(الصفحة301)
الخاصّة التي توجّه إليها الإمام ، وحينئذ فيظهر بطلان الجماعة في الصورة المفروضة من المأمومين الواقفين في مقابل الإمام .
ثمّ إنّه اعتبر بعض العامّة في الجماعة أمراً آخر عدا الاُمور الأربعة التي ذكرناها ، وهو تتميم الصفوف وعدم تشكيل صفّ قبل تمامية الصفّ المتقدّم ، وأنّه متى كان في الصفّ المتقدّم محلّ للمأموم الداخل لا يجوز له الوقوف خلف ذلك الصفّ(1) ، وكذا اعتبر بعض المتأخّرين من الخاصّة أيضاً أمراً آخراً ، وهو المتابعة في الأفعال بل الأقوال ، وسيأتي التكلّم في اعتبارها .
إذا نوى الاقتداء ثمّ انكشف فقدان بعض ما يعتبر في الجماعة
إذا نوى الاقتداء وصلّى ثمّ انكشف فقدان بعض ما يعتبر في الجماعة من الأوصاف المعتبرة في الإمام ، أو خصوصيّات النسبة بين موقف الإمام والمأموم ، سواء انكشف فقدانه من أوّل الأمر أو من الأثناء ، كما إذا انكشف وقوفه في موضع عال بقدر معتدّ به ، أو تحقق البعد الكثير أو الحائل القادح بينه وبين المأموم ، أو تقدّم المأموم على الإمام أو غير ذلك من الاُمور المعتبرة في صحة الصلاة جماعة ، لا في صحة أصل الصلاة .
فإن أخلّ بوظائف المنفرد كما إذا أخلّ بالقراءة في الأوليين أو زاد ركناً لأجل المتابعة ، أو رجع في شكّه إلى حفظ الإمام وبنى عليه مع كون مقتضى الأصل خلافه ، فلا إشكال في بطلان أصل صلاته كبطلان جماعته ، وإن لم يخلّ بوظائف المنفرد ففي صحة أصل صلاته بعد بطلان جماعته إشكال .
ولا يذهب عليك أنّ هذه المسألة ممّا تفطّن لها المتأخّرون ، ولم يقع لها تعرّض
(1) المغنى لابن قدامة 2: 42; الشرح الكبير 2 : 64; المجموع 4: 298 ; تذكرة الفقهاء 4: 249 مسألة 549 .
(الصفحة302)
في كتب القدماء بهذا العنوان ، لا من أصحابنا الإمامية ولا من العامة .
نعم، يظهر من تعرّضهم لبعض فروعات المسألة القول ببطلان أصل الصلاة ، كما يظهر من تتبّع كتب الشيخ وغيره . ولنذكر بعضاً من العبارات الظاهرة في ذلك فنقول:
قال الشيخ في الخلاف: لا يجوز أن يؤمّ اُمّي بقارئ فإن فعل أعاد القارئ الصلاة . وقال فيه أيضاً: إذا وقف المأموم قدّام الإمام لم تصح صلاته . وقال فيه أيضاً: إذا صلّى في مسجد جماعة وحال بينه وبين الإمام والصفوف حائل لا تصح صلاته(1) .
وقال في المبسوط: إذا رأى رجلين يصلّيان فرادى ، فنوى أن يأتمّ بهما لم تصحّ صلاته ، لأنّ الاقتداء بإمامين لا يصحّ . وقال : وإذا نوى أن يأتمّ بأحدهما لا بعينه لم يصحّ .
وقال: إذا صلّى رجلان فذكر كلّ واحد منهما أنّه إمام صحّت صلاتهما ، وإن ذكر كلّ واحد منهما أنّه مأموم بطلت صلاتهما ، وإن شكّا فلم يعلم كلّ واحد منهما أنّه إمام أو مأموم لم تصحّ أيضاً صلاتهما ، لأنّ الصلاة لا تنعقد إلاّ مع القطع(2) . وأيضاً حكم ببطلان صلاة المأموم فيما إذا تقدّم على الإمام ، وكذا فيما إذا كان بينه وبين الإمام البعد المفرط ، وكذا فيما إذا كان بينهما حائل . إلى غير ذلك من كلماته الظاهرة في بطلان أصل الصلاة مع كون مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين ما لو أخلّ بوظائف المنفرد وما لو لم يخل(3) .
وقال السيّد في الانتصار في مسألة الاقتداء بولد الزناء: الظاهر من مذهب
(1) الخلاف 1: 550 ، 555 ، 556 مسألة 291 و299 و300 .
(2) المبسوط1: 152 و 153 .
(3) المبسوط 1 : 155 ـ 156 .
(الصفحة303)
الإمامية أنّ الصلاة خلفه غير مجزئة ، والوجه في ذلك والحجّة له الاجماع وطريقة براءة الذمّة(1) . وقال في مسألة المنع من إمامة الفاسق: دليلنا الاجماع المتكرّر وطريقة اليقين ببراءة الذمّة . . .(2) .
وقال القاضي في المهذب: إذا رأى إنسان رجلين يصلّيان ونوى الائتمام بواحد منهما غير معيّن لم تصحّ صلاته ، وإذا رأى اثنين يصلّيان ، أحدهما مأموم والآخر إمام، فنوى الائتمام بالمأموم لم تصحّ صلاته ، وإذا صلّى رجلان فذكر كلّ منهما . . . أنّه مأموم لم تصحّ صلاتهما(3) .
وقال الحلّي في السرائر: وإذا اختلفا ، فقال كلّ واحد منهما للآخر كنت أئتمّ بك ، فسدت صلاتهما وعليهما أن يستأنفا(4) . وقال أيضاً: ولا تصحّ الصلاة إلاّ خلف معتقد الحقّ بأسره ، عدل في ديانته . . .(5) .
وقال المحقّق في المعتبر: ولا تصحّ وبين الإمام والمأموم حائل يمنع المشاهدة ، وهو قول علمائنا . وقال فيه أيضاً: ولا يقف المأموم قدّام الإمام ، وتبطل به صلاة المؤتم وهو قول علمائنا . . .(6) .
