قرآن، حديث، دعا |
زندگينامه |
کتابخانه |
احكام و فتاوا |
دروس |
معرفى و اخبار دفاتر |
ديدارها و ملاقات ها |
پيامها |
فعاليتهاى فرهنگى |
کتابخانه تخصصى فقهى |
نگارخانه |
اخبار |
مناسبتها |
صفحه ويژه |
|
لذلك فإن لموافقة الجو للعمل تأثيرا عظيما في باب الأعمال فإن الأعمال التي يعتورها عامة المجتمع و ينمو عليها أفراده، و تستقر عليهم عادتهم خلفا عن سلف لا يبقى للنفس فراغ أن تتفكر في أمرها أو تتدبر و تدبر في التخلص عنها إذا كانت ضارة مفسدة للسعادة، و كذلك الحال في الأعمال الصالحة إذا استقر التلبس بها في مجتمع يصعب على النفس تركها، و لذا قيل: إن العادة طبيعة ثانية، و لذا كان أيضا أول فعل مخالف حرجا على النفس في الغاية و هو عند النفس دليل على الإمكان، ثم لا يزال كلما تحقق فعل زاد في سهولة التحقق و نقص بقدره من صعوبته.
فإذا تحقق الإنسان أن عملا كذا حق صالح و نزع عن نفسه أغراض العناد و اللجاج بإماتة الاستكبار و الاستعلاء على الحق كان من العون كل العون على إتيانه أن يرى إنسانا يرتكبه فتتلقى نفسه إمكان العمل.
و من هنا يظهر أن المجتمع إنما يتهيأ لقبول الحق إذا اشتمل على علماء يعلمونه و يعلمونه، و على رجال يقومون بالعمل به حتى يذعن العامة بإمكان العمل و يشاهدوا حسنه، و على اعتياد عامتهم على الخضوع للحق و عدم الاستكبار عنه إذا انكشف لهم.
و لهذا علل الله سبحانه قرب النصارى من قبول الدعوة الحقة الدينية بأن فيهم قسيسين و رهبانا و أنهم لا يستكبرون ففيهم علماء لا يزالون يذكرونهم مقام الحق و معارف الدين قولا، و فيهم زهاد يذكرونهم عظمة ربهم و أهمية سعادتهم الأخروية و الدنيوية عملا، و فيهم عدم الاستكبار عن قبول الحق.
و أما اليهود فإنهم و إن كان فيهم أحبار علماء لكنهم مستكبرون لا تدعهم رذيلة العناد و الاستعلاء أن يتهيئوا لقبول الحق.
و أما الذين أشركوا فإنهم يفقدون العلماء و الزهاد، و فيهم رذيلة الاستكبار.
قوله تعالى: "و إذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع" "إلخ"، فاضت العين بالدمع سال دمعها بكثرة، و من في قوله: "من الدمع" للابتداء، و في قوله: "مما" للنشوء، و في قوله: "من الحق" بيانية.
قوله تعالى: "و ما لنا لا نؤمن بالله" "إلخ"، لفظة "يدخلنا" كأنها مضمنة معنى الجعل، و لذلك عدي بمع، و المعنى: يجعلنا ربنا مع القوم الصالحين مدخلا لنا فيهم.
و في هذه الأفعال و الأقوال التي حكاها الله تعالى عنهم تصديق ما ذكره عنهم أنهم أقرب مودة للذين آمنوا، و تحقيق أن فيهم العلم النافع و العمل الصالح و الخضوع للحق حيث كان فيهم قسيسون و رهبان و هم لا يستكبرون.
قوله تعالى: "فأثابهم الله" إلى آخر الآيتين، "الإثابة" المجازاة، و الآية الأولى ذكر جزائهم، و الآية الثانية فيها ذكر جزاء من خالفهم على طريق المقابلة استيفاء للأقسام.
بحث روائي
في معاني الأخبار، بإسناده عن الرضا عن آبائه، عن علي (عليه السلام): في قوله تعالى: "كانا يأكلان الطعام" معناه أنهما كانا يتغوطان:. أقول: و رواه العياشي في تفسيره مرفوعا.
