(الصفحة321)
فانقدح من جميع ذلك أنّه لابدّ من الالتزام بما عليه المشهور من عدم كون وجوب المتابعة وجوباً شرطياً أصلا .
ثمّ إنّه على التقديرين ـ أي الوجوب النفسي للمتابعة أو الشرطي الراجع إلى مدخليتها في الصحة ـ هل الواجب هي المتابعة في جميع الأفعال أو معظمها؟ وجهان:
الظاهر هو الوجه الأول لقوله(صلى الله عليه وآله) : «إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به» الظاهر في لزوم الائتمام والمتابعة ما دام كونه إماماً ، وما ذكر متفرّعاً عليه فإنّما هو على سبيل المثال ، والغرض وجوب المتابعة في جميع الأفعال والهيئات الصادرة عن الامام من قيام وقعود وانحناء وسجود ووضع ورفع .
واحتمال كون الواجب خصوص المتابعة في معظم الأفعال مع أنّه لا يتجاوز عن حدّ الاحتمال ولا يكاد يساعده ظواهر شيء من الأدلّة مجمل جدّاً ، لأنّه لم يعلم أنّ المراد هو المعظم مفهوماً أو مصداقاً ، وعليه يقع الاختلال في الجماعة ، لأنّه يختار أحد المتابعة في الركوع والآخر المتابعة في السجود والثالث المتابعة في غيرهما ، وكيف كان فلا مجال لهذا الاحتمال أصلا .
ويقع الكلام بعد ذلك بناءً على استفادة الوجوب الشرطي من الرواية النبويّة: «إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به» في أنّ الاقتداء العملي والمتابعة المستفادة شرطيّتها هل هو شرط بالنسبة إلى مجموع الصلاة ، بحيث كان الاقتداء في كلّ فعل شرطاً في اتّصاف مجموع الصلاة بوصف الوقوع في جماعة وكان الاخلال بالمتابعة ولو في فعل واحد مانعاً عن اتّصاف الصلاة بذلك الوصف ، أو أنّ المتابعة في كلّ فعل شرط لوقوع نفس ذلك الفعل جماعة ، بحيث زاد ثواب خصوص ذلك الفعل على ما لو وقع فرداً بخمس وعشرين درجة ، أو بأربع وعشرين(1) ، فالاخلال بالمتابعة في الركوع مانع عن اتّصافه بكونه ركوعاً قدويّاً ، ولا يقدح في اتّصاف السجود بهذا
(1) راجع الوسائل 8 : 285 . أبواب صلاة الجماعة ب 1 .
(الصفحة322)
الوصف لو لم يقع الاخلال بالمتابعة فيه؟
ولا يبتنى ذلك على أنّ الصلاة هل هي اسم لنفس الأفعال والأقوال والهيئات الواقعة فيها التي يوجد شيء منها وينعدم، ويوجد شيء آخر ، أو أنها عبارة عن الخضوع والخشوع المتحقّق بالشروع، ويستمر إلى آخر الأفعال؟ وذلك لأنّه على التقدير الثاني أيضاً يمكن البحث في أنّ الصلاة التي هي عبارة عن الأمر الواحد الذي يستمرّ بعد وجوده ، هل يكون وقوعها في جماعة مشروطاً برعاية المتابعة في جميع الأفعال الواجبة معه ، بحيث كان الاخلال بها ولو في خصوص التسليم مضرّاً ومانعاً عن وقوع شيء منها كذلك ، أو أنّ المتابعة في كلّ فعل شرط لوقوع الحال المقارن معه متّصفاً بوصف الجماعة؟
وكيف كان، فعلى تقدير استفادة الشرطية يقع الكلام في أنّ المشروط له المتابعة هل هو المجموع أو الأبعاض؟ ولا يذهب عليك أنّ إجمال الرواية على هذا التقدير دليل على ما ذكرنا من عدم كونها بصدد إفادة الوجوب الشرطيّ أصلا حتّى يقع فيها الاجمال من هذه الحيثية ، بل مفادها مجرّد الحكم التكليفيّ النفسي ، ولا تقدح مخالفته بصحّة الصلاة ولا بصحّة الاقتداء أصلا كما لا يخفى .
ثمّ إنّك عرفت أنّ الروايات الواردة من طرقنا أكثرها واردة في رفع الرأس من الركوع أو السجود قبل الإمام ، وبعضها وارد في خصوص السبق إلى الركوع ، ولابدّ لنا من التكلّم في هذين الفرعين فنقول:
فروع:
الفرع الأول: رفع الرأس من الركوع أو السجود قبل الإمام
لو رفع الرأس من الركوع أو السجود قبل أن يرفع الامام رأسه ، ففيه صورتان:
(الصفحة323)
1 ـ ما إذا كان ذلك مسبباً عن السهو والذهول عن كون صلاته جماعة ، أو عن الظنّ بكون الإمام قد رفع رأسه فرفع وانكشف الخلاف ، وأنّه لم يرفع الإمام رأسه بعد .
2 ـ ما إذا وقع ذلك عن تعمّد والتفات .
أمّا الصورة الاُولى ، فالحكم فيها بمقتضى بعض الأخبار الواردة من طرقنا أنّه يجب عليه العود واللحوق بالإمام في الركوع حتّى كان متابعاً له في حدوث الركوع وبقائه(1) ، غاية الأمر أنّ البقاء هنا لا يكون بقاءً حقيقيّاً لتخلّل الرفع ، بل بقاء حكميّ اعتبره الشارع بقاء للركوع الأول وإن كان بحسب الواقع ركوعاً ثانوياً .
فإذا كان الحكم كذلك فإن عاد ولحق بالإمام في الركوع ، وإن خالف ولم يتابع الإمام في بقاء الركوع ولم يعد إليه مع كون الواجب عليه العود واللحوق ، فإن قلنا: بأنّ المتابعة واجبة شرطاً وأنّ الاخلال بها يقدح في الصلاة ، أو في القدوة في مجموع الصلاة ، أو في الجزء الذي خالف فيه والأجزاء اللاحقة ، أو في خصوص الجزء الذي لم يتابع فيه ، فاللازم القول ببطلان الصلاة أو القدوة في المجموع أو البعض .
