(الصفحة421)
احدها: ان يكون المراد منه مجرد افادة الحكم التكليفى من دون ان يترتب على مخالفته شىء بل المشروط عليه محكوم بمجرد التكليف و العمل بالشرط و لا يترتب على مخالفته سوى استحقاق العقوبة الثابت في مخالفة سائر التكاليف.
ثانيها: ان يكون مفاده قصر ملكية المشروط عليه و حصر دائرتها و تحديدها بخصوص الشرط فالملكية الحاصلة للمشترى في مثال العبد المذكور ملكية محدودة و مقصورة بالاعتاق فاذا وقع الاعتاق يقع في ملكه و يصدر عن المالك و إذا وقع البيع فهو يقع عن غير المالك.
ثالثها: ان لا يكون المراد مجرد حكم تكليفى محض و لا يكون مفاده تحديد دائرة الملكية و قصر السلطنة على خصوص المشروط عليه بل امر بين الامرين و مرجعه الى ثبوت الخيار للشارط عند التخلف و وجوب الوفاء بالشرط على المشروط عليه و الوجه فيه ان البيع ينحل الى امرين احدهما انشاء الملكية و ثانيهما الالتزام بهذا التمليك و ترتيب الاثر عليه و الشرط الواقع في ضمنه مرتبط بهذا الامر الثانى دون الامر الاول حتى يوجب محدودية دائرة الملكية و مرجعه الى كون التزامه معلقا على العمل بالشرط فاذا تحقق العمل فالالتزام بحاله و مع التخلف لا يكون هناك التزام و مرجعه الى ثبوت خيار تخلف الشرط و عدم وجود الالتزام معه و يؤيد هذا الوجه ـ مضافا الى ان موقعية الشرط عند العقلاء في المعاملات المشروطة تكون بهذا المقدار الذى هو برزخ بين الوجهين ـ معنى الشرط فانه عبارة كما في بعض الكتب المعتبرة في اللغة عن الالتزام المرتبط بالتزام آخر و عليه لا يكون خيار التخلف مفتقرا الى دليل خاص مثل خيارى المجلس و الحيوان و غيرهما من الخيارات التى لو لا الدليل الخاص على ثبوتها لم يكن وجه للالتزام بها و الوجه في عدم الافتقار في المقام نفس كون الالتزام و عدم ثبوت الخيار معلقا على الوفاء بالشرط و العمل به فاذا وقع التخلف لا يكون في البين التزام اصلا.
(الصفحة422)
و الظاهر ان الوجه الثالث هو الاظهر في مفاد دليل الشرط و قوله صلّى اللّه عليه و اله المؤمنون عند شروطهم لما عرفت من موقعية الشرط عند العقلاء و عدم كون مفاده زائدا على ما هو الثابت عند العقلاء و عليه فلا مجال للوجه الثانى و ان حكى عن المحقق النائينى (قدس سره) و يرد عليه ايضا ان لازمه التفكيك في الشرائط بين مثل الخياطة و الكتابة و بين مثل البيع كما لا يخفى كما انه لا مجال للوجه الاول.
و مما ذكرنا يظهر الجواب عن الاشكال الذى اورده في «المستمسك» على السيد في جوابه عن الاشكال الذى اورده على نفسه و حاصله ان الجمع بين صحة البيع في مثال العبد المتقدم و خيار تخلف الشرط غير ممكن نظرا الى ان القيد المذكور إذا اخذ قيدا في المملوك فقد ملك الشارط على المشروط عليه بقاء العبد على ملكه الى ان يتحقق العتق منه و مقتضى ذلك عدم سعة دائرة السلطنة للبيع لانه تصرف في حق غيره و إذا اخذ قيدا فى الملك يعنى يملك عليه العتق إذا كان العبد باقيا في ملكه فهذا الملك لا يقتضى بقاء العبد في ملكه و معه يجوز للمشروط عليه البيع و لا يكون من قبيل تخلف الشرط.
وجه ظهور الجواب ما عرفت من كون القيد راجعا الى الالتزام لا الى اصل الانشاء كالشرط في سائر الموارد من دون فرق اصلا و عليه فيتحقق الجمع بين الصحة و بين الخيار كما افاده السيد (قدس سره) نعم يرد عليه ما عرفت من انه لا مجال لتوجه الاشكال الذى اورده على نفسه كما مرّ هذا تمام الكلام فيما يتعلق بمباحث شرائط وجوب حجة الاسلام.
(الصفحة423)
القول في الحج بالنذر و العهد و اليمين
مسئلة ـ 1 يشترط في انعقادها البلوغ و العقل و القصد و الاختيار فلا تنعقد من الصبى و ان بلغ عشرا و ان صحت العبادات منه، و لا من المجنون و الغافل و الساهى و السكران و المكره، و الاقوى صحتها من الكافر المقر باللّه تعالى بل و ممن يحتمل وجوده تعالى و يقصد القربة رجاء فيما يعتبر قصدها1.
1 ـ ينبغى قبل التعرض لشرح المسئلة من التنبيه على امر قد نبهنا عليه مرارا و هو ان الوجوب المتعلق بعنوان الحج يكون ثابتا في الكتاب و السنة بالاضافة الى حجة الاسلام فقط فهى الواجبة باصل الشرع و اما الحج بالنذر و اخويه و كذا الحج الاستيجارى فالوجوب فيها لا يكون متعلقا بعنوان الحج بل بعنوان الوفاء بالنذر او الوفاء بعقد الاجارة ـ مثلا و تحقق هذا العنوان في الخارج و ان كان في المقام بايجاد الحج في الخارج الا انه لا يوجب سراية الحكم من عنوان الوفاء الى عنوان الحج و هذا كما في نذر صلوة الليل ـ مثلا ـ فان النذر يوجب ان يكون الوفاء به واجبا و لا يوجب سراية الوجوب الى صلوة الليل بحيث تصير صلوة الليل واجبة بعد كونها مستحبة و كان اللازم فيها قصد الوجوب بناء على اعتبار نية الوجه فتوصيف الحج بالنذر ـ مثلا ـ بالوجوب انما يكون على سبيل المسامحة و العناية.