وقال العلاّمة في القواعد: الثالث: عدم تقدّم المأموم في الموقف على الإمام ، فلو تقدّمه المأموم بطلت صلاته(7) ، وفي مفتاح الكرامة في شرح هذه العبارة: قد نقل الإجماع على هذا الشرط في التذكرة ، ونهاية الأحكام في آخر كلامه ،
(1) الانتصار : 158 .
(2) الإنتصار : 157 .
(3) المهذّب 1: 81 .
(4) السرائر 1 : 288 .
(5) السرائر 1 : 280 .
(6) المعتبر2: 416 و 422 .
(7) قواعد الأحكام 1 : 314 .
(الصفحة304)
والمنتهى ، والذكرى ، والغريّة ، وإرشاد الجعفرية ، والمدارك ، والمفاتيح ، وظاهر المعتبر ، والكفاية . وفي الأول والرابع والخامس الاجماع على أنّه لو تقدّمه بطلت سواء كان عند التحريمة أو في أثناء الصلاة(1) .
وفي القواعد أيضاً: السادس عدم علوّ الإمام على موضع المأموم بما يعتدّ به ، فتبطل صلاة المأموم لو كان أخفض(2) . وفي مفتاح الكرامة في شرح العبارة : عند علمائنا كما في التذكرة، وعملا برواية عمّار المؤيّدة بعمل الأصحاب ، إذ ليس لها في الفتوى مخالف(3) . . . . وفي القواعد أيضاً: ولو نوى كلّ من الإثنين الإمامة لصاحبه صحّت صلاتهما ، ولو نويا الائتمام أو شكّا فيما أضمراه بطلتا(4) .
وفي المفتاح في شرحه: أمّا البطلان في الأول فعليه الاجماع ، كما في التذكرة ونهاية الأحكام ، وعمل الأصحاب كما في الروض والمسالك والذخيرة(5) . وفي التحرير حكم ببطلان صلاة المأموم إذا كان أسفل أو متقدّماً على الإمام ، وفيما إذا ائتمّ القارئ بالاُمّي(6) إلى غير ذلك من العبارات الظاهرة في بطلان أصل الصلاة .
ودعوى كون الغالب الاخلال بوظائف المنفرد ، وعليه ينزل إطلاق عبائرهم .
مدفوعة بعد ملاحظة كثرة المأموم المسبوق بركعتين أو أزيد ، وعدم سقوط القراءة في الأخيرتين ، وبعد ملاحظة جواز القراءة في الأوليين مع عدم سماع قراءة الإمام في الصلوات الجهرية ولو همهمة ، بل لعلّه كان المشهور وجوبها في هذه الصورة وبعد ملاحظة قلّة موارد زيادة الركن لأجل المتابعة ، وكذا الرجوع إلى
(1) مفتاح الكرامة 3 : 417 .
(2) قواعد الأحكام 1 : 315 .
(3) مفتاح الكرامة 3 : 427 .
(4) قواعد الأحكام 1 : 315 .
(5) مفتاح الكرامة 3: 431 .
(6) تحرير الأحكام 1 : 51 و 53 .
(الصفحة305)
حفظ الإمام كما لا يخفى .
وكيف كان، فقد ورد في الفرع الذي وقع التعرّض له في أكثر العبارات المتقدّمة رواية واحدة وهي رواية السكوني عن أبي عبدالله ، عن أبيه(عليهما السلام) قال: «قال أمير المؤمنين(عليه السلام) في رجلين اختلفا فقال أحدهما: كنت إمامك ، وقال الآخر : أنا كنت إمامك ، فقال: صلاتهما تامّة» ، قلت: فإن قال كلّ واحد منهما: كنت أئتمّ بك ، قال: «صلاتهما فاسدة وليستأنفا»(1) .
فإنّ الحكم ببطلان صلاتهما في الفرض الأخير مع ترك الاستفصال عن الاخلال بوظائف المنفرد وعدمه خصوصاً مع ملاحظة ما ذكرنا من عدم كون فرض العدم نادراً ، لا ينطبق إلاّ على كون وجود الإمام معتبراً في صحة صلاة المقتدي لا في صحة أصل الاقتداء ، حتّى لا ينافي بطلانه صحة أصل الصلاة .
وحمل الفساد المحمول على الصلاة على فسادها من حيث كونها جماعة خلاف ظاهر الرواية ، وكذا ظاهر العبارات المتقدّمة بل بعضها ممّا لا يمكن حملها على ذلك ، فإنّ إيجاب الإعادة كما حكم به الشيخ فيما إذا ائتمّ قارئ باُمّي(2) لا يكاد ينطبق على بطلان خصوص الجماعة فقط كما هو ظاهر ، مع أنّ البطلان رتب على الائتمام كذلك لا على فقدان القراءة ونحوها .
هذا، ويؤيّد البطلان بل يدلّ عليه رواية زرارة المتقدّمة الواردة في مسألة الحائل(3) ، فإنّ ظاهرها نفي أصل الصلاة مع وجود السترة ، أو الجدار ، أو كون الفصل بين الصفوف قدر ما لا يتخطّى ، وفيها عبارات ظاهرة في بطلان أصل
(1) الكافي 3: 375 ح3; الفقيه 1 : 250 ح1123; التهذيب 3: 54 ح186; الوسائل 8: 352 . أبواب صلاة الجماعة ب29 ح1 .
(2) الخلاف 1: 550 مسألة 291 .
(3) الوسائل 8 : 407 أبواب صلاة الجماعة ب59 ح1 .
(الصفحة306)
الصلاة ، وكذا رواية عمّار الساباطي المتقدّمة(1) الواردة في باب العلوّ الظاهرة في أنّه لو قام الإمام على شبه دكّان أو سقف والمأمومون على الأرض لا تكون صلاة المأمومين بمجزية أو جائزة أصلا كما لا يخفى ، ومن هنا يمكن نسبة الفتوى بذلك إلى الكليني والصدوق والشيخ بإيرادهم هذه الروايات في جوامعهم ، بل وإلى أرباب الجوامع التي أخذها هؤلاء منها ، كجامع حسين بن سعيد وغيره من الجوامع الأوّليّة .