وإن لم نقل باعتبار المتابعة شرطاً وقلنا: بأنّ الرواية النبوية المروية بطرق العامّة(2) التي هي الأصل في هذا الحكم لا دلالة لها على أزيد من إفادة تكليف نفسيّ في حال القدوة ، كما استظهرنا ذلك منه ، فاللازم في المقام أن يقال: إنّ ترك المتابعة لا يؤثّر في بطلان الصلاة ولا في بطلان القدوة أصلا ، بل غايته أنّه معصية لتكليف نفسيّ مستقلّ لا يترتّب عليها إلاّ استحقاق العقوبة .
ولا مجال لأن يقال: إنّ ترك المتابعة الذي به يتحقّق العصيان متّحد مع إدامة
(1) راجع الوسائل 8 : 391 . أبواب صلاة الجماعة ب48 ح 4 .
(2) راجع 3 : 314 .
(الصفحة324)
القيام بعد رفع الرأس وعدم اللحوق بالإمام ، فإدامة القيام والاستمرار عليه مبغوض للمولى حينئذ ، فكيف يمكن أن يصير مقرّباً بمجرد وقوعه جزءً من الصلاة؟!. ضرورة أنّ المبغوض لا يكاد يمكن أن يكون مقرّباً للعبد إلى الله سبحانه وتعالى ، فالبطلان مستند إلى عدم قابلية القيام للوقوع جزءً من الصلاة ، وذلك لأنّ القيام المعتبر في الصلاة بعد الركوع هو قيام ما ، والمتابعة فيه متحقّقة على ما هو المفروض .
لأنّ الفرض فيما لو استمرّ على القيام حتّى رفع الإمام رأسه من الركوع وتتحقّق المتابعة في القيام ، فالذي يكون جزءً للصلاة وهي طبيعة القيام المتحقّقة بالقيام آناً ما ، قد تحقّقت فيه المتابعة ، فلم تلزم صيرورة المبعّد مقرّباً كما لا يخفى .
وهذا بخلاف ما إذا خالف الإمام ولم يتابعه في حدوث الركوع بل سبق إليه عمداً ، فإنّه هناك لا يقع الركوع المسبوق إليه إلاّ مبغوضاً مبعّداً للعبد عن ساحة المولى ، ولا يمكن أن يكون مقرّباً ، فالفرق بينهما أنّه هنا لم يتحقّق الاخلال بالمتابعة فيما هو جزء من الصلاة كما عرفت ، وأمّا هناك فقد تحقق الاخلال بها عمداً وصارت المعصية متّحدة مع ما هو من أجزاء الصلاة ، ولا محيص فيه من الحكم بالبطلان .
وقد انقدح ممّا ذكرنا أنّه بناءً على كون وجوب المتابعة نفسيّاً لا مجال لتوهّم بطلان أصل العبادة ولا القدوة ، لعدم استلزام المخالفة صيرورة المبعّد مقرّباً حتّى يؤثّر في البطلان لأجل الاستحالة العقليّة ، ولا تكون المتابعة شرطاً في صحة القدوة كما هو المفروض .
فعلى هذا المبنى تكون العبادة صحيحة والقدوة متحقّقة والمخالفة غير مؤثّرة ، وأمّا على القول باستفادة الشرطية من الرواية النبوية: «إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به» ، أو من الروايات الخاصّة الواردة من طرقنا الظاهرة في الأمر بالركوع والعود إليه لو
(الصفحة325)
رفع المأموم رأسه منه قبل الإمام سهواً ، بدعوى كون الأمر الواقع فيها إرشاداً إلى اعتبار ذلك في تحقق الجماعة وصحة القدوة ، فالظاهر بطلان القدوة مع عدم رعاية المتابعة كما عرفت .
ويمكن تصحيحها في هذا الفرع بناءً على الشرطية أيضاً ، بدعوى أنّ الظاهر من الأدلة الظاهرة في الشرطية، أنّ المتابعة المعتبرة في صحة القدوة إنّما هي المتابعة في أجزاء الصلاة ، وأمّا مقدّمات الأجزاء كالرفع والهويّ ونحوهما ، فليست المتابعة فيها أيضاً معتبرة في صحة الجماعة ، وفي المقام لم يتحقّق الاخلال بالمتابعة فيما صار جزءً من الصلاة وعدّ من أجزائها .
ضرورة أنّ الركوع الذي هو جزء للصلاة قد تحققّت فيه المتابعة ، لأنّ المفروض أنّ إحداثه من المأموم إنّما وقع تبعاً للإمام ، ورفع الرأس منه الذي قد خولف فيه المتابعة لا يكون من أجزاء الصلاة ، والقيام بعده الذي هو من أجزاء الصلاة قد روعيت فيه المتابعة ، لأنّ المفروض استمرار المأموم على حال القيام حتّى يلحق به الإمام وتتحقّق المتابعة فيه ، ولا يقدح مجرّد كون حدوثه سابقاً على الإمام بعد كون الجزء للصلاة بعد رفع الرأس هو طبيعة القيام المتحقّقة بقيام مّا ، وقد تحقّقت فيه المتابعة على ما هو المفروض .
وأمّا الصورة الثانية، فالحكم فيها بمقتضى الجمع بين الروايات الواردة في المقام بعد حمل رواية غياث(1) على صورة التعمّد ، أنّه لا يجوز له العود، بل يبقى على حاله حتّى يلحق به الإمام ، ولا يبطل صلاته أو قدوته بذلك أصلا ، لا بناءً على استفادة الوجوب النفسي ، ولا بناءً على الشرطية ، أمّا على الأول فواضح ، وأمّا
(1) الوسائل 8 : 391 . أبواب صلاة الجماعة ب48 ح6 .
(الصفحة326)
على الثاني فلما عرفت من أنّ المتابعة إنّما هي معتبرة في الأجزاء دون مقدّماتها ، وأنّ الاخلال بها فيها لا يقدح بصحّة الصلاة ولا بالقدوة أصلا .
