(الصفحة221)
و هى الاستطاعة المالية و لو بسبب الاجارة.
ثم انه على فرض وجوب التقديم ففى المتن ان هذا التقديم انما هو فيما إذا كان الاستيجار للسنة الاولى و مفهومه انه إذا لم يكن الاستيجار لخصوص هذه السنة لا بد من تقديم حجة الاسلام مع انه في هذا الفرض لا يجب التقديم مطلقا لانه إذا علم بانه إذا صرف الاستطاعة في حجة الاسلام لا يكون قادرا على الحج النيابى في السنين الآتية لا يبقى مجال للتقديم في هذه الصورة بل لا بد من الاتيان بالحج النيابى كما لا يخفى.
الفرع الرابع ما لو حج مع عدم كونه مستطيعا فانه لا يجزى عن حجة الاسلام بل يجب عليه الحج بعد ما صار مستطيعا و فيه فرضان: الاول ما إذا حج لنفسه تسكعا بعنوان الاستحباب و الثانى ما إذا حج لغيره نيابة سواء كان تبرعا او بمال الاجارة و المشهور المعروف في كلا الفرضين عدم الاجزاء بل في الجواهر بلا خلاف اجده في شىء من ذلك بل يمكن تحصيل الاجماع عليه.
و يدل على عدم الاجزاء في كلا الفرضين اطلاق مثل الاية الشريفة فان مقتضاه انه مع حدوث الاستطاعة و تحققها يجب الحج من دون فرق بين من حج قبلا مع عدم الاستطاعة و من لم يتحقق منه الحج بعد و ليس في مقابل الاطلاق ما يوجب التقييد خصوصا في الفرض الاول الذى لم يرد فيه رواية اصلا نعم يمكن استفادة حكمه من بعض الروايات الدالة على الاجزاء كما يأتى.
و اما الفرض الثانى فقد ورد فيه طائفتان من الاخبار:
الاولى ما تدل على عدم الاجزاء مثل رواية آدم بن على عن ابى الحسن (عليه السلام) قال من حج عن انسان و لم يكن له مال يحج به اجزأت عنه حتى يرزقه اللّه ما يحج به و يجب عليه الحج.(1) و في المستمسك بدل آدم «مرازم» لكن في الوسائل و التهذيب الذى رواها صاحب الوسائل عنه هو آدم و هو مجهول و كذا الراوى عنه
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الواحد و العشرون ح ـ 1
(الصفحة222)
و هو محمد بن سهل لم تثبت وثاقته و جبر الضعف بالاشتهار انما هو فيما إذا علم استناد المشهور الى الرواية الضعيفة و موافقة المشهور لا دلالة لها على الاستناد بوجه لاحتمال ان يكون مستندهم في المقام هو اطلاق مثل الاية الشريفة.
و رواية ابى بصير عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال لو ان رجلا معسرا ا حجّه رجل كانت له حجته فان ايسر بعد ذلك كان عليه الحج.(1) بناء على ان يكون المراد من قوله: احجه رجل هى استنابة الرجل اياه كما يظهر من صاحب الوسائل حيث انه اورد الرواية في باب من حج نائبا عن غيره و ان كان يبعده قوله: كانت له حجته فان ظاهره وقوع الحج لنفسه.
الثانية ما تدل على الاجزاء مثل صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: حج الصرورة يجزى عنه.(2) و عمن حج عنه. و صحيحته الاخرى قال: سئلت ابا عبد اللّه (عليه السلام)عن رجل حج عن غيره يجزيه ذلك عن حجة الاسلام؟ قال: نعم.(3) بناء على ان يكون الضمير في «يجزيه» راجعا الى النائب كما هو الظاهر لا المنوب عنه.
و صحيحة جميل بن دراج عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) في رجل ليس له مال حج عن رجل او احجه غيره ثم اصاب مالا هل عليه الحج؟ فقال: يجزى عنهما جميعا.(4) و لو حمل قوله: او احجه غيره على استيجاره للنيابة عن الغير كما عرفت في رواية ابى بصير فالفرق ـ ح ـ بينه و بين قوله: حج عن رجل مع اشتراكهما في وقوع الحج نيابة هو كون النيابة في الاول تبرعية و في الثانى بالاستيجار و مال الاجارة و عليه
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الواحد و العشرون ح ـ 5
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و العشرون ح ـ 2
3 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع و العشرون ح ـ 4
4 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الواحد والعشرون ح ـ 6
(الصفحة223)
فمرجع الضمير في قوله يجزى عنهما هو النائب و المنوب عنه و هذا بخلاف ما لو كان المراد من قوله احجه غيره هو احجاج الباذل اياه ببذل مقدار الاستطاعة فانه يشكل المراد من ضمير التثنية ـ حينئذ ـ و اما احتمال كون مرجع ضمير التثنية على التقدير الاول ـ هما الرجلان المنوب عنهما ففى غاية البعد.
و كيف كان فربما يقال في مقام الجمع بين الطائفتين بان روايات الاجزاء صريحة في الاجزاء و عدم وجوب الحج ثانيا و اما روايات عدم الاجزاء فهى ظاهرة فيه و مقتضى الجمع هو الحمل على الاستحباب.
و يدفع هذا القول ـ مضافا الى انه لم يقع في روايات عدم الاجزاء التعبير بصيغة الامر حتى يحمل على الاستحباب بل التعبير الواقع هو الوجوب او ان عليه الحج و دعوى انه لا مانع من حمل التعبيرين ايضا على الاستحباب لان الواجب اللغوى الذى هو بمعنى الثبوت اعم من الاستحباب و كذا قوله، عليه الحج فانه ايضا لا ينافى الاستحباب.
مدفوعة بانه في البين قرينة لا مجال معها الا للحمل على الوجوب و جعلها نصا فيه و هو تعليق الوجوب و نحوه على اليسار و الاستطاعة في الروايتين ضرورة ان الاستحباب لا يدور مدار الاستطاعة اصلا بل الحج مستحب في كل سنة بالاضافة الى المتسكع كما لا يخفى فالروايتان صريحتان في الوجوب و لا وجه لحملهما على الاستحباب كما لا يخفى.
