(الصفحة401)
معذور و لا موضوعية له اصلا و عليه فبعد كون التكليف الفعلى بعد تحقق الموت متوجها الى الوارث و ان كان المنشأ هو اهمال الميت و استقرار الحج عليه او تخليه عدم الوجوب الا انه بالفعل لا يكون متوجها الاّ الى الوارث او الوصى فاللازم مراعاة تقليد نفسه ليتحقق الفراغ عن التكليف المتوجه اليه قطعا فاذا كان مقلده ـ بالفتح ـ يرى وجوب الحج مع عدم الرجوع الى الكفاية و المفروض ان الميت كان فاقدا له و لاجله ترك الحج تقليدا لمن يقول بالاعتبار و عدم الوجوب مع عدم الرجوع فكيف يجوز للوارث ترك القضاء و عدم الاتيان بالحج مع ان مقتضى تقليده وجوب الحج على الميت و انه يجب القضاء عنه بعد الموت و هكذا بالاضافة الى المكان.
و بالجملة لا ينبغى الاشكال في ان اللازم على الولى مراعاة تقليده لانه المكلف بالفعل دون الميت و ان فتوى مجتهده حجة بالاضافة اليه دون فتوى مجتهد الميت و كون الحج قضاءا عنه لا يقتضى رعاية تقليد الميت.
نعم لو كان الاجتهاد او التقليد معتبرا من باب الموضوعية لكان المدار هو نظر الميت لكنه مستلزم للتصويب الباطل بلا ريب و لذا يحكم في موارد تبدل رأى المجتهد بان الملاك هو الرأى الثانى فاذا كان رأى المجتهد اوّلا اعتبار الرجوع الى الكفاية في وجوب الحج و لاجله ترك الحج لفقدان الرجوع ثم بعد مضى سنين ـ مثلا ـ تبدل رأيه و اختار عدم اعتبار الرجوع اليها لكان اللازم عليه ـ الحج ـ فعلا ـ و لو متسكعا لانه يرى انه كان في ذلك الزمان واجب الحج و قد تركه و ان كان في الترك معذورا.
و بالجملة لا ينبغى الاشكال في ان العبرة انما هو بنظر الوارث او الوصى و قد عرفت ان السيد (قدس سره) عدل في باب الوصية عما افاده في كتاب الحج و العمدة في وجهه ما اشرنا اليه من كون التكليف متوجها الى الوارث و اللازم عليه رعاية تقليد نفسه لانه الحجة بالاضافة اليه و لا يرتبط ذلك بالميت و تقليده اصلا غاية الامر
(الصفحة402)
كون المكلف به هو القضاء عن الميت الذى استقر عليه الحج و لم يأت به و هذا لا يوجب الارتباط بتقليد الميت اصلا كما انه لا يكون نظره في الموضوع حجة بالاضافة الى الوارث فاذا كان نظره انه لم يكن مستطيعا و لاجله ترك الحج و لكن الوارث يعتقد بانه كان مستطيعا فاللازم على الوارث القضاء كما في الدين فاذا لم يكن الميت معتقدا بثبوت الدين عليه و لكن الوارث كان معتقدا به فاللازم عليه اداء الدين بمقتضى قوله تعالى: (من بعد وصية يوصى بها او دين) فان تشخيصه موكول الى الوارث كما هو ظاهر.
المقام الثانى: فيما إذا كان الاختلاف ـ في اصل الوجوب او في المكان ـ متحققا بين الورثة فيرى بعضهم ـ اجتهادا او تقليدا ـ عدم الوجوب و البعض الاخر ـ كذلك ـ الوجوب او يرى بعضهم البلدية و الاخر الميقاتية، و قد ذكر السيد (قدس سره) في العروة في الفرض الثانى انه يعمل كلّ على تقليده فمن يعتقد البلدية يؤخذ من حصته بمقدارها بالنسبة فيستأجر مع الوفاء بالبلدية بالاقرب فالاقرب الى البلد ثم قال: و يحتمل الرجوع الى الحاكم لرفع النزاع فيحكم بمقتضى مذهبه نظير ما إذا اختلف الولد الاكبر مع الورثة في الحبوة و ظاهر المتن تعين هذا الاحتمال و لا بد قبل بيان الاحتمالين و مبناهما من بيان ان الرجوع الى الحاكم مع كون الاختلاف في الحكم دون الموضوعات انما هو لاجل كون الاختلاف فيه مؤثرا في الحق او المال كما في مثال الحبوة المذكور في كلام السيد (قدس سره) فان الاختلاف في ثبوت الحبوة و عدمها انما يترتب عليه اختصاص الحبوة بالولد الاكبر و عدمه و في مثله لا يرتفع التنازع و التخاصم الذى يكون مطلوب الشارع رفعه الا بالمراجعة الى الحاكم و هو يحكم بمقتضى مذهبه و لا مجال في مثله للبينة و اليمين و الحصر في قوله صلّى اللّه عليه و اله: «انما اقضى بينكم بالبينات و الايمان» اضافى لا يقتضى عدم جريان القضاء في باب الاحكام في المورد المذكور.
(الصفحة403)
إذا ظهر لك ما ذكرنا فاعلم ان مبنى لزوم عمل كل على تقليده بالنحو المذكور هو ثبوت مصرف الحج في التركة على سبيل الاشاعة لانه حينئذ لا يكون نزاع في البين و كل واحد من الورثة يعمل على طبق رأيه ـ اجتهادا او تقليدا ـ فاذا كانت التركة مقدار مأة الف ـ مثلا ـ و كان مصرف الحج البلدى عشرين الفا و الحج الميقاتى عشرة آلاف و كان الوارث منحصرا في ذكرين ـ مثلا ـ فالذى يرى الحج البلدى يعتقد بان سهم الحج هو الخمس من اصل التركة و الذى يعتقد الحج الميقاتى يرى ان نصيب الحج هو العشر فاللازم ان يدفع الاول خمس ما يتعلق به و هو خمسون الفا و ان يدفع الثانى عشر ما يتعلق به فالاول يدفع عشرة آلاف و الثانى خمسة آلاف و المجموع خمس عشر الفا فيستأجر من الاقرب الى البلد فالاقرب.