و بعد ذلك يقع الكلام في الامور المعتبرة في انعقاد النذر و اخويه فنقول:
الاول: البلوغ و عمم اعتباره في المتن للصبى البالغ عشرا نظرا الى وجود بعض النصوص و الفتاوى في وصية البالغ عشرا و نفوذها و الغرض من التعميم انه على تقدير القول بصحة وصيته لا دليل على تسرية الحكم الى باب النذر و نحوه كما ان الحكم بان العبادات الصادرة من الصبى شرعية مستحبة يترتب عليها استحقاق المثوبة لا تمرينية لا يقتضى الحكم بانعقاد نذره كما هو ظاهر.
(الصفحة424)
و قد استدل السيد (قدس سره) في العروة لاعتبار البلوغ برفع قلم الوجوب عنه و يشير بذلك الى حديث: «رفع القلم عن الصبى حتى يحتلم، و عن المجنون حتى يفيق و عن النائم حتى يستيقظ».
و يرد على هذا الدليل ان مقتضى الحديث رفع قلم الالزام و التكليف الوجوبى و التحريمى و مرجعه الى عدم توجه مثل اقيموا الصلوة اليه و اما المقام فالكلام فيه انما هو فى السببية التى هى حكم وضعى و قد ثبت في محله عدم اختصاص الاحكام الوضعية بالبالغين و شمولها لغيرهم فان اتلاف الصبى لمال الغير سبب لضمانه و اللازم ـ ح ـ ان يكون العقد او الايقاع الصادر من الصبى مؤثرا في حصول مقتضاه سواء كان المقتضى عبارة عن الحكم الوضعى كالملكية المترتبة على البيع او الحكم التكليفى كالنذر الذى يكون سببا لوجوب الوفاء به فان النذر من الايقاعات لانه من الامور الانشائية غير المفتقرة الى القبول كالطلاق و هكذا العهد و اما اليمين فالظاهر انه من قبيل الوعد الذى يكون مرجعه الى الايجاد في المستقبل لا الاخبار عنه و لا يكون تخلفه الا خلفا لا كذبا.
و بالجملة فمقتضى سببية الايقاع النذرى لوجوب الوفاء به صحة وقوعه من الصبى كالجنابة الاختيارية الحاصلة له التى تكون سببا لوجوب الغسل و لو بعد البلوغ فمثل الحديث المزبور لا يصلح للاستدلال به في المقام.
نعم قد ورد في بعض الروايات ان عمد الصبى خطاء فلو ثبت كونه بعنوان الضابطة الكلية غير المختصة بالقتل الذى هو مورده يكون مفاده ان الاعمال الاختيارية الارادية الصادرة عن الصبى كالاعمال الخطائية الصادرة عن غيره فاللازم ـ ح ـ الحكم بالبطلان في مثل المقام لان النذر الواقع عن غير القاصد و غير الملتفت لا يكاد يترتب عليه اثر لما سيأتى من شرطية القصد انشاء اللّه تعالى و الظاهر ان العمدة في المسئلة الاجماع على بطلان انشاءات الصبى عقدا او ايقاعا فالاتكاء ـ ح ـ عليه لا على ما افاده السيد (قدس سره).
(الصفحة425)
الثانى: العقل و الكلام فيه هو الكلام في اعتبار البلوغ من دون فرق.
الثالث: القصد بمعنى التوجه و الالتفات الى مفاد الصيغة في مقابل الغافل و الساهى و السكران و النائم حيث لا يصدر منهم مع الالتفات و التوجه و الدليل على اعتبار هذا الامر ظهور مثل دليل وجوب الوفاء بالعقود و بالنذر و امثالهما في الانشاءات الصادرة كذلك ضرورة عدم كون العقد او الايقاع الصادر من الغافل او النائم ـ مثلا ـ مصداقا لعنوان العقد و الايقاع عند العرف و العقلاء كما هو ظاهر،
الرابع: الاختيار في مقابل الاكراه و يدل عليه حديث الرفع بعد الاستشهاد به في بعض الروايات لبطلان الطلاق إذا وقع عن اكراه و غيره من الادلة الاخرى.
الخامس: الاسلام فالمشهور في باب النذر اعتباره بل قال صاحب الجواهر (قدس سره) لا خلاف في عدم صحته ـ اى النذر من الكافر ـ بين اساطين الاصحاب و استظهر في محكى الرياض الاجماع لكن المحكى عن صاحبى المدارك و الكفاية التأمل فيه.
و المشهور في باب اليمين عدم الاعتبار نعم حكى عن الشيخ في الخلاف و ابن ادريس عدم الفرق بينها و بين النذر، و المذكور في وجه الفرق بين اليمين و النذر ـ كما هو المشهور ـ ان قصد القربة لا يعتبر في اليمين و يعتبر في النذر و لا تتحقق القربة من الكافر.
قال المحقق في الشرايع: يشترط مع الصيغة قصد القربة فلو قصد منع نفسه بالنذر لا للّه لم ينعقد...ثم قال بعد ذلك و اما متعلق النذر فضابطه ان يكون طاعة للّه مقدورا...و قد ادعى في الجواهر الاجماع بقسميه على الحكم المذكور.
و قد وقع الاختلاف في المراد من عبارة الشرايع ففى محكى المسالك: «ان الظاهر ان المراد جعل شىء للّه تعالى في مقابل جعل شىء لغيره او جعل شىء من دون ذكر انه له تعالى او لغيره».
و يبعده ان ظاهر عبارة الشرايع اعتبار قصد القربة زائدا على الصيغة المعتبرة في النذر مع ان جعل شىء له تعالى انما هو مفاد نفس الصيغة فان الالتزام النذرى انما
(الصفحة426)
هو في مقابل البارى تعالى و بالاضافة اليه لا بالاضافة الى غيره و لو كان هو نفسه فظاهر العبارة اعتبار نية القربة زائدة على ذلك.
و عن الجواهر ان المراد منه رجحان المنذور و كونه عبادة في مقابل نذر المباح.
