(الصفحة481)
البين أم لم يكن; لأنّه في الصورة الاُولى يصدق أيضاً أنّه لا يدري كم صلّى.
وما ذكره من أنّ مصطلح الفقهاء في مثل هذا التعبير هو ما إذا كان التردّد بين احتمالات كثيرة; ممنوع جدّاً، ضرورة أنّه ليس لهم في استعمال كلمة «كم» إصطلاح خاصّ مغاير لمعناها بحسب اللغة .
نعم قد تعرّض الفقهاء لهذه المسألة ـ أي ما كان التردّد فيها بين احتمالات كثيرة ـ وحكموا فيها بالبطلان، ولكنّ الظاهر أنّ حكمهم بالبطلان فيها ليس لمدخلية كثرة الاحتمال فيه، بل لكون الركعتين الأوليين أيضاً من أطراف الاحتمال مع أنهما لا تحتملان السهو كما عرفت، فالإنصاف تمامية دلالة الموثقة على اعتبار الظنّ في الأوليين أيضاً.
أمّا اعتباره في الأفعال التي هي مقابل الركعات ومن أجزائها، فنقول: ـ بعد عدم اختصاص هذا النزاع بخصوص من يقول باعتباره في الركعات مطلقاً، لأنّه يجري ولو على القول باعتباره في خصوص الركعتين الأخيرتين، غاية الأمر أنّه بناءً عليه يختصّ النزاع بالأفعال التي تكون من أجزاء الأخيرتين كما لا يخفى ـ ربّما يستدلّ له بالأولويّة وأنّ أدلّة حجّية الظنّ في الركعة تدلّ على حجّية أفعالها بطريق أولى، وتوضيح هذا الدليل وتتميمه يتوقّف على ثلاث مقدّمات:
المقدمة الاُولى: إنّ الظنّ المتعلّق بالركعة لا يكون ظنّاً واحداً متعلّقاً بأمر واحد، ضرورة أنّ الركعة عبارة عن عدّة أفعال وأقوال مختلفة بحسب الحقيقة، والتركيب بينها تركيب اعتباريّ الذي مرجعه إلى ملاحظة الاُمور المختلفة المتعدّدة شيئاً واحداً وأمراً فارداً، باعتبار وحدة الغرض المترتّب عليها، فالكثرة فيه حقيقية والوحدة إعتبارية، بخلاف المركبات الحقيقية التي تكون الوحدة فيها حقيقية، والكثرة اعتبارية.
(الصفحة482)
فالركعة عبارة عن جملة من الأعمال المختلفة المجتمعة، فالظنّ المتعلّق بها ليس ظنّاً واحداً، بل ينحلّ إلى الظنون المتعدّدة حسب تعدّد أفعال الركعة.
المقدمة الثانية: إنّه لا إشكال بعد انحلال الظنّ المتعلّق بالركعة إلى الظنون المتعدّدة، ودلالة الدليل على حجّية الظنّ بها، في أنّ كلّ ظن من تلك الظنون المتعدّدة إنّما يعتبر بالنسبة إلى متعلّقه، بمعنى أنّ الظنّ بالقراءة التي هي من أجزاء الركعة إنّما يعتبر بالنسبة إلى خصوص القراءة المظنونة، ولا معنى لأن يكون الظنّ بالقراءة معتبراً بالنسبة إلى الركوع مثلاً، والظنّ بالركوع حجّة بالإضافه إلى القراءة، فكل واحد من تلك الظنون إنّما يكون معتبراً في خصوص متعلّقه.
المقدمة الثالثة: إنّه إذا كان الظنّ المتعلّق ببعض أفعال الركعة حجّة ـ فيما لو كان سائر أفعال الركعة مظنوناً أيضاً كما هو مرجع اعتبار الظنّ المتعلّق بالركعة ـ ففيما لو كان سائر أفعالها معلوماً بالعلم الوجداني تكون حجّيته بالنسبة إلى الفعل المظنون بطريق أولى، فالدليل الدالّ على الاعتبار في الصورة الاُولى يدلّ على اعتباره في الصورة الثانية بالأولويّة.
ويمكن المناقشة في الأولويّة بأن يقال: إنّ اعتبار الظنّ المتعلّق ببعض أفعال الركعة إنّما هو لكونه طريقاً إليه، وأمارة بالنسبة إلى متعلّقه. ومقارنة هذا الظنّ مع الظنون المتعلّقة بباقي أفعال الركعة كما أنّها لا تؤثر في هذا الظنّ، كذلك مقارنته مع العلوم المتعلّقة بباقيها.
وبعبارة اُخرى: لا فرق في حجّية الظنّ بالقراءة مثلاً بين أن يكون سائر أفعال الركعة مظنوناً أو معلوماً، وتعلّق العلم بباقي أفعالها لا يوجب أن يكون الظنّ بها حجّة بطريق أولى بعد عدم تأثير المقارنة مع شيء منهما فيها; فدعوى الأولويّة ممنوعة.
ولكنّ يمكن أن يجاب عن هذه المناقشة بأنّ مرجع اعتبار الظنّ في الركعة
(الصفحة483)
وجوداً وعدماً إلى أنّه لو كانت الصلاة فاقدة للركعة التي ظن بإتيانها، أو واجدة للركعة الزائدة التي ظن بعدم الإتيان فأتى بها تكون صحيحة منطبقة لعنوان الصلاة. ومرجع اعتبار الظنّ في الفعل إلى أنّه لو كانت الصلاة فاقدة لفعل من أفعال الركعة الذي كان وجوده مظنوناً، أو واجدة لفعل زائد من أفعالها الذي ظن بعدم الإتيان به فأتى به، لكانت مع ذلك صحيحة واقعاً ومنطبقة لعنوان الصلاة.
ومن المعلوم أنّ الحكم بصحّة الصلاة فيما إذا كانت فاقدة لركعة أو واجدة لركعة زائدة يستلزم الحكم بالصحة فيما إذا كانت فاقدة لفعل أو واجدة لفعل زائد بطريق أولى كما لا يخفى.
