(الصفحة21)
عام بمعناه الظاهر الذى ينبق الى الذهن ابتداء فالجمع بين التعرض لهذه الجهة و بين عدم دلالة الآية بالظهور على ذلك يقتضى الحمل على معنى يستفاد من ظاهر الآية و هو ليس الا ما ذكرنا من كون المراد به هى القضية الحقيقية التى هى ظاهر الآية ايضا فتدبر جيدا.
ثم انه لو لم يتم شىء من هذه الوجوه و المحامل و بلغت النوبة الى فرض التعارض بين الطائفتين فاللازم ترجيح ما دل على عدم الوجوب الامرة واحدة لانها موافقة للشهرة الفتوائية لما عرفت من انه لم ينقل الخلاف عن احد سوى الصدوق (قدس سره) و قد حقق في محله ان المستفاد من مقبولة عمر بن حنظلة المعروفة ان اول المرجحات في باب المتعارضين هى الشهرة الفتوائية فاللازم هو الحكم بما عليه المشهور من عدم وجوب الحج على المستطيع الآمرة واحدة طول العمر و ما زاد فهو تطوع.
الامر الثانى من الامرين المذكورين في المتن ان وجوب الحج فورى بمعنى انه يجب الاتيان به في عام الاستطاعة و ان تركه ففى الثانى و هكذا و في الفورية بهذا المعنى جهتان:
احديهما: لزوم الاتيان في عام الاستطاعة فورا و قد تطابقت الفتاوى و الآراء من السلف الى الخلف و من القديم و الحديث على ان وجوب الحج فورى و حكى الاتفاق عليه من الناصريات و الخلاف و شرح الجمل للقاضى و التذكرة و المنتهى و يستدل عليه بامور:
احدها: نفس الاجماع المذكور الكاشف عن رأى المعصوم (عليه السلام) و لم ينقل الخلاف فى هذا الامر حتى من واحد و لكن الكشف في مثله مما يحتمل ان يكون مدرك المجمعين بعض الوجوه الاتية من حكم العقل و من الروايات الواردة في موارد مختلفة محل نظر بل منع فالظاهر انه لا اصالة لهذا الاجماع بل اللازم ملاحظة المدارك
(الصفحة22)
الاخر كما لا يخفى.
ثانيها: ان فورية وجوب الحج من المرتكزات عند المتشرعة المبالين بالشريعة المقيدين بها فانهم يذمون من ترك الحج في اول عام الاستطاعة من دون عذر له و لا يرونه الا تاركا للوظيفة الالهية و مخالفا لما هو واجب عليه في الشريعة و هذا الارتكاز كاشف عن الثبوت في الشرع كما لا يخفى.
و يرد عليه ان هذا الدليل انما يتم على تقدير احراز اتصال هذا الارتكاز بزمن المتشرعة في ازمنة الائمة المعصومين (عليهم السلام) لان الارتكاز الثابت في ذلك الزمان يكشف قطعا عن التلقى عن الامام المعصوم و الاخذ منه و اما مع عدم الاحراز المذكور و احتمال كون منشأ الارتكاز وجود اتفاق المراجع و اصحاب الفتوى من الفقهاء على لزوم الفورية و الرسائل العملية المتفقة في هذه الجهة كما لا تبعد دعويه فلا يكون هذا النوع من الارتكاز بكاشف عن رأى المعصوم (عليه السلام) اصلا.
ثالثها: حكم العقل بانه إذا كان المكلف واجدا لجميع الشرائط التى لها دخل في التكليف و صار التكليف منجزا عليه فلا بد له من تفريغ ذمته فورا و لا عذر له في التأخير مع احتمال الفوت احتمالا عقلائيا و ليس ذلك لاجل دلالة صيغة الامر على الفورية بالدلالة اللفظية لما قد حقق في محله من عدم دلالتها عليها بوجه لا بمادتها و لا بهيئتها بل لاجل حكم العقل بذلك و جواز التأخير في مثل الصلوة انما هو لاجل حصول الوثوق و الاطمينان ببقائه غالبا و ذلك لاجل قصر الوقت الموجب لحصول الاطمينان كذلك و اما فى مثل الحج الذى لا يمكن تحققه في كل عام الامرة فوجود الفصل الطويل يمنع عن تحقق الوثوق فلا مساغ لتأخيره الى العام القابل.
و هذا الدليل و ان كان تاما في نفسه الا انه لا ينطبق على تمام المدعى لان المدعى وجوب الفورية في الحج و لو مع العلم بالبقاء و التمكن من الحج في العام القابل و الدليل لا يقتضى ذلك.
(الصفحة23)
رابعها: الاخبار الواردة في التسويف الدالة على حرمته و هى على طائفتين و قد جمعهما في الوسائل في باب واحد:
الطائفة الاولى ما يدل بظاهرها على حرمة نفس عنوان التسويف الظاهر في مجرد التأخير و لو وقع منه الحج في العام القابل مثل:
صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: قال اللّه تعالى (و للّه على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا) قال: هذه لمن كان عنده مال و صحة، و ان كان سوفه(1)للتجارة فلا يسعه، و ان مات على ذلك فقد ترك شريعة من شرايع الاسلام إذا هو يجد ما يحج به الحديث(2) فان ظاهره عدم كونه من جهة مجرد التسويف في سعة و انه لا يكون مجازا فيه و قوله: و ان مات...انما هو فرض احدى صورتى التسويف و هو ما لو انجر الى الترك و لا دلالة على اختصاص الجملة السابقة بخصوص التسويف الذى يوجب الترك كما هو ظاهر و مرت الاشارة الى ان معنى التسويف يتحقق بمجرد التأخير عن عام الاستطاعة و لو حج في العام القابل و لا يتوقف على التأخير سنين متعددة.