الفرع الثاني: سبق المأموم إلى الركوع
ما لو سبق الإمام إلى الركوع ، وليعلم أنّه لم يتعرّض لهذا الفرع أصحابنا الإمامية رضوان الله عليهم أجمعين إلى زمان المحقّق ، نعم أورد الشيخ(رحمه الله) في زيادات التهذيب الرواية الدالّة عليه ، وهي رواية ابن فضال المتقدّمة(1) ، ولكنّه اقتصر على مجرّد نقل الرواية من غير إشعار بالعمل بها ، ولم يتعرّض له في كتبه الفقهية . وأمّا المحقّق فقد عنون في الشرائع مسألة رفع الرأس من الركوع أو السجود قبل الإمام وقال بعد ذلك: وكذا إذا سبق الإمام فيه(2) .
ويستفاد من ذلك أنّه استنبط حكم السبق من الرفع ، وأنه لا يكون له دليل مستقل ، ولعلّه كان لأجل عدم صلاحية الرواية الواردة فيه للاعتماد عليها ، وكيف كان، فهذه المسألة أيضاً له صورتان:
1 ـ السبق إليه عمداً .
2 ـ السبق إليه سهواً .
أمّا في صورة العمد فربّما يقال ببطلان الصلاة فيها نظراً إلى أنّ الفعل قد وقع منهيّاً عنه ، فلا يمكن أن يقع جزءً من العبادة(3) ، ولا يمكن تداركه لاستلزامه الزيادة المبطلة ، وقد اُجيب عنه بأنّ اتّصاف الفعل بوقوعه منهيّاً عنه مبنيّ على اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن الضدّ الخاصّ ، وقد حقّق في محلّه خلافه .
(1) التهذيب 3: 277 ح811 .
(2) شرائع الإسلام 1: 113 .
(3) مستند الشيعة 8 : 98 .
(الصفحة327)
ودعوى أنّ البطلان لا يتوقّف على كون الفعل منهيّاً عنه بل يكفي فيه عدم كونه مأموراً به ، فهو ثابت بلا إشكال ، لأنّ الأمر بالشيء وإن كان لا يقتضي النهي عن الضدّ الخاصّ ، إلاّ أنّه يوجب خلوّه عن الأمر وهو يكفي في البطلان وعدم إمكان الوقوع جزءً من العبادة .
مدفوعة بأنّه لا يحتاج في الصحّة إلى الأمر الفعلي ، بل تكفي المحبوبية الذاتية والرجحان في نفسه، مع قطع النظر عن المانع الخارجي .
هذا ، ولكنّ التحقيق أنّ الأمر بالشيء وإن كان لا يقتضي النهي عن الضدّ ، إلاّ أنّه فيما إذا لم يكن الضدّان ممّا لا ثالث لهما ، وإلاّ فالضدّ بعينه منهيّ عنه ، لكونه مخالفة للأمر بالضدّ الآخر ، فإنّ عصيان الأمر بالسكون يتحقّق بمجرّد الحركة ، وعصيان الأمر بالحركة لا يتحقّق إلاّ بالسكون .
وكذا في المقام ، فإنّ عصيان وجوب المتابعة لا يتحقّق في نفس الأمر إلاّ بالسبق إلى الركوع ولا واقعية له غير ذلك ، فلا محيص عن الالتزام بكونه منهيّاً عنه .
سلّمنا عدم تعلّق النهي به لأجل عدم اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن الضدّ مطلقاً ، لكن نقول: إنّ الوجود الذي يكون عصياناً للمولى ولا يقع إلاّ مبغوضاً صرفاً ، كيف يمكن أن يقع جزءً من العبادة ويصلح لأن يتقرّب به وبسائر الأجزاء؟! هذا كلّه في العمد .
وأمّا في صورة السهو فالحكم يدور مدار العمل بالرواية الواردة فيه ، فإن قلنا بأنّ عدم عمل الأصحاب بها إلى زمان المحقّق ، والدليل عليه عدم تعرّضهم لهذا الفرع يوجب الإعراض ، وهو قادح في الأخذ بها، فلابدّ من الحكم فيه على
(الصفحة328)
القاعدة(1) ، وإن لم نقل بذلك فلا مانع من الفتوى على طبق الرواية والحكم بجواز المتابعة كما لا يخفى .
لو سبق المأموم الإمام ولم يستكشف من الدليل أن وجوب المتابعة يكون نفسيّاً أو غيريّاً فما الحكم؟
ثمّ إنّه لو لم يستكشف من الدليل أنّ وجوب المتابعة هل يكون وجوباً نفسيّاً لا يترتّب على مخالفته سوى الإثم واستحقاق العقوبة ، أو وجوباً شرطيّاً يكون متعلقه دخيلا في القدوة بحيث لا يمكن تحقّقها بدونه؟ ففيما إذا أخلّ بالمتابعة وسبق إلى الركوع أو السجود عمداً لابدّ من البحث فيه تارة في أنّ مراعاة الإحتياط المساوق للعلم بحصول الواقع بماذا يحصل ، واُخرى في أنّ مقتضى العلم الإجمالي أعني الحجّة الاجمالية على التكليف المردّد بين النفسي والغيري ماذا؟.
أمّا الأول: فطريق الاحيتاط لمن لم يراع التكليف المتعلّق بالمتابعة بل أخلّ به عمداً بالسبق إلى الركوع مثلا أن يراعي المتابعة فيما بعد ولم يخلّ بها ثانياً; ويصلّي صلاة كانت صحيحة على التقديرين «جماعة وفرادى» بأن كان الاخلال بالمتابعة في الركعة الثانية أو بعدها .
