(الصفحة421)
غاية الامر، انه في صورة السّعة تتم طوافها بعد الطهر و تسعى و تقصّر، و في صورة الضيق تقضي ما فاتها بعد الوقوفين، و قضاء مناسك منى و العود الى مكّة، و المحكي عن ابن ادريس بطلان الطواف في هذه الصورة ايضا، و عن المدارك الميل اليه.
و يدل على المشهور منطوق الروايات الثلاث، التي اشير اليها في الصورة الثانية، ففي الثانية قال: سئل ابو عبد الله (عليه السلام) عن امرأة طافت بالبيت اربعة اشواط، و هي معتمرة ثمّ طمثت. قال: تتم طوافها، فليس عليها غيره، و متعتهاتامة، فلها ان تطوف بين الصفا و المروة، و ذلك لانها زادت على النصف، و قد مضت متعتها، و لتستأنف بعد الحج. و ضعف اسنادها مجبور باستناد المشهور اليها.
و دعوى ان موردها خصوص صورة الضيق، و المدعى اعم منها و من صورة السعة. مدفوعة: بان المستفاد منها هو اشتراك الصورتين في صحة الاشواط التي طافتها. غاية الامر، اختلافهما في تمامية المتعة و عدمها، و العدول الى حجّ الافراد، و بعبارة اخرى: هنا حكمان احدهما اصل الصحة، و الثاني العدول و عدمه.
و الظاهر من الروايات ان الاختلاف بين صورتي الضيق و عدمه انما هو في خصوص الحكم الثاني، و انهما مشتركتان في الحكم الاوّل فتدبّر.
الصورة الرابعة: ما إذا طرأ الحيض بعد تمامية الطواف و قبل الاتيان بصلاته: و مقتضى ما ذكرنا في الصورة الثالثة، و ان كان هو الحكم بالصحة و تمامية العمرة في هذه الصورة ايضا، بل بطريق اولى، الاّ انه لا حاجة الى هذا بعد ورودالروايات المتعددة في خصوص هذه الصورة:
منها: مضمرة زرارة، قال: سألته عن امرأة طافت بالبيت فحاضت قبل ان تصلي الركعتين. فقال: ليس عليها إذا طهرت الاّ الركعتين، و قد قضت
(الصفحة422)
الطواف.(1) و لا يقدح الاضمار فيها بعد كون المضمر زرارة، الذي ليس من شأنه السؤال من غير الامام (عليه السلام)، و السؤال فيها مطلق شامل لطواف الحج مطلقا، و طواف عمرة التمتع، الذي هو محل البحث في المقام و طواف العمرة المفرده، بل شامل للطواف المستحب ايضا، الاّ ان قوله (عليه السلام) في الجواب: «ليس عليها إذا طهرت الا الركعتين» ظاهر في وجوبهما، مع ان وجوب الصلاة مورده الطواف الواجب و كيف كان، فالرواية ظاهرة في صحة الطواف و عدم العدول الى حج الافراد، من دون فرق بين صورتي سعة الوقت و ضيقه، كما لا يخفى.
و منها: صحيحة ابي الصباح الكناني، قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام)عن امرأة طافت بالبيت في حج او عمرة، ثم حاضت قبل ان تصلي الركعتين.
قال: إذا طهرت فلتصلّ ركعتين عند مقام ابراهيم، و قد قضت طوافها.(2)
و منها: صحيحة معاوية بن عمار، قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام)عن امرأة طافت بالبيت ثم حاضت قبل ان تسعى. قال: تسعى. قال: و سألته عن امرأة سعت بين الصفا و المروة، فحاضت بينهما. قال: تتمّ سعيها.(3) نظرا الى ان اطلاق السؤال و ترك الاستفصال يشمل ما إذا اطرأ الحيض بعد الطواف و قبل صلاته، و لكن يمكن المناقشة في الاطلاق بلحاظ ان المتفاهم العرفي من السؤال المزبور هو وقوع الحيض بعد الطواف و صلاته المتعلقة به، المشتملة على نيّته، و لكن ما تقدم من الروايات كاف في اثبات الحكم، خصوصا مع وجود الاولوية التي اشير اليها.
ثم ان الحكم في هذه الصورة، و كذا الصورة السّابقة واضح في ما إذا ضاق
1 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الثامن و الثمانون ح ـ 1.
2 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الثامن و الثمانون ح ـ 2.
3 ـ وسائل ابواب الطواف الباب التاسع و الثمانون ح ـ 1.
(الصفحة423)
الوقت، بالاضافة الى السّعي و التقصير، و انّ الحائض التي منعها الحيض من اتمام الطواف بعد اربعة اشواط او من صلاة الطواف، تأتي بالسعي و التقصير في ضيق الوقت، و تقضي ما فاتها بعد مناسك منى.
و امّا في صورة السّعة، فهل يجب عليها البقاء على الاحرام حتى تطهر و تغتسل، و تأتي بما فات منها قبل السعي و التقصير، و الايمان بهما بعده، او يجوز لها الاتيان بالسعي و التقصير و الخروج من الاحرام، و الاتيان بما فات منها بعد الطهارة و الغسل؟ قال في الجواهر بعد الاستدلال بالروايتين الاولتين في المقام للحكم المزبور: «نعم، لا دلالة فيهما على جواز فعل بقية افعال العمرة ثم الاحلال فيها، ثم قضاء الركعتين بعد ذلك مع السعة، فالاحوط حينئذ و الاولى انتظارها الطهر مع السعة».
قلت: بل هو مقتضى القاعدة، لانه مع سعة الوقت و امكان رعاية الترتيب بعد الطهر و الاغتسال، لا وجه لرفع اليد عن مقتضى دليل الترتيب، و قيام الدليل على عدم لزوم رعايته مع الضيق، لا يوجب جواز الاخلال به مع السعة، كما هوظاهر. هذا تمام الكلام في الفرع الاول من اصل المسألة، و ما يتعلق به من الفرع الذي تعرض له في العروة.
الفرع الثاني: ما لو دخل مكة بلا احرام لعذر، من نسيان او غيره، و ضاق الوقت عن الاتيان بعمرة التمتع: و الظاهر على ما يستفاد من ادلة العدول: الاحرام لحج الافراد و الاتيان بعمرة مفردة بعده. و لا يرد على ذلك ما اوردناه على المتن في الحكم بالعدول، فيما لو علم حال الاحرام من الميقات ضيق الوقت عن اتمام عمرة التمتع، من عدم شمول ادلة العدول لهذه الصورة.
و الوجه في عدم الورود: انه في المقام ينحصر الطريق بالعدول، لان المفروض
(الصفحة424)
مسألة 8 ـ صورة حج الافراد كحجّ التمتّع الاّ في شيء واحد، و هو ان الهدي واجب في حجّ التمتع و مستحبّ في الافراد1 .
انه لم يحرم بعد، و الوقت لا يسع للعمرة بوجه، فالحكم بعدم العدول مساوق لرفع اليد عن الحج و عدم الاتيان به، مع ان ترك الاحرام من الميقات كان مسبّبا عن العذر، فذلك الاشكال لا يرد هنا.
1 - ذكر في الجواهر عقيب قول الشرايع: و هو واجب على المتمتع: «بلا خلاف اجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، بل في المنتهى اجماع المسلمين عليه» و عقيب قوله: و لا يجب على غيره، سواء كان مفترضا او متنفلا: «بلا خلاف اجده فيه الاّ ما يحكى عن سلاّر، من عدّ سياق الهدي للمقرن في اقسام الواجب» فيظهر انه لم يخالف احد في عدم الوجوب في حج الافراد، و يدل على كلا الحكمين، قبل الاجماع ـ الذي لا اصالة له ـ الكتاب و السنّة.