و يبعده ـ مضافا الى كونه خلاف ظاهر التفريع المذكور في العبارة ـ التعرض في الذيل لضابطة المتعلق و لزوم ان يكون طاعة للّه مقدورا و لو حملت العبارة على كون نفس ايقاع النذر امرا عباديا لا بد ان يؤتى به بقصد الامتثال كسائر العبادات الواجبة او المستحبة فيبعده ما في الجواهر من دعوى الضرورة على عدم الامر به بل ظاهر موثقة اسحق بن عمار كراهة ايقاعه قال قلت لابى عبد اللّه (عليه السلام) انى جعلت على نفسى شكرا للّه تعالى ركعتين اصليهما في السفر و الحضر افاصليهما في السفر بالنهار فقال نعم ثم قال انى لاكره الايجاب ان يوجب الرجل على نفسه.قلت انى لم اجعلهما للّه علىّ انما جعلت ذلك على نفسى اصليهما شكرا للّه و لم اوجبهما على نفسى افادعهما إذا شئت قال: نعم(1) هذا ما يتعلق بعبارة الشرايع.
و اما الشهيد (قدس سره) فقد قال في مبحث النذر من الدروس: «و هل يشترط فيه القربة للصيغة و يكفى التقرب في الصيغة الاقرب الثانى».
و الظاهر ان مراده من الاول هو ايقاع النذر قربة الى اللّه بحيث كان الداعى الى ايقاعه و الالتزام بثبوت الملكية له تعالى عليه هو الداعى الالهى كما في سائر العبادات التى لا بدّ من اقترانها بقصد القربة و الداعى الالهى، و مراده من الثانى كون الالتزام في الصيغة مضافا الى اللّه تعالى لا غيره من المخلوقين و لو كان من الانبياء و المرسلين او الملائكة المقربين و عليه فيستفاد من العبارة ان هذه الخصوصية يعبر عنها بقصد القربة و عنوان التقرب و قد استقرب نفسه هذا الاحتمال.
و قال في مبحث اليمين من الدروس: «يصح ـ يعنى اليمين ـ من الكافر و ان لم
1 ـ ئل ابواب النذر الباب السادس ح ـ 1
(الصفحة427)
يصح نذره لان القربة مرادة هناك دون هذا و لو قلنا بانعقاد نذر المباح اشكل الفرق».
و قد استظهر في «المستمسك» من هذه العبارة ان مراده بقرينة الذيل هو اعتبار القربة فى المتعلق لا في نفس النذر، مع انه يحتمل قويا ان يكون المراد اعتبارها في نفس النذر نظرا الى ان القربة الداعية الى الايقاع النذرى و الالتزام كذلك انما تتحقق فيما إذا كان المتعلق راجحا غير مباح فان الالتزام بالاتيان بامر مباح لا يكاد يجتمع مع الداع الالهى كما لا يخفى فلا مجال لحمل العبارة على القربة في المتعلق نعم ظاهرها ينافى ما ذكره في مبحث النذر فان مفاده يرجع الى كون المعتبر هو التقرب في الصيغة و ظاهر هذه العبارة هو كون نفس الايقاع و الالتزام بداع الهى.
و ذكر الشهيد الثانى في الروضة: «انه يستفاد من الصيغة ان القربة المعتبرة في النذر اجماعا لا يشترط كونها غاية للفعل كغيره من العبادات بل يكفى تضمن الصيغة لها و هو هنا موجود بقوله: للّه علىّ و ان لم يتبعها بعد ذلك بقوله قربة الى اللّه و نحوه».
و هو ظاهر بل صريح في كون المراد من نية القربة المعتبرة في النذر اجماعا ـ على حسب نقله ـ هو اشتمال الصيغة على الاضافة الى اللّه تعالى في مقابل الاضافة الى غيره من المخلوقين.
و ذكر صاحب المدارك: «انه يشترط في صحة النذر قصد الناذر الى معنى قوله: للّه و هو المعبر عنه بنية القربة و انما لم يذكره المصنف صريحا لان الظاهر من حال المتلفظ بقول للّه ان يكون قاصدا معنى الى معناه حتى لو ادعى عدم القصد لم يقبل قوله فيه...» و قد استظهر منه صاحب الجواهر (قدس سره) ان مراده هو المعنى المزبور الذى هو عبارة عن اشتمال الصيغة على الالتزام للّه لا لغيره من المخلوقين مع ان ظاهر العبارة ان المراد من نية القربة المعتبرة هو الذى عبرنا عنه بالقصد و التوجه و الالتفات و مرجعه الى ارادة مفاد الصيغة و قصد معناه في مقابل مثل الغافل و النائم و كيف كان
(الصفحة428)
فقد ظهر من مجموع ما ذكرنا من العبارات ان الاحتمالات المتصورة في نية القربة المعتبرة في النذر على المشهور بل نفى الاشكال و وجدان الخلاف فيه صاحب الجواهر بل ادعى الاجماع عليه صاحبا الروضة و الرياض اربعة:
احدها: ان المراد منها كون ايقاع النذر بعنوان انه عمل صادر من الناذر و فعل من افعال المكلفين امرا عباديا لا بد و ان يكون الداعى اليه و المحرك نحوه امرا الهيا كسائر العبادات.
ثانيها: ان المراد منها اشتمال الصيغة على اضافة اللام الظاهرة في الملكية او الملتزم له الى اللّه تبارك و تعالى دون غيره.
ثالثها: ان يكون المراد اشتمال المتعلق على خصوصية و هى كونه راجحا شرعا
رابعها: ان يكون المراد صدور الصيغة عن قصد و التفات و توجه الى مفادها و انه التزام للّه تبارك و تعالى.
