قرآن، حديث، دعا |
زندگينامه |
کتابخانه |
احكام و فتاوا |
دروس |
معرفى و اخبار دفاتر |
ديدارها و ملاقات ها |
پيامها |
فعاليتهاى فرهنگى |
کتابخانه تخصصى فقهى |
نگارخانه |
اخبار |
مناسبتها |
صفحه ويژه |
|
فيه، و لازم ذلك إبطال علم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و
إرادته في تأثيرها في أفعاله و في ذلك خروج الأفعال الاختيارية عن كونها
اختيارية، و هو ينافي افتراض كونه فردا من أفراد الإنسان الفاعل بالعلم و
الإرادة، فالعصمة من الله سبحانه إنما هي بإيجاد سبب في الإنسان النبي يصدر عنه
أفعاله الاختيارية صوابا و طاعة و هو نوع من العلم الراسخ و هو الملكة كما مر.
كلام في النبوة
و الله سبحانه بعد ما ذكر هذه الحقيقة و هي وصف إرشاد الناس بالوحي في كلامه
كثيرا عبر عن رجالها بتعبيرين مختلفين فيه تقسيمهم إلى قسمين أو كالتقسيم: و
هما الرسول و النبي، قال تعالى: "و جيء بالنبيين و الشهداء:" الزمر - 69، و قال
تعالى: "يوم يجمع الله الرسل ما ذا أجبتم:" المائدة - 109، و معنى الرسول حامل
الرسالة، و معنى النبي حامل النبإ، فللرسول شرف الوساطة بين الله سبحانه و بين
خلقه و للنبي شرف العلم بالله و بما عنده.
و قد قيل إن الفرق بين النبي و الرسول بالعموم و الخصوص المطلق فالرسول هو الذي
يبعث فيؤمر بالتبليغ و يحمل الرسالة، و النبي هو الذي يبعث سواء أمر بالتبليغ
أم لم يؤمر.
لكن هذا الفرق لا يؤيده كلامه تعالى كقوله تعالى: "و اذكر في الكتاب موسى إنه
كان مخلصا و كان رسولا نبيا:" مريم - 51، و الآية في مقام المدح و التعظيم و لا
يناسب هذا المقام التدرج من الخاص إلى العام كما لا يخفى.
و كذا قوله تعالى: "و ما أرسلنا من قبلك من رسول و لا نبي:" الحج - 51، حيث جمع
في الكلام بين الرسول و النبي ثم جعل كلا منهما مرسلا لكن قوله تعالى: "و وضع
الكتاب و جيء بالنبيين و الشهداء:" الزمر - 69، و كذا قوله تعالى: "و لكن رسول
الله و خاتم النبيين:" الأحزاب - 40، و كذا ما في الآية المبحوث عنها من قوله
تعالى: "فبعث الله النبيين مبشرين و منذرين" إلى غير ذلك من الآيات يعطي ظاهرها
أن كل مبعوث من الله بالإرسال إلى الناس نبي و لا ينافي ذلك ما مر من قوله
تعالى: و كان رسولا نبيا الآية، فإن اللفظين قصد بهما معناهما من غير أن يصيرا
اسمين مهجوري المعنى فالمعنى و كان رسولا خبيرا بآيات الله و معارفه، و كذا
قوله تعالى: "و ما أرسلنا من قبلك من رسول و لا نبي الآية لإمكان أن يقال: إن
النبي و الرسول كليهما مرسلان إلى الناس، غير أن النبي بعث لينبىء الناس بما
عنده من نبإ الغيب لكونه خبيرا بما عند الله، و الرسول هو المرسل برسالة خاصة
زائدة على أصل نبإ النبوة كما يشعر به أمثال قوله تعالى: "و لكل أمة رسول فإذا
جاء رسولهم قضي بينهم بالحق:" يونس - 47، و قوله تعالى: "و ما كنا معذبين حتى
نبعث رسولا:" الإسراء - 15، و على هذا فالنبي هو الذي يبين للناس صلاح معاشهم و
معادهم من أصول الدين و فروعه على ما اقتضته عناية الله من هداية الناس إلى
سعادتهم، و الرسول هو الحامل لرسالة خاصة مشتملة على إتمام حجة يستتبع مخالفته
هلاكه أو عذابا أو نحو ذلك قال تعالى: "لئلا يكون للناس على الله حجة بعد
الرسل:" النساء - 165، و لا يظهر من كلامه تعالى في الفرق بينهما أزيد مما
يفيده لفظاهما بحسب المفهوم، و لازمه هو الذي أشرنا إليه من أن للرسول شرف
الوساطة بين الله تعالى و بين عباده و للنبي شرف العلم بالله و بما عنده و
سيأتي ما روي عن أئمة أهل البيت " (عليهم السلام)" من الفرق بينهما.
ثم إن القرآن صريح في أن الأنبياء كثيرون و إن الله سبحانه لم يقصص الجميع في
كتابه، قال تعالى: "و لقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك و منهم من لم
نقصص عليك:" المؤمن - 78، إلى غير ذلك و الذين قصهم الله تعالى في كتابه بالاسم
بضعة و عشرون نبيا و هم: آدم، و نوح، و إدريس، و هود، و صالح، و إبراهيم، و
لوط، و إسماعيل، و اليسع، و ذو الكفل، و إلياس، و يونس، و إسحاق، و يعقوب، و
يوسف، و شعيب، و موسى، و هارون، و داود، و سليمان، و أيوب، و زكريا، و يحيى، و
إسماعيل صادق الوعد، و عيسى، و محمد صلى الله عليهم أجمعين.
