(الصفحة281)
مرسلة أيّوب بن نوح الدالّة على وجوب الركوع والسجود ورواية إسحاق بن عمار المتقدّمة الواردة في صلاة العراة جماعة ، الدالّة على التفصيل بين الإمام والمأمومين ، بأنه يجب عليه الايماء وعليهم الركوع والسجود .
فإنّ الظاهر من هذه التفرقة أنّ الركوع والسجود لا يزاحم ستر الدبر المتعلّق للوجوب النفسي ، ولذا يجب الايماء على الإمام ، لأنّ مع تقدّمه يكون خلفه ظاهراً إذا ركع أو سجد ، والحكم بأنّ المأمومين يجب عليهم الركوع والسجود يدلّ على أنّ ستر الدبر الذي يكون شرطاً لصحّة الصلاة يزاحمه وجوب الركوع والسجود ويتقدّمان عليه .
إن قلت : قد مرّ آنفاً أنّ وجوب القيام يزاحمه الستر المتعلّق للوجوب النفسي ، ولذا يجب على المصلّي مع عدم الأمن من المطّلع أن يصلّي جالساً ، وأمّا الستر الشرطي فلا يزاحم وجوب القيام ، ولذا يجب على المصلّي مع الأمن أن يصلّي قائماً .
وعليه يشكل ما في هذه الرواية من الجمع بين صلاتهم جالساً ، وبين كونها مع الركوع والسجود ، لأنّه إن كان موردها صورة الأمن من المطّلع ، فقد عرفت أنّ حكمها وجوب القيام ، وأنّ الستر الشرطي لا يزاحمه كما هو مقتضى رواية ابن مسكان المتقدمة ، وإن كان موردها صورة عدم الأمن فحكمها هو الايماء ، بمقتضى هذه الرواية الدالة على أنّ الإمام يجب عليه أن يؤمي لئلاّ يبدو ما خلفه للمأمومين .
وقد عرفت أنّ ستر الدبر المتعلّق للوجوب النفسي يزاحم وجوب الركوع والسجود ويتقدّم عليه ، فالجمع بين صلاتهم جالساً وكونها مع الركوع والسجود لا وجه له كما عرفت .
قلت : الظاهر أنّ موردها صورة الأمن من المطّلع ، ولكنّ الحكم بوجوب الجلوس إنّما هو لأجل أنّه مع القيام تكون إقبالهم ظاهرة لأنفسهم ، وقد عرفت أنّ
(الصفحة282)
ستر القبل لا يزاحمه وجوب القيام ويتقدّم عليه ، فالحكم بوجوب الركوع والسجود عليهم لا ينافي وجوب الجلوس .
لأنّ وجوبهما إنّما هو لعدم مزاحمة الستر الشرطي بالنسبة إلى الدبر لهما ، ووجوبه لمزاحمة الستر المتعلّق للوجوب النفسي بالنسبة إلى القبل لوجوب القيام وتقدّمه عليه ، ووجوب الايماء بدلهما على الإمام ، لما عرفت من أنّ ستر الدبر الذي هو واجب خارجيّ نفسيّ لا يزاحمه وجوبهما .
وكيف كان فقد عرفت ثبوت المعارضة بين ما يدلّ على الايماء ، ومرسلة أيّوب بن نوح ورواية إسحاق بن عمّار المتقدّمتين ، لكنّ الاُولى مطروحة بالارسال ، والثانية وإن كانت معارضة لصحيحة عليّ بن جعفر(عليه السلام) وغيرها من حيث الدلالة ، ولكن لا تقاومها من حيث السند ، لأنّ الشيخ نقلها من كتاب محمد بن عليّ بن محبوب ولم يتابعه غيره فيه ، مضافاً إلى غرابة نقل محمّد بن الحسين عن عبدالله بن جبلة بدون واسطة(1) ، وهي على فرضها هو ابن مبارك ولم يحرز وثاقته ، فيجب الحكم بوجوب الايماء مطلقاً ، صلّى جالساً أو قائماً ، وبأنّ وجوب الركوع والسجود لا يزاحم الستر الشرطي بالنسبة إلى الدبر كما عرفت .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا أنّ التفصيل بين الستر الذي يكون واجباً نفسياً والستر الشرطي ـ بأنّ الأوّل عام من حيث الساتر لكلّ شيء من الثوب والحشيش والطين وأجزاء البدن وغيرها ، واختصاص الثاني بالأوّلين مع الترتيب أو بدونه كما ذهب إليه صاحب الجواهر(2) ـ لا وجه له ، لأنّك عرفت أنّ الحكم بوجوب الايماء جالساً أو قائماً إنّما هو لمراعاة الستر الشرطي بالنسبة إلى الدبر ،
(1) التهذيب 2 : 365 ح1514 .
(2) جواهر الكلام 8 : 194 .
(الصفحة283)
وإلاّ فلا وجه له مع كون المصلّي آمناً من المطّلع .
ومن المعلوم أنّ ساتره حينئذ هو الإتيان ، وهما من أجزاء البدن ، نعم مع فقد الثوب والحشيش لا يكون مكلّفاً بستر عورته بالطين للزوم العسر كما لا يخفى ، فالحق أنّ مع فقدهما لا يكون الستر الصلاتي متعذّراً بالنسبة إليه حتّى يحكم بسقوطه .
نعم يقع الكلام في الترتيب بين أنواع الساتر كما ذهب إليه بعضهم ، واستدلّ عليه برواية عليّ بن جعفر(عليه السلام) المتقدّمة(1) ، والتحقيق أنّها لا تدلّ عليه ، لأنّ الحكم بوجوب ستر العورة بالحشيش مع فقد الثوب ليس إلاّ لأجل عدم الاحتياج إلى الستر به مع وجدان الثوب ، لأنّه معه لا أقل من كونه لابساً لثوب واحد ، وهو القميص لدفع البرودة أو غيره وهو ساتر لعورته ، فالستر بالحشيش غير مبتلى به غالباً ، فلا تدلّ على عدم كفاية الستر به مع وجدان الثوب كما هو واضح .