و لا بد قبل ترجيح بعض الاحتمالات على البعض الاخر من ملاحظة ما استدل به على اعتبار نية القربة في النذر فنقول هى امور:
الاول: ان صيغة النذر مشتملة على خصوصية تقتضى اعتبار نية القربة فيه و هى قول الناذر: للّه علىّ كذا من دون فرق بين ان تكون اللام فيه للملك و الظرف مستقرا او تكون للغاية و الظرف لغوا متعلقا بمحذوف و هو التزمت فانه على كلا التقديرين يكون العمل المنذور او الالتزام مضافا الى اللّه تبارك و تعالى و القربة المعتبرة في العبادة لا تكون زائدة على ذلك و عليه يكون النذر من التعبديات و لازمه عدم صحته من الكافر لعدم امكان تحقق قصد القربة منه و الى هذا الدليل اشار الشهيد الثانى (قدس سره) في الروضة في عبارته المتقدمة حيث ذكر انه يكفى تضمن الصيغة لها و هو هنا موجود بقوله «للّه علىّ» و ان لم يتبعها بعد ذلك بقوله «قربة الى اللّه» فان مرجعه الى ملازمة الصيغة لثبوت القربة بالاعتبار المذكور.
(الصفحة429)
و فيه اولا النقض بالعهد و اليمين فان صيغة العهد التى هى عبارة عن عاهدت اللّه و كذا صيغة اليمين التى يعتبر فيها ان يكون المقسم به هو اللّه تبارك و تعالى مشتملة على هذه الخصوصية فالتفكيك بين النذر و اليمين خصوصا بنحو يكون المشهور في الاول اعتبار نية القربة و في الثانى الشهرة على الخلاف في غير المحل.
و ثانيا ما افاده صاحب الجواهر في تنقيح مقاله في هذا المقام مما ملخصه انه ان ارادوا اعتبار نية القربة في النذر على نحو اعتبارها في العبادة فلا ريب في عدم الاكتفاء عنها بقوله للّه على الذى هو جزء صيغة الالتزام لعدم دلالته عليه باحدى الدلالات بل لا بد من نية القربة مقارنة للصيغة.
و مرجع ما افاده الى ان ما يرتبط بالناذر هو الالتزام الذى عمله و ما هو الصادر منه و البحث انما هو في عباديته و انه هل اللازم ان يكون الالتزام ناشيا عن داع الهى او يتحقق النذر و لو كان الداعى شيئا من الدواعى النفسانية و هذا لا يرتبط بكون الملتزم له هو اللّه تعالى كما لا يرتبط بكون الملتزم به امرا قربيا فالالتزام شىء و الملتزم له امر آخر و يدل عليه انه ربما يكون الالتزام بداع الهى مع كون الملتزم له هو المخلوق كما إذا التزم لزيد باداء دينه و كان الداعى الى التزامه الاحسان المرغوب اليه في الشرع و ان الشارع قد حث عليه و على ما ذكرنا فالذهاب الى عبادية النذر من هذا الطريق لا يكاد يوصل الى المطلوب.
الثانى: صدر موثقة اسحق بن عمار المتقدمة و هو قوله: انى جعلت على نفسى شكرا للّه تعالى ركعتين اصليهما في السفر و الحضر أفاصليهما في السفر بالنهار فقال نعم.
و يرد على الاستدلال به اولا انه لا دلالة له الا على الاتيان بصيغة النذر و انه جعل على نفسه للّه شكرا ركعتين و اما كون الجعل و الالتزام ناشيا عن داع الهى فلا يستفاد منه و لذا ذكر صاحب الجواهر ان مفاد مثله اعتبار كون النذر للّه لا لغيره بمعنى
(الصفحة430)
انه يجب في صيغته التى هى سبب الالتزام ان يقول للّه علىّ بمعنى عدم انعقاد النذر لو جعل الالتزام لغير اللّه من نبى مرسل او ملك مقرب و هذا غير معنى نية القربة ثم قال: «و ظنى و اللّه اعلم ان الاشتباه من هنا نشأ و ذلك لانهم ظنوا ان هذه النصوص التى دلت على المعنى المزبور دالة على اعتبار نية القربة.
و ثانيا انه على فرض الدلالة يكون مفاده ان النذر العبادى يجب الوفاء به و اما انه يعتبر في انعقاد النذر نية القربة مطلقا فلا دلالة له عليه اصلا كما لا يخفى.
و ثالثا معارضة الصدر مع الذيل الدال على كراهة الايجاب اى النذر و لا تجتمع الكراهة مع العبادية في المقام ـ و ان اجتمعتا في مثل الصلوة في الحمام ـ و ذلك لان المأمور به هناك هى طبيعة الصلوة و المنهى عنه انما هو ايقاعها في الحمام مع ثبوت المندوحة و هو ايقاعها في المسجد او في الدار و مرجع الكراهة الى اقلية الثواب بالاضافة الى ايقاعها في غير الحمام و اما في المقام فلا يكون في البين الا عنوان الايجاب اى النذر و لا يعقل اجتماع العبادية و الكراهة فيه و الظاهر ان ظهور الذيل اقوى من ظهور الصدر على تقديره.
الثالث: صحيحة منصور بن حازم عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال إذا قال الرجل: علىّ المشى الى بيت اللّه و هو محرم بحجة، او قال علىّ هدى كذا و كذا فليس بشىء حتى يقول للّه علىّ المشى الى بيته او يقول للّه علىّ كذا و كذا ان لم افعل كذا و كذا(1) و يرد على الاستدلال بها ان غاية مفادها لزوم اشتمال صيغة النذر على كلمة «للّه» و عدم الاقتصار على كلمة «علىّ» و هذا لا دلالة له على اعتبار قصد القربة الذى عرفت ان لازمه كون الداعى على اصل الالتزام داعيا الهيا و مقتضاه اضافة مثل كلمة «قربة الى اللّه» الى الصيغة لو اريد التلفظ بها و عدم الاكتفاء بنفس الصيغة بمجردها كما مرّ من صاحب الجواهر.
1 ـ ئل ابواب النذر و العهد الباب الاول.
