(الصفحة501)
الأمرين .
وأصالة عدم الزيادة لا تثبت كون هذه الركعة التي بيده ركعة رابعة ، وهذا بخلاف ما هناك ، فإنّ أصالة عدم الزيادة إنّما يحتاج إليها لإثبات عدم تحقق الزيادة في الصلاة ، وأمّا عدد ركعاتها وبلوغها أربعاً فهو مقطوع به غير مشكوك فيه ، فلايمكن إلغاء الخصوصية من الأخبار الواردة فيه ، الدالة على الإتيان بسجدتي السهو لأجل عدم التحفّظ كما عرفت; من أنّ سجود السهو إنّما يكون إيجابه لأجل السهو والذهول عن أعداد الركعات ، لا لأجل دفع مانعية الزيادة على تقدير تحققها ، لأنّ الظاهر الاتكال في عدم تحققها على الأصل فتدبّر جيّداً .
وأمّا عدم تمامية الوجه الثاني ، فلأنّ شكّه بالنسبة إلى الركعات التامّة وإن كان شكّاً بين الثلاث والأربع كما عرفت في الصورة الثانية ، إلاّ أنّ الظاهر عدم شمول النصوص الواردة فيه للمقام ، لا لدعوى انصرافها عنه كما في المصباح(1) ، بل لأنّها مسوقة لبيان حكم ما لو كانت النقيصة المحتملة ركعة واحدة تامّة ، بحيث كانت صلاة الاحتياط بتمامها جابرة لها .
وهنا ليس كذلك لأنّ النقص المحتمل ليس بمقدار ركعة تامّة حتى يجبر بسبب صلاة الاحتياط بل بمقدار سجدتين أو أقلّ ، ولم يقم دليل على جبر صلاة الاحتياط للسجدتين أو أقلّ كما لا يخفى .
وإن شئت قلت : إنّ معاملة الشاكّ بين الثلاث والأربع مرجعها إلى هدم الركوع ، والبناء على كون الركعة السابقة ركعة رابعة ثم الإتمام والاتيان بصلاة الاحتياط لجبران النقص المحتمل ، مع أنّ هنا شيئاً يحتمل زيادته وهو الركوع ، وليس في البين ما يكون جابراً له على تقدير كونه زائداً ، ضرورة أنّ النصوص
(1) مصباح الفقيه كتاب الصلاة : 569 .
(الصفحة502)
الواردة في الشكّ بين الثلاث والأربع مسوقة لتدارك النقص لا الزيادة .
اللّهمّ إلاّ أن يقال : تلك النصوص وإن كانت في مقام بيان جبر النقيصة ، إلاّ أنّ الزيادة المحتملة تندفع مانعيتها بسجدتي السهو ، لدلالة الأخبار الواردة في الشكّ بين الأربع والخمس على ذلك بمفهوم الموافقة ، لأنّه إذا كانت مانعية زيادة ركعة تامّة محتملة مندفعة بسجدتي السهو ، فاندفاع مانعية زيادة بعض الركعة إحتمالاً بهما بطريق أولى .
ولكنّ لا يخفى أنّ هذا إنّما يتمّ على تقدير كون سجود السهو دافعاً لزيادة الركعة التي هي مورد تلك الروايات ، وقد عرفت أنّ الظاهر كون الزيادة في موردها مندفعة بالأصل; وإيجاب سجود السهو إنّما هو لأجل عدم تحفّظ أعداد الركعات ، ولذا لا يضرّ الإخلال به عمداً أو سهواً بصحة الصلاة أصلاً ، فلا يمكن استفادة حكم المقام منها .
ثمّ إنّه قد يقرّر البطلان في المقام بوجه آخر ، وهو أنّه لا شكّ في أنّ مورد الأخبار الواردة في الشكوك الصحيحة يختصّ بما إذا كان أحد طرفي الاحتمال أو أطرافه صحّة الصلاة ، سواء كان الطرف الآخر أو الطرفان الآخران ، البطلان أو الصحة ، وأمّا إذا كان كلّ من الطرفين أو الأطراف البطلان ، فلا إشكال في عدم شمول تلك الأخبار له ، والمقام من هذا القبيل ، لأنّه يعلم إجمالاً ببطلان صلاته إمّا من جهة زيادة الركوع أو من جهة نقص السجدتين فلا يكون مشمولاً لشيء منها .
أقول : إن كان المراد أنّ الشاك بين الأربع والخمس في الركوع عالم ببطلان صلاته حين الشكّ ، بمعنى أنّه بمجرّد طروّ صفة الشكّ له يعلم ببطلان صلاته ، فلا خفاء في وضوح خلافه ، ضرورة أنّه يحتمل أن تكون الركعة التي بيده ركعة رابعة وكان الركوع الذي هو فيه ركوعها ، وعلى هذا التقدير لا تكون صلاته باطلة بوجه ، فلا يكون كلّ من طرفي الاحتمال هو البطلان .
(الصفحة503)
وإن كان المراد أنّه بعد معاملته كالشاك بين الثلاث والأربع بإلغاء الركوع ، يعلم إجمالاً ببطلان صلاته ، إما من جهة زيادة الركوع ، وإمّا من جهة نقص السجدتين .
فيرد عليه أنّ مقتضى معاملة الشاك بين الثلاث والأربع هو البناء على كون الركعة السابقة ركعة رابعة ، ومرجعها إلى عدم كون الركوع الزائد مبطلاً على تقدير زيادته . فإجراء تلك الأخبار يستلزم إلغاء مانعية الركوع فتأمّل .
رابعها : الشكّ بين الثلاث والأربع
حكمه في جميع فروضه هو البناء على الأربع ثمّ الاتيان بعد الفراغ بركعة قائماً ، أو ركعتين جالساً; والنصّ والفتوى(1) متطابقان فيه ، والنصوص الواردة في هذا الباب الخالية من الاضطراب والاشكال ثلاثة :
1 ـ رواية عبدالرحمن بن سيّابة وأبي العباس جميعاً عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : «إذا لم تدر ثلاثاً صلّيت أو أربعاً ـ إلى أن قال : ـ وإن اعتدل وهمك فانصرف وصلِّ ركعتين وأنت جالس»(2) .
2 ـ مرسلة جميل عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال فيمن لا يدري أثلاثاً صلّى أم أربعاً ووهمه في ذلك سواء قال : فقال : «إذا اعتدل الوهم في الثلاث والأربع فهو بالخيار ، إن شاء صلّى ركعة وهو قائم ، وإن شاء صلّى ركعتين وأربع سجدات وهو جالس . . .»(3) .
(1) الانتصار : 156; الخلاف 1 : 445; الكافي في الفقه : 148; المهذّب 1 : 155; الوسيلة : 102 ; المراسم : 89 ; السرائر 1 : 254; الجامع للشرائع : 87 ; المعتبر 2 : 392 ، تذكرة الفقهاء ، 3 : 343 مسألة 356 .
(2) الكافي 3 : 353 ح 7 ; التهذيب 2 : 84 1 ح733 ; الوسائل 8 : 216 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب10 ح1 .
(3) الكافي 3 : 353 ح9; التهذيب 2 : 184 ح734; الوسائل 8 : 216 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب10 ح2 .
(الصفحة504)
3 ـ رواية الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام) في حديث قال : «إذا كنت لا تدري ثلاثاً صلّيت أم أربعاً ولم يذهب وهمك إلى شيء فسلّم ثم صلِّ ركعتين وأنت جالس ، تقرأ فيهما بأُمّ الكتاب . . .»(1) .
