(الصفحة361)
عن المتمتع يجيء فيقضي متعته، ثم تبدو له حاجة فيخرج الى المدينة او الى ذات عرق او الى بعض المنازل (المعادن ئل). قال: يرجع الى مكّة بعمرة، ان كان في غير الشهر الذي تمتع فيه، لان لكل شهر عمرة، و هو مرتهن بالحج... و حينئذ يكون الحكم بالاحرام إذا رجع بعد شهر على وجه الاستحباب لا الوجوب، لان العمرة، التي هي وظيفة كل شهر، ليست واجبة. لكن في جملة من الاخبار كون المدار على الدخول في شهر الخروج او بعده، كصحيحتي حمّاد و حفص بن البختري و مرسلة الصدوق و الرضوي، و ظاهرها الوجوب، الاّ ان تحمل على الغالب من كون الخروج بعد العمرة بلا فصل، لكنه بعيد، فلا يترك الاحتياط بالاحرام إذا كان الدخول في غير شهر الخروج».
اقول: ذيل رواية اسحق عبارة عن: «قلت: فانه دخل في الشهر الذي خرج فيه. قال: كان ابي مجاورا هاهنا فخرج يتلقّى (ملتقيا) بعض هولاء، فلمّا رجع فبلغ ذات عرق، احرم من ذات عرق بالحج، و دخل و هو محرم بالحج».(1) و الكلام يقع تارة: في مفاد هذه الرواية، من جهة انه هل هو وجوب الاحرام للعمرة للرجوع، ان كان في غير شهر التمتع، او الخروج، او عدم الوجوب؟ و اخرى: في مفاده، من جهة كون الملاك هو الشهر الذي تمتع فيه او الشهر الذي خرج من مكة. و ثالثة: في مفاد سائر الروايات، و الجمع بينها و بينها على تقدير الاختلاف و المعارضة.
فنقول: قد استفاد السيد (قدس سره) من الرواية: استحباب الاحرام و العمرة للرجوع و عدم وجوبه. لان تعليق الحكم بالرجوع بالعمرة على كونه في غير الشهر الذي تمتع فيه، اي وقعت فيه العمرة، بضميمة التعليل بان لكل شهر
1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثاني و العشرون ح ـ 8.
(الصفحة362)
عمرة، و هو اشارة الى المستفيضة، الدالة على ان لكلّ شهر، عمرة، و مفادها استحباب العمرة في كل شهر يدل على ان الحكم في المقام ايضا كذلك، فلا تجب العمرة، و لو كان الرجوع في غير ذلك الشهر.
و لكنّه يرد عليه، مضافا الى ان قوله (عليه السلام) بعده بلا فصل: و هو مرتهن بالحج لا يلائم مع الحكم الاستحبابي المبنيّ على جواز الترك. ان الظاهر ان المراد من العمرة التي حكم بالرجوع الى مكة بها هي عمرة التمتع لا العمرة المفردة. و عليه، فكيف يمكن تعليل حكمها باستحباب العمرة المفردة لكل شهر، ضرورة ان المراد من المستفيضة المذكورة خصوص العمرة المفردة، فلا ينطبق التعليل على الحكم المعلّل بوجه، و احتمال كون المراد من العمرة في الحكم المعلّل هي العمرة المفردة واضح البطلان، خصوصا مع ملاحظة انه لا يجوز للمتمتع الاتيان بالعمرة المفردة بين عمرة التمتع و حجّه، و يؤيّده بل يدل عليه تصريح صحيحة حمّاد الاتية بذلك، فلا ينبغي الارتياب حينئذ في دلالة هذه الرواية على الوجوب. و المراد من العلّة ثبوت عمرة التمتع بعد مضي الشهر ثانيا، هذا بالاضافة الى الجهة الاولى.
و امّا الجهة الثانية: فقوله (عليه السلام): ان كان في غير الشهر الذي تمتع فيه، و ان كان ظاهرا في ان الملاك هو شهر وقوع عمرة التمتع فيه. الاّ ان السؤال الثاني عن الدخول في الشهر الذي خرج فيه، هل هو سؤال عن عنوان اخر مغاير لما هوالمذكور في كلام الامام (عليه السلام)، او ان الظاهر انه سؤال عن حكم موضوع مفهوم كلام الامام (عليه السلام). و بعبارة اخرى: حيث انه (عليه السلام) حكم بالرجوع بعمرة ان كان في غير شهر التمتع، فالسائل قد سأل عن حكم ما إذا كان الرجوع في نفس ذلك الشهر، و قد عبّر عنه بشهر الخروج. و عليه، فلا بدّ: امّا من الالتزام بان السائل قد فهم من شهر التمتع، شهر الخروج، او الالتزام بان مراد السائل من شهر الخروج، هو شهر التمتع المذكور في كلام الامام (عليه السلام)، لا مجال لاحتمال كونه سؤالا عن عنوان
(الصفحة363)
مغاير للعنوان المذكور في كلام الامام (عليه السلام)، خصوصا مع كونه ناظرا الى اتحادالشهرين، و كلامه (عليه السلام) الى مغايرتهما، كما لا يخفى. فلا بد من الحمل على كونه سؤالا عما يتعلق بالحكم المذكور قبله. نعم، يبقى الكلام في ترجيح احد الالتزامين المذكورين على الاخر، و الظاهر ترجيح الالتزام الاوّل، لان كلام السائل وقع بعدكلام الامام (عليه السلام)، فهو بمنزلة التفسير و بيان ما هو المتفاهم منه عند العرف، و قد قرّره الامام (عليه السلام) على ذلك و لم ينكر عليه في الجواب، بان يقول: بان مرادي هو شهر التمتع لا شهر الخروج، فنفس السؤال ـ بضميمة عدم الانكار في الجواب ـ شاهد على كون المراد هو شهر الخروج دون ما هو ظاهره، بنظرنا، من كونه غيره، كما لا يخفى.