هذا، والظاهر أنّ هذا الجواب ممنوع، لأنّه لا فرق في عدم تحقق المركّب بين أن يكون فاقداً لجزء أو فاقداً لأجزاء كثيرة،وكذا بين أن يكون مشتملاً على جزء زائد اعتبر عدمه أو أجزاء زائدة كذلك، ولا يكون عدم تحقّقه في الصورة الثانية أولى منه في الصورة الاُولى.
وبالجملة: إثبات الأولوية في غاية الإشكال، ولكنّ الاستدلال لا يتوقّف على دعواها، بل يتم ولو لم تكن أولوية، بتقريب أنّه لو فصّل بين الظنّ بالركعة والظنّ بأفعالها بعدم حجية الثاني دون الأول، يكون مرجع هذا التفصيل إلى أنّه يعتبر في حجية الظنّ بالقراءة مثلاً أن لا يكون سائر أفعال الركعة متحققاً ومأتياً به في الخارج، أو إلى مانعية الإتيان بسائر أفعال الركعة عن حجية الظن بالقراءة.
ومن الواضح أنّه لا مجال لتوهّم ذلك، فإنّه كيف يعقل بعد ثبوت الجزئية لسائر أفعال الركعة أن يكون عدمها معتبراً في حجية الظن بالقراءة أو وجودها مانعاً عنها، فالدليل على حجية الظن بالركعة يدلّ بإلغاء الخصوصية على اعتبار الظنّ بأفعالها، وإن شئت قلت: يدلّ على ذلك بمفهوم الموافقة الذي هو عبارة عن إلغاء الخصوصية، وإن كان في مصطلح المتأخرين من الأصوليين منحصراً بما إذا كان هنا
(الصفحة484)
أولوية، ولكنّه في الأصل كان عبارة عن مطلق ما إذا لم يكن للخصوصية المذكورة في المنطوق مدخلية في ترتب الحكم، سواء كانت أولوية في البين أم لم تكن.
وبالجملة: لا مجال للإشكال في دلالة ما يدلّ على اعتبار الظنّ بالركعة على اعتبار الظنّ بالأفعال لا بالأولوية بل بإلغاء الخصوصية.
ويؤيّد ما ذكرنا قوله(عليه السلام) فيمن شكّ في الركوع وقد أهوى إلى السجود: «قد ركع»(1)، فإنّ هذا التعبير لا يكون إخباراً عن الواقع بأنّه قد تحقق منه الركوع، بل الظاهر أنّه بملاحظة أنّ التجاوز عن المحل أمارة مفيدة للظنّ النوعي بتحقق المشكوك في محلّه، فمرجعه إلى اعتبار الظنّ النوعي المتعلّق بإتيانه في محلّه، فمرجعه إلى اعتبار الظنّ النوعي المتعلّق بإتيانه في محلّه ، فإذا ظنّ ذلك بالظن الشخصي فلا محالة يكون حجّة، كما أنّه لو ظنّ بعدم الاتيان به في محلّه لا مجال حينئذ لاعتبار الظنّ النوعي على الخلاف.
وبالجملة: يستفاد من مثل هذا التعبير كفاية الظنّ ولو نوعاً في الإتيان بالشيء في محله، ونظير هذا التعبير ما ورد في تكبيرة الإحرام، وأنّه كيف يتركها المصلّي، فإنّ مرجعه أيضاً إلى ثبوت الأمارة الظنّية على الإتيان بها وكونها حجّة معتبرة كما هو غير خفيّ.
ويؤيّد ما ذكرنا أيضاً أنّ الظنّ إذا كان قويّاً يكون معتبراً عند العقلاء بلا ريب، حيث إنّهم يجعلونه بمنزلة العلم في العمل على طبقه وترتيب آثار الواقع عليه، فلا مجال لدعوى عدم اعتباره، وحينئذ فبضميمة عدم القول بالفصل بينه وبين الظنّ الضعيف هنا قطعاً يتمّ المطلوب; فانقدح من جميع ما ذكرنا إعتبار الظنّ في الصلاة مطلقاً.
(1) الوسائل 6: 318. أبواب الركوع ب13 ح6 .
(الصفحة485)
أحكام الشكوك
قد عرفت في أوّل مبحث الخلل أنّ الشكّ لا يكون مغايراً لعنوان السهو ، بل هو من أفراده ومصاديقه ، لأنّ السهو عبارة عن الغفلة والذهول عن الواقع وخفائه وعزوبه عن الذهن ، غاية الأمر أنّه قد تكون الغفلة مقارنة للالتفات والتوجّه إليها ، ولا محالة يكون الشخص متردّداً حينئذ ، وقد لا تكون مقارنة له بل يكون غافلاً عن غفلته عن الواقع وخفائه عنه أيضاً ، والأوّل هو الشكّ ، والثاني هو الذي يسمّى في الاصطلاح بالسهو .
وكيف كان ، فالشكّ قد يتعلّق بأصل الاتيان بالصلاة ، وقد يتعلّق بأعداد الركعات ، وقد يتعلّق بالأفعال ، والصورة الاُولى قد يكون الشكّ فيها في الوقت وقد يكون في خارجه ، ففي الأوّل يجب الإتيان بالصلاة على ما هو مقتضى قاعدة الاشتغال ، وفي الثاني لا يجب القضاء لقاعدة عدم الاعتناء بالشكّ بعد الوقت .
وفي الصورة الثالثة قد يكون الشكّ بعد التجاوز عن المشكوك ، وقد يكون قبله ، ففي الأوّل لا يعتنى به نظراً إلى قاعدة التجاوز المتقدّمة ، كما أنّه لو كان الشكّ
(الصفحة486)
بعد الفراغ لا يترتّب عليه أثر بمقتضى قاعدة الفراغ المتقدّمة أيضاً ، وفي الثاني يجب الإتيان بالمشكوك على ما هو مقتضى أصالة عدم الإتيان به .