امّا الكتاب: فقوله تعالى: «فمن تمتع بالعمرة الى الحج فما استيسر من الهدي» لظهوره في وجوب الهدي في خصوص حج التمتع دون غيره.
و امّا السنّة: فروايات مستفيضة:
منها: رواية سعيد الاعرج، قال: قال ابو عبد الله (عليه السلام): من تمتع في اشهر الحج ثم اقام بمكّة حتى يحضر الحج من قابل، فعليه شاة، و من تمتع في غير اشهر الحج ثم جاور حتى يحضر الحج، فليس عليه دم، انما هي حجة مفردة، و انّما الاضحى على اهل الامصار.(1) و في سندها محمد بن سنان، لكن دلالتها ظاهرة، و المراد بالتمتع في كلتا الجملتين هي العمرة المفردة. و قد عرفت: ان العمرة المفردة إذا وقعت في اشهر الحج تحتسب عمرة التمتع، إذا اقام المعتمر بمكة و بدا له ان يحج، بخلاف ما إذا وقعت في غير اشهر الحج. و عليه، فالاقامة في مكة في هذه
1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب العاشر ح ـ 1.
(الصفحة425)
الصورة لا يمكن ان يكون الغرض منها حج التمتع، و التعبير عنها بالتمتع انّما هو للمشابهة، و المراد باهل الامصار من تكون وظيفته حجّ التمتع، كما هو ظاهر.
و منها: صحيحة زرارة، قال سألت ابا جعفر (عليه السلام) عن الذي يلي المفردللحج في الفضل. فقال: المتعة، فقلت: و ما المتعة، فقال: يهلّ بالحج في اشهر الحج، فاذا طاف بالبيت فصلى الركعتين خلف المقام و سعى بين الصفا و المروةو قصر و احلّ، فاذا كان يوم التروية اهلّ بالحج و نسك المناسك، و عليه الهدي، فقلت: و ما الهدي؟ فقال: افضله بدنة و اوسطه بقرة و اخفضه شاة، و قال: قد رأيت الغنم يقلّد بخيط او بسير.(1) و الرواية كما تدل على وجوب الهدي على المتمتع، كذلك تدل على عدم وجوبه على غيره، لان تخصيص الهدي بالذكر من بين المناسك الظاهر في انه من خصوصيات التمتع، و لا يشترك معه غيره، لا يكاد يتمّ بدون ما ذكر، كما ان السؤال عن الهدي ايضا دليل على عدم ثبوته في غيره، و الاّ لا يبقى له مجال.
و منها: رواية اسحاق بن عبد الله، قال: سألت ابا الحسن (عليه السلام)عن المعتمر «المقيم» بمكّة يجرّد الحج او يتمتع مرّة اخرى. فقال: يتمتّع احبّ الىّ، و ليكن احرامه من مسيرة ليلة او ليلتين، فاذا اقتصر على عمرته في رجب لم يكن متمتعا، و ان لم يكن متمتعا لا يجب عليه الهدي.(2)
و منها: ما رواه الشيخ باسناده عن معاوية بن عمّار، عن ابي عبد الله (عليه السلام) عن المفرد، قال: ليس عليه هدي و لا اضحيّة.(3) و الظاهر ان المراد من
1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الخامس ح ـ 3.
2 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الرابع ح ـ 20. لكن المذكور فيه خال عن قوله: فاذا اقتصر. ..
الخ. مع انه مذكور في التهذيب الذي رواه في الوسائل عنه.
3 ـ وسائل ابواب الذبح الباب الاوّل ح ـ 4.
(الصفحة426)
الهدي ما هو الثابت في حج القران، و من الاضحية ما هو الواجب في حج التمتع.
و يدل على الحكمين ايضا بعض الروايات المتقدمة، الواردة في العدول عن التمتع الى الافراد في مورد الضيق، الدالة على انّ اثر العدول عدم وجوب الهدي عليه، كصحيحة محمد بن اسماعيل بن بزيع فراجع.
لكن في المقام رواية، لعلّه يتوهم منها خلاف ما ذكرنا، و هي صحيحة عيص بن القاسم، عن ابي عبد الله (عليه السلام) انه قال في رجل اعتمر في رجب، فقال: ان كان اقام بمكّة حتى يخرج منها حاجّا: فقد وجب عليه هدي، فان خرج من مكّة حتى يحرم من غيرها، فليس عليه هدي.(1) قال في الوسائل، بعد نقل الرواية: «اقول: المراد بخروجه منها حاجّا الاحرام منها بحج التمتع بعد العمرة، و المراد باخره: الاحرام بغير التمتع. اشار اليه الشيخ، و جوّز حمله على الاستحباب».
و لا يخفى بعد الحمل الاول، بعد كون ظاهر الرواية: ان الاختلاف بين الصورتين هو تحقق الاحرام من مكة في الاولى و من غيرها في الثانية، و لا يجتمع الاحرام من مكة مع حج التمتع، الذي يعتبر فيه سبق العمرة و لزوم كون عمرته من احد المواقيت المعروفة، و العمرة الواقعة في رجب، حيث انها وقعت في غير اشهر الحج، لا تنقلب الى عمرة التمتع بوجه.
كما ان الحمل على الاستحباب انما يصحح حكم الصورة الاولى، و امّا عدم ثبوت الهدي في الصورة الثانية، التي لا بد من ان يكون المراد منها ـ بناء على هذا الحمل ـ هو حج التمتع، فلا ينطبق على المدعى.
و حكى في الجواهر في مقام الحمل قولا: بان هذا الهدي جبران، ان كان
1 ـ وسائل ابواب الذبح الباب الاوّل ح ـ 2.
(الصفحة427)
مسألة 9 ـ صورة العمرة المفردة، كعمرة التمتع الاّ في امور:
احدها: انّ (انّه ظ) في عمرة التمتع يتعين التقصير و لا يجوز الحلق، و في العمرة المفردة تخيّر بينهما.
ثانيها: انه لا يكون في عمرة التمتع طواف النساء، و ان كان احوط، و في العمرة المفردة يجب طواف النساء.
ثالثها: ميقات عمرة التمتع احد المواقيت الاتية، و ميقات العمرة المفردة ادنى الحلّ، و ان جاز فيها الاحرام من تلك المواقيت1.
عليه ان يحرم من خارج، وجوبا او استحبابا، فاحرم من مكّة، فان خرج حتى يحرم من موضعه، فليس عليه هدي. قال: «بل ربما كان ما في الدروس، من ان فيه دقيقة اشارة اليه، قال فيها: و في صحيح العيص: يجب على من اعتمر في رجب و اقام بمكّة و خرج منها حاجّا، لا على من خرج فاحرم من غيرها، و فيه دقيقة».
اقول: و هذا الحمل ايضا خلاف الظاهر جدّا، و الذي ينبغي ان يقال: هوالالتزام بثبوت التعارض بين الصحيحة و بين الروايات المتقدمة الظاهرة في عكس الصحيحة، و حيث ان الشهرة الفتوائية ـ التي هي اوّل المرجحات ـ موافقة لتلك الروايات، فالترجيح معها، و مع وجود هذا المرجح لا تصل النوبة الى مخالفة العامّة، و حمل الاخر على التقية، كما هو ظاهر.
1 - يقع الكلام في هذه المسألة بلحاظ اختلاف العمرتين، في ثلاثة امور في مقامات ثلاثة:
المقام الاوّل: في تعين التقصير في عمرة التمتع و التخيير بينه و بين الحلق في العمرة المفردة، و المشهور هو التعين في عمرة التمتع، لكن عن الخلاف: اطلاق «ان المعتمران حلق جاز، و التقصير افضل» و يحتمل ان يكون مراده خصوص العمرة المفردة، و عن
(الصفحة428)
المختلف: انه قال: كان يذهب اليه والدي، و عن التهذيب: من عقص شعر رأسه عند الاحرام او لبّده فلا يجوز له الا الحلق، و متى اقتصر على التقصير كان عليه دم شاة، و عن المنتهى: ان الحلق مجز، و ان قلنا: انه محرم، لكونه عن امر خارج عن التقصير.