هذا ، ولكن ظاهرجعل تلك الاُمور شروطاً لعنوان الجماعة دون أصل الصلاة ، أنّ الاخلال بشيء من تلك الاُمور يوجب عدم تحقق ذلك العنوان دون عنوان الصلاة ، فيصير مقتضى القاعدة حينئذ عدم البطلان فيما لو لم يخل بوظائف المنفرد .
ولكن في مقابل القاعدة ، الأقوال المتقدّمة والروايات الكثيرة الظاهرة في بطلان أصل الصلاة دون القدوة فقط ، ومن هنا يشكل الأمر ، ولأجله ذهب صاحب الجواهر وكثير من المتأخّرين إلى الصحّة نظراً إلى القاعدة المعتضدة بالروايات الواردة فيما لو فقد بعض أوصاف الإمام مثل ما ورد فيما لو انكشف كون الإمام على غير وضوء ، أو كونه كافراً ، أو مستدبراً ، أو غير قاصد لعنوان الصلاة ممّا يدلّ على صحة صلاة المأمومين وعدم وجوب الإعادة عليهم .
بدعوى عدم ظهور الفرق بين مورد هذه الروايات وبين سائر الموارد ، وأنّه يستفاد من تلك الروايات بأنّه مع عدم تحقق الاقتداء لأجل فقد بعض ما له دخل فيه ، لا موجب لعدم تحقق عنوان الصلاة أيضاً(2) .
ولكن يرد عليه أنّ ظاهر تلك الروايات الصحّة ولو مع الاخلال بوظائف
(1) الوسائل 8 : 411 . أبواب صلاة الجماعة ب63 ح1 .
(2) جواهر الكلام 14; 2 ـ 12 .
(الصفحة307)
المنفرد ، إذ من البعيد عدم تحقق الاخلال فيما لو صلّى الرجل من خراسان إلى بغداد خلف رجل ظهر كونه يهوديّاً مع بعد المسافة بينهما وطول المدّة في الطريق خصوصاً في الأزمنة السابقة ، مع أنه مورد بعض تلك الروايات(1) .
هذا ، مضافاً إلى أنّه يمكن دعوى الفرق بأنّ فقدان شيء من أوصاف الإمام لا يضرّ بتحقّق عنوان الجماعة الذي مرجعه إلى جعل المأمومين واحداً واسطة في مقام العبادة والخضوع ، بحيث كانت عبادتهم تابعة لعبادته ، وخضوعهم متعقباً لخضوعه ، بل المعتبر أصل وجود الإمام الذي يكون حافظاً لوحدتهم ناظماً لاجتماعهم ، ولا يعتبر في تحقّقها إلاّ مجرّد إحراز كونه واجداً للشرائط ، ولو لم يكن واجداً لها واقعاً .
وهذا بخلاف ما إذا تحقق الفصل بينهما ، أو كان هناك حائل ، أو تقدّم المأموم على الإمام ، فإنّه مع ذلك لا يكاد يتحقّق عنوان الجماعة ، وبه يختلّ نظامها ، وإن شئت قلت في الفرق بين المقامين: إنّ النزاع في المقام إنّما هو فيما لو انكشف فقدان ما هو الشرط ، والمفروض في تلك الروايات تحقّقه ، إذ ليس الشرط هو الإسلام الواقعي ، وكذا الطهر الواقعي ، وكذا غيرهما من الأوصاف المعتبرة في الإمام ، بل المعتبر هو إحراز تلك الأوصاف ولو بأمارة أو أصل ، والمفروض فيها تحقق ما هو الشرط ، فلا يقاس المقام بذلك أصلا .
وكيف كان، فلا مجال لرفع اليد عن رواية السكوني المتقدّمة الدالّة على وجوب الاستئناف فيما إذا قال كلّ واحد منهما: كنت أئتمّ بك ، خصوصاً بعد كونها معمولا بها هنا لدى الجميع ، وإن كان الصدوق لا يعمل بما انفرد به السكوني تبعاً لشيخه «ابن الوليد» إلاّ أنه أيضاً أفتى على طبق روايته هنا ، فلا مجال لطرحها .
(1) الوسائل 8: 374 . أبواب صلاة الجماعة ب37 ح1 و 2 .
(الصفحة308)
وقد عرفت أنّ حمل وصف الفساد على الفساد من حيث الجماعة ـ نظراً إلى بعض العبارات الواقعة في أدلّة اعتبار تلك الاُمور في الجماعة كقوله(عليه السلام) في رواية زرارة الواردة في البعد والحائل: «إن صلّى قوم وبينهم وبين الإمام ما لا يُتخطّى فليس ذلك الإمام لهم بإمام»(1) ـ خلاف الظاهر ، لأنّه مضافاً إلى ظهور بعض العبارات الاُخر في بطلان أصل الصلاة بل وأظهريّته من ذلك لا يمكن هذا الحمل في رواية السكوني الظاهرة في وجوب الاستئناف ، كما لا يخفى .
كما أنّ دعوى تعارض الظهورين ووجوب الرجوع إلى القاعدة التي تقتضي الصحّة كما عرفت; مندفعة ، بأنّه لا مجال لها مع وجود الدليل الاجتهادي الحاكم بوجوب الإعادة والاستئناف .
فالإنصاف أنّه لابدّ من الحكم بالبطلان في مورد رواية السكوني وما يشابهه من الموارد التي يكون فقدان بعض الاُمور المعتبرة فيها موجباً لاختلال نظم الجماعة ، ومخلاًّ بالوحدة التي بها تتقوّم الجماعة ، ويحكم بالفرق بينها وبين ما لو انكشف فقدان بعض أوصاف الإمام كما عرفت .
