(الصفحة301)
اراد المجاور المفروض الرجوع الى بلده بعد قضاء مناسك الحج و الاتيان باعماله، و لم يكن الرجوع اليه ضررا عليه او حرجا بوجه، فانه يقع الكلام حينئذ بعد اعتبار الاستطاعة بالاضافة الى الاياب كالذهاب، في انه تعتبر في المقام الذي تبدل الفرض و انقلب الحكم، الاستطاعة بالنسبة الى الاياب ايضا ام لا؟ بل هذا هو المفروض في عبارة الجواهر المتقدمة. نعم، لا يرجع النزاع الى محصل لو كان غرضه استدامة المجاورة، و البقاء في مكة بعد الاعمال. نعم، تظهر الثمرة ايضا في هذه الصورة بالاضافة الى ثمن الهدي، بناء على كونه جزء للاستطاعة المالية، كمااخترناه في البحث عن الاستطاعة البذلية، فان اعتبارها انّما هو في استطاعة حج التمتع دون الافراد، فيقع الكلام حينئذ في اعتبارها في المقام.
و الحق ان يقال: انه لا مجال لاحتمال كون ثمن الهدي جزء من الاستطاعة في المقام بعد عدم وجوب حج التمتع عليه، لعدم اقتضاء دليل الجزئية لها هنا، فهي خارجة عن البحث هنا.
و امّا الاستطاعة بالاضافة الى الرجوع الى بلده، التي هي العمدة في ثمرة النزاع، و ان كان ظاهر تعبير المتن و تفريعه بقوله: فتكفي في وجوبه استطاعة منها، و لا يشترط فيه حصولها من بلده، كون المهمّ هو الابتداء، مع انه كما ترى، و لذااورد سيدنا الاستاذ البروجردي (قدس سره) في التعليقة على العروة على السيّد، الذي عبر بمثل ما في المتن، بقوله: «بل الظاهر ذلك في صورة عدم الانقلاب ايضا، فتكفي استطاعته من مكّة في وجوب الحج عليه، ان كان فيها، و ان كان الواجب بها هو التمتع. نعم، يعتبر حينئذ استطاعته لحج التمتع، و لا يكفي استطاعته لحج المكي دونه».
و بالجملة: فالظاهر ان ترتب الثمرة انّما هو بالاضافة الى مصاريف الرجوع الى البلد، كما في عبارة الجواهر، و حينئذ نقول: لا بدّ في هذه الجهة من ملاحظة
(الصفحة302)
الصحيحتين المتقدمتين، الدالتين على الانقلاب بعد اقامة سنتين، و ملاحظة ما يدل على اعتبار استطاعة الرجوع في الاستطاعة، التي يترتب عليها وجوب الحج، كاعتبار استطاعة الذهاب.
امّا الاوّل: فالظاهر ان صحيحة زرارة لا دلالة لها على عموم التنزيل، و كون المجاور من اهل مكة من جميع الجهات، حتى الاستطاعة الرجوعية، و ذلك لان ذكر قوله: لا متعة له، عقيب قوله: فهو من اهل مكة. من دون الفصل بالواو او الفاء، يدل على ان قوله: لا متعة له، تفسير و بيان لقوله: فهو من اهل مكة.
و عليه، فلا دلالة له على ازيد من كون الاهلية التعبدية انما تكون مرتبطة بعدم ثبوت المتعة له، و امّا من جهة الاستطاعة، فلا يكون له اقتضاء اصلا.
و امّا الصحيحة الثانية فلا يبعد دعوى عموم التنزيل فيها، و ان قوله: و ليس له ان يتمتع. جملة مستقلة متعرضة لبعض مفاد الجملة الاولى، و هو كون المجاورة موجبة لصيرورته قاطنا، و ان كان يجري فيها احتمال كون الثانية بيانا للاولىو مفسرة لها، لكنه خلاف الظاهر.
و امّا الثاني: فقد عرفت: ان العمدة في الدليل المذكور هو حكم العرف بان مرجع القدرة على السفر الى البلد الكذائي، كالسفر الى مشهد الرضا عليه الاف التحية و الثناء، الى القدرة عليه ذهابا و ايابا، و ثبوت الاستطاعة بالاضافة الى الجهتين. و من المعلوم ان ذلك انّما هو فيما إذا كان الرجوع الى البلد مرتبطا بالحج و مضافا اليه، و امّا إذا لم يكن كذلك، كما في المقام، حيث ان الرجوع انّما هو لاجل المجاورة التي اختارها في مدة معيّنة، و لو لم يكن مستطيعا و لم يأت بمناسك الحج و افعاله، لكان يرجع الى بلده. ففي هذه الصورة لا دليل على جزئية استطاعة الرجوع و شرطيتها في الوجوب، بعد عدم ارتباط الرجوع بالحج اصلا.