و صحيحة ابى الصباح الكنانى عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال قلت له: ارأيت الرجل التاجر ذا المال حين يسوف الحج كل عام و ليس يشغله عنه الا التجارة او الدين فقال لا عذر له يسوف الحج ان مات و قد ترك الحج فقد ترك شريعة من شرايع الاسلام.(3) و هذه اظهر من الرواية السابقة في الدلالة على وجوب الفورية.
1 ـ فى الطبعة الجديدة من الوسائل بدل «سوفه» بالفاء و التشديد «سوقه» بالقاف و الظاهر انه غلط و يدل عليه الروايات الاخرى المذكورة في المتن
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح ـ 1
3 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح ـ 4
(الصفحة24)
و صحيحة زيد الشحام قال قلت لابى عبد اللّه (عليه السلام) التاجر يسوف الحج؟قال ليس له عذر، فان مات فقد ترك شريعة من شرايع الاسلام.(1) و تفريع الموت على التسويف تفريع على احد فرضيه و لا دلالة له على اختصاصه بفرض الموت
الطائفة الثانية ما يدل على حرمة التسويف فيما إذا كان موجبا للترك الى آخر الموت مثل: رواية معاوية بن عمار قال سئلت ابا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل له مال و لم يحج قط قال هو ممن قال اللّه تعالى و نحشره يوم القيامة اعمى قال قلت له: سبحان اللّه اعمى قال اعماه اللّه عن طريق الحق.(2)
و صحيحة الحلبى عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال إذا قدر الرجل على ما يحج به ثم دفع ذلك و ليس له شغل يعذره به فقد ترك شريعة من شرايع الاسلام الحديث.(3) و رواية ابى بصير قال: سئلت ابا عبد اللّه (عليه السلام) عن قول اللّه ـ عز و جل ـ و من كان في هذه اعمى فهو فى الاخرة اعمى و اضل سبيلا قال: ذلك الذى يسوف نفسه الحج يعنى حجة الاسلام حتى يأتيه الموت.(4) و غير ذلك من الروايات المذكورة في الوسائل في ذلك الباب و الظاهر صحة الاستدلال بهذه الطائفة ايضا كما يظهر من الجواهر و ذلك لانه مع جواز التأخير و عدم فورية الوجوب لا مجال للعذاب بمثل ما ذكر فيها و لا لعدّه تاركا للشريعة و لا محالة يترتب عليه استحقاق العقوبة لانه لم يكن قاصدا لترك الحج بل كان عازما على الاتيان
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح ـ 6
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح ـ 2
3 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح ـ 3
4 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس ح ـ 5
(الصفحة25)
به غاية الامر ان التأخير كان مستندا الى عدم فورية الوجوب نظير من مات في العصر قبل ان يصلى الظهر و العصر فانه لا يكون معاقبا على ترك الصلوتين فالعذاب و استحقاق العقوبة في المقام انما هو لاجل فورية وجوب الحج فالاستدلال صحيح.
و خامسها: الروايات الظاهرة في انه يشترط في النائب ان لا يكون مستطيعا يجب عليه الحج مثل صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) في رجل صرورة مات و لم يحج حجة الاسلام و له مال قال يحج عنه صرورة لا مال له(1). فان الظاهر من المال المنفى في الذيل و لو بقرينة المال المثبت في الصدر هو المال الذى يكفى للحج و تتحقق به الاستطاعة كما لا يخفى و غير ذلك من الروايات و تقريب دلالتها على المقام ان الاشتراط المذكور يكشف عن فورية وجوب الحج لانه لو لم يكن وجوب الحج فوريا لما كان هناك وجه للاشتراط فمن هذا الطريق يستكشف الفورية فيما نحن فيه.
و يرد عليه ان الوجه المذكور و ان كان محتملا الا انه يحتمل ان يكون الوجه مجرد اشتغال الذمة بالحج و ثبوت التكليف فانه يلائم مع الاشتراط ايضا و لا دليل على ترجيح الاحتمال الاول حتى يتم الاستدلال.
و سادسها: الاخبار الواردة في الحج البذلى الظاهرة في وجوب الاتيان به فورا و في عام البذل بضميمة انه لا فرق من هذه الجهة بينه و بين الحج عن الاستطاعة النفسية في جهة الفورية اصلا و هذه الروايات كثيرة:
منها: صحيحة محمد بن مسلم في حديث قال قلت لابى جعفر (عليه السلام) فان عرض عليه الحج فاستحيى؟قال هو ممن يستطيع الحج و لم يستحيى و لو على حمار اجدع ابتر قال فان كان يستطيع ان يمشى بعضا و يركب بعضا فليفعل.(2)
1 ـ ئل ابواب النيابة في الحج الباب الخامس ح ـ 2
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب العاشر ح ـ 1
(الصفحة26)
و صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) في حديث قال فان كان دعاه قوم ان يحجوه فاستحيى فلم يفعل فانه لا يسعه الا ان يخرج و لو على حمار اجدع ابتر.(1) و غير ذلك من الروايات الواردة في هذا الباب.