ويظهر من جماعة من القدماء والمتأخّرين في هذه الصورة عدم تعيّن البناء على الأكثر ، بل هو مخيّر بينه وبين البناء على الأقلّ(2) ، كما يقول به سائر فرق المسلمين(3) غير الإمامية . وحكي هذا القول عن ابن بابويه والعماني(4) وفي محكيّ المدارك : أنّه لا يخلو من رجحان(5) ، وفي الكفاية : أنّه أقرب ، وفي الذخيرة : هو متّجه(6) .
ويرد عليه ـ مضافاً الى أنّ مرجع تجويز البناء على الأقلّ إلى اعتبار استصحاب عدم الزيادة في المقام ، ومعه لا وجه للإتيان بالركعة المحتملة مفصولة ـ إنّه مخالف للروايات الدالة صريحاً على وجوب البناء على الأكثر مع كونها موافقة للمشهور ومخالفة للعامّة ، فالأحوط بل الأقوى تعيّن البناء على الأكثر كما عليه المشهور .
ثمّ إنّه وقع الاختلاف في كيفية صلاة الاحتياط هنا ، وأنّه هل تجب الركعتان من جلوس أو تتعيّن الركعة من قيام ، أو يتخيّر بين الأمرين؟ وجوه بل أقوال ، فحكي عن المفيد وصاحب المراسم تعيين الركعة من قيام(7) ، وعن العماني والجعفي
(1) الكافي 3 : 353 ح8 ; الوسائل 8 : 217 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب10 ح5 .
(2) المقنع : 104; الفقيه 1 : 230 ح1022 ونقله عن ابن الجنيد في مختلف الشيعة 2 : 382 .
(3) المجموع 4 : 111; المغني لابن قدامة 1 : 703; الشرح الكبير 1 : 727 .
(4) مختلف الشيعة 2 : 382 عن ابن الجنيد والصدوق; ولعلّ العمّاني مصحف اسكافي ; إذ ليس عن العماني في هذه المسألة عين ولا أثر.
(5) مدارك الاحكام 4 : 259 .
(6) ذخيرة المعاد : 377; كفاية الاحكام : 26 .
(7) المقنعة : 146 ; المراسم : 87 .
(الصفحة505)
وثقة الإسلام الكليني ووالد الصدوق تعيين الركعتين من جلوس(1) ، وفي محكيّ المفاتيح إنّه أحوط(2) .
ولكنّ المشهور هو التخيير بين الأمرين(3) ، ويدلّ عليه صريحاً مرسلة جميل المتقدّمة ، وبها يرفع اليد عن ظهور سائر الأخبار في التعيّن ، والإرسال فيها لا يقدح بعد كون المرسل هو الجميل ، كما أنّ المناقشة في سندها من جهة عليّ بن حديد بن حكيم مدفوعة بكونه ثقة مورداً للاعتماد في نقل الرواية .
ثمّ إنّك عرفت أنّه لا فرق في الحكم المذكور بين صور المسألة التي هي عبارة عمّا لو كان الشكّ في حال القيام أو في الركوع أو بعده أو في السجدتين أو بينهما أو بعدهما ، وذلك لأنّ اعتبار تمامية الركعة إنّما كان بلحاظ لزوم إحراز الركعتين الأوليين ، لأنّهما لا تحتملان للسهو كما في الشكّ بين الإثنتين والثلاث في حال القيام مثلاً أو بلحاظ احتمال الزيادة كما في الشكّ بين الأربع والخمس قبل تمامية الركعة ، وأمّا في غير هذين الموردين فلا فرق بين الفروض أصلاً .
خامسها : الشكّ بين الإثنتين والثلاث بعد إكمال الركعة
المشهور أنّه يبني على الثلاث ، ويتمّ بإضافة ركعة اُخرى ثمّ يأتي بصلاة الاحتياط التي هي ركعة من قيام أو ركعتان من جلوس .
(1) الكافي 3 : 351 باب (السهو في الثلاث والأربع); وحكاه عن العمّاني ووالد الصدوق في مختلف الشيعة 2 : 384; وعن العمّاني والجعفي في الذكرى 4 : 79 ومفتاح الكرامة 3 : 350 ـ 351 .
(2) مفاتيح الشرائع 1 : 179 .
(3) الإنتصار : 156; الخلاف 1 : 445 مسألة 192; الغنية : 112; الجامع للشرائع : 87 ; الكافي في الفقه : 148; المهذّب 1 : 155; المراسم : 89 ; الوسيلة : 102; المعتبر 2 : 392; مختلف الشيعة 2 : 386; الدروس 1 : 202; مسالك الافهام 1 : 293 .
(الصفحة506)
وهنا أقوال أُخر :
منها : ما حكي عن الصدوق في الفقيه ، من تجويزه البناء على الأقلّ أيضاً(1) .
ومنها : ما حكي عن والد الصدوق(رحمه الله) ، من التخيير بين البناء على الأقلّ والتشهّد في كلّ ركعة ، وبين البناء على الأكثر والعمل بمقتضاه(2) .
ومنها : ما عن المقنع إنّه قال : سئل الصادق(عليه السلام) عمّن لا يدري أثنتين صلّى أم ثلاثاً؟ قال : «يعيد الصلاة ، قيل : وأين ما روي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) : الفقيه لا يعيد الصلاة؟ قال : «إنّما ذاك في الثلاث والأربع»(3) .
وكيف كان ، فالأخبار الواردة في هذا الباب سبعة ، مع أنّه لا يظهر من شيء من تلك الأخبار الموافقة لمذهب المشهور ، ولذا حكي عن الذكرى أنّه قال : وأمّا الشكّ بين الإثنتين والثلاث فأجراه معظم الأصحاب مجرى الشكّ بين الثلاث والأربع ، ولم نقف فيه على رواية صريحة(4) .
أما الأخبار :
1 ـ ما رواه زرارة عن أحدهما(عليهما السلام) ـ في حديث ـ قال : قلت له : رجل لايدري أثنتين صلّى أم ثلاثاً؟ فقال : إن دخله الشكّ بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة ثم صلّى الاُخرى ولا شيء عليه ويسلّم»(5) . والمراد من قوله : «مضى في الثالثة» يحتمل أن يكون هو المضيّ فيها ، بجعل الركعة التي بيده هي الركعة الرابعة ،
(1) الفقيه 1 : 230 .
(2) مفتاح الكرامة 3 : 352; مختلف الشيعة 2 : 384 .
(3) المقنع : 101 .
(4) الذكرى 4 : 78 .
(5) الكافي 3 : 350 ح3; التهذيب 2 : 192 ح759; الإستبصار 1 : 375 ح1423; الوسائل 8 : 214 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب9 ح1 .
(الصفحة507)
والركعة السابقة ركعة ثالثة ، وعليه فيكون المراد بالاُخرى هي صلاة الاحتياط الواجبة بعدها ، وحينئذ فتنطبق الرواية على فتوى المشهور; ويحتمل أن يكون هو المضيّ فيها بجعل الركعة التي بيده ، الركعة الثالثة وإتمام الصلاة بإضافة ركعة اُخرى ، وعليه فيكون المراد بقوله : «صلّى الاُخرى» هي إضافة ركعة اُخرى متّصلة ، وحينئذ فيستفاد منه وجوب البناء على الأقلّ .
2 ـ رواية قرب الإسناد عن محمّد بن خالد الطيالسي ، عن العلاء قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : رجل صلّى ركعتين وشكّ في الثالثة؟ قال : «يبني على اليقين ، فإذا فرغ تشهّد وقام فصلّى ركعة بفاتحة القرآن»(1) .