و في الكافي، بإسناده عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي عبد الله (عليه السلام): في قول الله عز و جل: "لعن الذين كفروا من بني إسرائيل - على لسان داود و عيسى بن مريم" قال: الخنازير على لسان داود، و القردة على لسان عيسى بن مريم:. أقول: و رواه القمي و العياشي عنه (عليه السلام)، و روي بطرق أهل السنة عن مجاهد و قتادة و غيرهما: لعن القردة على لسان داود، و الخنازير على لسان عيسى بن مريم، و يوافقه بعض روايات الشيعة كما يأتي.
و في المجمع، عن أبي جعفر (عليه السلام): أما داود فإنه لعن أهل أيلة لما اعتدوا في سبتهم، و كان اعتداؤهم في زمانه فقال: اللهم ألبسهم اللعنة مثل الرداء، و مثل المنطقة على الخصرين فمسخهم الله قردة، و أما عيسى فإنه لعن الذين نزلت عليهم المائدة ثم كفروا بعد ذلك، قال: فقال أبو جعفر (عليه السلام): يتولون الملوك الجبارين، و يزينون لهم هواهم ليصيبوا من دنياهم.
أقول: و القرآن يؤيد كون أصحاب السبت ممسوخين إلى القردة قال تعالى: "و لقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين": "البقرة: 56" و قال تعالى: "و أسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا و يوم لا يسبتون لا تأتيهم - إلى أن قال - و إذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربهم و لعلهم يتقون - إلى أن قال - فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين": "الأعراف: 166".
و في الدر المنثور،: أخرج عبد بن حميد و أبو الشيخ و الطبراني و ابن مردويه عن ابن مسعود قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن بني إسرائيل لما عملوا الخطيئة نهاهم علماؤهم تعزيرا ثم جالسوهم و آكلوهم و شاربوهم كأن لم يعملوا بالأمس خطيئة فلما رأى الله ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعض، و لعنهم على لسان نبي من الأنبياء، ثم قال، رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): و الله لتأمرن بالمعروف، و لتنهن عن المنكر، و لتأطرنهم على الحق أطرا أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض و ليلعننكم كما لعنهم.
و فيه،: أخرج عبد بن حميد عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): خذوا العطاء ما كان عطاء فإذا كان رشوة عن دينكم فلا تأخذوا و لن تتركوه يمنعكم من ذلك الفقر و المخافة أن بني يأجوج قد جاءوا، و إن رحى الإسلام سيدور فحيثما دار القرآن فدوروا به، يوشك السلطان و القرآن أن يقتتلا و يتفرقا أنه سيكون عليكم ملوك يحكمون لكم بحكم و لهم بغيره فإن أطعتموهم أضلوكم، و إن عصيتموهم قتلوكم. قالوا: يا رسول الله كيف بنا إن أدركنا ذلك؟ قال: تكونوا كأصحاب عيسى نشروا بالمناشير، و رفعوا على الخشب، موت في طاعة خير من حياة في معصية إن أول ما نقص في بني إسرائيل أنهم كانوا يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر سنة التعزير فكان أحدهم إذا لقي صاحبه الذي كان يعيب عليه آكله و شاربه و كأنه لم يعب عليه شيئا فلعنهم الله على لسان داود، و ذلك بما عصوا و كانوا يعتدون. و الذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف و لتنهن عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم ثم ليدعون خياركم فلا يستجاب لكم. و الذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف و لتنهن عن المنكر، و لتأخذن على يد الظالم فلتأطرنه عليه أطرا أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض.