لأنّه لو كان في الركعة الاُولى لا يمكن له ذلك من جهة القراءة في الركعة الثانية ، لأنّه يدور أمره بين لزوم ترك القراءة لو كانت صلاته جماعة ، ولزوم الإتيان بها لو كانت صلاته فرادى ، فلا يمكن له مراعاة ذلك بحيث تصحّ صلاته على كلا التقديرين ، ولم يحصل له فيما بعد ما هو من وظيفة الجماعة خاصّة ، بحيث لو كانت
(1) ومحصّلها ما أفاده سيّدنا العلاّمة الاُستاذ (أدام الله ظلّه على رؤوس الأنام) في حاشية العروة الوثقى (ص61) من الإشكال في وجوب المتابعة ولزوم مراعاة الإحتياط مع المتابعة بالإعادة بعد الاتمام . «المقرّر».
(الصفحة329)
صلاته فرادى لبطلت ، كما في موارد الرجوع إلى حفظ الإمام مع كون حكم الشكّ مع قطع النظر عن الرجوع إليه البطلان ، فعند اجتماع القيود الثلاثة ـ وهي عدم الاخلال بالمتابعة فيما بعد من الأفعال والركعات ، وعدم الابتلاء بالقراءة فيما بعد حتّى يدور أمره بين المحذورين ، وعدم الابتلاء بالرجوع إلى حفظ الإمام فيما لو كان الحكم مع قطع النظر عن الرجوع البطلان ولزوم الاستئناف ـ يتمّ صلاته القابلة للوقوع جماعة وفرادى ، وبعد ذلك يستأنفها أيضاً .
وذلك إنّما هو لأجل احتمال البطلان بمجرّد السبق إلى الركوع المحتمل لأن يكون محرماً ، لاحتمال كون التكليف المتعلّق بالمتابعة نفسيّاً ، فيصير الركوع محرّماً ، والمحرّم لا يصلح لأن يكون مقرّباً .
نعم، وجوب الاستئناف إنّما هو بناءً على عدم جواز قصد العدول من الائتمام إلى الانفراد ، لأنّه بناءً على الجواز يقصد الإنفراد بعد الاخلال بالمتابعة ويتمّ صلاته فرادى ، وبذلك يحصل له العلم بفراغ الذمّة عن التكليف المتعلّق بالصلاة ، وذلك لأنّ المفروض أنّ المتابعة على تقدير كونها واجبة شرطاً لا تكون شرطاً لصحّة أصل الصلاة حتّى يكون الاخلال بها موجباً لاحتمال البطلان من رأس ، بل طرف العلم الإجمالي هي الشرطية للقدوة فقط .
وبالجملة: فبناءً على جواز العدول لا مجال لوجوب الاستئناف .
وأمّا الثاني: فالظاهر أنّ هذا العلم الإجمالي أعني الحجة الاجمالية لا يؤثر في تنجّز التكليف على تقدير ثبوته ، لأنّه مع مخالفته لا يحصل العلم بالمخالفة لتكليف أصلا ، لأنّ المفروض أنّ أحد طرفيه هو التكليف النفسيّ ، والطرف الآخر هو الوجوب الشرطيّ الذي لا يترتّب على مخالفته سوى انهدام القدوة وبطلان الاقتداء ، فلا يحصل مع عدم رعاية المتابعة بالسبق إلى الركوع أو السجود العلم بمخالفة تكليف منجّز على المكلّف .
(الصفحة330)
نعم، مع اختلال شيء من القيود الثلاثة المتقدّمة لا يحصل له العلم بفراغ الذمّة عن التكليف بالصلاة ، لأنه يحتمل معه البطلان ولكن ذلك التكليف خارج عن طرفي العلم الإجماليّ ، لأنّه تكليف معلوم بالتفصيل ، والغرض هو التكلّم في ما يقتضيه العلم الإجماليّ الموجود في البين وطرفاه هما التكليف النفسيّ المتعلّق بالمتابعة ووجوبها الشرطي وأمّا أصل التكليف بالصلاة فهو خارج عن الطرفية للعلم الإجمالي .
وبالجملة: العلم الإجمالي هنا لا يؤثّر في تنجّز التكليف على تقدير ثبوته ، لأنّه لا يترتّب على مخالفة بعض أطرافه على تقدير ثبوته إلاّ بطلان القدوة فقط لا أصل الصلاة .
نعم قد عرفت أنه مع اختلال شيء من القيود المتقدّمة لا يحصل له العلم بالفراغ ، كما أنه مع عدم اختلاله أيضاً لا يحصل ، لأنّ مقتضى احتمال كون وجوب المتابعة نفسيّاً حرمة مخالفته المتحقّقة بالركوع الذي سبق فيه ، ومع اتّصاف الركوع بالحرمة وكونه مبغوضاً لا يعقل أن يكون مقرّباً ، فمقتضاه بطلان أصل الصلاة حينئذ .
ثمّ إنّه ذكر بعض الأعاظم من المعاصرين كلاماً في مقام الشكّ ، في أنّ المتابعة هل تكون واجبة نفساً أو شرطاً؟، ولا بأس بذكره ، فنقول:
قال: لو كانت المتابعة في كلّ فعل واجبة إجمالا ، ولم نعلم كونها من قبيل الوجوب النفسي أو الشرطي ، فاللازم مراعاة كليهما ، بمعنى أنّه لو خالف وكان وجوب المتابعة نفسيّاً لصحّت العقوبة وإن صحت صلاته ، لكون الوجوب النفسي طرفاً للعلم الإجمالي ، إلاّ أن يقال: إنّ العلم الإجمالي إنّما ينجّز الواقع إن كان الأخذ بالأصول في أطرافه موجباً للمخالفة القطعية ، وليس ما نحن فيه من ذلك .
فإنّ المفروض أنّ الشكّ في الشرطية في باب الجماعة يقتضي مراعاتها لا
(الصفحة331)
معاملة الشكّ في القيد أو جزء من أجزاء المركّب الذي بنينا على البراءة ، فحينئذ لو بنى على بطلان الجماعة ويأتي بالصلاة تامّة بوظيفة الفرادى لا يكون قاطعاً بالمخالفة ، نعم لو كان المبنى على البراءة في القيد المشكوك في باب الجماعة لكان الأخذ بالبراءة من حيث التكليف النفسيّ ، ومن حيث الشرطية موجباً للمخالفة القطعية .