و العمدة ان الطائفة الثانية معرض عنها عند الاصحاب لم يذهب اليها احد منهم بل تسالموا على خلافها و لو كانت الطائفة الاولى معتبرة من حيث السند لامكن ان يقال بوقوع التعارض بين الطائفتين و كون الترجيح مع الاولى لموافقتها للشهرة الفتوائية و على اىّ حال لا محيص عن الحكم بالعدم.
(الصفحة224)
مسئلة 38 ـ يشترط في الاستطاعة وجود ما يمون به عياله حتى يرجع و المراد بهم من يلزمه نفقته لزوما عرفيا و ان لم يكن واجب النفقة شرعاً1 .
1 ـ يقع البحث في هذه المسئلة في مقامين.
الاول في اصل اعتبار الشرط فنقول الظاهر اتفاق الفتاوى عليه و في الجواهر: بلا خلاف اجده فيه بل ربما ظهر من بعضهم الاجماع عليه و لكن الظاهر انه لا مجال لجعل الاجماع دليلا بعد احتمال كون مستند المجمعين بعض الوجوه الآتية التى: منها انه لا يتحقق الاستطاعة بدونه فان قوله (عليه السلام) في تفسيرها ان يكون عنده ما يحج به او إذا قدر على ما يحج به لا يكون المتفاهم منه عرفا الا كون ذلك زائدا على نفقة عياله و ان كان مقتضى الجمود خلاف ذلك.
و منها ـ و هو العمدة ـ دليل نفى الحرج فانه إذا كان مقتضى هذا الدليل عدم وجوب الحج إذا كان حرجيا من جهة فقدان الدار و الاثاث و الكتب و نحوها ففى المقام يتحقق الحرج بطريق اولى ضرورة ان ايجاب الحج عليه مع عدم الاتفاق و احتياجهم عليه يكون حرجيا بلا اشكال.
و منها ان حفظ نفس العيال واجب و وجوبه اهم من وجوب الحج بلا شبهة فيتقدم عليه.
و يرد عليه ان هذا الوجه اخص من المدعى لاختصاصه بما إذا كان ترك الانفاق موجبا لتحقق الهلاك و تلف النفس و المدعى اعم من ذلك.
و منها ان الانفاق واجب شرعا و مع تزاحم هذا الوجوب لوجوب الحج يكون هذا الوجوب متقدما لاشتراط وجوب الحج بالقدرة الشرعية المنتفية مع وجود واجب آخر مزاحم.
و قد تقدم في مسئلة تزاحم الدين و الحج بطلان هذا المبنى و ان وجوب الحج لا يكون مشروطا بالقدرة الشرعية و انه عند التزاحم لا بد من ملاحظة ما هو الاهم و مع عدمه فالتخيير مع ان هذا الدليل ـ على تقدير تماميته ـ يختص بما إذا كان العيال واجب النفقة شرعا
(الصفحة225)
و منها رواية ابى الربيع الشامى قال سئل ابو عبد اللّه (عليه السلام) عن قول اللّه عز و جل: و للّه على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا فقال ما يقول الناس؟قال فقلت له: الزاد و الراحلة قال فقال ابو عبد اللّه (عليه السلام) قد سئل ابو جعفر (عليه السلام) عن هذا فقال هلك الناس إذا، لئن كان من كان له زاد و راحلة قدر ما يقوت عياله و يستغنى به عن الناس ينطلق اليهم فيسلبهم اياه لقد هلكوا إذا فقيل له فما السبيل؟قال: فقال: السعة في المال إذا كان يحج ببعض و يبقى بعضا لقوت عياله، اليس قد فرض اللّه الزكاة فلم يجعلها الا على من يملك مأتى درهم.(1)
و المناقشة في السند باعتبار ابى الربيع الشامى حيث انه لم يوثق في كتب الرجال مدفوعة بانه يكفى في وثاقته وقوعه في بعض اسانيد كتاب التفسير لعلى بن ابراهيم القمى المشتمل على توثيق جميع رواته بنحو عامّ خصوصا مع رواية ابن محبوب عنه بواسطة خالد و هو من اصحاب الاجماع و ان ناقشنا في ذلك في بعض المقامات.
و المراد بقوله (عليه السلام) لقد هلكوا إذا هل هى الهلاكة بمعنى تلف النفس او وقوعهم في مشقة شديدة و حرج شديد و كيف كان فلا اشكال في دلالة الرواية على اعتبار نفقة العيال زائدا على نفقة الحج
المقام الثانى في المراد من العيال الذى يشترط في الاستطاعة وجود ما يمون به اياه و انه هل هو خصوص من تجب نفقته على المستطيع او الاعم منه و ممن تلزم نفقته عليه باللزوم العرفى كالاخ الصغير او الكبير الذى لا يقدر على التكسب و ادارة معاشه؟لاخفاء فى ان مقتضى بعض الوجوه المتقدمة في المقام الاول هو الاختصاص و لكن مقتضى بعضها الاخر العدم و ذلك كقاعدة نفى الحرج حيث انها لا تختص بذلك بل تجرى في مثل المثالين و كذلك الرواية فان العيال المأخوذ فيها يكون المراد
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع ح ـ 1
(الصفحة226)
مسئلة 39 ـ الاقوى اعتبار الرجوع الى الكفاية من تجارة او زراعة او صنعة او منفعة ملك كبستان و دكان و نحوهما بحيث لا يحتاج الى التكفف و لا يقع في الشدة و الحرج، و يكفى كونه قادرا على التكسب اللائق بحاله، او التجارة باعتباره و وجاهته و لا يكفى ان يمضى امره بمثل الزكاة و الخمس و كذا من الاستعطاء كالفقير الذى من عادته ذلك و لم يقدر على التكسب، و كذا من لا يتفاوت حاله قبل الحج و بعده على الاقوى، فاذا كان لهم مؤنة الذهاب و الاياب و مؤنة عيالهم لم يكونوا مستطيعين و لم يجز حجهم عن حجة الاسلام1 .