ثم ان عدم وضوح الجواب عن هذا السؤال من جهة التعبير بكون الصادق (عليه السلام) مجاورا في مكّة، مع انه لم يشهد له التاريخ، مضافا الى ان المجاورة ان كانت بمقدار موجب لتغير الفرض و انقلاب الحكم من التمتع الى القران او الافراد، توجب عدم الارتباط بما هو موضوع السؤال من التمتع، و ان لم تكن بذلك المقدار، لا يكون عنوانها دخيلا في الحكم اصلا، لا يوجب التردد فيما نحن بصدده، من دلالة الرواية على كون المعيار هو شهر الخروج.
كما ان عدم وضوح علّة كون احرامه (عليه السلام) من الميقات، مع كون احرام الحج في التمتع لا بد و ان يقع من مكّة ايضا، لا يوجب. الخلل فيما ذكرنا ـ و ان كان غير بعيد عندي ـ وجود الاستثناء للضابطة المذكورة في احرام حج التمتع، بالاضافة الى من خرج من مكة غير محرم، ثم مرّ في رجوعه الى مكّة الى بعض المواقيت، فتدبرو كيف كان، فدلالة الرواية على ان المعيار هو شهر الخروج، لا تنبغى المناقشة فيها. و العجب انّ مثل العروة و شروحها قد نظروا الى صدر الرواية و لم ينظروا الى السؤال الثاني و التعبير الواقع فيه، الذي هو مفسر لما وقع في الصدر، كما مرّ.
(الصفحة364)
و ممّا ذكرنا يظهر الحكم في الجهة الثالثة، لان سائر الروايات بين ما وقع فيه التصريح بشهر الخروج، كمرسلة الصدوق ـ التي عرفت انّها معتبرة عندنا ـ و بين ما كان خاليا عن اضافة الشهر الى شيء معلوم، و ان كان ظاهره هو كون المضاف اليه الخروج، مثل ذيل صحيحة حمّاد بن عيسى، التي تقدم صدرها، و هو عبارة عن قوله: «قلت: فان جهل فخرج الى المدينة او الى نحوها بغير احرام، ثم رجع في ابّان الحج في اشهر الحج يريد الحج، فيدخلها محرما او بغير احرام؟ قال: ان رجع في شهره دخل بغير احرام، و ان دخل في غير الشهر دخل محرما.
قلت: فايّ الاحرامين و المتعتين، متعة: الاولى او الاخيرة؟ قال: الاخيرة هي عمرته و هي المحتبس بها، التي وصلت بحجته... الحديث».(1) فانه على تقدير الاجمال، و ان كان الظاهر عدمه، و ان المراد هو شهر الخروج، تكون الروايتان السابقتين رافعتين للاجمال و مفسّرتين للابهام، فلا تعارض في البين.
ثم انه ذكر السيد (قدس سره) في العروة: ان صحيحة حفص بن البختري ـ ايضا ـ تدل على شهر الخروج، مع انه لا تعرض فيها لهذا الفرض اصلا، لان المفروض فيها الخروج من مكة مع الاهلال بالحج، و الظاهر انه سهو من القلم، كما في بعض الشروح.
ثم الظاهر ان المراد من الشهر ما ذكرنا في بحث العمرة المفردة في مفاد قوله (عليه السلام): لكل شهر عمرة. من انه هو عنوان الشهر لا مضي مقدار ثلاثين يوما، فاذا وقع الخروج في اواخر ذي القعدة ـ مثلا ـ و رجع في اوائل ذي الحجّة، يصدق انّ الرجوع يكون في غير شهر الخروج، و ان لم يكن بينهما فصل زماني كثير، و لا فرق في هذه الجهة بين كون المعيار هو شهر الخروج و بين كونه هو شهر التمتع، و ان
1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثاني و العشرون ح ـ 6.
(الصفحة365)
كان يقع الكلام على الثاني في ان المراد هل هو الشهر الذي اهلّ فيه بعمرة التمتع او الشهر الذي احلّ منها، على تقدير اختلافهما، و وقوع الشروع في شهر و الفراغ في شهر اخر؟ و الظاهر انه على هذا التقدير يكون ظاهر التعبير في الرواية هو الفراغ لا الشروع، لظهور التعبير بصيغة الماضي في الرواية المتقدمة فيه.
بقي الكلامفي الفرع المتقدم في امر مهمّ، و هو: انه على تقدير القول بوجوب الاحرام لعمرة التمتع ثانيا بعد الخروج عن مكّة بلا احرام و مضيّ الشهر، هل يكون هذا الحكم حكما تكليفيّا صرفا، لا يترتب على مخالفته الاّ مجرد العصيانو استحقاق العقوبة، فاذا ترك الاحرام و دخل مكة محلا ثم احرم لحج التمتع يوم التروية ـ مثلا ـ يصح حجّه بعنوان التمتع، لان المفروض انه اتى بعمرة التمتع قبل الخروج من مكّة، او انه حكم وضعي مرجعه الى توقف صحة حجّة بعنوان التمتع على الاتيان بعمرته ثانيا بعد مضي شهر من الاولى، فلو تركه و لم يأت بها و دخل مكّة محلا، لا يمكن ان يقع منه حج التمتع إذا احرم له من مكّة؟ فيه و جهان، بل قولان: قال في الجواهر: «و ليس في كلامهم تعرض لما لو رجع حلالا بعد شهر، و لو اثما، فهل له الاحرام بالحج بانيا على عمرته الاولى، او انها بطلت، للتمتع بالخروج شهرا؟ و لكن الذي يقوى في النظر، الاوّل، لعدم الدليل على فسادها».