و يدلّ على التعين روايات متعددة: اظهرها صحيحة زرارة المتقدمة في المسألة الثامنة، الواردة في جواب السؤال عن ماهية المتعة، الدالة على التقصير بعد سائر المناسك، و انّ بعده يتحقق الاحلال، و كذا روايات اخرى واردة في بيان كيفية حج التّمتع، الشامل لعمرته، المتقدمة بعضها، او كيفية خصوص عمرته.
و منها: رواية عبد الله بن سنان، عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: طواف المتمتع ان يطوف بالكعبة و يسعى بين الصفا و المروة و يقصّر من شعره، فاذا فعل ذلك فقد حلّ.(1) و الظاهر ان المراد بالطواف ـ المضاف الى المتمتع ـ هو مناسكه، و المراد بالمضاف اليه: من احرم لعمرة التمتع، و تعليق الحكم بالاحلال على التقصير بعد سائر المناسك، ظاهر في عدم تحققه بدونه، كما لا يخفى.
و منها: رواية عمر بن يزيد، عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: ثم ائت منزلك، فقصّر من شعرك، و حلّ لك كلّ شيء.(2)
و منها: صحيحة معاوية بن عمّار، عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: إذافرغت من سعيك و انت متمتع، فقصّر من شعرك من جوانبه، و لحيتك، و خذ من شاربك، و قلّم اظفارك و ابق منها لحجّك، فاذا فعلت ذلك فقد احللت من كلّ
1 ـ وسائل ابواب التقصير الباب الاوّل ح ـ 2.
2 ـ وسائل ابواب التقصير الباب الاوّل ح ـ 3.
(الصفحة429)
شيء يحلّ منه المحرم و احرمت منه، فطف بالبيت تطوّعا ما شئت.(1) و استدل في الجواهر له ايضا بقول الصادق (عليه السلام)في صحيحة معاوية بن عمار: ليس في المتعة الاّ التقصير. و لكنه حيث يكون ذيلا للرواية، فاللازم ملاحظة مجموعها، فنقول: روي عنه (عليه السلام) قال: إذا احرمت فعقصت شعر رأسك او لبّدته، فقد وجب عليك الحلق و ليس لك التقصير، و ان انت لم تفعل، فمخير لك التقصير و الحلق في الحج، و ليس في المتعة الاّ التقصير.(2) و قد استدل الشيخ في محكي التهذيب بهذه الرواية، لما ذهب اليه فيه مما مرّ، و بصحيحة عيص، قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل عقص شعر رأسه، و هو متمتع، ثم قدم مكّة فقضى مناسكه، و حلّ عقاص رأسه فقصّر و ادهن و احلّ. قال: عليه دم شاة.(3) و يحتمل في الرواية الاولى ان يكون قوله: في الحج. مرتبطا بخصوص الفقرة الثانية، و عليه تكون الفقرة الاولى مطلقة شاملة للحج و العمرة، مفردة كانت او متمتّعا بها، فينحصر مفاد الفقرة الثالثة بخصوص ما إذا لم يكن هناك عقاص و لا تلبيد، و لا دلالة لها على كون التقصير لازما في التمتع مطلقا.
و يحتمل ان يكون قوله: في الحج. راجعا الى كلتا الفقرتين: الاولى و الثانية، و على هذا التقدير يدل على كلام المشهور، و ان كان يمكن المناقشة فيه: بان الحصر اضافي في مقابل الحج، و الكلام انّما في عمرة التمتع في مقابل العمرة المفردة، التي لم يقع التعرض لها في الرواية على هذا التقدير اصلا. فتدبّر.
و امّا الرواية الثانية، الواردة في خصوص عمرة التمتع للتعبير بالمتمتع الذي قدم مكّة، و هو لا يصدق على حج التمتع ايضا، لان التعبير فيه هو الرجوع الى مكّة او
1 ـ وسائل ابواب التقصير الباب الاوّل ح ـ 4.
2 ـ وسائل ابواب الحلق و التقصير الباب السابع ح ـ 8.
3 ـ وسائل ابواب الحلق و التقصير الباب السابع ح ـ 9.
(الصفحة430)
العود اليها او اشباههما، فهي ظاهرة في خلاف المشهور، و لا وجه لحمل ثبوت الدم على الاستحباب بعد كون التقصير وظيفة المتمتع، فلا بد من ترجيح ادلّة المشهور بسبب الموافقة للشهرة الفتوائية.
ثمّ انه ربما يقال، كما قيل في وجه جواز الحلق في عمرة التمتع: انّ اوّل الحلق التقصير، و ان وقع الخلاف في جوازه من جهة الحكم التكليفي، حيث ان ظاهر اطلاق الشيخ (قدس سره) في محكي الخلاف: الجواز، و صريح العلامة في محكي المنتهى: العدم، كما مرّ. و يظهر من كليهما ان التقصير و الحلق يكون من باب الاقل و الاكثر، مع انه ممنوع عرفا، سواء اريد به الاقل و الاكثر من جهة الكميّة، بان كان حلق بعض الرأس ـ المتحقق اوّلا ـ معدودا بعنوان التقصير، او اريد به الاقل و الاكثر من جهة الكيفية، مع انه على تقدير تسليم ذلك، حيث انّ اجزاءالعمرة و كذا الحج لا بد من تعلق النية بعنوانها، فالطواف لا بد من ان تتعلق النية بعنوانه، مضافة الى قصد القربة، و كذا سائر الاجزاء. و عليه، فمع فرض كون اللازم في عمرة التمتع هو التقصير، كما هو المفروض، لا بد من تعلّق القصد بعنوانه، فلا مجال لارادة الحلق و قصد هذا العنوان، كما هو ظاهر، فالذهاب الى كفاية الحلق من هذا الطريق ايضا ممّا لا سبيل اليه اصلا.
ثم انه ينبغي التعرض في هذا الامر لجهتين:
احديهما: انه ذكر المحقق (قدس سره) في الشرايع، بعد الحكم بلزوم التقصير في عمرة التمتع، قال: «و لا يجوز حلق الرأس، و لو حلق لزمه دم» و ظاهره ثبوت الكفارة، مضافا الى عدم الجواز في الحلق مكان التقصير. و عليه، فمورد كلامه، هذه الصورة: فالحلق في اثناء العمرة، كالحلق بعد الطواف، و قبل السعى خارج عن مورد كلامه، كما ان الحلق بعد تمامية عمرة التمتع و الاحلال من احرامها قبل الشروع في الحج ايضا يكون كذلك، و ذكر في الجواهر بعد الكلام المزبور قوله: «كما صرّح
(الصفحة431)
به غير واحد من الاصحاب، بل هو المشهور».
و قد استدلّوا بما رواه الشيخ باسناده عن الحسين بن سعيد عن محمد بن سنان عن عبد الله بن مسكان عن اسحاق بن عمّار عن ابي بصير، قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن المتمتع اراد ان يقصر فحلق رأسه، قال: عليه دم يهريقه، فاذا كان يوم النّحر امرّ الموسى على رأسه حين يريد ان يحلق.(1) و هي ضعيفة بمحمد بن سنان، و استناد المشهور الى الرواية الضعيفة، و ان كان جابرا لضعفها، الاّ انه فيما إذا كان مفاد الرواية موافقا للشهرة، و المقام ليس كذلك، فان الظاهر ان موردها صورة النسيان، و ثبوت الكفارة فيها مخالف للمشهور، بل ذكر في الجواهر، انه حكى الاجماع ممّن عدا الماتن: على عدم وجوب ذلك عليه.