و يرد عليه ـ مضافا الى انه لا دليل على فورية وجوب الحج البذلى فانه إذا بذل الباذل نففة الحج و لم يقيده بالعام الاول بل كان غرضه مجرد تحقق الحج من المبذول له لا يكون هنا دليل على لزوم الاتيان بالحج فورا نعم فيما إذا دعاه قوم ان يحجوه بحيث لا تبقى الاستطاعة الى العام القابل لان غرضهم مصاحبته معهم في الحج كما إذا كان المبذول له عالما بمسائل الحج فارادوا ان يكونوا معه ليتم حجهم و تكون مناسكهم مطابقة لما في الشريعة ففى مثل هذه الصورة لا تبعد دعوى فورية الوجوب لانتفاء الاستطاعة البذلية بخروج العام و التحقيق يأتى في محله ـ انه لا دليل على مساواة الامرين فاذا كانت الفورية ملحوظة في وجوب الحج البذلى فلا دليل على اعتبارها في غيره من الحج عن استطاعة لعدم الدليل على التساوى و بطلان القياس.
و سابعها: الروايات الدالة على وجوب استنابة الموسر في الحج إذا منعه مرض او كبر او عدوّ او غير ذلك مثل صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: ان عليا (عليه السلام) رأى شيخا لم يحج قط و لم يطق الحج من كبره فامره ان يجهز رجلا فيحج عنه.(2)
و صحيحة الحلبى عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) في حديث قال: و ان كان موسرا و حال بينه و بين الحج مرض او حصر اوامر يعذره اللّه فيه فان عليه ان يحج عنه من ماله صرورة لا مال له.(3)
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب العاشر ح ـ 3
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و العشرون ح ـ 1
3 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و العشرون ح ـ 2
(الصفحة27)
و تقريب دلالتها انه لو لم يكن وجوب الحج فوريا لما كان هناك وجه لوجوب الاستنابة المذكورة لانه مع مشروعية التأخير لا يجب عليه الاستنابة.
و فيه ان هذا الاستدلال تام لو كان مفاد الروايات وجوب الاستنابة في العام الاول من الاستطاعة ايضا لانه لا يجتمع ذلك مع مشروعية التأخير مع ان الظاهر انصراف الروايات عن هذا الفرض و ان موردها ما إذا استقر على المستطيع الحج بالترك في العام الاول مع القدرة عليه من جميع الجهات فانه في هذه الصورة مع وجود حائل بينه و بين الحج من مرض او كبر او عدو او غير ذلك تجب عليه الاستنابة فلا دلالة لهذه الروايات على حكم المقام.
و ثامنها: ما رواه الصدوق عن الفضل بن شاذان عن ابى الحسن الرضا (عليه السلام)(1) انه كتب الى المأمون تفصيل الكبائر و من جملتها الاستخفاف بالحج نظرا الى صدقه بمجرد التأخير عن عام الاستطاعة و عليه فاذا كان التأخير معصية كبيرة فاللازم ان تكون الفورية واجبة كما هو ظاهر.
و يرد عليه انه لا يعلم صدق الاستخفاف على التأخير عن عام الاستطاعة و يأتى الكلام فيه في بحث كون التأخير كبيرة ام لا فانتظر.
إذا عرفت ما ذكرنا من الوجوه الثمانية فقد ظهر لك تمامية دلالة بعضها و صحة الاستدلال به و ان كان في كثير منها مناقشة بل منع كما مر و عليه فلا ينبغى الاشكال في فورية وجوب الحج بالنظر الى الدليل.
و بعد ذلك يقع الكلام فيما يرتبط بالفورية في مقامين:
احدهما: انه قد صرح المحقق في الشرايع بان التأخير مع الشرائط كبيرة موبقة و قال السيد في العروة لا يبعد كونه كبيرة كما صرح به جماعة و يمكن استفادته من جملة من الاخبار و استدل عليه صاحب الجواهر بامرين:
1 ـ ئل ابواب جهاد النفس الباب السادس و الاربعون ح ـ 33
(الصفحة28)
الاول كونه كذلك في نظر اهل الشر (عليه السلام) و مرجعه الى ثبوت ارتكاز المتشرعة على كونه معصية كبيرة فانهم لا يرون من اخر الحج عن عام الاستطاعة الا كذلك و يقدحون في عدالته.
و الظاهر ان هذا الارتكاز على تقدير الثبوت يكشف عن موافقة المعصوم (عليه السلام) و عن التلقى عنه و ليس كالارتكاز في اصل فورية الوجوب الناشى عن الآراء و الفتاوى و الرسائل العملية لعدم وجود الاتفاق هنا بل لم يتعرض له الجميع كما انه لم يتعرض له الماتن ـ ادام اللّه ظله الشريف ـ فلا محالة يكون هذا الارتكاز كاشفا و لكن الظاهر امكان المناقشة في اصل ثبوت هذا الارتكاز فان القدر المتيقن منه كون التأخير معصية و اما كونه معصية كبيرة قادحة في العدالة فلا.
الثانى رواية فضل بن شاذان المتقدمة آنفا الدالة على ان الاستخفاف بالحج من المعاصى الكبيرة و التأخير عن عام الاستطاعة يتحقق به الاستخفاف.
و فيه انه يحتمل ان يكون المراد بالاستخفاف هو الاستخفاف النظرى و الاعتقادى بمعنى عدم اعتقاده كونه من الفرائض المهمة الالهية و ان كان اصل وجوبه معتقدا له و يؤيده انه يستعمل الاستخفاف في مقابل الترك فانه فرق بين تارك الصلوة و بين المستخف له و في الحديث عن الصادق (عليه السلام) انه في ساعات اخر عمره الشريف امر بجمع اقوامه و المتقربين اليه و قال لهم ان شفاعتنا لا تنال مستخفا بالصلوة و مع ملاحظة ان امر الصلوة في الوقت دائر بين الفعل و الترك و ان الاستخفاف غير التارك يستفاد منه ان الاتى بالصلوة مع عدم اعتقاد كونها من اهم الفرائض و اعظم الواجبات لا تناله شفاعة اهل البيت (عليهم السلام) و عليه فلا دلالة لرواية فضل على ان من اخر الحج مع اعتقاد ما فيه من الاهمية و العظمة و اتى به في العام القابل يكون مستخفا بالحج كما لا يخفى.