3 ـ رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته عن رجل لم يدر ركعتين صلّى أم ثلاثاً؟ قال : يعيد ، قلت : أليس يقال : لا يعيد الصلاة فقيه؟ فقال : «إنّما ذلك في الثلاث والأربع»(2) .
4 ـ مرسلة الصدوق في المقنع المتقدّمة(3) .
5 ـ رواية دعائم الإسلام عن جعفر بن محمّد(عليهما السلام) أنّه قال في خبر : «وإن شكّ فلم يدر أثنتين صلّى أم ثلاثاً؟ بنى على اليقين ممّا يذهب وهمه إليه»(4) .
6 ـ ما في فقه الرضا من قوله : «وإن شككت فلم تدر أثنتين صلّيت أم ثلاثاً ، وذهب وهمك إلى الثالثة فأضف إليها الرابعة ، فإذا سلّمت صلّيت ركعة بالحمد وحدها ، وإن ذهب وهمك إلى الأقلّ فابن عليه وتشهّد في كلّ ركعة ثم اسجد
(1) قرب الاسناد : 43 ح 94; الوسائل 8 : 215 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب9 ح2 .
(2) التهذيب 2 : 193 ح 760; الإستبصار 1 : 375 ح 1424; الوسائل8 : 215 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب9 ح3 .
(3) المقنع : 101 .
(4) دعائم الاسلام 1 : 8 8 1; بحار الانوار 85 : 236; مستدرك الوسائل 6 : 406 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب7 ح2 .
(الصفحة508)
سجدتي السهو بعد التسليم ، وإن اعتدل وهمك فأنت بالخيار فإن شئت بنيت على الأقلّ وتشهّدت في كلّ ركعة ، وإن شئت بنيت على الأكثر وعملت ما وصفناه لك»(1) .
7 ـ رواية سهل بن اليسع قال : سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن الرجل لا يدري أثلاثاً صلّى أم اثنتين؟ قال : «يبني على النقصان ويأخذ بالجزم ويتشهّد بعد انصرافه تشهّداً خفيفاً ، كذلك في أوّل الصلاة وآخرها»(2) .
وأنت خبير بعدم صراحة شيء من هذه الروايات بل عدم دلالتها ـ ولو بالظهور ـ على المذهب المشهور . ويمكن أن يستدلّ له بموثّقة عمّار بن موسى الفطحي(3) الواردة في مطلق الشكوك الدالة على الأخذ بالأكثر ، كما أنّه يمكن أن يستدلّ له بالأخبار الواردة في الشكّ بين الثلاث والأربع .
ولكن يرد على الاستدلال بهما للمقام ، أنّ غاية مدلولهما هو تدارك النقص المحتمل إذا كان ركعة أو ركعتين ، وأمّا الزائد على الركعة الذي كان من أجزائها فلا دلالة لهما على تداركه أيضاً بصلاة الاحتياط .
إذا عرفت ذلك فنقول : إنّه قد يكون النقص المحتمل في المقام زائداً على الركعة ، كما إذا شكّ بعد رفع الرأس من السجدتين بين الإثنتين والثلاث ، فإنّه يحتمل أن تكون هذه الركعة; ركعة ثانية مفتقرة إلى التشهّد .
(1) فقه الرضا(عليه السلام) : 117 ـ 118; بحار الانوار 85 : 213; مستدرك الوسائل 6 : 406 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب7 ح1 .
(2) التهذيب 2 : 193 ح 761; الاستبصار 1 : 375 ح 1425; الوسائل 8 : 213 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب8 ح 6 .
(3) التهذيب 2 : 193 ح762; الاستبصار 1 : 376 ح 1426; الوسائل 8 : 213 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب8 ح4 .
(الصفحة509)
ويحتمل أن تكون ركعة ثالثة ، فيبنى على كونها الثالثة ، وإتمام الصلاة ، ثمّ الإتيان بصلاة الاحتياط بعدها ، وإن كان موجباً لتدارك النقيصة المحتملة التي هي الركعة ، إلاّ أنّه يحتمل نقص التشهّد أيضاً ولا جابر له أصلاً .
ودعوى إنّ نقصان التشهّدلايضرّبصحّة الصلاة، لأنّه ليس من الأجزاء الركنيّة.
مدفوعة بأنّه في هذه الصورة يحتمل أن يكون محلّ التشهّد باقياً بحاله ، بأن كانت الركعة ركعة ثانية . وحينئذ فالتشهّد قد فات عمداً ، والإخلال بالجزء عمداً مبطل مطلقاً كما هو واضح .
وبعد فرض عدم الشمول يكون في المسألة وجوه :
الوجه الأوّل : البطلان ، لأنّ الأمر دائر بين أن يأتي بالتشهّد ، فيحتمل زيادته ووقوعه كذلك في حال الالتفات ، وبين أن يتركه فيحتمل نقصه من دون جابر ، لأنّ المفروض أنّ مثل رواية عمّار إنّما هو بصدد بيان علاج نقص الركعة فقط ولا يستفاد منه جبر نقص غيرها الذي هو من أجزائها .
الوجه الثاني : الصحة ، ووجوب التشهّد لاحتمال بقاء محلّه ، وكون هذه الركعة هي الركعة الثانية .
الوجه الثالث : الصحة ، وعدم وجوب التشهّد ، لأنّه يشكّ في وجوبه من جهة الشكّ في كون هذه الركعة هي الثانية أو الثالثة ، فيدفع وجوبه بأصالة البراءة عنه .
وبالجملة : فالمسألة من هذه الجهة محلّ إشكال وإن لم يكن هذا الإشكال مذكوراً في العبارات أصلاً فتتبع .
تتميم
قد عرفت أنّ موردالروايات الواردة في باب الشكوك، يدلّ على خمسة أحكام:
1 ـ الشكّ بحسب الركعات التامّة ، فالمفروض فيها الشكّ بعد تمام الركعة وقبل
(الصفحة510)
الشروع فيما بعدها ، فلو شكّ وهو قائم قبل أن يركع فهو خارج عن مورد الروايات ولكنّ يمكن استفادة حكمه منها .
2 ـ الشكّ بين الخمس والستّ حال القيام ، ولا ريب في أنّه يجب عليه الجلوس ، ليصير الشكّ بين الأربع والخمس ، ولعلمه بزيادة هذا القيام يجب عليه هدمه فيهدمه وينقل شكّه إلى الشكّ بين الأربع والخمس ، وقد عرفت حكمه المستفاد من الروايات الواردة فيه .
3 ـ الشكّ بين الأربع والخمس قائماً ، وقد عرفت حكمه سابقاً في ضمن الصور المتصورة للشكّ بين الأربع والخمس ، وعرفت أنّه صرّح غير واحد بوجوب هدم القيام والجلوس ، فينقلب شكّه إلى الثلاث والأربع ، فيعمل عمل الشاك بينهما ، ويزيد مع ذلك سجدتي السهو لمكان القيام ، وقد عرفت ما فيه من الإشكال ، من أنّه لا موجب لهدم القيام ولا دليل عليه ، بل الظاهر أنّه حال القيام شاك بين الثلاث والأربع بالنسبة إلى الركعات التامّة ، فيجب عليه هدم القيام لأجل حكم الشرع بالبناء على الأكثر فيها لكونه زيادة عليها كما لا يخفى .
4 ـ الشكّ بين الثلاث والأربع والخمس في حال القيام .
5 ـ الشكّ بين الثلاث والخمس في حال القيام ، والحكم فيهما هو الحكم في سابقتهما من هدم القيام لملاحظة الركعات التامة ، ووجوب البناء على الأكثر .
