(الصفحة3)
بسِمْ اللّهِ الرّحمن الرّحيم الحمد للّه رب العالمين و الصلوة و السلام على خير خلقه و اشرف بريته محمد و على آله الطيبين الطاهرين و اللعن الدائم على اعدائهم اجمعين الى قيام يوم الدين.
كتاب الحج
و هو من اركان الدين و تركه من الكبائر و هو واجب على كل من استجمع الشرائط الآتية1.
1 ـ و قبل الخوض في تعريف الحج ـ لغة و اصطلاحا ـ ينبغى التعرض لاهمية الحج الذى هى من العبادات المفروضة في عداد سائر العبادات من الصلوة و الزكوة و الصوم فنقول قد وصفه صاحب الجواهر (قدس سره) بانه اعظم شعائر الاسلام و افضل ما يتقرب به الانام الى الملك العلام لما فيه من اذلال النفس و اتعاب البدن و هجران الاهل و التغرب عن الوطن، و رفض العادات و ترك اللذات و الشهوات و المنافرات و المكروهات، و انفاق المال و شد الرحال، و تحمل مشاق الحل و الارتحال، و مقاسات الاهوال، و الابتلاء بمعاشرة السفلة و الانذال، فهو حينئذ رياضة نفسانية و طاعة مالية، و عبادة بدنية، قولية و فعلية، وجودية و عدمية و هذا الجمع من خواص الحج من العبادات التى ليس فيها اجمع من الصلوة، و هى لم تجتمع فيها ما اجتمع
(الصفحة4)
فى الحج من فنون الطاعات، و في الحديث انه افضل من الصيام و الجهاد و الرباط بل من كل شىء الاّ الصلوة بل في الحديث انه افضل من الصلوة و الصيام لان المصلى يشتغل عن اهله ساعة، و ان الصائم يشتغل عن اهله بياض يوم، و ان الحاج ليشخص بدنه و يضحى نفسه و ينفق ماله و يطيل الغيبة عن اهله لا في مال يرجوه و لا في تجارة و قد تطابق العقل و النقل على ان افضل الاعمال احمزها و ان الاجر على قدر المشقة و يدل على اهمية الحج و افضليته من الصلوة ـ مضافا الى اشتمال الحج عليها و عدم اشتمالها عليه ـ ان الصلوة عبارة عن احرام صغير يتحقق الشروع فيه بتكبيرة الاحرام المسماة بها لاجله و الفراغ عنه بالتسليم و لا ينافى ذلك ما ورد في الصلوة من انها عمود الدين ان قبلت قبل ما سواها و ان ردت رد ما سواها لعدم دلالته على الحصر فتدبر.
و عمدة ما يختص الحج به مما لا يوجد في غيره اصلا هو الجهة الاجتماعية السياسية المتحققة فيه فانه يتضمن اجتماع المسلمين من جميع اقطار العالم على اختلاف السنتهم و الوانهم و عاداتهم و رسومهم و اختلاف مذاهبهم و هذا الاجتماع العظيم الذى ليس في الاسلام مثله ممهد لحصول الوحدة و الاتحاد بين المسلمين و تحقق القدرة الكاملة التى لا يعاد لها اية قدرة في العالم و هذا يتوقف على الارتباط و معاشرة المسلمين بعضهم مع بعض و البحث عماهم عليه من النقائص و المشكلات و عن طريق رفعها و حلها و عمدة المشاكل التى اقترنت بهم و قلدتهم هى مشكلة الحكومات التى يدعون بالظاهر الاسلام و يتظاهرون به و في الباطن ليس فيهم من الاسلام عين و لا اثر و قد استظهروا بالحكومات القوية المستعمرة المسيطرة على العالم و يطيعونها بكل طاعة بل يعبدونها كعبد ذليل و لا يتخلفون عن اوامرهم و نواهيهم بوجه اصلا.
و قد صار هذا الاستعمار الوسيع سببا للمنع عن اجتماع المسلمين و اظهار اتحادهم و حصول تجمعهم في المعابر و الامكنة و في هذا الزمان الذى اكتب هذه السطور لم يمض من حادثة مكة المكرمة ـ التى قد قتل فيها قرب مسجد الحرام ازيد
(الصفحة5)
من اربعمأة من الحجاج من الرجال و النساء بيد الحاكم الكافر المستولى على الحرمين اطاعة لامر مولاه و خوفا من حصول الاتحاد و الارتباط بين المسلمين الذى هو لا يلائم مع حكومته و لا يجتمع معها ضرورة عدم تحمل المسلمين لمثل هذه الحكومة و إذا حصل لهم القدرة يخرجون من سلطته و جوره ـ الا اقل من سنتين.
و كيف كان فهذه الجهة في الحج جهة مهمة لا توجد في غيره لاقتضائها حصول القدرة الكاملة للاسلام و تحقق الوحدة و الاتحاد بين المسلمين.