ثم على تقدير كون المراد بالاستخفاف هو الاستخفاف العملى و لا بد ـ ح ـ من
(الصفحة29)
ان يكون المراد به هو الترك فهل يصدق على مجرد الترك في عام الاستطاعة او يتحقق بالترك الى آخر العمر الذى وقع التعرض له في روايات التسويف المتقدمة و الظاهر هو الاول فتدبر.
و يمكن الاستدلال على كون التأخير معصية كبيرة بالاية الشريفة الواردة في الحج المشتملة على قوله تعالى (و من كفر ...) بناء على ان يكون سبب الكفر هو مجرد الترك لا الترك الناشى عن اعتقاد عدم الوجوب ـ كما اخترناه في تفسير الاية ـ و على ان يكون المراد بالترك مطلق الترك الحاصل بالترك في عام الاستطاعة لا الترك المطلق المتوقف على الترك الى ان يموت فان اطلاق الكفر على الترك بناء على الامرين لا بد و ان يكون بنحو العناية و التسامح و لكن يستفاد منه كونه معصية كبيرة لانه لا مجال لاطلاق الكفر و لو مجازا على المعصية غير الكبيرة كما هو واضح.
و الظاهر منع كلا الامرين اما الاول فقد اشير اليه آنفا و اما الثانى فلظهور الآية في الترك المطلق و ان مفادها نظير مفاد الاخبار الواردة في التسويف الى ان يموت و لا ملازمة بين الكفر الناشى عن ترك الحج الى آخر العمر و بين الكفر الناشى عن مجرد التأخير عن عام الاستطاعة كما لا يخفى و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه لا مجال لاثبات كون التأخير معصية كبيرة و لعله لذا لم يقع التعرض له في المتن مع وقوع التصريح به في الشرايع.
ثانيهما: قد فسرت الفورية في المتن تبعا للفقهاء بانه تجب المبادرة في العام الاول من الاستطاعة و ان تركه فيه ففى الثانى و هكذا و مرجعه الى اعتبار الفورية في جميع السنوات على تقدير المخالفة في السابقة و الدليل عليه بعض ما يدل على اصل اعتبار الفورية كالاخبار الواردة في التسويف الدالة على عدم جوازه بعنوانه و بطبيعته و من المعلوم انه كما ان التأخير عن العام الاول تسويف كذلك التأخير عن العام الثانى مع عدم الاتيان به في العام الاول فلا مجال لتوهم انه على تقدير مخالفة الفورية
(الصفحة30)
مسئلة ـ 2 لو توقف ادراكه على مقدمات بعد حصول الاستطاعة من السفر و تهيئة اسبابه وجب تحصيلها على وجه يدركه في ذلك العام، و لو تعددت الرفقة و تمكن من المسير بنحو يدركه مع كل منهم فهو بالتخيير، و الاولى اختيار اوثقهم سلامة و ادراكا، و لو وجدت واحدة و لم يكن له محذور في الخروج معها لا يجوز التأخير الا مع الوثوق بحصول اخرى1.
في العام الاول تسقط الفورية بالمرة و لا يجب عليه المبادرة فى العام الثانى كما هو ظاهر
1 ـ قد وقع التعرض في هذه المسئلة لحكم امرين:
احدهما المقدمات من السفر و تهيئة اسبابه بعد حصول الاستطاعة التى هى شرط التكليف و قد حكم بوجوب تحصيلها على وجه يدرك الحج في ذلك العام و المراد من الوجوب هو الوجوب الشرعى بناء على الالتزام بامرين احدهما الوجوب المعلق في مقابل الوجوب المنجز و قد وقع البحث في الاصول في استحالته و امكانه نظرا الى انفكاك البعث عن المبعوث اليه لمدخلية الوقت المخصوص في تحقق الحج فاذا قلنا بفعلية الوجوب بمجرد الاستطاعة يصير الوجوب فعليا و الواجب استقباليا و القائل بالاستحالة لا يرى امكان الانفكاك كما ان القائل بالعدم لا يرى منعا فيه و التحقيق في محله و ثانيهما ثبوت الملازمة العقلية بين وجوب ذى المقدمة و الوجوب الشرعى للمقدمة فانه ـ ح ـ يصير وجوب تحصيل المقدمات في باب الحج وجوبا شرعيا لاقتضاء الامر الاول ثبوت التكليف بالحج قبل الموسم بعد حصول الاستطاعة و اقتضاء الامر الثانى وجوب تحصيل المقدمات بالوجوب الشرعى لان المفروض ثبوت الملازمة بين الوجوبين الشرعيين.
اما لو قلنا باستحالة الواجب المعلق و ان دخالة الوقت في باب الحج كدخالته في باب الصلوة حيث لا تجب قبله فوجوب تحصيل المقدمات ـ ح ـ يصير وجوبا عقليا لان العقل يحكم بانه إذا توقف اتيان المأمور به في وقته على ايجاد مقدمات قبله لا محيص عن الاتيان بها و تحصيلها بحيث يقدر على
(الصفحة31)
اتيان المأمور به في وقته و يعبر عن هذا بلزوم المقدمات المفوتة كما انه إذا انكرنا الملازمة في بحث مقدمة الواجب تكون المقدمة محكومة باللابدية العقلية لتوقف حصول المأمور به عليها لفرض المقدمية فالوجوب في هاتين الصورتين يكون وجوبا عليا و في الفرض الاول يكون شرعيا كما عرفت.