وكذا لا يستفاد منها الترتيب بين الحشيش وغيره ، لأنّ قوله(عليه السلام) : «وإن لم يصب شيئاً يستر به عورته» يدلّ على أنّ ذكر الحشيش كان من باب المثال ، والمراد به كلّ ما هو ساتر للعورة غير الثوب من الطين وغيره ، نعم قد عرفت أنّه لا يجب الستر بالطين للزوم العسر ، وهو لا يقتضي عدم الاجتزاء به .
فظهر أنّ الستر الصلاتي يكون كالستر المتعلّق للوجوب النفسي من حيث الساتر ، فيكفي فيه كلّ شيء حتّى أجزاء البدن ولا ترتيب بين أنواعه ، ولذا لو لم يكن الستر ببعض أجزاء البدن مستلزماً للقعود والايماء بدل القيام والركوع والسجود ، لقلنا بكفايته ولو مع وجدان غيره من أنواع الساتر .
(1) الوسائل 4 : 448 . أبواب لباس المصلّي ب50 ح1 .
(الصفحة284)
فروع في الستر والساتر
الأوّل : لو كان المصلّي واجداً لما هو ساتر لإحدى عورتيه فقد يكون ساتراً لإحداهما على التعيين ، وقد يكون ساتراً لها لا على التعيين ، فعلى الأوّل إن كان ساتراً لقبله يجب عليه الصلاة قائماً إيماءً ، وإن كان ساتراً لدبره يجب عليه الصلاة قاعداً مع الركوع والسجود على ما عرفت تفصيله .
وعلى الثاني ، فقد ذكر لترجيح إحداهما على الاُخرى وجوه لا تصلح للمرجحية ، كما يظهر لمن راجع وتأمّل ، فلا يبعد الحكم بالتخيير بين سترهما والصلاة قائماً ايماءً أو قاعداً مع الركوع والسجود .
الثاني : لو وجد الساتر في أثناء الصلاة فقد يكون متمكّناً من الستر به من غير فعل المنافي ، وقد لا يكون كذلك بل يتوقف على فعل المنافي ، وعلى التقديرين فقد يكون الوقت متّسعاً بحيث يمكن مع قطع الصلاة تحصيل الستر وأدائها معه ولو بركعة وقد لا يكون كذلك ، بل يكون قطع الصلاة وتحصيل الستر موجباً لخروج الوقت .
فإن لم يتمكّن من الستر به بدون فعل المنافي وكان الوقت ضيقاً بحيث لا يتمكّن مع قطع الصلاة من أدائها ولو بركعة ، فلا إشكال في وجوب الاتمام عليه على نحو صلاة العاري ولا يجوز عليه قطعها ، كما أنّه لو كان متمكّناً من الستر به من غير فعل المنافي وكان الوقت ضيقاً لا إشكال في أنّه يجب عليه الستر والإتيان بباقي الصلاة على نحو صلاة غير العاري من القيام والركوع والسجود .
ولا دلالة للأخبار المتقدّمة الواردة في كيفية صلاة العاري على اختصاص تلك الكيفية بما إذا كان عارياً في جميع أحوال الصلاة كما هو واضح ، وإن كان الوقت
(الصفحة285)
متسعاً في هذه الصورة ، وقلنا بأنّه يجوز له البدار بحمل ما ورد في التأخير على الاستحباب فلا إشكال أيضاً في كفاية الإتيان بباقي أجزاء الصلاة مع الستر على نحو صلاة غير العاري من القيام والركوع والسجود ، بناءً على ما عرفت من أنّ الستر له ماهيّة واحدة يتعلّق به الوجوب النفسي إذا كان معرضاً لنظر الغير والوجوب الشرطي للصلاة مطلقاً .
فكما أنّه يكفي في الأوّل ستر العورة بالطين أو بأجزاء البدن أو بغيرهما ، فكذلك يكفي في الثاني سترها بكلّ ما هو ساتر لها ، لأنّ متعلق الوجوبين الستر بما هو ستر ، ففي المقام لا يكون المصلّي مع فقدان الثوب وغيره فاقداً لجميع أنواع الساتر ، بل هو مستور بأجزاء بدنه من الفخذين والإليتين .
وقد عرفت أنّ العدول من القيام إلى القعود ومن الركوع والسجود إلى الايماء إنّما هو لمراعاة الستر ، إذ لا يمكن حمل الأخبار الدالة على ذلك على التعبّد كما لايخفى ، فمع كونه واجداً للستر الشرطي بالنسبة إلى الأجزاء المأتيّ بها لا يكون وجه للقول ببطلان صلاته مع وجدان الثوب مثلا ، فمعه يأتي ببقية الأجزاء مع الساتر وتصحّ صلاته .
والعدول في بعض الركعات من القيام إلى القعود ومن الركوع والسجود إلى الايماء إنّما هو لمراعاة الأمر الاضطراري، وهو يرفع مع الوجدان، فلم يتخلّل زمان يكون المصلّي فيه فاقداً لما هو شرط لها، فلم يبق وجه للحكم بالبطلان إلاّ القول بأنّ ظاهر الأدلة الواردة في صلاة العاري هو كفاية الصلاة بتلك الكيفية المذكورة فيها إذا كان المصلّي عارياً من أوّل الصلاة إلى آخرها ومن أوّل الوقت إلى آخرها، وقد عرفت منعه ، وأنّ الظاهر هو الإطلاق ، وممّا ذكرنا ظهر حكم ما بقي من الفروض فتأمل جيداً .