و هناك عدة لم يذكروا بأسمائهم بل بالتوصيف و الكناية، قال سبحانه: أ لم تر إلى
الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا:" البقرة -
246 و قال تعالى: "أو كالذي مر على قرية و هي خاوية على عروشها:" البقرة - 259،
و قال تعالى: "إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث:" يس - 14، و قال
تعالى: "فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه من لدنا علما:" الكهف - 65، و قال تعالى:
"و الأسباط:" البقرة - 136، و هناك من لم يتضح كونه نبيا كفتى موسى في قوله
تعالى: "و إذ قال موسى لفتاه:" الكهف - 60، و مثل ذي القرنين و عمران أبي مريم
و عزير من المصرح بأسمائهم.
و بالجملة لم يذكر في القرآن لهم عدد يقفون عنده و الذي يشتمل من الروايات على
بيان عدتهم آحاد مختلفة المتون و أشهرها رواية أبي ذر عن النبي (صلى الله عليه
وآله وسلم): أن الأنبياء مائة و أربعة و عشرون ألف نبي، و المرسلون منهم
ثلاثمائة و ثلاثة عشر نبيا.
و اعلم: أن سادات الأنبياء هم أولوا العزم منهم و هم: نوح، و إبراهيم، و موسى و
عيسى، و محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال تعالى: "فاصبر كما صبر أولوا
العزم من الرسل:" الأحقاف - 35، و سيجيء أن معنى العزم فيهم الثبات على العهد
الأول المأخوذ منهم و عدم نسيانه، قال تعالى: "و إذ أخذنا من النبيين ميثاقهم و
منك و من نوح و إبراهيم و موسى و عيسى و أخذنا منهم ميثاقا غليظا:" الأحزاب -
7، و قال تعالى: "و لقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي و لم نجد له عزما:" طه -
115.
و كل واحد من هؤلاء الخمسة صاحب شرع و كتاب، قال تعالى: "شرع لكم من الدين ما
وصى به نوحا و الذي أوحينا إليك و ما وصينا به إبراهيم و موسى و عيسى:" الشورى
- 13، و قال تعالى: "إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم و موسى:" الأعلى -
19، و قال تعالى: "إنا أنزلنا التوراة فيها هدى يحكم بها النبيون، إلى أن قال:
"و قفينا على آثارهم بعيسى بن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة و آتيناه
الإنجيل فيه هدى و نور - إلى أن قال - و أنزلنا إليك الكتاب مصدقا لما بين يديه
من الكتاب و مهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله و لا تتبع أهواءهم عما جاءك
من الحق لكل جعلنا منكم شرعة و منهاجا و لو شاء الله لجعلكم أمة واحدة و لكن
ليبلوكم فيما آتاكم:" المائدة - 48.
و الآيات تبين أن لهم شرائع و أن لإبراهيم و موسى و عيسى و محمد (صلى الله عليه
وآله وسلم) كتبا، و أما كتاب نوح فقد عرفت أن الآية أعني قوله تعالى: كان الناس
أمة واحدة "إلخ"، بانضمامه إلى قوله تعالى شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا
الآية تدل عليه، و هذا الذي ذكرناه لا ينافي نزول الكتاب على داود (عليه
السلام)، قال تعالى: "و آتينا داود زبورا:" النساء - 163، و لا ما في الروايات
من نسبة كتب إلى آدم، و شيث، و إدريس، فإنها كتب لا تشتمل على الأحكام و
الشرائع.
و اعلم أن من لوازم النبوة الوحي و هو نوع تكليم إلهي تتوقف عليه النبوة قال
تعالى: "إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح و النبيين من بعده:" النساء - 163،
و سيجيء استيفاء البحث عن معناه في سورة الشورى إن شاء الله.
بحث روائي
في المجمع، عن الباقر (عليه السلام) أنه قال: كان الناس قبل نوح أمة واحدة على
فطرة الله لا مهتدين و لا ضالين فبعث الله النبيين.
و في تفسير العياشي، عن الصادق (عليه السلام) في الآية قال: و كان ذلك قبل نوح
فقيل: فعلى هدى كانوا؟ قال بل كانوا ضلالا، و ذلك أنه لما انقرض آدم و صالح
ذريته، و بقي شيث وصيه لا يقدر على إظهار دين الله الذي كان عليه آدم و صالح
ذريته و ذلك أن قابيل كان يواعده بالقتل كما قتل أخاه هابيل، فصار فيهم بالتقية
و الكتمان فازدادوا كل يوم ضلالة حتى لم يبق على الأرض معهم إلا من هو سلف، و
لحق الوصي بجزيرة من البحر ليعبد الله فبدا لله تبارك و تعالى أن يبعث الرسل، و
لو سئل هؤلاء الجهال لقالوا قد فرغ من الأمر، و كذبوا، إنما هو شيء يحكم الله
في كل عام ثم قرأ: فيها يفرق كل أمر حكيم، فيحكم الله تبارك و تعالى: ما يكون
في تلك السنة من شدة أو رخاء أو مطر أو غير ذلك، قلت أ فضلالا كانوا قبل
النبيين أم على هدى؟ قال: لم يكونوا على هدى، كانوا على فطرة الله التي فطرهم
عليها، لا تبديل لخلق الله، و لم يكونوا ليهتدوا حتى يهديهم الله، أ ما تسمع
بقول إبراهيم: لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين أي ناسيا للميثاق.