ثانيهما تعدد الرفقة و فيه فرضان:
الاول: ما إذا كانوا موافقين في الخروج زمانا و الظاهر انه لا اشكال في انه إذا كانوا متفقين في اصل الوثاقة و في مرتبتها و تمكن من المسير مع كل منهم يكون مخيرا في الخروج مع اىّ واحد منهم كما انه لا اشكال في انه إذا كانوا مختلفين في اصل الوثاقة فاللازم بحكم العقل اختيار من يثق بوصوله و ادراكه الحج معه و لا يجوز له اختيار من لا يثق بوصوله و ادراكه الحج.
و اما إذا كانوا مختلفين في مرتبة الوثاقة كما إذا كان بعضهم اوثق من الاخر فظاهر السيد في العروة لزوم اختيار الاوثق سلامة و ادراكا و صريح المتن عدم الوجوب و ان الاولى ترجيح الاوثق و هو اولى لانه لا دليل على مرجحية الاوثقية عند العقل بعد كون الملاك بنظره هو مجرد الوثاقة المشتركة بين الجميع كما انه لا دليل عليها في الشرع فيجوز له اختيار غير الاوثق كما لا يخفى.
الثانى: ما إذا كانوا مختلفين في الخروج من حيث الزمان او كانت هناك رفقة واحدة و احتمل وجود اخرى و هذه الصورة مذكورة في المتن فانه ليس المراد بوحدة الرفقة المذكورة فيه هو الانحصار الحاصل بالعلم بعدم وجود اخرى فانه ـ مضافا الى عدم كونه مرادا له ـ يغايره استثناء صورة حصول الوثوق بحصول اخرى بعد ظهور كون الاستثناء متصلا.
و كيف كان ففى هذا الفرض اقوال اربعة:
الاول: ما افاده الشهيد في «الروضة» من وجوب الخروج مع الرفقة الاولى
(الصفحة32)
و ظاهره ثبوت الوجوب و لو مع العلم بالتمكن من المسير مع الثانية و ادراك الحج معها نظرا الى ان مجرد التأخير تفريط في اداء الواجب فاللازم الخروج مع الاولى مطلقا.
الثانى: ما عن الشهيد في الدروس من عدم جواز التأخير الا مع الوثوق بالثانية و بالتمكن من المسير و ادراك الحج معها و قد تبعه في المتن.
الثالث: ما احتمله قويا في المدارك حيث انه بعد استحسانه لما نقله عن الدروس قال: بل يحتمل قويا جواز التأخير بمجرد احتمال سفر الثانية لانتفاء الدليل على فورية المسير بهذا المعنى.
الرابع: ما حكاه في المدارك عن التذكرة من انه اطلق جواز التأخير عن الرفقة الاولى قال لكن المسئلة في كلامه مفروضة في حج النائب و الظاهر انه لا ارتباط بين المسئلتين فان الحج النيابى تابع من جهة الفورية و من سائر الخصوصيات لما يدل عليه عقد الاجارة لفظا او انصرافا و هذا بخلاف المقام الذى يرتبط بما هو المستفاد من الادلة اللفظية الشرعية الدالة على الفورية بضميمة حكم العقل بلزوم تحصيل المقدمات فتصير الاقوال فى المسئلة ثلاثة.
و الظاهر هو القول الثانى الذى هو الوسط بين القولين لان تعين الخروج مع الرفقة الاولى و لو مع العلم او الوثوق الذى يقوم مقامه عند العقلاء يحتاج الى دليل و دعوى كون مجرد التأخير تفريطا في اداء الواجب ممنوعة جدا فانه بعد فرض تعدد الرفقة و عدم الفرق بين الاولى و الثانية بل ربما كانت الثانية اوثق سلامة و ادراكا لا يحكم العقل بتعين الخروج مع الاولى و عدم جواز التأخير لحصول الغرض و هو ادراك الحج في عام الاستطاعة على كلا الفرضين كما هو المفروض.
كما انه لا مجال لاحتمال جواز التأخير بمجرد احتمال حصول اخرى او التمكن منها فان التأخير بذلك مع احتمال الفوت و عدم الادراك و المفروض التمكن مع
(الصفحة33)
القافلة الاولى لا يسوّغه العقل و الدليل عليه ما عرفت من لزوم المبادرة بضميمة حكم العقل فانه لا يرى مجالا للتأخير في هذه الصورة اصلا.
ثم انه في صورة الوثوق التى يجوز فيها التأخير لو صادف عدم خروج قافلة اخرى او عدم التمكن من المسير معه لا يكون ترك الحج في العام الاول موجبا لاستحقاق العقوبة و تحقق المعصية بوجه.
و اما في صورة عدم جواز التأخير لعدم الوثوق فان صار التأخير مستلزما لفوات الحج لعدم خروج الرفقة الثانية فرضا فلا اشكال في استحقاق العقوبة على ترك الحج و عدم الاتيان بما هو الواجب عليه من رعاية المبادرة و الفورية و اما إذا لم يترتب عليه فوات الحج بل حصلت الفرقة الثانية و تمكن من المسير معها و خرج و ادرك الحج فهل يترتب على مجرد التأخير غير الجائز استحقاق العقوبة ام لا ظاهر الجواهر الترتب حيث قال: «و الا ـ اى و ان لم يثق ـ فالعصيان ثابت له من حيث التعرض للمعصية و الجرأة عليها بالتأخير عن الرفقة الاولى مع عدم الوثوق بالثانية و ان تبين له الخلاف بعد ذلك و التمكن اللاحق لا يرفع حكم الاجتراء السابق».