مسألة: اعتبار قصد القربة من حيث الجماعة وعدمه
قال في العروة: لا يعتبر في صحة الجماعة قصد القربة من حيث الجماعة ، بل يكفي قصد القربة في أصل الصلاة ، فلو كان قصد الإمام من الجماعة هو الجاه ، أو مطلب آخر دنيويّ ولكن كان قاصداً للقربة في أصل الصلاة صحّ ، وكذا إذا كان قصد المأموم من الجماعة سهولة الأمر عليه أو الفرار من الوسوسة . . .(2) .
(1) الوسائل 8: 410 . أبواب صلاة الجماعة ب62 ح2 .
(2) العروة 1: 605 مسألة 22 .
وعلّق على الحكم بالصحّة في الفرض الأول سيّدنا العلاّمة الأستاذ (مدّ ظلّه العالي) في حاشية العروة ص59 قوله: وهذا في غاية الإشكال ، ولكنّه لم يستشكل فيه أحد من محشّي العروة إلاّ بعض الأعاظم من المعاصرين ، بل زاد على مجرّد الإشكال قوله: وهذا ممّا تزلّ منه أقدام الرجال . «المقرّر».
(الصفحة309)
ولا بأس ببسط الكلام في هذا المقام في النيّة وتحقيق حال الخصوصيات المفردة المقرونة مع الطبيعة المكتنفة بها ، فنقول:
قال بعض الأعاظم من المعاصرين في كتاب صلاته في هذا المقام ما ملخّصه: إنّ إيجاد الضمائم المتّحدة مع الصلاة من جهة الأغراض الدنيوية مع قصد القربة في أصل الصلاة يتصوّر على وجوه:
أحدها: أن يكون الداعي إلى إيجادها متولّداً من أمر الشارع المتعلّق بالطبيعة ، بمعنى أنّ إرادة امتثال أمر الشارع ألجأه إلى تعيين فرد من بين أفراد الطبيعة ، ولولا أمر الشارع بإيجادها لم يكن له داع إلى إيجاد ذلك الفرد أصلا ، ولمّا أمره بإيجاد أصل الطبيعة وصار عازماً على ذلك ودار أمره بين هذا الفرد وباقي الأفراد ، رجّح هذا الفرد لكونه موافقاً لبعض الأغراض الدنيوية ، وهذا لا مجال لتوهّم الإشكال فيه .
ثانيها: أن يكون ما يترتّب عليه الغرض الدنيويّ عنواناً غير عنوان العبادة يمكن اتحادهما في الخارج ، ويمكن انفكاكهما ، كما إذا فرض حصول الغرض بنفس الكون في مكان خاصّ ، سواء اتّحد مع الصلاة أم لا ، فأوجد الصلاة بهذا الكون بواسطة الأمر بها .
ثالثها: أن يحصل الغرض الدنيوي بالصلاة على وجه خاصّ ، وفي كلّ من القسمين الأخيرين بعد فرض كفاية أمر الآمر في إيجاد العمل، وإن لم يضمّ إليه داع آخر ، إمّا أن يكون الداعي الآخر أيضاً يكفي في إيجاد العمل وإن لم يكن أمر الآمر مؤثّراً ، وإمّا أن يكون ضعيفاً .
ثمّ قال ما ملخّصه: إنّه قد عرفت عدم الإشكال في صحة القسم الأول من الأقسام المذكورة ، وهو أن يكون الداعي الراجع إلى نفسه إنّما نشأ من أمر المولى
(الصفحة310)
بمعنى أنّ أمر المولى لمّا ألجأه إلى إيجاد الطبيعة من دون اقتضاء لخصوص فرد من الأفراد ، اختار الفرد الخاصّ منها لجهة من الجهات الراجعة إلى نفسه ، كاختيار الماء البارد في الصيف للوضوء ، والماء الحارّ في الشتاء .
وأمّا القسم الثاني، فالظاهر أنّه بقسميه كالأوّل، ومطابق لما ذكر فيه . وأمّا القسم الثالث فيشكل الأمر فيه مطلقاً ، سواء كان الداعي الآخر ضعيفاً أو قويّاً ، لأنّ العمل الخاصّ مستند إلى المجموع في كلتا الصورتين ، ثمّ بيّن الفرق بينه وبين القسم الثالث وذكر في طريق التخلّص أنّه يمكن رفع اليد عن الغرض الدنيويّ والإغماض منه ، بناءً على ما قرّرناه في الاُصول من كون الإرادة من الأفعال الاختيارية للنفس ، وأنّه لا طريق للتخلّص على غير هذا المبنى .
ثمّ بيّن حكم الضمائم الراجحة وأنهى الأمر بعد ذلك إلى الضميمة المحرّمة، وقال فيها ما ملخّصه: إنّ الضميمة المحرّمة إن كانت مرغّبة في عرض داعي الأمر، فبطلان العبادة بعد فرض اعتبار الاخلاص معلوم ، مضافاً إلى الأخبار الكثيرة ، وإن كانت موجبة لترجيح فرد من بين أفراد الطبيعة المأمور بها ، فمقتضى القاعدة عدم البطلان .
ثمّ حكى عن شيخنا المرتضى بطلان عمل المرائي مطلقاً ، من دون فرق بين ما إذا كان داخلا في أصل العمل أو في ترجّح بعض أفراده على بعض ، وأنّ الرياء ليس كالضميمة المباحة غير القادحة في ترجيح بعض الأفراد على بعض(1) ، ثمّ استشكل في الحكم بالبطلان في القسم الثاني ، وذكر جملة من الأخبار الواردة في الرياء ، وقال: إنّ الناظر في أخبار الباب يكاد يقطع بأنّ المحرّم والممنوع والمبطل للعبادة هو إظهار عبادة الله تعالى مع أنّه لا يكون كذلك في نفسه ، لا مطلق الاظهار ولو كان
(1) كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري 2 : 104 ، الأمر الثالث من بحث الرياء .
(الصفحة311)
مطابقاً لما في نفسه(1) . إنتهى ملخّص موضع الحاجة من كلامه ، زاد الله في علوّ مقامه .