فإن قلت: بأيّ وجه يسقط العلم الإجمالي المفروض عن الأثر بمجرّد لزوم مراعاة الشرطية من جهة اُخرى ، أليس يمكن أن يكون لزوم مراعاة الشرطية مستنداً إلى جهتين: إحداهما ما ذكرت من القاعدة في باب الجماعة ، والاُخرى من جهة العلم الإجمالي؟.
قلت: لو كان الأخذ بمقتضى الشرطية هنا من باب الأصل التعبّدي وهو حكم الشكّ لكان لما ذكرت وجه ، وإن كان قابلا للخدشة أيضاً ، ولكنك عرفت أنّ ذلك من باب الدليل اللفظيّ الدالّ على لزوم فاتحة الكتاب في الركعة المتأخّرة عن الركعة التي سبق الإمام إلى الركوع ، ومقتضى العموم المذكور إحتياج الركعة الآتية إلى فاتحة الكتاب اللازم منه بطلان الجماعة ، فيكون من قبيل ما إذا قامت الأمارة الشرعيّة المثبتة لأحد طرفي العلم الإجمالي ، وقد قرّر في الاُصول انحلال العلم الإجمالي بذلك ، وصيرورة الشكّ في الطرف الآخر بدويّاً .
نعم، ما ذكرت يمكن تقريبه بالنسبة إلى غير الركعة الاُولى ، كمن سبق الإمام في ركوع الركعة الثانية أو الثالثة مثلا ، لعدم ما يدلّ على بطلان الجماعة في غير الأوليين ، فيدور الأمر بين كون المتابعة واجبة نفساً أو شرطاً ، فإن كانت واجبة نفساً يحرم ، وإن كانت واجبة شرطاً تبطل الجماعة ، لكن يرد على ذلك أيضاً أنّ السبق إلى الركوع لا يكون مخالفة قطعيّة للشارع ، فإنّه لو عامل مع هذه الصلاة معاملة غير الجماعة ولم يأت بعد ذلك بما هو وظيفة الجماعة لم يحصل منه المخالفة
(الصفحة332)
القطعيّة . . .(1) .
ويرد عليه ما أوردناه عليه في السابق من أنّ التمسّك بقوله: «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب»(2) في موارد الشكّ في اعتبار شيء في الجماعة ، تمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقية للمخصّص ، والجواز فيه وإن كان مورداً للاختلاف بينهم إلاّ أنّ الظاهر وفاقاً للقائل عدم الجواز .
وذلك لأنّ محصل دليل المجوّز يرجع إلى أنّ الحجّة من قبل المولى لا تتمّ إلاّ بعد ثبوت الكبرى والصغرى معاً ، والموجود في المقام كبريان معلومتان: إحداهما ما يدلّ على وجوب إكرام كلّ عالم مثلا ، والاُخرى ما يدلّ على النهي عن إكرام الفسّاق من العلماء ، وقد انعقد الظهور لكلّ منهما ، ولكن فرديّة زيد للاُولى معلومة وللثانية مشكوكة ، فبضميمة الصغرى المعلومة إلى الكبرى الاُولى ينتج وجوب إكرام زيد ، وليس في البين ما يزاحمها ، لكون فرديّته لموضوع الثانية مشكوكة ، والحجّة لا تتمّ بالكبرى وحدها ، بل لابدّ من ثبوت الصغرى أيضاً .
ويرد عليه أنّ حكم المخصّص لا يختصّ بالأفراد المعلومة ، وليس وظيفة المولى إلاّ إلقاء الكبريات وبيانها للناس ، وهذه الكبريات حجّة بأنفسها من دون توقّف على تشخيص صغرياتها ، نعم حجّيتها بالنسبة إلى الخارجيّات تتوقّف عليه ، فقول المولى: أكرم العلماء مثلا حجّة على العبد يجب عليه امتثاله ، وإن كان لا يتعين عليه في الخارج إلاّ إكرام من ثبت كونه عالماً .
وبالجملة: فالتمسّك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصّص لا يجوز على ما قرّر في محلّه ، وحينئذ يرد على هذا القائل إنّه مع اعترافه بعدم الجواز كيف تمسّك به هنا؟
(1) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري: 490 ـ 491 .
(2) مستدرك الوسائل 4 : 158 ح5 و 8 ; يراجع الوسائل 6 : 37 . أبواب القراءة في الصلاة ب1 ح1 . وص88 ب27 ح4 .
(الصفحة333)
إن قلت: إنّ مراده ليس هو التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقية ، بل مراده هو التمسّك به مع الشكّ في مفهوم عنوان المخصّص ، نظير ما إذا تردّد مفهوم الفاسق الخارج عن العلماء الذين يجب إكرامهم بين خصوص مرتكب الكبيرة أو الأعمّ منه ومن مرتكب الصغيرة ، ولا بأس بالتمسّك بالعامّ في مثل ذلك .
قلت: لو سلّمنا ذلك نقول: إنّ التمسّك بالعامّ في الشبهة المفهومية وإن كان جائزاً إلاّ أنّه لا مجال بعد الجواز لاستكشاف عدم كون المورد المشكوك مصداقاً لعنوان المخصّص ، كما صرّح به ، حيث استكشف من التمسّك بعموم ما يدلّ على احتياج الصلاة إلى فاتحة الكتاب عدم كون المورد المشكوك من أفراد الجماعة .
فإنّه يرد عليه أنّه لا وجه لهذا الاستكشاف ، ضرورة أنّ الحكم الجاري في موضوع الشكّ كيف يمكن أن يرفع الشكّ ؟ فإنّ مورد التمسّك بالعامّ هو المشكوك بما أنّه مشكوك ، فكيف يرفع التمسّك بالعامّ للشكّ ، ويثبت به عدم كونه من أفراد المخصّص كما لايخفى؟!(1)
وكيف كان، ففي مسألة السبق إلى الركوع لو لم يعلم حال المتابعة وأنها واجبة نفساً أو شرطاً بل علم بوجوبها إجمالا وجهان:
أحدهما: بطلان الصلاة من رأس وعدم صحّتها جماعة ولا فرادى ، نظراً إلى أنّ أمر المتابعة يدور بين الوجوب النفسي والشرطي ، وعلى التقديرين يكون الإخلال بها مبطلا .