و مبنى الاحتمال الثانى ان الحج عن الميت واجب في اصل المال و الارث انما هو بعد الحج و لا ينتقل المال اليه الا بعده و ثبوت الحج كالدين انما هو كالكلى في المعين فله ـ اى للوارث ـ مطالبة الاخر بالحج لينتقل اليه المال و عليه فمرجع النزاع الى ان من يرى الحج البلدى يعتقد بان التركة لا تنتقل الا بعد ادائه من البلد و الاخر ينكر ذلك و يقول بان عزل مقدار الحج الميقاتى يكفى في تحقق الانتقال و ثبوت الارث و في مثله لا يرتفع التخاصم الا بالمراجعة الى الحاكم و لو كان المتداعيان مجتهدين فانه في هذه الصورة ايضا يتعين الرجوع الى الحاكم ليحكم على طبق نظره و فتويه.
ثم انه ذكر في ذيل المسئلة موارد كثيرة يكون الحكم فيها الرجوع الى تقليد الوارث او الوصى منها ما إذا لم يعلم فتوى مجتهد الميت و الوجه في الحكم المذكور واضح فانه فيما لو علم فتوى مجتهده و الاختلاف بينها و بين فتوى المتصدى إذا كان المدار تقليد الثانى فهو في هذه الموارد يكون بطريق اولى.
(الصفحة404)
مسئلة 63 ـ لو علم استطاعته مالا و لم يعلم تحقق سائر الشرائط و لم يكن اصل محرز لها لا يجب القضاء عنه، و لو علم استقراره عليه و شك في اتيانه يجب القضاء عنه،وكذا لو علم باتيانه فاسدا،ولو شك في فساده يحمل على الصحة1.
نعم ذكر السيد (قدس سره) في العروة مسئلة عدم العلم بفتوى المجتهد و ذكر فيها وجهين: وجوب الاحتياط و الرجوع الى تقليد الوارث او الوصى في هذه الصورة.
و يرد عليه انه مع جعل المدار تقليد الميت لا مجال للرجوع الى غيره مع عدم العلم بفتوى مجتهده بل يتعين الاحتياط للوصول الى فتوى مجتهده او البرائة و بالجملة لا يجتمع ما ذكره مع جعل المدار تقليد الميت كما لا يخفى.
1 ـ فى هذه المسئلة فروع:
الاول: ما لو علم الوارث استطاعة الميت من جهة المال و لم يعلم تحقق سائر الشرائط
الدخيلة في اصل التكليف و وجوب الحج كالاستطاعات الثلاثة الآخر لا يجب عليه القضاء عن الميت لعدم احراز توجه التكليف اليه و ثبوت وجوب الحج عليه لان المفروض الشك في تحقق بعض شرائط الوجوب فتوجه التكليف اليه مشكوك و مقتضى اصالة البرائة العدم و مع عدمه لا يبقى موضوع لوجوب القضاء على الوارث نعم لو كان هناك امارة على تحقق سائر الشرائط او اصل محرز لها كما إذا قامت البينة على وجود الاستطاعات الثلاثة في عام الاستطاعة المالية او كان مقتضى الاستصحاب ذلك يجب القضاء على الوارث لفرض وجود الدليل على توجه التكليف الى الميت كما هو ظاهر.
الثانى: ما لو علم استقراره عليه و انه كان جميع الشرائط للوجوب متحققة و مع ذلك اهمل و لم يأت بالحج في عام الوجوب و شك في اتيانه بعد الاستقرار ففى المتن الحكم بوجوب القضاء عنه و احتمل في العروة ـ بعد استظهار الوجوب
(الصفحة405)
نظرا الى اصالة بقائه في ذمته ـ عدم الوجوب عملا بظاهر حال المسلم و انه لا يترك ما وجب عليه فورا.
و الظاهر انه لا مجال لهذا الاحتمال بعد عدم حجية ظهور حال المسلم و عدم قيام الدليل على اعتباره فان منشأ هذا الظهور اما الغلبة او كون اسلامه مقتضيا لذلك او اشباههما و لم يقم دليل على حجية شىء منها نعم قد يكون في بعض الموارد قواعد اخرى قام الدليل على اعتبارها كاصالة الصحة الجارية في فعل المسلم إذا شك في صحة العمل الصادر منه قطعا و فساده و قاعدة الشك بعد الوقت في الصلوة و قاعدتى الفراغ و التجاوز و امثالها من القواعد المعتبرة و اما في غير هذه الموارد فلم ينهض دليل على حجية ظهور حال المسلم فهذا الاحتمال ساقط و اما استصحاب عدم الاتيان بما استقر عليه من الحج فيمكن المناقشة فيه بوجهين:
احدهما: ان استصحاب عدم الاتيان لا يثبت عنوان «الفوت» المأخوذ في دليل وجوب القضاء لانه امر وجودى لا يثبت بالاستصحاب العدمى.
و الجواب انه لو سلم ذلك فانما يكون مورده ما إذا كان هناك عنوان «القضاء» في مقابل «الاداء» كما إذا شك المكلف في انه صام في شهر رمضان الماضى ام لا فانه يمكن ان يقال ان استصحاب عدم الاتيان لا يثبت عنوان «الفوت» و اما في باب الحج فلا يكون عنوان القضاء في مقابل الاداء سواء تحقق الحج من نفس المكلف في زمن حيوته ام تحقق من الوارث فان المستطيع الذى استقر عليه الحج إذا شك في زمان في الاتيان بالحج الواجب عليه لا اشكال في لزوم الاتيان عليه نظرا الى استصحاب عدم الاتيان و هكذا الوارث و التعبير بوجوب القضاء عنه على الوارث ليس المراد به هو القضاء في مقابل الاداء بل هو الاتيان و العمل كقضاء حاجة المؤمن ـ مثلا ـ و عليه ففى صورة شك الوارث يجرى الاستصحاب بلا مناقشة لان الواجب عليه الاتيان في صورة ترك الميت له و هو مجرى الاستصحاب فلا مجال للمناقشة من هذه الجهة
(الصفحة406)
ثانيهما: ما يظهر من «المستمسك» فانه بعد ان جعل مقتضى الاستصحاب العدم قال: «لكن قد يستفاد عدمه مما ورد في الدعوى على الميت حيث لم يكتف بالبينة في وجوب الاداء بل احتيج الى اليمين على البقاء فمع عدمه لا يجب الوفاء على الوارث فيكون ذلك على خلاف الاستصحاب».