و هذا هو الظاهر، و لازم ما ذكرنا عدم الاعتبار قبل الانقلاب ايضا، لعين
(الصفحة303)
الدليل. فالثمرة بالاضافة اليه، تظهر في ثمن الهدي، لوجوب التمتع عليه، كما هو المفروض.
الثالث: فيما لو حصلت الاستطاعة قبل تمامية السنتين، و يظهر من المتن ان فيهاصورتين:
احديهما: ما لو حصلت الاستطاعة قبلها، و لكن الحج الواجب بها لا يكاد يمكن ان يقع الاّ بعد تماميتهما: و الظاهر ان حكمها حكم ما لو حصلت بعدهما، من تحقق الانقلاب و ثبوت حج القران او الافراد، و الوجه فيه واضح.
ثانيتها: ما لو حصلت قبلها، و لكن يمكن وقوع الحج الواجب بها على تقديرالمبادرة اليه قبل التجاوز عن السنتين، و لكنّه لم يأت به، بل اخّره الى بعدهما، فهل يتحقق الانقلاب في هذه الصورة ام لا؟ اختار في المتن الثاني.
و المنشأ لدعوى عدم الانقلاب: امّا الاجماع الذي تقدّم في صدر المسألة بالاضافة الى من استطاع في وطنه، ثم اختار مجاورة مكة.
و امّا دعوى عدم ثبوت الاطلاق فيما يدل على الانقلاب من الصحيحتين المتقدمتين.
فان كان الاوّل: فيرد عليه، مضافا الى ما مرّ هناك، من: انه لا اصل للاجماعو لا اصالة له على تقديره انه على فرض صحة الاستدلال به في ذلك المقام، فالقدرالمتيقن هو ثبوت الاستطاعة قبل المجاورة، و امّا بعدها فلا يشمله الاجماع.
و ان كان الثاني: فالوجه في الدعوى المزبورة: ان كان هو الانصراف، فالظاهركونه ممنوعا، لانه لا ينسبق الى الذهن من ملاحظتهما الاّ كون نفس الاقامة و المجاورة دخيلة في الانقلاب، و امّا لزوم تحقق الاستطاعة بعد السنتين فلا ينتقل الذهن اليه بوجه، بل لا يلتفت الى مسألة الاستطاعة اصلا.
و ان كان هو عدم كونهما في مقام البيان، من هذه الجهة، فيدفعه: ان
(الصفحة304)
المتفاهم منهما عرفا، مدخلية نفس المجاورة المذكورة في تبدل الفرض و انتقال الحكم، و لو كان تحقق الاستطاعة بعد السنتين دخيلا، لكان مدخلية المجاورة المذكورة انّما هو بنحو الجزئية و بعض المؤثر، و هو خلاف ظاهر الروايتين جدّا.
فالانصاف: ثبوت الاطلاق لهما، كما اعترف به صاحب الحدائق على ما تقدّمت الاشارة اليه في صدر المسألة و قد مرّ: انه لا مجال للتمسك بالاستصحاب ايضا.
نعم، لو وصلت النوبة الى الترديد و الاجمال في الروايتين، لكان اللازم الاقتصار على القدر المتيقن، و هو ما لو حصلت الاستطاعة بعد السنتين، لعدم الفرق في لزوم الاقتصار على المتيقن بين كون لسان الدليل بنحو التخصيص او بنحو الحكومة، كما لا يخفى. و على ما ذكرنا، فلا فرق بين الصورتين في هذا الامر. هذا تمام الكلام في المقام الاوّل.
المقام الثاني: في المكيّ إذا صار مقيما في سائر الامصار بالمقدار المذكور في المقام الاوّل، و هي تمامية سنتين و الدخول في الثالثة: و الظاهر انه لم ينهض دليل على التبدل و الانقلاب فيه بوجه، و لا دلالة لادلة الانقلاب في ذلك المقام، على انّ المجاورة بالمقدار المذكور موجبة له مطلقا، سواء كانت لغير المكي في مكة او العكس، كماإذا جاور المكي المدينة ـ مثلا ـ، بل لولا ظهور كلمات الاصحاب و صراحة كلام صاحب الجواهر في: انّ المراد بمكة في الروايتين ما هو داخل الحدّ مطلقا، لكان يحتمل ان يكون الحكم من خصائص نفس تلك البلدة المقدسة، و لا يشمل غيرها، المشترك معها في الفرض.
و كيف كان، لم يقم دليل على ان المجاورة في المدينة ـ مثلا ـ موجبة للانقلاب و تبدل الفرض. نعم، قد تقدم البحث في المكّي الذي خرج الى بعض الامصار
(الصفحة305)
مسألة 4 ـ المقيم في مكة لو وجب عليه التمتع كما إذا كانت استطاعته في بلده، او استطاع في مكّة قبل انقلاب فرضه، يجب عليه الخروج الى الميقات لاحرام عمرة التمتع، و الاحوط ان يخرج الى مهلّ ارضه فيحرم منه، بل لا يخلو من قوة. و ان لم يتمكن فيكفي الرجوع الى ادني الحلّ، و الاحوط الرجوع الى ما يتمكن من خارج الحرم، ممّا هو دون الميقات، و ان لم يتمكّن من الخروج الى ادنى الحلّ احرم من موضعه، و الاحوط الخروج الى ما يتمكّن1 .