الثالث : لو نسي المصلّي أن يستر عورته في الصلاة من أوّلها أو كان ساتراً لها
(الصفحة286)
بثوبه أو غيره باعتقاده ، ثمّ انكشف الخلاف في الأثناء وبنى على أن يسترها ثمّ نسي وأتمّ صلاته فانكشف الحال ، أو انكشف الخلاف بعد الفراغ عنها ، أو في الأثناء ، ولكن بنى على سترها مع التمكّن منه بدون فعل المنافي ، أو توقّفه عليه ، ففي حكمه من حيث وجوب الإعادة وعدمه إشكال .
والتحقيق أن يقال : إنّه لا مجال فيما نحن فيه ونظائره ممّا لم يدلّ على الحكم دليل لفظي حتّى يتمسّك بعمومه للتشبّث بأصالة البراءة وغيرها من الأصول النافية للتكليف ، إذ كما أنّه لا يجوز الرجوع إليها لنفي أصل التكليف الذي كان ثبوته لأجل قيام السيرة المستمرة عليه وتوافق الفتاوى على ثبوته ، كذلك لا يجوز الرجوع إليها لنفي بعض أفراده .
إذ لا فرق في نظر العقل الراجع إليه جميع الأدلة الدالة على اعتبار تلك الأصول بين ما كان دليل الحكم لفظاً صادراً عن النّبي(صلى الله عليه وآله) والأئمة(عليهم السلام) واصلا إلينا بعين ألفاظه ، وبين ما إذا كان لأجل كثرة الابتلاء به واشتهاره بين الناس بحيث لا يحتمل الخلاف ، لم ينقله الرواة بعين ألفاظه حتّى يصل إلينا ذلك اللفظ الصادر منهم ، ففي كليهما لا يجوز عند العقل الرجوع إلى البراءة ولا يحكم بعدم وجود البيان في البين .
فما اشتهر بينهم ـ من أنّ حجّية الدليل اللّبي كالاجماع وغيره ثابتة بالنسبة إلى القدر المتيقن ، وفي غيره يجوز التمسّك بالبراءة وغيرها ـ ممّا لا وجه له ، بل نقول إنّ عدم جواز الرجوع إلى البراءة في القسم الثاني أولى من القسم الأوّل ، لأنّ الحكم فيه مقطوع به لأجل وضوحه عند المتشرعة ، وكون فتاوى العلماء منهم على طبقه ، بخلاف الأوّل كما لا يخفى .
فالحجّة في الثاني أيضاً موجودة بالنسبة إلى جميع الأفراد والحالات من حيث العلم والجهل وغيرهما ، وما نحن فيه من مسألة الستر وشرطيته للصلاة يكون من
(الصفحة287)
هذا القبيل ، إذ لم يدلّ دليل لفظيّ على أنّه شرط لها ، وقد عرفت أنّ عدم وصوله إلينا إنّما هو لوضوحه عندهم من العوام والخواصّ .
ولذا ورد في الروايات السؤال عن بعض ما يتعلّق به من الفروع مثل السؤال عن حكم من لا يكون له ساتر أصلا، ولم يقع في شيء منها السؤال عن أصل شرطيّة الستر، وحينئذ فلا يجوز الرجوع إلى البراءة إذا شككنا في أنّه شرط لها مطلقاً، أو تختصّ شرطيّته بحال العلم والذكر ، إلاّ اخذا قام دليل على التخصيص ببعض الموارد ، ففي غيره يجوز الرجوع إليها .
إذا عرفت ما ذكرنا ، فاعلم أنّه قد ادّعى بعض اختصاص شرطية الستر بغير صورة النسيان(1) ، واستدلّ عليه بحديث «لاتعاد»(2) ، إذ لا يكون الستر من الخمسة التي يقتضي الإخلال بها وجوب الإعادة، وبقوله(عليه السلام) في حديث الرفع : «رفع عن اُمّتي تسعة . . . ما لا يعلمون» إلى قوله : «والخطأ والنسيان»(3)، وبما رواه عليّ بن جعفر عن أخيه(عليه السلام) قال : سألته عن الرجل صلّى وفرجه خارج لا يعلم به ، هل عليه إعادة أو ما حاله؟ قال(عليه السلام) : «لا إعادة عليه وقد تمّت صلاته»(4) . انتهى .
بحث حول حديث «لا تعاد . . .»
أقول : لا بأس بصرف عنان الكلام إلى بيان ما يدلّ عليه حديث «لا تعاد» من المرام ، لأجل الإختلاف بين الأعلام ، وإن كان قد أشير إليه سابقاً لمناسبة المقام ، فاعلم أنّه حكي عن بعض الأعاظم القول بعدم اختصاص مورد الحديث بما إذا
(1) المعتبر 2 : 106; المنتهى 1 : 238 ، مدارك الاحكام 3 : 190; مختلف الشيعة 2 : 100 .
(2) الفقيه 1 : 181 ح857; التهذيب 2 : 152 ح597; الوسائل 4 : 312 . أبواب القبلة ب9 ح1 .
(3) التوحيد : 353 ح24; الخصال : 417 ح9; الوسائل 15 : 369 . أبواب جهاد النفس ب56 ح1 .
(4) التهذيب 2 : 216 ح851 ; السرائر 3: 603; الوسائل 4 : 404 . أبوب لباس المصلّي ب27 ح1 .
(الصفحة288)
نسي المصلّي بعض ما يعتبر في الصلاة ، بل يعمّ صورة العمد مطلقاً ولو مع العلم(1) ، وبعضهم اقتصر على شموله لغير صورة العلم(2) .