اقول تسرية ما ورد في الدعوى على الميت من الدين الذى كان عليه قطعا و ادعى الدائن عدم الوفاء في زمان حيوته الى مسئلة الحج انما هى بلحاظ ان الحج بمنزلة الدين الواجب على الميت كما ورد في بعض الروايات المتقدمة الواردة في قضاء الوارث عنه التصريح به و جعله بمنزلة العلة مضافا الى التعبير باللام و على في الاية الشريفة الواردة في الحج فيجرى فيه حكم الدين.
و الجواب: ان ما ورد في باب الدين روايتان:
احديهما: مكاتبة الصفار المعتبرة الى ابى محمد العسكرى (عليه السلام) التى رواها المشايخ الثلاثة و ان كان بينها اختلاف من جهة ان المكاتب هو الصفار او غيره و الصفار ناقل و في ذيلها: او تقبل شهادة الوصى على الميت مع شاهد آخر عدل فوقع (عليه السلام) نعم من بعد يمين.(1)و ظاهر محط السؤال انه إذا كان احد العدلين اللذين يشهدان على الميت بثبوت الدين عليه هو الوصى هل تقبل الشهادة ام لا و يمكن ـ على بعد ـ ان يكون مورد نظر السائل شهادة الوصى و ان لم يكن عادلا نظرا الى كونه عارفا بمسائل الميت و مطلعا بالاضافة الى الدين و مثله، فان كان محط نظر السائل هو الاول كما عرفت انه الظاهر فمقتضى الرواية افتقار اثبات الدين المدعى الى البينة و اليمين و لا يكتفى بالبينة فقط و عليه فاللازم ملاحظة ان الرواية بهذا المعنى واقعة في مقابل دليل الاستصحاب و موجبة لتخصيص دليله و الحكم بعدم حرمة نقض اليقين بالشك فيه او انها واقعة في مقابل
1 ـ ئل ابواب الشهادات الباب الثامن و العشرون ح ـ 1
(الصفحة407)
عموم دليل حجية البينة في الموضوعات او اطلاقه و عليه فلا ارتباط لها بمسئلة الاستصحاب اصلا بل تحكم بعدم كفاية البينة في موردها و لزوم ضم اليمين اليها و الظاهر انه لا ينبغى الاشكال في ان المراد هو الثانى فلا يستفاد من الرواية عدم حجية الاستصحاب فى مورد الدين المدعى حتى يجرى الحكم في الحج ايضا كما هو غير خفى.
ثانيتهما: رواية ياسين الضرير عن عبد الرحمن بن ابى عبد اللّه قال قلت للشيخ ـ (عليه السلام)ـ و ان كان المطلوب بالحق قد مات فاقيمت عليه البينة فعلى المدعى اليمين باللّه الذى لا اله الاّ هو لقد مات فلان و ان حقه لعليه فان حلف و الاّ فلا حق له لانا لا ندرى لعله قد اوفاه ببينة لا نعلم موضعها.(1) قال بعض الاعلام بعد نقل الرواية: و يظهر من الرواية عدم الاكتفاء بالاستصحاب بل لا بد من الحلف على عدم الاداء و لكن الرواية ضعيفة السند بياسين الضرير فانه لم يوثق.
اقول لو كانت الرواية معتبرة من حيث السند كالرواية المتقدمة لما كان يستفاد منها طرح الاستصحاب في مورد الشك في الاداء مطلقا في باب الدين فضلا عن الحج الذى هو محل البحث في المقام و ذلك لوجهين:
احدهما: ان ظاهر هذه الرواية بقرينة قوله: «فاقيمت عليه البينة» عدم الاكتفاء بها و لزوم ضم الحلف اليها لا انه لا اثر للبينة اصلا و ان تمام الملاك هو الحلف فالظاهر ان مفادها عين مفاد المكاتبة المتقدمة و ان كان في الظهور لا يبلغ مرتبة ظهورها.
ثانيهما: انه لو فرض دلالة الرواية على ان تمام الملاك هو الحلف و لازمه عدم الاعتناء باستصحاب عدم الاداء لكن موردها ما إذا كان هناك مدّع لعدم الاداء و بقاء الحق عليه و لازمه ادعاء الجزم و القطع بذلك فاذا كان الحلف في هذا المورد
1 ـ ئل ابواب كيفية الحكم الباب الرابع ح ـ 1
(الصفحة408)
مسئلة ـ 64 يجب استيجار من كان اقل اجرة مع احراز صحة عمله و عدم رضا الورثة او وجود قاصر فيهم، نعم لا يبعد عدم وجوب المبالغة في الفحص عنه و ان كان احوط1.
تمام الملاك فهل لازمه طرح الاستصحاب في مورد عدم امكان الحلف كما إذا لم يكن في البين مدع يدعى الجزم ببقاء الحق عليه؟الظاهر لا فاذا كان الدائن شاكّا فى وفاء المديون الدين اليه و الوارث ايضا شاكّا فلا دلالة للرواية على عدم الاعتناء بالاستصحاب في هذه الصورة ايضا بل اللازم التصدى للوفاء نظرا الى الاستصحاب و يجوز للدائن الاخذ و التصرف فيه لذلك و باب الحج من هذا القبيل لانه لا معنى لوجود المدعى فيه فلا يكون في البين الا مجرد شك الوارث في اتيان الميت بالحج الذى قد استقر عليه و هو مجرى استصحاب العدم بلا دلالة على خلافه كما هو ظاهر.