(الصفحة431)
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه لم يقم دليل على اعتبار نية القربة في النذر بمعنى الايجاب و الالتزام و مجرد تحقق الشهرة بل الاجماع المدعى لا يكفى لاثبات هذا المعنى بل على تقدير كون الاجماع محصلا لا يجدى لاحتمال استناد المجمعين الى الروايات التى عرفت مفادها خصوصا بعد احتمال كون مراد المجمعين من نية القربة هو مجرد اشتمال الصيغة على كلمة «للّه» لا كون الداعى على الالتزام امرا الهيا غير نفسانى.
نعم: يبقى الكلام حينئذ في الفرق بين اليمين و بين النذر حيث كانت الشهرة فيهما متخالفة على ما عرفت فانه لو كان مراد المشهور من نية القربة المعتبرة هو الاشتمال المذكور لما كان فرق بينهما اصلا فان اليمين ايضا مشتملة على كلمة الجلالة و يعتبر فيها ان يكون المقسم به هو اللّه تبارك و تعالى و اولى من اليمين العهد الذى تكون صيغته عاهدت اللّه فانه لا يكون فرق بينها و بين النذر لو كانت الشهرة مختصة بالنذر و غير شاملة للعهد فانه يحتمل ان يكون العهد واقعا في طرف النذر و يحتمل ان يكون ملحقا باليمين و اللازم المراجعة الى كتاب النذر فان كان واقعا في طرف النذر ينحصر الاشكال باليمين و ان كان ملحقا باليمين يقع الكلام في الفرق بينهما و بين النذر.
هذا و الظاهر مغايرة اليمين معهما فانه فيهما يتحقق الالتزام و المعاهدة بالاضافة الى اللّه تعالى و اما اليمين فهى و ان كانت مشتملة على كلمة الجلالة الا ان القسم لا يكون التزاما في مقابله بل مفاده مجرد التأكيد و التحكيم فالفرق بينهما ظاهر.
و بعد ذلك كله نرجع الى عبارة المتن في هذا المجال فان قوله: «و يقصد القربة رجاء» ظاهر في الرجوع الى خصوص الكافر الذى يحتمل وجوده تعالى و عليه فالمراد بقصد القربة هو اشتمال صيغة الالتزام على كلمة «للّه» لا كون الداعى على اصل الالتزام امرا الهيا الا ان الالتزام بالاضافة الى اللّه تعالى انما يمكن تحققه من المسلم
(الصفحة432)
مسئلة 2 ـ يعتبر في انعقاد يمين الزوجة و الولد اذن الزوج و الوالد و لا تكفى الاجازة بعده، و لا يبعد عدم الفرق بين فعل واجب او ترك حرام و غيرهما لكن لا ينبغى ترك الاحتياط فيهما بل لا يترك، و يعتبر اذن الزوج في انعقاد نذر الزوجة و اما نذر الولد فالظاهر عدم اعتبار اذن والده فيه، كما ان انعقاد العهد لا يتوقف على اذن احد على الاقوى، و الاقوى شمول الزوجة للمنقطعة و عدم شمول الولد لولد الولد، و لا فرق في الولد بين الذكر و الانثى، و لا تلحق الام بالاب، و لا الكافر بالمسلم1.
و من الكافر المقر باللّه و اما الكافر المحتمل فذكر كلمة «للّه» بالنسبه اليه لا بد و ان يكون بنحو الرجاء الذى مرجعه الى التعليق و مفاده انه ان كان اللّه موجودا فله على كذا فلا دلالة لعبارة المتن على خلاف ما ذكره صاحب الجواهر فتدبر.
1 ـ يقع الكلام في هذه المسئلة في مباحث:
المبحث الاول في اليمين و في اعتبار اذن الزوج و الوالد في انعقاد يمين الزوجة و الولد و كذا اذن المولى في انعقاد يمين المملوك احتمالات بل اقوال ثلثة:
الاول: ما اختاره الماتن (قدس سره) تبعا للمحكى عن الارشاد و المسالك و الرياض من اعتبار الاذن السابق و عدم كفاية غيره حتى الاجازة اللاحقة.
الثانى: انه يعتبر في انعقاد اليمين التى هى محل البحث الاذن الذى هو اعم من السابق و الاجازة اللاحقة.
الثالث: ما نسب الى الاكثر بل المشهور من عدم اعتبار الاذن و الاجازة بل للزوج و الوالد حل يمين الزوجة و الولد و انه لا يجب العمل بها مع عدم رضاهما إذا لم يكن مسبوقا بنهى او اذن فمع النهى السابق لا ينعقد و مع الاذن يلزم و مع عدمهما تنعقد و لهما الحلّ و قد نفى البعد عن قوة هذا القول السيد (قدس سره) في العروة.
و مستند المسئلة طائفة من الروايات الواردة في المقام و الاختلاف انما نشأ من الاختلاف في مفادها و مدلولها و عمدة تلك الروايات صحيحة منصور بن حازم
(الصفحة433)
عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لا يمين للولد مع والده و لا للمملوك مع مولاه و لا للمرأة مع زوجها، و لا نذر في معصية، و لا يمين في قطيعة.(1)
و قد ادعى السيد (قدس سره) في العروة تبعا لصاحب الجواهر ان المنساق من الخبر المذكور و نحوه انه ليس للجماعة المذكورة يمين مع معارضة المولى او الاب او الزوج و لازمه جواز حلّهم له و عدم وجوب العمل به مع عدم رضاهم به.
و اضاف اليه ما افاده الجواهر مما هذه عبارته: «انه قد يقال ان ظاهر قوله (عليه السلام) مع والده نفيها مع معارضة الوالد اذ تقدير وجوده ليس اولى من تقدير معارضته بل هذا اولى للشهرة و العمومات...» و اللازم توضيح المراد من هذه العبارة فنقول ظاهرها انه لا بد من تقدير مضاف لكلمة «مع» و المقدر يحتمل ان يكون هو الوجود المضاف الى الوالد و يحتمل ان يكون هى المعارضة و المزاحمة المضافة اليه فان كان المراد هو الثانى يكون مفاد الرواية نفى اليمين مع معارضة الوالد فينطبق على ما نسب الى المشهور و ان كان المراد هو الاول فحيث انه لا مجال للجمود على نفس العبارة لان مقتضاها ان وجود الوالد مانع عن انعقاد اليمين فاللازم ان يقال بان المتفاهم العرفى منه رعاية شأن الوالد و مقامه و هو لا يتحقق الاّ مع المسبوقية بخصوص الاذن او الاعم منها و من الملحوقية بالاجازة.