و الظاهر ان مراده اطلاق عبارة الماتن لا التصريح بالتعميم، كما لا يخفى. و عليه، فالرواية لا جابر لضعفها بعد عدم ثبوت الشهرة على وفقها، بل ثبوتها على خلافها.
و بصحيحة جميل بن درّاج انه سأل ابا عبد الله (عليه السلام) عن متمتع حلق رأسه بمكّة. قال: ان كان جاهلا، فليس عليه شيء، و ان تعمّد ذلك في اوّل شهور الحج بثلاثين يوما، فليس عليه شيء، و ان تعمّد بعد الثلاثين يوما، التي يوفّر فيها الشعر للحج، فان عليه دما يهريقه.(2) و الرواية و ان كانت معتبرة من حيث السّند، الاّ ان الظاهر ان مورد السؤال هو المتمتع، الذي فرغ من عمرته و احلّ منها، بما يوجب الخروج من الاحرام، و هو التقصير بعد سائر الاعمال، فالمراد هو الحلق بين العمرة و الحج، و يؤيّده التقييد بقوله: بمكّة. مع ان الجواب المشتمل على التفصيل في صورة العمد ظاهر في ان الحكم بثبوت الدم انّما هو
1 ـ وسائل ابواب التقصير الباب الرابع ح ـ 3.
2 ـ وسائل ابواب التقصير الباب الرابع ح ـ 5.
(الصفحة432)
بلحاظ ترك توفير الشعر في المدة المذكورة، الذي يكون مستحبا عند الاصحابو واجبا عند الشيخين، بل ذكر في الجواهر: ان المحكي عن المفيد (قدس سره) التصريح بوجوب الدّم فيه. و كيف كان، فالرواية لا ترتبط بالمقام، فلا وجه للحكم بوجوب الدم فيما هو محلّ الكلام، و ان كان هو مقتضى الاحتياط، حتى في صورة السهو، التي هي مشمولة للاطلاق.
ثانيتهما: في حكم ترك التقصير في عمرة التمتع: فاعلم: انه قد يتحقق الترك سهوا، و يهلّ بالحج مع عدمه، و قد يتحقق عمدا و عن التفات:
امّا الصورة الاولى: فالكلام، تارة: في صحة المتعة و بطلانها، و اخرى في ثبوت الكفارة و عدمه، امّا من الجهة الاولى: فقد نفى وجدان الخلاف في الصحة، في الجواهر، و يدل عليه روايات متعددة:
منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت ابا ابراهيم (عليه السلام) عن رجل تمتع بالعمرة الى الحجّ، فدخل مكّة فطاف و سعى و لبس ثيابه و احلّ، و نسى ان يقصّر، حتى خرج الى عرفات. قال: لا بأس به يبني على العمرةو طوافها، و طواف الحج على اثره.(1)
و منها: صحيحة معاوية بن عمّار، عن ابي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن رجل اهلّ بالعمرة و نسى ان يقصّر حتى دخل في الحج. قال: يستغفر الله، و لا شيء عليه، و قد تمّت عمرته.(2)
و منها: صحيحة اسحاق بن عمار، قال: قلت لابي ابراهيم (عليه السلام): الرجل يتمتّع فينسى ان يقصّر حتى يهلّ بالحج فقال: عليه دم يهريقه.(3) و الاقتصار على الحكم
1 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الرابع و الخمسون ح ـ 2.
2 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الرابع و الخمسون ح ـ 3.
3 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الرابع و الخمسون ح ـ 6.
(الصفحة433)
بثبوت الكفارة في هذه الرواية يدل على صحة المتعة و تماميتها، فلا اشكال من هذه الجهة.
و امّا من الجهة الثانية: فموضع خلاف، فالمحكي عن سلار و ابن ادريسو القواعد: عدم ثبوت الكفارة بوجه، لكن عن الشيخ و بني زهرة و البراج و حمزة: الثبوت، و العمل على طبق الرواية الاخيرة، و لكن قال في الوسائل بعد نقلها: حمله جماعة من الاصحاب على الاستحباب، لما سبق ـ يعني صحيحة معاوية بن عمّار ـ و لما يأتي، من: ان الناسي في غير الصيد ليس عليه كفارة.
أقول: ان كان المراد من قوله (عليه السلام): لا شيء عليه، هو نفي العقاب، بقرينة المسبوقية بلزوم لاستغفار. فالصحيحة الدالة على الكفارة لا معارض لها اصلا، و ان كان المراد هو الاعم من العقاب الاخروي و الدنيوي، الذي هو الكفارة، فغايته الدلالة بنحو العموم، و الصحيحة الدالة على الكفارة مخصصة لها، و لا تعارض بين العام و الخاص بوجه، و لا وجه للحمل على الاستحباب بعد كون التعبير بكلمة «على» التي لا تلائم الاستحباب اصلا، فالظاهر انه لا محيص عن الحكم بثبوت الكفارة.
و امّا الصورة الثانية: فالمنسوب في محكي الدروس الى المشهور: بطلان متعتهو صيرورة حجته مبتولة، نظرا الى دلالة بعض الروايات عليه، و ان كان ذلك على خلاف القاعدة، كما تأتي الاشارة اليه، و هي صحيحة ابي بصير، عن ابي عبد الله (عليه السلام)قال: المتمتع إذا طاف و سعى ثم لبىّ بالحج قبل ان يقصّر، فليس له ان يقصّر، و ليس عليه متعة.(1) و ظاهرها ان موردها صورة العمد.
و رواية العلاء بن الفضيل، قال: سألته عن رجل متمتع طاف ثم اهلّ بالحج
1 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الرابع و الخمسون ح ـ 5.
(الصفحة434)
قبل ان يقصّر. قال: بطلت متعته، هي حجّة مبتولة.(1) لكنها ضعيفة بمحمد بن سنان.
لكن المحكي عن ابن ادريس: بطلان الحج، لانه لم يتحلّل من عمرته، و الاجماع قائم على عدم جواز ادخال الحج على العمرة قبل اتمام مناسكها، التي من جملتها التقصير، فهو حج منهى عنه، و يكون فاسدا، خصوصا مع انه نوى التمتع به دون الافراد.
و لازم كلامه: انه إذا كان في سعة الوقت يجب عليه التقصير، ليخرج من احرام العمرة ثم يهلّ للحج ثانيا، و إذا كان في الضيق، بحيث لا يدرك الوقوف مع الاحرام للحج بعد التقصير، تكون عمرته باطلة، لعدم امكان وقوعها بعنوان عمرة التمتع، بعد لزوم كون عمرته و حجّه واقعين في عام واحد، فترك التقصير عمدا يوجب البطلان في هذه الصورة.
لكن كلامه مبني على القاعدة، و لا يبقى لها مجال بعد دلالة الرواية الصحيحة على خلافها، خصوصا مع فتوى المشهور على طبقها، و لا اعتراض على ابن ادريس على مبناه، و هو عدم حجية خبر الواحد و لو كان صحيحا، انما الاعتراض على من وافقه في المقام مع مخالفته له في المبنى، كالعلامة و الشهيد على ما حكى عنهما.
ثم انّ الظاهر ان صيرورة حجته مبتولة ـ اي مفردة ـ انّما ترجع الى صحة حجّهو عدم بطلانه، و امّا كفايته عن التمتع إذا كان واجبا عليه، فلا دليل عليه، بل مقتضى القاعدة العدم، كما لا يخفى. هذا تمام الكلام في المقام الاوّل.
المقام الثاني: في عدم وجوب طواف النساء في عمرة التمتع، و وجوبه في العمرة المفردة: و قد
1 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الرابع و الخمسون ح ـ 4.