أقول: قوله: لم يكونوا على هدى كانوا على فطرة الله، يفسر معنى كونهم ضلالا
المذكور في أول الحديث، و أنهم إنما خلوا عن الهداية التفصيلية إلى المعارف
الإلهية، و أما الهداية الإجمالية فهي تجامع الضلال بمعنى الجهل بالتفاصيل كما
يشير إليه قوله (عليه السلام) في رواية المجمع، المنقولة آنفا: على فطرة الله
لا مهتدين و لا ضلالا.
و قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): أي ناسيا للميثاق، تفسير للضلال فالهداية هي
ذكر الميثاق حقيقة كما في الكمل من المؤمنين أو الجري على حال من هو ذاكر
للميثاق و إن لم يكن ذاكرا له حقيقة و هو حال سائر المؤمنين و لا يخلو إطلاق
الهداية عليه من عناية.
و في التوحيد، عن هشام بن الحكم قال: سأل الزنديق الذي أتى أبا عبد الله فقال:
من أين أثبت أنبياء و رسلا؟ قال أبو عبد الله (عليه السلام): إنا لما أثبتنا:
أن لنا خالقا صانعا متعاليا عنا و عن جميع ما خلق، و كان ذلك الصانع حكيما لم
يجز أن يشاهده خلقه، و لا يلامسوه، و لا يباشرهم و لا يباشروه و يحاجهم و
يحاجوه، فثبت أن له سفراء في خلقه يدلونهم على مصالحهم و منافعهم و ما فيه
بقاؤهم، و في تركه فناؤهم، فثبت الآمرون الناهون عن الحكيم العليم في خلقه، و
ثبت عند ذلك أن له معبرين و هم الأنبياء و صفوته من خلقه، حكماء مؤدبون بالحكمة
مبعوثين بها، غير مشاركين للناس في أحوالهم، على مشاركتهم لهم في الخلق و
التركيب، مؤيدين من عند الحكيم العليم بالحكمة و الدلائل و البراهين و الشواهد،
من إحياء الموتى، و إبراء الأكمه و الأبرص فلا يخلو أرض الله من حجة يكون معه
علم يدل على صدق مقال الرسول و وجوب عدالته.
أقول: و الحديث كما ترى مشتمل على حجج ثلاث في مسائل ثلاث من النبوة.
إحداها: الحجة على النبوة العامة و بالتأمل فيما ذكره (صلى الله عليه وآله
وسلم) تجد أنه منطبق على ما استفدنا من قوله تعالى: كان الناس أمة واحدة الآية.
و ثانيتها: الحجة على لزوم تأييد النبي بالمعجزة، و ما ذكره (عليه السلام)
منطبق على ما ذكرناه في البحث عن الإعجاز في بيان قوله تعالى: "و إن كنتم في
ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله:" البقرة - 23.
و ثالثتها: مسألة عدم خلو الأرض عن الحجة و سيأتي بيانه إن شاء الله.
و في المعاني، و الخصال، عن عتبة الليثي عن أبي ذر رحمه الله قال: قلت يا رسول
الله كم النبيون؟ قال: مائة و أربعة و عشرون ألف نبي، قلت: كم المرسلون منهم؟
قال ثلاثمائة و ثلاثة عشر جما غفيرا، قلت من كان أول الأنبياء؟ قال: آدم، قلت:
و كان من الأنبياء مرسلا؟ قال: نعم خلقه الله بيده و نفخ فيه من روحه، ثم قال
يا أبا ذر أربعة من الأنبياء سريانيون: آدم و شيث، و أخنوخ و هو إدريس و هو أول
من خط بالقلم، و نوح، و أربعة من العرب: هود، و صالح، و شعيب، و نبيك محمد (صلى
الله عليه وآله وسلم)، و أول نبي من بني إسرائيل موسى و آخرهم عيسى و ستمائة
نبي، قلت: يا رسول الله! كم أنزل الله تعالى من كتاب؟ قال: مائة كتاب و أربعة
كتب، أنزل الله على شيث خمسين صحيفة و على إدريس ثلاثين صحيفة، و على إبراهيم
عشرين صحيفة، و أنزل التوراة، و الإنجيل، و الزبور، و الفرقان.
أقول: و الرواية و خاصة صدرها المتعرض لعدد الأنبياء و المرسلين من المشهورات
روتها الخاصة و العامة في كتبهم، و روى هذا المعنى الصدوق في الخصال، و
الأمالي، عن الرضا عن آبائه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و عن زيد بن
علي عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) و رواه ابن قولويه في كامل
الزيارة، و السيد في الإقبال، عن السجاد (عليه السلام)، و في البصائر، عن
الباقر (عليه السلام).
