البيان
ج : 10 ص : 754
شديد الانبساط و الطواحي النسور تنبسط حول القتلى و أصل الطحو
البسط الواسع يقال دسا فلان يدسو دسوا فهو داس نقيض زكا يزكو زكا فهو زاك و قيل أن
أصل دسا دس فأبدل من أحد السينين ياء كما قالوا تظنيت بمعنى تظننت و مثله :
تقضي البازي إذا البازي كسر بمعنى تقضض و إنما يفعلون ذلك كراهية التضعيف و
الطغوى و الطغيان مجاوزة الحد في الفساد و بلوغ غايته و في قراءة الحسن و حماد بن
مسلمة بطغواها بضم الطاء و على هذا فيكون مصدرا على فعلى كالرجعى و الحسنى و بعث
مطاوع انبعث يقال بعثته على الأمر فانبعث له و السقيا الحظ من الماء و النصيب منه و
العقر قطع اللحم بما يسيل الدم و هو من عقر الحوض أي أصله و العقر نقص شيء من أصل
بنية الحيوان و الدمدمة ترديد الحال المستكرة و هي مضاعفة ما فيه الشقة و قال مؤرج
: الدمدمة هلاك باستئصال قال ابن الأعرابي : دمدم أي عذب عذابا تاما .
الإعراب و الشمس هذه الواو الأولى هي التي للقسم و سائر الواوات فيما
بعدها عطف عليها إلى قوله « قد أفلح من زكاها » و هو جواب القسم و التقدير لقد أفلح
و قوله « و ما بناها » « و ما طحاها » « و ما سواها » ما هاهنا مصدرية و تقديره و
السماء و بنائها و الأرض و طحواها و نفس و تسويتها و قيل أن ما في هذه المواضع
بمعنى من أي و الذي بناها و يحكى عن أهل الحجاز أنهم يقولون إذا سمعوا صوت الرعد
سبحان ما سبحت له أي سبحان الذي سبحت له و من سبحت له و قوله « ناقة الله و سقياها
» منصوب بفعل مضمر أي احذروا ناقة الله و ذروا سقياها . المعنى « و
الشمس و ضحاها » قد تقدم أن لله سبحانه أن يقسم بما يشاء من خلقه تنبيها على عظيم
قدره و كثرة الانتفاع به و لما كان قوام العالم من الحيوان و النبات بطلوع الشمس و
غروبها أقسم الله سبحانه بها و بضحاها و هو امتداد ضوئها و انبساطه عن مجاهد و
الكلبي و قيل هو النهار كله عن قتادة و قيل حرها عن مقاتل كقوله تعالى في طه « و لا
تضحى » أي لا يؤذيك حرها « و القمر إذا تلاها » أي إذا أتبعها فأخذ من ضوئها و سار
خلفها قالوا و ذلك في النصف الأول من الشهر إذا غربت الشمس تلاها القمر في الإضاءة
و خلفها في النور و قيل تلاها ليلة الهلال و هي أول ليلة من الشهر إذا سقطت الشمس
رؤي القمر عند غيبوبتها عن الحسن و قيل في الخامس عشر يطلع القمر مع غروب الشمس و
قيل في الشهر كله فهو في النصف الأول يتلوها و تكون أمامه و هو وراؤها و في النصف
الأخير يتلو
مجمع البيان ج : 10 ص : 755
غروبها بالطلوع « و النهار إذا
جلاها » أي جلى الظلمة و كشفها و جازت الكناية عن الظلمة و لم تذكر لأن المعنى
معروف غير ملتبس و قيل أن معناه و النهار إذا أظهر الشمس و أبرزها سمي النهار مجليا
لها لظهور جرمها فيه « و الليل إذا يغشاها » أي يغشى الشمس حتى تغيب فتظلم الآفاق و
يلبسها سواده « و السماء و ما بناها » أي و من بناها عن مجاهد و الكلبي و قيل و
الذي بناها عن عطاء و قيل معناه و السماء و بنائها مع إحكامها و اتساقها و انتظامها
« و الأرض و ما طحاها » في ما وجهان كما ذكرناه أي و طحوها و تسطيحها و بسطها ليمكن
الخلق التصرف عليها « و نفس و ما سواها » هو كما ذكرناه و سواها عدل خلقها و سوى
أعضاءها و قيل سواها بالعقل الذي فضل به سائر الحيوان ثم قالوا يريد جميع ما خلق من
الجن و الإنس عن عطاء و قيل يريد بالنفس آدم و من سواها الله تعالى عن الحسن «
فألهمها فجورها و تقواها » أي عرفها طريق الفجور و التقوى و زهدها في الفجور و
رغبها في التقوى عن ابن عباس و مجاهد و قتادة و الضحاك و قيل علمها الطاعة و
المعصية لتفعل الطاعة و تذر المعصية و تجتني الخير و تجتنب الشر « قد أفلح من زكاها
» على هذا وقع القسم أي قد أفلح من زكى نفسه عن الحسن و قتادة أي طهرها و أصلحها
بطاعة الله و صالح الأعمال « و قد خاب من دساها » بالعمل الطالح أي أخملها و أخفى
محلها و قيل أضلها و أهلكها عن ابن عباس و قيل أفجرها عن قتادة و قيل معناه قد
أفلحت نفس زكاها الله و خابت نفس دساها الله أي جعلها قليلة خسيسة و جاءت الرواية
عن سعيد بن أبي هلال قال كان رسول الله إذا قرأ هذه الآية « قد أفلح من زكاها » وقف
ثم قال اللهم آت نفسي تقواها أنت وليها و مولاها و زكها و أنت خير من زكاها و روى