منه ما هو المتفاهم عند العرف و لا يكون مقيدا بمن تجب نفقته شرعا لعدم الدليل على التقييد و ما ذكرنا من اختصاص بعض الوجوه المتقدمة مرجعه الى عدم دلالته على ازيد من ذلك لا انه يدل على العدم في غيره كما لا يخفى.
و عليه فالمراد بالعيال كما في المتن ما يشمل العيال العرفى الذى تلزم نفقته عليه لزوما عرفيا و لكن الظاهر اختصاص ذلك بما إذا كان الشخص مراعيا للزوم العرفى و منفقا على عياله كذلك خارجا و اما إذا لم يكن كذلك بل كان في البين مجرد اللزوم العرفى من دون ان يكون هناك انفاق في الخارج فلا مجال لاعتبار وجود نفقته اصلا و لعل التعبير بوجود ما يمون به عياله ظاهر في تحقق الانفاق العرفى كما لا يخفى.
1 ـ يقع الكلام فى هذه المسئلة ايضا في مقامين:
المقام الاول في اصل اعتبار الرجوع الى الكفاية و انه مع عدمه لا يجب الحج فالمنسوب الى اكثر القدماء هو الاعتبار قال الشيخ (قدس سره) في المبسوط: «و الزاد و الراحلة شرط في الوجوب و المراعى في ذلك نفقته ذاهبا و جائيا، و ما يخلفه لكل من يجب عليه نفقته على قدر كفايتهم، و يفضل معه ما يرجع اليه يستعين به على امره او صناعة يلتجىء اليها فان كان ضياع او عقار او مسكن يمكنه ان يرجع اليها و يكون قدر كفايته لزمه...» و نسب ذلك الى ظاهر الصدوق و الشيخ المفيد و الحلبى و القاضى و بنى زهرة و حمزة و سعيد، بل عن الخلاف و الغنية اجماع الامامية عليه.
(الصفحة227)
و لكنه قال المحقق (قدس سره) في محكى المعتبر: «الرجوع الى الكفاية ليس شرطا و به قال اكثر الاصحاب» و اختاره العلامة في القواعد و شارحها في جامع المقاصد و من المتأخرين صاحب الحدائق و بعض آخر و كيف كان فالمسئلة خلافية و لاجله لا مجال للتمسك فيها بالاجماع اصلا مع انه على تقديره و عدم وجود الخلاف لما كان للاجماع اصالة بعد الظن بان مستند المجمعين انما هو بعض الوجوه الاتية التى استدل بها على الاعتبار و هى: 1 ـ عدم صدق الاستطاعة المفسرة بمثل ان عنده ما يحج به بدون قدر الكفاية بعد الرجوع كعدم صدقها بدون نفقة العيال في المسئلة المتقدمة فهل التاجر الذى يكون رأس ماله بمقدار مصاريف الحج و إذا حج و رجع لا يقدر على التجارة بوجه بل يضطر الى ان يستعطى من الغير و يمد يده الى الناس يصدق عليه ان عنده ما يحج به و هو رأس المال الذى لا يقدر بدونه على التجارة و التعيش من طريق التكسب الظاهر عدم الصدق.
2 ـ قاعدة نفى العسر و الحرج فانه لا شبهة في تحقق الحرج في المثال المتقدم إذا وجب عليه صرف رأس المال في الحج و الرجوع مع فقدان رأس المال و توقف اعاشته و تجارته عليه كما هو ظاهر فهذه القاعدة نافية للوجوب مع الرجوع لا الى كفاية.
3 ـ الروايات الدالة على ذلك و هى كثيرة: منها رواية ابى الربيع الشامى المتقدمة في المسئلة السابقة بناء على دعوى كون ذيلها و هو قوله: و يبقى بعضا لقوت عياله لا يختص بقوته في خصوص مدة غيبة المعيل و طول سفره في الحج بل اعم منه و من القوت بعد الرجوع من الحج و هو لا ينطبق الا على اعتبار الرجوع الى الكفاية كاعتبار النفقة في مدة الغيبة.
و لو نوقش في ظهور الذيل في الاعم نظرا الى دعوى ظهوره في خصوص
(الصفحة228)
النفقة في مدة الغيبة خصوصا مع عدم التعرض لقوت نفسه و لو كان المراد هو الاعم لكان اللازم التصريح به ايضا او عدم ظهوره في الاعم و ان لم يكن ظاهرا في الخصوص ايضا نقول ان الرواية قد رواها المفيد (قدس سره) في المقنعة بنحو آخر يكون مقتضاه اعتبار الرجوع الى الكفاية و توضيحه ان صاحب الوسائل بعد ان روى الرواية بالنحو المتقدم عن الكلينى (قدس سره) قال: «و رواه الشيخ باسناده عن محمد بن يعقوب، و رواه الصدوق باسناده عن ابى الربيع الشامى، و رواه في العلل عن محمد بن موسى بن المتوكل عن عبد اللّه بن جعفر الحميرى عن احمد بن محمد عن الحسن ابن محبوب مثله، و رواه المفيد في المقنعة عن ابى الربيع مثله الا انه زاد بعد قوله: و يستغنى به عن الناس يجب عليه ان يحج بذلك ثم يرجع فيسئل الناس بكفه لقد هلك إذا ثم ذكر تمام الحديث و قال فيه يقوت به نفسه و عياله».
و يستفاد منه ان الرواية قد رواها المشايخ الثلاثة مسندة بالنحو الاول و ان المفيد (قدس سره)قد تفرد بنقل الحديث عن ابى الربيع بالنحو الثانى و ظاهره النقل عنه بنحو الارسال لخلو العبارة عن ذكر كلمة «الاسناد» و نحوها كما ان الظاهر عدم كون ما نقله المفيد زيادة على النحو الاول بل القول المذكور انما هو بدل قوله ينطلق اليهم فيسلبهم اياه لقد هلكوا إذا لا انه زيادة واقعة بينه و بين قوله: و يستغنى به عن الناس لعدم المناسبة بين الزّيادة و بين قوله بعدها ينطلق اليهم....اصلا فلا بد ان يكون المراد من الزيادة هى البدلية و وقوعه مقامه كما ان قوله: يقوت به نفسه و عياله بدل لقوله: لقوت عياله، في ذيل الرواية.