و قال السيّد (قدس سره) في العروة: «و على أيّ حال، إذا ترك الاحرام مع الدخول في شهر اخر، و لو قلنا بحرمته لا يكون موجبا لبطلان عمرته السّابقة، فيصحّ حجه بعدها».
و مقتضى اطلاق المتن، الصحة ايضا، حيث ان قوله (قدس سره): «لكن لو خرج من غير حاجة و من غير احرام ثم رجع و احرم و حجّ، صحّ حجّه» يشمل ما لو كان الرجوع بعد مضي الشهر، فيدل على الصحّة فيه ايضا، الاّ ان يقال بعدم كون
(الصفحة366)
النظر فيه، الاّ الى انّ الخروج على تقدير تعلق النهي التحريمي به، لا يكون التكليف المتعلق به الاّ تكليفا نفسيّا غير مرتبط بصحة الحج و العمرة، و لا يكون النظر فيه الى حكم الرجوع من هذه الجهة.
و كيف كان، فالظاهر ان مقتضى ذيل صحيحة حماد بن عيسى المتقدم، و كذا صدر موثقة اسحاق بن عمار المتقدم ايضا، هو مدخليّة العمرة الثانية في صحة حجّه بعنوان التمتع، فان قوله (عليه السلام) في الاولى: و ان دخل في غير الشهر دخل محرما.
ظاهر في الحكم الوضعي، كسائر الاوامر و النواهي، الواردة فيما يرتبط بالعبادة الظاهرة في الارشاد، الى الجزئية و الشرطيّة و المانعيّة، الاّ فيما قام الدليل على الخلاف، كقيامه على كون التكليف المتعلق بالخروج من مكة بعد قضاء عمرة التمتع، على تقدير الحرمة، تكليفا نفسيّا، لا يرجع الى اعتبار شيء في حج التمتع، وجودا او عدما، و امّا في غيره فظاهرها الارشاد الى الاعتبار و المدخلية كذلك.
و اظهر من ذلك، بل الصريح فيه قوله (عليه السلام) في جواب السؤال عن: ان ايّ الاحرامين و المتعتين متعة الاولى او الاخيرة: «الاخيرة هي عمرته، و هي المحتبس بها، التي وصلت بحجّته» فانها صريحة في ان العمرة الثانية تكون جزء لحج التمتع، فيكون الاخلال بها اخلالا بما هو الواجب عليه من حج التمتع، و احتمال كون المراد من الرواية هي صيرورة العمرة الثانية جزء على تقدير الاتيان بها، و لكنه لا يقدح الاخلال بها و تركه و حينئذ، تحسب الاولى جزء، في غاية الضعف، بل واضح البطلان، فلا ينبغي الارتياب في دلالة الرّواية على الجزئيّة مطلقا، و لزوم الاتيان بالثانية بهذا العنوان. و عليه، فتخرج الاولى عن الارتباط بحج التمتع.
و هكذا قوله ـ في موثقة اسحاق بن عمار: يرجع الى مكّة بعمرة ان كان في غير الشهر الذي تمتع فيه، لان لكل شهر عمرة، و هو مرتهن بالحج. ظاهر في الارشاد الى مدخلية العمرة، التي يرجع بها الى مكّة، في صحة عمله، خصوصا مع اشتمال
(الصفحة367)
التعليل على قوله: و هو مرتهن بالحج.
فبملاحظة الروايتين ينقدح الخلل فيما افاده صاحب الجواهر (قدس سره) في العبارة المتقدمة، لقيام الدليل على فساد العمرة الاولى بمعنى عدم ارتباطها بحج التمتع، و خروجها عن صلاحية الجزئية له، و امّا صيرورتها فاسدة بالمرّة، فلا بد من البحث فيها، و لا ملازمة بين انقطاع ارتباطها بالحج و بين كونها فاسدة بنحو الاطلاق، لاحتمال انقلابها عمرة مفردة، لا فاسدة من رأس.
ثمّ انه بعد صيرورة العمرة الثانية عمرة التمتع و جزء لحجّه، هل تصير العمرة الاولى فاسدة، فلا يترتب عليها اثر، او تنقلب الى العمرة المفردة، فيجب الاتيان بطواف النساء لها، لاعتباره فيها، بخلاف عمرة التمتع، التي عرفت استحباب طواف النساء فيها و عدم وجوبه، مضافا الى اختلاف محلّ طواف النساء فيهما، حيث ان محلّه في عمرة التمتع قبل التقصير و في العمرة المفردة بعده؟ فيه و جهان: قال السيّد (قدس سره) في العروة، بعد حكمه بان مقتضى حسنة حماد كون عمرة التمتع هي الاخيرة، فلا يجب فيها طواف النساء: «و هل يجب حينئذ في الاولى اولا؟ و جهان: اقواهما نعم، و الاحوط الاتيان بطواف مردد بين كونه للاولى او الثانية».
و يرد على حكمه بوجوب طواف النساء في الاولى، امران:
الاوّل: انه بعد ثبوت حلّية النساء له بالفراغ عن عمرة التمتع و قضائها و تماميّتها، لا يكون هنا موجب لحرمتهنّ عليه حتى يحتاج زوال الحرمة الى طواف النساء، و لا فرق في هذه الجهة بين الخروج من مكة و عدمه، فانّه لم يتحقق احرام او شبهه مما يؤثر في الحرمة بعد زوالها بتمامية عمرة التمتع، الاّ ان يلتزم بانه نظير الاجازة في باب بيع الفضولي، على الكشف الذي مرجعه الى كاشفيتها عن تحقق النقل و الانتقال من حين البيع، فيقال في المقام: ان مضي الشهر بأيّ معنى ـ بعد
(الصفحة368)
الخروج عن مكة و الاتيان بعمرة التمتع ـ يكشف عن كونها عمرة مفردة من اوّل الامر، غاية الامر، تخيله و اعتقاده انه عمرة التمتع، و قد اتي بها بهذا العنوان، و ربما اتى النساء بعدها، لأجل هذا الاعتقاد، لكن ظهر له بعد ذلك عدم كونه كذلك، و انه كان من الاوّل عمرة مفردة، فاللازم الاتيان بطواف النساء فيها، لان المفروض عدم الاتيان به فيها.