و فيه، أيضا: أخرج ابن راهويه و البخاري في الوحدانيات، و ابن السكن و ابن مندة و الباوردي في معرفة الصحابة، و الطبراني و أبو نعيم و ابن مردويه عن ابن أبزى، عن أبيه: قال: خطب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فحمد الله و أثنى عليه ثم ذكر طوائف من المسلمين فأثنى عليهم خيرا، ثم قال: ما بال أقوام لا يعلمون جيرانهم و لا يفقهونهم، و لا يأمرونهم و لا ينهونهم؟ و ما بال أقوام لا يتعلمون من جيرانهم و لا يتفقهون و لا يتفطنون؟ و الذي نفسي بيده ليعلمن جيرانهم، أو ليتفقهن أو ليتفطنن أو لأعاجلنهم بالعقوبة في دار الدنيا، ثم نزل و دخل بيته فقال أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من يعني بهذا الكلام؟ قالوا: ما نعلم يعني بهذا الكلام إلا الأشعريين فقهاء علماء، و لهم جيران جفاة جهلة. فاجتمع جماعة من الأشعريين فدخلوا على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا: ذكرت طوائف من المسلمين بخير و ذكرتنا بشر فما بالنا؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لتعلمن جيرانكم و لتفقهنهم و لتأمرنهم و لتنهنهم أو لأعاجلنكم بالعقوبة في دار الدنيا، فقالوا: يا رسول الله فأمهلنا سنة ففي سنة ما نعلمهم و يتعلمون فأمهلهم سنة ثم قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "لعن الذين كفروا من بني إسرائيل - على لسان داود و عيسى بن مريم - ذلك بما عصوا و كانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون".
و في تفسير العياشي، عن محمد بن الهيثم التميمي عن أبي عبد الله (عليه السلام): في قوله: "كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه - لبئس ما كانوا يفعلون"، قال: أما إنهم لم يكونوا يدخلون مداخلهم و لا يجالسون مجالسهم و لكن كانوا إذا لقوهم ضحكوا في وجوههم و أنسوا بهم.
و فيه، أيضا: عن مروان، عن بعض أصحابه، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: ذكر النصارى و عداوتهم فقال: قول الله: "ذلك بأن منهم قسيسين و رهبانا و أنهم لا يستكبرون"، قال: أولئك كانوا قوما بين عيسى و محمد ينتظرون مجيء محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
أقول: ظاهر الآية العموم دون الخصوص، و لعل المراد أن المدح إنما هو لهم ما لم يغيروا كما أن الذي مدح الله به المسلمين كذلك.
و في الدر المنثور،: أخرج عبد بن حميد و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و أبو الشيخ و ابن مردويه عن سعيد بن جبير: في قوله: "ذلك بأن منهم قسيسين و رهبانا" قال: هم رسل النجاشي الذين أرسل بإسلامه إسلام قومه كانوا سبعين رجلا اختارهم من قومه الخير فالخير في الفقه و السن.
و في لفظ: بعث من خيار أصحابه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاثين رجلا فلما أتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دخلوا عليه فقرأ عليهم سورة "يس" فبكوا حين سمعوا القرآن و عرفوا أنه الحق. فأنزل الله فيهم: "ذلك بأن منهم قسيسين و رهبانا،" الآية و نزلت هذه الآية فيهم أيضا: "الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون" إلى قوله أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا".
و فيه،: أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن ابن عباس قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو بمكة يخاف على أصحابه من المشركين فبعث جعفر بن أبي طالب و ابن مسعود و عثمان بن مظعون في رهط من أصحابه إلى النجاشي ملك الحبشة. فلما بلغ المشركين بعثوا عمرو بن العاص في رهط منهم، ذكروا أنهم سبقوا أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى النجاشي فقالوا: إنه قد خرج فينا رجل سفه عقول قريش و أحلامها زعم أنه نبي، و أنه بعث إليك رهطا ليفسدوا عليك قومك فأحببنا أن نأتيك و نخبرك خبرهم. قال: إن جاءوني نظرت فيما يقولون، فلما قدم أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأتوا إلى باب النجاشي فقالوا: استأذن لأولياء الله فقال: ائذن لهم فمرحبا بأولياء الله فلما دخلوا عليه سلموا، فقال الرهط من المشركين: أ لم تر أيها الملك أنا صدقناك، و أنهم لم يحييوك بتحيتك التي تحيا بها؟ فقال لهم: ما يمنعكم أن تحيوني بتحيتي؟ قالوا: إنا حييناك بتحية أهل الجنة و تحية الملائكة. فقال لهم: ما يقول صاحبكم في عيسى و أمه؟ قالوا: يقول: عبد الله و رسوله و كلمة من الله و روح منه ألقاها إلى مريم، و يقول في مريم: أنها العذراء الطيبة البتول قال: فأخذ عودا من الأرض فقال: ما زاد عيسى و أمه على ما قال صاحبكم هذا العود، فكره المشركون قوله و تغير له وجوههم. فقال: هل تقرءون شيئا مما أنزل عليكم؟ قالوا: نعم، قال: فاقرءوا فقرءوا و حوله القسيسون و الرهبان و سائر النصارى فجعلت طائفة من القسيسين و الرهبان كلما قرءوا آية انحدرت دموعهم مما عرفوا من الحق قال الله: "ذلك بأن منهم قسيسين و رهبانا - و أنهم لا يستكبرون، و إذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول - ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق".