و في الكافي، عن الباقر (عليه السلام): في قوله تعالى: و كان رسولا نبيا الآية
قال: النبي الذي يرى في منامه و يسمع الصوت و لا يعاين الملك، و الرسول الذي
يسمع الصوت و لا يرى في المنام و يعاين.
أقول: و في هذا المعنى روايات أخر، و من الممكن أن يستفاد ذلك من مثل قوله
تعالى: "فأرسل إلى هارون:" الشعراء - 13، و ليس معناها أن معنى الرسول هو
المرسل إليه ملك الوحي بل المقصود أن النبوة و الرسالة مقامان خاصة أحدهما
الرؤيا و خاصة الآخر مشاهدة ملك الوحي، و ربما اجتمع المقامان في واحد فاجتمعت
الخاصتان، و ربما كانت نبوة من غير رسالة، فيكون الرسالة أخص من النبوة مصداقا
لا مفهوما كما يصرح به الحديث السابق عن أبي ذر حيث يقول: قلت: كم المرسلون
منهم؟ فقد تبين أن كل رسول نبي و لا عكس.
و بذلك يظهر الجواب عما اعترضه بعضهم على دلالة قوله تعالى: "و لكن رسول الله و
خاتم النبيين:" الأحزاب - 40، إنه إنما يدل على ختم النبوة دون ختم الرسالة
مستدلا بهذه الرواية و نظائرها.
و الجواب: أن النبوة أعم مصداقا من الرسالة و ارتفاع الأعم يستلزم ارتفاع الأخص
و لا دلالة في الروايات كما عرفت على العموم من وجه بين الرسالة و النبوة بل
الروايات صريحة في العموم المطلق.
و في العيون، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: إنما سمي أولو العزم أولي
العزم لأنهم كانوا أصحاب العزائم و الشرائع، و ذلك أن كل نبي كان بعد نوح كان
على شريعته و منهاجه و تابعا لكتابه إلى زمن إبراهيم الخليل، و كل نبي كان في
أيام إبراهيم كان على شريعة إبراهيم و منهاجه و تابعا لكتابه إلى زمن موسى، و
كل نبي كان في زمن موسى كان على شريعة موسى و منهاجه و تابعا لكتابه إلى أيام
عيسى و كل نبي كان في أيام عيسى و بعده كان على شريعة عيسى و منهاجه و تابعا
لكتابه إلى زمن نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فهؤلاء الخمسة أولو
العزم، و هم أفضل الأنبياء و الرسل (عليهم السلام) و شريعة محمد لا تنسخ إلى
يوم القيامة، و لا نبي بعده إلى يوم القيامة فمن ادعى بعده النبوة أو أتى بعد
القرآن بكتاب فدمه مباح لكل من سمع ذلك منه.
أقول: و روى هذا المعنى صاحب قصص الأنبياء، عن الصادق (عليه السلام).
و في تفسير القمي،: في قوله تعالى: فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل الآية،
و هم نوح، و إبراهيم، و موسى، و عيسى بن مريم (عليهما السلام)، و معنى أولي
العزم أنهم سبقوا الأنبياء إلى الإقرار بالله و أقروا بكل نبي كان قبلهم و
بعدهم: و عزموا على الصبر مع التكذيب لهم و الأذى.
أقول: و روي من طرق أهل السنة و الجماعة عن ابن عباس و قتادة: أن أولي العزم من
الأنبياء خمسة: نوح، و إبراهيم، و موسى، و عيسى، و محمد (صلى الله عليه وآله
وسلم) كما رويناه من طرق أهل البيت، و هناك أقوال أخر منسوبة إلى بعضهم: فذهب
بعضهم إلى أنهم ستة: نوح، و إبراهيم، و إسحاق، و يعقوب، و يوسف، و أيوب، و ذهب
بعضهم إلى أنهم الذين أمروا بالجهاد و القتال و أظهروا المكاشفة و جاهدوا في
الدين، و ذهب بعضهم إلى أنهم أربعة: إبراهيم، و نوح، و هود، و رابعهم محمد (صلى
الله عليه وآله وسلم)، و هذه أقوال خالية عن الحجة و قد ذكرنا الوجه في ذلك.
و في تفسير العياشي، عن الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال:؟ كان ما بين
آدم و بين نوح من الأنبياء مستخفين، و لذلك خفي ذكرهم في القرآن فلم يسموا كما
سمي من استعلن من الأنبياء الحديث.
أقول: و روي هذا المعنى عن أهل بيت العصمة (عليهم السلام) بطرق كثيرة.
و في الصافي، عن المجمع عن علي (عليه السلام): بعث الله نبيا أسود لم يقص علينا
قصته و في النهج، قال (عليه السلام): في خطبة له يذكر فيها آدم (عليه السلام):
فأهبطه إلى دار البلية و تناسل الذرية، و اصطفى سبحانه من ولده أنبياء أخذ على
الوحي ميثاقهم، و على تبليغ الرسالة أمانتهم، لما بدل أكثر خلقه عهد الله
إليهم، فجهلوا حقه، و اتخذوا الأنداد معه، و اجتالتهم الشياطين عن معرفته، و
اقتطعتهم عن عبادته، فبعث فيهم رسله، و واتر إليهم أنبياءه، ليستأدوهم ميثاق
فطرته، و يذكروهم منسي نعمته، و يحتجوا عليهم بالتبليغ، و يثيروا لهم دفائن
العقول، و يروهم آيات المقدرة: من سقف فوقهم مرفوع، و مهاد تحتهم موضوع، و
معايش تحييهم، و آجال تفنيهم، و أوصاب تهرمهم، و أحداث تتابع عليهم، و لم يخل
الله سبحانه خلقه من نبي مرسل، أو كتاب منزل، أو حجة لازمة أو محجة قائمة، رسل
لا يقصر بهم قلة عددهم و لا كثرة المكذبين لهم: من سابق سمي له من بعده، أو
غابر عرفه من قبله، على ذلك نسلت القرون، و مضت الدهور، و سلفت الآباء، و خلفت
الأبناء، إلى أن بعث الله سبحانه محمدا لإنجاز عدته، و تمام نبوته الخطبة.