تحقيق حول الرياء والجاه
الظاهر في باب الرياء ما أفاده شيخنا المرتضى(قدس سره) من عدم الفرق في بطلان العمل بين ما إذا كان داخلا في أصل العمل ومرغّباً في عرض داعي الأمر ، سواء كان ضعيفاً أو قويّاً ، وبين ما إذا صار محرّكاً لترجيح بعض الخصوصيات المفردة المقترنة مع الطبيعة في الوجود المكتنفة بها على البعض الآخر .
ودعوى عدم دلالة الأخبار الواردة في باب الرياء على بطلان العمل في الصورة الثانية .
ممنوعة ، خصوصاً مثل قول أبي جعفر(عليه السلام) في رواية زرارة وحمران: «لو أنّ عبداً عمل عملا يطلب به وجه الله والدار الآخرة وأدخل فيه رضى أحد من الناس كان مشركاً»(2) ، أفلا يصدق على مثل ذلك العمل أنّه أدخل فيه رضى أحد من الناس؟ وكذا قول أبي عبدالله(عليه السلام) في رواية عليّ بن سالم: «قال الله تعالى: أنا أغنى الأغنياء عن الشريك ، فمن أشرك معي غيري في عمل لم أقبله إلاّ ما كان خالصاً»(3) .
هذا ، مضافاً إلى أنّ الرياء بحسب الغالب إنّما يكون في الخصوصيات دون أصل الطبيعة ، لأنّه لا يكاد يتحقّق الرياء بالنسبة إلى أصل الإتيان بالصلاة من
(1) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري : 456 ـ 461 .
(2) المحاسن 1 : 212 ح384; الكافي 2 : 293 ح3; عقاب الأعمال: 289 ح1; الوسائل 1: 67 . أبواب مقدّمة العبادات ب11 ح11 .
(3) الزّهد: 63 ح167; الوسائل 1: 73 . أبواب مقدّمة العبادات ب12 ح11 .
(الصفحة312)
المسلم ، فإنّه لا يترك الصلاة حتّى يكون الإتيان بها رياء ، فالرياء الذي قد يصدر من المسلم إنّما هو في الخصوصيات المقترنة مع أصل الطبيعة الموجبة لترجيح بعض أفرادها على بعض ، فالأخبار الواردة فيه لو لم نقل بشمولها لمثل ذلك لكان اللازم أن يقال بكونها مسوقة لبيان حكم بعض الأفراد النادرة كما لا يخفى .
وبالجملة: فلاينبغي الإشكال في البطلان في هذا القسم .
إنّما المهمّ في الباب ملاحظة حال ما لو كان الترجيح لبعض الخصوصيات والأفراد على البعض الآخر ، مستنداً إلى الجاه ، دون الرياء الذي وردت فيه الروايات الكثيرة الدالّة على حرمته وبطلان العمل به ، مضافاً إلى كونه منافياً لقصد التقرّب المعتبر في العبادة(1) .
والكلام في الجاه قد يقع من حيث الحكم التكليفي المتعلّق به ، وأنّه هل يكون محرّماً أم لا؟ وقد يقع من جهة الحكم الوضعي وأنّه هل يكون مبطلا للعبادة من جهة دعوى منافاته لقصد التقرّب المعتبر في العبادة أم لا؟ وقد يقع فيما تقتضيه الأدلّة الخاصّة الواردة فيه فنقول:
لا ينبغي الارتياب في أنّ الجاه قد يترتّب عليه بعض من الأمور المهمّة الدينية ، كترويج المعروف وحصول الاجتناب عن بعض المعاصي بسببه ، وفي هذا الفرض لا إشكال في جواز تحصيل هذا الجاه لهذا الغرض بل وجوبه ، وكذا في جواز حفظه بعد وجوده بل وفي وجوبه ، وليس حبّ تحصيل مثل ذلك أو حفظه من الرذائل الأخلاقية والمبغوضات الشرعية كما هو واضح .
وقد لا يترتّب عليه ذلك ، ولكنّه في صورة اقترانه بالعبادة لا يتجاوز عن مجرّد تعلّق الحبّ بهذا المقدار ، وهو أن يكون مجرّد الإمامة التي يترتّب عليها متابعة
(1) راجع الوسائل 1 : 64 و 70 . أبواب مقدّمة العبادات ب 11 و 12 .
(الصفحة313)
المأمومين في أفعالهم له ، وركوعهم بركوعه ، وسجودهم بسجوده محبوباً له ، فلا يكون له غرض زائد على هذا المقدار بل يكون حبّه متعلقاً بخصوص ذلك .
ولا خفاء في كون هذا الجاه ـ تحصيلا وحفظاً ـ من النقائص الأخلاقية المعدودة في علم الأخلاق من الرذائل ، وكان المهذّبون للنفس من الأعلام يبعّدون هذه الرذيلة عن أنفسهم ولو بالرياضة والمجاهدة ، إنّما الإشكال في كونه مبطلا للعمل مع تعلّقه ببعض خصوصيّاته ، والظاهر أنّه لا فرق بينه وبين الرياء من هذه الجهة .
لأنّ مقتضى التأمّل في الأخبار الواردة في باب الرياء أنّ قدحه في العمل ليس لأجل حرمته ، بل لأجل عدم اجتماعه مع الخلوص والقربة المعتبر في العبادة ، وهذه الجهة مشتركة بينه وبين الجاه ، فحينئذ يكون الإتيان بالصلاة في جماعة لأجل الجاه موجباً لبطلانها ، والحكم بالصحّة كما في متن العروة على ما عرفت في غاية الإشكال .
وجوب متابعة المأموم للإمام
من أحكام الجماعة وجوب متابعة المأموم للإمام مطلقاً أو في خصوص الأفعال ، وقد حكي الاجماع عليه مستفيضاً(1) ولكنّها لم تقع بعنوانها مورداً للحكم بالوجوب في الروايات الكثيرة الواردة في الباب ، لأنّ موردها ـ كما سيجيءـ بعض فروعات المسألة .
نعم، الظاهر أنّ الجمهور حكموا بوجوبها بعنوانها ، والدليل لهم في هذا الباب النبويّ: «إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به . . .» . هذا ، ويستفاد من الروايات الواردة من
(1) المعتبر 2: 421; المنتهى 1: 379; مدارك الأحكام 4: 326; مفاتيح الشرائع 1: 162; جواهر الكلام 13: 201; مستند الشيعة 8 : 94; الذخيرة: 398 .