زرارة و حمران و محمد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله «
فألهمها فجورها و تقواها » قال بين لها ما تأتي و ما تترك و في قوله « قد أفلح من
زكاها » قال قد أفلح من أطاع « و قد خاب من دساها » قال قد خاب من عصى و قال ثعلب
قد أفلح من زكى نفسه بالصدقة و الخير و خاب من دس نفسه في أهل الخير و ليس منهم ثم
أخبر سبحانه عن ثمود و قوم صالح فقال « كذبت ثمود بطغواها » أي بطغيانها و معصيتها
عن مجاهد و ابن زيد يعني أن الطغيان حملهم على التكذيب فالطغوى اسم من الطغيان كما
أن الدعوى من الدعاء و قيل أن الطغوى اسم العذاب الذي نزل بهم فالمعنى كذبت ثمود
بعذابها عن ابن عباس و هذا كما قال فأهلكوا بالطاغية و المراد كذبت بعذابها الطاغية
فأتاها ما كذبت به « إذ انبعث أشقاها » أي كان تكذيبها حين انبعث أشقى ثمود للعقر و
معنى انبعث انتدب و قام و الأشقى عاقر الناقة و هو أشقى الأولين على لسان رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلّم) و اسمه قدار بن سالف قال الشاعر و هو عدي بن زيد :
مجمع البيان ج : 10 ص : 756
فمن يهدي أخا لذناب لو فأرشوه فإن الله
جار و لكن أهلكت لو كثيرا و قبل اليوم عالجها قدار يعني حين نزل بها العذاب
فقال لو فعلت و قد صحت الرواية بالإسناد عن عثمان بن صهيب عن أبيه قال قال رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) من أشقى الأولين قال
عاقر الناقة قال صدقت فمن أشقى الآخرين قال قلت لا أعلم يا رسول الله قال : الذي
يضربك على هذه و أشار إلى يافوخة و عن عمار بن ياسر قال كنت أنا و علي بن أبي طالب
(عليه السلام) في غزوة العسرة نائمين في صور من النخل و دقعاء من التراب فو الله ما
أهبنا إلا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يحركنا برجله و قد تتربنا من تلك
الدقعاء فقال أ لا أحدثكما بأشقى الناس رجلين قلنا بلى يا رسول الله قال أحيمر ثمود
الذي عقر الناقة و الذي يضربك بالسيف يا علي على هذه و وضع يده على قرنه حتى تبل
منها هذه و أخذ بلحيته و قيل أن عاقر الناقة كان أشقر أزرق قصيرا ملتزق الحلق «
فقال لهم رسول الله » صالح « ناقة الله » قال الفراء : حذرهم إياها و كل تحذير فهو
نصب و التقدير احذروا ناقة الله فلا تعقروها عن الكلبي و مقاتل كما يقال الأسد
الأسد أي احذروه « و سقياها » أي و شربها من الماء أو ما يسقيها أي فلا تزاحموها
فيه كما قال سبحانه لها شرب و لكم شرب يوم معلوم « فكذبوه » أي فكذب قوم صالح صالحا
و لم يلتفتوا إلى قوله و تحذيره إياهم بالعذاب بعقرها « فعقروها » أي فقتلوا الناقة
« فدمدم عليهم ربهم » أي فدمر عليهم ربهم عن عطاء و مقاتل و قيل أطبق عليهم بالعذاب
و أهلكهم « بذنبهم » لأنهم رضوا جميعا به و حثوا عليه و كانوا قد اقترحوا تلك الآية
فاستحقوا بما ارتكبوه من العصيان و الطغيان عذاب الاستئصال « فسواها » أي فسوى
الدمدمة عليهم و عمهم بها فاستوت على صغيرهم و كبيرهم و لم يفلت منها أحد منهم و
قيل معناه سوى الأمة أي أنزل العذاب بصغيرها و كبيرها فسوى بينها فيه عن الفراء و
قيل جعل بعضها على مقدار بعض في الاندكاك و اللصوق بالأرض فالتسوية تصيير الشيء على
مقدار غيره و قيل سوى أرضهم عليهم « و لا يخاف عقباها » أي لا يخاف الله من أحد
تبعة في إهلاكهم عن ابن عباس و الحسن و قتادة و مجاهد و الجبائي و المعنى لا يخاف
أن يتعقب عليه في شيء من فعله فلا يخاف عقبى ما فعل بهم من الدمدمة عليهم لأن أحدا
لا يقدر على معارضته و الانتقام منه و هذا كقوله لا يسأل عما يفعل و قيل معناه لا
يخاف الذي عقرها عقباها عن الضحاك و السدي و الكلبي أي لا يخاف عقبى ما صنع بها
لأنه كان مكذبا بصالح و قيل معناه و لا يخاف صالح عاقبة ما خوفهم به من العقوبات
لأنه كان على ثقة من نجاته .
مجمع البيان ج : 10 ص : 757
( 92 ) سورة
الليل مكية و آياتها إحدى و عشرون ( 21 ) مكية إحدى و عشرون آية بالإجماع .
فضلها أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال من قرأها
أعطاه الله حتى يرضى و عافاه من العسر و يسر له اليسر .
تفسيرها لما قدم في
تلك السورة بيان حال المؤمن و الكافر عقبه سبحانه بمثل ذلك في هذه السورة فاتصلت
بها اتصال النظير بالنظير فقال :
|