و اراد ان يحج حجة الاسلام في المراجعة الى بلده و وطنه، و ان المشهور المنصور هو جواز التمتع له، خلافا لابن ابي عقيل، حيث ذهب الى تعين حكم المكّي، و اختاره السيد و الماتن ـ قدس سرهما ـ، و لكن التبدل المبحوث عنه هنا هو التبدل بنحو التعين، كالتبدل في المقام الاوّل، و لا دليل عليه بوجه.
ثم انه استثنى في المتن: ما لو توطن المكي في سائر الامصار، و حصلت الاستطاعة بعده، و انه يتعين عليه التمتع، و لو في السنة الاولى.
و يرد عليه: مضافا الى ان استثناء التوطن من المجاورة، مع كونها في مقابله، يوجب ان يكون منقطعا، انه على فرض التوطن و قصد الاقامة الدائمية، لا دليل على اعتبار كون الاستطاعة حاصلة بعده في الانتقال و التبدل، لانه لم يقم دليل على انّ الملاك في تعين النوع هو زمان الاستطاعة، بل الظاهر ان الاستطاعة شرط لأصل تحقق الوجوب و ثبوت التكليف، و امّا تعين النوع فهو تابع لزمان العمل و ارادة الامتثال، فاذا كان في حال الامتثال متوطنا في مدينة ـ مثلا ـ يكون اللازم عليه حج التمتع، و ان كانت استطاعته حاصلة، في مكة، فتدبر.
1 - في اصل المسألة اقوال ثلاثة:
القول الاوّل: انه ميقات اهله، المعبرّ عنه تبعا للرواية بمهلّ ارضه بضم الميم: اسم مكان من الاهلال، بمعنى الشروع. حكي هذا القول عن الشيخ و ابي الصلاح و يحيى بن
(الصفحة306)
سعيد، و المحقق في النافع، و الفاضل في جملة من كتبه، و نسبه في الحدائق الى المشهور.
القول الثاني: انه احد المواقيت المخصوصة مخيّرا بينها، و هو ظاهر اطلاق الشرايع و النهايةو المقنع و المبسوط و الارشاد و القواعد، و صريح الشهيدين في الدروس و المسالك و الرّوضة.
القول الثالث: انه ادنى الحلّ حكي عن الحلبي او الحلّى كما هو ظاهر، لان كنيته هوابو الصلاح، و هو من القائلين بالقول الاوّل، كما مرّ) و استحسنه صاحب الكفاية، و استظهره الاردبيلي، و احتمله قويا تلميذه صاحب المدارك.
و الحكم في المسألة، تارة: مع قطع النظر عن الروايات الخاصة المختلفة الواردة فيها، و اخرى: مع ملاحظتها، فنقول:.
امّا من الجهة الاولى: فلا بدّ من ملاحظة الروايات العامّة الدالة على توقيت النبي (صلى الله عليه وآله) مواقيت للافاق، و ان لكل قطر ميقاتا مخصوصا، و انه لا يجوز لاحد ان يحرم الاّ من ميقاته الذي عين له، بضميمة الروايات الدالة على التوسعة بهذه الكيفية، و هي: انه يجوز الاحرام من كل ميقات لمن يمرّ به، و ان كان من غير اهله، ففي بعضها: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله)وقت المواقيت لاهلها و من اتى عليها من غير اهلها.
و قد وقع الكلام في: ان الروايات الاخيرة هل تختص بمن يأتي على الميقات من الخارج، او تشمل المقام الذي يريد الحج من مكة؟ و الظاهر هو الانصراف
(الصفحة307)
عن المقام، و الاختصاص بمن يريد الحج من الخارج و يأتي على الميقات، و لا مجال لدعوى استظهار العموم، كما ادّعى.
و امّا من الجهة الثانية: فالرواية الوحيدة التي تدل على القول الاوّل: ما رواه الكليني عن الحسين بن محمّد عن معلّى بن محمد عن الحسن بن على عن ابان بن عثمان عن سماعة، عن ابي الحسن (عليه السلام) قال: سألته عن المجاور، أله ان يتمتّع بالعمرة الى الحج؟ قال: نعم، يخرج الى مهلّ ارضه فيلبيّ ان شاء.(1) و لا بدّ اما من تقييد المجاور في السؤال، بقرينة الحكم في الجواب بجواز التمتع له بالمجاور، الذي لم يمض عليه سنتان، بقرينة الصحيحتين المتقدمتين الواردتين في المسألة السابقة. و امّا من حمل السؤال على الحج المندوب، و على كلا النقديرين يصح الاستدلال بها لهذا القول. لكنه قد نوقش فيها سندا و دلالة، امّا من جهة السند: فلأجل معلّى بن محمد، الذي ذكر النجاشي في ترجمته: انه مضطرب الحدث و المذهب و اجيب عنه ـ مضافا الى عدم دلالة عبارة النجاشي على ضعفه، لان مرجع اضطراب الحديث الى انه يروي الغرائب، و الاضطراب في المذهب لا يقدح في وثاقة الرجل ـ بانه من رجال كامل الزيارات لابن قولويه شيخ المفيد (قدس سره)، الذي التزم في ديباحته: بانه لا يروي الاّ عن الثقات. و عليه، فهو موثق بتوثيقه، غاية الامر، بالتوثيق العام.