و كيف كان فلا اشكال في دلالة الرواية على ـ نقل المفيد ـ على اعتبار الرجوع الى الكفاية و انه لا مجال لوجوب الحج مع سؤال الناس بكفه إذا رجع و قد عرفت عدم دلالتها على نقل المشايخ الثلاثة على الاعتبار و ـ ح ـ فهل هذا الاختلاف يرجع الى تعدد الرواية و يقتضى ان يقال بان في المقام روايتين و لا بد من
(الصفحة229)
الجمع الدلالى بينهما على فرض امكان الجمع و مساعدة العرف و العقلاء و معاملة قواعد باب التعارض على تقدير عدم امكان الجمع او ان الاختلاف المذكور لا يستلزم التعدد بوجه بل يوجب الترديد فيما هو الصادر من الامام (عليه السلام) و ان الصادر هل يكون مطابقا لما رواه المشايخ او لما رواه المفيد؟الظاهر هو الثانى بل لا مجال للاحتمال الاول بعد كون الراوى واحدا و هو ابو الربيع الشامى.
و عليه فان قيل بعدم اعتبار نقل المفيد (قدس سره) لكونه بنحو الارسال و ليس من قبيل المرسلات المعتبرة عندنا و هى ما لو كانت الرواية مسندة الى الامام و منسوبة اليه كما إذا قال المرسل: قال الامام (عليه السلام) كذا فان مثله كاشف عن توثيق الوسائط و الا لا وجه للاسناد المذكور كما لا يخفى فاللازم الاخذ بالرواية على نقل المشايخ فقط.
و اما ان قلنا باعتبار نقل المفيد (قدس سره) نظرا الى ان الظاهر كون نقله ناظرا الى نقل المشايخ و انه انما حذف الاسناد المذكور في كلامهم لا انه نقل مستقل بنحو الارسال فربما يقال بان مقتضى ترجيح اصالة عدم النقيصة الجارى في مثل المقام هو ترجيح نقل المفيد المشتمل على الزيادة و الحكم باعتبار الرجوع الى الكفاية الا ان الظاهر انه لا مجال له في المقام ـ و ان سلمنا الترجيح المذكور في مورده ـ و ذلك لان مورده ما إذا دار الامر بين الزيادة و النقيصة كما إذا اشتمل احد النقلين على زيادة دالة على حكم زائد و كان الاخر فاقدا لتلك الزيادة و اما في المقام فلا يكون الامر دائرا بينهما لما عرفت من ان تعبير صاحب الوسائل بالزيادة في نقل المفيد في غير محله لان نقل المشايخ مشتمل على جملات بعد قوله (عليه السلام): و يستغنى به عن الناس و نقل المفيد مشتمل على جملات آخر مكان تلك الجملات فلا يكون الامر دائرا بين الزيادة و النقيصة.
و دعوى عدم كون الجملات المذكورة في نقل المشايخ مشتملا على حكم
(الصفحة230)
زائد بخلاف الجملات المذكورة في نقل المفيد فانها تشتمل على حكم زائد و هو اعتبار الرجوع الى الكفاية.
مدفوعة بان الامر و ان كان كذلك الا ان الملاك في ترجيح اصالة عدم الزيادة على اصالة عدم النقيصة ليست هذه الزيادة بل زيادة العبارة و الجملة و الكلام و الكلمة بشرط ان لا يكون مجرد العبارة فقط بل دالا على امر زائد فلا مجال للترجيح في المقام.
فانقدح من جميع ما ذكرنا انه لا مجال لاستفادة الاعتبار من الرواية و ان قلنا بوثاقة ابى الربيع و اعتبار نقل المفيد و ترجيح اصالة عدم الزيادة على اصالة عدم النقيصة.
و منها ما رواه الصدوق في الخصال باسناده عن الاعمش عن جعفر بن محمد ـ عليهما السّلام ـ في حديث شرايع الدين قال: و حج البيت واجب على من استطاع اليه سبيلا و هو الزاد و الراحلة مع صحة البدن و ان يكون للانسان ما يخلفه على عياله، و ما يرجع اليه بعد حجه.(1)
و دلالتها على اعتبار الرجوع الى الكفاية في الاستطاعة الموجبة للحج واضحة و لكنها ضعيفة من حيث السند.
و منها رواية عبد الرحيم القصير عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال سئله حفص الاعور و انا اسمع عن قول اللّه ـ عز و جل ـ و للّه على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا قال ذلك القوة في المال و اليسار قال فان كانوا موسرين فهم ممن يستطيع الحج؟ قال: نعم الحديث.(2) و مثلها رواية عبد الرحمن بن الحجاج قال سئلت ابا عبد اللّه (عليه السلام) عن قوله تعالى
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع ح ـ 4
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع ح ـ
(الصفحة231)
و للّه على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا قال: الصحة في البدن و القدرة في ماله(1) و دلالتهما على اعتبار الرجوع الى الكفاية انما هو باعتبار ان عناوين القوة في المال و القدرة فيه و اليسار لا تكاد تتحقق بدون الرجوع المذكور.
و لكن الظاهر ـ كما افيد ـ ان هذه العناوين ذات مراتب و لا ظهور فيها في المرتبة التى تكون زائدة على الزاد و الراحلة المفسرة بهما الاستطاعة في جملة من الروايات المفسرة بحيث يتحقق التعارض و الاختلاف بينهما كما لا يخفى.