و بعد ذلك يقع الكلام في معنى الحج لغة و اصطلاحا فنقول:
اما الاول فقد قال في لسان العرب: «الحج القصد، حج الينا فلان اى قدم، و قد حج بنو فلان فلانا إذا اطالوا الاختلاف اليه، قال المخبل السعدى: اى يزورونه و يقصدونه، قال ابن السكيت يقول يكثرون الاختلاف اليه، هذا الاصل ثم تعورف استعماله في القصد الى مكة للنسك و الحج الى البيت خاصة، و الحج بالكسر الاسم و الحجة ـ اى بالكسر ـ المرة الواحدة و هو من الشواذ لان القياس بالفتح، قال الازهرى و الحج و الحج قضاء نسك سنة واحدة و بعض يكسر الحاء فيقول الحج، و قال الفراء و الحج و الحج ليس عند الكسائى بينهما فرق».
و قال الخليل في العين: «و حج علينا فلان اى قدم، و الحج كثرة القصد الى من يعظم ـ اى يراد تعظيمه ـ ».
و في اقرب الموارد: «حج فلانا حجا قصده، و بنو فلان فلانا إذا اطالوا الاختلاف اليه».
و في القاموس: «الحج القصد و القدوم و كثرة الاختلاف و التردد و قصد مكة للنسك».
و في المجمع: «الحج القصد و السعى اليه...».
و يستفاد من «تاج العروس» انه قد يأتى بمعنى الكف يقال حجج عن الشى
(الصفحة6)
و حج كف عنه و قد يأتى بمعنى الغلبة بالحجة يقال حجه يحجه حجا إذا غلبه على حجته و في الحديث فحج ادم موسى اى غلبه بالحجة و قد يأتى ببعض المعانى الاخر.
و يستفاد من هذه العبارات ان الحج إذا استعمل وحده يكون بمعنى القصد او القصد الى من يعظم و ليس المراد من القصد مجرد النية و الارادة بل القصد الذى يتعقبه السعى و الحركة للايجاد و لذا عطف السعى على القصد في عبارة المجمع و كذا عطف «يقصدونه» على «يزورونه» فيما حكى عن المخبل و إذا استعمل مع على او الى يكون بمعنى القدوم و إذا استعمل مع عن يكون بمعنى الكف و الاعراض.
كما ان الظاهر انه لا فرق بين الحج ـ بالفتح ـ و الحج ـ بالكسر و انهما بمعنى واحد و يؤيده اضافة الحج ـ بالكسر ـ الى البيت في آية الحج في القرائة المعروفة لعدم ملائمة اسم المصدر مع الاضافة الى البيت كما لا يخفى.
و اما الثانى فقد قال الشيخ في المبسوط: «الحج لغة القصد و في الشريعة كذلك الا انه اختص بقصد البيت الحرام لاداء مناسك مخصوصة عنده متعلقة بزمان مخصوص».
و اورد عليه المحقق بانه يخرج عنه الوقوف بعرفة و المشعر لانهما ليسا عند البيت الحرام مع كونهما ركنين من الحج اجماعا كما انه قد اورد عليه بان مقتضاه حصول الحج بالقصد و لو لم يتحقق منه شىء من المناسك و لكن لا مجال لهذا الايراد بعد ما ذكرنا من معنى القصد في الكلمات المتقدمة كما لا يخفى.
و قال المحقق في الشرايع و المختصر: «انه اسم لمجموع المناسك المؤداة في المشاعر المخصوصة» و اورد عليه في التنقيح بانه ان كان المراد من المناسك هى المناسك الصحيحة يكون قيد «المؤداة...» لغوا و ان كان المراد اعم يلزم ان يكون الحج الفاسد داخلا في التعريف و بانه يشمل العمرة ايضا و بان الآتى بالبعض التارك للبعض الذى لا مدخل له في البطلان يصدق عليه اسم الحاج مع عدم شمول
(الصفحة7)
التعريف له.
كما انه اورد الشهيد في الدروس على هذا التعريف بانه يلزم عليه النقل و يلزم على تعريف الشيخ التخصيص و هو خير من النقل و الظاهر ان هذا الايراد عجيب لان النقل يتحقق على كلا التعريفين لانه لا فرق في تحققه بين ان يكون المنقول اليه مغايرا للمنقول عنه بالكلية او يكون مغايرا بالعموم و الخصوص على ان تعريف الشيخ ينطبق على تعريف بعض اهل اللغة فقد عرفت في كلام لسان العرب و في كلام القاموس تعريفه بانه قصد مكة للنسك و الظاهر انه تعريف لغوى و الا لا مجال لذكره في اللغة فتدبر و الذى يسهل الخطب ما افاده صاحب الجواهر من ان الغرض من امثال هذه التعاريف هو الكشف في الجملة فهى اشبه شىء بالتعاريف اللغوية و الامر فيها سهل و بعد ذلك يقع الكلام في الامور الثلاثة المذكورة في المتن فنقول
احدها: الوجوب و هو ثابت بالكتاب و السنة و الاجماع من المسلمين بل بضرورة من الدين و قد وقع التعبير عن وجوبه في الكتاب بما لم يقع عن غيره فان الواجبات و الفرائض قد عبر عن وجوبها و الالزام المتعلق بها اما بمثل صيغة افعل مثل الصلوة و الزكوة و اما بمثل كتب عليكم كما في الصوم و نحوه فان هذا التعبير ايضا ظاهر في الوجوب و قوله تعالى: كتب عليكم القصاص ناظر الى القاتل فانه يجب عليه قبول القصاص إذا اختار ولى الدم ذلك و اما بالاضافة الى ولى الدم فالتعبير بقوله تعالى و لكم في القصاص حيوة يا اولى الالباب.