و امّا من جهة الدلالة: فلان التعليق على المشيّة لا يكاد يجتمع مع الوجوب، فانه لا معنى لقوله: اقيمو الصلاة ان شئتم، فهو ـ اي التعليق ـ يدل على عدم الوجوب.
و لكنه اجاب عن هذه المناقشة في المستمسك، بقوله: «و قوله (عليه السلام): ان شاء.
1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثامن ح ـ 1.
(الصفحة308)
ظاهر في انه راجع الى التمتع لا الى الخروج، لانّ الظاهر ان عدله: و ان لم يشألم يخرج، و ذلك انما يصحّ فيما يجوز فعله و تركه، و هو التمتع، لا فيما لا بد من فعله او فعل غيره، كما في احد افراد الواجب، و هو الخروج، و لعله ظاهر باقل تأمل».
و هذا الجواب يمكن الايراد عليه: بان تعليق الحكم بالوجوب التخييري على المشيّة بان يقال: ان شئت فاختبر هذا العدل و هذا الطرف، مما لا مانع منه، خصوصا مع اشتماله على مشقة زائدة على العدل الاخر.
و التحقيق في الجواب: ان ملاحظة كثير من الروايات الاخرى، المستدل بهاعلى القول الثاني، تهدينا الى ذلك، و ان المراد تعليق التمتع على المشية:
منها: موثقة سماعة بن مهران، عن ابي عبد الله (عليه السلام) انه قال: من حجّ معتمرا في شوال، و من نيّته ان يعتمر و يرجع الى بلاده، فلا بأس بذلك، و ان هو اقام الى الحج فهو يتمتّع، لان اشهر الحج شوال و ذو القعدة و ذو الحجة، فمن اعثمر فيهنّ و اقام الى الحج فهو متعة، و من رجع الى بلاده و لم يقم الى الحج فهي عمرة، و ان اعتمر في شهر رمضان او قبله و اقام الى الحج فليس بمتمتع، و انما هو مجاور، افرد العمرة، فان هو احبّ ان يتمتع في اشهر الحج بالعمرة الى الحج فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق او يجاوز عسفان، فيدخل متمتعا بالعمرة (بعمرة) الى الحج، فان هو احبّ ان يفرد الحج فليخرج الى الجعرانة فيلبىّ منها.(1) فان ذيلها يدل على انه مختار في التمتع و غيره، و انه ان اختار التمتع فميقاته كذا، و ان اختار الافراد فميقاته كذا.
و مثلها: رواية اسحاق بن عبد الله، قال: سألت ابا الحسن (عليه السلام)عن المعتمر (المقيم) بمكّة، يجرّد الحج او يتمتع مرة اخرى؟ فقال: يتمتع احبّ اليّ،
1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب العاشر ح ـ 2.
(الصفحة309)
و ليكن احرامه من مسيرة ليلة او ليلتين.(1) هذا، مع ان نفس السؤال في رواية سماعة ظاهرة في: انه يجوز للمجاور التمتع ام لا؟ و هذا انما يلائم بالاضافة الى الحج المندوب، و الاّ فالمجاور قبل السنتين يتعين عليه التمتع و بعدهما يتعين عليه غيره، و عليه، فالمعلق على المشيّة انّما هو التمتع، الذي له ان يختاره، و إذا ثبت اشتراط الخروج الى مهلّ ارضه في الحج المندوب: إذا كان تمتعا، ففي التمتع الواجب انما يكون ثابتا بطريق اولى، و دعوى عدم العلم بالمناط واضحة المنع، كما ان دعوى عدم ظهور الجملة الخبرية في الوجوب ايضا كذلك على ما حقق في محلّه. و قد انقدح من جميع ما ذكرنا تمامية الاستدلال للقول الاوّل برواية سماعة، و يؤيده الروايات الواردة في الجاهل و الناسي، الدالة على وجوب رجوعهما الى ميقات اهلهما.