و لكن الظاهر انه لم يحتمل احد في المقام ذلك، بل المحتمل هو الانقلاب الى العمرة المفردة، بعد وقوعها عمرة التمتع حدوثا، نظير انقلاب العمرة المفردة الواقعة في اشهر الحج، عمرة التمتع، لمن بدا له الاقامة في مكّة بعدها، و الاتيان بحج التمتع. و عليه، فلا مجال للحكم بطواف النساء فيها.
الثاني: ان المستفاد من صحيحة حماد و موثقة اسحق المتقدمتين، خصوصا الاولى، كون العمرة الاولى فاسدة، لا يترتب عليها اثر اصلا، لا انّها تنقلب الى العمرة المفردة، فيجب الاتيان بطواف النساء فيها، و الاّ كان اللازم تعرض الامام (عليه السلام) له، خصوصا مع كون الانقلاب على خلاف القاعدة، لا يصار اليه الاّ مع قيام الدليل الظاهر عليه.
و بالجملة: لا ينبغي الارتياب في ان المستفاد من الرواية بطلان العمرة الاولىو فسادها، و عدم ترتب الاثر عليها اصلا، فلا وجه لوجوب طواف النساء فيها.
ثم الظاهر ان جعل السيد (قدس سره) مقتضى الاحتياط ما ذكره، يكون منشأه كون رواية الحلبي حسنة عنده، باعتبار ابراهيم بن هاشم، الواقع في سندها، مع ان الرواية صحيحة، كما مرّ مرارا. و عليه، لا يبقى مجال للاحتياط المذكور بعد صراحة الرواية الصحيحة بكون العمرة الثانية هي عمرة حجه، و لا يعتبر طواف النساء فيها، كما تقدّم. هذا تمام الكلام في الفرع المتقدم، الذي لم يتعرض له في المتن.
و ينبغي التنبيه في اصل المسألة، و هو الخروج عن مكة لمن قضى متعته، على امور:
(الصفحة369)
الاوّل: ان الحكم بعدم جواز الخروج ـ على تقديره ـ انّما يكون مقيّدا بصورة عدم الحاجة، و امّا معها فلا مانع من الخروج اصلا، و الظاهر انّ المراد من الحاجة ما هو اوسع من الضرورة، و ذلك لان المتفاهم من عنوانها ـ الواقع في جملة من الروايات المتقدمة ـ ما هو معناها عند العرف، و من الواضح: ان الحاجة العرفية اوسع من الضرورة المبيحة للمحرمات، بمقتضى حديث الرفع، المشتمل على رفع ما اضطروا اليه. و يدل على ذلك رواية موسى بن القاسم، المشتملة على حكاية السؤال عن وجود ضياع للسائل حول مكة، و هو يحتاج الى الخروج اليها، و من المعلوم ان الحاجة المذكورة لا تبلغ حد الاضطرار.
و امّا ترك الاحرام للحج من مكة، على تقدير الحاجة الى الخروج، و القول بوجوب الاحرام في هذا الحال، فلا يسوغّه مجرد الحاجة غير البالغة حد الاضطرار، و ذلك لظهور الادلة على هذا القول في الوجوب من دون تعليق له على شيء، و لا ملازمة بين الامرين: الخروج و ترك الاحرام. فاذا كان المسوغ للاوّل مجردالحاجة، فلا يستلزم ان يكون المجوز للثاني ايضا ذلك بعد عدم وجود التعليق و التقييد ـ بالاضافة الى هذه الجهة ـ في شيء من الروايات، بل الرافع لهذاالوجوب و المسوغ للترك هو قاعدة الحرج، الحاكمة على جميع الادلة المتضمنة للتكاليف، او عدم الامكان رأسا.
نعم، ربما يتوهم ان السؤال في موثقة اسحق المتقدمة يشعر، بل يدل على ان الملاك في جواز ترك الاحرام ـ ايضا ـ مجرد الحاجة، و هو قوله: سألت ابا الحسن (عليه السلام) عن المتمتع، يجيء فيقضي متعة، ثم تبدو له الحاجة فيخرج الى المدينة و الى ذات عرق اوالى بعض المعادن. فانه ظاهر في كون الخروج مع الحاجة و من دون احرام، فيدل على ان وجود الحاجة مسوغ لكلا الامرين.
و لكنه يرد عليه: ان محط نظر السائل هو السؤال عن حكم الرجوع الى مكّة،
(الصفحة370)
و انه هل يرجع بعمرة ام لا، و لا نظر له الى ان المسوغ لترك الاحرام، ماذا؟ كما لا يخفى. فانقدح: ان الخروج و ترك الاحرام مختلفان، و ان مجرد الحاجة ـ بمعناها العام ـ يسوغ الاوّل، و لا يسوغ الثاني الا الحرج و مثله.
الثاني: قال السيد (قدس سره)في العروة ايضا: «الظاهر اختصاص المنع على القول به بالخروج الى المواضع البعيدة، فلا بأس بالخروج الى فرسخ او فرسخين، بل يمكن ان يقال باختصاصه بالخروج الى خارج الحرم، و ان كان الاحوط خلافه».
أقول: في هذه الجهة احتمالات، بل اقوال اربعة:
احدها: ما استظهره السيد (قدس سره) من الاختصاص بالخروج الى المواضع البعيدة، و لم يعرف منشأ لهذا الاستظهار الاّ دعوى الانصراف الى الخروج الى المواضع البعيدة، خصوصا مع التعرض في بعض الاسئلة في الروايات المتقدمة للخروج الى المدينة او الى ذات عرق، او الى مثلهما من المواضع البعيدة.
