(الصفحة441)
خارجة عن إطلاق صحيح البزنطي، إذاً تنقلب النسبة بين صحيحة معاوية بن عمار الدالة على أن المحصور لا تحل له النساء، وبين صحيحة البزنطي إلى العموم والخصوص، بعد ما كانت النسبة التباين; فالنتيجة تكون عمرة التمتع داخلة في إطلاق صحيحة البزنطي.
أقول: ـ مضافاً إلى ما عرفت من الاختلاف في حكاية عمرة الحسين (عليه السلام) وأن الالتزام بتعدد الواقعة مشكل; وأن القدر المتيقن صورة سياق الهدي في إحرام العمرة المفردة. ـ معنى قوله (عليه السلام) في صحيحة معاوية بن عمار: «المحصور لا يحل له النساء»،، هو مجرد الفرق بين المحصور وبين المصدود الذي ابتلى به رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قصة الحديبية; وإلاّ فلا يراد ما هو ظاهره من أن المحصور لا تحل له النساء أبداً; بل المقصود توقف الحلية على شيء آخر غير الذبح أو النحر أو البعث والإرسال والمواعدة. اللهم إلاّ إن يقال: ان الإطلاق إنما هو بالإضافة إلى جميع الأقسام الثلاثة، ولا ينبغي الإنكار من هذه الجهة; إذاً فانقلاب النسبة من التباين إلى العموم والخصوص بحاله.
وكيف كان فلم يثبت انحصار عمرة التمتع بشيء، كما قال به الشهيد في الدروس وبعض من تأخر عنه، لما عرفت.
الخامسة: ظاهر المتن تعين التقصير في حصول الحلية في الإحصار في العمرة المفردة وعمرة التمتع; كما هو الحكم في أصل العمرة. فإن الحلق على تقدير تعينه أو جوازه، إنما يكون مورده الحج لا العمرة مطلقاً. ويدل عليه روايات:
منها: صحيحة معاوية بن عمار ـ الطويلة الواردة في الإحصار ـ المشتملة على
(الصفحة442)
قوله (عليه السلام) : وإن كان في عمرة فلينتظر مقدار دخول أصحابه مكة والساعة التي يعدهم فيها، فإذا كان تلك الساعة قصر وأحلّ...(1).
ومنها: رواية حمران عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين صد بالحديبية قصر وأحل ونحر، ثم انصرف منها، ولم يجب عليه الحلق حتى يقضي النسك، فأما المحصور فإنما يكون عليه التقصير.(2)
ومنها: غير ذلك من الروايات; لكن في كلتا الروايتين لفعل الحسين (عليه السلام) في صورة الإحصار حلق الشعر بدل التقصير.
فهل هذا لأجل تعينه أو لأجل جوازه لكونه أحد طرفي الواجب التخييري؟ الظاهر هو الثاني، خصوصاً بعد ما عرفت من عدم ثبوت الحلق بنحو التعيين في أصل العمرة مطلقاً، ولو كانت مفردة، فالأحوط حينئذ التقصير.
السادسة: أفاد في المتن أن مقتضى الاحتياط الوجوبي قصد النائب تحلل المنوب عنه عند الذبح أو النحر;وهو مبني على اعتبار نية تحلل المنوب عنه بنفسه أولا ـ وقد تقدم ما فيه ـ واعتبار نية النائب وقصده، مع أن اللازم في مثله أن ينوي النائب، بحيث يتعين عمله بعنوان النيابة وصيرورته للمنوب عنه; وأمّا قصد التحلل بذلك، فلا دليل عليه; وقد مرّ في مسألة اعتبار كون الذابح إمامياً ما ينفع المقام; فراجع.
(1) الوسائل: أبواب الإحصار والصد، الباب الثاني، ح1.
(2) الوسائل: أبواب الإحصار و الصد، الباب السادس، ح 1 .