(1) والانصاف أنّ عباراته في هذا المقام مختلفة جدّاً ، حيث إنّه يستفاد من بعضها أنّ التمسّك بعموم قوله: «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب» من قبيل التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصّص ، وقد صرّح في بعضها بأنّ الشبهة هنا من جهة المفهوم ، وأنّه ليس لنا مشكوك في الخارج ، وفي ثالث بعدم كون الشبهة في الموضوع ولا في المفهوم ، لعدم كون مفهوم الجماعة من المفاهيم المجملة ، بل الدليل الدالّ على مشروعيّتها ليس له إطلاق ، وأنّ المتيقّن منه قسم خاصّ من الجماعة ، والموارد المشكوكة تبقى بلا دليل ، فلا مانع من التمسّك بالعموم الدالّ على لزوم القراءة ، فلا تغفل . «المقرّر».
(الصفحة334)
أمّا على التقدير الأول فلأنّ المتابعة وإن لم تكن على هذا التقدير شرطاً لا في أصل الصلاة ولا في القدوة ، إلاّ أنّ الاخلال بها بالسبق إلى الركوع يوجب أن يكون الركوع محرّماً ، لأنّ الأمر بالشيء وإن كان لا يقتضي النهي عن الضدّ الخاصّ ، إلاّ أنّه فيما لو لم يكن الضدّ الخاصّ عصياناً للأمر بحيث كانت مخالفته متحقّقة بنفس ذلك الضد ولم يكن لعصيانه واقع غيره .
وأمّا فيما كان عصيان الأمر بالضدّ متحقّقاً بنفس إيجاد الضدّ الآخر كما في الضدّين اللّذَين لا ثالث لهما ، فالأمر بالشيء فيه يقتضي النهي عن الضدّ بلا ريب ، فعلى تقدير كون وجوب المتابعة نفسيّاً لا مجال للإشكال في أنّ مخالفته بالسبق إلى الركوع يوجب وقوع الركوع محرّماً ، ومعه لا يصلح لأن يقع مقرّباً أو جزءً لما هو مقرّب .
وأمّا على التقدير الثاني فلأنّه مع الاخلال بالمتابعة على فرض كونها شرطاً للقدوة لا لأصل الصلاة لا تقع الصلاة صحيحة لا جماعة ولا فرادى ، أمّا جماعة فواضح ، لأنّ المفروض الاخلال بشرطها ، وأمّا فرادى فلأنّها غير مقصودة والمقصود وقوعها جماعة ، وهي غير واقعة ، فلا تكون صحيحة أصلا .
ثانيها: صحة الصلاة فرادى لا البطلان ولا الصحّة جماعة ، لأنّ التكليف النفسيّ الذي هو أحد طرفي العلم الإجمالي أعني الحجّة الإجمالية لا يكون على تقدير ثبوته بمنجّز ، لأنّ الطرف الآخر لا يكون تكليفاً ، ومع عدم التنجّز لا يكون الركوع الذي به تتحقّق مخالفته محرّماً لكي لا يصلح للجزئية لما هو المقرّب ، واحتمال الشرطية للقدوة لا يترتّب عليه على تقدير كونه موافقاً للواقع إلاّ بطلان القدوة دون أصل الصلاة .
ودعوى كون وقوعها فرادى غير مقصود فكيف تقع فرادى؟!
مدفوعة بأنّ ما يفتقر إلى القصد إنّما هو نفس عنوان الصلاة ، وكذا صيرورتها
(الصفحة335)
جماعة ، وأمّا وقوعها فرادى فلا يحتاج إلى قصد آخر زائداً على قصد عنوان الصلاة ، فلا مانع بعد عدم تأثير قصد الاقتداء في صيرورة الصلاة صلاة المقتدي من وقوعها صلاة المنفرد وإن لم تكن بهذه الصفة مقصودة .
نعم، لو قلنا في موارد اختلال بعض شروط الجماعة ـ كثبوت الحائل بين الإمام والمأموم أو تحقق فصل معتدّ به بينهما ، أو غيرهما من الموارد ـ ببطلان أصل الصلاة وصيرورتها فاسدة من رأس ، يصير البطلان في المقام محتملا أيضاً .
هذا ، والتحقيق في المقام أنّ هنا مسائل متعدّدة مفترقة من حيث الملاك والحكم :
1 ـ ما لو كانت الجماعة فاقدة لشيء من الشروط المعتبرة فيها ، أو واجدة لشيء من الموانع المخرّبة لها ، من دون أن يكون المصلّي جماعة عالماً بذلك ، بل كان معتقداً لاستجماعها لجميع الاُمور المعتبرة فيها وجوداً أو عدماً ، ثمّ انكشف الخلاف ، كما إذا انكشف بعد الفراغ ثبوت الحائل ، أو تحقق الفصل ، أو غيرهما من الاُمور التي دلّ الدليل على اعتبارها في الجماعة .
وقد تعرّضنا لهذه المسألة فيما سبق ، واستشكلنا في صحة الصلاة فرادى أيضاً بعد عدم وقوعها جماعة ، نظراً إلى رواية السكوني المتقدّمة(1) التي كانت معمولا بها عندهم ، الدالّة على أنّه لو قال كلّ واحد من الرجلين المصليين لصاحبه: «كنت أئتمّ بك» تكون صلاة كلّ واحد منهما فاسدة ، ويجب عليهما الاستئناف والإعادة ، من دون تفصيل بين صورتي الاخلال بوظائف المنفرد وعدمه .
2 ـ ما كان الحكم مشكوكاً، وكان الجهل متعلقاً بالحكم الشرطيّ مع كونه بسيطاً ، بمعنى أنّه لم تعلم مدخلية شيء في الجماعة من دون أن يكون الطرف الآخر
(1) الكافي 3: 375 ح3; الوسائل 8: 352 . أبواب صلاة الجماعة ب29 ح1 .