و يدل على القول الثاني روايات:
منها: موثقة سماعة بن مهران المتقدمة انفا، بناء على كون ذات عرق و عسفان ميقاتين من المواقيت المعيّنة، و عدم كون المراد خصوصهما، بل ذكرهما انّما هو لاجل كونهما من المواقيت، و المقصود هو الرجوع الى احدها من دون خصوصية لهما اصلا. و لكن يرد على الاستدلال: ان ذات عرق، و ان كان مهّلا لاهل العراق، الاّ ان عسفان الواقع في مرحلتين من مكة في طريق المدينة ـ كما في تاريخ البلدان لليعقوبي ـ ليس ميقاتا بوجه، فان الميقات في ذلك الطريق: امّا مسجد الشجرة، الواقع في جنب المدينة، بل فيها في هذه الازمنة، و امّا الجحفة، و لا يكون عسفان ميقاتا بوجه، مع ان التعبير بالتجاوز الظاهر في العبور عنهما الى غيرهمالا يكاد يعلم له وجه. و عليه، فتصير الموثقة مخالفة للاجماع، و لا مجال للاستدلال بها بوجه.
1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الرابع ح ـ 20.
(الصفحة310)
و منها: رواية اسحاق بن عبد الله المتقدمة انفا ايضا.
و يرد على الاستدلال بها: مضافا الى ضعف السّند، انّ المراد من مسيرة ليلة اوليلتين ان كان هو نفس هذا العنوان، فهو مخالف للاجماع و لجميع الاقوال في المسألة، و لا ينطبق على المدّعى، و ان كان اشارة الى المواقيت المخصوصة المختلفة بالقرب و البعد، فيرد عليه: مضافا الى انه ليس في المواقيت ما يكون بمقدار مسيرة ليلة ـ على ما يأتي في بحث الميقات ـ ان الاقتصار على ذلك مع انه في المواقيت يوجد ما هو اكثر من ذلك، كمسجد الشجرة، الذي تكون مسافته الى مكة ما يقرب من مسيرة تسع ليال، لا وجه له.
و منها: مرسلة حريز، عمن اخبره عن ابي جعفر (عليه السلام) قال: من دخل مكة لحجة عن غيره ثم اقام سنة، فهو مكيّ، فاذا (و إذا ظ) ارادا ان يحجّ عن نفسه، او اراد ان يعتمر بعد ما انصرف من عرفة، فليس له ان يحرم من مكّة، و لكن يخرج الى الوقت، و كلما حول رجع الى الوقت.(1) بناء على ان يكون المراد بالوقت هو جنس الوقت، الصادق على جميع المواقيت، لا العهد و الاشارة الى ميقات ارضه، و لكن ضعف سند الرواية بالارسال يمنع عن الاستدلال.
و قد انقدح مما ذكرنا: ان روايات هذا القول، امّا قاصرة سندا، و اما دلالة، و امّا معا.
و امّا القول الثالث: فقد استدل له ايضا بروايات:
منها: صحيحة الحلبي، قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام): لاهل مكّة أن يتمتّعوا؟ قال: لا، قلت: فالقاطنين بها؟ قال: إذا اقاموا سنة او سنتين صنعوا كما
1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب التاسع ح ـ 9.
(الصفحة311)
يصنع اهل مكة، فاذا اقاموا شهرا فان لهم ان يتمتعوا. قلت: من اين؟ قال: يخرجون من الحرم، قلت: من اين يهلّون بالحج؟ فقال: من مكّة، نحوا ممّن يقول الناس.(1)
و منها: رواية حمّاد، قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن اهل مكة ايتمتّعون؟ قال ليس لهم متعة، قلت: فالقاطن بها؟ قال: إذا اقام بها سنة او سنتين صنع صنع اهل مكّة، قلت: فان مكث الشهر؟ قال: يتمتع، قلت: من اين يحرم؟ قال: يخرج من الحرم، قلت: من اين يهلّ بالحج؟ قال: من مكّة، نحوا مما يقول النّاس.(2) و ظهور الروايتين في كفاية مجرد الخروج من الحرم و الاحرام منه، لا مجال للارتياب فيه، كما ان الاولى صحيحة بلا اشكال، و الثانية، و ان كان في سندهاداود و قد روى عنه ابن ابي عمير، و قد ذكرنا سابقا اشتراكه بين الثقة و غيره، لكن حكي عن كتاب «ترتيب اسانيد الكافي» لسيّدنا العلامة الاستاذ البروجردي ـ قدس سره ـ انه قال: بان داود، الذي يروي عنه ابن ابي عمير ثقة. و لو كانت روايات هذا القول منحصرة بهاتين الرّوايتين، لكان مقتضى الجمع بينهما و بين رواية سماعة، الدالة على القول الاوّل، بعد قصور روايات القول الثاني سندا او دلالة، هو حملهما عليها، لاقتضاء حمل المطلق على المقيد، ذلك لانهما مطلقتان من حيث المنتهى، و هي دالة على انه عبارة عن مهلّ ارضه و ميقات اهله، فلا بد من تقييدهما بها، و لا مجال لجعلهما قرينة على التصرف فيها بالحمل على الاستحباب و افضل الافراد، و الاّ لكان مقتضاه جريان مثله في جميع موارد الاطلاق و التقييد،
1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب التاسع ح ـ 3.