(الصفحة435)
مرّ البحث في الاوّل في ذيل صورة حج التمتع بنحو الاجمال، و اللازم هنا البحث في الثاني، فنقول: المشهور بين الاصحاب هو الوجوب، و حكي عن ظاهر العماني الخلاف. و يدل على الوجوب روايات متعددة:
منها: صحيحة محمد بن عيسى، قال: كتب ابو القاسم مخلّد بن موسى الرّازي الى الرّجل يسأله عن العمرة المبتولة: هل على صاحبها طواف النّساء، و العمرة التي يتمتع بها الى الحج؟ فكتب: امّا العمرة المبتولة فعلى صاحبها طواف النساء، و امّا التي يتمتع بها الى الحج، فليس على صاحبها طواف النساء.(1)
و منها: ما رواه ابراهيم بن عبد الحميد عن عمر او غيره، عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: المعتمر يطوف و يسعى و يحلق، قال: و لا بد له بعد الحلق من طواف اخر.(2) و ظاهر ان المراد بالطواف الاخر هو طواف النساء، كما ان الظاهر من اطلاق «المعتمر» هو من يريد العمرة المفردة، مع ان قوله: يحلق. ايضا قرينة عليه لتعين التقصير في عمرة التمتع، لكن الاشكال في سند الرّواية.
و منها: رواية ابراهيم بن ابي البلاد الصحيحة، التي نقلها في الوسائل عن الشيخ (قدس سره) بنحو الاختصار، و لكن الموجود في التهذيب، كما حكاه في حاشية الوسائل ـ المطبوعة طباعة حديثة ـ هكذا: قال: قلت لابراهيم بن عبد الحميد ـ و قدهيّأنا نحوا من ثلاثين مسألة نبعث بها الى ابي الحسن موسى (عليه السلام)ادخل لي في هذه المسألة و لا تسمني له، سله عن العمرة المفردة، على صاحبها طواف النساء؟ فقال: فجاءه الجواب في المسائل كلها، غيرها، فقلت له: اعدها في مسائل اخر، فجاءه الجواب فيها كلّها غير مسألتي، فقلت لابراهيم بن عبد الحميد:
1 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الثاني و الثمانون ح ـ 1.
2 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الثاني و الثمانون ح ـ 2.
(الصفحة436)
ان هاهنا (هذا خ ل) لشيئا!افرد المسألة باسمي، فقد عرفت مقامي بحوائجك.
فكتب بها اليه، فجاء الجواب: نعم، هو واجب لا بدّ منه. فلقي ابراهيم بن عبد الحميد اسماعيل بن حميد الارزق و معه المسألة و الجواب، فقال: لقد فتق عليكم ابراهيم بن ابي البلاد فتقا، و هذه مسألته و الجواب عنها، فدخل عليه اسماعيل بن حميد فسأله عنها، فقال: نعم، هو واجب. فلقي اسماعيل بن حميد بشر بن اسماعيل بن عمّار الصيرفي فاخبره، فدخل فسأله عنها. فقال: نعم، هو واجب.(1) و الرواية ظاهرة في شدة التقية في هذه الجهة.
و منها: رواية اسماعيل بن رياح، قال سألت ابا الحسن (عليه السلام)عن مفرد العمرة، عليه طواف النساء قال: نعم.(2) و في مقابلها ـ ايضا ـ روايات متعددة.
منها: رواية ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: العمرة المبتولة يطوف بالبيت و بالصفا و المروة ثم يحلّ، فان شاء ان يرتحل من ساعته ارتحل.(3) و فيها، مضافا الى ضعف السند بمحمد بن سنان، انه يمكن ان يكون المراد ما يقابل الحج المشتمل على اعمال كثيرة و مناسك متعددة، لا ان يكون المراد عدم وجوب طواف النساء فيها، و يؤيده عدم التعرض للتقصير و الحلق ايضا، فتدبّر.
و منها: صحيحة صفوان بن يحيى، قال: سأله ابو حارث عن رجل تمتع بالعمرة الى الحج، فطاف و سعى و قصّر، هل عليه طواف النساء؟ قال: لا، انما طواف النساء بعد الرجوع من منى.(4) لكن الظاهر ان الحصر فيها اضافي في مقابل عمرة
1 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الثاني و الثمانون ح ـ 5.
2 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الثاني و الثمانون ح ـ 8.
3 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الثاني و الثمانون ح ـ 4.
4 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الثاني و الثمانون ح ـ 6.
(الصفحة437)
التمتع، و لا يشمل العمرة المفردة.
و منها: رواية ابي خالد، مولى علي بن يقطين، قال: سألت ابا الحسن (عليه السلام) عن مفرد العمرة، عليه طواف النساء؟ قال: ليس عليه طواف النساء.(1) و لكن الظاهر انه لم يوثق ابو خالد.
و منها: موقوفة يونس، رواها، قال: ليس طواف النساء الاّ على الحاج.(2) و فيها، مضافا الى ضعف السند، انه يمكن ان يكون الحصر فيها ـ ايضا ـ اضافيّا.
ثمّ انه لو فرض وقوع التعارض بين الطائفتين يكون الترجيح مع الاولى، لموافقتها للشهرة الفتوائية، التي هي اوّل المرجحات، فلا محيص عن الحكم بوجوب طواف النساء في العمرة المفردة، كما في الحج.
المقام الثالث: في الفرق بين العمرتين من جهة الميقات.
فنقول: لا اشكال في ان عمرة التمتع ميقاتها احد المواقيت الخمسة المعروفة اوما بحكمها، من المحاذات ـ على ما سيأتي البحث فيها ـ و يدل على ذلك، مضافا الى الروايات المتعددة المتكثرة، ما تقدم، من: انّ حج التمتع فرض النائي و الافاقي، الذي يكون الميقات واقعا في مسيره الى مكّة، بضميمة انه لا يجوز الدخول في مكة بغير احرام، و لا يجوز المرور على الميقات لمن يكون قاصدا لدخول مكة من دون احرام. و من الواضح: انّ اعمال العمرة بعد الاحرام لا بد و ان تقع في مكة في المسجد و المسعى او غيرهما. و عليه، فيستفاد من جميع ذلك ـ مع ملاحظة تقدم
1 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الثاني و الثمانون ح ـ 9.
2 ـ وسائل ابواب الطواف الباب الثاني و الثمانون ح ـ 10.
(الصفحة438)
عمرة التمتع على حجه ـ لزوم الاحرام لها من احد المواقيت، لكن هذا الدليل انمايجري فيمن تكون وظيفته بعنوان حجة الاسلام هو حج التمتع، و امّا من اراد الاتيان به بعنوان الاستحباب، كالمكي الذي اراد ان يحج تمتعا كذلك، فالدليل لا يقتضي اعتبار كون احرامه من احد المواقيت المعهودة الاّ ان يستند في حكمه الى عدم القول بالفصل، فتدبر. و سيأتي البحث في ذلك تفصيلا ان شاء الله تعالى.
و امّا العمرة المفردة: فقد ذكر السيد (قدس سره) في العروة: انّ ادنى الحلّ ميقات العمرة المفردة بعد حجّ القران او الافراد، ثم قال: بل لكلّ عمرة مفردة. و مقتضى عمومه، كاطلاق المتن: ان ادنى الحل، ميقات العمرة المفردة في جميع الموارد، من دون فرق بين ما إذا كان قبلها حج القران او الافراد، و بين ما إذا لم يكن كذلك، و من دون فرق بين المكي و غيره، و من دون فرق في الافاقي بين ما إذا كان مريدا للعمرة من اوّل الامر، و ما إذا لم يكن كذلك.