ويمكن الحكم بالبطلان فيها جميعاً ، نظراً إلى الإشكال الذي ذكرنا سابقاً في الشكّ بين الأربع والخمس حال الركوع ، من أنّ هذا المصلّي قد أتى ببعض أجزاء الركعة مع قصد الجزئية ، فعلى فرض وقوعه في محلّه واتّصافه بالجزئية والصحة التأهلية لا معنى لسقوطه عنه ، وخروجه عن هذا الوصف بسبب هدم القيام أو قصد عدم الجزئية .
فحينئذ المحتمل إنّما هو نقص بعض الركعة لإتمامها ، ولا دليل على كون صلاة
(الصفحة511)
الاحتياط جابرة للنقيصة المحتملة إذا كانت أقلّ من الركعة .
نعم لو كان المأتيّ به من الركعة مجرّد القيام ولم يزد عليه شيئاً من القراءة ونحوها ، يمكن أن يقال بعدم الإتيان بشيء من أجزاء الركعة ، نظراً إلى أنّ القيام الذي هو جزء للصلاة هو القيام في حال الذكر والقراءة لا مجرّده ، أو يقال بأنّ الجزء هو القيام للركعة أي الركوع على ما استظهرناه سابقاً في باب ركنية القيام ، فما لم يركع لا يكون قيامه متّصفاً بوصف الجزئية أصلاً . فانقدح من ذلك الإشكال في حكم هذه المسائل والاحتياط ممّا لا ينبغي تركه .
ثمّ إنّ هنا شكوكاً أُخر طارئة بعد تمامية الركعة ، ولكن لم يقع التعرّض لها في شيء من الروايات المتقدّمة ، كالشكّ بين الإثنتين والأربع والخمس بعد تمامية الركعة أو بين الثلاث والأربع والخمس كذلك ، أو بين الإثنتين والثلاث والأربع والخمس كذلك أيضاً ، وفيها وجهان :
الأوّل : الصحة ، نظراً إلى أنّ المستفاد من الروايات الواردة في الشكّ بين الأربع والخمس أنّ احتمال الزيادة مدفوع بأصالة العدم الجارية في جميع موارد احتمال الزيادة ، وإيجاب سجود السهو إنّما هو للذهول والغفلة عن عدد ركعات الصلاة وبعد إلغاء احتمال الزيادة يتحقق المورد بالنسبة الى الروايات الاُخر غير الواردة في الشكّ بين الأربع والخمس .
الثاني : البطلان ، لعدم جريان شيء من الروايات هنا ، أمّا الروايات الواردة في غير الشكّ بين الأربع والخمس ، فلأنّ موردها ما إذا فرض انحصار الاحتمال في النقص ، وأمّا فيما وجد احتمال الزيادة أيضاً فلا يعلم بشمولها له ، وأمّا الروايات الواردة فيه فلأنّ موردها ما إذا فرض انحصار الاحتمال في الزيادة كما لا يخفى . هذا ، ولا يبعد الوجه الأوّل لما ذكر فيه .
(الصفحة512)
كثير الشكّ
قد ورد في حكمه روايات :
منها: رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام) ـ التي رواها المشايخ الثلاثة(رحمهم الله) ـ قال: «إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك، فإنّه يوشكّ أن يدعك، إنّما هو من الشيطان»(1).
ومنها : رواية زرارة وأبي بصير قالا : قلنا له : الرجل يشكّ كثيراً في صلاته حتى لا يدري كم صلّى ولا ما بقي عليه؟ قال : يعيد ، قلنا : فإنّه يكثر عليه ذلك كلّما أعاد شكّ؟ قال : يمضي في شكّه ، ثمّ قال : «لا تعوِّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه ، فإنّ الشيطان خبيث معتاد لما عوّد ، فليمض أحدكم في الوهم ولايكثرنّ نقض الصلاة ، فإنّه إذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليه الشكّ ، قال زرارة : ثمّ قال : إنّما يريد الخبيث أن يطاع ، فإذا عصي لم يعد إلى أحدكم»(2) .
ومنها : مرسلة ابن سنان ـ والظاهر أنّه هو عبدالله بن سنان لرواية فضالة عنه ـ عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك»(3) .
ومنها : رواية عمّار عن أبي عبدالله(عليه السلام) في الرجل يكثر عليه الوهم في الصلاة فيشكّ في الركوع فلا يدري أركع أم لا؟ ويشكّ في السجود فلا يدري أسجد أم لا؟
(1) الكافي 3 : 359 و8 35 ح8 و2; التهذيب 2 : 343 ح 1424; الفقيه 1 : 224 ح989; الوسائل 8 : 227 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب16 ح1 .
(2) الكافي 3 : 358 ح2 ; التهذيب 2 : 188 ح747; الإستبصار 1 : 374 ح1422; الوسائل 8 : 228 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب16 ح2 .
(3) التهذيب 2 : 343 ح 1423; الوسائل 8 : 228 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب16 ح3 .
(الصفحة513)
فقال : «لا يسجد ولا يركع ويمضي في صلاته حتى يستيقن يقيناً . . .»(1) .
ومنها : مرسلة الصدوق قال : قال الرضا(عليه السلام) : «إذا كثر عليك السهو في الصلاة فامض على صلاتك ولا تعد»(2) .
ثمّ إنّ المراد بالسهو المأخوذ في الروايات هل هو خصوص الشكّ أو الأعم منه ومن السهو المصطلح؟ وجهان ، بل قولان : وقد حكي نسبة القول الأوّل إلى الشهرة عن العلاّمة المجلسي ، كما أنّه حكي عن ظاهر المعتبر وأكثر كتب العلاّمة وصريح كشف الرموز والبيان والدروس وغيرها من الكتب الكثيرة للمتأخّرين(3) ، وحكي الثاني عن شرح الألفية وفوائد الشرائع وتعليق الإرشاد وأكثر كتب الشهيد الثاني وبعض آخر(4) .
والظاهر هو القول الأوّل ، توضيحه : إنّا قد حقّقنا في أوّل مبحث الخلل أنّ السهو بحسب معناه اللغوي عبارة عن مطلق الذهول والغفلة عن الواقع ، سواء كان الذاهل ملتفتاً حين ذهوله الى كونه ذاهلاً ومستوراً عنه الواقع ـ ولا محالة يكون حينئذ متردّداً فيه وشاكّاً ـ أم لم يكن متوجّهاً إلى ذهوله ، بل كان غافلاً عنه أيضاً ، ولا محالة يكون معتقداً لخلاف الواقع ، إلاّ أنّ الظاهر أنّ المراد بالسهو المأخوذ في الأخبار هنا هو الشكّ المقابل للسهو بالمعنى المصطلح بينهم ، وذلك لأنّ
(1) التهذيب 2 : 153 ح 604; الاستبصار 1 : 326 ح 1372; الوسائل 8 : 229 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب16 ح5 .
(2) الفقيه 1 : 224 ح 988; الوسائل 8 : 229 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب16 ح6 .
(3) بحار الأنوار 85 : 276; المعتبر 2 : 393; نهاية الأحكام 1 : 533; تذكرة الفقهاء 3 : 322; المنتهى 1 : 411; كشف الرموز 1 : 203; البيان : 151; الدروس 1 : 200; الموجز الحاوي (الرسائل العشر) : 108; مدارك الأحكام 4 : 271; ذخيرة المعاد : 367; مفاتيح الشرائع; 180; مفتاح الكرامة 3 : 333 .