و كيف كان فالتعبير الوارد في الحج المختص به هو التعبير الوارد في الدين و ثبوت الحق و هو قوله تعالى (و للّه على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا و من كفر فان اللّه غنى عن العالمين)(1) و الظاهر انه انشاء للوجوب بهذه الكيفية و بهذه الصورة لا اخبار كما ربما يحتمل.
1 ـ سورة آل عمران آية 97
(الصفحة8)
و اما قوله تعالى في الذيل: «و من كفر فان اللّه غنى عن العالمين» فيحتمل فيه وجوه:
الاول: ان يكون المراد هو الكفر المتحقق بالترك و المسبب عنه و هو الذى يظهر من بعض الروايات الاتية و اختاره صاحب الجواهر (قدس سره) و عليه فهل المراد هو تحقق الكفر بالترك حقيقة او ان المراد اهمية شأن الترك بحيث يمكن ان يطلق عليه الكفر و لو بالعناية و المسامحة و قد ذكرنا في اول بحث الصلوة من هذا الكتاب انه يستفاد من القرآن ان ترك الصلوة موجب للكفر الذى يتعقبه وجوب القتل و هو قوله تعالى (فاذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم و خذوهم و احصروهم و اقعدوا لهم كل مرصد فان تابوا و اقاموا الصلوة و آتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ان اللّه غفور رحيم)(1). نظرا الى ان مقتضى اطلاق الصدر وجوب قتلهم في جميع الحالات و مع كل الخصوصيات و قد خرج منه في الذيل صورة واحدة فالصور الباقية داخلة تحت اطلاق الصدر فالاية تدل باطلاقها على وجوب قتل المشركين في غير تلك الصورة و من مصاديقه التوبة و الخروج عن الشرك و عدم اقامة الصلوة كما لا يخفى
الثانى: ان يكون المراد هو الكفر المسبب عن انكار وجوب الحج و كونه فرضا و قد حكاه في مجمع البيان عن ابن عباس و الحسن.
الثالث: ان يكون المراد بالكفر هو الكفران في مقابل الشكر لا الكفر المقابل للاسلام و الايمان نظير قوله تعالى: (انا هديناه السبيل اما شاكرا و اما كفورا)(2). نظرا الى ان التكاليف الالهية المتوجهة الى العباد كلها نعم انعمها اللّه على العباد و تفضلها عليهم لان المصالح و المفاسد كلها راجعة الى العباد و لا حقة بهم و عليه فكل تكليف نعمة كما ان اصل الهداية المذكور في الاية لطف و نعمة، و شكر كل تكليف هو العمل على طبقه و الاتيان بمتعلقه كما ان كفرانه هو المخالفة و الترك و عليه فيحتمل
1 ـ سورة التوبة آية 5
2 ـ سورة الانسان آية 3
(الصفحة9)
فى آية الحج ان يكون المراد بالكفر فيها هو الكفران الحاصل بالترك و يظهر هذا الاحتمال من مجمع البيان ايضا.
الرابع: ما افاده بعض الاعلام في شرح العروة ـ على ما في تقريرات بحثه ـ مما هذا الفظه: «ان الظاهر من قوله تعالى: و من كفران من كفر باسبابه و كان كفره منشأ لترك الحج فان اللّه غنى عن العالمين لا ان انكار الحج يوجب الكفر فان الذى يكفر يترك الحج طبعا لانه لا يعتقد به و نظير ذلك قوله تعالى: (ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين و لم نك نطعم المسكين و كنا نخوض مع الخائضين و كنا نكذب بيوم الدين)(1) فان عدم صلوتهم و عدم اتيانهم الزكوة لاجل كفرهم و تكذيبهم يوم القيامة و لا تدل الايات على ان ترك الصلوة موجب للكفر بل الكفر و تكذيب يوم القيامة منشأ لترك الصلوة و عدم اداء الزكوة فلا تدل الاية على ان منكر الحج كافر».
و يرد عليه ان تفسير الكفر بالكفر المتحقق باسبابه و جعله مقدما للجزاء الذى قام مقامه قوله فان اللّه غنى عن العالمين يوجب عدم الارتباط بمسئلة الحج و وجوبه اصلا مع ان ظهور الاية في الارتباط مما لا مجال لانكاره فلا محيص من جعل الكفر باىّ معنى كان مرتبطا بالحج ـ تركا او انكارا ـ فاذا حمل على الكفر الاصطلاحى فلا بد من ان يكون سببه اما الترك و اما الانكار.