و من الظاهر بطلان دعوى الانصراف المزبورة، و السؤال لا يدل على الاختصاص، فهذا القول لا وجه له اصلا.
ثانيها: ما احتمله (قدس سره) من الاختصاص بالخروج الى خارج الحرم، و يظهرذلك من تقييد جماعة المنع عن الخروج، بما إذا احتاج الى تجديد العمرة، فانه انّما هو في صورة الخروج عن الحرم، و لذا فسر كاشف اللثام عبارة القواعد: «فلا يجوز له الخروج من مكة الى حيث يفتقر الى تجديد عمرة قبله» بان يخرج من الحرم محلا غير محرم بالحج، و لا يعود الا بعد شهر.
و يرد عليه: مضافا الى ان ذلك خلاف ظاهر الروايات المانعة، فان مقتضاهاهو المنع عن الخروج عن مكة، كما في صحيحة زرارة المتقدمة و مثلها، و من المعلوم اختلاف العنوانين، بل في هذه الازمنة التي قد توسعت مكّة توسّعا عظيما، تكون النسبة بينهما عموما و خصوصا، من وجه ان حرمة دخول مكة بدون احرام
(الصفحة371)
لا تختص بمن حرج عن الحرم، بل تشمل الخارج عن مكّة، و ان لم يخرج عن الحرم.
ثالثها: ما حكي عن المحقق النائيني (قدس سره) في التعليقة على العروة و في المناسك، من التحديد بالمسافة الشرعيّة، و انه يجوز الخروج الى ما دونها. و استدلّ له بان مقدار الحرم مختلف من جهاته، فلا يصحّ التقدير به، و لا يطرد في جميع جوانبه، مع انه ورد كلمة «الخروج» في بعض الروايات و اريد بها المسافة الشرعية، و هي صحيحة ابي ولاّد، الواردة في المقيم عشرة ايام إذا عدل عن الاقامة بعد الصلاة تماما، الدالة على انه يتمّ الى ان يخرج.(1) و يرد عليه: ان اختلاف مقدار الحرم من جهاته لا يقتضي نفي كونه حدّا للخروج الممنوع، لعدم استلزامه لذلك بوجه، مضافا الى ان نفي كون الحرم حدّا لا يوجب كون الحدّ هي المسافة الشرعية خصوصا مع ما عرفت من ظهور الروايات المانعة في كون الممنوع هو الخروج عن مكة.
و امّا الرواية: فكون الخروج فيها عبارة عن الخروج الى المسافة الشرعيّة، انّما هو لقيام القرينة عليه، و هي ورودها في المسافر و المقيم، و تقوم السّفر بالمسافة، و كون الاقامة رافعة له و قاطعة لعنوانه، فلا دلالة لها على كون عنوان الخروج في جميع الموارد يراد به ذلك، كما هو ظاهر.
رابعها: كون المراد: مجرد الخروج عن مكّة و ما يصدق عليه عنوانها، و هو الظاهرمن الروايات المانعة، سيّما مثل صحيحة زرارة المتقدمّة، و هذا العنوان يصدق: و ان لم يخرج عن الحرم و لم يبلغ المسافة الشرعية و لا المواضع البعيدة، فيشمل الخروج الى فرسخ، بل اقل منه، و هذا هو الاقوى.
1 ـ وسائل ابواب صلاة المسافر الباب الثامن عشر ح ـ 1.
(الصفحة372)
الثالث: ذكر السيد (قدس سره) ايضا: ان الظاهر انه لا فرق في المسألة بين الحج الواجب و المستحب، فلو نوى التمتع مستحبّا ثم اتى بعمرته يكون مرتهنا بالحج، و يكون حاله في الخروج محرما او محلا و الدخول كذلك، كالحج الواجب.
أقول: الظاهر ان الحكم بالاضافة الى اصل الخروج يكون كذلك، لان الشروع في الحج و العمرة، و لو كان مستحبّا، يوجب الارتهان بالاتمام و لزوم الاكمال، فكما انه في الحج الواجب يجب على من قضى عمرته الاتيان بالحج بعدها، و لا يجوز الترك و رفع اليد، كذلك في الحج المستحب، و امّا بالاضافة الى الرجوع، فمقتضى ما ذكرنا، من: ان العمرة الاولى تصير فاسدة بالخروج عن مكة و مضي شهر من الخروج، و ان العمرة الثانية تقع جزء لحج التمتع و عمرة له، عدم وجوب الرجوع عليه بعمرة ثانية الى مكّة، لان المفروض ان الحج مستحب، و العمرة المأتي بها صارت فاسدة، فلا يجب عليه الشروع في الحج، بخلاف ما إذا كان الحج واجبا، فان لازمه وجوب الرجوع بعمرة جديدة، فيفترقان في هذه الجهة، على ما ذكرنا. كما انه لو قلنا بعدم بطلان الاولى و انقلابها الى العمرة المفردة، و لازمه الاتيان بطواف النساء فيها، يكون مقتضاه مجرد الاتيان به فقط، لا الشروع في الحج ثانيا و اتمامه.
و بالجملة: يرد على السيد: انه مع حكمه بمقتضى رواية حماد، و ان العمرة الثانية هي عمرة التمتع، كيف استظهر عدم الفرق بين الواجب و المستحب في جميع الاحكام، خروجا و دخولا؟ !
الرّابع: قال السيد (قدس سره) في العروة ايضا: «الظاهر انه لا اشكال في جواز الخروج في اثناء عمرة التمتع، قبل الاحلال منها».