أقول: و روى القمي في تفسيره،: القصة مفصلة في خبر طويل، و في آخره: و رجعوا إلى النجاشي فأخبروه خبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قرءوا عليه ما قرأ عليهم فبكى النجاشي و بكى القسيسون، و أسلم النجاشي و لم يظهر للحبشة إسلامه، و خافهم على نفسه فخرج من بلاد الحبشة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما عبر البحر توفي، الحديث -.
كلام في معنى التوحيد في القرآن
لا يرتاب الباحث المتعمق في المعارف الكلية أن مسألة التوحيد من أبعدها غورا، و أصعبها تصورا و إدراكا، و أعضلها حلا لارتفاع كعبها عن المسائل العامة العامية التي تتناولها الأفهام، و القضايا المتداولة التي تألفها النفوس، و تعرفها القلوب.
و ما هذا شأنه تختلف العقول في إدراكه و التصديق به للتنوع الفكري الذي فطر عليه الإنسان من اختلاف أفراده من جهة البنية الجسمية و أداء ذلك إلى اختلاف أعضاء الإدراك في أعمالها ثم تأثير ذلك الفهم و التعقل من حيث الحدة و البلادة، و الجودة و الرداءة، و الاستقامة و الانحراف.
فهذا كله مما لا شك فيه، و قد قرر القرآن هذا الاختلاف في موارد من آياته الكريمة كقوله تعالى: "هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب": "الزمر: 9"، و قوله تعالى: "فأعرض عمن تولى عن ذكرنا و لم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم": "النجم: 30"، و قوله تعالى: "فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا": "النساء: 87"، و قوله تعالى في ذيل الآية 75 من المائدة و هي من جملة الآيات التي نحن فيها: "انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون".
و من أظهر مصاديق هذا الاختلاف الفهمي اختلاف أفهام الناس في تلقي معنى توحده تعالى لما في أفهامهم من الاختلاف العظيم و النوسان الوسيع في تقرير مسألة وجوده تعالى على ما بينهم من الاتفاق على ما تعطيه الفطرة الإنسانية بإلهامها الخفي و إشارتها الدقيقة.
فقد بلغ فهم آحاد من الإنسان في ذلك أن جعل الأوثان المتخذة، و الأصنام المصنوعة من الخشب و الحجارة حتى من نحو الأقط و الطينة المعمولة من أبوال الغنم شركاء لله، و قرناء له، يعبد كما تعبد هؤلاء، و يسأل كما تسأل هؤلاء، و يخضع له كما يخضع لها، و لم يلبث هذا الإنسان دون أن غلب هذه الأصنام عليه تعالى بزعمه، و أقبل عليها و تركه، و أمرها على حوائجه و عزله.
فهذا الإنسان قصارى ما يراه من الوجود له تعالى هو مثل ما يراه لآلهته التي خلقها بيده، أو خلقها إنسان مثله بيده، و لذلك كانوا يثبتون له تعالى من صفة الوحدة مثل ما يصفون به كل واحد من أصنامهم، و هي الوحدة العددية التي تتألف منها الأعداد، قال تعالى: "و عجبوا أن جاءهم منذر منهم و قال الكافرون هذا ساحر كذاب، أ جعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب: ص: 6".