(الصفحة443)
في الإحصار في الحج
مسألة 10 ـ لو أحرم بالحج ولم يتمكن بواسطة المرض عن الوصول إلى عرفات والمشعر وأراد التحلل، يجب عليه الهدي; والأحوط بعثه أو بعث ثمنه إلى منى للذبح، وواعد أن يذبح يوم العيد بمنى; فإذا ذبح يتحلل من كل شيء إلاّ النساء . [1]
[1] قد مرّ أن كثيراً من الروايات الواردة في المحصر لا تختص بالعمرة; بل هي إما مطلقة شاملة للحج، وإما بقرينة ذيلها الدال على أنه إن كان في حج يتحقق الذبح أو النحر بمنى، وإن كان في عمرة يتحقق في مكة; يعلم شمولها للحج أيضاً. نعم الروايتان الحاكيتان لفعل الحسين (عليه السلام) قد وردنا في خصوص العمرة المفردة.
وعلى ما ذكرنا فالبحث في أن الهدي الواجب يكون الاحتياط في بعثه أو بعث ثمنه هو البحث المتقدم، إلاّ أن الروايتين الحاكيتين صريحتان في نحر الهدي الذي دعاه علي (عليه السلام) أو ساقه الحسين في العمرة في مكان الإحصار وعدم التمكن بواسطة المرض; وعليه فالاحتياط هنا آكد وأشد; بل قويناه في التعليقة.
والذي ينبغي التعرض له هو ما أفاده بعض الأعلام (قدس سره) مما حاصله أن المحصور في الحج إن تم إجماع على توقف التحلل فيه من النساء على إتيان العمرة المفردة، فهو، فيخرج الحصر في الحج من صحيح البزنطي ـ المتقدم الظاهر في حصول التحلل من كل شيء بمجرد الإتيان بأعمال الإحصار ـ . وإن لم يتم الإجماع، فيدخل الحج في صحيح البزنطي، فيكون الباقي تحت إطلاق صحيح معاوية بن عمار: «المحصور لا تحل له النساء» العمرة المفردة فقط.
(الصفحة444)
في ما لو كان المحصر عليه حج واجب
مسألة 11 ـ لو كان عليه حج واجب فحصر بمرض، لم يتحلل من النساء، إلاّ أن يأتي بأعمال الحج وطواف النساء في القابل. ولو عجز عن ذلك لا يبعد كفاية الاستنابة، ويتحلل بعد عمل النائب; ولو كان حجه مستحباً لا يبعد كفاية الاستنابة لطواف النساء في التحلل عنها، والأحوط إتيانه بنفسه . [1]
أقول: إذا فرضت تمامية الإجماع ـ كما هو الظاهر ـ كما يظهر من الجواهر، حيث حكي عن المنتهى نسبته إلى علمائنا، وقد أيده بقوله: وهو كذلك، والمفروض خروج العمرة المفردة التي لا تكون النساء فيها حلالا بذبح الهدي أو نحره والتقصير أو الحلق، فيكون الباقي تحت إطلاق صحيح البزنطي، هو خصوص عمرة التمتع على مبنى غير الشهيد في الدروس وبعض من تأخر عنه، وهو بعيد. ولذا ذكر صاحب الوسائل (قدس سره) بعد نقله: أقول هذا محمول على من استناب في طواف النساء وطيف عنه. ولا مانع من الالتزام بإعراض الأصحاب عنه; بل في أحد نقليه سهل بن زياد، وإن لم يكن منفرداً في طبقته، فتدبر.
[1] قال المحقق في الشرايع: فإذا بلغ قصّر وأحلّ إلاّ من النساء خاصة، حتى يحج في القابل إن كان واجباً، أو يطاف عنه طواف النساء إن كان تطوعاً. وقال صاحب الجواهر (قدس سره) بعده: بلا خلاف معتد به أجده في شيء من ذلك. بل عن المنتهى نسبته إلى
(الصفحة445)
علمائنا، بل في كشف اللثام نسبة ذلك إلى النصوص والإجماع على كل من المستثنى والمستثنى منه.
ويدل عليه قوله (عليه السلام) في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة: والمحصور لا تحل له النساء(1).
وقوله (عليه السلام) في صحيحته الاُخرى الحاكية لعمرة الحسين (عليه السلام) ومرضه في السقيا: لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة(2).