أقول: قوله: اجتالتهم أي حملتهم على الجولان إلى كل جانب، و قوله: واتر إليهم،
أي أرسل واحدا بعد واحد، و الأوصاب جمع وصب و هو المرض، و الأحداث جمع الحدث و
هو النازلة، و قوله نسلت القرون أي مضت، و إنجاز العدة تصديق الوعد، و المراد
به الوعد الذي وعده الله سبحانه بإرسال رسوله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و
بشر به عيسى (عليه السلام) و غيره من الأنبياء (عليهم السلام)، قال تعالى: "و
تمت كلمة ربك صدقا و عدلا:" الأنعام - 115.
و في تفسير العياشي، عن عبد الله بن الوليد قال: قال أبو عبد الله (عليه
السلام): قال الله تعالى لموسى (عليه السلام): و كتبنا له في الألواح من كل شيء
فعلمنا أنه لم يكتب لموسى الشيء كله، و قال تعالى لعيسى: لأبين لكم بعض الذي
تختلفون فيه، و قال الله تعالى لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم): و جئنا بك
شهيدا على هؤلاء و نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء.
أقول: و روي في بصائر الدرجات، هذا المعنى عن عبد الله بن الوليد بطريقين، و
قوله (عليه السلام) قال الله لموسى "إلخ"، إشارة إلى أن قوله تعالى في الألواح
من كل شيء يفسر قوله تعالى في حق التوراة: "و تفصيل كل شيء" إذ لو كان المراد
به استيعاب البيان لجميع جهات كل شيء لم يصح قوله: في الألواح من كل شيء فهذا
الكلام شاهد على أن المراد من تفصيل كل شيء تفصيله بوجه لا من جميع الجهات
فافهم.
بحث فلسفي
مسألة النبوة العامة بالنظر إلى كون النبوة نحو تبليغ للأحكام و قوانين مجعولة
مشرعة و هي أمور اعتبارية غير حقيقية، و إن كانت مسألة كلامية غير فلسفية فإن
البحث الفلسفي إنما ينال الأشياء من حيث وجوداتها الخارجية و حقائقها العينية و
لا يتناول الأمور المجعولة الاعتبارية.
لكنها بالنظر إلى جهة أخرى مسألة فلسفية و بحث حقيقي، و ذلك أن المواد الدينية:
من المعارف الأصلية و الأحكام الخلقية و العملية لها ارتباط بالنفس الإنسانية
من جهة أنها تثبت فيها علوما راسخة أو أحوالا تؤدي إلى ملكات راسخة، و هذه
العلوم و الملكات تكون صورا للنفس الإنسانية تعين طريقها إلى السعادة و
الشقاوة، و القرب و البعد من الله سبحانه، فإن الإنسان بواسطة الأعمال الصالحة
و الاعتقادات الحقة الصادقة يكتسب لنفسه كمالات لا تتعلق إلا بما هي له عند
الله سبحانه من القرب و الزلفى، و الرضوان و الجنان و بواسطة الأعمال الطالحة و
العقائد السخيفة الباطلة يكتسب لنفسه صورا لا تتعلق إلا بالدنيا الداثرة و
زخارفها الفانية و يؤديها ذلك أن ترد بعد مفارقة الدنيا و انقطاع الاختيار إلى
دار البوار و مهاد النار و هذا سير حقيقي.
و على هذا فالمسألة حقيقية و الحجة التي ذكرناها في البيان السابق و استفدناها
من الكتاب العزيز حجة برهانية.
توضيح ذلك: أن هذه الصور للنفس الإنسانية الواقعة في طريق الاستكمال، و الإنسان
نوع حقيقي بمعنى أنه موجود حقيقي مبدأ لآثار وجودية عينية، و العلل الفياضة
للموجودات أعطتها قابلية النيل إلى كمالها الأخير في وجودها بشهادة التجربة و
البرهان، و الواجب تعالى تام الإفاضة فيجب أن يكون هناك إفاضة لكل نفس مستعدة
بما يلائم استعدادها من الكمال، و يتبدل به قوتها إلى الفعلية، من الكمال الذي
يسمى سعادة إن كانت ذات صفات حسنة و ملكات فاضلة معتدلة أو الذي يسمى شقاوة إن
كانت ذات رذائل و هيئات ردية.