(الصفحة314)
طرقنا أنّ وجوب المتابعة كان أمراً مسلّماً بين المتشرّعة ، ولكنّه لم يكن مورداً لمراعات جميع الناس ، ولذا وقع فيها السؤال عن عدم مراعاتها .
ثمّ إنّ لترك المتابعة فردين على ما في كلام الفقهاء:
أحدهما: تقدّم المأموم على الإمام في الركوع ، أو السجود ، أو نحوهما ، أو في الأقوال على القول بوجوب المتابعة فيها أيضاً .
ثانيهما: تخلّف المأموم عن الإمام في ظرف وجود الفعل ، أو القول من الإمام ، كما إذا تأخّر عنه في الركوع حتّى يرفع رأسه مثلا .
ثمّ إنّ قوله(صلى الله عليه وآله) : «إذا ركع فاركعوا» كما ورد في جميع ما ورد في هذا الباب المذكور في الصحاح الستّ منقولا عن ستّة من الصحابة متفرّعاً على قوله(صلى الله عليه وآله): «إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به ، أو إنّما الإمام ليؤتمّ به» الصادر منه(صلى الله عليه وآله) على ما يستفاد من المجموع ، وكذا قوله: «إذا سجد فاسجدوا» كما في البعض(1) ، هل يستفاد منه إيجاب أن يكون ركوع المأموم أو سجوده في ظرف فراغ الإمام عن الركوع أو السجود ، حتّى كانت مخالفته متحقّقة بركوع المأموم أو سجوده ، حتّى في ظرف ركوع الإمام أو سجوده ، أو يستفاد من ذلك المنع من التقدّم والردع عن السبق إليهما ، والمخالفة حينئذ تتحقّق بركوع المأموم أو سجوده قبل اشتغال الإمام بهما؟
وعلى الثاني هل المراد إيجاب كون ركوع المأموم أو سجوده في زمان حدوثه من الإمام ، بمعنى كون الواجب عليه أن يكون متابعاً له في الحدوث وإن تخلّف عنه في البقاء ، أو أنّ المراد وجوب المتابعة ما دام كونه في الركوع؟ فإذا رفع رأسه قبل أن يرفع الإمام رأسه منه خالف في بقاء المتابعة ، كما يستفاد من الأخبار الآتية
(1) صحيح البخاري 1: 190 ح688 و 689; سنن الترمذي 1: 376 ح361; صحيح مسلم 4: 112 ح 86 و ص113 ح89; سنن النسائي 2 : 90 ح790; سنن أبي داود 1: 164 ح603 و 604 و 605; سنن ابن ماجة 1: 392 .
(الصفحة315)
الواردة من طرقنا ، حيث أمر بإعادة الركوع فيما إذا رفع رأسه قبل الإمام ، وهذا بخلاف الوجه الأول ، فإنّ المخالفة فيه إنّما تتحقّق بأنه لم يتابع الإمام في الحدوث وإن تابعه في البقاء .
هذا، والظاهر أنّ العرف لا يكاد يستفيد من هذه العبارة ، الوجه الأول الراجع إلى لزوم أن يكون حدوث الفعل من المأموم عقيب انقضائه من الإمام ، بحيث كان ركوعه بعد فراغ الإمام من ركوعه ، بل الظاهر منها لزوم أن لا يكون ركوع المأموم سابقاً على ركوع الإمام حدوثاً ، بأن يتقدّم عليه فيه ويسبقه .
كما أنّ الظاهر بعد ذلك هو كون الغرض اجتماعهما في الفعل ، بأن لا يتقدّم عليه ولا يتأخّر عنه تأخّراً فاحشاً ، ويؤيّد ذلك الروايات الواردة من طرقنا التي سيجيء نقلها والتكلّم في مفادها .
ثمّ إنّ الروايات الواردة من طرقنا كثيرة:
منها: رواية ربعي بن عبدالله والفضيل بن يسار عن أبي عبدالله(عليه السلام) قالا: سألناه عن رجل صلّى مع إمام يأتمّ به ، فرفع رأسه من السجود قبل أن يرفع الإمام رأسه من السجود؟ قال: «فليسجد»(1) .
ومنها: رواية سهل الأشعري عن أبي الحسن(عليه السلام) قال: سألته عمّن ركع مع إمام يقتدي به ثمّ رفع رأسه قبل الإمام؟ قال: «يعيد ركوعه معه»(2) .
ومنها: رواية محمّد بن عليّ بن فضال(3) عن أبي الحسن(عليه السلام) قال: قلت له:
(1) التهذيب 3: 48 ح 165; الفقيه 1: 258 ح 1173; الوسائل 8: 390 . أبواب صلاة الجماعة ب48 ح1 .
(2) الفقيه 1: 258 ح 1172; التهذيب 3: 47 ح163; الاستبصار 1: 438 ح 1688; الوسائل 8: 390 . أبواب صلاة الجماعة ب48 ح2 .
(3) الظاهر عدم وجود هذا العنوان بين الرواة ، لأنّ عليّ بن فضال كان له ابن واحد وهو الحسن المعروف الذي يروي عن الرضا(عليه السلام) ، وكان له أبناء ثلاثة: محمد وعليّ وأحمد ، وعليه فيحتمل أن يكون محمد هذا منسوباً إلى جدّه «عليّ بن فضال» ، لا إلى أبيه (حسن بن عليّ بن فضال)، وعليه فلابدّ أن يكون المراد بأبي الحسن هو أبا الحسن الثالث(عليه السلام) ، لكنّه يبعّده عدم وجود مثل ذلك في الأسانيد ، كما لا يخفى (منه) .
(الصفحة316)
أسجد مع الإمام فأرفع رأسي قبله اُعيد؟ قال: «أعد واسجد»(1) .