و الظاهر عدم تحقق التجرى بمجرد عدم الوثوق فان الاحتمال الذى يتساوى طرفاه لا يجتمع مع تحققه بل الظاهر انه يتحقق في خصوص صورة الوثوق بالخلاف فلا يجرى ما افاده في جميع صور المسئلة.
ثم ان ظاهر الجواهر انه لا فرق بين الوثوق و بين مطلق الظن مع ان الظاهر كون الوثوق هو الظن القوى المتاخم للعلم الذى يعبر عنه بالاطمينان و يعامل معه عند العقلاء و العرف معاملة العلم و الا فمجرد الظن مع عدم اعتباره بوجه لا يستلزم جواز التأخير لعدم الفرق بينه و بين الاحتمال بوجه.
(الصفحة34)
مسئلة 3 ـ لو لم يخرج مع الاولى مع تعدد الرفقة في المسئلة السابقة او مع وحدتها و اتفق عدم التمكن من المسير او عدم ادراك الحج بسبب التأخير استقر عليه الحج و ان لم يكن اثما، نعم لو تبين عدم ادراكه لو سار معهم ايضا لم يستقر بل و كذا لو لم يتبين ادراكه لم يحكم عليه بالاستقرار1.
1 ـ كان البحث في المسئلة السابقة مرتبطا بالحكم التكليفى و في هذه المسئلة بالحكم الوضعى و هو الاستقرار و عدمه و ظاهر المتن استقرار الحج بمجرد التأخير و لو كان جائزا كما في صورة الوثوق برفقة ثانية و التمكن من المسير معها فانه لو تبين خلافه و لم تحصل الثانية او لم يتمكن من الخروج معها او لم يدرك الحج مع الخروج يستقر عليه الحج فيجب عليه الاتيان به و لو زالت الاستطاعة في العام الثانى و لكنه مبنى على ان يكون موضوع الحكم بالاستقرار مجرد ترك الحج مع التمكن ـ منه كما قد صرح به في العروة ـ و لكن المحكى عن المحقق (قدس سره) ان موضوع الحكم المذكور هو الاهمال و الترك العمدى و من المعلوم انه لا يتحقق الا في صورة الترك رأسا و عدم الخروج مع شىء من القوافل او في صورة الترك المستند الى عدم الخروج مع عدم الوثوق بالثانية فانه يتحقق ـ ح ـ عنوان الاهمال و لو كان مقرونا بمجرد الاحتمال مع الوثوق المسوغ للتأخير فلا مجال لصدق الاهمال و عليه فلا يحكم عليه بالاستقرار و حيث ان بحث الاستقرار من المباحث المهمة الآتية و الظاهر عدم ورود دليل خاص فيه بل يكون مستفادا من الادلة الواردة في الموارد المختلفة و من الاحكام الاخرى الثابتة فيها فاللازم احالة التحقيق في ذلك الى محله.
ثم انه قد استثنى في المتن موردان عن حكم الاستقرار:
احدهما ـ صورة تبين عدم الادراك لو سار مع الرفقة الاولى و الوجه فيه تبين عدم التمكن من الحج في العام الاول بوجه فلا مجال للاستقرار اصلا.
ثانيهما ـ صورة الشك في الادراك مع الرفقة الاولى و الوجه في عدم الاستقرار
(الصفحة35)
القول في شرائط وجوب حجة الاسلام
و هى امور: احدها الكمال بالبلوغ و العقل فلا يجب على الصبى و ان كان مراهقا، و لا على المجنون و ان كان ادواريا ان لم يف دور افاقته باتيان تمام الاعمال مع مقدماتها غير الحاصلة، و لو حج الصبى المميز صح لكن لم يجز عن حجة الاسلام و ان كان واجدا لجميع الشرائط عدا البلوغ و الاقوى عدم اشتراط صحة حجه باذن الولى و ان وجب الاستئذان في بعض الصور1.
فيها انه بناء على المبنى الاول ايضا لا بد من احراز موضوع الحكم بالاستقرار و المفروض الشك في التمكن و عدمه فلا يترتب الاستقرار مع الشك في موضوعه كما لا يخفى.
1 ـ فى هذا الامر جهات من البحث:
الاولى: عدم وجوب حجة الاسلام على الصبى مطلقا و ان كان مميز مراهقا و عدم وجوبها على المجنون مطلقا و ان كان ادواريا و الوجه فيه ـ مضافا الى الاجماع المحقق ـ الروايات العامة الظاهرة في انه رفع القلم عن الصبى حتى يحتلم و عن المجنون حتى يفيق الدالة على رفع قلم التكليف مطلقا.
و يدل عليه في خصوص المقام الروايات الآتية في الجهة الثانية الدالة على ان حج الصبى لا يجزى عن حجة الاسلام فانه لو كان الحج واجبا عليه بالاستطاعة لكان حجه حجة الاسلام.
نعم يستثنى من المجنون الادوارى ما إذا كان دور افاقته وافيا باتيان تمام الاعمال و المناسك و تحصيل المقدمات غير الحاصلة فانه ـ ح ـ عاقل يتمكن من الحج بمقدماته فهو واجب عليه كما في العاقل المطلق و كما في سائر التكاليف و الوظائف فلا اشكال في هذه الجهة من البحث.