و اما التنظير بقوله تعالى: ما سلككم في سقر الى اخر الاية فعجيب فان هذه الاية لا تكون في مقام بيان الكفر و تطبيق عنوان الكافر بل في مقام السبب الموجب للسلوك في النار و هما امران احدهما التكذيب بيوم الدين الذى يكون موجبا للكفر و الثانى ترك الصلوة و الزكوة و قد ثبت في محله ان الكفار مكلفون و معاقبون على الفروع كالاصول و هذه قاعدة فقهية مذكورة في محلها و من جملة ادلتها هذه الاية فلا ارتباط لها بالمقام الذى لا بد ـ كما عرفت ـ من الارتباط بين صدر الاية و ذيلها
1 ـ سورة المدثر آية 42 ـ 46
(الصفحة10)
و تحقق المناسبة بين الكفر و الحج كما لا يخفى فهذا الاحتمال في كمال الضعف ثم ان هذه الاحتمالات مع قطع النظر عن الروايات الواردة في تفسير الاية و اما مع ملاحظتها فنقول:
منها: صحيحة معوية بن عمار عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: قال اللّه: و للّه على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا قال هذه لمن كان عنده مال (الى ان قال) و عن قول اللّه عز و جل و من كفر يعنى من ترك.(1) و قد وقع فيها تفسير الكفر بالترك يعنى ان المراد من الكفر هو الترك و حيث انه لا محيص عن وجود المناسبة بين الامرين و الا لا ارتباط بينهما بوجه لا بد اما من القول بان المناسبة هى السببية و المسببية بمعنى ان ترك الحج سبب للكفر و قد استعمل اللفظ الموضوع للمسبب في السبب و عليه فيكون المراد بالكفر هو الكفر الاصطلاحى المقابل للايمان و اما من القول بان المراد بالكفر هو الكفر بالمعنى اللغوى الذى هو عبارة عن الستر و الاخفاء و قد وقع الاستعمال بهذا المعنى في الكتاب في مثل قوله تعالى: (اعجب الكفار نباته) فان المراد بالكفار هو الزراع لاجل انهم يسترون الحبة في بطن الارض و يخفونها فيها و في المقام يكون ترك الحج و عدم الاتيان به سترا له و اخفاء كما لا يخفى.
و منها: ما رواه الصدوق باسناده عن حماد بن عمرو و انس بن محمد عن ابيه جميعا عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليه السلام) في وصية النبى (صلى الله عليه وآله) لعلى (عليه السلام) قال يا على كفر باللّه العظيم من هذه الامة عشرة: القتات و الساحر و الديوث و ناكح المرئة حراما في دبرها، و ناكح البهيمة، و من نكح ذات محرم، و الساعى في الفتنة، و بايع السلاح من اهل الحرب، و مانع الزكوة، و من وجد سعة فمات و لم يحج يا علىّ تارك الحج و هو مستطيع كافر يقول اللّه تبارك و تعالى و للّه على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا و من كفر فان اللّه غنى عن العالمين يا على من سوف الحج حتى يموت بعثه اللّه
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السابع ح ـ 2
(الصفحة11)
يوم القيامة يهوديا او نصرانيا.(1) و ظاهرها ان مجرد الترك في تمام العمر يوجب تحقق الكفر و لا محالة يكون حين الموت كافرا و لكن حيث لا تكون الطوائف التسعة الاخرى محكومة بالكفر الاصطلاحى الموجب لترتب آثار الكفر من النجاسة و غيرها فلا محالة لا يكون المراد من الكفر المسبب عن ترك الحج ايضا ذلك و يؤيده انه على هذا التقدير كان اللازم ان يقال مات يهوديا او نصرانيا لا انه يبعثه اللّه يوم القيامة كذلك و عليه فهو حين الموت لا يكون كافرا حتى يترتب عليه ما يترتب على الميت الكافر من الاحكام.
و منها: ما رواه الكلينى بسندين احدهما صحيح عن على بن جعفر عن اخيه موسى (عليه السلام) قال ان اللّه عز و جل فرض الحج على اهل الجدة في كل عام و ذلك قوله عز و جل و للّه على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا و من كفر فان اللّه غنى عن العالمين قال قلت فمن لم يحج منا فقد كفر؟ قال: لا و لكن من قال ليس هذا هكذا فقد كفر.(2)
و في معنى ذيل الرواية احتمالان:
احدهما ان يكون المراد ان من قال ليس الحج هكذا اى بواجب و في الحقيقة انكر وجوب الحج فقد كفر.
ثانيهما ما افاده بعض الاعلام من ان الظاهر من ذلك رجوعه الى انكار القرآن و ان هذه الاية ليست من القرآن و ان القرآن ليس هكذا فانه (عليه السلام) استشهد اولا بقول اللّه ـ عز و جل ـ و للّه على الناس حج البيت ثم سئل السائل فمن لم يحج منا فقد كفر قال (عليه السلام) لا و لكن من قال ليس هذا هكذا فقد كفر فالانكار راجع الى انكار القرآن و تكذيب النبى (صلى الله عليه وآله).