و لكنه ذكر في المسألة السّادسة: ان ميقات عمرتهما ـ يعني القران و الافراد ـ ادنى الحلّ إذا كان في مكة، قال: و يجوز من احد المواقيت ايضا، و إذا لم يكن في مكة فيتعين احدها ـ يعني المواقيت المعهودة ـ و كذا الحكم في العمرة المفردة، مستحبة كانت او واجبة.
فالمستفاد منه: انه إذا لم يكن في مكة يجب ان تكون العمرة المفردة من تلك المواقيت، و مقتضاه عدم كفاية الاحرام من ادنى الحلّ.
و كيف كان، فالظاهر انه لا خلاف في كون ادنى الحلّ ميقاتا للعمرة المفردة، إذا كانت مسبوقة بحج القران او الافراد، كما انه لا اشكال في كونه ميقاتا لها، بالاضافة الى من كان في مكة، سواء كان من اهلها او مقيما فيها او غيرهما، فالكلام يقع في النائي الخارج عن مكة إذا قصد الاتيان بالعمرة المفردة، و ان
(الصفحة439)
ميقاتها بالاضافة اليه، هل هو ادني الحل او احد المواقيت المعهودة؟ و المراد بادنى الحلّ هو المحلّ الخارج عن الحرم المتصل به، بحيث لم يكن بينهمافصل، و هو متحقق في جميع الجوانب الاربعة لمكّة، لكن الافضل الحديبية او الجعرانة او التنعيم، لانها منصوصة، و بينها اختلاف في القرب و البعد، فان الحديبية ـ بالتخفيف او التشديد ـ: بئر بقرب مكّة على طريق جدّة دون مرحلة، ثم اطلق على الموضع، و يقال: نصفه في الحلّ و نصفه في الحرم، و الجعرانة ـ بكسر الجيمو تشديد الراء او بكسر الجيم و سكون العين و تخفيف الراء ـ: موضع بين مكة و الطائف على سبعة اميال، و التنعيم: موضع قريب من مكة، و هو اقرب اطراف الحلّ الى مكّة، و يقال: بينه و بين مكة اربعة اميال، و يعرف بمسجد عائشة، كمافي مجمع البحرين.
اقول: التنعيم في زماننا هذا واقع في مكة، بلحاظ سعتها العظيمة التي طرأت عليها مؤخرا و لا يكون خارجا عنها، لكنه من الواضح: ان عنوان الحرم غير عنوان مكّة.
و كيف كان، فالروايات الواردة في هذا الحكم متعددة: منها: صحيحة جميل بن درّاج، قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة الحائض إذا قدمت مكّة يوم التروية، قال: تمضي كما هي الى عرفات، فتجعلهاحجّة، ثم تقيم حتى تطهر فتخرج الى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة، قال ابن ابي عمير: كما صنعت عائشة.(1) و الظاهر ان ذكر التنعيم ليس لاجل اختصاص الحكم به، بل لاجل كونه اقرب الاماكن من حدود الحرم، فلا دلالة للرواية على الاختصاص. نعم،
1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الواحد و العشرون ح ـ 2.
(الصفحة440)
لا مجال للاستدلال بها على كون ميقات العمرة المفردة هو ادنى الحل مطلقا، لان موردها المسبوقية بحج الافراد، و ان كان متحققا بالعدول عن التمتع اليه لاجل الحيض و ضيق الوقت، و التشبيه بفعل عائشة، كما في كلام ابن ابي عمير، انّما هوفي الاتيان بالعمرة بعد حج الافراد لا في العدول، لعدم تحقق العدول، بالاضافة اليها، كما مرّ.
و منها: صحيحة عمر بن يزيد، عن ابي عبد الله (عليه السلام)، قال: من ارادان يخرج من مكّة ليعتمر احرم من الجعرانة او الحديبيّة او ما اشبهها (اشبههما ظ).(1) و مفاد هذه الرواية اوسع من الرواية المتقدمة، لانه ـ مضافا الى التصريح بالموضعين ـ عمم الحكم لكل ما اشبههما، مثل التنعيم و غيره و يكون موردها مطلق من اراد ان يخرج من مكة للاعتمار، الذي يكون اطلاقه ظاهرا في العمرة المفردة، و لا يشمل عمرة التمتع من دون فرق بين ان تكون العمرة مسبوقة بحج القران او الافراد، و ما لا تكون كذلك، كما ان مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين من كان متوطنا في مكة او مقيما و مجاورا فيها او افاقيّا، اراد الخروج من مكة للاعتمار، كما إذا حج متمتعا ثم اراد الاتيان بالعمرة المفرده، و امّا من كان خارجا عن مكّة، كالافاقي الذي يريد العمرة المفردة و لا يمرّ على شيء من المواقيت، كالايرانين الذين يدخلون جدّة ابتداء ـ في زماننا الحاضر ـ فلا دلالة للرواية على جواز احرامه للعمرة المفردة من ادنى الحلّ.
و منها: مرسلة الصّدوق، قال: و ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) اعتمر ثلاث عمرمتفرقات، كلّها في ذي القعدة، عمرة اهل فيها من عسفان، و هي عمرة الحديبيّة،
1 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب الثاني و العشرون ح ـ 1.
(الصفحة441)
و عمرة القضاء، احرم فيها من الجحفة، و عمرة اهلّ فيها من الجعرانة، و هي بعد ان رجع من الطائف من غزاة حنين.(1)و هذه الرواية و ان كانت مرسلة، لكنّا قد اشرنا مرارا الى حجيّة هذا النحو من المرسلات، و مع ذلك فقد رواها الكليني مسندة عن معاوية بن عمّار ـ مع اختلاف يسير ـ عن ابي عبد الله (عليه السلام)قال: اعتمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثلاث عمر متفرقات، عمرة ذي القعدة، اهلّ من عسفان، و هي عمرة الحديبيّة، و عمرة اهل من الجحفة و هي عمرة القضاءه، و عمرة من الجعرانة، بعد ما رجع من الطائف من غزوة حنين.(2) و هنا بعض الروايات الاخر، الدالة على انه (صلى الله عليه وآله) اعتمر ثلاث عمر من دون التعرض لموضع احرامه في الاوليين، كصحيحة ابان، عن ابي عبد الله (عليه السلام)، قال: اعتمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) عمرة الحديبية، و قضى الحديبيّة من قابل، و من الجعرانة، حين اقبل من الطائف، ثلاث عمر، كلهنّ في ذي القعدة.(3) و البحث في هذه الروايات المتعرضة لاعتمار رسول الله (صلى الله عليه وآله)، بعد وضوح كون المراد من جميعها، هو الاعتمار بعد الهجرة من مكة الى المدينة و في زمنها، بداهة ان اعتماره (صلى الله عليه وآله) حين اقامته في مكة كان كثيرا جدا، على ما هو مقتضى القاعدة، و استحباب العمرة المفردة في كل شهر، كما تقدم البحث فيه: يقع تارة: من جهة عددها، و اخرى: في المراد منها، و ثالثة: في الاشكال عليها، و انه يمكن الجواب عنه ام لا؟ و رابعة: فيما يمكن ان يستفاد منها و يستدل بها عليه، فنقول:
امّا من الجهة الاولى: فقد روى الصدوق في الفقيه ايضا: انّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)
1 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب الثاني و العشرون ح ـ 2.
2 ـ وسائل ابواب العمرة الباب الثاني ح ـ 2.
3 ـ وسائل ابواب العمرة الباب الثاني ح ـ 3.
(الصفحة442)
اعتمر تسع عمر، و لكن المذكور في شرح الفقيه للمولى المجلسي الاوّل (قدس سره) انه من سهو النساخ، ثم قال: «و ان احتمل ان يأول هذا الخبر ـ يعني ما يدل على الثلاث ـ و غيره من الاخبار: بان العمرة التي وقعت في ذي القعدة كانت ثلاث، لكن خبر التسع لم يوجد الاّ في هذا الكتاب، و السّهو و التصحيف فيه غير عزيز».