الفرع الثالث: ما لو علم باستقرار الحج على الميت و علم بانه اتى به فاسدا و الحكم فيه وجوب القضاء عنه ايضا بعد عدم صلاحية العبادة الفاسدة لتحقق الامتثال و حصول الغرض و سقوط الامر كما هو ظاهر.
الفرع الرابع: ما لو علم باستقرار الحج عليه ايضا و علم بانه اتى به و شك في صحة المأتى به و فساده و الوجه فيه عدم وجوب القضاء بعد اقتضاء اصالة الصحة للحمل عليها فاذا كانت محمولة على الصحة في الشريعة فلا يبقى مجال لوجوب الاعادة و التكرار.
1 ـ إذا اريد الاستيجار للحج عن الميت فيما إذا استقر عليه فاللازم ملاحظة امرين:
احدهما: احراز صحة عمل الاجير بمعنى الوثوق و الاطمينان بكونه عارفا بالصحة و شرائطها و عالما بها.
ثانيهما: انه مع عدم رضا الورثة او وجود قاصر فيهم كغير البالغ يجب استيجار من كان اقل اجرة مع تعدد من يمكن استيجاره لان غيره مستلزم للتصرف في
(الصفحة409)
مسئلة 65 ـ من استقر عليه الحج و تمكن من ادائه ليس له ان يحج عن غيره تبرعا او بالاجارة، و كذا ليس له ان يتطوع به فلو خالف ففى صحته اشكال بل لا يبعد البطلان من غير فرق بين علمه بوجوبه عليه و عدمه، و لو لم يتمكن منه صح عن الغير، و لو آجر نفسه مع تمكن حج نفسه بطلت الاجارة و ان كان جاهلا بوجوبه عليه2 .
مال الغير من دون رضاه او عدم اعتبار رضاه و قد نفى البعد السيد (قدس سره) في العروة عن جواز استيجار المناسب لحال الميت من حيث الفضل و الاوثقية مع عدم قبوله الا بالازيد و ظاهر المتن باعتبار عدم استثناء هذه الصورة منع الجواز فيها و وجه الاستثناء دعوى ان الادلة الواردة في الحج عن الميت منصرفة الى المتعارف مما يناسب شرفه و مقامه كنفس الميت إذا اراد الاستنابة و الاستيجار كما ان مبنى المنع منع دعوى الانصراف المذكور.
ثم انه لا تجب المبالغة في الفحص عمن كان اقل اجرة بل اللازم الفحص بنحو يعد عند العرف كذلك و الزائد عليه غير واجب و ان كان مطابقا للاحتياط.
2 ـ فى هذه المسئلة فروض و صور متعددة لان من استقر عليه الحج تارة يتمكن من ادائه و لو متسكعا و اخرى لا يتمكن منه و لو كذلك و في كلتا الصورتين تارة يعلم بوجوب الحج عليه كذلك و اخرى لا يعلم به فالصور اربعة:
الاولى: ما إذا كان متمكنا من الاداء و عالما بوجوب الحج عليه و البحث فيها تارة في الحكم التكليفى و اخرى في الحكم الوضعى.
اما من الجهة الاولى فالحكم فيه عدم الجواز لانه بعد ما كان مكلفا بان يحج حجة الاسلام فورا ففورا فاللازم بحكم العقل اتيان الحج لنفسه بعنوان الوجوب فلا يجوز له الترك و المخالفة سواء كان في ضمن الترك المطلق او الاتيان بحج غير حجة الاسلام لنفسه او لغيره تبرعا او بالاجارة.
و اما من الجهة الثانية فالحكم بالصحة او البطلان تارة يلاحظ بالنسبة الى نظائر
(الصفحة410)
المسئلة كمسئلة الازالة الواجبة فورا و الصلوة و اخرى يلا حظ بالاضافة الى الخصوصيات الموجودة في المقام غير الجارية في مثل تلك المسئلة فمن الحيث الاول لا يكون للبحث هنا جهة خاصة بل يجرى فيه ما ذكر هناك من القول بالبطلان مستندا الى اقتضاء الامر بالشىء للنهى عن ضده و كون ترك احد الضدين مقدمة لوجود الاخر و مقدمة الواجب واجبة شرعا او الى عدم الامر كما اختاره البهائى (قدس سره) او القول بالصحة مستندا الى كفاية الملاك في صحة العبادة و عدم الحاجة الى الامر الفعلى او الى ثبوت الامر من طريق الترتب او غيره.
فالعمدة هو البحث من الحيث الثانى و هى الخصوصيات الموجودة في المقام فنقول هذه الخصوصيات امور متعددة و اللازم قبل ذكرها الاشارة الى الاقوال في المسئلة فنقول نسب الى المشهور البطلان و نفى عنه البعد في المتن و ادعى صاحب الجواهر (قدس سره) انه لا خلاف في بطلان الحج النيابى و حكى عن الشيخ في الخلاف الصحة و نفى عنها البعد السيد في العروة، و عن صاحب المدارك التردد و فصل بعضهم بين الحج النيابى و التطوعى بالقول بالبطلان في الاول و الصحة في الثانى و اللازم ملاحظة الخصوصيات و انه هل يقتضى الصحة في المقام و ان قلنا بالبطلان في مسئلة الصلوة و الازالة او يقتضى البطلان و ان قلنا بالصحة في تلك المسئلة فنقول:
الاولى: ان الزمان الذى يجب عليه ان يأتى بالحج الذى قد استقر عليه مختص بحج نفسه و ظرف له خاصة و لا يكون قابلا لغير حجة الاسلام نظير شهر رمضان الذى لا يكون قابلا لصوم غيره سواء كان تطوعا ام واجبا كما إذا تعلق النذر به في السفر فشهر رمضان لا بد اما ان يقع فيه صومه او يكون خاليا عن صومه عصيانا او مشروعا كما إذا كان في السفر ـ مثلا ـ و المقام ايضا من هذا القبيل.