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السابع ح ـ 3
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثانى ح ـ 1
(الصفحة12)
و يرد عليه منع ظهور الرواية في ذلك جدا فانه لم يكن البحث في انكار القرآن بوجه و الاستشهاد بالاية لا يدل على كون المراد ذلك بل حيث ان الآية كانت ظاهرة في تحقق الكفر بمجرد ترك الحج و كان ذلك موجبا لتعجب السائل سئل عن المراد منها و لا معنى لكون المراد من الكفر هو الكفر بالآية بعد عدم تمامية الآية بعد نعم حيث يكون وجوب الحج مدلولا عليه بصدر الآية و لادخالة للذيل فيه فلا مانع من فرض الكفر بالوجوب في القضية الشرطية المذكورة في الذيل و اما مع عدم تمامية الآية فلا مجال لفرض الانكار في نفسها بعد عدم تماميتها كما لا يخفى.
ثم ان مقتضى الجمع بين هذه الصحيحة و الصحيحة الاولى ان يقال بان هذه الصحيحة تصير قرينة على امرين احدهما ان المراد من الكفر المفسر بالترك في الاولى ليس هو الكفر اللغوى الذى كان احد الاحتمالين فيها و ثانيهما ان المراد من الترك فيها ليس مجرد الترك و مطلقه بل الترك عن انكار و اعتقاد بعدم الوجوب فيصير معنى الآية بلحاظ الروايات الواردة في تفسيرها هو الكفر المسبب عن الانكار و ينطبق على تفسير ابن عباس و بعض آخر فتدبر.
الامر الثانى من الامور الثلاثة المذكورة في المتن ان مجرد ترك الحج من المعاصى الكبيرة و يدل عليه ـ مضافا الى ما عرفت من اهمية فريضة الحج و عظم شأنه ـ انه قد عد فى الروايات الواردة في بيان المعاصى الكبيرة و تعدادها الاستخفاف بالحج منها و المراد من الاستخفاف ان كان هو الترك فينطبق على المقام و ان كان هو الاتيان عن استخفاف سواء كان لاجل التأخير عن عام الاستطاعة او لاجل عدم الاعتناء بشأنه كما هو و ان اتى به فى عام الاستطاعة فدلالته على المقام انما هى بالاولوية هذا مضافا الى انطباق الضابطة الكلية في المعصية الكبيرة عليه و هى ايعاد اللّه تبارك و تعالى عليها النار او العذاب صريحا او ضمنيا او باللزوم و لذا عد السيد الطباطبائى بحر العلوم ترك الحج منها مستندا الى قوله تعالى: و من كفر فان اللّه غنى عن العالمين
(الصفحة13)
مسئلة ـ 1 لا يجب الحج طول العمر في اصل الشرع الا مرة واحدة. و وجوبه مع تحقق شرائطه فورى بمعنى وجوب المبادرة اليه في العام الاول من الاستطاعة و لا يجوز تأخيره و ان تركه فيه ففى الثانى و هكذا1.
و لكن بملاحظة ما ذكرنا في تفسير الآية من ان المراد هو الكفر الناشى عن الترك عن انكار و جحود لا يبقى للآية دلالة على حكم التارك المحض الخالى عن الانكار و الامر سهل.
الامر الثالث كونه من اركان الدين و يدل عليه ـ مضافا الى ما عرفت ـ الروايات التى رواها الفريقان العامة و الخاصة الدالة على انه بنى الاسلام على خمس على الصلوة و الزكوة و الحج و الصوم و الولاية.(1) فإنه قد جعل مما بنى عليه الاسلام و لعله لذا يطلق عليه حجة الاسلام و لا يضاف غيره اليه و لعل هذا الاطلاق يؤيد ما تقدم من اهمية الحج و افضليته حتى عن الصلوة التى هى عمود الدين و على اى فكونه من اركان الدين مما لا مجال للمناقشة فيه اصلا.
1 ـ قد وقع التعرض في هذه المسئلة لامرين:
احدهما عدم وجوب الحج طول العمر باصل الشرع الامرة واحدة و التقييد باصل الشرع في مقابل الحج الواجب بالنذر و الاستيجار و غيرهما و المخالف في المسئلة الصدوق فانه بعد نقل رواية محمد بن سنان الآتية الدالة على وجوب الحج واحدا قال في محكى العلل: «جاء هذا الحديث هكذا و الذى اعتمده و افتى به ان الحج على اهل الجدة فى كل عام فريضة» ثم استدل بالاحاديث الدالة عليه.
و قد استدل للمشهور بامور:
احدها: الاجماع قال في الجواهر عقيب حكم المتن بعدم الوجوب الامرة واحدة: «اجماعا بقسميه من المسلمين فضلا عن المؤمنين» و حكى الاجماع عن المنتهى ايضا.