أقول: الظاهر انه لم يقع التعرض لهذا الفرض في كلمات الاصحاب، حتى تعرف الفتاوى و الاراء، كما ان الظاهر ان منشأما ذكره السيد ورود اكثر
(الصفحة373)
الروايات المانعة فيمن قضى متعته و فرغ من عمرة التمتع، مثل صحيحة زرارة المتقدمة و رواية اسحق بن عمار و غيرهما، و لكنه ربما يقال: انه يستفاد من بعض صحاح تلك الروايات: ان موضوع المنع هو الدخول في مكة متمتعا. و هو شامل لهذا الفرض ايضا، مثل قوله (عليه السلام) في صحيحة حماد بن عيسى المتقدمة: من دخل مكة متمتّعا في اشهر الحج. لم يكن له ان يخرج حتى يقضي الحج، فان مقتضى اطلاقه عدم الجواز بمجرد الدخول في مكّة محرما باحرام عمرة التمتع.
هذا، و لكن مقتضى تفريع قوله: فان عرضت له حاجة الى عسفان اوالى الطائف اوالى ذات عرق، خرج محرما و دخل ملبيا بالحج. الاختصاص بصورة الاحلال عن احرام التمتع، فان قوله: خرج محرما. و ان كان يمكن دعوى شموله في نفسه، لاحرام العمرة و لاحرام الحج، الاّ ان قوله: دخل ملبيا بالحج. قرينة على الاختصاص باحرام الحج. و عليه، فيكون مورد التفريع خصوص بعد الفراغ عن العمرة، فامّا ان يلتزم حينئذ بكون التفريع متعرضا لحكم احدى صورتي المسألة، و هو خلاف الظاهر جدّا، و امّا ان يلتزم بكونه قرينة على اختصاص موضوع المنع في صدر الرواية، بالذي قضى متعته و احلّ من احرامها، و هو الظاهر. (1)
و مثل صحيحة الحلبي، قال: سالت ابا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يتمتع بالعمرة الى الحج، يريد الخروج الى الطائف. قال: يهلّ بالحج من مكّة، و ما احبّ ان يخرج منها الاّ محرما، و لا يتجاوز الطائف، انّها قريبة من مكّة.(2) نظرا ال ان قوله: يتمتع. بصورة المضارع، يدل على الاشتغال بالعمل في الحال، فيكون الموضوع صورة الاشتغال و عدم الفراغ، و قد مرّ البحث في قوله: و ما احبّ.
1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثانى والعشرون ح ـ 6.
2 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثانى والعشرون ح - 7.
(الصفحة374)
و يرد عليه: انه لا مناسبة بين السؤال عن حكم المتمتع في اثناء العمرة، مع كونه محرما باحرامها، و بين الحكم بلزوم الاحرام للحج، عند ارادة الخروج.
فالجواب بلزوم الاهلال بالحج، قرينة على كون مورد السؤال هي صورة الاحلال و الخروج عن عمرة التمتع، خصوصا ان قوله: ما احبّ ان يخرج الاّ محرما. يجتمع في نفسه مع الخروج مع احرام عمرة التمتع، التي لم يفرغ منها بعد، فلا مجال للحكم حينئذ بتعين الاهلال بالحج من مكة فالانصاف: ان الجواب قرينة على اختصاص مورد السؤال بصورة الفراغ.
كما ان الانصاف: انه لو لم تكن مرسلة الصدوق المتقدمة ـ المعتبرة عندنا ـ مشتملة على قرينة في الذيل، لكانت دلالة صدرها على عموم المنع في مورده اقوى من الصحيحتين، فان قوله (عليه السلام) فيها: إذا اراد المتمتع الخروج من مكّة الى بعض المواضع، فليس له ذلك. يشمل كلا الفرضين، لكن قوله (عليه السلام) في الذيل: و ان علم و عاد في الشهر الذي خرج، دخل مكّة محلا. قرينة على عدم الشمول، فان الخارج في اثناء العمرة لا يدخل مكّة محلا، بل يدخل مع ذلك الاحرام، الذي لم يخرج منه بعد.
هذا، و لكن الذي يقوّي المنع في الاثناء التعليل الواقع في كثير من الروايات: بانه مرتبط بالحج او مرتهن به، او مثلهما من التعبيرات. فان هذه العلة لا تختص بخصوص من قضى متعته و فرغ منها، بل يشمل الاثناء ايضا. و من الواضح: ان ظهور التعليل في سعة دائرة الحكم و ضيقها اقوى من ظهور التفريع.
نعم، لا مجال للتمسك بالاولوية، فانها لو لم تكن قطعية لم يقم دليل على حجيّتها، كما لا يخفى.
و قد انقدح مما ذكرنا: انه على تقدير القول بالمنع بعد الفراغ، فالاحوط لو لم يكن اقوى، القول به في الاثناء ايضا.
(الصفحة375)
3 ـ وقت الاحرام للحج موسّع فيجوز التأخير الى وقت يدرك وقوف الاختياري من عرفة، و لا يجوز التأخير عنه، و يستحب الاحرام يوم التروية بل هو احوط1 .
مسألة: 4 ـ لو نسي الاحرام و خرج الى عرفات وجب الرجوع للاحرام من مكّة و لو لم يتمكن لضيق وقت او عذر احرم من موضعه، ولو لم يتذكر الى تمام الاعمال صحّ حجّه، و الجاهل بالحكم في حكم الناسي، و لو تعمد ترك الاحرام الى زمان فوت الوقوف بعرفة و مشعر بطل حجّه2 .
1 - لا اشكال في ان وقت الاحرام لحج التمتع موسع، يجوز فعله بعد الفراغ عن عمرة التمتع، و الاحلال من احرامها بلا فصل، و ان وقعت في اوائل شهر شوال، الذي هو الشهر الاوّل من اشهر الحجّ. غاية الامر، انه يبقى على احرامه الى ان يقضي الحج و يأتي بمناسكه، هذا بالاضافة الى الشروع، و امّا بالاضافة الى التأخير: فيجوز تأخيره الى وقت يدرك وقوف الاختياري من عرفة، الذي هو اوّل اعمال الحج بعد الاحرام، و ذكر في المتن: انه يستحب الاحرام يوم التروية.