و الجواب: انه قد قام الدليل في شهر رمضان على عدم كونه قابلا لصوم غيره و لم يقم في الحج مثل ذلك الدليل و مجرد كون الوجوب فوريا لا يستلزم عدم القابلية و عدم
(الصفحة411)
صلاحية وقوع حج آخر في هذا الزمان و الا يلزم ان يكون كذلك في مسئلة الصلوة و الازالة لان المفروض فيها كون وجوب الازالة فوريا فالفورية امر و عدم القابلية امر آخر.
ثانيتها: الروايتان الواردتان في المقام:
احديهما: صحيحة سعد بن ابى خلف قال: سئلت ابا الحسن موسى (عليه السلام) عن الرجل الصرورة يحج عن الميت قال نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحج به عن نفسه فان كان له ما يحج به عن نفسه فليس يجزى عنه حتى يحج من ماله، و هى تجزى عن الميت، ان كان للصرورة مال، و ان لم يكن له مال.(1) و الظاهر ان السؤال انما هو عن الحكم التكليفى و ان الصرورة باعتبار انه لم يحج اصلا هل تجوز له النيابة عن الميت ام لا تجوز بل اللازم ان يكون النائب قد حج قبلا و لازمه ان يكون عارفا بالمواقف و المشاعر و المناسك و الخصوصيات الاخر فالجواب ناظر الى انه لا مانع من نيابة الصرورة مقيدا بعدم كونه مستطيعا و مفهومه عدم الجواز في صورة تحقق الاستطاعة للنائب و هذا هو الحكم التكليفى الذى ذكرنا انه لا شبهة في ثبوته.
و اما الحكم الوضعى الذى هو محل البحث فالدلالة عليه انما هى بالجملة التى فرعها على الجملة الاولى و ظاهرها باعتبار رجوع الضمير في «عنه» الى النائب كالضمائر في قوله «له» و قوله: «عن نفسه» و قوله: «من ماله» انه ان كان النائب مستطيعا و له ما يحج به عن نفسه لا يكون الحج النيابى مجزيا عن حجة الاسلام الواجبة على النائب و قوله (عليه السلام) في الذيل: «و هى تجزى عن الميت» تدل على صحة الحج النيابى و وقوعه عن الميت سواء كان النائب مستطيعا يجب عليه الحج ام لا، و اما احتمال رجوع الضمير في «عنه» الى الميت المنوب عنه بحيث كان مدلولها انه مع استطاعة النائب لا يكون الحج النيابى مجزيا عن الميت فتدل على البطلان في المقام فمصافا الى عدم ملائمته
1 ـ ئل ابواب النيابة في الحج الباب الخامس ح ـ 1
(الصفحة412)
مع قوله: «حتى يحج من ماله» مخالفة لقوله في الذيل «و هى تجزى عن الميت» و العجب ممن استدل بها على البطلان بل لا مجال لدعوى كون دلالتها على الصحة اولى كما ذكره السيد (قدس سره) في العروة فانه لا اشعار فيها بالبطلان بل دلالتها على الصحة واضحة
ثانيتهما: صحيحة سعيد بن عبد اللّه الاعرج انه سئل ابا عبد اللّه (عليه السلام) عن الصرورة ا يحج عن الميت؟فقال، نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحج به فان كان له مال فليس له ذلك حتى يحج من ماله و هو يجزى عن الميت كان له مال او لم يكن له مال(1) و البحث في دلالتها كالبحث في الرواية السابقة و ان كان قوله (عليه السلام) هنا: «فليس له ذلك» بيان للمفهوم المستفاد من الجملة الاولى المتعرضة للحكم التكليفى كما لا يخفى.
الثالثة: ما حكى عن المحقق النائينى (قدس سره) من ان الترتب لا يجرى في الحج لان الترتب انما يجرى في الواجبين المقيدين بالقدرة العقلية و اما إذا كان احد الواجبين مقيدا بالقدرة الشرعية فلا يجرى فيه الترتب لانه في فرض العصيان لا يبقى موضوع للواجب المقيد بالقدرة الشرعية و لا امر له اصلا كما هو الحال في الوضوء فانه مقيد بالقدرة الشرعية بالتمكن من استعمال الماء شرعا فلو وجب صرف الماء في واجب آخر اهمّ و عصاه و توضأ به لا يحكم بصحة وضوئه بالامر الترتبى لانه في فرض العصيان لا موضوع لوجوب الوضوء اصلا و هكذا الحج فان المأخوذ فيه القدرة الشرعية بمعنى انه اخذ في موضوعه عدم عصيان واجب آخر اهمّ فاذا عصى لا يتحقق موضوع الحج اصلا.
و الجواب عنه منع المبنى فان المأخوذ في الحج مجرد الاستطاعة المركبة من الاستطاعات الاربعة: المالية و البدنية و الزمانية و السربية و لا يعتبر فيه شىء آخر زائد على ذلك فالقدرة الشرعية بالمعنى المذكور و هو عدم استلزامه لعصيان
1 ـ ئل ابواب النيابة في الحج الباب الخامس ح ـ 3
(الصفحة413)
واجب لا تكون مأخوذة فيه بوجه كما مر الكلام فيه مرارا فلا فرق بين الحج و بين الازالة في المثال المعروف لان المفروض في هذه الصورة التمكن من حج نفسه و لو متسكعا و كونه عالما بالوجوب و الفورية.
و اجيب عنه بوجه آخر و هو انه لو سلم اخذ القدرة الشرعية في الحج فانما هى مأخوذة في حج الاسلام لا في سائر اقسام الحج من التطوعى و النيابى و النذرى فلا مانع من جريان الامر الترتبى في غير حجة الاسلام و الحكم بصحته في صورة العصيان و عدم الاتيان بحجة الاسلام.