(الصفحة336)
هو احتمال التكليف النفسي ، بل كان أمر الشيء دائراً بين الشرطية للجماعة وعدم الشرطية ، من دون تعلّق تكليف به ، فالفرق بين المسألتين أنّ الجهل في المسألة الاُولى جهل مركّب ، ومرجعه إلى اعتقاد المصلّي كون صلاته مستجمعة لجميع شرائط الجماعة ثمّ انكشف الخلاف بعد ذلك ، وفي هذه المسألة جهل بسيط ومرجعه إلى تردّد المكلّف في اعتبار شيء في الجماعة .
ومن هنا قد انقدح أنّ المجهول في المسألة الاُولى هو الموضوع الخارجي ، وفي الثانية هو الحكم الشرعيّ ، غاية الأمر أنّ المراد بالحكم هو الحكم الشرطي لا التكليفي ، وهذه المسألة هي التي ذكر المحقّق المتقدّم(1) أنّ الأصل فيها يقتضي الشرطية ، نظراً إلى عموم قوله: «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب»(2) .
واستشكل القائل بجريان استصحاب بقاء الجماعة على الشيخ الأنصاري(قدس سره)بأنّ الشبهة فيها إنّما تكون من جهة المفهوم ، وليس لنا مشكوك البقاء في الخارج ، وهذه هي التي اعترضنا فيها على ذلك المحقّق بعدم جواز التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقية لعنوان المخصّص أوّلا ، وعدم جواز استكشاف فقد عنوان المخصّص من التمسّك بالعامّ ثانياً، كما عرفت مفصّلا .
3 ـ ما إذا كان الحكم مشكوكاً وكان الجهل متعلقاً بالحكم الشرطيّ ، ولكن كان الطرف الآخر هو احتمال تكليف نفسيّ ، وقد عرفت أنّه في هذه المسألة يكون في الاخلال بالمتابعة في السبق إلى الركوع وجهان ، وقد عرفت أيضاً أنّ الحقّ عدم تنجّز التكليف النفسي بسبب العلم الإجمالي ، وعدم ترتّب أثر على احتمال الشرطية ، لأنّه يصير بعد عدم تنجّز التكليف النفسي كالمسألة الثانية التي هي مجرى البراءة مطلقاً على ما هو الحقّ ، وقد تقدّم سابقاً .
(1) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري: 490 ـ 491 .
(2) راجع 3 : 332 .
(الصفحة337)
وقد تحصّل من جميع ما ذكرنا في بحث المتابعة أنّه بناءً على ما اخترناه في هذا الباب من كون وجوب المتابعة نفسيّاً لو سبق إلى الركوع عمداً تبطل صلاته من جهة وقوع الركوع عصياناً للتكليف النفسيّ المتعلّق بالمتابعة ، والمحرّم لا يصلح لأن يصير مقرّباً أو جزءً لما هو المقرّب .
وهكذا الكلام لو سبق إلى السجود عمداً ، لأنّه لا فرق بينهما بعد كون الواجب هي المتابعة في كل فعل ، وأمّا لو سبق إلى الركوع نسياناً فقد عرفت أنّ المستند في حكمه هي رواية ابن فضّال المتقدّمة ، وهي مضافاً إلى أنّه لم يعلم العمل بها لما عرفت من أنه لم يتعرّض لمسألة السبق إلى الركوع أحد من أصحابنا الإمامية إلى زمان المحقّق .
نعم أورد الشيخ(رحمه الله) هذه الرواية في زيادات التهذيب(1) من غير إشعار بكونها معمولا بها ، لا يستفاد منها وجوب المتابعة ، بل غايته السؤال عن حكم الرجل الذي سبق الإمام إلى الركوع ثمّ رفع رأسه منه ، والجواب دالّ على الصحّة وعدم كون ذلك مفسداً لعمله(2) .
ولكن لا يبعد عدم كون السبق إليهما موجباً لبطلان الصلاة ، بل الظاهر جريان حكم المتابعة فيه . وأمّا رفع الرأس من الركوع أو السجود فإن كان سهواً فمقتضى الروايات الواردة فيه أنّه يرجع إلى الركوع مثلا ، ويتابع الإمام في بقائه ، ويعدّ ركوعه الثاني بقاءً للركوع الأول حكماً لا حقيقة .
وأمّا إذا كان ذلك عمداً ، فالظاهر أنّه لا يقدح ذلك بصحّة صلاته ، لعدم تحقق الاخلال بالمتابعة فيما هو من أجزاء الصلاة ، لأنّ الاخلال بها إنّما وقع في الرفع وهو
(1) التهذيب 3: 277 ح 811 ; الوسائل 8 : 391 . أبواب صلاة الجماعة ب48 ح4 .
(2) ولذا استشكل سيّدنا الاُستاذ (مد ظلّه) في حاشية العروة (ص61) في السبق إلى الركوع سهواً، ـ قال: ـ وأولى منه بالاشكال السبق إلى السجود لخروجه عن مورد جميع الروايات الواردة في هذا المقام . «المقرّر» .
(الصفحة338)
من مقدّمات الأجزاء ، والقيام الحادث بعد الرفع لا يكون بتمامه جزءً ، بل الجزء إنّما هو قيام مّا ، والمفروض تحقق المتابعة بالنسبة إليه كما عرفت .
الفرع الثالث: رفع الرأس قبل الإمام بتخيّل السجدة الاُولى
لو رفع رأسه من السجود فرأى الإمام في السجدة فتخيّل أنّها الاُولى فعاد إليها بقصد المتابعة فبان كونها الثانية ، أو تخيّل أنّها الثانية فسجد اُخرى بقصد الثانية فبان أنـّها الاُولى ، حكم في العروة بأنّها تحسب ثانية في الاُولى ومتابعة في الثانية ولكن احتاط بإعادة الصلاة في الصورتين بعد الاتمام(1) .