ومنها: رواية حسن بن عليّ بن فضال قال: كتبت إلى أبي الحسن الرضا(عليه السلام)في الرجل كان خلف إمام يأتمّ به ، فيركع قبل أن يركع الإمام وهو يظنّ أنّ الإمام قد ركع ، فلمّا رآه لم يركع رفع رأسه ثمّ أعاد ركوعه مع الإمام ، أيفسد ذلك عليه صلاته أم تجوز تلك الركعة؟ فكتب: «تتمّ صلاته ، ولا تفسد صلاته بما صنع»(2) .
ومنها: رواية عليّ بن يقطين قال: سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن الرجل يركع مع الإمام ثمّ يقتدي به ثمّ يرفع رأسه قبل الإمام؟ قال: «يعيد ركوعه معه»(3) .
والظاهر أنّ مورد الروايات هو ما لو أخلّ المأموم بالمتابعة جهلا منه بفعل الإمام ، وأنّه هل رفع رأسه من الركوع أو السجود أم لا؟ أو أنه هل ركع أم لا؟ ولا يشمل صورة العمد ولا مورد نسيان أصل الجماعة أو الصلاة .
ويؤيّده قول الراوي في رواية ابن فضّال: «وهو يظنّ أنّ الإمام قد ركع» ، فالمورد خصوص ما لو كان الإخلال بالمتابعة مسبّباً عن مظنّة تحقق الفعل المتابع فيه من الإمام كما لا يخفى ، وبذلك يجمع بينها وبين رواية غياث بن إبراهيم(4) قال: سئل أبو عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الامام ، أيعود فيركع إذا أبطأ الإمام ويرفع رأسه معه؟ قال: «لا»(5) . بحملها على ما لو أخلّ المأموم بالمتابعة
(1) التهذيب 3: 280 ح 824 ; الوسائل 8 : 391 . أبواب صلاة الجماعة ب48 ح5 .
(2) التهذيب 3 : 277 ح 811 وص280 ح823 ; الوسائل 8 : 391 . أبواب صلاة الجماعة ب48 ح4 .
(3) التهذيب 3: 277 ح 810 ; الوسائل 8: 391 . أبواب صلاة الجماعة ب48 ح3 .
(4) هو من فضلاء المحدّثين من العامّة ، له كتاب في الفقه ، رواه عن جعفر بن محمّد(عليهما السلام)، ولذا رموه بالضعف وعدم الوثاقة .
(5) الكافي 3: 384 ح 14; التهذيب 3: 47 ح 164 ; الاستبصار 1: 438 ح 1689; الوسائل 8: 391 . أبواب صلاة الجماعة ب48 ح6 .
(الصفحة317)
عمداً ورفع رأسه من الركوع قبل الإمام كذلك ، كما حملها الشيخ(رحمه الله) على ذلك .
وبه ترتفع المعارضة الواقعة بينها وبين تلك الروايات منطوقاً ، كما بالنسبة إلى البعض ، ومفهوماً كما بالإضافة إلى البعض الآخر .
هذا ، ويمكن الجمع بينهما بحمل هذه على ما لو كان الإمام ممّن لا يقتدى به ، وحمل تلك على ما لو كان هناك إمام يقتدى به كما وقع في أكثرها التصريح به .
ثمّ إنّ ما عدى رواية ابن فضال واردة فيمن رفع رأسه من السجود أو الركوع قبل رفع الإمام رأسه ، ومن الواضح في مثل هذا المورد تحقق الركوع أو السجود من المأموم ، لأنّ المفروض أنّه لم يخلّ بالمتابعة في إحداثهما وأنّه ركع وسجد معه .
وحينئذ يقع الكلام في أنّ الركوع أو السجود المعاد بعد رفع الرأس هل كان إيجابه لغرض حفظ الوحدة فقط ، والتشاكل والانتظام المتقوّم بالمتابعة في الأفعال ، فلا يكون له موجب إلاّ ذلك ، ولا يكون ركوعاً وسجوداً حقيقيّاً بل صورة الركوع والسجود ، أو أنّ بقاء الإمام في ركوعه أو سجوده وعدم رفع رأسه منهما يوجب أن لا يكون رفع المأموم رأسه من ركوعه أو سجوده مضرّاً ببقاء ركوعه أو سجوده بعد اعادته والالتحاق بالامام ، غاية الأمر أنّ البقاء بالنسبة إلى الإمام حقيقيّ وبالنسبة إلى المأموم شرعيّ، فلم يتحقّق منه شرعاً إلاّ ركوع واحد وسجود واحد؟
وجهان:
الظاهر هو الوجه الثاني ، لأنّ ظاهر الأمر بالإعادة أنّ الركوع أو السجود المعاد إدامة للركوع أو السجود الأول ، وأنّه لا ينبغي نفاده قبل رفع الإمام رأسه ، ويترتّب على الوجهين أنّه على الوجه الثاني لابدّ من الإتيان بالذكر المعتبر في الركوع والسجود لو لم يأت به في الأول منهما ، وهذا بخلاف الوجه الأول ، فإنّه لا يلزم عليه الإتيان به كما لا يخفى .
(الصفحة318)
هذا ، وأمّا رواية ابن فضّال فهي واردة فيما لو ركع قبل أن يركع الإمام، وحينئذ يقع الكلام في أنّ جواز الإعادة هل هو لأجل كون ركوعه الأول الواقع قبل الإمام غير مجز وأنّ الركوع المحسوب جزءً من الصلاة هو الركوع المعاد الذي تابع فيه الإمام ، أو أنّ الركوع الثاني قد شرع لغرض حفظ الوحدة والانتظام كما عرفت؟، وجهان:
وسيجيء التعرّض لمسألة السبق إلى الركوع إن شاء الله تعالى .