(4) الخلاف 1 : 465 مسألة 210; الغنية : 112 ـ 113; السرائر 1 : 245; جامع المقاصد 3 : 135; روض الجنان : 343; الروضية البهيّة 1 : 339; مسالك الأفهام 1 : 296; مفتاح الكرامة 3 : 333 .
(الصفحة514)
الظاهر أنّ هذه الروايات مسوقة لبيان نفي الأحكام المترتّبة على السهو في صورة الكثرة إمتناناً وتفضّلاً .
وحينئذ نقول : إنّ السهو قد يصير سبباً لترك جزء أو شرط ، وقد يصير موجباً لفعل مانع ، وعلى التقديرين قد يكون الجزء والشرط والمانع جزءً ، أو شرطاً ، أو مانعاً مطلقاً ـ أي في حالتي العمد والسهو ـ وقد لا يكون إلاّ جزءً ، أو شرطاً ، أو مانعاً في خصوص حال العمد والاختيار .
ففيما إذا كان جزءً مثلاً مطلقاً يكون بطلان الصلاة عند تركه مسبباً عن الإخلال به ، ولا مدخل للسهو فيه أصلاً ، فإنّ بطلان الصلاة عند فقدانها للركوع سهواً ليس لأجل السهو عن الركوع ، بل لأجل كونها فاقدة له وهو من الأجزاء الركنية ، ولا مدخلية للسهو في هذه الجهة أصلاً ، وكذلك إيجاد المانع مطلقاً سهواً .
فإنّ الاستدبار السهوي يبطل الصلاة بما أنّه استدبار لا بما أنّه وقع سهواً ، وهذا واضح جدّاً ، ففي هذه الصورة لا يكون للسهو بما هو سهو حكم حتّى يرتفع عند الكثرة .
وأمّا الصورة الثانية فالسهو فيها وإن كان له دخل في الحكم إلاّ أنّ الحكم المترتّب عليه هي الصحة والتمامية ، إذ المفروض اختصاص الجزئية والشرطية والمانعية بحال الاختيار ، ورفع الصحة مع الكثرة مناف للإمتنان الذي سيقت الأخبار لإفادته .
ودعوى أنّ المراد بهذه الأخبار نفي وجوب سجدتي السهو مع الكثرة عند حصول موجبهما ، بمعنى أنّ ما يترتّب عليه سجدتا السهو من الأفعال والأقوال السهوية ، إذا صدر عمّن يسهو كثيراً لا يترتّب عليه شيء حينئذ .
مدفوعة ـ مضافاً إلى أنّه من البعيد تنزيل الإطلاقات الكثيرة على إرادة هذا
(الصفحة515)
المعنى ـ بأنّ ظاهر الروايات إيجاب المضيّ في الصلاة مع الكثرة ، وهو لا ينافي وجوب سجود السهو بعد كونه خارجاً من الصلاة ، فهذا التعبير يشعر بل يدلّ على أنّ المراد نفي ما ينافي المضيّ ممّا لا يكون خارجاً من الصلاة .
فانقدح أنّه لا محيص عن حمل السهو على خصوص الشكّ ، وحمله على إرادة الأعمّ لا يصح ، كما بيّنه المحدّث المجلسي(قدس سره) فيما حكي عنه(1) .
ثمّ إنّه يقع الكلام بعد ذلك في تحديد الكثرة ، فنقول :
في هذا الباب أقوال مختلفة منشؤها رواية واحدة واردة في المقام .
أمّا الأقوال فهي كثيرة بحسب الظاهر :
منها : ما هو المشهور بين المتأخّرين من أنّه يرجع في ذلك إلى العرف ، ونسبه المجلسي في أربعينه إلى الأكثر ، وكذا صاحب الرياض(2) .
ومنها : ما في محكيّ الوسيلة من أن يسهو ثلاث مرات متواليات ، والظاهر أنّه مراد ابن إدريس في السرائر حيث قال : حدّه أن يسهو في شيء واحد أو فريضة واحدة ثلاث مرّات فيسقط بعد ذلك حكمه أو يسهو في أكثر الخمس أعني ثلاث صلوات من الخمس ، فيسقط بعد ذلك حكم السهو في الفريضة الرابعة(3) .
وأمّا الرواية فهي ما رواه الصدوق بإسناده عن محمد بن أبي عمير ، عن محمّد ابن أبي حمزة أنّ الصادق(عليه السلام) قال : «إذا كان الرجل ممّن يسهو في كلّ ثلاث فهو ممّن كثر عليه السهو»(4) . والظاهر أنّ التميّز المقدر بعد كلمة «ثلاث» هي الصلوات
(1) بحار الأنوار 85 : 286 .
(2) تذكرة الفقهاء 3 : 323 مسألة 349; الذكرى 4 : 55 ـ 56; الروضة البهيّة 1 : 339; بحار الأنوار 85 : 281; مفاتيح الشرائع 1 : 180; كفاية الأحكام : 26; رياض المسائل 4 : 250 .
(3) السرائر1 : 248; الوسيلة : 102 .
(4) الفقيه 1 : 224 ح 990; الوسائل 8 : 229 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب16 ح7 .
(الصفحة516)
المفروضات ، واحتمال أن يكون المراد الأعم ، باعتبار حذف المتعلّق الذي هو دليل العموم بعيد جدّاً .
نعم ، يقع الكلام في أنّ المراد من لفظة «كلّ» هل هو استيعاب أفراد الثلاث أو أنّ المراد منها استيعاب أجزائه ، فالمراد على الأوّل أنّ الرجل إذا كان يسهو في كلّ ثلاث من الصلوات ، فهو من أفراد كثير السهو ، وعليه يحتمل أن يكون المراد بـ «الثلاث» الثلاث متوالية ، ويحتمل أن يكون أعمّ .
وعلى الثاني يكون المراد أنّ الرجل إذا كان ممّن يسهو في كلّ واحدة من الثلاث ، فهو ممّن يكثر عليه السهو . ويبعد الاحتمال الأوّل مضافاً إلى بُعد مدخلية الثلاث ، وأنّه بناءً عليه تكون الرواية مجملة من جهة عدم وقوع التحديد فيها إلى وقت وزمان ، وأنّ محقق الكثرة هل السهو في كلّ ثلاث ثلاث ، إلى شهر أو سنة أو ما دام الحياة؟
كما أنّه يبعد الاحتمال الثاني أنّه بناءً عليه لم يكن افتقار إلى التعبير بكلمة «كلّ ثلاث» بل كان المقصود يتأدّى مع حذف كلمة «كلّ» أيضاً ، بل تأديته بدونه أحسن منها معه كما لا يخفى .
ثمّ إنّه يستفاد من رواية زرارة وأبي بصير المتقدّمة أنّ الشكّ في الثلاث الذي يوجب تحقق الكثرة على ما هو مفاد رواية محمد بن أبي حمزة المتقدّمة بناءً على أحد احتماليها ، لا ينحصر بما إذا شكّ في ثلاث صلوات مستقلة صحيحة ، بل يتحقق ذلك أيضاً فيما إذا شكّ في الصلاة بما يوجب بطلانها ثمّ شكّ في إعادتها كذلك ثم شكّ في الصلاة الثالثة المعادة أيضاً .
نعم ، يقع الكلام حينئذ في أنّ الشكّ في الصلاة الثالثة الذي به يتحقق الكثرة هل يوجب رفع حكم الشكّ عنها أيضاً أو أنّها أيضاً باطلة؟ وحكم الشكّ إنّما
(الصفحة517)
يرتفع بالنسبة إلى الصلاة الرابعة وما بعدها من الصلوات ، كما أنّه يستفاد من رواية عمّار المتقدّمة أنّ الكثرة تتحقق أيضاً بالشكّ في الأفعال ، لأنّ المفروض فيها هو الشكّ في الركوع والسجود ونحوهما .