(الصفحة36)
الثانية: صحة حج الصبى و عدم اجزائه عن حجة الاسلام و ان كان واجدا لجميع الشرائط سوى البلوغ و يدل عليه روايات: منها صحيحة اسحاق بن عمار قال سئلت ابا الحسن (عليه السلام) عن ابن عشر سنين يحج؟قال: عليه حجة الاسلام إذا احتلم و كذا الجارية عليها الحج إذا طمثت.(1)
و منها رواية شهاب عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) في حديث قال سئلته عن ابن عشر سنين يحج قال عليه حجة الاسلام إذا احتلم و كذا الجارية عليها الحج إذا طمثت.(2)
و منها رواية مسمع بن عبد الملك عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) في حديث قال لو ان غلاما حج عشر حجج ثم احتلم كانت عليه فريضة الاسلام.(3) و هذه الروايات الثلاثة مشتركة في الدلالة على عدم كون حج الصبى حجة الاسلام و انه لا يجزى عنه بعد البلوغ و لو كان حجه واجدا لجميع الشرائط و الخصوصيات سوى البلوغ و اما كون الوجه فيه هو بطلان عبادة الصبى و الحج الصادر منه او ان الوجه شىء آخر يجتمع مع صحة عباداته و حجه فلا دلالة للروايات عليه اما الرواية الاخيرة فدلالتها باعتبار عدم اشتمالها على السؤال المذكور في الاولتين واضحة لان ثبوت حجة الاسلام بعد الاحتلام يجتمع مع كلا الاحتمالين و اما غيرها فلا يظهر من السؤال فيه مفروغية صحة حج الصبى عند السائل حتى يكون الجواب ظاهرا في التقرير لان مجرد فرض صدور الحج من ابن عشر سنين لا دلالة فيه على ثبوت الصحة و التعرض في الجواب لعدم الاجزاء بصورة وجوب حجة الاسلام عليه بعد الاحتلام لا يكون قرينة على ان مورد السؤال هو الاجزاء حتى يقال بانه
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثانى عشر ح ـ 1
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثانى عشر ح ـ 2
3 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثالث عشر ح ـ 2
(الصفحة37)
لابد في الاجزاء و عدم الاجزاء من فرض الصحة لان الحج الباطل لا مجال لاجزائه عن حجة الاسلام اصلا فاللازم استفادة صحة حج الصبى من الروايات الاخرى او من القاعدة الكلية الدالة على ان عبادة الصبى شرعية و قد حققناها في كتابنا: «القواعد الفقهية» و سيأتى في ذيل هذه الجهة انشاء اللّه تعالى.
و منها ما رواه الصدوق باسناده عن ابان بن الحكم قال: سمعت ابا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: الصبى إذا حج به فقد قضى حجة الاسلام حتى يكبر(1) و الكلام في هذه الرواية تارة من حيث السند و اخرى من حيث الدلالة.
اما الاول فقد روى صاحب الوسائل الرواية عن ابان بن الحكم و ربما يقال مع توضيح منا: انه لا وجود له في الكتب الرجالية و لا في كتب الحديث و الصحيح كما في محكى الفقيه هو ابان عن الحكم و الظاهر ان ابانا هذا لا يكون ابان بن تغلب الذى هو من اعاظم الرواة وثقاتهم لعدم روايته عن غير الامام (عليه السلام) غالبا و لا يكون ابان بن عثمان ايضا لعدم ثبوت رواية له عن حكم بن الحكيم نعم يوجد فمن روى عن حكم بن الحكيم الصيرفى الثقة روايتان رواهما ابان عنه ـ كما في جامع الرواة و ازاحة الاشتباهات عن الطرق و الاسناد: احد بهما في التهذيب و الاخرى في الكافى و لكن لا يعلم حاله من جهة الوثاقة فالرواية من حيث السند ضعيفة هذا و لكن الظاهر انه هو ابان بن عثمان الثقة و الرواية معتبرة من حيث السند كما سيأتى في بعض المباحث الآتية انشاء اللّه تعالى.
و قد صرح هذا القائل ايضا في بعض المباحث الاتية بان الراوى عن حكم بن الحكيم هو ابان بن عثمان و قد حكى ذلك ايضا عن المجلسى في المرآت.
و اما من حيث الدلالة فظاهرها اطلاق حجة الاسلام على حج الصبى و ان كان التقييد بقوله: حتى يكبر ظاهرا ايضا في عدم اجزائه عن الحج بعد الكبر
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثالث عشر ح ـ 1
(الصفحة38)
و هذا تصير قرينة على ان الاطلاق المذكور ليس مبتنيا على الاصطلاح المعروف في حجة الاسلام بل المراد به هو الحج المشروع في الاسلام او الحج الواقع في حال الاسلام.
و ربما يقال بانه قد اطلق حجة الاسلام على حج النائب في بعض الروايات مع انه لا اشكال في بقاء حجة الاسلام على النائب لو استطاع.و الرواية التى اشير اليها هى موثقة معاوية بن عمار قال سئلت ابا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل حج عن غيره يجزيه ذلك عن حجة الاسلام؟ قال: نعم.(1)
ولكن لو كان مرجع الضمير في قوله «يجزيه» هو الغير الذى هو المنوب عنه بحيث كان مرجع السؤال الى كفاية حج النائب عن المنوب عنه لا يبقى للاستشهاد به مجال كما انه لو كان مرجع الضمير هو الرجل النائب لكانت الرواية دالة على الاجزاء غاية الامر كونها مخالفة للنصوص الاخر و الفتاوى نعم لو اريد توجيهها تصير كالمقام.