وجوب المتابعة شرطي أو تكليف نفسي؟
إنّ المتابعة في الأفعال فقط أو الأقوال أيضاً هل هي واجبة شرطاً أو أنّ المستفاد من الأدلّة حكم تكليفيّ نفسيّ كان الغرض منه حفظ الانتظام وتحقق الوحدة كما هو المشهور(1)؟
وعلى تقدير الشرطية هل هي شرط لصيرورة الفعل المتابع فيه متّصفاً بوصف الجزئية للصلاة ، فلا يحسب الركوع الذي لم يتابع فيه ركوعاً للصلاة ، فيجب عليه إعادته لكي لاتخلو صلاته من ركوع ، أو أنّ المتابعة شرط لاتّصاف الفعل المتابع فيه بكونه واقعاً في جماعة، أو أنّ المتابعة شرط لأصل صحة الصلاة بحيث كان الإخلال بها مضرّاً بصحتها؟، وجوه واحتمالات:
الظاهر أنّه لا محيص في هذا الباب عن الالتزام بما عليه المشهور من عدم كون الوجوب شرطيّاً ، لعدم دلالة الروايات على أزيد من حكم تكليفيّ ، وليس فيها إشعار بدخالة المتابعة في الصلاة أو في الجماعة ، نعم قد يقال كما قيل: بأنه لا فرق بين الرواية النبوية الواردة في المتابعة الظاهرة في إيجابها وإيجاب الركوع إذا ركع الإمام
(1) تذكرة الفقهاء 4 : 347 مسألة 606; نهاية الأحكام 2 : 135 ـ 136; الذكرى 4: 445; مدارك الأحكام 4 : 328 ـ 329; جواهر الكلام 13 : 210 .
(الصفحة319)
وكذا السجود والتكبير(1) ، وبين ما ورد في باب الوضوء من قوله تعالى: {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق . . .}(2) من جهة إفادة الشرطية .
فكما أنّه لا إشكال في أنّ مفاد هذه الآية الشريفة بيان اشتراط الصلاة بالوضوء ، وأنّ الأمر به أمر إرشادي والغرض منه الإرشاد إلى شرطية الوضوء للصلاة لا وجوبه في نفسه ، فكذلك لا ينبغي الإشكال في ظهور الرواية النبوية الدالّة على أنّه «إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به» في اشتراط المتابعة في صحة القدرة ، ولا فرق بين الآية والرواية من هذه الجهة أصلا .
هذا ، ولكنّ الأمر ليس كما ذكره ، فإنّه هناك حيث يكون في البين عنوان آخر متعلّق للوجوب ، وقد علّق وجوب الوضوء على إرادة القيام إليه لا يكاد يفهم من ذلك إلاّ مدخلية الوضوء في حصول الغرض من الأمر المتعلّق بذلك العنوان ، وأنّه لا يكاد يحصل ذلك الغرض إلاّ بعد كون الإتيان به في حال كونه متوضّئاً وممتثلا للأمر المتعلّق بالوضوء .
وأمّا هنا فإنّه وإن كان في البين عنوان آخر أيضاً; وهو الائتمام، وقد تعلّق به الأمر الاستحبابي ، إلاّ أنه لا تكون الرواية بصدد بيان اشتراطه بشرط مثل نية الائتمام مثلا ، فإنّك عرفت سابقاً أنّ هذه الرواية على تقدير صدورها عن النبيّ(صلى الله عليه وآله)قد صدرت بعد مضيّ سنين متعدّدة من إقامته بالمدينة ، مع أنّه كانت الصلاة جماعة متداولة بين المسلمين من أوّل قدوم النبيّ(صلى الله عليه وآله) بها بل قبل قدومه .
ولا ينبغي توهّم كون الجماعة متداولة بينهم سنين تقرب من عشر ، وبعد ذلك
(1) راجع 3 : 314 .
(2) المائدة: 6 .
(الصفحة320)
بيّن النبيّ(صلى الله عليه وآله) أنّها تحتاج إلى كذا وكذا ، فالرواية لا تكون بصدد بيان هذه الجهة أصلا ، بل التأمّل فيها يقضي بكون مفادها بيان نفس الائتمام بما له من المعنى عند العرف ، وأنّ الاقتداء والائتمام في باب الصلاة معناه هو الاقتداء المتداول بين الناس في أمورهم الاجتماعية التي من شأنها جعل واحد منهم رئيساً ومتبوعاً .
فكما أنّ الاقتداء عرفاً وجعل واحد متبوعاً في جهة من الجهات لا يكاد يتحقّق إلاّ بمتابعته في الجهة التي اقتدى به في تلك الجهة ، فإنّه مع الاخلال بالمتابعة لا يكاد يرى تابع ومتبوع لتقوّمه بالانتظام والوحدة ، فكذلك الاقتداء في باب الصلاة .
وبالجملة: فالرواية ناظرة إلى أنّ جعل الإمام إنّما هو كجعله في سائر الاُمور الاجتماعية التي يكون الغرض من جعل المتبوع فيها معلوماً لكلّ واحد من الناس ، فكما أنّ الغرض منها هو الائتمام بالمتبوع والمتابعة له في الجهة التي كان فيها متبوعاً ، كذلك الغرض من جعل الإمام في باب الجماعة في الصلاة هو الائتمام به والاقتداء والتبعية له .
فغاية نظر الرواية هو بيان معنى الائتمام في لسان الشرع ، وأنّه هو المعنى العرفي المعهود بين أهل العرف في أمورهم العادية ، وليست بصدد إفادة اشتراط الائتمام بشيء أصلا حتّى يكون الاخلال به موجباً لعدم تحقّقه .
وإن شئت قلت: إنّ صدور هذه الرواية بعد مضيّ سنين متعدّدة من زمان الإتيان بالصلاة في جماعة دليل على عدم بطلان الصلاة بالاخلال بالمتابعة ، وإن كانت الرواية ظاهرة في وجوبها ، لأنّ تعرّض النبيّ(صلى الله عليه وآله) لذلك إنّما هو لأجل ردع بعض من المصلّين في جماعة ، حيث لم يكن يراعى المتابعة مسامحة ، فالرواية بصدد بيان إيجابها ردعاً لمن لم يراع ، وحينئذ فمع عدم مراعاته في طول سنين وعدم بيان النبيّ(صلى الله عليه وآله) يستكشف عدم كون الاخلال بها مضرّاً بصحّة أصل الصلاة أو القدوة .
|