والغاية كناية عن الإتيان بعمرة مفردة اُخرى. ويظهر منها أن الإتيان بتكاليف الإحصار لا يؤثر إلاّ في الخروج عن الإحرام في الجملة; فلو كان عليه حج واجب لا يتحلل من النساء، إلاّ أن يأتي بأعمال الحج وطواف النساء في القابل.
نعم لو عجز عن ذلك، فقد نفى البعد في المتن عن كفاية الاستنابة في تمام أعمال الحج وحصول التحلل بعد عمل النائب.
والوجه فيه أن الحج قابل للنيابة، ولو عن الحي، فيما إذا كان مريضاً بما لا يرجى زواله; كما فيما تقدم. ولا يجب فيه التعدد والإتيان بالمرة الاُخرى، إلاّ في بعض الموارد الذي عرفت. والمفروض وجوب الحج واستقراره عليه من ناحية، وثبوت العجز من ناحية اُخرى; فلا يبعد حينئذ كفاية الاستنابة والتحلل بعد عمل النائب. لكن فيه ما لا يخفى بعد فرض وجوب الحج عليه أولا، وعدم التمكن من الإتيان به في هذا العام ثانياً، لفرض الإحصار.
(1) الوسائل: أبواب الإحصار والصد، الباب الأول، ح1.
(2) الوسائل: أبواب الإحصار والصد، الباب الأول، ح3.
(الصفحة446)
نعم لو كان حجه مستحباً لا يبعد كفاية الاستنابة لطواف النساء في التحلل عنها; لأن طواف النساء قابل للاستنابة، كما تدل عليه النصوص في من نسي طواف النساء الدالة على جواز الاستنابة فيه، ولو مع إمكان الرجوع بنفسه. نعم مقتضى الاحتياط الطواف بنفسه.
وفي محكي المدارك بعد أن ذكر عن الفاضل في المنتهى أنه أسند الاكتفاء بالاستنابة فيه إلى علمائنا مؤذناً بالإجماع عليه، ولم يستدل عليه بشيء. واستدل عليه جمع من المتأخرين، بأن الحج المندوب لا يجب العود لاستدراكه، والبقاء على تحريم النساء ضرر عظيم، فاكتفى في الحل بالاستنابة في طواف النساء. قال: وهو مشكل جداً، لإطلاق قوله (عليه السلام) «لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت وبالصفا والمروة».
قال صاحب الجواهر: وتبعه ـ أي: المدارك ـ المحدث البحراني، لكنه اختار سقوط طواف النساء فيه، بعد أن حمل ما في النص هنا على الواجب للأصل ومرسل المفيد. ثم ذكر في الجواب قوله، ولكنه كما ترى ضرورة انقطاع الأصل بالإطلاق المعتضد باستصحاب حرمتهن عليه، والمرسل بعد تسليم ظهوره في ذلك على وجه لايقبل التخصيص بغيرهن لا حجة فيه، وكذا ما في المدارك، فإن الإطلاق المزبور لا ينافي التقييد بطواف النائب فيه، بعد معلومية مشروعية النيابة مع التمكن من الرجوع في غير المقام، حتى في الحج الواجب.
أقول: مراده بمرسل المفيد ما أرسله في المقنعة، مما يشتمل على قوله (عليه السلام) في
(الصفحة447)
في ما لو بان للمصدود في العمرة عدم الذبح
مسألة 12 ـ لو تحلل المصدود في العمرة وأتى النساء، ثم بان عدم الذبح في اليوم الموعود، لا إثم عليه ولا كفارة; لكن يجب إرسال الهدي أو ثمنه ويواعد ثانياً، ويجب عليه الاجتناب من النساء، والأحوط لزوماً الاجتناب من حين كشف الواقع، وإن احتمل لزومه من حين البعث . [1]
المحصور. فأما حجة التطوع، فإنه ينحر هديه، وقد أحل مما كان أحرم منه(1).