و ليس الاحتمال الاول اولى من الاحتمال الثانى بل الثانى اولى لموافقته للشهرة و العمومات و مرجعه الى انه على تقدير الاحتمال الاول يلزم التخصيص زائدا على التخصيص في الاحتمال الثانى فان استظهرناه منه فهو و الا يقع الاجمال و في هذه الصورة ايضا يجب الرجوع الى العموم لانه إذا كان المخصص المنفصل مجملا مفهوما مرددا بين الاقل و الاكثر فاللازم الرجوع فيما عدى القدر المتيقن الى العموم و الحكم على طبقه.
1 ـ ئل ابواب اليمين الباب العاشر ح ـ 2
(الصفحة434)
و كيف كان فلا ينبغى الارتياب في ان المقدر المذكور في كلام صاحب الجواهر هو المقدر بعد كلمة «مع» و انه هو الوجود او المعارضة و هذا لا يرتبط بمسئلة «لا» التى هى لنفى الجنس في قوله: «لا يمين» اصلا.
و لا يكاد ينقضى تعجبى كيف حمل بعض الاعلام كلام صاحب الجواهر المتقدم على ان المقدر ما يرتبط بلاء النافية الواردة على اليمين ثم تعرض للجواب عنه و لا بأس بذكر ملخص كلامه في هذا المقام قال: «لا بد من تقدير كلمة الموجود او المنع و المعارضة في الرواية كما هو الحال في نظائرها مثل لا اله الا اللّه و لا رجل في الدار فقد ذكروا ان المقدر فيه هى كلمة الموجود و اما في هذه الجملات فيدور الامر بين التقديرين فان قلنا ان المقدر هو الوجود فمعناه عدم انعقاد اليمين مع الوالد الاّ باذنه و ان قلنا ان المقدر هو المنع و المعارضة فمعناه لا يمين مع منع الوالد و لا دلالة له الاّ على جواز حل اليمين لا اعتبار اذنه فيه و ليس تقدير كلمة الوجود اولى من تقدير كلمة المعارضة.
و اورد عليه اولا بان ما ذكر من تقدير الموجود في «لاء» النافية للجنس فيه مسامحة واضحة لان الوجود و العدم انما يعرضان لنفس الماهية و هى بنفسها قد تكون موجودة و قد تكون معدومة من دون فرق بين الوجود و العدم من جهة الواسطة و عدمها ففى قولنا الانسان موجود يكون معروض الوجود نفس ماهية الانسان و في قولنا العنقاء معدوم يكون المعروض ايضا نفس مهية العنقاء ففى مثل لا رجل في الدار يتعلق النفى بجنس الرجل و ماهيته و لا مجال لتقدير الموجود و هكذا قوله صلّى اللّه عليه و اله: «لا يمين» في الرواية.
و ثانيا: انه على تقدير التنزل نقول بعدم دوران الامر بين تقدير الوجود او المنع و المعارضة فان تقدير الوجود لا بد منه على اى حال و لو كان المراد المنع و المعارضة لان معنى: لا يمين مع المعارضة انه لا وجود اليمين مع المعارضة و المنع بل لو فرض التصريح بكلمة المعارضة لاحتاج الى تقدير كلمة الوجود»
(الصفحة435)
و قد عرفت مما ذكرنا ان مراد صاحب الجواهر التقدير بعد كلمة «مع» غاية الامر تردد المقدر بين امرين و لا ارتباط لذلك بقوله لا يمين من جهة لا النافية لماهية اليمين مع ان المقدر في لا النافية هو الموجود لا الوجود و صريح كلام الجواهر هو الوجود مع ان تغيير محل التقدير بجعل الوجود مقدرا بعد قوله لا يمين و المعارضة مقدرة بعد كلمة «مع» كما هو مقتضى الجواب الثانى مما لا ينبغى ان يصدر من مثله فالظاهر حينئذ ما ذكرنا من بيان عبارة الجواهر و توضيحها كما عرفت.
نعم يرد على ما افاده الجواهر من الدليل الثانى منع اولوية تقدير المعارضة لعدم كون الشهرة دخيلة في مرتبة الظهور و مقام دلالة الرواية بوجه بل منع التساوى بين التقديرين فى مقام الاحتمال بل الظاهر اولوية تقدير الوجود لانه مضافا الى ان اضافة الوجود الى الماهية اهون و اقرب من اضافة مثل عنوان المعارضة و المزاحمة نقول ان الوجود لا يحتاج الى التقدير اصلا لانه كما ان قوله لا يمين للولد لا يحتاج الى تقدير الوجود قبل كلمة الولد مع ان مفاده في نفسه هى المهية و الطبيعة و ذلك لان المتفاهم منه هو الوجود من دون ان يكون مقدرا، كذلك الوالد بعد قوله: «مع» فانه ايضا لا يحتاج الى التقدير اصلا بل له ظهور عند العرف في الوجود و مما ذكرنا يظهر الجواب عن الدليل الاول فتأمل
و التحقيق: في هذا المقام ان طرف احتمال تقدير المعارضة و المنع ليس هو الوجود كما في كلام صاحب الجواهر (قدس سره) بل طرفه احتمال تقدير عدم الاذن السابق او الاعم منه و من الاجازة اللاحقة و الوجه في عدم كونه هو الوجود مضافا الى ما افاده في المستمسك من انه لو كان المراد ان وجود الوالد مانع كما يقتضيه الجمود على ما تحت العبارة كان قوله: «مع والده» زائدا اذ الولد لا بد ان يكون له والد و كذا الزوجة و العبد لا بدّ ان يكون لهما زوج و سيد فذكر الوالد و الزوج و السيد شاهد على عدم كون المقدر هو الوجود و مضافا الى ما عرفت من ان المتفاهم
(الصفحة436)
عند العرف من الوالد بلحاظ اتصافه ما هو المتفاهم عندهم من الولد بلحاظ هذه الاضافة و ليس مرجع ذلك الى تقدير الوجود بوجه.