و إذ كانت هذه الملكات و الصور حاصلة لها من طريق الأفعال الاختيارية المنبعثة
عن اعتقاد الصلاح و الفساد، و الخوف و الرجاء، و الرغبة إلى المنافع، و الرهبة
من المضار، وجب أن تكون هذه الإفاضة أيضا متعلقه بالدعوة الدينية بالتبشير و
الإنذار و التخويف و التطميع لتكون شفاء للمؤمنين فيكملوا به في سعادتهم، و
خسارا للظالمين فيكملوا به في شقاوتهم، و الدعوة تحتاج إلى داع يقدم بها و هو
النبي المبعوث من عنده تعالى.
فإن قلت: كفى في الدعوة ما يدعو إليه العقل من اتباع الإنسان للحق في الاعتقاد
و العمل، و سلوكه طريق الفضيلة و التقوى، فأي حاجة إلى بعث الأنبياء.
قلت: العقل الذي يدعو إلى ذلك، و يأمر به هو العقل العملي الحاكم بالحسن و
القبح، دون العقل النظري المدرك لحقائق الأشياء كما مر بيانه سابقا، و العقل
العملي يأخذ مقدمات حكمه من الإحساسات الباطنة، و الإحساسات التي هي بالفعل في
الإنسان في بادي حاله هي إحساسات القوى الشهوية و الغضبية، و أما القوة الناطقة
القدسية فهي بالقوة، و قد مر أن هذا الإحساس الفطري يدعو إلى الاختلاف، فهذه
التي بالفعل لا تدع الإنسان يخرج من القوة إلى الفعل كما هو مشهود من حال
الإنسان فكل قوم أو فرد فقد التربية الصالحة عاد عما قليل إلى التوحش و
البربرية مع وجود العقل فيهم و حكم الفطرة عليهم، فلا غناء عن تأييد إلهي بنبوة
تؤيد العقل.
بحث اجتماعي
فإن قلت: هب أن العقل لا يستقل بالعمل في كل فرد أو في كل قوم في جميع التقادير
و لكن الطبيعة تميل دائما إلى ما فيه صلاحها و الاجتماع التابع لها مثلها يهدي
إلى صلاح أفراده فهو يستقر بالآخرة على هيئة صالحة فيها سعادة أفراد المجتمعين
و هو الأصل المعروف بتبعية المحيط فالتفاعل بين الجهات المتضادة يؤدي بالآخرة
إلى اجتماع صالح مناسب لمحيط الحياة الإنسانية جالب لسعادة النوع المجتمع
الأفراد، و يشهد به ما نشاهده و يؤيده التاريخ أن الاجتماعات لا تزال تميل إلى
التكامل و تتمنى الصلاح و تتوجه إلى السعادة اللذيذة عند الإنسان، فمنها ما بلغ
مبتغاه و أمنيته كما في بعض الأمم مثل سويسرة، و منها ما هو في الطريق و لما
يتم له شرائط الكمال و هي قريبة أو بعيدة كما في سائر الدول.
قلت: تمايل الطبيعة إلى كمالها و سعادتها مما لا يسع أحدا إنكاره، و الاجتماع
المنتهي إلى الطبيعة حاله حال الطبيعة في التوجه إلى الكمال لكن الذي ينبغي
الإمعان فيه أن هذا التمايل و التوجه لا يستوجب فعلية الكمال و السعادة
الحقيقية، لما ذكرنا من فعلية الكمال الشهوي و الغضبي في الإنسان و كون مبادىء
السعادة الحقيقية فيه بالقوة، و الشاهد عليه عين ما استشهد به في الاعتراض من
كون الاجتماعات المدنية المنقرضة و الحاضرة متوجهة إلى الكمال، و نيل بعضها إلى
المدنية الفاضلة السعيدة، و قرب البعض الآخر أو بعده، فإن الذي نجده عند هؤلاء
من الكمال و السعادة هو الكمال الجسمي و ليس الكمال الجسمي هو كمال الإنسان،
فإن الإنسان ليس هو الجسم بل هو مركب من جسم و روح، مؤلف من جهتين مادية و
معنوية له حياة في البدن و حياة بعد مفارقته من غير فناء و زوال، يحتاج إلى
كمال و سعادة تستند إليها في حياته الآخرة، فليس من الصحيح أن يعد كماله الجسمي
الموضوع على أساس الحياة الطبيعية كمالا له و سعادة بالنسبة إليه، و حقيقته هذه
الحقيقة.
فتبين أن الاجتماع بحسب التجربة إنما يتوجه بالفعل إلى فعلية الكمال الجسماني
دون فعلية الكمال الإنساني، و إن كان في قصدها هداية الإنسان إلى كمال حقيقته
لا كمال جسمه الذي في تقوية جانبه هلاك الإنسانية و انحلال تركيبه، و ضلاله عن
صراطه المستقيم، فهذا الكمال لا يتم له إلا بتأييد من النبوة، و الهداية
الإلهية.
فإن قلت: لو صحت هذه الدعوة النبوية و لها ارتباط بالهداية التكوينية لكان
لازمها فعلية التأثير في الاجتماعات الإنسانية، كما أن هداية الإنسان بل كل
موجود مخلوق إلى منافع وجوده أمر فعلي جار في الخلقة و التكوين، فكان من اللازم
أن يتلبس به الاجتماعات، و يجري في ما بين الناس مجرى سائر الغرائز الجارية، و
ليس كذلك، فكيف يكون إصلاحا حقيقيا و لا تقبله الاجتماعات الإنسانية؟ فليست
الدعوة الدينية في رفعها اختلافات الحياة إلا فرضية غير قابلة الانطباق على
الحقيقة.