[1] قد مرّ أن المصدود في العمرة يجوز له ذبح الهدي أو نحره في مكانه، وبه وبالتقصير أو الحلق يتحلل من كل شيء حتى النساء; فإذا تحلل المصدود في العمرة وأتى النساء، ثم بان عدم الذبح في اليوم الموعود، ففي المتن لا إثم عليه ولا كفارة; لكن يجب عليه إرسال الهدي أو ثمنه ويواعد ثانياً.
وقد ورد في هذا الفرض روايات:
إحديها: صحيحة معاوية بن عمار ـ الطويلة ـ المشتملة على قول الصادق (عليه السلام) فإن ردوا الدراهم عليه ولم يجدوا هدياً ينحرونه وقد أحلّ، لم يكن عليه شيء، ولكن يبعث من قابل ويمسك أيضاً; ...(2).
ثانيتها: رواية زرارة ـ الطويلة أيضاً ـ المشتملة على السؤال عن أبي جعفر (عليه السلام) بقوله: قلت: إن ردوا عليه دراهمه ولم يذبحوا عنه، وقد أحلّ فأتى النساء، قال: فليعد
(1) الوسائل: أبواب الإحصار والصد، الباب الأول، ح6.
(2) الوسائل: أبواب الإحصار والصد، الباب الثاني، ح1.
(الصفحة448)
وليس عليه شيء، وليمسك الآن عن النساء إذا بعث(1).
ثالثتها: موثقة زرعة ـ المضمرة ـ المشتملة على قوله (عليه السلام) : وإن كان في عمرة نحر بمكة فإنما عليه أن يعدهم لذلك يوماً، فإذا كان ذلك اليوم فقد وفى، وإن اختلفوا في الميعاد لم يضره إن شاء الله تعالى(2). وغير ذلك من الروايات.
والمشهور هو وجوب الإمساك عليه إلى يوم الوعد. لكن ظاهر المحقق في الشرايع وخيرته في محكي النافع والعلامة في المختلف وبعض آخر عدم وجوب الإمساك، لأنه لا يكون محرماً ولا في الحرم. والرواية تحمل على الندب.
لكن لا وجه للحمل المزبور بعد ظهور الرواية في وجوب الإمساك، خصوصاً مع ظهور الآية في اعتبار بلوغ الهدي محله في التحلل في نفس الأمر، ولا فرق بين الحلق وغيره; فلو تحلل ولم يبلغ كان باطلا. كما قال به صاحب الجواهر (قدس سره) وقال أيضاً: ولا يستفاد من النصوص المتقدمة إلاّ عدم الضرر بالتحلل يوم الوعد، ولعله من جهة الإثم والكفارة، لكونه وقع بإذن الشارع فلا يتعقبه شيء من ذلك. ولكن ذلك لا يقتضي حصول التحلل في أصل الشرع ولو مع الانكشاف. بل لعل الأمر بالإمساك في الخبرين الأولين لذلك، فهو حينئذ محرم، فينبغي له الإمساك من حين الانكشاف.
لكن ذكر في المتن أن الأحوط لزوماً الاجتناب من حين كشف الواقع، وإن احتمل لزومه من حين البعث.
أقول: أما رواية زرارة فظاهرة في اللزوم من حين البعث; كما أن صحيحة
(1) الوسائل: أبواب الإحصار والصد، الباب الأول، ح5.
(2) الوسائل: أبواب الإحصار والصد، الباب الثاني، ح2.
(الصفحة449)
في ما لو برأ المريض
مسألة 13 ـ يتحقق الحصر بما يتحقق به الصد . [1]
مسألة 14 ـ لو برأ المريض وتمكن من الوصول إلى مكة بعد إرسال الهدي أو ثمنه، وجب عليه الحج. فإن كان محرماً بالتمتع وأدرك الأعمال، وإن ضاق الوقت عن الوقوف بعرفات بعد العمرة يحج إفراداً; والأحوط نية العدول إلى الإفراد، ثم بعد الحج يأتي بالعمرة المفردة ويجزيه عن حجة الإسلام. ولو وصل إلى مكة في وقت لم يدرك اختياري المشعر، تبدل عمرته بالمفردة; والأحوط قصد العدول فيتحلل، ويأتي بالحج الواجب في القابل مع حصول الشرائط. والمصدود كالمحصور في ذلك [2] .