انه على تقدير كون المقدر هو الوجود يكون مفاد العبارة عدم صحة يمين الولد مع وجود الوالد و مرجعه الى عدم الانعقاد ما دام كونه حيا و لا مجال للحمل على هذا التقدير على كون المراد عدم الاذن لانه بعد فرض عدم ارادة وجود الوالد من حيث هو تكون نسبة عدم الاذن و اضافته الى الوالد متساوية مع اضافة المنع و المعارضة.
فالظاهر حينئذ ان الامر يدور بين تقدير عدم الاذن و بين تقدير المعارضة و المنع و لا يرجع تقدير عدم الاذن الى قوله لا يمين للولد الا مع اذن والده حتى يقال كما في بعض الكلمات بانه لا مجال لتقدير الاستثناء و ذلك لان المقدر نفس عدم الاذن من دون حاجة الى الاستثناء اصلا.
و على ما ذكرنا لو فرض اجمال الرواية من جهة ما هو المقدر فاللازم الرجوع الى اصالة العموم فيما إذا كان المخصص المنفصل مجملا مرددا بين الاقل و الاكثر كما عرفت و لكن هنا قرينة على كون المراد هو عدم الاذن و هو ان العبد لا يكفى في انعقاد يمينه مجرد منع المولى و معارضته بل يحتاج الى الاذن لانه لا يقدر على شىء على ما وصفه به فى الكتاب العزيز فاذا كان الحكم في العبد كذلك فالظاهر عند العرف بمقتضى وحدة السياق خصوصا مع وقوع قوله صلّى اللّه عليه و اله: و لا للمملوك مع مولاه بين الجملتين ان المراد في جميع الجملات الثلاثة واحد و المقدر هو عدم الاذن لا المعارضة و المنع و بما ذكرنا يظهر عدم صحة ما هو المنسوب الى المشهور على ما مرّ.
و بعد ذلك يقع الكلام في ان المراد بالاذن هل هو خصوص الاذن السابق او الاعم منه و من الاجازة اللاحقة؟ربما يقال بالاول نظرا الى انه من الايقاعات و ادعى الاجماع على عدم جريان الفضولية فيها كالطلاق و العتق و نحوهما.
(الصفحة437)
و لكنه اجيب عنه بان الاجماع حيث انه دليل لبى يؤخذ بالقدر المتيقن منه و هو الايقاع الواقع على مال الغير كعتق عبده او ما يتعلق بالغير محضا كطلاق زوجة الغير فان الاجازة اللاحقة لا تجدى في مثل ذلك من الامور الاجنبية عنه بالمرة، و اما إذا كان الايقاع متعلقا بفعل نفسه مالا كان او غيره غاية الامر تعلق حق الغير به كحق المرتهن و حق الغرماء او قيام الدليل على اعتبار رضا الغير فيه كما في مثل المقام فلا دليل على عدم تأثير الاجازة اللاحقة فاذا اعتق الراهن العبد المرهون ثم لحقته اجازة المرتهن لا دليل على بطلان عتقه و كذا لو اعتق المفلس المحجور عليه عبده ثم لحقته اجازة الغرماء و الديان فانه ايضا كذلك و كذلك إذا قام الدليل على مجرد اعتبار رضا الغير كما في العمة و الخالة حيث يعتبر رضاهما في نكاح بنت اخيها او اختها من دون فرق بين السابق و اللاحق و المقام ايضا من هذا القبيل فان الاجماع المذكور لا ينهض لاعتبار خصوص الاذن السابق على ما عرفت فالاستناد اليه غير صحيح.
كما انه يمكن ان يقال بالثانى نظرا الى التعليل الوارد في الرواية الواردة في تزويج العبد و هى ما رواه في الكافى و الفقيه عن زرارة عن الباقر (عليه السلام) سئله عن مملوك تزوج بغير اذن سيده فقال ذلك الى سيده ان شاء اجازه و ان شاء فرق بينهما قلت اصلحك اللّه تعالى ان حكم بن عتيبة و ابراهيم النخعى و اصحابهما يقولون ان اصل النكاح فاسد و لا يحلّ اجازة السيد له فقال ابو جعفر (عليه السلام) انه لم يعص اللّه انما عصى سيده فاذا اجاز فهو له جائز.
فان موردها و ان كان هو النكاح الذى يكون من العقود الا ان مقتضى التعليل جريان الحكم في الايقاعات ايضا فانه لا فرق من جهة عدم تحقق معصية اللّه و كذا تحقق معصية المولى باىّ معنى فسرت المعصية به في الموردين بين العقود و الايقاعات و لازمه كون الاجازة اللاحقة كافية كالاذن السابق.
(الصفحة438)
هذا و لكن ورد في مورد طلاق العبد زوجته بعض الروايات التى استدل الامام (عليه السلام)فيها بقوله تعالى: عبدا مملوكا لا يقدر على شىء على افتقار طلاق العبد الى اذن المولى نظرا الى ان الطلاق شىء فهو لا يقدر عليه اى لا يستقل به و لكنه لا يعلم ان المراد بالاذن فيها هل هو خصوص الاذن السابق او الاعم منه و من الاجازة اللاحقة و حيث ان الطلاق من الايقاعات فالظاهر جريان حكمه في يمين العبد و بمقتضى وحدة السياق يجرى في يمين الولد و الزوجة فاللازم ملاحظة تلك المسئلة.