و عليه، فالظاهر انّها كانت ثلاث، و التأويل المذكور لا يلائم ظاهر الروايات المتقدمة، كما لا يخفى.
و امّا من الجهة الثانية: فالمراد بعمرة الحديبية، هي العمرة التي اعتمر لها رسول الله (صلى الله عليه وآله) و جمع كثير من اصحابه، و لكنّهم لما وصلوا الى الحديبية منعهم المشركون من الدخول الى مكّة لقضاء مناسكها، و وقع بينهم عقد الصلح، الذي اشتهر بصلح الحديبية، و من جملة موادّها: ان يرجعوا الى المدينة و يعتمروا في السنّة اللاحقة، و لا يبقوا في مكة ازيد من ثلاثة ايام، فرجعوا الى المدينة من دون ان يدخلوا مكة و يتمّوا العمرة، و في بعض الروايات: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين صدّ بالحديبية، قصّر و احلّ و نحر ثم انصرف منها. ثم انه في السنة التالية اعتمر رسول الله و جماعة من اصحابه، و دخلوا مكّة و لم يبقوا فيها ازيد من ثلاثة ايام، و اشتهرت هذه العمرة بعمرة القضاء، لكونها قضاء عما فات في السنة السّابقة، ثم انه وقع فتح مكّة في السنّة الثامنة، في شهر رمضان، ثم بعد فتح مكّة وقعت غزوة حنين ـ و هو واد بين مكّة و الطائف ـ و بعد غلبة النبي (صلى الله عليه وآله)فيها و الرجوع عنه، احرم من الجعرانة فدخل مكة معتمرا، بعد ان لم يكن محرما اثناء فتح مكة لدخولها، لكون مثله من الموارد، التي يجوز الدخول بمكة من غير احرام.
و امّا الحج فلم يتحقق من النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الهجرة الاّ مرة واحدة، و هي حجة الوداع، و قد ظهر مما تقدم ان حجه (صلى الله عليه وآله) كان حج القران، لاشتماله على سوق الهدي، كما انه مرّ: ان التمتع صار مشروعا بعد قدوم النبي (صلى الله عليه وآله) مكّة في
(الصفحة443)
حجة الوداع، و امر الرسول (صلى الله عليه وآله): بان كل من لم يسق الهدي يجب عليه العدول من حج الافراد الى عمرة التمتّع و عليه، فلم يتحقق من نفسه (صلى الله عليه وآله) حج التمتع و لو مرة واحدة، كما صرح به صاحب الجواهر، و يدل عليه الروايات المتقدمة الواردة في هذا المجال.
و امّا من الجهة الثالثة: فالاشكال فيها من وجهين:
الأوّل: ظهور الرواية، في: ان احرام عمرة الحديبية، التي كانت هي اوّل عمره (صلى الله عليه وآله) بعد الهجرة، كان من عسفان، الذي يكون الفاصل بينه و بين مكة مرحلتين، و لا يكون ميقاتا و لا ادني الحلّ فما، الوجه في احرامه منه؟ !كما هو ظاهر الروّاية.
الثاني: ظهورها، في: ان احرام عمرة القضاء كان من الجحفة، مع ان الظاهرانه (صلى الله عليه وآله) كان قاصدا للاحرام و العمرة من المدينة. و عليه، فما الوجه في تأخيره الاحرام عن مسجد الشجرة، مع انه لا يجوز التأخير من الميقات، الذي يمرّ عليه الى ميقات اخر، و لو كان في نفس هذا الطريق؟ ! و اجاب عن الاوّل بعض الاعلام، تبعا للفيض الكاشاني في الوافي: بانه لا يبعد ان يكون المراد بالاهلال هو رفع الصوت بالتلبية، كما هو معناه لغة، يقال: اهل بذكر الله: رفع به صوته، و اهلّ المحرم بالحج و العمرة: رفع صوته بالتلبية، و اهلّوا الهلال و استهلوه: رفعوا اصواتهم عند رؤيته، و اهلّ الصبيّ: إذارفع صوته بالبكاء. و عليه، فالمعنى: انّه (صلى الله عليه وآله) رفع صوته بالتلبية في عسفان، و لا ينافي ذلك الاحرام من مسجد الشجرة.
و يرد عليهما: مضافا الى ظهور المرسلة، في: ان احرام عمرة القضاء كان من الجحفة، و ظهور الصحيحة كبعض الروايات الاخر، في: ان العمرة الاخيرة كان احرامها من الجعرانة، و لا يلائم ذلك مع كون المراد من الاهلال في عمرة
(الصفحة444)
هو رفع الصوت بالتلبية، ان التعرض لمسألة رفع الصوت، الذي هو امرمستحب، لا مدخلية له في صحة العمرة و تماميتها مع عدم التعرض لمبدأ الاحرام و وقته، مع دخالته في الصحة، و ان كان اصل العمرة مستحبّا لا يكاد يجتمع مع غرض الرواية، الذي سيقت لاجلها، كما لا يخفى. هذا، مع ان الاهلال ـ على ما يستفاد من معناه اللغوي المتقدم ـ هو رفع الصوت، و امّا بماذا يرفع؟ فيتوقف على ذكره، ضرورة انه ليس معناه رفع الصوت بالتلبية، بل فيما إذا اسند الى المحرم بالحج او العمرة، كما في العبارة المذكورة في اللغة، لا في مثل الرواية، الذي لم يسند الى شيء، فتدبّر. مع ان اللازم ذكر كلمة «الباء» مكان كلمة «من»، و الرواية مشتملة على هذه الكلمة، و ظاهرها: ان شروع رفع الصوت بالتلبية كان من عسفان، فلم يقع التعرض لانشائه و عليه، فصرف الرواية عن ظهورها في كون احرام عمرة الحديبية واقعا من عسفان، ممّا لا وجه له، و الالتزام بعدم الاهتداء الى وجه عمله (صلى الله عليه وآله) اولى من الصرف المذكور.
و يمكن ان يقال ـ و ان كان بعيدا ـ: ان الوجه في ذلك هو ان عسفان، و ان لم يكن بنفسه ميقاتا، لكنّه يحاذي بعض المواقيت، الذي يكون الفصل بينه و بين مكّة مرحلتين ايضا. نعم، يبقى الاشكال من الوجه الثاني، الذي يرجع الى التأخير عن مسجد الشجرة، مع انّه اوّل المواقيت، بالاضافة الى من يخرج من المدينة قاصدا للحج او العمرة.
و اجاب عن الثاني بعض الاعلام ايضا، بما يرجع الى ان المناط في عمرة القضاء ما يدل عليه الصحيحة، و التعبير فيها انما هو بالاهلال، الذي يراد به ايضا رفع الصوت بالتلبية، و لا ينافي كون الاحرام من مسجد الشجرة.
و يرد عليه، مضافا الى الايرادات المتقدمة: ان مرسلة الصدوق بالنحو المذكورمعتبرة على ما هو التحقيق، و التعبير فيها انّما هو بالاحرام.
(الصفحة445)
و يمكن ان يجاب عن هذا الاشكال: بان التأخير عن مسجد الشجرة، لعلّه كان لاجل ضرورة اقتضت جواز التأخير، كما ان العادة قاضية بوجودها في العمرة الاولى، مع عدم وضوح ما ينتهي اليه حال المسلمين في تلك العمرة.