وفي الصورة الثانية قد يكون الشكّ في الأوليين وقد يكون في الأخيرتين من الرباعيّة ، ففي الأوّل تبطل الصلاة لأجل الشكّ ، لما تقدّم من قاعدة عدم احتمال الركعتين الأوليين للسهو ، وقد عرفت أنّ القدر المتيقّن منها ما إذا كان ظرف الشكّ أيضاً هو الركعتين الأوليين ، وفي الثاني تتحقق صور كثيرة وأقسام عديدة ، أكثرها منصوص وبعضها غير منصوص .
الشكوك المنصوصة خمسة :
أحدها : الشكّ بين الإثنتين والأربع
يدلّ على حكمه روايات :
منها : رواية الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال : «إذا لم تدر أثنتين صلّيت أم أربعاً ولم يذهب وهمك إلى شيء فتشهّد وسلّم ثمّ صلِّ ركعتين وأربع سجدات ، تقرأ فيهما بأُمّ الكتاب ثم تشهّد وتسلّم ، فإن كنت إنّما صلّيت ركعتين كانتا هاتان تمام الأربع ، وإن كنت صلّيت أربعاً كانتا هاتان نافلة»(1) .
ومنها : رواية ابن أبي يعفور قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل لا يدري ركعتين صلّى أم أربعاً؟ قال : «يتشهّد ويسلّم ثمّ يقوم فيصلّي ركعتين وأربع سجدات يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب ثم يتشهّد ويسلّم ، وإن كان صلّى أربعاً كانت هاتان نافلة ، وإن كان صلّى ركعتين كانت هاتان تمام الأربعة ، وإن تكلّم فليسجد
(1) الوسائل 8 : 219 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب11 ح1 .
(الصفحة487)
سجدتي السهو»(1) .
ومنها : رواية زرارة عن أحدهما(عليهما السلام) في حديث قال : قلت له : من لم يدر في أربع هو أم في ثنتين وقد أحرز الثنتين؟ قال : «يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب ويتشهّد ولا شيء عليه»(2) .
ومنها : رواية محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل صلّى ركعتين فلا يدري ركعتين هي أو أربع؟ قال : «يسلّم ثم يقوم فيصلّي ركعتين بفاتحة الكتاب ويتشهّد وينصرف وليس عليه شيء»(3) . إلى غير ذلك من الروايات الدالة عليه .
وبالجملة : فلا إشكال في أنّ حكمة وجوب البناء على الأربع بمعنى وجوب المعاملة مع الركعة المردّدة بين الثانية والرابعة معاملة الركعة الرابعة ، بأن يتشهّد ويسلّم بعدها ، لا البناء القلبي على الأربع الذي هو أحد طرفي الشكّ ، وهذا الحكم من متفردات الإمامية ولا يقول به سائر فرق المسلمين ، بل الحكم عندهم هو البناء على الأقلّ على ما هو مقتضى أصالة عدم الإتيان بالزائد عليه(4) .
ولكن الإمامية رضوان الله عليهم لأجل اعتقادهم بحجّة أُخرى التي يجب التمسّك بها كما يجب التمسّك بالكتاب العزيز على ما يقتضيه حديث الثقلين المرويّ
(1) الكافي 3 : 352 ح 4; التهذيب 2 : 86 1 ح 739; الاستبصار 1 : 372 ح 1315; الوسائل 8 : 219 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب11 ح2 .
(2) الكافي 3 : 351 ح 3; التهذيب 2 : 186 ح 740 ; الاستبصار1 : 373 ح1416; الوسائل 8 : 220 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب11 ح3 .
(3) التهذيب 2 : 185 ح 837 ; الاستبصار1 : 372 ح1414; الوسائل 8 : 221 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب11 ح6 .
(4) بداية المجتهد 1 : 273; المغنى لابن قدامة 1 : 674; الشرح الكبير 1 : 727; المجموع 4 : 113; الانتصار : 156; تذكرة الفقهاء 3 : 343 ـ 344 مسألة 356 .
(الصفحة488)
بطرق الفريقين(1) ، تسالموا على عدم جواز الأخذ بمقتضى الاستصحاب هنا ، ولزوم البناء على الأكثر الذي هو مفاد النصوص الكثيرة ، فالإشكال في ذلك ، وكذا في لزوم الإتيان بركعتين بعنوان صلاة الاحتياط ممّا لا ينبغي أن يصغى إليه .
هل صلاة الاحتياط صلاة مستقلّة أم لا؟
يقع الكلام في حال صلاة الاحتياط ، وأنّها هل هي صلاة مستقلّة بحيث لا يضرّ بهاتخلّل الحدث بينها وبين أصل الصلاة الواقعة قبلها ، أو أنّها من توابع الصلاة المأمور بها ومتمّماتها ، فكأنّه جزء لها ، فلا يجوز الإتيان بالمنافي بينهما؟ وجهان :
من ظهور التعبير بوجوب الصلاة ركعتين في الروايات المتقدّمة في كونها صلاة مستقلّة خصوصاً مع وجوب أن تكون مشتملة على النية وتكبيرة الاحرام في إفتتاحها ، وعلى التسليم في إختتامها وخصوصاً مع تعيّن قراءة الفاتحة فيهما ، على ما هو ظاهر قوله(عليه السلام) : تقرأ فيهما بأُمّ الكتاب ، بناءً على أن لا يكون الغرض منه لزوم خصوص قراءة الفاتحة في مقابل ضمّ السورة إليها أيضاً .
ومن أنّ التأمّل في الروايات يعطي كونها من متممّات الصلاة السابقة ، وتوضيحه أنّه قد ورد في الروايات الكثيرة ، التعبير بكون صلاة الاحتياط في صورة نقص الصلاة السابقة تمام ما نقص .