معاوية بن عمار يمكن أن يقال بظهورها في ذلك، ولأجلهما يجري الاحتمال المذكور; لكن حيث إن وجوب الإمساك إنما يكون مرتبطاً بأصل العمرة والإحرام السابق فيها، لا أمراً تعبدياً يكون مقتضى الاحتياط اللزومي الاجتناب من حين كشف الواقع ـ كما أفاده صاحب الجواهر (قدس سره) أيضاً ـ فتدبر.
[1] قد مر الفرق بين الصد والحصر. فاعلم أنهما مشتركان فيما يتحققان به، فما يتحقق به الصد وما يتحقق به الحصر متساويان.
[2] غير خفي أن أدلة أحكام المحصر لا يكون الموضوع فيها مجرد المحصر، ولو لم
(الصفحة450)
يستمر الإحصار وارتفع; بل المراد به الإحصار المانع عن إتمام الحج أو العمرة اللذين أمر الله تعالى بإتمامهما في قوله: (وَأتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِِ...) (1) وحينئذ لو برأ المريض وتمكن من الوصول إلى مكة ـ وإن أرسل الهدي أو ثمنه ـ يجب عليه الحج، مع عدم ضيق الوقت عن الوقوف بعرفات بعد العمرة في حج التمتع ـ وقد مرّ الملاك في الضيق ـ . ولو فرض الضيق يحج إفراداً.
وقد ذكر الماتن (قدس سره) أن الأحوط نية العدول إلى الإفراد. وقد تقدم بعض الكلام فيما يشابه ذلك، فيمن منعها الحيض عن إتمام العمرة ـ أي: عمرة التمتع ـ والإتيان بالحج; فراجع. وبعد الحج يأتي بالعمرة المفردة ويجزيه عن حجة الإسلام.
وأما لو فرض أنه يصل إلى مكة في وقت لم يدرك اختياري المشعر، بناءاً على أن إدراكه يوجب صحة الحج. وقد ذكرنا أن إدراك اضطراري المشعر النهاري كاف في ذلك. وعلى أيّ فالمفروض عدم إدراك الحج الصحيح، فالحكم فيه أيضاً التبدل والإتيان بالحج الواجب في العام القابل، مع حصول الشرائط أو بقاء الاستطاعة إليه.
وقد وردت في هذا الباب، صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا أحصر الرجل بعث بهديه، فإذا أفاق ووجد في نفسه خفة، فليمض إن ظن أنه يدرك الناس، فإن قدم مكة قبل أن ينحر الهدي، فليقم على إحرامه حتى يفرغ من جميع المناسك ولينحر هديه، ولا شيء عليه. وإن قدم مكة وقد نحر هديه، فإن عليه الحج من قابل والعمرة. قلت: فإن مات وهو محرم قبل أن ينتهي إلى مكة، قال: يحج عنه إن كانت
(1) سورة البقرة (2): 196 .
(الصفحة451)
حجة الإسلام ويعتمر إنما هو شيء عليه(1).
والبحث في الرواية الصحيحة من جهات:
الاُولى: الظاهر أن المراد من قدوم مكة قبل نحر الهدي أو بعده هو إدراك المناسك وعدمه; لأنه الميزان والمعيار في الإجزاء وعدمه، ولا خصوصية في ذلك للذبح وعدمه.
الثانية: إن قوله (عليه السلام) «فإنّ عليه الحج من قابل والعمرة»، حكي عن الكافي العطف بـ «أو» دون «الواو»، وفي محكي التهذيب العطف بـ «الواو»، وفي محكي الوافي ذكر العطف بالواو، ولكن قيل إنه يظهر من بيانه وتفسيره أن الثابت هو العطف بـ «أو». واستظهر بعض الأعلام (قدس سرهم) أن نسخة التهذيب هي الصحيحة. فإن الكافي وإن كان أضبط، ولكن لا يمكن المصير إليه، لأن العطف بـ «أو» يقتضي التخيير، ولا معنى للتخيير بين الحج والعمرة، سواء كان قوله «من قابل» قيداً للعمرة أيضاً، أم لا.