و يمكن المناقشة في هذا الجواب بان مدعاه (قدس سره) عدم كون احد الواجبين مقيدا بالقدرة الشرعية من دون فرق بين الواجب الاهم و الواجب المهم فمجرد كون حجة الاسلام مشروطة بالقدرة الشرعية يكفى على مبناه (قدس سره) في الخروج عن الامر الترتبى و ان كان غير حجة الاسلام كالتطوعى و النيابى غير مشروط بذلك.
و يمكن الجواب عنه بوجه آخر و هو انه على فرض اشتراط حجة الاسلام بالقدرة الشرعية يمكن ان يقال بكون المشروط بها هى حجة الاسلام التى اريد الاتيان بها في عام الاستطاعة و اما إذا استقرت و اريد الاتيان بها في العام الثانى فلم يقم دليل على الاشتراط بالقدرة الشرعية كما انه غير مشروط ببعض الاستطاعات الاربعة كالاستطاعة المالية لوجوبه مع التسكع ايضا و كيف كان فهذه الخصوصية الثالثة ايضا غير ثابتة.
الرابعة: ان اللام في قوله تعالى: و للّه على الناس حج البيت....لما كانت ظاهرة في الملك كانت الآية دالة على كون الحج الذى هو فعل المكلف و عمله يكون مملوكا للّه تعالى و ـ ح ـ لا يجوز التصرف فيه بنحو لا يكون مأذونا فيه من قبل اللّه تعالى فاذا حج نيابة عن الغير او عن نفسه تطوعا يكون تصرفا فيه بغير اذنه تعالى فيقع باطلا و «دعوى» انه إذا كان مفاد الاية ما ذكر فلا دلالة لها ـ ح ـ على الوجوب
(الصفحة414)
«مدفوعة» بانه لا مانع من ذلك لان وجوب الحج يستفاد من الروايات الدالة على انه احدى الدعائم الخمسة للاسلام او الاخبار الواردة في التسويف و ان تركه ترك شريعة من شرايع الاسلام بل لا حاجة الى ذلك بعد كون وجوب الحج من ضروريات الفقه بل الاسلام.
كما ان «دعوى» انه يلزم بناء على تفسير الاية بما ذكر ان يكون الاتيان به بقصد اداء المملوك كما في وفاء الدين «مدفوعة» ايضا بان لزوم قصد اداء الدين انما هو من جهة ان اداء المملوك يمكن ان يكون على وجه آخر مثل الهبة و الصلح و الوديعة فاللازم قصد الاداء و هذا لا يجرى في الحج لان حجة الاسلام لا يكون الا مملوكا و لا يجرى فيها وجوه متعددة فقصدها بمجرده يكفى في كون ادائه اداء المملوك و لا يلزم قصد اداء المملوك كما لا يخفى.
و الجواب انه قد ذكر في كتاب الاجارة بعد تقسيمها الى اجارة الاعيان و الاجارة على الاعمال ان الاجير في الاجارة على الاعمال تارة يكون اجيرا خاصا و اخرى يكون اجيرا عاما و المراد من الاول ما إذا كانت منفعته الخاصة او جميع منافعه ملكا للمستأجر كما إذا استأجر شخصا بنحو يكون منفعته كذلك في مدة معينة ملكا له و المراد من الثانى ما إذا كان المملوك عملا في ذمة الاجير كما إذا استأجره لخياطة ثوبه ـ مثلا ـ و في هذا القسم لا مانع من العمل للغير و وقوعه اجيرا له و ان كان العمل الاول مقيدا بوقت معين لا يسع لغيره كما إذا استأجره لخياطة ثوبه في يوم خاص فصار اجيرا لعمل للاخر سواء كان هى الخياطة او غيرها من الاعمال الاخرى في نفس ذلك اليوم فانه لا مجال للمناقشة في صحة الاجارة الثانية بخلاف الاجير الخاص حيث ان الاجارة الثانية تحتاج الى اذن المستأجر الاول او اجازته و مسئلة الحج من هذا القبيل اى من قبيل الاجير العام لظهور الاية في كون المملوك هو العمل و هذا هو المتحقق في الاجير العام فكونه مملوكا للّه تعالى بمقتضى الاية الشريفة لا يقتضى بطلان الحج غير حجة الاسلام سواء كان تطوعا او نيابة عن الغير
(الصفحة415)
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا ان الخصوصيات الاربعة الموجودة في مسئلة الحج لا يقتضى شىء منها البطلان لو قلنا بالصحة في مسئلة الصلوة و الازالة و عليه فيشكل ما في المتن من نفى البعد عن البطلان مع الحكم بالصحة في تلك المسئلة فان الخصوصية المحتملة قويّا لان تكون منشأ للبطلان بنظره (قدس سره) هى الروايتان الواردتان في المقام المتقدمتان بناء على دلالتهما على البطلان كما استدل للمشهور بهما فانه ـ حينئذ ـ و ان كان مفادهما على خلاف القاعدة المقتضية للصحة الا انه لا محيص عن الالتزام بهما مع اعتبار هما سندا و ظهورهما في البطلان على ما هو المفروض.
و لكنك عرفت ان دلالتهما على الصحة اولى من دلالتهما على البطلان بل لا مجال لهذا الاحتمال كما عرفت و على هذا التقدير يبقى الكلام في وجه التفكيك بين المسئلتين بالقول بالصحة هناك و بالبطلان في المقام فهل الوجه فيه الاجماع الذى ادعاه صاحب الجواهر (قدس سره) او الشهرة الفتوائية المحققة على البطلان؟.
لا مجال للاول لانه ـ مضافا الى ان الاجماع المنقول بخبر الواحد لا يكون واجدا لشرائط الحجية و الاعتبار ـ يكون معقده خصوص الحج النيابى مع ان المدعى اعم منه و من الحج التطوعى.