والتحقيق أن يقال باختصاص مورده بغير صورة العمد مطلقاً ، لأنّ الظاهر أنه مسوق لبيان حكم من كان قاصداً لامتثال التكليف المتوجّه إليه ، وكان ذلك داعياً له إلى الاتيان، ومن المعلوم أنّ مثل هذا الشخص لا يترك ما يعتبر في الصلاة من الأجزاء والشرائط عمداً ، ولا يوجد ما كان وجوده مضرّاً بصحّة الصلاة اختياراً .
نعم قد يعرض له بعض الطوارئ الخارجية والعوارض القهرية، فيوجب فقدان بعض ما له دخل في صحتها ، أو وجدان بعض ما كان وجوده مضرّاً بها ، فإنّ مثل هذا ينبغي أن يحكم عليه بوجوب الإعادة أو عدمه ، وإلاّ فالمكلّف الذي يترك ماله دخل فيها عن عمد واختيار لا يكون في الحقيقة قاصداً للامتثال ، مريداً لتحصيل المأمور به ، ولا يكون الداعي له إلى الإتيان بذلك هو أمر المولى ، فلا يناسبه الحكم بوجوب الإعادة ، بل المناسب الحكم عليه بوجوب الإتيان بأصل الصلاة فيما كان تاركاً له مع العلم بكيفيتها وأجزائها وشرائطها ، والحكم بوجوب التعلم والإتيان بما هو معتبر فيها فيما كان جاهلا .
نعم الجاهل الذي لا يكون متردّداً في صحة ما يأتي به ولا يحتمل الخلاف ، لا يبعد الحكم بدخوله في مورد الحديث ، فلا تجب الإعادة عليه في غير الخمسة المذكورة فيه ، وهذا لا فرق فيه بين أن يكون جاهلا بالحكم أو الموضوع .
وبعد ذلك يقع الكلام في شمول الحديث لما إذا أوجد بعض الموانع نسياناً أو جهلا بالمعنى الذي مرّ آنفاً ، من جهة أنّ المستثنى منه في الحديث غير مذكور ،
(1) نهاية الأفكار 3: 434 .
(2) فوائد الأصول 4: 238; كتاب الصلاة للمحقّق الحائري (رحمه الله): 46; درر الفوائد: 494.
(الصفحة289)
ويكون الاستثناء مفرغاً ، فيحتمل اختصاصه بالاخلال بما يعتبر وجوده في الصلاة شرطاً أو شطراً، وعدم شموله لما إذا أوجد بعض الموانع ، خصوصاً بعد كون المستثنيات من قبيل الأوّل ، لأنّ أمرها دائر بين الشرائط والأجزاء ، وعليه يقع الإشكال في حكم الزيادة السهوية، وأنّه هل يمكن استفادته من حديث «لا تعاد» أم لا؟
إذ الظاهر أنّ زيادة الجزء من الموانع التي قام الدليل على كون وجودها مخلاًّ بصحّتها، ولا تكون الزيادة كالنقيصة ، لأنّ الجزء بما هو جزء لا يقتضي إلاّ عدم تحقّق المركّب بفقدانه لا بزيادته ، فكونها مخلّة يحتاج إلى دليل آخر غير ما يدلّ على الجزئية .
هذا ، ولا يبعد أن يقال بعدم شموله للموانع والزيادة السهوية ، فيبقى ما يدلّ على أنّها توجب البطلان بوجودها على اطلاقه لصورة النسيان ، إلاّ أن يتمسّك لخروجها بدليل آخر كحديث الرفع وغيره .
بقي هنا شيء وهو أنّ حديث «لا تعاد» كما يدلّ على عدم وجوب الإعادة فيما إذا نسي بعض الأجزاء أو الشرائط غير الخمسة المذكورة فيها إلى أن فرغ من الصلاة ، كذلك يدلّ على عدم وجوبها فيما إذا نسي شيئاً منهما في بعض أجزاء الصلاة ، كما إذا كان ناسياً للستر مثلا، ثمّ التفت في الأثناء بعدما صار مستور العورة ولو بفعل الغير ، للأولوية القطعية كما هو واضح .
إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم أنّ للمسألة صوراً :
منها : ما إذا كان ناسياً للستر إلى أن فرغ من الصلاة ، كما إذا كان فاقداً للساتر .
ومنها : ما إذا كان واجداً للساتر والتفت قبل الصلاة إلى أنّه لا يستر العورة لخرق ما يحاذيها ثمّ نسي وصلّى فالتفت .
ومنها : ما إذا كان واجداً للساتر ولم يلتفت إلى خروج العورة إلى أن فرغ منها .
(الصفحة290)
ومنها : تلك الصورة ولكن مع الالتفات في الأثناء بعد أن صار مستور العورة ولو بفعل الغير .
ومنها : تلك الصورة أيضاً ولكن مع الالتفات في حال كونه مكشوف العورة .
ومنها : ما إذا كان عالماً بأنّ عورته مكشوفة، وبأنّه يعتبر سترها في الصلاة ولكن لأجل عدم الإلتفات إلى أنّه يصلّي لم يسترها.
ومنها : ما إذا كان ثوبه ساتراً لعورته ولكن لأجل الريح أو غيره صار مكشوف العورة في بعض الأزمنة ، وهذه الصورة غير داخلة في السهو ولا في العمد .
والشائع من هذه الصور ما إذا كان واجداً للساتر ولم تكن عورته مستورة ولذا وقع في صحيحة علي بن جعفر(عليه السلام) المتقدّمة السؤال عنه(1) ، وعليه فتشمل الصحيحة أكثر هذه الصور ، بناءً على أنّ السؤال إنّما هو من فقدان ما هو شرط للصلاة من الستر في صورة النسيان ، والتعبير ببعض أفراده إنّما هو لكونه شائعاً .