أقول: لعل التعبير بـ «أو» إنما هو بلحاظ أن المفروض في كلامه مطلق الإحصار الشامل للحج والعمرة، وإن كانت قرائن هناك على أن المراد هو الإحصار في الحج، لكن المفروض فيها المطلق. ويؤيده السؤال في الذيل.
وعليه فالرواية تحكم بلزوم الحج عليه من قابل، لأن الحج أشهر معلومات أو العمرة، ولو فعلا لحصول التحلل بها عملا; بمقتضى قوله تعالى: (وَأتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِِ...) (2) فبيّنت الرواية حكم الإحصار في الحج وكذا الإحصار في العمرة،
(1) الوسائل: أبواب الإحصار والصد، الباب الثالث، ح1.
(2)
سورة البقرة (2): 196 .
(الصفحة452)
في إلحاق غير المتمكن بالمريض
مسألة 15 ـ لا يبعد إلحاق غير المتمكن ـ كالمعلول والضعيف ـ بالمريض في الأحكام المتقدمة. ولكن المسألة مشكلة، فالأحوط بقاؤه على إحرامه إلى أن يفيق. فإن فات الحج منه يأتي بعمرة مفردة ويتحلل، ويجب عليه الحج مع حصول الشرائط في القابل . [1]
وإن كان فيها تشويش; فتدبر.
الثالثة: قد مرّ البحث في أن المحرم إذا مات قبل دخول مكة، هل يجزيه ذلك أم عليه الحج أو العمرة؟ فراجع.
وكيف كان فلم يثبت أن الرواية تدل على أن التحلل في الحصر إنما يتحقق بالعمرة المفردة، فتدبر.
[1] قد مرّ أن المراد بالإحصار هو منع المرض من إتمام عمله، كما في الرواية الحاكية لعمرة الحسين (عليه السلام) وصيرورته مريضاً في السقيا.
فهل مطلق عدم التمكن لأجل المعلولية أو الضعف أو مثلهما ملحق بالمريض، في جريان أحكام الإحصار أم لا؟
ذكر في المتن بعد الحكم بأن المسألة مشكلة، بأن مقتضى الاحتياط الوجوبي بقاؤه على إحرامه إلى أن يفيق. وبعد حصول الإفاقة إن فات الحج منه يأتي بعمرة مفردة وبها يتحلل، وهذا لا يكون مجزياً عن حجه بوجه، بل هو واجب عليه مع الاستقرار أو الاستمرار، ولكنه بناء على ما ذكرنا من اَنّ، الإحصار مطلق المنع الداخلي،
(الصفحة453)
في وقت الميعاد
مسألة 16 ـ الأحوط أن يكون يوم الميعاد في إحرام عمرة التمتع قبل خروج الحاج إلى عرفات. وفي إحرام الحج يوم العيد . [1]
تكون هذه الموارد من مصاديق الإحصار، إذ من البعيد وقوعهما غالباً، خصوصاً بعد كون المركب في ذلك الزمان هو البعير نوعاً. والسقوط منه وانكسار العظم ونحوهما كان أمراً شايعاً. ومن البعيد عدم وقوع التعرض لحكمه في الروايات الكثيرة التي بأيدينا وكذا الضعيف. فمثل هذين الأمرين لو لم يكن مصاديق المرض بحيث يشمله عنوان الإحصار حقيقة، يكون ملحقاً به في حكمه.
وقد مرّ أن الآية الشريفة مع وقوع التعبير فيها بالإحصار يكون شأن نزولها هو صدّ المشركين لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في قصة الحديبية. فإذا كان الصد من مصاديق الإحصار، فكيف لايكون المعلول وكذا الضعيف مثله؟ فالظاهر هو ترتب أحكام الإحصار كالمريض من دون فرق أصلا. وقد عرفت أن في بعض الروايات أيضاً وقع التعبير بانكسار الساق في الإحرام، من دون التعبير بالإحصار; فراجع.