قلت: أولا أثر الدعوة الدينية مشهود معاين، لا يرتاب فيه إلا مكابر، فإنها في
جميع أعصار وجودها منذ ظهرت، ربت ألوفا و ألوفا من الأفراد في جانب السعادة، و
أضعاف ذلك و أضعاف أضعافهم في جانب الشقاء بالقبول و الرد و الانقياد و
الاستكبار، و الإيمان و الكفر، مضافا إلى بعض الاجتماعات الدينية المنعقدة
أحيانا من الزمان، على أن الدنيا لم تقض عمرها بعد، و لما ينقرض العالم
الإنساني، و من الممكن أن يتحول الاجتماع الإنساني يوما إلى اجتماع ديني صالح،
فيه حياة الإنسانية الحقيقية و سعادة الفضائل و الأخلاق الراقية يوم لا يعبد
فيه إلا الله سبحانه، و يسار فيه بالعدالة و الفضيلة، و ليس من الجائز أن نعد
مثل هذا التأثير العظيم هينا لا يعبأ به.
و ثانيا: أن الأبحاث الاجتماعية و كذا علم النفس و علم الأخلاق تثبت أن الأفعال
المتحققة في الخارج لها ارتباط بالأحوال و الملكات من الأخلاق ترتضع من ثدي
الصفات النفسانية، و لها تأثير في النفوس، فالأفعال آثار النفوس و صفاتها، و
لها آثار في النفوس في صفاتها، و يستنتج من هناك أصلان: أصل سراية الصفات و
الأخلاق، و أصل وراثتها، فهي تتسع وجودا بالسراية عرضا، و تتسع ببقاء وجودها
بالوراثة طولا.
فهذه الدعوة العظيمة و هي تصاحب الاجتماعات الإنسانية من أقدم عهودها، في
تاريخها المضبوط و قبل ضبط التاريخ لا بد أن تكون ذات أثر عميق في حياة الإنسان
الاجتماعية من حيث الأخلاق الفاضلة و الصفات الحسنة الكريمة، فللدعوة الدينية
آثار في النفوس و إن لم تجبها و لم تؤمن بها.
بل حقيقة الأمر: أن ما نشاهد في الاجتماعات الحاضرة من الملل و الأمم الحية من
آثار النبوة و الدين، و قد ملكوها بالوراثة أو التقليد، فإن الدين منذ ظهر بين
هذا النوع حملته و انتحلت به أمم و جماعات هامة، و هو الداعي الوحيد الذي يدعو
إلى الإيمان، و الأخلاق الفاضلة و العدل و الصلاح، فالموجود من الخصائل الحميدة
بين الناس اليوم و إن كان قليلا بقايا من آثاره و نتائجه، فإن التدابير العامة
في الاجتماعات المتكونة ثلاثة لا رابع لها: أحدها تدبير الاستبداد و هو يدعو
إلى الرقية في جميع الشئون الإنسانية، و ثانيها القوانين المدنية و هي تجري و
تحكم في الأفعال فحسب، و تدعو إلى الحرية فيما وراء ذلك من الأخلاق و غيرها، و
ثالثها الدين و هو يحكم في الاعتقادات و الأخلاق و الأفعال جميعا و يدعو إلى
إصلاح الجميع.
فلو كان في الدنيا خير مرجو أو سعادة لوجب أن ينسب إلى الدين و تربيته.
و يشهد بذلك ما نشاهده من أمر الأمم التي بنت اجتماعها على كمال الطبيعة، و
أهملت أمر الدين و الأخلاق، فإنهم لم يلبثوا دون أن افتقدوا الصلاح و الرحمة و
المحبة و صفاء القلب و سائر الفضائل الخلقية و الفطرية مع وجود أصل الفطرة
فيهم، و لو كانت أصل الفطرة كافية، و لم تكن هذه الصفات بين البشر من البقايا
الموروثة من الدين لما افتقدوا شيئا من ذلك.
على أن التاريخ أصدق شاهد على الاقتباسات التي عملتها الأمم المسيحية بعد
الحروب الصليبية، فاقتبسوا مهمات النكات من القوانين العامة الإسلامية فتقلدوها
و تقدموا بها، و الحال أن المسلمين اتخذوها وراءهم ظهريا، فتأخر هؤلاء و تقدم
أولئك، و الكلام طويل الذيل.
و بالجملة الأصلان المذكوران، أعني السراية و الوراثة، و هما التقليد الغريزي
في الإنسان و التحفظ على السيرة المألوفة يوجبان نفوذ الروح الديني في
الاجتماعات كما يوجبان في غيره ذلك و هو تأثير فعلي.
فإن قلت: فعلى هذه فما فائدة الفطرة فإنها لا تغني طائلا و إنما أمر السعادة
بيد النبوة؟ و ما فائدة بناء التشريع على أساس الفطرة على ما تدعيه النبوة؟.