كما انه لا مجال للثانى ايضا لان الشهرة الفتوائية و ان كانت مرجحة في باب التعارض بل هو اول المرجحات كما حققناه في محله و كذا تكون جابرة للضعف، و اعراض المشهور يوجب الوهن في الرواية و لو كانت في اعلى درجة الصحة الا انها بنفسها لا تكون حجة و عليه فلا يكون وجه للتفكيك المزبور بل الظاهر الحكم بالصحة في المسئلتين كما هو مقتضى القاعدة و يدل عليه الرواية ايضا في المقام فتدبر جدا.
ثم انه لو قلنا بالصحة في هذه الصورة اى صورة التمكن من الحج و العلم بوجوبه عليه فورا فاللازم الحكم بالصحة في بقية الصور الخالية عن فرض التمكن
(الصفحة416)
او العلم او كليهما بطريق اولى.
و اما لو قلنا بالبطلان في هذه الصورة كما في المتن فقد وقع فيه التفصيل بين صورة التمكن بكلا فرضيه و صورة عدم التمكن و الوجه في التعميم للجاهل بعد ظهور كون المراد هو الجاهل المقصر غير المعذور واضح بعد جريان حكم العالم عليه في جميع الموارد الا بعض الموارد النادرة.
و الوجه في الحكم بالصحة في صورة عدم التمكن انه مع عدم التمكن من حجة الاسلام و لو متسكعا لا يكون التكليف بالحج فعليا فلا مانع من الحج النيابى و التطوعى كما في مسئلة الصلوة و الازالة فانه مع عدم التمكن من الازالة لفقد الماء ـ مثلا ـ لا يبقى اشكال في صحة الصلاة لعدم فعلية التكليف بالاهم لكن لو كان الوجه في البطلان في المقام عدم صلاحية الزمان لغير حجة الاسلام كعدم صلاحية شهر رمضان لوقوع صوم غيره لا محيص عن الحكم بالبطلان و لو مع عدم التمكن من حجة الاسلام كما هو ظاهر.
بقى الكلام في حكم الاجارة ـ صحة و فسادا ـ في الحج النيابى الاستيجارى فنقول لاخفاء في صحة الاجارة في صورة عدم التمكن من حجة الاسلام و لو متسكعا ضرورة انه ليس في هذا الفرض شىء ينافى الصحة و يمنع عنها لعدم ثبوت التكليف الفعلى بسبب العجز و عدم القدرة فلا يجرى فيه ما يقتضى البطلان من الوجوه الآتية انشاء اللّه تعالى.
كما انه إذا قلنا بالبطلان في صورة التمكن من حجة الاسلام و ان غيرها يقع باطلا سواء كان نيابيا او تطوعيا لا مجال للاشكال في بطلان الاجارة الواقعة عليه لعدم وقوع العمل المستأجر عليه صحيحا و يكون اكل المال في مقابله اكلا بالباطل منهيا عنه في الاية و غيرها بالنهى الوضعى فالبطلان بناء على هذا القول واضح و المراد
(الصفحة417)
من المتن هذا الفرض.
و اما إذا قلنا بالصحة ـ كما اخترناه ـ فقد ذكر السيد (قدس سره) في العروة انه على هذا التقدير ايضا تكون الاجارة فاسدة قال: «الظاهر بطلانها و ذلك لعدم قدرته شرعا على العمل المستأجر عليه لان المفروض وجوبه عن نفسه فورا، و كونه صحيحا على تقدير المخالفة لا ينفع في صحة الاجارة خصوصا على القول بان الامر بالشىء نهى عن ضده لان اللّه إذا حرم شيئا حرم ثمنه و ان كانت الحرمة تبعية».
و اللازم توضيح كلامه اولا بان المراد من التبعية ليس ما يقابل الاصلية بل المراد الغيرية المقابلة للنفسية لان مبنى الاقتضاء المذكور هى المقدمية و وجوب المقدمة على فرض تسليمه غيرى و ثانيا بان الجمع بين الاستدلال باقتضاء الامر بالشىء للنهى عن ضده و بين كون المفروض صحة الحج النيابى مع ان الاقتضاء المزبور من ادلة البطلان انما هو لاجل كون النهى عن الضد غيريا و هو لا ينافى المحبوبية الذاتية التى هى الملاك في صحة العبادة.
و كيف كان فكلامه يشتمل على دليلين لبطلان الاجارة:
احدهما: عدم القدرة الشرعية على العمل المستأجر عليه لان الواجب عليه انما هو الحج عن نفسه فورا فالمقام انما هو كاستيجار الحائض لكنس المسجد فكما ان الاجارة هناك باطلة لعدم كون العمل مشروعا على الحائض بلحاظ استلزامه للمكث في المسجد فكذلك هنا.
و الجواب عنه ان فرض الصحة في المقام مع كون العمل عبادة انما يكون مقتضاه محبوبية العمل عند الشارع و رجحانه بذاته خصوصا على تقدير الالتزام بالامر الترتبى في مسئلة الضدين الذى يكون لازمه تعلق الامر الفعلى بالمهم غاية الامر في طول الامر بالاهم و مترتبا على العصيان او البناء عليه و عليه لا مجال لدعوى كون
(الصفحة418)
المأمور به غير مقدور شرعا و هذا بخلاف الكنس في المثال فانه لا يكون الا مبغوضا منهيا عنه من قبل الشارع فهذا الدليل غير تام.
ثانيهما: الرواية المعروفة التى استدل بها الشيخ الاعظم الانصارى (قدس سره) في كثير من موارد المكاسب المحرمة و هى ان اللّه إذا حرم شيئا حرم ثمنه بضميمة ان الامر بالشىء يقتضى النهى عن ضده.
و الجواب عنه ان الحرمة الغيرية المجتمعة مع المحبوبية الذاتية و الرجحان النفسى لا تكون مشمولة للرواية فان المتفاهم منها ان ما يكون مبغوضا للشارع سواء كان عينا او عملا و منفعة لا يكون المعاملة عليه ممضاة عند الشارع و المقام لا يكون كذلك فان العبادة على ما هو المفروض محبوبة للشارع محكومة بالصحة لديه فلا تشمله الرواية ظاهرا.