[1]
وجه الاحتياط الوجوبي الأول، أن الظاهر كون الهدي في إحصار عمرة التمتع أو صدها; والتحلل به قائماً مقام أصل الإتيان بالعمرة في حصول التحلل. فإذا كانت عمرة التمتع قبل الحج ووقتها قبل خروج الحاج إلى عرفات للإتيان بمناسك الحج وأعماله المتحققة شروعاً بالإحرام بعد الفراغ عن عمرة التمتع، فالأحوط لزوماً أن يكون يوم الميعاد في إحرام عمرة التمتع قبل خروج الحاج إلى عرفات للوقوف
(الصفحة454)
بها.
ووجه الاحتياط اللزومي في إحرام الحج مطلقاً ـ سواء كان حج التمتع أو القران والإفراد ـ أن يكون يوم العيد، دلالة كثير من الروايات المتقدمة عليه، مضافاً إلى أن الوسائل مستعدة للذبح أو النحر بمنى في يوم العيد فقط، وهذا بخلاف مكة. ومنه يظهر أنه لا وقت خاص من هذه الجهة للعمرة المفردة، بل محل الذبح أو النحر مكة المكرمة، في أي وقت شاء المريض أو المصدود، فتدبر. والحمد لله رب العالمين.
(الصفحة455)
خاتـمـة
هذا تمام الكلام فيما يتعلق بشرح كتاب الحج من (تحرير الوسيلة) للإمام الراحل الخميني (قدس سره) وقد وقع الفراغ من تسويد هذه الأوراق بيد العبد الحقير المفتاق محمد الفاضل اللنكراني عفي عنه وعن والديه بحق من يتعلق به هذا اليوم الذي هو يوم الأربعين من شهر صفر من شهور سنة 1418 من الهجرة القمرية النبوية، على مهاجرها آلاف الثناء والتحية، وأسأل الله تعالى أن يوفقني لإتمام هذا الشرح وتسويد سائر المجلدات، وإن كانت الموانع كثيرة ـ سيما المرض والكسالة بأنواع مختلفة ـ تمنع عن الوصول إلى ما هو المأمول. لكن القدرة الإلهية الكاملة فوق كل شيء وكل مانع، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمراً.
وينبغي في الختام التعرض لأمرين:
أحدهما: أن صاحب الجواهر (قدس سره) مع أنه قد استوفى البحث ظاهراً في مسائل الحج من جواهره، قال في ختام البحث: والحمد لله الذي يسر لنا هذا القدر من مسائل الحج، وله الشكر على ذلك أولا وآخراً وباطناً وظاهراً; وإلاّ فمسائل الحج أجل من أن تستقصى.
قال زرارة في الصحيح للصادق (عليه السلام) : جعلني الله فداك، اني أسألك في الحج منذ أربعين عاماً فتفتيني، فقال: يازرارة بيت يحج قبل آدم بألفي عام، تريد أن تفني مسائله في أربعين عاماً»(1).
ثانيهما: إنه كان في نيتي إلحاق جزء سادس بالأجزاء الخمسة. والمقصود منه التعرض لأمرين، لم يتعرض لهما الماتن (قدس سره)
(1) الوسائل: أبواب وجوب الحج، الباب الأول، ح 12 .
(الصفحة456)
أحدهما: حج القران والإفراد، والخصوصيات المعتبرة فيهما، وكذا الخصوصيات الفارقة بينهما، وكذا بينهما وبين حج التمتع; وإن كان بعضها مذكوراً في مطاوي المباحث المتقدمة.
وثانيهما: كفارات أنواع الصيد وأقسامه وما يتعلق به. فإنه لم يتعرض لها الماتن (قدس سره) مع أنه كان ينبغي، لكن قصور الوقت ولزوم الاشتغال بالمباحث الاُخرى التي وقع التعرض لها قد منعا عن ذلك. فاللازم للناظر المريد لاستقصاء البحث فيهما المراجعة الى الكتب المفصلة المتعرضة إن شاء الله تعالى.
|