2 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب التاسع ح ـ 7.
(الصفحة312)
ضرورة ان مثل قوله: اعتق رقبة، يمكن ان يكون قرينة على التصرف في الدليل، الذي ظاهره التقييد بالحمل على الاستحباب و كون المقيد افضل الافراد، فيما إذا كانا مثبتين، و بالحمل على الكراهة و اقليّة الثواب، فيما إذا كان دليل المقيد مثل قوله: لا تعتق الرقبة الكافرة.
فاللازم بمقتضى حكم العرف و العقلاء في نظائر المقام هو حمل المطلق على المقيّد، الاّ ان الاشكال: ان الدليل على هذا القول لا ينحصر بهاتين الروايتين، بل هنا رواية ثالثة دالة على الخروج الى الجعرانة، و كان اللازم على صاحب الجواهر (قدس سره)التعرض لها مكان الرواية الثالثة، التي اوردها عقيبهما، مع عدم ارتباطها بالمقام، او وضوح تقدّم رواية سماعة عليها، فنقول: امّا ما اورده صاحب الجواهر: فهي صحيحة عمر بن يزيد، عن ابي ـ عبد الله (عليه السلام) قال: من اراد ان يخرج من مكّة ليعتمر. احرم من الجعرانة او الحديبية او ما اشبهها.(1) و الظاهر ان المراد من قوله: ليعتمر. بلحاظ اطلاق العمرة، هي العمرة المفردة، فان التعبير في عمرة التمتع هي اضافتها اليه، او مثل قوله تعالى: «فمن تمتع بالعمرة الى الحج» كما في كثير من الروايات.
و على تقدير الاطلاق و الشمول لعمرة التمتع: تكون رواية سماعة الواردة في خصوصها مقيدة لاطلاقها، فالرواية ليست بمهمة في المقام. و امّا ما ترك التعرض له في الجواهر و تبعه بعض شراح العروة، فهي موثقة سماعة عن ابي عبد الله (عليه السلام)قال: المجاور بمكة إذا دخلها بعمرة في غير اشهر الحج، في رجب او شعبان او شهر رمضان او غير ذلك من الاشهر، الاّ اشهر الحج، فانّ اشهر الحجّ شوّال و ذو القعدة و ذو الحجة، من دخلها بعمرة في غير اشهر الحج، ثم اراد ان يحرم
1 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب الثاني و العشرون ح ـ 1.
(الصفحة313)
فليخرج الى الجعرانة فيحرم منها، ثم يأتي مكة و لا يقطع التلبية حتى ينظر الى البيت، ثم يطوف بالبيت و يصلي الركعتين عند مقام ابراهيم (عليه السلام) ثم يخرج الى الصّفا و المروة فيطوف بينهما، ثم يقصر و يحلّ، ثم يعقد التلبية يوم التروية.(1) فان ظهورها في كفاية مجرد الخروج الى الجعرانة، فيما إذا اراد المجاور التمتع بالحجّ، لا ينبغي الارتياب فيه. و عليه، فتقع المعارضة الظاهرة بينها و بين رواية سماعة، الدالة على لزوم الخروج الى مهلّ ارضه، و لا مجال لدعوى كون التعارض بينهما في مقدار الزائد على الجعرانة الى ميقات اهله، نظرا الى ان تلك الرواية توجبه، و هذه الرواية تحكم بعدم وجوبه، فتحمل تلك على الاستحباب بقرينة هذه الرواية.
و ذلك لعدم وجود القدر المتيقن المتفق عليه بينها، لان ما تدل على الخروج الى الجعرانة ظاهرها عدم جوازه الى ازيد منها، و ان حكي عن بعض القائلين بالقول الثالث: الحكم بالجواز، لكنه لا يظهر من الرواية. و عليه، فالروايتان متعارضتان جدّا، و لا بد من اعمال قواعد التعارض، فان قلنا بثبوت الشهرة على القول الاوّل، كما ادعاه صاحب الحدائق، او قلنا: بانه لا تعتبر الشهرة في جانب الاثبات فقط، بل تكفي الشهرة على النفي ايضا لاسقاط الخبر النافي عن الحجيّة، فاللازم الاخذ برواية سماعة الاولى، الدالة على لزوم الخروج الى مهلّ ارضه، لوجود الشهرة على وفقها، او ثبوت الشهرة المركبة على خلاف رواية سماعة الثانية، كما لا يخفى.
و ان لم نقل بشيء من الامرين، فاللازم امّا القول بالتخيير، و امّا القول بالتساقط، و الرجوع الى الادلة العامّة الدالة على لزوم الاحرام من ميقات الاهل و مهلّ الارض، فالاحوط حينئذ ذلك.
1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثامن ح ـ 2.