هذا ، ولكن الصور التي تشملها الصحيحة جزماً إنّما هي الصورة الثانية والصورة الثالثة ، كما أنّ مقتضى حديث «لا تعاد» عدم وجوب الإعادة في الصورة الاُولى أيضاً ، ويستفاد منها عدم وجوب الإعادة في الصورة الرابعة بالأولوية القطعية كما لا يخفى .
وفي شمولهما للصورة الخامسة تردّد وإشكال ، والأظهر العدم ، لأنّك عرفت أنّ موردهما ما إذا كان ناسياً لكونه مكشوف العورة ، بحيث لا يكون عالماً وملتفتاً به في زمان من الأزمنة ، والمفروض أنّه التفت في الأثناء في حال كونه مكشوف العورة .
إن قلت : دلالتهما على صحة ما أتى به من الأفعال والأقوال في حال عدم
(1) الوسائل 4: 448. أبواب لباس المصلّي ب50 ح1.
(الصفحة291)
الالتفات تستلزم الدلالة على صحة باقي الأجزاء ، للزوم اللغوية على تقدير عدمها .
قلت : نعم ، لو كان مورد الدليل الدال على الصحة منحصراً بهذا الفرض ، والمفروض عدمه كما عرفت ، وحينئذ فيمنع من شموله له، فيجب الرجوع في حكمه إلى القواعد ، فنقول :
لا إشكال في بطلان الصلاة ووجوب الإعادة فيما إذا كان الانكشاف فيما بين الاشتغال بالأجزاء ، وأمّا إذا كان في حال عدم الاشتغال كما إذا التفت بعد إتمام الفاتحة وقبل الشروع في السورة مثلا ففي الحكم بالصحة أو البطلان وجهان مبنيّان على أنّ الصلاة هل هي المجموع المركّب من الأفعال والأقوال المخصوصة التي تحدث وتنعدم آناً فآناً ، ولا يكاد يكون للمجموع وجود وتحصّل إلاّ بعد تحقّق جميع الأجزاء التي وجد كل منها في زمان وانعدم ، أو أنّها عبارة عن حضور العبد في مقابل مولاه والتوجّه إليه .
غاية الأمر إنّه يجب عليه أن يشتغل معه ببعض الأفعال المخصوصة والأذكار المنصوصة ، بحيث تتحقّق الصلاة بمجرّد قيامه في حضور المولى وتكون باقية إلى آخرها ، فعلى الأوّل لا تكون السكوتات المتخلّلة بين الأقوال والسكونات المتخللة بين الأفعال جزءً من الصلاة ، واطلاق أنّه مشتغل بها في حالها مع العناية ورعاية العلاقة ، كإطلاق الخطيب والمتكلّم على من تنفّس بين الخطبة والتكلّم ، أو اشتغل بغيرهما كشرب الماء مثلا .
بخلاف الثاني ، فإنّه يصدق عليه حقيقة في كل آن أنّه مشتغل بالصلاة ، وعليه فيقع الالتفات بأنّه مكشوف العورة في حال الاشتغال دائماً، فيجب الحكم بوجوب الإعادة ، بخلاف الأوّل فإنّه يصدق عليه حقيقة أنّه لم يكن عالماً بكشف عورته في حال الصلاة ، لجواز أن يسترها مع عدم تخلّل المنافي قبل الشروع في السورة في
(الصفحة292)
المثال المذكور ، ثمّ شرع فيها فيشمله ما يدلّ على الصحة في حال عدم الالتفات بذلك في حال الصلاة .
هذا ، ولا يخفى أنّ الأظهر هو الوجه الثاني ، لكونه مغروساً في أذهان المتشرّعة ، فيجب عليه الإعادة لما عرفت .
ونظير هذا الفرض ما إذا اعتقت الأمة أو بلغت الصغيرة في أثناء الصلاة بعد أن كانتا مكشوفتي الرأس ، وكذا ما إذا صار العاري واجداً للساتر في الأثناء .
ثمّ إنّ الحكم بالبطلان في جميع هذه الصور مختص بما إذا كان الوقت متّسعاً ، وأمّا إذا كان مضيقاً بحيث لا يتمكن من قطعها من الاتيان بصلاة اُخرى . فالظاهر الصحة كما لا يخفى .
(الصفحة293)
شرائط لباس المصلّي
إن شرائط لباس المصلّي من الاُمور المعتبرة من حيث كون المصلّي متلبّساً به ، لا من حيث كونه ساتراً له ، والتعبير بالشرائط مسامحة ، لأنّ مرجعها إلى مانعية بعض الأوصاف الموجودة فيه كما عرفت فيما تقدّم ، وهي على ما يظهر من كلماتهم ستّة : أربعة منها يشترك فيها الرجل والمرأة ، والاثنان يختصّ بهما الرجل ، فالكلام يقع في اُمور :
الأمر الأوّل : أن لا يكون من جلد الميتة
يشترط في لباس المصلّي أن لا يكون من جلد الميتة وإن دبغ ، كما هو المتّفق عليه بين الإمامية(1) ، خلافاً للعامّة القائلين بجواز استعمالها والانتفاع بها في غير
(1) المعتبر 2 : 77; المنتهى 1 : 225; تذكرة الفقهاء 2 : 464 جامع المقاصد 2 : 80; الذكرى : 142; روض الجنان : 212; كشف اللثام 3 : 200; الحدائق 7 : 50 .
(الصفحة294)
حال الصلاة ، وبصحة الصلاة معها فيما إذا كانت مدبوغة(1) ، والأخبار المروية عن النبي(صلى الله عليه وآله) والأئمة(عليهم السلام)(2) الدالة على أنّ الميتة لا يجوز الانتفاع بها ، وعلى بطلان الصلاة فيها مطلقاً شاهدة على خلافه .