و الفرض عدم التأخير عنه لا عدم التقديم عليه، بل جعله مقتضى الاحتياط، و منشأه ما سيأتي في المسألة الخامسة، من الاختلاف في حدّ الضيق، نصّا و فتوى، و دلالة بعض النصوص على ان حدّه زوال يوم التروية، و بعضها على انه غروب يومها، و قد افتى بعض الاصحاب على طبقهما، و لكن الاحتياط استحبابي. و عليه، يجوز الاحرام قبل زوال اليوم التاسع إذا ادرك الوقوف المذكور، كما هو الميسور في هذه الازمنة، التي تكون الوسائل النقلية السريعة شائعة كثيرة.
2 ـ في هذه المسألة فروع:
الفرع الأوّل: ما لو نسى الاحرام لحج التمتع من مكّة. و فيه صور:
الاولى: ما إذا تذكر بعد ما خرج الى عرفات، سواء تذكر في الطريق او تذكر و هو بعرفات، و امكن له الرجوع الى مكّة و الاحرام منها و الرجوع الى عرفات
(الصفحة376)
و درك وقوفها. و الظاهر انه لا اشكال، بمقتضى ما دلّ على لزوم كون احرام حج التمتع من مكّة، في لزوم الرجوع الى مكّة للاحرام منها، و لا مجال لتوهم كفاية الاحرام من موضعه في هذه الصورة و سيأتي: ان النص الوارد في المقام لا يشمل هذه الصّورة.
الثانية: الصورة المتقدمة، مع عدم التمكن من الرجوع الى مكة لضيق او عذر: و اللازم عليه الاحرام من موضعه، و يدل عليه صحيحة علي بن جعفر، عن اخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: سألته عن رجل نسى الاحرام بالحج، فذكرو هو بعرفات، ما حاله؟ قال: يقول: اللهم على كتابك و سنّة نبيّك، فقد تمّ احرامه، فان جهل ان يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع الى بلده، ان كان قضى مناسكه كلّها فقد تمّ حجّه.(1) و الظاهر ان مورد السؤال، هذه الصورة فقط، و لا يشمل الصورة الاولى، لان المتفاهم العرفي منه صورة عدم التمكن، خصوصا مع ملاحظة زمان صدور الرواية، الذي لا يمكن الرجوع من عرفات الى مكة و الاحرام بها ثم الرجوع اليها و درك الوقوف بها، لكون الوسائل النقلية غير سريعة، كما ان الظاهر ان المراد من الجواب تحقق الاحرام، الذي هو مركّب من النية و التلبية، بالاولى، المفروض تحققها، و القول المذكور مكان التلبية المعروفة، لانّها تقطع زوال يوم عرفة، كما سيأتي ان شاء الله تعالى.
الثالثة: صورة النسيان و عدم التذكر الى اخر الاعمال: و مقتضى الصحيحة الصّحة، و تمامية الحج، فان التعبير في الذيل الدال على هذا المعنى، و ان كان بالجهل، الاّ ان العدول عن التعبير بالنسيان، الوارد في كلام السائل بالتعبير
1 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب الرابع عشر ح ـ 8.
(الصفحة377)
مسألة 5 ـ لا يجوز لمن وظيفته التمتع ان يعدل الى غيره من القسمين الاخيرين اختيارا، نعم، لو ضاق وقته عن اتمام العمرة و ادراك الحج جاز له نقل النية الى الافراد و يأتي بالعمرة بعد الحج، و حدّ ضيق الوقت خوف فوات الاختياري من وقوف عرفة على الاصحّ، و الظاهر عموم الحكم بالنسبة الى الحج المندوب، فلو نوى التمتع ندبا و ضاق وقته عن اتمام العمرة و ادراك الحج جاز له العدول الى الافراد، و الاقوى عدم وجوب العمرة عليه1 .
بالجهل، مع فرض اختلاف المسألتين و عدم ورودهما في مورد واحد، دليل على ان المراد بكل منهما هو مطلق العذر، فيشمل النسيان للجهل كالعكس.
و من حكم هذه الصورة يعرف حكم ما لو تذكر بعد الوقوف او بعد المشعر، فان مقتضى الرواية صحة ما وقع بغير احرام بطريق اولى، كما لا يخفى.
الفرع الثاني: الجاهل: و قد ظهر ان حكمه حكم الناسي في جميع الصور الثلاثة ـ المتقدمة، بمقتضي ما استفيد من الصحيحة على ما مرّ انفا.
الفرع الثالث: ما لو تعمد ترك الاحرام من مكّة الى زمان فوت الوقوف بعرفة و مشعر، سواءاحرم من مكان اخر او لم يحرم اصلا: و مقتضى القاعدة بطلان حجّه، بل لو احرم من غير مكّة و دخلها باحرام، لا يكفي في الصحة، بل اللازم الاستيناف مع الامكان، و مع عدمه يبطل حجّه.
1 - يقع الكلام في هذه المسألة في ضمن امور:
الأمر الأوّل: انه لا يجوز لمن عليه: حج التمتع بنحو التعين ان يعدل الى غيره، من القران او
(الصفحة378)
الافراد في صورة الاختيار، و عدم ضيق الوقت.
و الوجه في عدم الجواز: اوّلا: ان العدول مناف لما هو المفروض عليه بنحو التعين من حج التمتع، لاختلاف انواع الحج، فالعدول يغاير ما هو الوظيفة و التكليف، فلا مجال له.