و منها صحيحة ذريح المحاربى عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: من مات و لم يحج حجة الاسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به او مرض لا يطيق فيه الحج او سلطان يمنعه فليمت يهوديا او نصرانيا.(2)
و اورد على الاستدلال بها بان الاجحاف امر مشكك ذو مراتب و ما ورد من تفسير الاستطاعة بالزاد و الراحلة مفسر لهذا العنوان فيعلم منها ان المراد من عدم حصول الاجحاف هو كونه واجدا للزاد و الراحلة لو لم يرد دليل تعبدى آخر على اعتبار وجدانه زائدا على ذلك.
و الجواب عن هذا الايراد ان وجدانه للزاد و الراحلة مأخوذ في موضوع المسئلة ضرورة ان المراد من قوله من مات و لم يحج حجة الاسلام ليس مطلق من لم يحج بل خصوص المستطيع و هو الواجد للزاد و الراحلة لا محالة و بعبارة اخرى ظاهر مفروض السؤال ثبوت المقتضى للوجوب و تحقق المانع عن العمل بداهة ان غير المستطيع لا يكون له مانع عن الحج بل عدم صدور الحج عنه لعدم تحقق المقتضى.
فاذا كان وجود الزاد و الراحلة مفروضا في اصل الموضوع فلا محالة يكون المراد من الحاجة المجحفة مثل نفقة العيال في مدة الغيبة و نفقة نفسه و عياله بعد
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الثامن ح ـ 12
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السابع ح ـ 1
(الصفحة232)
الرجوع فالانصاف صحة الاستدلال بهذه الرواية لتماميتها من حيث السند و الدلالة.
و منها ما ذكره صاحب مجمع البيان في ذيل قوله تعالى: و للّه على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا من قوله: المروى عن ائمتنا (عليهم السلام) انه الزاد و الراحلة و نفقة من تلزمه نفقته و الرجوع الى كفاية اما من مال او ضياع او حرفة مع الصحة في النفس و تخلية الدرب (السرب) من الموانع و امكان المسير.(1) و الظاهر عدم كونها رواية و لو مرسلة بل انما هو استنباط له من ملاحظة الروايات الواردة في الباب فلا يصح للاستناد اليه بوجه.
و منها صحيحة هارون بن حمزة الغنوى عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) في رجل مات و لم يحج حجة الاسلام و لم يترك الا قدر نفقة الحج و له ورثة قال: هم احق بميراثه ان شاوا أكلوا و ان شاؤا حجوا عنه.(2) و مثلها صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) في رجل توفى و اوصى ان يحج عنه قال ان كان صرورة فمن جميع المال انه بمنزلة الدين الواجب، و ان كان قدر حج فمن ثلثه، و من مات و لم يحج حجة الاسلام و لم يترك الا قدر نفقة الحمولة و له ورثة فهم احق بما ترك فان شاؤا اكلوا و ان شاؤا حجوا عنه.(3) و دلالتهما على اعتبار الرجوع الى الكفاية انما هو باعتبار الحكم بعدم وجوب الحج على الورثة إذا كانت التركة بمقدار نفقة الحج فيعلم من ذلك انه يعتبر في الوجوب على المورث امر زائد على ذلك و هو الرجوع الى الكفاية.
و لكن ورد في هذا المجال رواية اخرى و هى صحيحة ضريس الكناسى قال سئلت ابا جعفر (عليه السلام) عن رجل عليه حجة الاسلام نذر نذرا في شكر ليحجنّ به
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع ح ـ 5
2 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الرابع عشر ح ـ 1
3 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب الخامس والعشرون ح ـ 4
(الصفحة233)
رجلا الى مكة فمات الذى نذر قبل ان يحج حجة الاسلام و من قبل ان يفى بنذره الذى نذر قال: ان ترك ما لا يحج عنه حجة الاسلام من جميع المال، و اخرج من ثلثه ما يحج به رجلا لنذره و قدوفى بالنذر، و ان لم يكن ترك مالا الا بقدر ما يحج به حجة الاسلام حج عنه بما ترك، و يحج عنه وليه حجة النذر انما هو مثل دين عليه(1) و ظاهرها تعين وجوب الحج في الفرض المذكور في الروايتين الذى حكم فيه بعدم الوجوب و تخيير الورثة بين فعل الحج و تركه.
و لكن الظاهر ان مورد هذه الرواية بقرينة قوله: عليه حجة الاسلام صورة استقرار الحج على الرجل و عليه فمقتضى الجمع بين هذه الرواية و الروايتين حملهما على صورة عدم الاستقرار و عليه فتدلان على اعتبار الرجوع الى الكفاية لانه لو لا ذلك لكان اللازم على الورثة الحج مع عدم كون المتروك الا بمقدار خصوص نفقة الحج الا ان يقال ان عدم الوجوب في الفرض المذكور ليس لاجل عدم تحقق الرجوع الى الكفاية بل لاجل عروض الموت للمورث الكاشف عن عدم وجوب حجة الاسلام فان المستطيع لو مات في سنة الاستطاعة قبل ان يحج لا يجب عليه حجة الاسلام و لو كان شرط الرجوع الى الكفاية متحققا بالاضافة اليه فعدم الوجوب في مورد الرواية لعله كان لاجل الموت لا لفقدان الرجوع اليها كما لا يخفى.
هذا و لكن الظاهر عدم اختصاص موردهما بما إذا عرض الموت في سنة الاستطاعة بل مقتضى الاطلاق الشمول لما إذا عرض بعدها غاية الامر خلو الاستطاعة الحاصلة عن الرجوع الى الكفاية و عليه فالفرق بين الموردين اختصاص مورد صحيحة ضريس بما إذا استقر عليه حجة الاسلام و من الممكن اعتبار الرجوع الى الكفاية في تحقق الاستقرار فتدبر.
هذا و لكن ربما يناقش في اصل دلالة الروايتين بان غاية مفادهما ان وجدانه
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب التاسع و العشرون ح ـ 1
(الصفحة234)
لنفقة الحج فقط لا يكفى في وجوب الحج عليه بل يعتبر وجدانه زائدا على ذلك و اما اعتبار وجدانه لمقدار الرجوع الى الكفاية فلا دلالة لهما عليه فلعله يكفى كونه واجدا لنفقة العيال الى زمان عوده الى وطنه زائدا على نفقة حجه فتدبر.