وحيث أنّ أصل الحكم ممّا قام عليه اتفاق الإمامية ولم يعلم من أحد منهم الخلاف فيه ، بل صرّح كلّهم ببطلان الصلاة فيها ، فالتكلّم فيه بذكر الأخبار الواردة ممّا لا يحتاج إليه ، ولكن يقع الكلام في أنّ مانعية جلد الميتة هل هي لنجاسته كما يظهر من بعض ، أو لكونه مانعاً بعنوانه حتّى فيما إذا لم يكن نجساً كما في ميتة غير ذي النفس؟
فعلى الأوّل لا يكون مانعاً مستقلا ، بل داخل تحت عنوان النجس ، بخلاف الثاني، ولا يبعد أن يقال بانصراف الأخبار المانعة عن الصلاة في جلد الميتة عن ميتة غير ذي النفس ، لعدم تعارف استعمالها في الصلاة ، وكذا ما يدلّ على عدم جواز الانتفاع بالميتة واستعمالها مطلقاً ولو في غير حال الصلاة .
فإنّ شمولها لاستعمال ميتة غير ذي النفس والانتفاع بها أيضاً مشكل ، مضافاً إلى أنّ الظاهر هو كونها مسوقة في مقام الردّ على العامة القائلين بطهارة جلد الميتة بالدباغ ، وجواز الانتفاع به مطلقاً معه ، كما يدلّ عليه التعبير بحرمة استعمالها ولو دبغ سبعين مرّة .
ومن المعلوم أنّ ما هو المتعارف فيه الدباغ من الجلود ، غير جلد الميتة التي لا نفس لها ، فالحكم بشمولها له مشكل ، وإن كان الأحوط عدم جواز الانتفاع به مطلقاً وبطلان الصلاة معه .
(1) الامّ 1 : 91; المجموع 1 : 215; المغني لابن قدامة 1 : 84 ; تذكرة الفقهاء 2 : 463 مسألة 117 .
(2) الوسائل 3 : 489 ـ 494. أبواب النجاسات ب49 و50 وج4: 343 ـ 347. أبواب لباس المصلّي ب1 و 2 .
(الصفحة295)
مسألة : إذا شك في نجاسة جلد حيوان أو حرمة لحمه . . . واعتبار السوق وقول البايع في ذلك
إذا شكّ في نجاسة جلد حيوان أو حرمة لحمه وسائر أجزائه مع العلم بطهارته في حال حياته ، وبحليته مع وقوع التذكية عليه لأجل الشك في أنّه هل كان مذكّى أو ميتة؟ فالأصل الأوّلي مع قطع النظر عمّا هو حاكم عليه يقتضي النجاسة والحرمة ، لأنّ الظاهر أنّ الميتة هي ما زهق روحه مع عدم وقوع التذكية عليه ، فلاتكون الخصوصية المأخوذة فيها المائزة بينها وبين المذكّى أمراً وجودياً ، حتّى لاتثبت الحرمة والنجاسة إلاّ بعد إحرازه ، كما أنّ إثبات الطهارة والحلية موقوف على إحراز وقوع التذكية عليه .
فالميتة في نظر العرف هي الحيوان الذي زهق روحه مع عدم وقوع التذكية عليه ، أي ما كان موته لا بسبب شرعيّ ، فمع الشك في كونه مذكّى أو ميتة ، يكون مقتضى الاستصحاب هو كونه ميتة ، كما أنّ مقتضى أصالة العدم أيضاً ذلك ، بناءً على أنّ اعتبارها إنّما هو لبناء العقلاء عليها في جميع الموارد التي شكّ فيها في وجود حادث ، كما لا يبعد القول به ، فمع الشك لا يجوز الانتفاع بها والصلاة في جلدها بمقتضى الأصل الأوّلي .
ولكنّ المقطوع به والضروريّ من الدين خلافه ، للسيرة المستمرة من زمان النبي(صلى الله عليه وآله) والأئمة(عليهم السلام) من غير ردع منهم على الانتفاع بالجلود وأكل اللحوم من غير تفحّص وتتبّع عن أصل وقوع التذكية أو عن صحة التذكية الواقعة ، فيستكشف من ذلك ثبوت دليل على الجواز ، وحاكم على دليل المنع .
ثمّ لا يخفى أنّ التذكية عبارة عن مجرّد فري الأوداج الأربعة مع سائر الشرائط من الاستقبال والتسمية وغيرهما ، ولا تكون أمراً اعتبارياً واقعياً حاصلا بفري
(الصفحة296)
الأوداج، وسائر الشرائط في بعض الحيوانات لخصوصية فيه كما يظهر من بعض(1) ، وذلك لعدم دلالة الأدلة على أزيد ممّا ذكرنا ، فإذا تحقّق جميع الشرائط المعتبرة تتحقق التذكية ، وليس مورد يشكّ في قابلية حيوان للتذكية وعدمها .
نعم يمكن الشك في أنّه إذا ذكّي هل يكون طاهراً أو لا؟ والمرجع حينئذ هو استصحاب الطهارة ، إذ الموضوع لها في حال الحياة هو الجسم فقط لا مع تعلّق الروح به ، فالموضوع باق في زمان الشك ، وعلى فرض عدم الجريان يكون المرجع قاعدة الطهارة ، وكذا إذا شكّ في أنّه بعد الذبح هل يكون حلالا أو حراماً؟ لأنّه يجب الرجوع إلى أصالة الاباحة . هذا في الشبهة الحكمية .