ثم انه استدل بعض الاعلام في شرح العروة لبطلان الاجارة بدليل حاصله ان ادلة نفوذ المعاملات حيث انها احكام امضائية تابعة لما ينشأه المنشأ: ان مطلقا فمطلق و ان مشروطا فمشروط و لا يخالفه الا في بعض الموارد كبيع الصرف و السلم فان المنشى فيهما انشأ على الاطلاق و الشارع قد قيده بلزوم القبض و كذلك في الهبة فان التمليك فيها يحصل بعد القبض و في غير هذه الموارد النادرة ادلة النفوذ تابعة للمنشأ من حيث الاطلاق و التقييد.
و على ما ذكر، الاجارة في المقام اما تتعلق بالحج مطلقا او تتعلق به على فرض العصيان للحج الواجب بنفسه، اما الاول فغير قابل للامضاء لان المفروض عدم سقوط الامر بالحج عن نفسه و هو لا يجتمع مع الامر باتيان الحج المستأجر عليه و كيف تنفذ الاجارة في عرض ذلك الواجب فانه يستلزم الامر بالضدين في عرض واحد و اما الثانى فهو موجب للبطلان من جهة التعليق فلا يمكن الحكم بصحة الاجارة و لو كان الحج النيابى في المقام صحيحا على ما هو المفروض.
(الصفحة419)
و يرد على هذا الدليل انه يبتنى على القول بانحلال الخطابات الواقعة في الاحكام التكليفية او الوضعية الى خطابات شخصية حسب تعدد المخاطبين و تعدد العقود و المكلف بها فانه على هذا المبنى يكون الجمع بين الخطاب الشخصى المتضمن للامر بالحج عن نفسه و الخطاب الشخصى المتضمن للامر باتيان الحج للمنوب عنه مستلزما للامر بالضدين في عرض واحد.
و اما على القول بعدم الانحلال و عدم كون الخطابات العامة مشروطة بالشرائط المعتبرة في الخطابات الشخصية من القدرة و العلم و غيرهما بالاضافة الى احاد المكلفين كما اخترناه تبعا لسيدنا الاستاذ الاعظم الماتن (قدس سره) فلا مجال للاشكال في صحة الاجارة في المقام لان الامر بالوفاء بالعقود او بخصوص عقد الاجارة انما يكون بنحو العموم و لا يلاحظ فيه حالات الاشخاص من جهة انه يكون مستقرا عليه الحج ام لا بل الملحوظ مجرد عنوان الاجارة و عقدها غاية الامر مع الشرائط المعتبرة في صحتها التى منها عدم بطلان العمل المستأجر عليه إذا كان عبادة كما ان الامر باتيان الحج لمن استقر عليه لا يكون ملحوظا فيه حالة المكلف من جهة النيابة و غيرها و عليه فلا مانع من الجمع بين الخطابين و لا يكون من الامر بالضدين و تحقيق هذا الكلام في بحث الترتب من علم الاصول.
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه لم ينهض دليل على بطلان الاجارة على فرض صحة الحج النيابى و اللازم الالتزام بالصحة.
ثم ان السيد (قدس سره) في العروة بعد حكمه ببطلان الاجارة و لو كان الحج النيابى صحيحا بالاضافة الى من استقر عليه الحج مع التمكن و القدرة قال: «ان قلت ما الفرق بين المقام و بين المخالفة للشرط في ضمن العقد مع قولكم بالصحة هناك كما إذا باعه عبدا و شرط عليه ان يعتقه فباعه حيث تقولون بصحة البيع و يكون للبايع خيار تخلف الشرط.قلت الفرق ان في ذلك المقام المعاملة على تقدير صحتها
(الصفحة420)
مفوتة لوجوب العمل بالشرط فلا يكون العتق واجبا بعد البيع لعدم كونه مملوكا له بخلاف المقام حيث انا لو قلنا بصحة الاجارة لا يسقط وجوب الحج عن نفسه فورا فيلزم اجتماع امرين متنافيين فعلا فلا يمكن ان تكون الاجارة صحيحة و ان قلنا ان النهى التبعى لا يوجب البطلان فالبطلان من جهة عدم القدرة على العمل لا لاجل النهى عن الاجارة».
و يرد: على اصل توجه الاشكال و ايراد السؤال ان المقايسة باطلة من رأس لانه في المقام يكون هنا عناوين ثلاثة:
احدها: حجة الاسلام الواجبة فورا ففورا و ثبوتها لمن استقر عليه الحج.
ثانيها: الحج النيابى عن الغير.
ثالثها الاجارة و الاستيجار على الحج النيابى.و في مخالفة الشرط في المثال المذكور لا يكون الا عنوانان:
احدهما: الاعتاق الذى شرط على المشروط عليه ايجاده في ضمن البيع منه.
ثانيهما البيع الواقع من المشترى مكان الاعتاق و هو مخالفة للشرط الذى يجب الوفاء به و من المعلوم ان البيع الثانى في هذه المسئلة انما هو مثل الحج النيابى في المقام فانه في كليهما وقع العمل مخالفة للتكليف المتوجه اليه اما لاجل كونه اهم و اما لوجوب الوفاء بالشرط و المفروض الصحة في المسئلتين فلا مجال لسؤال الفرق كما انه لا مجال لمقايسة البيع في مسئلة مخالفة الشرط بالاستيجار على الحج النيابى في المقام نعم لو وقع استيجار على البيع الثانى هناك و حكم بصحة الاجارة يبقى سؤال الفرق بين المسئلتين فاصل ايراد السؤال في كلام السيد (قدس سره) في غير محله.
و اما الجواب: فعلى تقدير الاغماض عن بطلان السؤال فيبتنى على ملاحظة ان دليل وجوب الوفاء بالشرط و هو قوله (صلى الله عليه وآله): المؤمنون عند شروطهم يجرى فيه احتمالات ثلاثة:
|