(الصفحة314)
ثم انّ ما افاده في المتن في ذيل المسألة في حكم صورة التعذر: قد حكى عن المدارك: انه مما قطع به الاصحاب، و استظهر من كلمات غيره: انّه مفروغ عنه، و لو لا ذلك لامكن المناقشة في جعل الاحتياط في الرّجوع الى ما يتمكن من خارج الحرم، ممّا هو دون الميقات، لعدم الدليل على جواز الاحرام من غير المواقيت الشاملة لمثل الجعرانة، و كذا تجري المناقشة في الاحتياط الاخير بعد تعذر الخروج الى ادنى الحلّ، فانه لا دليل على الخروج الى المقدار الممكن بعد تعذر الخروج اليه.
(الصفحة315)
القول في حجّ التّمتّع
(الصفحة316)
(الصفحة317)
القول في صورة حج التمتّع اجمالاً
و هي ان يحرم في اشهر الحج من احدى المواقيت بالعمرة المتمتع بها الى الحجّ، ثم يدخل مكّة المعظّمة فيطوف بالبيت سبعا، و يصلي عند مقام ابراهيم ركعتين، ثم يسعى بين الصفا و المروة سبعا، ثم يطوف للنساء احتياطا سبعا، ثم ركعتين له و ان كان الاقوى عدم وجوب طواف النساء و صلوته، ثم يقصّر فيحلّ عليه كل ما حرّم عليه بالاحرام. و هذه صورة عمرة التمتع التي هي احد جزئي حجّة.
ثم ينشئ احراما للحج من مكة المعظمة في وقت يعلم انه يدرك الوقوف بعرفة، و الافضل ايقاعه يوم الترويّة بعد صلاة الظهر. ثم يخرج الى عرفات فيقف بها من زوال يوم عرفة الى غروبه، ثم يفيض منها، و يمضي الى المشعر فيبيت فيه، و يقف به بعد طلوع الفجر من يوم النحر الى طلوع الشمس منه، ثم يمضى الى منى لاعمال يوم النحر، فيرمي جمرة العقبة ثم ينحر او يذبح هديه، ثم يحلق ان كان صرورة، على الاحوط، و يتخير غيره بينه و بين التقصير، و يتعيّن على النساء التقصير، فيحل بعد التقصير من كل شيء الاّ النساء و الطيب، و الاحوط اجتناب الصيد ايضا، و ان كان الاقوى عدم حرمته عليه، من حيث الاحرام. نعم، يحرم عليه لحرمة الحرم، ثم يأتي الى مكة ليومه ان شاء، فيطوف طواف الحج و يصلى ركعتيه و يسعى سعيه، فيحلّ له الطيب، ثم يطوف طواف النساء، و يصلي ركعتيه، فتحلّ له النساء ثم يعود الى منى لرمي الجمار، فيبيت بها ليالي التشريق، و هي الحادية عشرة و الثانية عشرة و الثالثة عشرة، و بيتوتة الثالث عشرة انما هي في بعض
(الصفحة318)
الصور، كما يأتي، و يرمي في أيّامها الجمار الثلاث. و لو شاء لا يأتي الى مكة ليومه، بل يقيم بمنى حتى يرمي جماره الثلاث يوم الحادي عشر و مثله يوم الثاني عشر، ثم ينفر بعد الزوال لو كان قد اتقى النساء و الصيد، و ان اقام الى النفر الثاني و هو الثالثة عشر، و لو قبل الزوال، لكن بعد الرمي جاز ايضا، ثم عاد الى مكّة للطوافين و السعي، و الاصح: الاجتزاء بالطواف و السعي تمام ذي الحجة، و الافضل الاحوط ان يمضي الى مكّة يوم النحر، بل لا ينبغي التأخير لغده، فضلا عن ايام التشريق الاّ لعذر1 .
1 - ما افاده هنا هو تصوير حجّ التمتّع بنحو الاجمال و سيأتي البحث في الخصوصيات مفصّلا ان شاء الله و الذي ينبغي البحث هنا امّا في عمره التمتع فهو من جهة انه هل يجب فيها طواف النساء كالعمرة المفردة و جميع انواع الحجّ او انّ لها خصوصية من هذه الجهة؟ فالمشهور، بل المتسالم عليه بينهم، هو عدم الاعتبار، و لكن نسب الشهيد الى بعض الاصحاب، القول بالاعتبار من دون تعيين قائله.
و يدل على عدم الوجوب: صحيحة صفوان بن يحيى، قال: سأله ابو حارث عن رجل تمتع بالعمرة الى الحج، فطاف و سعى و قصّر، هل عليه طواف النساء؟ قال: لا، انّما طواف النساء بعد الرجوع من منى.(1) و لا يكاد يضرها الاضمار، بعد كون المضمر هو صفوان، كما هو ظاهر.
و صحيحة محمد بن عيسى، قال: كتب ابو القاسم مخلّد بن موسى الرازي الى الرجل يسأله عن العمرة المبتولة، هل على صاحبها طواف النساء و العمرة، التي يتمتع بها الى الحج، فكتب: امّا العمرة المبتولة فعلى صاحبها طواف النساء، و امّاالتي يتمتع بها الى الحج فليس على صاحبها طواف النساء.(2) و امّا ما ظاهره الوجوب: فهي رواية سليمان بن حفص المروزي، عن الفقيه (عليه السلام)
1 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الثاني و الثمانون ح ـ 6.