و ثانيا: ان العدول في جميع موارده امر على خلاف القاعدة، لانّ مرجعه الى تغيير ما وقع عما وقع عليه من العنوان المقصود، و هو و ان كان ممكنا في الامور الاعتبارية، مثل العبادات و المعاملات، دون الامور التكوينية، لاستحالة تغييرالشيء عمّا وقع عليه، الاّ انه يفتقر الى قيام الدليل، كقيامه في باب الصلاة في مثل من شرع في الصلاة بنية العصر باعتقاد انه صلى الظهر، ثم تبيّن له في الاثناء انه لم يأت بالظهر بعد، فانه يعدل بالنية الى الظهر، و يوجب العدول صيرورة المجموع صلاة الظهر، و كقيامه في المقام في صورة ضيق الوقت، و امّا مع الاختيار و عدم الضيق، فلم يقم دليل عليه، فلا يجوز العدول في هذه الصورة.
الأمر الثاني: انه مع ضيق الوقت عن اتمام العمرة و ادراك الحج يجوز نقل النية الى الافرادو العدول اليه، و الاتيان بالعمرة بعد الحج. و في الجواهر: بلا خلاف اجده، بل الاجماع بقسميه عليه. و يدل عليه الروايات المستفيضة، و قد عقد في الوسائل بابا لذلك، فلا مجال للاشكال في اصل الحكم.
الأمر الثالث: وقع الاختلاف الشديد نصّا و فتوى في حدّ الضيق المجوز للعدول، و قد حكى في الجواهر اقوالا، و تبعه السيد في العروة، بل حكى بعض ما لم ينقل فيها:
(الصفحة379)
خوف فوات الاختياري من وقوف عرفة: و هو مختار المتن، و ربما يستظهر من الدروس، حيث حكى عنه، انه قال: «و في صحيح زرارة اشتراط اختياريها، و هو اقوى» و عن المدارك انه استقر به العلامة في المختلف ايضا.
2 ـ خوف فوات الرّكن من الوقوف الاختياري، و هو المسمّى منه، و في الجواهر بعد حكايته عن القواعد و الحلبيين و ابني ادريس و سعيد، نظرا الى التعبير: بانه يحصل التمتع بادراك مناسك العمرة و تجديد احرام الحج، و ان كان بعد زوال الشمس يوم عرفة، إذا علم ادراك الوقوف بها، قال: «و لعلّه اليه يرجع ما عن المبسوط و النهاية و الوسيلة و المهذب، من الفوات بزوال الشمس من يوم عرفة قبل اتمام العمرة، بناء على تعذر الوصول غالبا الى عرفة بعد هذا الوقت، لمضي الناس عنه، لا ان المراد: حتى إذا تمكن و ادرك مسمى الوقوف بعد الزوال».
3 ـ فوات الاضطراري من عرفة حكي عن ظاهر ابن ادريس، و محتمل ابي الصّلاح.
4 ـ حدّ فوات السّعة زوال الشمس من يوم التروية: حكي عن علي بن بابويهوالد الصدوق، و عن المفيد ـ قد هما ـ.
5 ـ غروب يوم التروية: حكي عن الصدوق و المفيد، في المقنع و المقنعة.
6 ـ زوال يوم عرفة: حكي عن الشيخ و عن الاسكافي و غيرهما، و في محكي المستند: «و اختاره في المدارك و الذخيرة و كشف اللثام».
7 ـ التخيير بعد زوال يوم التروية بين العدول و الاتمام إذا لم يخف الفوت: و استظهره في الجواهر عن بعض متأخري المتأخرين، نظرا الى انّه مقتضى الجمع بين النصوص.
و قد عرفت: انّ منشأ الاختلاف، اختلاف الروايات الواردة في الباب، المختلفة اشدّ الاختلاف.
(الصفحة380)
فطانقه منها، تدلّ على: ان المعيار هو خوف فوات الوقوف بعرفات: و قد عدّ منها في الجواهر و العروة رواية يعقوب بن شعيب الميثمي، بل لم يذكر في العروة في اوّل البحث غيرها، قال: سمعت ابا عبد الله (عليه السلام) يقول: لأباس للمتمتع ان لم يحرم من ليلة التروية، متى ما تيسر له، ما لم يخف فوت الموقفين.(1) و الرواية منقولة في الوسائل بهذه الكيفية، لكن في العروة ـ تبعا للجواهر ـ و في نسخة لا بأس للمتمتع ان يحرم ليلة عرفة، مكان «ان لم يحرم من ليلة التروية متى ما تيسّر له» و في حاشية الوسائل حكى عن التهذيب: ان يحرم مكان «ان لم يحرم» و هو يناسب مع كلمة «من» الظاهرة في الشروع، فانها لا يناسب النفي، كما لا يخفى.
و قد نوقش في الرواية من حيث السند: باعتبار اشتماله على اسماعيل بن مرار، و هو لم يوثق في كتب الرجال، و لكن المناقشة مندفعة بكون الرجل من رجال تفسير علي بن ابراهيم القمي، الذي وثق جميع رواة كتابه بالتوثيق العام، و هو حجة، مع عدم المعارضة بالتضعيف من مثل الشيخ و النجاشي و غيرهما.
و امّا من جهة الدلالة: فقد اورد على الاستدلال بها للمقام: بان موردها هو المتمتع، الذي قضى متعته و فرغ عن عمرته. و الكلام في المتمتع الذي ضاق له الوقت عن اتمام العمرة، و ان المعيار في الضيق المجوز للعدول الى حج الافراد ـ بالاضافة اليه ـ ماذا؟ و لا ملازمة بين الامرين، فانه يمكن ثبوت التوسعة بالنسبة الى من لم يتمّ العمرة، بخلاف من فرغ منها و اتمّها و لم يحرم بعد للحج، فدلالة الرواية على تحقق الضيق في الاوّل، بخوف فوت الواجب من وقوف عرفة، و هو من الزوال الى الغروب، لا تستلزم الدلالة على ان الملاك في الضيق في المقام
1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب العشرون ح ـ 5.
|