1 ـ ئل ابواب مقدمة العبادات الباب الاول
(الصفحة14)
و الظاهر ان الاجماع في مثل المقام لا يكون صالحا للاستناد اليه مستقلا لوجود الادلة الاخرى التى هى المدرك للمجمعين فلا اصالة له اصلا.
ثانيها: الاية الشريفة: (و للّه على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا) نظرا الى ان مقتضاه تعلق الوجوب بالماهية و الامر بطبيعة الحج غاية الامر كونه مشروطا بالاستطاعة و امتثال الامر المتعلق بالماهية يتحقق بايجادها في الخارج و لو مرة لتحقق الطبيعة به فالمستطيع إذا حج في عام الاستطاعة فقد امتثل الامر المتوجه اليه، و التكرار اللازم في مثل الصلوة و الصيام لاجل الادلة الخارجية الدالة عليه لا لنفس الامر بهما فالاية لا دلالة لها على ازيد من المرة و مع الشك في وجوب الزائد يكون مقتضى الاصل البرائة من الوجوب لعدم كون المقام من قبيل الاقل و الاكثر الارتباطيين كما هو واضح.
ثالثها: الروايات الدالة بالصراحة او الظهور على عدم وجوب الزائد مثل: صحيحة هشام بن سالم عن ابى عبد اللّه (عليه السلام)قال: ما كلف اللّه العباد الا ما يطيقون، انما كلفهم في اليوم و الليلة خمس صلوات الى ان قال و كلفهم حجة واحدة و هم يطيقون اكثر من ذلك.(1)و رواية الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) قال انما امروا بحجة واحدة لا اكثر من ذلك لان اللّه وضع الفرائض على ادنى القوة كما قال: «فما استيسر من الهدى» يعنى شاة ليسع القوى و الضعيف و كذلك سائر الفرائض انما وضعت على ادنى القوم قوة فكان من تلك الفرائض الحج المفروض واحدا ثم رغب بعد اهل القوة بقدر طاقتهم.(2) و رواية محمد بن سنان ان ابا الحسن على بن موسى الرضا (عليهما السلام)
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثالث ح ـ 1
2 ـ ئل أبواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثالث ح ـ 2
(الصفحة15)
كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله قال: علة فرض الحج مرة واحدة لان اللّه تعالى وضع الفرائض على ادنى القوم قوة فمن تلك الفرائض الحج المفروض واحدا ثم رغب اهل القوة على قدر طاقتهم.(1)
و غير ذلك من الروايات المصرحة بان من زاد فهو تطوع.
لكن في مقابلها روايات متكثرة ظاهرة في الوجوب في كل عام مثل: ما رواه الكلينى بسندين احدهما صحيح عن على بن جعفر عن اخيه موسى (عليه السلام) قال: ان اللّه ـ عز و جل ـ فرض الحج على اهل الجدة في كل عام و ذلك قوله عز و جل: و للّه على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا و من كفر فان اللّه غنى عن العالمين قال: قلت فمن لم يحج منا فقد كفر؟قال: لا و لكن من قال ليس هذا هكذا فقد كفر.(2) و المناقشة الجارية في الرواية من جهة المتن عبارة عن ظهورها في كون المستفاد من الاية وجوب الحج في كل عام مع انك عرفت عدم دلالتها الا على تعلق الامر بالطبيعة و هى تتحقق في الخارج بوجود فرد واحد و حملها على كون المراد من الرواية كون ذلك تفسيرا للاية و ان كان على خلاف ظاهرها او على كون الاستناد بالاية انما هو لاصل الوجوب من دون خصوصية كونه في كل عام خلاف الظاهر جدا.
و رواية حذيفة بن منصور عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: ان اللّه عز و جل فرض الحج على اهل الجدة في كل عام.(3)
و رواية ابى جرير القمى عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: الحج فرض
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثالث ح ـ 3
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثانى ح ـ 1
3 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثانى ح ـ 2
(الصفحة16)
على اهل الجدة في كل عام.(1)
و رواية اسد بن يحيى عن شيخ من اصحابنا قال: الحج واجب على من وجد السبيل اليه في كل عام.(2)
و رواية عبد اللّه بن الحسن الميثمى رفعه الى ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال ان في كتاب اللّه عز و جل فيما انزل اللّه، و للّه على الناس حج البيت في كل عام من استطاع اليه سبيلا.(3) فان كان المراد مما انزل اللّه هو كون «فى كل عام» جزء من القرآن النازل كما هو ظاهره فلا مجال للاخذ بهذه الرواية الدالة على تحريف الكتاب بعد قيام الادلة الواضحة و البراهين الساطعة على عدم وقوع التحريف بالنقيصة في الكتاب كالزيادة و قد فصلنا القول في هذا المجال في كتابنا: «مدخل التفسير» فليراجع.