المقام الثانى في انه بعد اعتبار الرجوع الى الكفاية في الجملة هل يجب الحج على الفقير الذى يعيش من الزكوة او على طالب العلم الذى يعيش من سهم الامام (ع) او على السيد الذى يستحق سهم السادة و يعيش به و امثالهم و طرح البحث فيهم يمكن ان يكون على سبيل البحث الكبروى بان كان البحث في انه هل يعتبر فيهم الرجوع الى الكفاية ايضا او لا يعتبر فيهم كما في الاستطاعة البذلية حيث عرفت انه لا يعتبر فيها الرجوع الى الكفاية و يمكن ان يكون على نحو البحث الصغروى بان كان البحث في انه بعد اعتبار الرجوع الى الكفاية مطلقا هل يتحقق الرجوع اليها بالاضافة اليهم ام لا، يستفاد من السيد في العروة الاول كما ان ظاهر المتن هو الثانى.
و كيف كان فاللازم ملاحظة الادلة فنقول: ان قلنا بان الدليل على اصل اعتبار الرجوع الى الكفاية هى قاعدة نفى العسر و الحرج فاللازم ان يقال بعدم اعتباره في الموارد المذكورة و مثلها لعدم كون وجوب الحج في مثله مستلزما للعسر و الحرج فاذا فرض ان طالبا من طلاب العلم مع كون اعاشته من طريق الرواتب التى هى من الخمس نوعا صار مستطيعا بسبب الارث بمقدار نفقة الحج و العيال في مدة الغيبة فقط لا يكون ايجاب الحج عليه مستلزما للعسر و الحرج بعد كون اعاشته من الرواتب الثابتة بعد الحج ايضا.
و ان قلنا بان الدليل على اصل الاعتبار هو كون الرجوع الى الكفاية مأخوذا في معنى الاستطاعة بحسب نظر العرف و انه لا يتحقق الاستطاعة بدونه فاللازم الحكم بعدم الوجوب في الموارد المذكورة لعدم تحقق الرجوع الى الكفاية و لزوم كونه مالكا لما يستعين به على الاعاشة بعد الرجوع و يستغنى به كما هو المفروض.
(الصفحة235)
و ان قلنا بان الدليل هى الروايات الواردة في الباب فمقتضى رواية ابى الربيع الشامى المتقدمة على نقل المفيد (قدس سره) ايضا عدم الوجوب لصراحتها في ان المراد بالاستطاعة هى السعة في المال بنحو يبقى بعضا يقوت به نفسه و عياله و ظاهرها باعتبار ذكر النفس هو القوت بعد الرجوع و من المعلوم عدم تحقق السعة بهذا المعنى في مثل الموارد المذكورة كما لا يخفى و لكن قد عرفت عدم ثبوت هذا النقل كما ان مقتضى ما ورد مما يدل على ان المراد من الاستطاعة هى القوة في المال او القدرة فيه او اليسار او مثلها من التعبيرات هو عدم الوجوب بناء على عدم تحقق هذه العناوين في مثل الموارد المذكورة لكنك عرفت انه محل تأمل و اشكال لتفسير السعة بالزاد و الراحلة و نفقة العيال فقط في رواية ابى الربيع على نقل المشايخ الثلاثة على ما مرّ.
هذا و قد عرفت ان العمدة في الروايات هى صحيحة ذريح المحاربى المتقدمة المشتملة على قوله لم يمنعه عن ذلك حاجة تجحف به و من الظاهر انه مع وجود ما يستغنى به من مثل الزكوة و الخمس لا يكون في البين حاجة تجحف به لارتفاع حاجته به و على ما ذكرنا فالظاهر وجوب الحج في الموارد المذكورة و مثلها كالفقير الذى يعيش بالصدقة المستحبة بالاستعطاء و الاخذ و الاعتياد بهما كما ان الظاهر عدم محدودية ذلك بالعمر او السنة او مثلهما بل الملاك عدم وجود الحاجة المجحفة و لو فرض تحقق الحاجة الكذائية على خلاف العادة بعد الرجوع من الحج لا يكشف ذلك عن عدم وجوب حجه و عدم كونه حجة الاسلام كما لا يخفى.
و قد صادف هذا الزمان مع فاجعة عظيمة و حادثة مولمة ينبغى ان يسيل لاجلها بدل الدموع الدّم و هى المصيبة الكبرى التى ابتلى بها المسلمون في جميع اقطار العالم بل غير المسلمين من المستضعفين و هى ارتحال سيدنا الاستاذ الاعظم الامام الخمينى الماتن (قدس سره)بعد دورة قليلة من المرض و الكسالة الذى اضطر فيه الى العمل
(الصفحة236)
الجراحى و كان ذلك ليلة الاحد آخر شوال المكرم من سنة 1409 من الهجرة النبوية على مهاجرها آلاف الثناء و التحية و بعد ان اطلع الناس على هذه الفاجعة من طريق الاذاعة صبيحة يوم الاحد صاروا حيارى سكارى و كانهم قد اخذ منهم ما هو احب الاشياء اليهم او قد فقدوا من له حق الحياة و الهداية عليهم و هو كذلك فانه وضع عنهم اصرهم و الاغلال التى كانت عليهم و انقذهم من الضلالة و ارجع اليهم الاسلام و نظامه و قد اسس الحكومة الاسلامية الحقيقية على مكتب التشيع الذى هو حقيقة الاسلام و بالطبع قد خرجوا من الضلال الذى كان محيطا بهم من جميع الجوانب و اعطاهم الحرية و الاستقلال و رفع يد الاستكبار و الكفار عن هذه المملكة التى صارت مستعمرة للكفر في تمام ابعادها و كان يعامل معها الكفار و في رأسهم الشيطان الكبير (امريكا) معاملة ملك انفسهم و مع الناس معاملة العبيد و الاماء و كان سعيهم المخالفة مع الاسلام و هدم اساسه و رفع مظاهره حتى ابدلوا التاريخ الاسلامى الذى مبدئه الهجرة النبوية الى تاريخ السلطنة القومية لئلا يكون من الاسلام اثر و لا يبقى منه رائحة اصلا و كان الامام الخمينى (قدس سره) هو الذى قابل الكفر و عارضه حتى اسقط حكومة الشاه العميل و الاجير الخبيث و اسس مكانه الحكومة الاسلامية المبتنية على قوانين الاسلام و قد تحمل في هذا الطريق مشاقا كثيرة الحبس و التبعيد و انواع التهمة و الافتراء حتى ممن ينتحل في هذا الطريق مشاقا كثيرة الحبس و التبعيد و انواع التهمة و الافتراء حتى ممن ينتحل العلم و الدين و يرتزق بسببهما و لم يستشم في الحقيقة رايحتهما خصوصا الدين منهما.