و امّا من الجهة الرابعة: التي هي العمدة في المقام: فلا شبهة في دلالة الرواية على انه (صلى الله عليه وآله) اعتمر في العمرة الاخيرة و احرم من الجعرانة، مع انه ادني الحلّ، و ميقات اهل الطائف هو قرن المنازل، فعدم احرامه من ميقاتهم و احرامه من ادنى الحلّ دليل على جواز الاحرام من ادنى الحلّ للعمرة المفردة، و عدم لزوم الاحرام من المواقيت المعروفة، مع عدم كونه مسبوقا بحج القران او الافراد و عدم كون الخروج من مكة بقصد الاعتمار، بل كما عرفت: كان الخروج لاجل غزوة حنين. انما الاشكال في انه هل يمكن ان يستفاد منه الجواز من ادنى الحلّ للنائي، الذي كان خروجه عن وطنه بقصد الاعتمار و العمرة المفردة، كالايرانيين الذين يدخلون جدّة اوّلا، فيجوز لهم الاحرام من الحديبية، او ان المستفاد منه الجواز لخصوص من بدى له العمرة في الاثناء، فلا يجوز لمثلهم الاحرام منها، بل لا بد من الاحرام من مسجد الشجرة او الجحفة، كما في عمرة التمتع؟ الظاهر هو الاوّل، فانه لا يفهم العرف منه الاختصاص بوجه.
و قد تحصّل من جميع ما ذكرنا في ميقات العمرة المفردة: انّ المعتمر بها على اقسام: 1 ـ من كان قاصدا للاتيان بها بعد حج القران او الافراد، و لا شبهة في ان وظيفته الخروج الى ادنى الحلّ، بل في محكي كشف اللثام: لا نعلم في ذلك خلافا. بل عن المنتهى نفي الخلاف فيه، و يدلّ عليه: ما ورد في قصّة حج عائشة، و انه امرها رسول الله (صلى الله عليه وآله)بالخروج الى التنعيم لاحرام العمرة المفردة، و ذكروا: انه يستحب ان يكون من الجعرانة او من الحديبية او من التنعيم، و عن التذكرة:
(الصفحة446)
ينبغي الاحرام من الجعرانة، فمن فاتته فمن التنعيم، فمن فاته فمن الحديبية، و لكن ذكر في الجواهر: ان استفادة الترتيب المزبور من النصوص لا تخلو من اشكال.
و الظاهر انه في هذه الصورة يجوز له الخروج الى احد المواقيت، بل لعلّه افضل، لطول المسافة و الزّمان. و عليه، فادنى الحل رخصة لا عزيمة.
2 ـ من كان قاصدا للاتيان بها، و كان في مكّة، و لم يكن هناك حجّ القران او الافراد، كما إذا اراد المكيّ الاتيان بالعمرة الرجبيّة ـ مثلا ـ و الظاهر انه مثل الصورة السّابقة في لزوم الخروج الى ادنى الحلّ، و عدم جواز الاحرام لها من مكة او الحرم. نعم، ربما يتوهم دلالة صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة على عدم لزوم الخروج الى ادنى الحل، حيث انه قال ابو عبد الله (عليه السلام) فيها: من اراد ان يخرج من مكّة ليعتمر، احرم من الجعرانة او الحديبية او ما اشبهها (اشبههما)(1). نظرا الى ان المستفاد منها ان المكي ان اراد الخروج من مكة لأن يعتمر يحرم من ادنى الحلّ، فاذا لم يرد الخروج من مكة فلا يلزم الاعتمار من ادنى الحلّ، بل يكفي الاحرام من مكة.
و لكن الظاهر بطلان هذا التوهم، و ان المتفاهم العرفي من الصحيحة انّ المعلق على الارادة انّما هو نفس الاعتمار، و امّا مع ارادته فلا بد من الخروج من مكة و الاحرام من ادنى الحلّ، و لا يستفاد منها امكان تحقق الاعتمار، سواء ارادالخروج من مكة ام لم يرد، فتأمل.
3 ـ النائي الذي يكون في طريقه الى مكّة: احد المواقيت او ما بحكمها، كالمدني الذي اراد العمرة الرجبيّة ـ مثلا ـ، و لا شبهة في ان وظيفته الاحرام من المواقيت
1 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب الثاني و العشرون ح ـ 1.
(الصفحة447)
المعروفة، و في عدم جواز التأخير عنها الى ادنى الحلّ. و في الروايات المشتملة على عمر النبي (صلى الله عليه وآله): انه احرم للعمرة المفردة في عمرة القضاء من الجحفة، و دلالتها على لزوم كون احرامها من الميقات ظاهرة، و ان كان هناك اشكال في التأخير عن مسجد الشجرة، ذكرناه مع ما يمكن ان يقال في توجيهه. و كيف كان، فلا ريب في ان الحكم في هذه الصورة هو الاحرام من تلك المواقيت. نعم، هنا كلام في انه إذا ترك الاحرام منها عمدا، هل يجوز له الاحرام من ادنى الحلّ، كما صرّح به السيد (قدس سره) في العروة ام لا؟ و لكنه لا ينافي كون الوظيفة الاوّلية هو الاحرام من احد المواقيت.
4 ـ من كان منزله واقعا بين الميقات و بين مكّة: و الظاهر ان مقتضى اطلاق ما ورد، من: ان ميقات مثله دويرة اهله، عدم الفرق بين الحج و العمرة في ذلك.
و عليه، فيعتمر للعمرة المفردة من منزله، كما في الحجّ.
5 ـ النائي الذي لا يكون في طريقه الى مكّة شيء من المواقيت المعروفة، و هو تارة يكون قاصدا من اوّل الامر للعمرة المفردة من سفره الى مكّة، و اخرى لا يكون كذلك، بل يبدو له ان يعتمر بعد ما لم يكن غرضه من الدخول اليها العمرة المفردة: لا شبهة في ان الحكم بمقتضى ما دلّ على ان النبيّ (صلى الله عليه وآله)احرم حين ما رجع من غزوة حنين، من الجعّرانة، و لم يرجع الى ميقات قرن المنازل، الذي هو ميقات اهل الطائف: عدم لزوم الرجوع الى الميقات، و جواز الاحرام من ادنى الحلّ في الصورة الثانية. و امّا الصّورة الاولى، كالايرانيين الذين يسافرون بواسطة الطائرات و يدخلون جدّة، و لا يكون في طريقهم شيء من المواقيت: فالظاهر ان المستفاد ممّا ورد في احرامه (صلى الله عليه وآله) من الجعرانة، انه لا خصوصية للصورة المزبورة، بل الحكم عامّ لمن لا يكون في طريقه ميقات، كما اشرنا اليه انفا. و عليه، فيتمّ مافي المتن، من: ان احرام العمرة المفردة ادنى الحلّ. نعم، قد عرفت: ان
(الصفحة448)
السيد (قدس سره) مع تصريحه بالتعميم، ذكر في المسألة السادسة ما ينافي ذلك، فراجع.
هذا تمام الكلام فيما يتعلق بمباحث العمرة، و به يتمّ الجزء الثاني من كتاب الحج، من شرح تحرير الوسيلة للامام الخميني (قدس سره) . و قد وقع الفراغ منه ليلة الاثنين 22 ذي القعدة الحرام 1412، و انا العبد الضعيف المفتاق الى رحمة الرب الغني، محمد الموحدي اللنكراني، الشهير بالفاضل، ابن العلامة الفقيه الفقيد اية الله الشيخ فاضل اللنكراني، تغمده الله بغفرانه و اسكنه بحبوحات جناته. راجيا من القراء الكرام ان يستغفروا له و لوالدتي العلويّة المرحومة، و يدعوا لي بحسن العاقبة، و كونها محمودة حسنة سليمة، و السلام على جميع اخواننا المؤمنين و عباد الله الصالحين، سيّما الفضلاء و المشتغلين، و رحمة الله و بركاته.
|