و ان كان المراد منه هو تفسير الاية بذلك فلا مانع منه لكنه خلاف ظاهر الرواية
و قد جمع بين الطائفتين بوجوه من الجمع: احدها:
ما استقر به صاحب الوسائل من حمل الطائفة الاولى على الوجوب العينى و الطائفة الثانية على الوجوب الكفائى و قد عقد با بين بهذين العنوانين اورد احد بهما في احد البابين و الاخرى في الاخر و جعله الوجه صاحب الحدائق مؤيدا له بما دل على عدم جواز تعطيل الكعبة و الا استحقوا العقاب و لم يناظروا و انه يجبر الامام الناس على الحج إذا تركوه و نفى البعد عن هذا الوجه صاحب العروة فيها.
و اللازم نقل جملة من الروايات الواردة في الامرين فنقول: اما ما يدل على عدم جواز تعطيل الكعبة فمنها ما في نهج البلاغة عن امير المؤمنين
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثانى ح ـ 4
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثانى ح ـ 6
3 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثانى ح ـ 7
(الصفحة17)
في وصيته للحسن و الحسين (عليهما السلام): اوصيكما بتقوى اللّه...الى ان قال: اللّه اللّه في بيت ربكم لا تخلوه ما بقيتم فانه ان ترك لم تناظروا.(1)
و منها رواية الحسين الاحمسى عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال لو ترك الناس الحج لما نوظروا العذاب او قال انزل عليهم العذاب.(2)
و منها صحيحة حماد عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال كان على ـ صلوات اللّه عليه ـ يقول لولده يا بنى انظروا بيت ربكم فلا يخلون منكم فلا تناظروا.(3)
و اما ما يدل على اجبار الوالى فمنها رواية عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال لو عطل الناس الحج لوجب على الامام ان يجبرهم على الحج ان شاءوا و ان ابوا فان هذا البيت انما وضع للحج.(4)
و منها صحيحة حفص بن البخترى و هشام بن سالم و معاوية بن عمار و غيرهم عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال لو ان الناس تركوا الحج لكان على الوالى ان يجبرهم على ذلك و على المقام عنده و لو تركوا زيارة النبى (صلى الله عليه وآله) لكان على الوالى ان يجبرهم على ذلك و على المقام عنده فان لم يكن لهم اموال انفق عليهم من بيت مال المسلمين.(5) و يرد على هذا الوجه من الجمع ما اورده عليه صاحب الجواهر مما حاصله انه مخالف لاجماع المسلمين على الظاهر و نصوص الاجبار خارجة عما نحن فيه لعدم اختصاصها باهل الجدة كما يدل عليه ذيل صحيحة حفص بل اشتمل ايضا على الجبر على المقام عند البيت و على زيارة النبى (صلى الله عليه وآله) و المقام عنده مع عدم ثبوت
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثالث ح ـ 1
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثالث ح ـ 2
3 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع ح ـ 2
4 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس ح ـ 1
5 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس ح ـ 2
(الصفحة18)
الوجوب الكفائى بالاضافة اليها قطعا ثم نقل عبارة الدروس المشتملة على ان زيارة الرسول و ان كانت مستحبة مؤكدة الا انه يجبر الامام الناس على ذلك لو تركوه لما فيه من الجفاء المحرم كما يجبرون على الاذان و منع ابن ادريس ضعيف الى ان قال: و على كل حال فالوجوب بهذا المعنى خارج عما نحن فيه من الوجوب كفاية على خصوص اهل الجدة المستلزم لكون من يفعله من حج في السنة السابقة منهم مؤديا لواجب و لو كان مع من لم يحج منهم. و العجب من صاحب الوسائل انه مع اختياره هذا الجمع كيف عقد الباب (46) هكذا: باب استحباب الحج و العمرة عينا في كل عام و ادمانهما و لو بالاستنابة فانه مع حكمه بالوجوب الكفائى كيف اختار الاستحباب العينى و لا مجال لاحتمال كون المراد هو الوجوب الكفائى بالنسبة الى خصوص اهل الجدة لعدم تقييد عنوان هذا الباب بغيره فيلزم الجمع بين الوجوب الكفائى و الاستحباب العينى و من الواضح عدم امكانه فتدبر.
ثانيها حمل الطائفة الثانية على الاستحباب و هو محكى عن الشيخ و المحقق في المعتبر و صاحب المدارك و اختاره صاحب الجواهر و قد وجه بان الاخبار الدالة على عدم وجوبه الامرة واحدة نص في مفادها و الاخبار المعارضة لا تكون نصا في الوجوب فيمكن حملها على ارادة الاستحباب و من المحتمل ان يكون المراد من لفظ «الفرض» الواقع في هذه الاخبار معناه اللغوى و هو الثابت و معلوم ان الثبوت اعم من ان يكون بنحو الوجوب او الاستحباب.
و يرد على هذا الوجه ان حمل لفظ «الفرض» على ذلك ان سلمنا امكانه و لكن الامر لا يتم بذلك فانه قد وقع في بعضها الاستشهاد بقوله تعالى: (و للّه على الناس...) و لا معنى للاستشهاد للاستحباب بالآية كما هو اوضح من ان يخفى و قد وقع في بعضها ان «فى كل عام» جزء من التنزيل و وجهناه بكونه تفسيرا له فهل يمكن حمل «فى كل عام» الواقع تفسيرا للآية على الاستحباب فهذا الوجه ايضا غير تام.