و بالجملة بعد اطلاع الناس على هذه الحادثة غير المترقبة عطلوا دكاكينهم و رفعوا اليد عن مشاغلهم و في ثلاثة ايام التى وقع فيها التوديع و التشييع و التدفين اجتمع ما يزيد على عشرة ملائيين من العاصمة و البلاد المختلفة الداخلية و الخارجية و كل يوم منها و من الايام التى بعدها و الان خامس الايام كانه يوم العاشور الذى وقع فيه قتل جده الحسين و اولاده و انصاره ـ عليه و عليهم السلام ـ فمن محافل اجتمعوا فيه لاقامة العزاء و اجتماعات سيارة مشتملة على الضرب على الرؤس و الصدور و البكاء و الضجّة و من العجائب الذى ليس له في التاريخ نظير انه لاجل شدة الازدحام و تكاثر الانام
(الصفحة237)
مسئلة 40 ـ لا يجوز لكل من الولد و الوالد ان يأخذ من مال الاخر و يحج به و لا يجب على واحد منهما البذل له، و لا يجب عليه الحج و ان كان فقيرا و كانت نفقته على الاخر و لم تكن نفقة السفر ازيد من الحضر على الاقوى1.
لم يتمكن من تدفين الامام الا بعد ساعات كثيرة بعد تدابير مخصوصة و الاستفادة من القوى الانتظامية و الان بعد مضى خمسة ايام يكون قبره محاطا بالناس و لا يزال يكون مجتما عنده ما يزيد على مأة الف في كل آن و كانّ الناس قد نسوا اهلهم و عيالهم و حتى انفسهم و لا يتفكرون الاّ في فقدان امامهم و لا يرون الاّ ذهاب جميع ما يتعلق بهم من الدين و الدنيا و انا اسلّى هذه المصيبة الى صاحبها بقية اللّه الاعظم روحى و ارواح العالمين لتراب مقدمه الفداء و ارجو من كريم لطفه و فضله و عنايته الشاملة ان ينظر الى القلوب المجروحة و الابصار الدامعة نظرة عناية و رأفة و تحنن و الى هذا النظام و الثورة نظرة تحكيم و تسديد و السلام عليه و على آبائه الطاهرين.
1 ـ لا خلاف في انه لا يجوز للولد الاخذ من مال الوالد ليحج به و لا يجب على الوالد البذل له و تدل عليه القاعدة و كذا الروايات التى يأتى بعضها.
انما الخلاف و الاشكال في العكس و هو اخذ الوالد من مال الولد للحج و وجوب اعطاء الولد له و عدم جواز الامتناع عنه فالاشهر بل المشهور ـ كما في الجواهر ـ عدم الجواز خلافا للمحكى عن النهاية و الخلاف و التهذيب و المهذب و ان كان بينها اختلاف من جهة التصريح بوجوب الحج على الوالد في الاولين و بالجواز في الاخير و في التهذيب التعبير بانه يأخذ من مال الولد و هو محتمل للوجوب و الجواز.
و العمدة فيها عبارة الشيخ في الخلاف قال فيه في كتاب الحج في المسئلة الثامنة: «إذا كان لولده مال روى اصحابنا انه يجب عليه الحج و يأخذ منه قدر كفايته و يحج به و ليس للابن الامتناع منه و خالف جميع الفقهاء في ذلك دليلنا الاخبار المروية في هذا المعنى من جهة الخاصة و قد ذكرناها في الكتاب الكبير و ليس فيها ما يخالفها
(الصفحة238)
فدل على اجماعهم على ذلك و ايضا قوله (صلى الله عليه وآله) انت و مالك لابيك فحكم ان ملك الابن مال الاب و إذا كان له فقد وجد الاستطاعة فوجب عليه الحج».
و الرواية التى رواها في كتابه الكبير هى صحيحة سعيد بن يسار الآتية و التعبير بالجمع امّا لما في محكى كشف اللثام من ان الرواية و ان كانت واحدة الاّ انه رواها في التهذيب بطريق ثلاثة طريقين في الحج و هما طريق موسى بن القاسم و طريق احمد بن محمد بن عيسى و طريق في المكاسب و هو طريق الحسين بن سعيد و اما لارادته النصوص الموافقة معها المشتملة على خصوصيتين احديهما عدم التعرض فيها للحج و الثانية عدم الاشتمال على قوله (صلى الله عليه وآله) انت و مالك لابيك اما الاول فلعدم التعرض في شىء من الروايات لمسئلة الحج غير رواية سعيد بن يسار و اما الثانى فلجعل الرواية المشتملة على القول المزبور دليلا آخر على مدعاه كما في العبارة المتقدمة.