فمنها : رواية عمّار الواردة في مطلق الشكوك المشتملة على قوله(عليه السلام) : «وإن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت»(2) .
(1) المراجعات : 26 ، المراجعة 8 .
(2) التهذيب 2 : 349 ح 8 144; الوسائل 8 : 213 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب8 ح3 .
(الصفحة489)
ومنها : رواية الحلبي المتقدّمة التي قال الصادق(عليه السلام) فيها : «فإن كنت إنّما صلّيت ركعتين كانتا هاتان تمام الأربع»(1) .
ومنها : رواية ابن أبي يعفور المتقدّمة الدالة على هذا المضمون أيضاً(2) .
ومنها : مرسلة ابن أبي عمير الواردة فيمن شكّ بين الثنتين والثلاث والأربع المشتملة على قول الصادق(عليه السلام) بعد الأمر بوجوب صلاة ركعتين من قيام ثم ركعتين من جلوس : «فان كانت أربع ركعات كانت الركعتان نافلة وإلاّ تمّت الأربع»(3) .
ومنها : ما رواه الصدوق في المقنع عن أبي بصير الوارد فيمن لم يدر صلّى ثلاثاً أم أربعاً وذهب وهمه إلى الرابعة المشتمل على قوله(عليه السلام) : «فإن كنت صلّيت ثلاثاً كانتا هاتان تمام صلاتك»(4) .
وبالجملة : فالتعبير بكون صلاة الاحتياط تمام الصلاة على فرض نقصها ، يدلّ على أنّ وظيفة المصلّي مع الشكّ في غير الأوليين مع عدد ركعات الصلاة لم ينقلب من الصلاة أربع ركعات ، بل وظيفة المصلّي الشاك كغيره إنّما هي الصلاة أربع ركعات . غاية الأمر أنّه حيث لم يدر اشتمال صلاته على أربع ركعات ، لأنّه يحتمل النقص فيها ، فلذا حكم عليه بحكم ظاهري وهو وجوب صلاة الاحتياط ، لأنّها على تقدير النقص تحسب جزءً متمّماً لها حقيقة حتّى تتمّ الأربع التي هي المأمور بها ، ولا يكون تشريعها لمجرّدكونها جابرة لنقصان المصلحة التي يجب استيفاؤها ، كما أنّ النوافل الراتبة تكون جابرة لنقصان المصلحة المحتمل في الفرائض ، فإنّ الظاهر أنّ الجبران في النوافل الراتبة إنّما هو بحسب مقام الكمال ، وفي المقام تكون
(1) الوسائل 8 : 219 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب11 ح 1 .
(2) الوسائل 8 : 219 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب11 ح2 .
(3) الكافي 3 : 353 ح 6; الوسائل 8 : 223 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب13 ح4 .
(4) المقنع : 104 ; الوسائل 8 : 218 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب10ح 8 .
(الصفحة490)
صلاة الاحتياط جزءً حقيقة ومتمّمة واقعاً . هذا ما تقتضيه النصوص .
وأمّا الفتاوى فالظاهر أنّ فتاوى القدماء إلى زمان ابن إدريس كانت موافقة لما ذكرنا(1) ، لأنّهم عبّروا في كتبهم الفقهية بوجوب المبادرة إلى الإتيان بصلاة الاحتياط من غير تعرض لكونها هل هي صلاة مستقلّة أو جزء ، وذلك يدلّ على كون المتسالم عليه بينهم هو عدم كونها صلاة مستقلّة ، وأنّ المتبادر والمنسبق إلى أذهانهم من النصوص الواردة هو ما يدلّ عليه ظاهرها من كونها تمام ما نقص على تقدير النقص .
وبالجملة : فعدم تعرّضهم لهذه الجهة يكشف عن التسالم على ما هو ظاهر الروايات وأمّا ابن إدريس فقد ذهب إلى كونها صلاة مستقلّة بحيالها ، ولا يضرّ تخلّل الحدث بينها وبين الصلاة ، وهذا الفتوى منه صار منشأ لثبوت الاختلاف بين من تأخّر عنه من الفقهاء ، فبعضهم رجّح ما اخترناه ، وبعضهم تبع ابن إدريس(2) .
نعم ، قال فخر المحقّقين في محكيّ الإيضاح : إنّ في المسألة أقوالاً ثلاثة : أحدها : إنّه صلاة برأسه ، وثانيها : إنّه تمام ، وثالثها : إنّه تمام من وجه وصلاة منفردة من وجه ، ثم قال : وهو اختيار والدي المصنّف ذكره لي مذاكرة جمعاً بين الأدلة ، وهو الأقوى(3) .
ولكنّ لم يعلم المراد من القول الثالث ، فانّه إن كان المراد أنّه تمام على تقدير نقص الصلاة وصلاة منفردة على تقدير تماميتها بحيث كان مرجعه إلى ما ذكر في الروايات من كونها تماماً على تقدير النقص ونافلة على تقدير عدمه ، فيرد عليه
(1) المقنعة : 146 الانتصار : 156; النهاية : 91 ; الخلاف 1 : 445 مسألة 192; الكافي في الفقه : 148; المهذّب 1 : 155; الوسيلة : 102; المراسم : 89 .
(2) السرائر1 : 256; الارشاد 1 : 270; التحرير 1 : 50; مستند الشيعة 7 : 255 .
(3) إيضاح الفوائد 1 : 142 .
(الصفحة491)
عدم المغايرة بينه وبين القول الثاني ، لوضوح أنّ الحكم بكونها متمّمة إنّما هو فيما إذا كانت الصلاة ناقصة ، لأنّه لا معنى للحكم بأنّ الاحتياط تمام مع فرض عدم نقصانها كما هو واضح .