(الصفحة19)
ثالثها حمل الطائفة الثانية على الوجوب البدلى بمعنى انه يجب على كل احد مع الاستطاعة ان يحج في عامها و ان تركه ففى العام الثانى و ان تركه ففى العام الثالث و هكذا فمعنى وجوبه في كل عام هو عدم السقوط مع المخالفة و الترك بل هو باق على العهدة الى آخر العمر و قد اختار هذا الوجه الشيخ في محكى التهذيب و العلامة في محكى المنتهى.
و يرد عليه عدم كونه جمعا دلالبا مقبولا عند العقلاء بحيث يكون موجبا لخروج الطائفتين عن التعارض و صيرورتهما مجتمعتين فلا مجال له ايضا.
رابعها ما افاده بعض الاعلام في شرحه على العروة و جعله احسن المحامل و وجوه الجمع من ان الروايات الظاهرة في كون الحج فريضة في كل عام ناظرة الى ما كان يصنعه اهل الجاهلية من عدم الاتيان بالحج في بعض السنين لانهم كانوا يعدون الاشهر بالحساب الشمسى و مقتضاه تداخل بعض السنين في بعض و منه قوله تعالى: (انما النسىء زيادة فى الكفر)(1) فانه رد عليهم بان الحج يجب في كل عام و انه لا يخلو كل سنة عن الحج و بالجملة كانوا يؤخرون الاشهر عما رتبها اللّه تعالى فربما لا يحجون في سنة فالمنظور فى الروايات ان كل سنة قمرية لها حج و لا يجوز خلوها عن الحج لا انه يجب الحج على كل احد في كل سنة.
و اللازم اولا توجيه هذا الكلام بان تركهم الحج في بعض الاعوام ليس لاجل عدهم الاشهر بالحساب الشمسى فان الظاهر عدم كون هذا الحساب معروفا عند الاعراب حتى فى زماننا هذا بل لاجل ما وقع في تفسير الآية المسبوقة بما يدل على ان عدة الشهور عند اللّه اثنا عشر شهرا منها اربعة حرم من ان العرب كانت تحرم الشهور الاربعة و ذلك مما تمسكت به من ملة ابراهيم و اسماعيل و هم كانوا اصحاب غارات و حروب فربما كان يشق عليهم ان يمكثوا ثلاثة اشهر متوالية لا يغزون فيها فكانوا
1 ـ سورة التوبة آية 37
(الصفحة20)
يؤخرون تحريم المحرم الى صفر فيحرمونه و يستحلون المحرم فيمكثون بذلك زمانا ثم يزول التحريم الى المحرم و لا يفعلون ذلك الا في ذى الحجة و حكى عن مجاهد انه قال: كان المشركون يحجون في كل شهر عامين فحجوا في ذى الحجة عامين ثم حجوا فى المحرم عامين ثم حجوا في صفر عامين و كذلك في الشهور حتى وافقت الحجة التى قبل حجة الوداع في ذى القعدة ثم حج النبى (صلى الله عليه وآله) في العام القابل حجة الوداع فوافقت في ذى الحجة.
و من ذلك يظهر ان التأخير لم يكن مستندا الى الحساب الشمسى بل الى تغيير مكان الاشهر من حيث الحلية و الحرمة و مع ذلك لا يكون هذا الوجه بتام فانه لو كان كلمة «فى كل عام» واقعة في آية الحج لكان من الممكن ان تحمل على ما ذكر ردا على ما كان يصنعه العرب في الجاهلية و اما مع وقوعها في الرواية المروية عن موسى بن جعفر (عليه السلام) المتقدمة فلا وجه للحمل على هذا بعد وجود فصل طويل و نسيان ما كان يصنعه العرب في الجاهلية و بطلانه و عدم تحققه اصلا لمضى ازيد من مأة سنة من الاسلام فلا مجال لهذا الحمل.
خامسها ما يخطر بالبال من ان المراد من «كل عام» في الرواية التى اشير اليها ان فرض الحج على اهل الجدة انما يكون على سبيل القضية الحقيقية لا القضية الخارجية بمعنى ان وجوب الحج لا يختص بزمان نزول الآية بل هو حكم ثابت الى يوم القيامة على المستطيع فليس المراد ان المستطيع يجب عليه الحج في كل عام بل المراد ثبوت الحكم الى يوم القيامة و يؤيد هذا الوجه بل يدل عليه التأمل في الرواية المزبورة فانه قد وقع فيها الاستشهاد لفرض الحج على اهل الجدة في كل عام بقوله تعالى و للّه على الناس حج البيت...مع ان مقتضى الاستشهاد الاستناد الى ظاهر الآية و ما كان يفهمه اهل العرف منها لانه لا معنى للاستشهاد بتفسير الآية الذى يكون على خلاف ظاهرها و من المعلوم عدم دلالة الآية على الوجوب في كل
|