فهؤلاء كانوا يتلقون الدعوة القرآنية إلى التوحيد دعوة إلى القول بالوحدة العددية التي تقابل الكثرة العددية كقوله تعالى: "و إلهكم إله واحد لا إله إلا هو": "البقرة: 136" و قوله تعالى: "هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين": المؤمن: 65" و غير ذلك من الآيات الداعية إلى رفض الآلهة الكثيرة، و توجيه الوجه لله الواحد، و قوله تعالى: "و إلهنا و إلهكم واحد": "العنكبوت: 46" و غيره من الآيات الداعية إلى رفض التفرق في العبادة للإله، حيث كانت كل أمة أو طائفة أو قبيلة تتخذ إلها تختص به، و لا تخضع لإله الآخرين.
و القرآن ينفي في عالي تعليمه الوحدة العددية عن الإله جل ذكره، فإن هذه الوحدة لا تتم إلا بتميز هذا الواحد من ذلك الواحد بالمحدودية التي تقهره، و المقدرية التي تغلبه، مثال ذلك ماء الحوض إذا فرقناه في آنية كثيرة كان ماء كل إناء ماء واحدا غير الماء الواحد الذي في الإناء الآخر، و إنما صار ماء واحدا يتميز عما في الآخر لكون ما في الآخر مسلوبا عنه غير مجتمع معه، و كذلك هذا الإنسان إنما صار إنسانا واحدا لأنه مسلوب عنه ما للإنسان الآخر، و لو لا ذلك لم يأت للإنسانية الصادقة على هذا و ذاك أن تكون واحدة بالعدد و لا كثيرة بالعدد.
فمحمودية الوجود هي التي تقهر الواحد العددي على أن يكون واحدا ثم بانسلاب هذه الوحدة من بعض الجهات تتألف كثرة عددية كما عنده عروض صفة الاجتماع بوجه.
و إذ كان الله سبحانه قاهرا غير مقهور، و غالبا لا يغلبه شيء البتة كما يعطيه التعليم القرآني لم تتصور في حقه وحدة عددية و لا كثرة عددية، قال تعالى: "و هو الواحد القهار": "الرعد: 16"، و قال: "أ أرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم و آباؤكم": "يوسف: 40"، و قال: "و ما من إله إلا الله الواحد القهار": "ص: 65"، و قال: "لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار": "الزمر: 4".
و الآيات بسياقها - كما ترى - تنفي كل وحدة مضافة إلى كثرة مقابلة لها سواء كانت وحدة عددية كالفرد الواحد من النوع الذي لو فرض بإزائه فرد آخر كانا اثنين فإن هذا الفرد مقهور بالحد الذي يحده به الفرد الآخر المسلوب عنه المفروض قباله، أو كانت وحدة نوعية أو جنسية أو أي وحدة كلية مضافة إلى كثرة من سنخها كالإنسان الذي هو نوع واحد مضاف إلى الأنواع الكثيرة الحاصلة منه و من الفرس و البقر و الغنم و غيرها فإنه مقهور بالحد الذي يحده به ما يناظره من الأنواع الآخر، و إذ كان تعالى لا يقهره شيء في شيء البتة من ذاته و لا صفته و لا فعله و هو القاهر فوق كل شيء فليس بمحدود في شيء يرجع إليه، فهو موجود لا يشوبه عدم، و حق لا يعرضه بطلان، و هو الحي لا يخالطه موت، و العليم لا يدب إليه جهل، و القادر لا يغلبه عجز، و المالك و الملك من غير أن يملك منه شيء و العزيز الذي لا ذل له، و هكذا.
فله تعالى من كل كمال محضه، و إن شئت زيادة تفهم و تفقه لهذه الحقيقة القرآنية فافرض أمرا متناهيا و آخر غير متناه تجد غير المتناهي محيطا بالمتناهي بحيث لا يدفعه
المتناهي عن
|