ثم انك عرفت انه لا دلالة للروايات الدالة على ان حج الصبى لا يكفى عن حجة الاسلام بعد ما بلغ على صحة حج الصبى و مشروعيته و استحبابه و لكن يستفاد ذلك من طرق آخر: احدها: نفى الخلاف عنه و في محكى ظاهر التذكرة و المنتهى انه لا خلاف فيه بين العلماء بل ادعى عليه الاجماع كما في المستند و هذا الاتفاق في مسئلة الحج إذا انضم الى الخلاف في مسئلة مشروعية عبادات الصبى يكشف عن ان للحج خصوصية من بين العبادات و لا تكون من صغريات تلك القاعدة و لكن حيث يحتمل ان يكون مستند المجمعين بعض الوجوه الآتية يخرج الاجماع عن الاصالة و لا تكون له كاشفية بنفسه كما هو ظاهر.
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الواحد و العشرون ح ـ 4
(الصفحة39)
ثانيها: الاخبار الدالة على رجحان الحج و استحبابه و ترتب فوائد كثيرة اخروية و دنيوية فانها ـ بعمومها او اطلاقها ـ تشمل الصبى ايضا و قد اورد كثيرا منها في الوسائل في الباب الثامن و الثلاثين من ابواب وجوب الحج و شرائطه و من المعلوم انه لا مجال لتخصيصها او تقييدها بحديث رفع القلم عن الصبى بعد ظهوره في نفسه بلحاظ كلمة الرفع و تعديته بعن و بلحاظ وقوعه في مقام الامتنان في رفع خصوص التكاليف الالزامية لعدم ثبوت الكلفة و المشقة في غيرها و عدم كون رفعه ملائما للامتنان بوجه فتبقى دلالة هذه الروايات باقية على عمومها و اطلاقها شاملة للصبى ايضا.
ثالثها: الاخبار الدالة على استحباب احجاج الصبى غير المميز بتقريب انه إذا كان احجاج الصبى غير المميز مستحبا فحج الصبى المميز مستحب بالاولوية القطعية بل ربما يقال ان بعض هذه الاخبار يشمله بل يختص به مثل: صحيحة زرارة عن احدهما (عليهما السلام) قال: إذا حج الرجل بابنه و هو صغير فانه يامره ان يلبّى و يفرض الحج فان لم يحسن ان يلبّى لبّوا عنه و يطاف به و يصلى عنه قلت ليس لهم ما يذبحون قال: يذبح عن الصغار و يصوم الكبار و يتقى عليهم ما يتقى على المحرم من الثياب و الطيب و ان قتل صيدا فعلى ابيه.(1)نظرا الى صراحتها في انه انما يحج بالصبى ان لم يقدر على ان يحج بنفسه و الاحج بنفسه.
و يرد عليه ان قوله: «فان لم يحسن ان يلبّى» و ان كان ظاهرا في ثبوت فرضين الا ان الظاهر كون كلا الفرضين مصداقا للصبى غير المميز غير القادر على ان يحج بنفسه و الشاهد عليه قوله (عليه السلام) بعد ذلك و يطاف به و يصلى عنه فانه حكم في كلا الفرضين فمن اين يستفاد حج الصبى بنفسه كما لا يخفى و اما قوله يأمره ان يلبّى و يفرض الحج فليس المراد به هو اذنه له في ان يحج و الا لا يلتئم مع قوله «حج الرجل بابنه» فانه ظاهر في الاحجاج فالمراد من الامر بالتلبية هو تلقينه اياها كما لا يخفى
1 ـ ئل ابواب اقسام الحج الباب السابع عشر ح ـ 5
(الصفحة40)
و رواية ابان بن الحكم قال سمعت ابا عبد اللّه (عليه السلام)يقول الصبى إذا حج به فقد قضى حجة الاسلام حتى يكبر، و العبد إذا حج به فقد قضى حجة الاسلام حتى يعتق.(1) بتقريب ان الذيل قرينة على ان المراد من «حج به» هو الامر بالحج و الاذن له فيه لانه لا معنى لاحجاج العبد في مقابل الصبى و قد عرفت ان الصحيح هو ابان عن الحكم و ان ابانا هذا هو ابان بن عثمان فالرواية من حيث السند لا مجال للخدشة فيها.
و اما الاولوية المذكورة اولا فغير واضحة لان استحباب الاحجاج ثابت في حق الولى فكيف يستفاد منه الاستحباب على الصبى بنفسه إذا كان مميزا و لكن الطريق الثانى كاف فى اثبات المشروعية و الصحة و ان لم نقل بها في سائر العبادات.
الجهة الثالثة في اعتبار اذن الولى في مشروعية حج الصبى و استحبابه و عدمه و المنسوب الى المشهور الاعتبار بل في الجواهر استظهار الاجماع من نفى الخلاف فيه بين العلماء في محكى المنتهى و التذكرة و لكن الذى ذهب اليه السيد في العروة و اختاره اكثر المتأخرين منه هو العدم و استدل للمشهور بامرين:
احدهما ـ ان الحج عبادة خاصة متلقاة من الشارع و قد قام الدليل على مشروعيته مضافا الى البالغ ـ في حق الصبى الذى اذن له الولى لانه القدر المتيقن من الادلة الدالة على المشروعية للصبى و في غير هذه الصورة نشك في اصل المشروعية و مع الشك فيها تجرى اصالة العدم و لا مجال لقياس المقام على الموارد التى تكون اصل المشروعية مسلما و لكن الشك وقع في قيد وجودى او عدمى كموارد دوران الامر بين الاقل و الاكثر الارتباطيين حيث يرجع فيها عند عدم الاطلاق الى اصالة البرائة عن وجوب الزائد و الوجه فيه كون اصل المشروعية في المقام مشكوكا.
و الجواب عنه انه لا فرق في جواز الرجوع الى الاطلاق بين الصورتين اصلا
1 ـ ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس عشر ح ـ 2
|