وأمّا فيما نحن فيه من الشبهة الموضوعية ، فقد عرفت أنّ مقتضى الأصل الأوّلي هي الحرمة والنجاسة ، لجريان استصحاب عدم التذكية ، بناءً على ما هو الظاهر من أنّ الميتة في نظر العرف كل ما لم يذكّ سواء مات حتف أنفه أو بالحديد ، أو غيره مع عدم تحقّق شرائط التذكية ، خلافاً لبعضهم حيث خصّها بالأول ، وسيأتي الكلام فيه .
هذا، مضافاً إلى ما يظهر من بعض الأخبار من الحكم بالحرمة فيما إذا رمى صيداً وأصابه،ولكن شكّ في أنّ موته هل كان لإصابة الرمي أولتحقّق سبب آخرمن السقوط عن الجبل أو الوقوع في الماء ، إذ مع وجود سبب آخر مقتض للموت لا تنفع إصابة الرمي، فمع احتماله يكون مقتضى استصحاب عدم التذكية، الحرمة والنجاسة.
ثمّ إنّ صاحب المدارك وجمعاً ممّن تبعه ذهبوا إلى أنّ الحكم بالنجاسة في الجلد المطروح وترتيب آثارها عليه يتوقف على العلم بها أو الظنّ الحاصل من البيّنة لو سلم عموم دليلها(2) ، ويمكن أن يستدلّ على مذهبه بما يظهر من الأخبار الواردة في
(1) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري (رحمه الله): 50 .
(2) مدارك الاحكام 2: 387 ، مفاتيح الشرائع 1 : 108 .
(الصفحة297)
هذه المسألة .
مثل صحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الخفاف التي تباع في السوق؟ فقال : «اشتر وصلِّ فيها حتّى تعلم أنّه ميتة بعينه»(1) .
ومضمرة أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبّة فراء لا يدري أذكيّة هي أم غير ذكيّة أيصلّي فيها؟ قال : «نعم ليس عليكم المسألة، إنّ أبا جعفر(عليه السلام) كان يقول : إنّ الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم، أنّ الدين أوسع من ذلك»(2) .
ورواية أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا(عليه السلام) قال : سألته عن الخفاف يأتي السوق فيشتري الخفّ لا يدري أذكيّ هو أم لا، ما تقول في الصلاة فيه وهو لايدري أيصلّي فيه؟ قال : «نعم، أنا أشتري الخفّ من السوق ويصنع لي وأُصلّي فيه وليس عليكم المسألة»(3) .
ورواية الحسن بن الجهم قال : قلت لأبي الحسن(عليه السلام) : اعترض السوق فأشتري خفّاً لا أدري أذكيّ هو أم لا؟ قال : صلِّ فيه. قلت : فالنعل؟ قال : مثل ذلك ، قلت : إنّي أضيق من هذا، قال(عليه السلام) : أترغب عمّا كان أبو الحسن يفعله؟!(4) .
والاستدلال بهذه الروايات المشتملة على ذكر السوق مبني على أن يكون ذكر السوق فيها لبيان منشأ الشك في أنّه منتزع من المذكّى أو الميتة ، لا لكونه أمارة على ثبوت التذكية .
ولو نوقش في الاستدلال بها من هذه الجهة ـ بتقريب أنّ سوق المسلمين
(1) التهذيب 2 : 234 ، ح920; الكافي 3: 403 ح28; الوسائل 3 : 490 . أبواب النجاسات ب50 ح2 .
(2) الفقيه 1: 167 ح787; التهذيب 2: 368 ح1529; الوسائل 3: 491. أبواب النجاسات ب50 ح3.
(3) التهذيب 2: 371 ح1545; قرب الإسناد : 309 ح1374 ; الوسائل 3: 492. أبواب النجاسات ب50 ح6 .
(4) الكافي 3 : 404 ح31; التهذيب 2 : 234 ح921 ; الوسائل 3 : 493 . أبواب النجاسات ب50 ح9 .
(الصفحة298)
أمارة شرعية على ثبوت التذكية ، فيمكن أن يكون الحكم بالطهارة وجواز الصلاة فيه لأجل وجود هذه الأمارة ، لا لأجل كفاية مجرّد عدم العلم بالنجاسة ـ يمكن الاستدلال له ببعض الأخبار الواردة في هذا الحكم الدالة باطلاقها على ما إذا لم يكن في البين أمارة تدلّ على أنّه منتزع من المذكّى .
كرواية عليّ بن أبي حمزة أنّ رجلا سأل أبا عبدالله(عليه السلام) ـ وأنا عنده ـ عن الرجل يتقلّد السيف ويصلّي فيه؟ قال : نعم، فقال الرجل: إنّ فيه الكيمخت، قال(عليه السلام) : وما الكيمخت؟ قال : جلود دوابّ منه ما يكون ذكيّاً، ومنه ما يكون ميتة، فقال : «ما علمت أنّه ميتة فلا تصلِّ فيه»(1) .
ونحوها رواية سماعة أنّه سأل أبا عبدالله(عليه السلام) عن تقليد السيف في الصلاة وفيه الفراء والكيمخت؟ فقال : «لا بأس ما لم تعلم أنّه ميتة»(2) .
ورواية جعفر بن محمّد بن يونس أنّ أباه كتب إلى أبي الحسن(عليه السلام) يسأله عن الفرو والخفّ، ألبسه وأُصلّي فيه ولا أعلم أنّه ذكيّ؟ فكتب(عليه السلام) : «لا بأس به»(3) ، والظاهر منها بمقتضى ترك الاستفصال عدم الفرق بين ما لو كان السيف أو الفرو والخفّ ، واصلا إليه من يد المشركين أو غيرهم .