وإن كان المراد أنّ الاحتياط في خصوص صورة النقص تمام من وجه وصلاة منفردة من وجه فلا معنى له أصلاً ، لأنّ الحكم بكونه تماماً إنّما هو لأنّ وظيفة المصلّي مع الشكّ في عدد الركعة لم ينقلب من الإتيان بالصلاة المشتملة على أربع ركعات ، بل لابدّ من الإتيان بها ، إمّا متّصلة وإمّا منفصلة ، ولا يلائم ذلك مع الحكم بكونه صلاة منفردة أيضاً من وجه كما لا يخفى .
فانقدح أنّ الأقوى ـ كما هو مقتضى النصوص وفتاوى القدماء ـ كون صلاة الاحتياط جزءً وتماماً ، وتخلّل الحدث بينها وبين الصلاة إنّما هو كتخلّله بين شيء من أجزائهما .
ثانيها : الشكّ بين الإثنتين والثلاث والأربع
المشهور أنّه يجب عليه البناء على الأكثر وإتمام الصلاة ثم الإتيان بركعتين قائماً وركعتين جالساً(1) ، وحكي عن الصدوق أنّه حكم بثبوت التخيير بينه وبين الإتيان بركعة قائماً وركعتين جالساً(2) .
أمّا الروايات الواردة :
فمنها : ما رواه الصدوق بإسناده عن عبدالرحمن بن الحجاج ، عن
(1) المقنعة : 146; الانتصار : 156; جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى) 3 : 37; المبسوط 1 : 123; الخلاف 1 : 445; السرائر 1 : 254; المعتبر 2 : 393; تذكرة الفقهاء 3 : 343 مسألة 356; الدروس 1 : 203; مسالك الأفهام 1 : 294 .
(2) الفقيه 1 : 231 ذح1021; وحكاه عن والد الصدوق أيضاً في مختلف الشيعة 2 : 384 .
(الصفحة492)
أبي إبراهيم(عليه السلام) قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : رجل لا يدري أثنتين صلّى أم ثلاثاً أم أربعاً؟ فقال : «يصلّي ركعة من قيام ثم يسلّم ثم يصلّي ركعتين وهو جالس»(1) .
ومنها : مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبدالله(عليه السلام) في رجل صلّى فلم يدر أثتنين صلّى أم ثلاثاً أم أربعاً؟ قال : «يقوم فيصلّي ركعتين من قيام ويسلّم ، ثم يصلّي ركعتين من جلوس ويسلّم ، فإن كانت أربع ركعات كانت الركعتان نافلة ، وإلاّ تمّت الأربع»(2) .
وعن الفقه الرضوي قال : «وإن شككت فلم تدر أثنتين صلّيت أم ثلاثاً أم أربعاً؟ فصلّ ركعة من قيام وركعتين من جلوس»(3) .
ومستند الاكتفاء بركعة واحدة قائماً وركعتين جالساً إن كان هو الفقه الرضوي فيرد عليه عدم اعتباره كما مرّ مراراً ، وإن كان هو صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج فيرد عليه ـ مضافاً إلى غرابة سنده ، لأنّ الظاهر ثبوت كلمة «(عليه السلام)» بعد أبي إبراهيم كما في نسختين من الفقيه المصححتين اللّتين أجاز رواية إحداهما المولى ميرزا الشيرواني للعلاّمة المجلسي ورواية أخراهما العلاّمة المجلسي لتلميذه ـ أنّ في بعض النسخ بدل ركعة ركعتين ، وهذا المقدار يكفي في عدم تماميّة الاستدلال ، ولايحتاج إلى استظهار كون الصادر كلمة ـ ركعتين ـ كما في مفتاح الكرامة(4) نظراً إلى أنّ الصدوق قال بعد ذلك : «وقد روي أنّه يصلّي ركعة من قيام وركعتين وهو جالس»(5) .
هذا ، والظاهر أنّه على تقدير صحّة نسخة «ركعة من قيام» يتم الاستدلال ،
(1) الفقيه 1 : 230 ح1021; الوسائل 8 : 222 .أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب13 ح1 .
(2) الكافي 3 : 353 ح6; التهذيب 2 : 187 ح742; الوسائل 8 : 223 .أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب13 ح4 .
(3) فقه الرضا (عليه السلام)
: 118; مستدرك الوسائل 6 : 411 .أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب12 ح1 .
(4) مفتاح الكرامة 3 : 354 .
(5) الفقيه 1 : 231 ح 1024; الوسائل 8 : 223 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب13 ح3 .
(الصفحة493)
ولا مجال لما ذكره في المفتاح ، وذلك لأنّ الصدوق نقل بين هذه العبارة وبين رواية عبدالرحمن بن الحجاج روايتين :
1 ـ رواية عليّ بن أبي حمزة ، عن رجل صالح(عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يشكّ فلا يدري أواحدة صلّى أو إثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً تلتبس عليه صلاته؟ قال : كلّ ذا؟ قال : قلت : نعم قال : «فليمض في صلاته ويتعوّذ بالله من الشيطان ، فإنّه يوشكّ أن يذهب عنه»(1) .
2 ـ ما رواه سهل بن اليسع في ذلك عن الرضا(عليه السلام) أنّه قال : «يبني على يقينه ويسجد سجدتي السهو بعد التسليم ويتشهّد تشهّداً خفيفاً(2) ، ثم قال الصدوق : وقد روي أنّه يصلّي . . .» . ولا يعلم أنّ المراد من مرجع الضمير في قوله «يصلّي» هو الشاك بين الإثنتين والثلاث والأربع ، مضافاً إلى أنّ في بعض النسخ أيضاً بدل ـ ركعة من قيام ـ في عبارة الصدوق هو الركعتان ، وحينئذ فلا يبقى وجه للاستظهار المتقدّم كما لايخفى .
وكيف كان ، فلم يثبت في المقام ما يدلّ على جواز الاكتفاء بركعة من قيام وركعتين من جلوس ، بل الظاهر بمقتضى مرسلة ابن أبي عمير لزوم أن يصلّي ركعتين وهو قائم وركعتين وهو جالس . ويؤيّده الشهرة العظيمة بين الفقهاء على ذلك كما عرفت .