قلت: ما قدمناه في بيان ما للفطرة من الارتباط بسعادة الإنسان و كماله يكفي في
حل هذه الشبهة، فإن السعادة و الكمال الذي تجلبه النبوة إلى الإنسان ليس أمرا
خارجا عن هذا النوع، و لا غريبا عن الفطرة، فإن الفطرة هي التي تهتدي إليه، لكن
هذا الاهتداء لا يتم لها بالفعل وحدها من غير معين يعينها على ذلك، و هذا
المعين الذي يعينها على ذلك و هو حقيقة النبوة ليس أيضا أمرا خارجا عن
الإنسانية و كمالها، منضما إلى الإنسان كالحجر الموضوع في جنب الإنسان مثلا، و
إلا كان ما يعود منه إلى الإنسان أمرا غير كماله و سعادته كالثقل الذي يضيفه
الحجر إلى ثقل الإنسان في وزنه، بل هو أيضا كمال فطري للإنسان مذخور في هذا
النوع، و هو شعور خاص و إدراك مخصوص مكمون في حقيقته لا يهتدي إليه بالفعل إلا
آحاد من النوع أخذتهم العناية الإلهية، كما أن للبالغ من الإنسان شعورا خاصا
بلذة النكاح، لا تهتدي إليه بالفعل بقية الأفراد غير البالغين بالفعل، و إن كان
الجميع من البالغ و غير البالغ مشتركين في الفطرة الإنسانية، و الشعور شعور
مرتبط بالفطرة.
و بالجملة لا حقيقة النبوة أمر زائد على إنسانية الإنسان الذي يسمى نبيا، و
خارج عن فطرته، و لا السعادة التي تهتدي سائر الأمة إليها أمر خارج عن
إنسانيتهم و فطرتهم، غريب عما يستأنسه وجودهم الإنساني، و إلا لم تكن كمالا و
سعادة بالنسبة إليهم.
فإن قلت: فيعود الإشكال على هذا التقرير إلى النبوة، فإن الفطرة على هذا كافية
وحدها و النبوة غير خارجة عن الفطرة.
فإن المتحصل من هذا الكلام، هو أن النوع الإنساني المتمدن بفطرته و المختلف في
اجتماعه يتميز من بين أفراده آحاد من الصلحاء فطرتهم مستقيمة، و عقولهم سليمة
عن الأوهام و التهوسات و رذائل الصفات، فيهتدون باستقامة فطرتهم، و سلامة
عقولهم إلى ما فيه صلاح الاجتماع، و سعادة الإنسان، فيضعون قوانين فيها مصلحة
الناس، و عمران الدنيا و الآخرة، فإن النبي هو الإنسان الصالح الذي له نبوغ
اجتماعي.
قلت: كلا! و إنما هو تفسير لا ينطبق على حقيقة النبوة، و لا ما تستتبعه.
أما أولا: فلأن ذلك فرض افترضه بعض علماء الاجتماع ممن لا قدم له في البحث
الديني، و الفحص عن حقائق المبدإ و المعاد.
فذكر أن النبوة نبوغ خاص اجتماعي استتبعته استقامة الفطرة و سلامة العقل، و هذا
النبوغ يدعو إلى الفكر في حال الاجتماع، و ما يصلح به هذا الاجتماع المختل، و
ما يسعد به الإنسان الاجتماعي.
فهذا النابغة الاجتماعي هو النبي، و الفكر الصالح المترشح من قواه الفكرية هو
الوحي، و القوانين التي يجعلها لصلاح الاجتماع هو الدين، و روحه الطاهر الذي
يفيض هذه الأفكار إلى قواه الفكرية و لا يخون العالم الإنساني باتباع الهوى هو
الروح الأمين و هو جبرائيل، و الموحي الحقيقي هو الله سبحانه، و الكتاب الذي
يتضمن أفكاره العالية الطاهرة هو الكتاب السماوي، و الملائكة هي القوى الطبيعية
أو الجهات الداعية إلى الخير، و الشيطان هي النفس الأمارة بالسوء أو القوى أو
الجهات الداعية إلى الشر و الفساد، و على هذا القياس.
و هذا فرض فاسد، و قد مر في البحث عن الإعجاز، إن النبوة بهذا المعنى لأن تسمى
لعبة سياسية أولى بها من أن تسمى نبوة إلهية.
و قد تقدم أن هذا الفكر الذي يسمي هؤلاء الباحثون نبوغه الخاص نبوة من خواص
العقل العملي، الذي يميز بين خير الأفعال و شرها بالمصلحة و المفسدة و هو أمر
مشترك بين العقلاء من أفراد الإنسان و من هدايا الفطرة المشتركة، و تقدم أيضا
أن هذا العقل بعينه هو الداعي إلى الاختلاف، و إذا كان هذا شأنه لم يقدر من حيث
هو كذلك على رفع الاختلاف، و احتاج فيه إلى متمم يتمم أمره، و قد عرفت أنه يجب
أن يكون هذا المتمم نوعا خاصا من الشعور يختص به بحسب الفعلية بعض الآحاد من
الإنسان و تهتدي به الفطرة إلى سعادة الإنسان الحقيقية في معاشه و معاده.
و من هنا يظهر أن هذا الشعور من غير سنخ الشعور الفكري، بمعنى أن ما يجده
الإنسان من النتائج الفكرية من طريق مقدماتها العقلية غير ما يجده من طريق
الشعور النبوي، و الطريق غير الطريق.
و لا
|