والظاهر أنّ المراد بالشكّ في الركوع المذكور فيه ليس الشكّ الذي دخل في تحقق موضوع الكثرة ، إذ حينئذ لا يكون وجه لعدم ترتيب الأثر عليه ما دام لم يتحقق ، كما هو المذكور في الرواية ، حيث وقع النهي فيها عن السجود والركوع والأمر بالمضيّ في الصلاة حتى يستيقن يقيناً .
ثمّ إنّ الشكّ مع قطع النظر عن الكثرة قد يترتّب عليه وجوب إعادة أصل الصلاة ، وقد يترتّب عليه وجوب تدارك الفعل المشكوك في حال الصلاة ، وقد يترتّب عليه وجوب سجدتي السهو بعد الصلاة كما في الشكّ بين الأربع والخمس على ما عرفت ، وقد لا يترتّب عليه شيء كما إذا كان بعد تجاوز المحل .
لا إشكال في تحقق موضوع الكثرة المؤثّر في رفع الحكم المترتّب على الشكّ عدا الصورة الأخيرة من هذه الصور الأربعة ، وأمّا فيها فيشكل ذلك نظراً إلى أنّ الشكّ فيها لا يترتب عليه حكم حتّى يرتفع مع الكثرة ، فلو تكرّر منه الشكّ في السجود مثلاً بعد التجاوز عن محله لا يصير بذلك كثير الشكّ ، فلو شكّ فيه بعد ذلك قبل التجاوز يعمل عمل الشاك ويرجع لتداركه ، كما أنّه لو كان شكّه المتكرّر بالنسبة إلى فعل خاصّ ، فالظاهر أنّه لا يعامل مع الأفعال الاُخر أيضاً معاملة كثير الشكّ ، بل يعمل معها عمل الشاكّ كما هو ظاهر .
ثمّ إنّه هل يلحق بكثير الشكّ ـ في عدم ترتّب حكم الشكّ عليه ـ كثير الظنّ ، فلا يترتّب على ظنّه الكثير ما يترتّب على الظنّ مع قطع النظر عن الكثرة ، أو أنّ ارتفاع الحكم بسبب الكثرة إنّما هو في خصوص الشكّ؟ وجهان :
الظاهر هو الوجه الأوّل فيما لو تعلّق ظنّه بالبطلان أو بعدم الإتيان بما يجب
(الصفحة518)
عليه الإتيان به ، وذلك لما يستفاد من التعليل الوارد في بعض الأخبار المتقدّمة من أنّ منشأ ذلك هو الشيطان(1) ، وهو يريد أن يطاع ، والاعتناء به إطاعة له ، وحينئذ فلا يبعد الإلحاق من جهة تنقيح المناط .
ثمّ إنّه هل يتعيّن على كثير الشكّ المضيّ في الصلاة وعدم الاعتناء بشكّه ، أو أنّ الأمر بالمضي مجرّد ترخيص من الشارع ، فيتخيّر بين عدم الاعتناء وبين الاعتناء ، والعمل بمقتضى شكّه إن فاسداً ففاسدٌ ، وإن احتياطاً فاحتياطٌ ، وإن تداركاً فتداركٌ ، كما ربّما ينسب إلى بعض الأعاظم(2)؟ وجهان :
الظاهر من الروايات هو الوجه الأوّل ، وعليه فلو اعتنى بشكّه وأتى بالمشكوك مع عدم التجاوز عن المحل ، وكان ركناً كالركوع ونحوه ، بطلت صلاته من جهة زيادة الركن ، لأنّ مرجع الأمر بالمضيّ مع كثرة الشكّ إلى رفع اليد عن جزئية الركوع ، وكون الصلاة في حق كثير الشكّ هي الصلاة ، ولو كانت فاقدة للركوع ، فالاتيان بالمشكوك مع ذلك إتيان بما هو زائد على الصلاة المأمور بها في حقّه ، وزيادة الركن مبطلة ، نعم لو لم يكن المشكوك من الأجزاء الركنية وأتى به بقصد القربة كالقراءة ، فالظاهر صحّة صلاته .
شكّ الإمام مع حفظ المأموم وبالعكس
هذا النوع من الشك; من جملة الشكوك التي لا اعتبار بها أو قامت الأمارة على أحد طرفيها ، ولا يخفى أنّه لم يوجد بعد التتبع في كتب القدماء من الأصحاب رضوان الله عليهم التعرّض لهذه المسألة أصلاً . نعم ذكره الشيخ الطوسي(رحمه الله) في
(1) الوسائل 8 : 228 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب16 ح2 .
(2) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري : 418 .
(الصفحة519)
كتابي النهاية والمبسوط .
قال في المبسوط فيما إذا سهى الإمام بما يوجب سجدتي السهو : فإن كان المأموم ذاكراً ذكّر الإمام ونبّهه عليه ، ووجب على الإمام الرجوع إليه(1) .
فإنّ وجوب الرجوع إلى المأموم إنّما هو في صورة الشكّ والتردّد ، لا التذكّر والعلم بالواقع ، فمفاده أنّ الإمام مع الشكّ يرجع إلى المأموم إذا كان ذاكراً .
وقال في النهاية : ولا سهو على من صلّى خلف إمام يقتدى به ، وكذلك لا سهو على الإمام إذا حفظ عليه من خلفه ، فإن سهى الامام والمأمومون كلّهم أو أكثرهم أعادوا الصلاة احتياطاً(2) .
وهذه العبارة وإن كان لها ظهور في المقام ، إلاّ أنّ ذيلها لا يخلو من النظر ، لأنّه لم يعلم وجه الإعادة فيما إذا سهى الإمام والمأمومون ، كما أنّ عبارة المبسوط لا تكون وافية بجميع المدّعى كما هو غير خفيّ .
نعم قال الشيخ في الاقتصاد : ومن سهى في صلاة خلف إمام يقتدى به لا سهو عليه ، وكذا لا سهو على الإمام إذا حفظ عليه من خلفه(3) . وهذه العبارة تدلّ بتمامها على المدّعى في المقام .
وأمّا المتأخّرون فقد تعرّضوا للمسألة ، وهم بين من نسب إلى الأصحاب القطع بذلك ، كما في المحكي عن المدارك والذخيرة(4) ، وبين من نسب هذا الحكم إلى الأصحاب كما في محكيّ كشف الالتباس(5) ، وبين من نفى الخلاف فيه كما فيما حكي
(1) المبسوط1 : 124 .
(2) النهاية : 93 ـ 94 .
(3) الاقتصاد : 266 .
(4) مدارك الاحكام 4 : 269; ذخيرة المعاد : 369; مستند الشيعة 7 : 213 .
(5) مفتاح الكرامة 3 : 341; حكاه عنه .
(الصفحة520)
عن المفاتيح والرياض(1) .
وليعلم أنّ ذلك إنّما هو فيما يتعلّق الشك بكلّ من الإمام أو المأموم مع حفظ الآخر ، وأمّا مسألة صدور موجب سجدة السهو من واحد منهما دون الآخر فقد كانت مبحوثاً عنها بين القدماء(2) أيضاً ، وحكي عن فقهاء الجمهور أنّه يجب على المأموم متابعة الإمام في سجود السهو ، وإن لم يعرض له السبب(3) .