وأظهر منها في الدلالة على العموم ما رواه السكوني عن أبي عبدالله ، عن آبائه(عليهم السلام)، أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة، يكثر لحمها وخبزها وجبنها وبيضها، وفيها سكّين؟ فقال أمير المؤمنين(عليه السلام) : «يقوّم ما فيها ثمّ يؤكل لأنّه يفسد وليس له بقاء فإذا جاء طالبها غرموا له الثمن» . قيل له : يا أمير المؤمنين لا يدرى سفرة مسلم أم سفرة مجوسيّ؟! فقال : «هم في سعة حتّى
(1) التهذيب 2: 368 ح1530; الوسائل 3: 491. أبواب النجاسات ب50 ح4.
(2) الفقيه 1 : 172 ح811; التهذيب 2 : 205 ح800; الوسائل 3 : 493 . أبواب النجاسات ب50 ح12 .
(3) الفقيه 1: 167 ح789; الوسائل 4: 456. أبواب لباس المصلّي ب55 ح4.
(الصفحة299)
يعلموا»(1) .
ولا يخفى أنّه لا يجوز الاعتماد على إطلاقها للروايات الاُخرى الدالة على التقييد ، مثل ما رواه الكليني عن عمر بن أذينة، عن فضيل وزرارة ومحمّد بن مسلم أنّهم سألوا أبا جعفر(عليه السلام) عن شراء اللحوم من الأسواق ولا يدرى ما صنع القصّابون؟ فقال(عليه السلام) : «كُلْ إذا كان ذلك في سوق المسلمين، ولا تسأل عنه»(2) فإنّ مقتضى مفهومها أنّه لو كان شرائها من غير أسواقهم لا يجوز أكلها من دون سؤال .
والظاهر أنّ المراد من سوق المسلمين هو السوق الذي كان أكثر أهله مسلماً ، لا السوق المنعقد في البلد الذي يكون تحت سلطنة الإسلام وحكومة المسلمين ، ولو كان جميع أهله أو أكثره مشركاً .
وأيضاً الظاهر أنّ اعتبار السوق إنّما هو بالنسبة إلى من كان مجهول الحال ولايعلم أنّه مسلم أو كافر ، فإنّه يبنى على إسلامه لمكان غلبة المسلمين فيه ، ويكون إسلامه أمارة على وقوع التذكية الشرعية على الحيوان ، وإلاّ فلو علم بكفر البائع والذابح أو بكفر الأوّل فقط مع الشك في كفر الثاني فلا يؤثِّر في حلية اللحم المشترى منه كون أكثر أهل السوق مسلماً كما هو واضح ، فيرجع اعتبار السوق إلى اعتبار يد المسلم .
غاية الأمر انّه لا فرق بين ما إذا أُحرز إسلامه بالقطع أو بني عليه للغلبة ونحوها ، ثمّ إنّ مقتضى الرواية جواز الأكل مع السؤال عند الاشتراء من غير المسلم ، والظاهر أنّ المراد به هو السؤال عن البائع دون غيره ، فيرجع إلى اعتبار
(1) الكافي 6 : 297 ح2; المحاسن 2: 239 ح1737; الوسائل 3: 493. أبواب النجاسات ب50 ح11 وج24: 90. أبواب الذبائح ب38 ح2.
(2) الكافي 6: 237 ح2; الفقيه 3: 211 ح976; التهذيب 9: 72 ح306 و307; الوسائل 24: 70. أبواب الذبائح ب29 ح1.
(الصفحة300)
قوله عند الإخبار بوقوع التذكية أو بجريان يد المسلم عليه .
كما يدلّ عليه منطوق رواية إسماعيل بن عيسى القمّي قال : سألت أبا الحسن(عليه السلام)عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل(1) أيُسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلماً غير عارف؟ قال(عليه السلام) : «عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك وإذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه»(2) . فإنّ ظاهرها جواز الانتفاع بالجلود واستعمالها فيما إذا كان البائع مشركاً مع السؤال عنه .
ثمّ إنّ الظاهر من هذه الرواية عدم الفرق في جواز الانتفاع بدون السؤال بين ما إذا كان البائع مسلماً عارفاً بالإمامة أو غير عارف ، وعليه فالحكم باعتبار يد المسلم ليس لكونه أمارة شرعية على كون الحيوان مذكّى بالتذكية المعتبرة عند العارف ، وذلك لاختلافنا معهم في بعض الاُمور المعتبرة في التذكية، كاجتزائهم في الصيد بارسال غير الكلب المعلّم ، وكذلك في بعض الفروع كحكمهم بطهارة جلد الميتة بالدباغ ، وإنّه تذكيته ، وبطهارة ذبائح أهل الكتاب ، وغير ذلك من الموارد ، فلا يكون مجرّد كونه في يده أو مع ترتيبه آثار المذكّى عليه كالصلاة فيه ـ كما هو محتمل الرواية ـ أمارة على وقوع التذكية المعتبرة عندنا عليه .
فالحكم حينئذ باعتبار يد المسلم ليس لأماريته ، بل لأجل أنّ الغالب في تلك الأزمنة هو كون المسلمين غير عارفين ، فيكون بائع الجلود وغيرها أيضاً غير عارف بحسب الغالب ، والحكم بعدم اعتبار يدهم مستلزم للعسر ، فلذا جعل الشارع الأصل في الحيوان التذكية تعبداً فيما إذا لم يكن بائعه مشركاً .
(1) ذكر في بعض النسخ بالياء ، وعليه يكون المراد به هو بلد الجيلان كما أنّ المراد بالأوّل هو بلد الري وأطرافه ولعلّه الظاهر (منه) .
(2) الفقيه 1: 167 ح788; التهذيب 2 : 371 ح1544; الوسائل 3 : 492 . أبواب النجاسات ب50 ح7 .
|