بقى الكلام في ان اليمين التى تحتاج الى الاذن او الاعم منه و من الاجازة او يجوز حلها هل تنحصر بموارد خاصة او تعم جميع الموارد؟و في هذه الجهة اقوال ثلاثة:
احدها ما ذكره في الجواهر فانه بعد اختياره كون المقدر هو المنع و المعارضة قال: «فالمراد ـ ح ـ من نفى اليمين مع الوالد في الفعل الذى يتعلق بفعله ارادة الولد و تركه ارادة الوالد و ليس المراد مجرد نهى الوالد عن اليمين...» و اوضحه السيد (قدس سره) في العروة بان جواز الحل او المتوقف على الاذن ليس في اليمين بما هو يمين مطلقا كما هو ظاهر كلماتهم بل انما هو فيما كان المتعلق منافيا لحق المولى او الزوج و كان مما يجب فيه طاعة الوالد إذا امر او نهى، و اما ما لم يكن كذلك فلا كما إذا حلف المملوك ان يحج إذا اعتقه المولى، او حلفت الزوجة ان تحج إذا مات زوجها او طلقها، او حلفا ان يصليا صلوة الليل مع عدم كونها منافية لحق المولى او حق الاستمتاع من الزوجة او حلف الولد ان يقرء كل يوم جزء من القرآن او نحو ذلك مما لا تجب طاعتهم فيها للمذكورين فلا مانع من انعقاده و هذا هو المنساق من الاخبار فلو حلف الولد ان يحج إذا استصحبه الوالد الى مكة ـ مثلا ـ لا مانع من انعقاده و هكذا بالنسبة الى المملوك و الزوجة فالمراد من الاخبار انه ليس لهم ان يوجبوا على انفسهم باليمين ما يكون منافيا لحق المذكورين
(الصفحة439)
ثانيها ما اختاره المحقق في الشرايع حيث قال: «و لا تنعقد من الولد مع والده الا مع اذنه و كذا يمين المرأة و المملوك الا ان يكون في فعل واجب او ترك حرام» و مقتضاه استثناء صورة ما إذا كان في فعل الواجب او ترك الحرام من قوله (صلى الله عليه وآله) لا يمين للولد مع والده.
ثالثها ما نفى عنه البعد في المتن و استظهره السيد (قدس سره) من الكلمات من عدم الفرق بين الموارد اصلا حتى ما إذا كان في فعل واجب او ترك حرام و ان احتاط وجوبا في المتن بالاضافة اليهما.
و يرد على ما افاده صاحب الجواهر اولا انه لو سلم كون المقدر هى المعارضة و المنع لكن الظاهر من الرواية بلحاظ عدم وقوع التعرض فيها لمتعلق اليمين من الفعل او الترك الذى يراد بسبب اليمين و الالتزام ايجاده في الخارج بل التعرض فيها انما هو لنفس اليمين و النفى قد تعلق بطبيعتها و عليه فالظاهر تعلق المعارضة و المنع بنفسها التى هى التزام من الولد و الزوجة فالمراد ان نفس الالتزام اليمينى إذا كان ممنوعا من قبل الوالد او الزوج فلا ينعقد الالتزام و لا يترتب عليه آثاره و احكامه فلا مجال لجعل المنفى نفس الالتزام و اضافة المنع الى متعلقه فانه خلاف الظاهر جدّا.
و ثانيا ان حمل الرواية على المعنى المذكور يوجب الالتزام بامرين يكون كل واحد منهما خلاف الظاهر:
احدهما الالتزام بكون مفادها هو مفاد قوله: لا يمين في المعصية على ما ورد في بعض الروايات فهل يكون المتفاهم عند العرف من الروايتين امرا واحدا او انه لا ينبغى انكار كون المستفاد من احديهما غير ما يستفاد من الاخر مع انه على تفسير صاحب الجواهر لا بد من الالتزام بوحدة المفاد كما لا بخفى.
ثانيهما ان ظاهر الرواية كون العناوين الثلاثة المذكورة فيها و هى عنوان الوالد و المولى و الزوج لها خصوصية ناشئة عن اهميتها و عظمتها عند الشارع بحيث
(الصفحة440)
كان مراد الشارع من الرواية اثبات حرمة لها مقتضية لاعتبار اذنها و لا اقل عدم منعها و معارضتها و هذا انما يتحقق على تقدير كون عدم الاذن او المنع راجعا الى نفس اليمين و الالتزام لانه لو كان راجعا الى المتعلق لا ينحصر الحكم بهذه العناوين بل يجرى في الزوج بالاضافة الى الزوجة فانه لو حلف على عدم رعاية بعض حقوقها الواجبة كالنفقة و نحوها يكون الحكم ايضا كذلك لعدم الفرق بين حلف الزوجة على عدم رعاية بعض حقوقه الواجبة و بين العكس و هكذا في المولى بالاضافة الى العبد كما لو حلف المولى على ترك انفاق العبد مع كونه واجبا عليه بل و كذا في الوالد بالاضافة الى الولد في بعض الحقوق الواجبة على الوالد بل لا يختص بذلك فانه يجرى في جميع الموارد التى تعلق الحلف بما هو متعلق حق الغير و كان متعلقه عدم رعاية حقه كما إذا حلف الراهن على بيع العين المرهونة مع عدم المراجعة الى المرتهن او حلف المفلس على بيع العين التى هى متعلق حق الغرماء من دون رعاية حقهم فاللازم بمقتضى ما ذكر حمل الرواية على ظاهرها الذى هو الاختصاص بالعناوين الثلاثة المذكورة فيها و لازمه ارتباط الاذن و المنع بنفس اليمين من دون فرق بين كون متعلقها منافيا لحقهم الواجب و بين عدم كونه كذلك كما في الامثلة المذكورة في كلام السيد (قدس سره).
و يرد على ما افاده صاحب الشرايع انه لم يعلم وجه لاستثناء فعل الواجب و ترك الحرام من عموم دليل التوقف على الاذن او مانعية المنع الا دعوى انصراف الدليل المزبور عما إذا كان هناك الزام و التزام اخر غير الالتزام اليمينى و مرجعها الى ان الظاهر من الدليل انحصار الالتزام بما يرتبط باليمين و عليه فاللازم ان لا يكون متعلقه فعل واجب او ترك حرام.
و الظاهر عدم تمامية دعوى الانصراف فانه حيث تكون الرواية ناظرة الى خصوص الالتزام اليمينى الذى يترتب على مخالفته ثبوت الكفارة و من المعلوم مغايرة
|