ولا يجب على المأموم سجود السهو لو اختصّ بعروض السبب على خلاف فيه من مكحول الشامي حيث حكي عنه أنّه قال : إن قام مع قعود إمامه سجد للسهو(4) . كما أنّه وقع الخلاف فيما لو عرض السهو لكلّ منهما ، وكذا بالنسبة إلى المأموم فيما لو عرض السهو للإمام فيما بقي من صلاته ، مع كون المأموم مسبوقاً بأن لحق المأموم مع الإمام ركعة أو ما زاد عليها ثمّ سهى الإمام فيما بقي عليه .
وقد تعرّض الشيخ أكثر هذه الفروع في كتاب الخلاف ، ولكنّ تعليله لعدم وجوب المتابعة في الفرع الأخير لا يخلو من إجمال بل اضطراب ، ولكنّه تعرّض لها في المبسوط بنحو أحسن وأصحّ ، ولا بأس بنقل عبارته في الكتابين فنقول :
قال الشيخ في الخلاف : إذا لحق المأموم مع الإمام ركعة أو ما زاد عليها ثمّ سهى الإمام فيما بقي عليه ، فإذا سلّم الإمام وسجد سجدتي السهو لا يلزمه أن يتبعه ، وكذلك إن تركه متعمّداً أو ساهياً لا يلزمه ذلك ، وبه قال ابن سيرين . وقال باقي الفقهاء : إنّه يتبعه في ذلك .
(1) مفاتيح الشرائع 1 : 179; رياض المسائل 4 : 255; مستند الشيعة 7 : 213; الحدائق 9 : 268 .
(2) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى) 3 : 35; الخلاف 1 : 463 مسألة 206; المبسوط 1 : 123; المعتبر 2 : 394 ـ 395; الذكرى 4 : 57 ـ 61 .
(3) المجموع 4 : 146; المغني لابن قدامة 1 : 731; الشرح الكبير 1 : 730; بداية المجتهد 1 : 200; تذكرة الفقهاء 3 : 326 .
(4) بداية المجتهد 1 : 271 .
(الصفحة521)
دليلنا : انّه قد ثبت أنّ سجدتي السهو لا تكونان إلاّ بعد التسليم ، فإذا سلّم الإمام خرج المأموم فيما بقي من أن يكون مقتدياً به ، فلا يلزمه أن يسجد بسجوده(1) .
وقال في المبسوط ـ فيما إذا دخل المأموم على الإمام في أثناء صلاته ، فيه مسئلتان; إحداهما : إذا سهى الإمام فيما بقي من الصلاة . والثانية : وهي إذا كان قد سهى فيما مضى قبل دخول المأموم في صلاته معه ـ ما هذا لفظه في المسألة الاُولى : فإذا سلّم الإمام وسجد للسهو لم يتّبعه المأموم في هذه الحالة ، ويؤخّر حتّى تمّم صلاته ، ويأتي بسجدتي السهو ، لأنّ سجدتي السهو لا تكونان إلاّ بعد التسليم ، وهو لم يسلّم بعد ، لأنّ عليه فائتاً من الصلاة يحتاج أن يتمّمه ، فإن أخلّ الإمام بسجدتي السهو عامداً أو ساهياً أتى بهما المأموم إذا فرغ من الصلاة ، لأنّهما جبران للصلاة ، ولا يجوز تركهما(2) .
ولنرجع إلى ما كنّا فيه ونقول : إنّ الدليل في المقام هي الروايات الصادرة عن الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين ، وهي :
1 ـ ما رواه الكليني عن عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن رجل ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه سئل أبا عبدالله(عليه السلام) عن إمام يصلّي بأربع نفر أو بخمس فيسبّح إثنان على أنّهم صلّوا ثلاثاً ، ويسبّح ثلاثة على أنّهم صلّوا أربعاً ، يقولون هؤلاء : قوموا ، ويقولون هؤلاء : اُقعدوا ، والإمام مائل مع أحدهما ، أو معتدل الوهم ، فما يجب عليهم؟ قال : ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه باتّفاق (بايقان خ ل) منهم ، وليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام ، ولا سهو في سهو ، وليس في المغرب سهو ، ولا في الفجر سهو ، ولا في
(1) الخلاف 1 : 464 مسألة 208 .
(2) المبسوط1 : 124 .
(الصفحة522)
الركعتين الأوّلتين من كلّ صلاة سهو ، (ولا سهو في نافلة خ ل) فإذا اختلف على الإمام من خلفه فعليه وعليهم في الاحتياط الإعادة والأخذ بالجزم» . ورواه الصدوق بإسناده عن إبراهيم بن هاشم في نوادره(1) ، ولكنّ لم يعلم أنّه رواه فيها مرسلاً أو مسنداً .
2 ـ وما رواه الشيخ بإسناده عن سعد ، عن أحمد بن محمد ، عن موسى بن القاسم وأبي قتادة ، عن عليّ بن جعفر . وبإسناده عن محمد بن عليّ بن محبوب ، عن محمد بن الحسين ، عن موسى بن القاسم ، عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه قال : سألته عن الرجل يصلّي خلف الإمام لا يدري كم صلّى ، هل عليه سهو؟ قال : «لا»(2) .
3 ـ وما رواه ابن مسكان عن الهذيل(3) عن أبي عبدالله(عليه السلام) في الرجل يتّكل على عدد صاحبته في الطواف ، أيجزيه عنها وعن الصبي؟ فقال : «نعم ، ألا ترى أنّك تأتمّ بالإمام إذا صلّيت خلفه ، فهو مثله»(4) .
هذا ، ولكنّ الرواية الاُولى مضافاً إلى كونها مجملة لا ظهور لها في كون المراد بالسهو هو السهو والذهول عن الواقع المقارن مع التردد والشكّ ، وعلى تقديره فلابدّ من تقييدها بما إذا حفظ المأموم في الجملة الاُولى ، وبما إذا حفظ الإمام في الجملة الثانية .
وأمّا مرسلة يونس ، فدلالتها على الحكم في المقام ظاهرة ، كما أنّه لا يبعد
(1) الكافي 3 : 358 ح5; الفقيه 1 : 231 ح1028; التهذيب 3 : 54 ح187; الوسائل 8 : 241 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب24 ح8 .
(2) التهذيب 2 : 350 ح 1453 وج3 : 279 ح818 ; الوسائل 8 : 239 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب24 ح1 .
(3) الظاهر أنّ المراد به هو الهذيل بن صدقة باعتبار رواية ابن مسكان عنه لا هذيل بن حيان الذي هو أخو جعفر ابن حيّان، وهو وإن لم يكن ممّن صرّح بتوثيقه إلاّ أنّه يمكن أن يستفاد وثاقته من رواية ابن مسكان عنه كما لا يخفى «المقرّر».
(4) الفقيه 2 : 254 ح 1233 ، الوسائل 8 : 242 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب24 ح9 .
(الصفحة523)
دعوى ظهور رواية عليّ بن جعفر فيه أيضاً ، باعتبار أنّ الظاهر كون فاعل «لا يدري» هو الضمير الذي يرجع إلى الرجل الذي يصلّي خلف الإمام; وظاهره حينئذ أنّ الشكّ منحصر به والإمام حافظ ذاكر وهذا لا فرق فيه بين أن تكون العبارة خلف الإمام كما في موضع من التهذيب(1) أو خلف إمام كما في موضع آخر منه(2) .