2 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الثاني و الثمانون ح ـ 1.
(الصفحة319)
قال: إذا حجّ الرجل فدخل مكة متمتعا فطاف بالبيت و صلّى ركعتين خلف مقام ابراهيم (عليه السلام) و سعى بين الصفا و المروة و قصّر، فقد حلّ له كل شيء ما خلا النّساء، لان عليه، لتحله النساء، طوافان و صلاة.(1) و الظاهر ان «طوافان» و ان كان موجودا في الطبع الحديث من الوسائل الاّ انه غلط لوجهين: احدهما: ان اسم انّ يكون منصوبا، و اللازم على هذا التقدير، ان يكون طوافين لا طوافان. ثانيهما: عدم ثبوت طوافين بعد الطواف الاوّل، لا في الحج و لا في العمرة، فهذه العبارة اشتباه، و ان كان يؤيّدها التأنيث في قوله: لتحلّه، كمالا يخفى.
ثم انّ الصورة المفروضة في الرواية لا تكون ظاهرة في عمرة التمتع، مع قطع النظر عن قوله: و قد قصّر. لاحتمال كون المراد هو الحج، و انّ دخول مكّة انّما هو الدخول بعد العود عن منى، لكن هذا القول يوجب التعين في عمرة التمتّع، لانه مضافا الى عدم تعين التقصير في حج التمتّع الاّ بالاضافة الى النساء، و امّا في غيرهنّ فأمّا ان يتعين الحلق او يتخير بينه و بين التقصير، يكون التقصير في الحج قبل الطواف و السعي، و ظاهر الرواية وقوعه بعدهما، فيتعين في عمرة التمتع.
لكن هذا كله على تقدير وجود «و قد قصّر» في الرواية، مع ان المحكي عن الاستبصار عدم وجود هذه الجملة في الرواية، و ان كانت موجودة في التهذيب، و هو المصدر لنقل الوسائل، و لكنه نسب اليه: انه سهو من قلمه الشريف، و الظاهر انه لا دليل عليه، و مقتضى اصالة عدم الزيادة خلافه، خصوصا مع انها الدليل الوحيد في الباب، و لولاه لا دليل على الاستحباب ايضا. و كيف كان،
1 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الثاني و الثمانون ح ـ 7.
(الصفحة320)
على تقدير خلوّ الرواية عن هذه الجملة لا دلالة لها على حكم عمرة التمتّع لما عرفت، من ابتناء دلالتها عليه على وجود هذه الجملة، و التعبير بدخول مكة فيها لا ظهور فيه في الدخول بعد احرام العمرة، فان الحاج ايضا يدخلها بعد الفراغ عن اعمال منى، كما لا يخفى.
نعم، ربما يقال بعدم الابتناء على وجود الجملة المزبورة، و ذلك لانه قد ثبت في محلّه: انه بالحلق او التقصير، الذي هو اخر اعمال يوم النّحر، يحلّ للمحرم كل شيء عدا النساء و الطيب و الصيد، و يتوقف حلية الطيب على الطّواف، و السعيو النساء على طواف النساء، و حرمة الصيد لم يثبت استنادها الى الاحرام، بل يحتمل ان تكون لاجل حرمة الحرم. و عليه، فلا تختص بالمحرم، كما قواه الماتن ـ قدس سره الشريف ـ. و بالجملة: المؤثر في حلية اكثر محرّمات الاحرام هو تمامية اعمال يوم النحر بمنى. و عليه، فجعل المؤثر في الحلية هو الطواف و ركعتاهو السعي، كما في الرواية دليل على ان موردها عمرة التمتع، لان تأثيرها في الحلية انما يكون فيها دون الحج، الذي عرفت: انّ المؤثر العمدة هو الحلق او التقصير.
و لكن يدفع هذا القول: انه حيث تكون الحليّة المذكورة عامة ثابتة، بالاضافة الى جميع محرمات الاحرام، ما خلا النساء، فلا مانع من تعليقها على الطوافو السعي بعد تمامية اعمال يوم النحر، و بعبارة اخرى: لو كانت الحلية المعلقة هي الحلية في الجملة لما كانت مرتبطة بمثل الطواف، و امّا لو كانت هي الحليّة العامة الشاملة للجميع عدا النساء، فلا مانع من تعليقها على الطواف و السعي، اللذين يقعان بعد تمامية اعمال يوم النحر لا محالة. و عليه، فقوة الابتناء المذكور بحالها، و لا دلالة للرواية على حكم المقام، مع الخلو عن جملة «و قصّر».
ثم انه لو فرض وجود الجملة المزبورة، و تمامية دلالة الرواية على اعتبار طواف
|