ثمّ إنّه هل يجب تقديم الركعتين من قيام على الركعتين من جلوس على ما هو مقتضى العطف بكلمة «ثمّ» في مرسلة ابن أبي عمير وصحيحة عبدالرحمن بن الحجاج المتقدّمتين ، أو يتعيّن العكس كما حكي عن بعض(3) ، أو يتخيّر بينهما كما هو
(1) التهذيب 2 : 188 ح746; الإستبصار 1 : 374 ح1421; الفقيه 1 : 230 ح1022; الوسائل 8 : 229 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب16 ح4 .
(2) الفقيه 1 : 230 ح1023; الوسائل 8 : 223 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب13 ح2 .
(3) حكاه عن ابن ابي عقيل في مختلف الشيعة 2 : 384 .
(الصفحة494)
مقتضى العطف بالواو في كثير من العبارات؟ وجوه ، لا سبيل إلى الوجه الثاني بعد خلوّه عن مستند ظاهر ، بل ثبوت الدليل على خلافه .
وأمّا الوجه الثالث ، فيبتنى على إلغاء الخصوصية من النصوص الظاهرة في وجوب تقديم الركعتين من قيام ، بدعوى أنّ إيجاب الركعتين من قيام إنّما هو لتدارك نقصان الصلاة على تقدير كونها ركعتين ، وإيجاب الركعتين من جلوس إنّما هو لتدارك نقصانها على تقدير كونها ثلاث ركعات ، ولا فرق في مقام تدارك النقص المحتمل بين تقديم جبران النقص الأكثر وبين تقديم تدارك النقص الأقلّ .
ولكنّ لا يخفى أنّ دعوى إلغاء الخصوصية إنّما تصحّ فيما لو لم يكن في البين خصوصية محتملة ، لأن تكون دخيلة أصلاً ، مع أنّه ليس الأمر في المقام كذلك ، فإنّه يحتمل أن يكون الشارع قد اعتبر أصالة عدم الإتيان بالأكثر المقتضية لكون الصلاة ناقصة بركعتين من هذه الجهة ، أي إيجابها لوجوب ركعتين منفصلتين قائماً ، وإن لم يعتبرها من حيث وجوب البناء على الأقلّ والإتيان بركعتين متصلتين ، ومع هذا الاحتمال لا يبقى مجال لدعوى إلغاء الخصوصية فتدبّر .
ثمّ إنّ الشهيدين في الذكرى والروضة ذكرا : أنّ القول بالاكتفاء بركعة قائماً وركعتين جالساً أقوى من حيث الاعتبار ، ولكنّه مخالف للنص والاشتهار(1) . ويرد عليهما منع الأقوائية ، بل الظاهر تساوي هذا القول مع القول الآخر من حيث الإحتياج إلى ورود التعبد لأجل المخالفة للاعتبار ، وذلك لأنّ لازم القول بلزوم الاتيان بركعتين من قيام وركعتين من جلوس أنّه لو كانت الصلاة ناقصة بركعة يكون الجابر لها هو الركعتين من قعود المأتيّ بهما بعد الركعتين قائماً ، وحينئذ فيلزم تحقق الفصل بين الصلاة وبين ما يكون جابراً لنقصها بركعتين قائماً .
ولازم القول بالاكتفاء بركعة واحدة قائماً وركعتين جالساً أنّه لو كانت الصلاة
(1) الذكرى 4 : 77 ; الروضة البهيّة 1 : 330 ; مستند الشيعة 7 : 154 .
(الصفحة495)
ناقصة بركعتين يكون الجابر لها هو مجموع الصلاتين ، مع أنّه يلزم تحقق التسليم وتكبيرة الإحرام ونظائرهما في أثناء الصلاة ، فكلّ من القولين يحتاج إلى ورود التعبّد لأجل مخالفته للإعتبار من جهة ، فالأوّل من جهة تحقق الفصل ، والثاني من جهة التسليم وتكبيرة الإحرام ونظائرهما ، زائداً على ما يلزم ، بناءً على كلّ من القولين .
ثمّ إنّه أفتى العلاّمة(قدس سره) في القواعد بالتخيير للشاك في المقام بين أن يصلّي ركعتين قائماً وركعتين جالساً ، وبين أن يصلّي ثلاث ركعات من قيام بتسليمتين(1) ، ومرجع ذلك إلى أنّه لا يجب بعد الركعتين من قيام أن يصلّي ركعتين جالساً ، بل يتخيّر بينه وبين أن يصلّي ركعة قائماً .
بدعوى أنّ إيجاب الركعتين جالساً إنّما هو لأجل تدارك نقص الصلاة على تقدير كونها ثلاث ركعات ، كما أنّ إيجاب الركعتين قائماً إنّما هو لتدارك نقصها على تقدير كونها اثنتين . وحينئذ فلا فرق في جبر نقصان الركعة بين أن يصلّي ركعتين جالساً وبين أن يصلّي ركعة قائماً . كما أنّه في الشكّ بين الثلاث والأربع لا يتعيّن عليه خصوص الإتيان بركعتين جالساً بل يتخيّر بينه وبين ركعة قائماً على ما هو مقتضى النصوص الواردة فيه وسيأتي .
ولكن لا يخفى أنّه مع احتمال ثبوت الفرق بين المقام وبين تلك المسألة لا مجال لرفع اليد عمّا يدلّ عليه ظاهر النصوص المتقدّمة ، ومنشأ هذا الاحتمال أنّ في تلك المسألة تكون الركعة من قيام متصلة بالصلاة وكأنّها جزء لها ، فيمكن أن تكون جابرة للنقصان المحتمل .
وفي المقام يمكن أن تكون الصلاة ناقصة بركعة ، وحينئذ فالجابر لابدّ وأن
(1) قواعد الأحكام 1 : 305 كتاب الصلاة ـ المطلب الرابع فيما يوجب السهو .