كما أنّه لا فرق بين أن يكون المراد بقوله : «لا يدري كم صلّى» هو أن لا يكون حافظاً لشيء من أعداد الركعات أصلاً ، بأن لا يدري واحدة صلّى أم اثنتين أم ثلاثاً أم أربعاً وهكذا ، وبين أن يكون المراد به أعمّ من هذه الصورة ومن الجهل بالركعات ، ولو كان له يقين بأن كان شكّه بين الإثنتين والثلاث ، أو بين الثلاث والأربع ، أو غيرهما من الشكوك .
وأمّا رواية ابن مسكان فهي وإن كان صدرها لا يخلو عن الاضطراب ، لأنّ المفروض في موردها أنّ الرجل يتّكل في عدد أشواط الطواف على عدد صاحبته ، ولا يلائم ذلك السؤال عن إجزائه له عنها أو عن الصبي كما لا يخفى ، إلاّ أن يوجّه بأنّ الجار متعلّق بأمر مقدّر ، والمراد إجزاء أخذ العدد عنها أو عن الصبي ، إلاّ أنّ ذلك لا يقدح في الاستدلال بها للمقام ، لأنّها تدلّ على أنّ رجوع كلّ من الإمام والمأموم إلى الآخر كان أمراً مسلّماً مفروغاً عنه .
نعم ، يستفاد منها بملاحظة التعليل جواز الرجوع فيما اعتبر فيه العدد إلى الغير مطلقاً ، وهو بهذا النحو لم يظهر الفتوى به من الأصحاب .
وكيف كان فلا إشكال بالنظر إلى الروايات وفتاوى المتأخّرين في أصل
(1) التهذيب 3 : 279 ح 818 .
(2) التهذيب 2 : 350 ح 1453 .
(الصفحة524)
المسألة ، وإن كان التعجّب لا يكاد ينقضي من جهة عدم تعرّض كثير من القدماء له أصلاً مع كونه ممّا يعمّ به البلوى ، لما عرفت من أنّه لم يتعرّض له إلاّ الشيخ(قدس سره)(1) .
ثمّ إنّه لا إشكال في رجوع كلّ من الإمام والمأموم إلى الآخر إذا كان الراجع شاكّاً والمرجوع إليه قاطعاً ، وهذا لا فرق فيه بين أن يكون المأموم واحداً أو متعدّداً ، رجلاً أو امرأة ، بل وإن كان صبيّاً مميّزاً بناءً على شرعيّة عبادة الصبي كما هو الحق ، لإطلاق قوله : «من خلفه» ، الشامل لجميع من ذكر كما هو ظاهر .
إنّما الإشكال في رجوع الشاكّ إلى الظانّ وكذا رجوع الظانّ إلى القاطع ، ظاهر عبارة السيّد(رحمه الله) في عروته رجوع الظانّ إلى المتيقّن وعدم رجوع الشاكّ إلى الظانّ إذا لم يحصل له الظنّ(2) ، ولكنّ الظاهر أنّ العكس لا يخلو من قوّة ، فإنّ دليل اعتبار الظنّ ـ مطلقاً أو في الجملة ـ في الصلاة يجعل الظانّ بحكم القاطع ، فلا وجه لرجوعه إليه .
نعم ظاهر مرسلة يونس المتقدّمة اعتبار كون الحفظ على طريق اليقين بناءً على أن يكون الصادر هي كلمة «بإيقان» ولكنّه لم يثبت ، فيحتمل أن يكون الصادر هي كلمة «باتّفاق» كما في بعض النسخ .
ثمّ إنّه إذا كان الإمام شاكّاً والمأمومون مختلفين من حيث الاعتقاد ، بأن اعتقد بعضهم أنّه صلّى الركعة الرابعة مثلاً ، وبعضهم أنّه لم يصلّها بعد ، فالظاهر بمقتضى المرسلة غيرها أنّه لا يرجع إليهم أصلاً إلاّ إذا حصل له الظنّ ، فيعمل على طبق ظنّه لأدلّة اعتباره . نعم إذا كان بعض المأمومين متيقّناً وبعضهم الآخر شاكّاً ، فالظاهر أنّ الإمام يرجع إلى الحافظ منهم وإن كان ظاهر
(1) راجع 2 : 518 .
(2) العروة الوثقى 1 : 82 6 مسألة 6 .
(الصفحة525)
المرسلة ، ـ بناءً على أن يكون الصادر هي كلمة «باتّفاق» ـ وكذا ظاهر ذيلها هو عدم جواز الرجوع ، إلاّ أنّ هذه الكلمة لم يثبت صدورها ، والذيل محتمل لأن يكون المراد بالاختلاف فيه هو الاختلاف في الاعتقاد كما لا يخفى ، مضافاً إلى أنّه مجمل لا يمكن التشبّث به . وكيف كان فالظاهر جواز رجوع الإمام إلى الحافظ منهم إلاّ أنّ رجوع الشاكّ منهم إلى الامام إذا لم يحصل الظنّ له ولا لهم فمورد تردّد وإشكال ، والأحوط الإعادة .
ثمّ إنّه إذا كان كلّ من الإمام والمأموم شاكّاً ، فتارة يكون شكّهم متّحداً ، كما إذا شكّ الجميع بين الثلاث والأربع مثلاً ، واُخرى يختلف شكّ الإمام مع شكّ المأموم ، وفي هذه الصورة قد يكون بين الشكّين قدر مشترك وقد لا يكون كذلك ، لا إشكال في الصورة الاُولى في وجوب معاملة كلّ منهما عمل ذلك الشاك ، كما أنّه لا إشكال في الصورة الثالثة فيوجوب معاملة كلّ منهما عمل شكّه المختصّ به .
وأمّا الصورة الثانية كما إذا شكّ الإمام بين الثنتين والثلاث والمأموم بين الثلاث والأربع ، فقد يقال فيها كما قيل : برجوع كلّ منهما إلى القدر المشترك الذي هي الثلاث في المثال ، لأنّ الإمام حافظ بالنسبة إلى عدم الزيادة على الثلاث ، فيجب أن يرجع المأموم إليه ويلغي شكّه بالنسبة إلى الأربع ، والمأموم حافظ بالنسبة إلى عدم النقصان عن الثلاث ، فيجب أن يرجع الإمام إليه ويلغي احتمال الإثنتين ، وإذا لغى احتمال الأربع والإثنتين يبقى القدر المشترك في البين .
هذا ، ولكنّ الظاهر يقتضي العدم ، لأنّ كلاًّ منهما في نفسه لا يكون حافظاً أصلاً ، بل متردّداً وشاكّاً ، فلا معنى لرجوع الآخر إليه ، بل في هذه الصورة أيضاً كالصورة الثالثة يجب أن يعمل كلّ منهما عمل شكّه المختصّ به .
ثمّ إنّه إذا كان أحدهما كثير الشكّ والآخر حافظاً ، فهل يعمل من كثر شكّه
(الصفحة526)
عمل كثير السهو ، أو يرجع إلى حفظ الآخر؟ وجهان ، والظاهر هو الوجه الثاني ، لأنّ لسان الأدلة الدالة على رجوع غير الحافظ إليه نفي السهو عن غير الحافظ ، وأنّه لا يكون له سهو ، والموضوع في أدلّة كثير السهو هو من كثر سهوه ومع حفظ الآخر لا يكون في البين سهو أصلاً . وإن شئت قلت : إنّ دليل كثير الشكّ المقتضي لعدم الاعتناء بشكّه إنّما هو من قبيل الأصول العملية ، ومقتضى ظاهر الأدلة الواردة هنا طريقية حفظ الحافظ لغيره ، ومن المعلوم أنّه لا مجال للأصل مع وجود الأمارة ، فتدبّر .
|