هذا ، وقد استشكل بعض الأعاظم على ما في العروة بأنّ صيرورة أجزاء الصلاة جزء موقوفة على الإتيان به بقصد الجزئية وإن كان على نحو الاجمال ، والمفروض أنّه لم يأت بالسجدة بقصد أنّها جزء من الصلاة في الصورة الاُولى ، نعم لو أتى بها بقصد الأمر الواقعي مع تخيّل أنّ الأمر الواقعي كان متعلقاً بالسجدة للمتابعة، تقع السجدة المأتيّ بها جزءً لتحقّق القصد إجمالا .
وهكذا الكلام في الصورة الثانية ، حيث إنّ مقتضى القاعدة احتسابها ثانية ، إلاّ أن يرجع قصده إلى الإتيان بالسجدة المأمور بها فعلا مع تخيل أنّها الثانية ، فانكشف كونها مطلوبة بعنوان المتابعة(2) .
والظاهر احتسابها ثانية في الصورة الاُولى ومتابعة في الثانية ، لأنّ المطلوبيّة بعنوان المتابعة لا تخرج المطلوب بها عن الجزئية للصلاة ، فإنّ الركوع أو السجود
(1) العروة الوثقى 1 : 617 مسألة 11 .
وقد نهى عن ترك هذا الإحتياط في الصورتين سيّدنا العلاّمة الاُستاذ (أدام الله أظلاله على رؤوس المسلمين) في حاشية العروة ص61 . «المقرّر».
(2) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري: 497 .
(الصفحة339)
المعاد لأجل المتابعة لا يكون عملا خارجاً من الصلاة أتى به لأجل المتابعة ، ولو قلنا بكون المتابعة واجبة نفساً ، بل الظاهر أنّه أيضاً جزء من الصلاة .
ومرجع ذلك إلى أنّ الملاك في باب الجماعة هو عمل الإمام الذي تقع المتابعة فيه ، فما دام كونه مشتغلا بالجزء يقع عمل المأموم المتابع متّصفاً بوصف الجزئية ، وإن وقع مكرّراً بعنوان المتابعة ولا يخرج عن الجزئية ، ومجرّد تخيّل المأموم أنّ سجدة الامام سجدة ثانية ، والإتيان بالسجدة بهذا القصد لا يخرج عمل المأموم عن صدق المتابعة ، كما أنّ تخيّل كون سجدة الإمام سجدة اُولى والإتيان بها بقصد المتابعة لا يوجب خروجها عن كونها سجدة ثانية .
والسرّ في ذلك ما عرفت من أنّ العمل الواقع بعنوان المتابعة لا ينافي مع الجزئية ، وانّ الملاك في باب الجماعة هو عمل الإمام ، فالظاهر ما حكم به في العروة .
مسألة : التأخر الفاحش عن الإمام
قد تكلّمنا فيما سبق في الاخلال بالمتابعة الواجبة نفساً على ما استظهرناه من جهة التقدّم والسبق على الإمام بكلتا صورتيه ـ العمد والسهو ـ ولنتكلّم الآن في الاخلال لها بالتخلّف عن الإمام بالإتيان بالفعل مؤخّراً عنه ، وهو الذي قد عبّر عنه في كلام الشيخ(رحمه الله) ومن تبعه بالتأخّر الفاحش(1) الذي يكون المراد منه بحسب الظاهر هو التخلّف عن الإمام ، وعدم رعاية المتابعة له في ركن أو أزيد ، وكيف كان فنقول : قد ورد في هذا الباب روايات :
(1) كتاب الصلاة للشيخ الانصاري : 345 و349 ، وفيه : «التخلّف الفاحش»; مصباح الفقيه : 647; كتاب الصلاة للمحقّق الحائري : 488 ـ 489 .
(الصفحة340)
منها : رواية حفص بن غياث التي رواها المشايخ الثلاثة كلّ بسند مستقلّ قال : سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول في رجل أدرك الجمعة وقد ازدحم الناس فكبّر مع الإمام وركع ولم يقدر على السجود ، وقام الإمام والناس في الركعة الثانية ، وقام هذا معهم ، فركع الإمام ولم يقدر هذا على الركوع في الثانية من الزحام وقدر على السجود ، كيف يصنع؟ فقال أبو عبدالله(عليه السلام) : «أمّا الركعة الاُولى فهي إلى عند الركوع تامّة ، فلمّا لم يسجد لها حتى دخل في الركعة الثانية لم يكن ذلك له ، فلمّا سجد في الثانية فإن كان نوى هاتين السجدتين للركعة الاُولى فقد تمّت له الاُولى ، فإذا سلّم الإمام قام فصلّى ركعة فسجد فيها ثم يتشهّد ويسلّم ، وإن كان لم ينو السجدتين للركعة الاُولى لم تجز عنه للاُولى ولا للثانية وعليه أن يسجد سجدتين وينوي أنّهما للركعة الاُولى ، وعليه بعد ذلك ركعة تامّة يسجد فيها .
هذا بحسب ما رواه الصدوق والشيخ ، وأمّا الكليني فرواه إلى قوله : لم تجز عنه للأولى ولا للثانية ، وفي التهذيب زيادة على ما في الفقيه وهي : إنّه قال حفص : فسألت عنها ابن أبي ليلى فما طعن فيها ولا قارب(1) .
وهذه الرواية تشتمل على حكمين مخالفين لما يستفاد من الروايات الواردة في باب صلاة الجماعة ، لأنّها تدلّ بظاهر على أنّ المأموم الذي فاته السجود من الركعة الاُولى والركوع من الركعة الثانية ، لا بدّ له أن ينوي السجدتين من الركعة الثانية للركعة الاُولى ، وإلاّ لم تجز عنه للأولى ولا للثانية .
ومرجع ذلك إلى أنه لابدّ في اتّصاف كلّ جزء من أجزاء الركعة بوصف الجزئيّة للركعة الاُولى أو الثانية من تعلّق القصد بذلك ، وأنّه لو لم يتعلّق القصد بهذه الجهة لم يحتسب الجزء المأتيّ به جزءً للركعة الاُولى وللثانية ، مع أنّ الظاهر على ما
(1) الكافي 3 : 429 ح9; الفقيه 1 : 270 ح1235; التهذيب 3 : 21 ح78; الوسائل 7 : 335 . أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب17 ح2 .
|