(الصفحة496)
تكون بناءً عليه هي الركعة قائماً المأتيّ بها بعد الركعتين من قيام . وحينئذ فمن المحتمل أن لا تكون في هذا الحالة صالحة للجابرية ، بعد تحقق الفصل بينها وبين الصلاة ، خصوصاً مع أنّ الأصل في كلّ صلاة أن لا تكون أقلّ من ركعتين .
وإن شئت قلت : إنّ جابرية الركعة إنّما هي فيما إذا كانت متّصلة بالصلاة ، وأمّا مع الانفصال الذي يوجب كون اللاحق صلاة مستقلّة فاللاّزم أن يكون أقلّ من ركعتين بعد كونهما هما الأصل في كلّ صلاة ، بمعنى عدم ثبوت الأقلّ منهما ، فالأحوط لو لم يكن أقوى هو الإتيان بركعتين قائماً وركعتين جالساً .
ثالثها : الشكّ بين الأربع والخمس
قد ورد في حكمه روايات :
منها : رواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إذا كنت لا تدري أربعاً صلّيت أم خمساً فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ، ثم سلّم بعدهما»(1) .
ومنها : رواية أبي بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إذا لم تدر خمساً صلّيت أم أربعاً فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك وأنت جالس ثمّ سلّم بعدهما»(2) .
ومنها : رواية عبيدالله بن عليّ الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إذا لم تدر أربعاً صلّيت أم خمساً أم نقصت أم زدت فتشهّد وسلّم واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة ، وتتشهّد فيهما تشهّداً خفيفاً»(3) .
وغير ذلك ممّا يدلّ على وجوب البناء على الأربع ، ولزوم سجدتي السهو بعد
(1) الكافي 3 : 355 ح3 ; التهذيب 2 : 195 ح767 الوسائل 8 : 224 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب14 ح1 .
(2) الكافي 3 : 355 ح6 ; الوسائل 8 : 224 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب14 ح3 .
(3) التهذيب 2 : 196 ح772; الاستبصار 1 : 380 ح 1441; الفقيه 1 : 230 ح1019; الوسائل 8 : 224 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب14 ح4 .
(الصفحة497)
التسليم .
فالإشكال في أصل الحكم ممّا لا وجه له ، إنّما الإشكال في الرواية الأخيرة وفيما أُريد من قوله : «أم نقصت أم زدت» ، فإنّه يحتمل أن يكون المراد النقصان بالنسبة إلى الأربع ، والزيادة بالإضافة إلى الخمس ، بحيث كان المورد دوران الأمر بين الأربع والنقصان عنها والخمس والزيادة عليها .
ويحتمل أن يكون المراد بيان صورة أُخرى مغايرة لما دار الأمر فيه بين الأربع والخمس ، وهي ما دار الأمر فيه بين النقيصة والزيادة ، وعليه فيحتمل أن تكون النقيصة والزيادة ملحوظتين بالنسبة إلى الأربع التي هي المأمور بها ، فالنقصان نقصان عنها والزيادة زيادة عليها; ويحتمل أن تكونا ملحوظتين بما هما مستقلّتين بأن كان المراد دوران الأمر بين النقيصة والزيادة ، وإن كانت الزيادة منطبقة على المأمور به أو ناقصة عنه والنقيصة كذلك .
وهنا احتمال ثالث ، وهو أن يكون قوله : «أم نقصت» معطوفاً على الشرط وهو قوله : «لم تدر» ، فالمراد حينئذ صورة تيقّن الزيادة أو النقص ، فتدلّ الرواية حينئذ على ثبوت سجدتي السهو لكلّ زيادة ونقيصة ، كما هو مفاد مرسلة سفيان الواردة في سجود السهو(1) .
ويبعد هذا الاحتمال أنّ كون كلمة «أم» متّصلة ، وهي مشروطة بوقوعها بعد همزة التسوية ، أو بعد همزة تكون مغنية عن لفظة أيّ ، وهنا ليس كذلك ، ومنه يعلم بُعد الاحتمال الأوّل أيضاً ، فاللاّزم إمّا حمله على الاحتمال الثاني الذي يبتنى على كون «أم» منقطعة ، ومرجعها إلى الاضراب عن المطلب السابق ، وإمّا
(1) التهذيب 2 : 155 ح608; الاستبصار 1 : 361 ح 1367; الوسائل 8 : 251 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب32 ح3 .
(الصفحة498)
إستظهار كون الصادر هو الواو لا أم ، فعلى الأوّل يدلّ على ثبوت سجدتي السهو فيما إذا دار الأمر فيه بين الأربع والخمس ، وعلى الثاني تكون الرواية أجنبية عن المقام ، ولعلّه يجيء التكلّم في مفاد الرواية في بحث سجود السهو .
ثمّ الظاهر أنّ وجوب سجدتي السهو هنا ليس لجبران الزيادة المحتملة المانعة ، كما أنّه كانت صلاة الاحتياط في سائر الشكوك جابرة للنقص المحتمل ، بل الزيادة هنا منتفية ، بأنّ الأصل عدمها ، وإيجابهما إنّما هو لأجل مراعات حفظ ركعات الصلاة ، فهو عقوبة لمن لم يحفظ عدد ركعات صلاته لأجل مجرّد عدم الحفظ ، لا لأجل الزيادة المانعة المحتملة ، وحينئذ فالاخلال بالسجدتين عمداً أو سهواً لا يكون قادحاً في صحة الصلاة ، لأنّ المفروض خلوّها عن الزيادة بمقتضى الأصل ، غاية الأمر ثبوت الإثم لمخالفة تكليف وجوبيّ ، كما أنّه لو انكشف يقيناً عدم الزيادة لا يرتفع الوجوب عن عهدة المصلّي ، بل وجوب السجدتين باق بعد .