و اورد على دعواه الاجماع صاحب الجواهر بانه لم نعرف من وافقه على ذلك غير المفيد و كيف كان فالرواية ما رواه سعيد: قال قلت لابى عبد اللّه (عليه السلام) الرجل يحج من مال ابنه و هو صغير قال نعم يحج منه حجة الاسلام، قلت و ينفق منه قال نعم، ثم قال ان مال الولد لوالده ان رجلا اختصم هو و والده الى النبى (صلى الله عليه وآله) فقضى ان المال و الولد للوالد.(1)
و اورد بعض الاعلام على استدلال الشيخ (قدس سره) بهذه الرواية بوجهين:
احدهما ان المذكور في الرواية الولد الصغير و من المعلوم جواز تصرف الولى في مال الصغير إذا كان بالمعروف و ثانيهما ان السؤال في الرواية عن الجواز و عدمه لا الوجوب فهى لا تفيد الشيخ (قدس سره)
و الجواب عن الايراد الاول وضوح عدم ارتباط السؤال بمسئلة الولاية الثابتة للاب على الصغير فان الولاية لا ترتبط بحج الولى لنفسه اصلا و عن الايراد الثانى
1 ـ ئل ابواب وجوب الحج و شرائطه الباب السادس و الثلاثون ح ـ 1
(الصفحة239)
ان محط السؤال و ان كان هو الجواز و عدمه الا ان توصيف حجه بكونه حجة الاسلام لا يكاد ينطبق الا على الوجوب لان الوجوب مأخوذ في معناها بل قد عرفت ان الحج الواجب في الشريعة ليس الا حجة الاسلام فالرواية ظاهرة الدلالة على مرام الشيخ (قدس سره) و تؤيد الرواية المذكورة روايات:
منها صحيحة محمد بن مسلم عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال سئلته عن الرجل يحتاج الى مال ابنه قال يأكل منه ما شاء من غير سرف، و قال في كتاب على (عليه السلام) ان الولد لا يأخذ من مال والده شيئا الا باذنه و الوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء و له ان يقع على جارية ابنه إذا لم يكن الابن وقع عليها و ذكر ان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) قال لرجل انت و مالك لابيك.(1) و لا يخفى ان تقييد الاكل بعدم الاسراف في صدر الرواية ثم ايراد ما في كتاب على (عليه السلام) و نقل ما قاله رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) يشعر بعدم كون المراد منهما الاطلاق و ان مال الابن مال الوالد مطلقا يفعل به ما يشاء.
و منها صحيحة على بن جعفر في كتابه عن اخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: سئلته عن الرجل يكون لولده الجارية ايطأها قال ان احبّ، و ان كان لولده مال و احب ان يأخذ منه فليأخذ، و ان كانت الام حية فلا احب ان تأخذ منه شيئا الا قرضا(2)
و منها رواية محمد بن سنان ان الرضا (عليه السلام) كتب اليه فيما كتب من جواب مسائله: و علة تحليل مال الولد لوالده بغير اذنه و ليس ذلك للولد لان الولد موهوب للوالد في قوله ـ عز و جل ـ يهب لمن يشاء اناثا و يهب لمن يشاء الذكور، مع انه المأخوذ بمؤنته صغيرا و كبيرا، و المنسوب اليه و المدعو له لقوله ـ عز و جل ـ ادعوهم لآبائهم هو اقسط عند اللّه، و لقول النبى (صلى الله عليه وآله) انت و مالك لابيك و ليس للوالدة مثل ذلك لا تأخذ من ماله شيئا الا باذنه او اذن الاب و لان الوالد مأخوذ بنفقة الولد و لا تؤخذ
1 ـ ئل ابواب ما يكتسب به الباب الثامن و السبعون ح ـ 1
2 ـ ئل ابواب ما يكتسب به الباب الثامن و السبعون ح ـ 10
(الصفحة240)
المرأة بنفقة ولدها.(1)
و في مقابل هذه الروايات روايات اخرى: مثل صحيحة ابى حمزة الثمالى عن ابى جعفر (عليه السلام) ان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) قال لرجل انت و مالك لابيك ثم قال ابو جعفر (عليه السلام) ما احب ان يأخذ من مال ابنه الا ما احتاج اليه مما لا بد منه ان اللّه لا يجب الفساد.(2) و ما في الذيل من قول ابى جعفر (عليه السلام) اما ايماء الى عدم صحة ما اشتهر نقله من رسول اللّه ـ كما في الجواهر ـ و اما اشارة الى عدم كون ذلك حكما فقهيا كليا جاريا في جميع الموارد بل حكما في واقعة خاصة ناشيا عن الجهات الادبية و الاخلاقية كما يظهر من بعض الروايات الآتية.
و صحيحة ابن سنان قال سئلته ـ يعنى ابا عبد اللّه (عليه السلام) ما ذا يحل للوالد من مال ولده؟قال اما إذا انفق عليه ولده باحسن النفقة فليس له ان يأخذ من ماله شيئا، و ان كان لوالده جارية للولد فيها نصيب فليس له ان يطأها الا ان يقومها قيمة تصير لولده قيمتها عليه قال: و يعلن ذلك قال و سئلته عن الوالد ايرزأ(3) من مال ولده شيئا قال نعم و لا يرزأ الولد من مال والده شيئا الا باذنه، فان كان للرجل ولد صغار لهم جارية فاحب ان يقتضيها فليقومها على نفسه قيمة ثم ليصنع بها ما شاء ان شاء وطأ وإن شاء باع.(4)
و منها صحيحة الحسين بن ابى العلا قال قلت لابى عبد اللّه (عليه السلام) ما يحل للرجل من مال ولده؟ قال قوته (قوت خ ل) بغير سرف إذا اضطر اليه قال فقلت له: فقول رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) للرجل الذى اتاه فقدم اباه فقال له: انت و مالك لابيك فقال انما
1 ـ ئل ابواب ما يكتسب به الباب الثامن و السبعون ح ـ 9
2 ـ ئل ابواب ما يكتسب به الباب الثامن و السبعون ح ـ 2
3 ـ رزأه ماله كجعله و علمه رزءا بالضم اصاب منه شيئا كارتزأ ماله و رزأه رزءا و مرزئة اصاب منه خيرا.
4 ـ ئل ابواب ما يكتسب به الباب الثامن و السبعون ح ـ 3
|