ثمّ إنّ للشكّ بين الأربع والخمس صوراً عديدة :
منها : ما إذا كان الشكّ بعد إكمال الركعة ، وهذا هو القدر المتيقّن من مورد النصوص والفتاوى بل الظاهر منهما .
ومنها : ما إذا كان الشكّ قبل الركوع من الركعة المردّدة بين الرابعة والخامسة ، وقد صرّح غير واحد في هذه الصورة بأنّه يجلس فينقلب شكّه الى الثلاث والأربع ، فيعمل عمل الشاك بينهما ويزيد مع ذلك سجدتي السهو لمكان القيام(1) .
ولا يخفى أنّ الجلوس وهدم القيام ليس لأجل انقلاب شكّه الفعلي إلى شكّ آخر ، لعدم موجب له ولا مصحّح ، بل هو شاكّ حال القيام بين الثلاث والأربع
(1) منهم صاحب الحدائق 9 : 248; وحكاه أيضاً عن الشيخ عبدالله البحراني; مستند الشيعة 7 : 159; جواهر الكلام 12 : 354 .
(الصفحة499)
بالنسبة إلى الركعات التامّة ، فلا يدري ثلاثاً صلّى أم أربعاً ، فيجب عليه هدم القيام لأجل حكم الشرع بالبناء على الأكثر فيها ، والاتمام عليه لكون القيام زيادة عليه ، بل يمكن أن يقال : إنّه شاك بين الثلاث والأربع حقيقة ، لأنّ معنى الركعة هو الركوع مرّة .
ومن المعلوم أنّه لم يتحقق منه يقيناً إلاّ ثلاثة ركوعات ، فهو شاك بين الثلاث والأربع حقيقة ، ويجب عليه البناء على الأربع بعد هدم القيام ، لأنّ هذا القيام لا يكون جزءً من الصلاة ، لأنّ القيام الواجب إنّما هو القيام للركوع لا مطلق القيام ، فمع خلوّه عن الركوع لا يكون من الصلاة كما هو ظاهر .
ومنها : ما إذا شكّ في حال الركوع أو بعده وقبل السجدتين أو فيهما أو بينهما أو بعدهما ، قبل أن يرفع الرأس من السجدة الثانية ، بناءً على اعتبار رفع الرأس في تماميّة الركعة ، وفي حكم هذه الصورة وجوه ثلاثة :
1 ـ الصحة ، ووجوب عمل الشاك بين الأربع والخمس ، بعد تمامية الركعة بالبناء على الأربع ، وإتمام ، الصلاة ثم الاتيان بسجدتي السهو .
2 ـ الصحّة ، ووجوب معاملة الشاك بين الثلاث والأربع ، لأنّ شكّه وإن كان بالنسبة إلى الركعة المتلبّس بها شكّاً بين الأربع والخمس ، إلاّ أنّه بالنسبة إلى الركعات التامّة شكّ بين الثلاث والأربع ، فيجب عليه البناء على الأربع بعد هدم الركوع والجلوس للتشهّد والتسليم ، ثم الإتيان بصلاة الاحتياط الجابرة لنقصان ركعة المحتمل .
3 ـ البطلان لعدم تمامية الوجهين المذكورين للصحة(1) .
أمّا عدم تمامية الوجه الأوّل ، فلأنّه إن كان المراد شمول النصوص الواردة
(1) ذهب إليه العلاّمة في التحرير 1 : 50 .
(الصفحة500)
فيمن لم يدر أربعاً صلّى أم خمساً للمقام فهو ممنوع جدّاً ، لوضوح أنّ موردها ما إذا تمّت الركعة المردّدة بين الرابعة والخامسة ، بالإتيان بالسجدتين فقط ، أو مع رفع الرأس من الثانية أيضاً ، على الخلاف المتقدّم فيما به يتحقق تماميّة الركعة ، وإن كان المراد أنّ تلك النصوص وإن كان موردها خصوص تلك الصورة إلاّ أنّه يمكن أن يستفاد منها حكم المقام بمفهوم الموافقة المعبّر عنه بإلغاء الخصوصية .
فيرد عليه ثبوت الفرق بين المقامين ، لأنّ الزيادة المحتملة هناك هي الزيادة الصادرة مع الغفلة وعدم الالتفات إليها بوجه ولو مع الترديد ، والزيادة المحتملة هنا بالنسبة إلى ما بقي من الركعة زيادة صادرة في حال الالتفات واحتمال كونها زائدة ، وأصالة عدم الزيادة وإن كانت جارية ، إلاّ أنّ مقتضاها عدم تحقق الزيادة في الصلاة ، ولا تثبت عدم اتصاف ما يأتي به من بقية الركعة بوصف الزيادة ، وأصالة عدم كونه زائداً لا تجري ، لعدم وجود الحالة السابقة كما هو واضح .
هذا ، مضافاً إلى أنّه في المقام يكون الأمر بالنسبة إلى السجدتين دائراً بين المحذورين ، لأنّه إذا كان الركوع الذي بيده هو ركوع الركعة الرابعة يجب عليه الإتيان بالسجدتين بعده حتى تتمّ الركعة وتصحّ الصلاة ، وإن كان ركوع الركعة الخامسة ، يحرم عليه الاتيان بالسجدتين بعده ، لإيجابهما بطلان الصلاة .
ودعوى أنّه على هذا التقدير لا يكون بطلان الصلاة مسبباً عن زيادة السجدتين ، بل كان بطلانها من جهة زيادة الركوع .
مدفوعة ، بأنّ المستفاد من الأخبار الواردة في الشكّ بين الأربع والخمس عدم كون هذا الركوع على تقدير زيادته مبطلاً ، لأنّه إذا لم تكن زيادة الركعة مبطلة فزيادة ركوع واحد لا تكون مبطلة بطريق أولى . فعلى هذا التقدير يحرم عليه الإتيان بالسجدتين ، فيدور الأمر فيهما بين المحذورين ، وليس في البين ما يعيّن أحد
|