الصفحة 161
الموجودة في العالم متفاوتة من حيث الخفّة جدّاً من طرف آخر فلا مانع من جعل الكثير طريقاً وأمارة أصلاً.
وبما ذكرنا يمكن الجمع بين نفس الروايات الكثيرة المتعارضة الواردة في خصوص التقدير بالأشبار بأن يقال: إنّ الحكم بالتقدير بالأقلّ من المقدار المشهور يمكن أن يكون لأجل خصوصية في المياه التي كانت موردة لابتلاء السائل، بها يبلغ المقدار الواقعي للكر ولو كان أقلّ من المقدار المشهور.
ويمكن الجمع بينها بنحو آخر وهو انّ الاختلاف بينها إنّما هو في نتيجة ضرب الأبعاد لا في نفس الأشكال المختلفة وإلاّ فهي متباينة، والمجعول علامة ليس هو النتيجة، ويؤيّد ذلك انّك لا تجد رواية من روايات الباب تعرّضت لذكر النتيجة، بل الجميع تضمّن التقدير بخصوص المسامحة الخاصة ولو كان المقصود التقدير بالنتيجة كان ذكرها هو المتعيّن فإنّه أخصر وأصرح وأفيد لكن لمّا كان تطبيق النتيجة من الاُمور الصعبة على أكثر الناس أهمل التعرّض لها فلم تجعل بياناً للمقدار ولا علامة على وجود المقدار أصلاً، وإنّما ذكر في البيان، الشكل الخاص لسهولة معرفته وترتّب الفائدة على بيانه، والأشكال كلّها متبائنات فلا مانع من أن يكون كلّ واحد منها علامة على وجود الكر المقدر حقيقة بالوزن لا انّه تقدير للكر.
ولكن الجمع بهذا النحو الأخير إنّما يتفرّع على كون موارد الروايات الواردة في الأشبار مختلفة من حيث الشكل الهندسي ولم يكن مورد واحد وشكل فارد قد ورد فيه روايتان مختلفتان وإلاّ فلا مجال لهذا الجمع وقد عرفت ثبوت الاختلاف في مورد واحد أيضاً، فالجمع الأوّل هو المتعيّن وإن حقّق الأخير صاحب المستمسك(قدس سره)فتدبّر جيّداً.
الصفحة 162
مسألة 15 ـ الماء المشكوك الكرية إن علم حالته السابقة يبنى على تلك الحالة، وإلاّ فالأقوى عدم تنجّسه بالملاقاة وإن لم يجر عليه باقي أحكام الكر1.
1 ـ لا خفاء في أنّ الماء المشكوك الكرية إن كانت حالته السابقة من القلّة أو الكثرة معلومة لكان اللاّزم البناء على تلك الحالة للاستصحاب الذي لا إشكال في جريانه في مثله.
وامّا مع عدم العلم بالحالة السابقة فقد قوى سيّدنا العلاّمة الاستاذ الماتن ـ دام ظلّه ـ عدم التأثّر بالملاقاة وإن لم يجر عليه باقي أحكام الكر، والوجه في عدم الانفعال بعد قصور شمول أدلّة الاعتصام وكذا أدلّة الانفعال للمقام لكونه شبهة مصداقية لكلتا الحجّتين هو جريان استصحاب الطهارة أو قاعدتها والتفكيك بينه وبين جريان سائر أحكام الكر ككفاية إلقائه على ما يتوقّف تطهيره على إلقاء الكر عليه أو زوال نجاسة المتنجّس المغسول به بإيقاعه فيه لا مانع منه بالإضافة إلى الأحكام الظاهرية كما في غيره من الموارد الكثيرة.
ولكن جماعة من الأصحاب ذهبوا إلى الانفعال ونجاسة الماء المشكوك الكرية لوجوه كثيرة قد تقدّمت مع جوابها في بعض المسائل السابقة كالتمسك بالعام في الشبهة المصداقية أو بقاعدة المقتضى والمانع أو بغيرهما.
ويمكن أن يورد على المتن بأنّ عدم جريان باقي أحكام الكر عليه لا يتمّ على إطلاقه فإنّه إذا ألقى الماء المشكوك الكرية على ماء متنجّس لا مانع من دعوى حصول الطهارة بسببه وإن لم تثبت كريته ولو بالأصل نظراً إلى أنّ المعتبر في المطهر ليست هي الكرية بل الاعتصام وعدم الانفعال بالملاقاة وذلك لما دلّ عليه التعليل في صحيحة ابن بزيع المتقدّمة الواردة في البئر الظاهرة في أنّ ثبوت المادّة المعتصمة وامتزاجها بالماء المتنجّس الموجود في البئر يكفي في طهارته وزوال نجاسته فإنّ
الصفحة 163
الماء المشكوك في المقام وإن لم تثبت كريته إلاّ انّه ثبت اعتصامه على ما هو المفروض فيكفي إلقائه في الماء المتنجّس لأجل التطهير وتحصل الطهارة له وكذا في كلّ مورد لم يكن للكرية موضوعية بل كان المناط هو الاعتصام وعدم التأثّر.
ولقائل أن يقول بأنّ هذا الايراد غير وارد على المتن لعدم الإشارة إلى مثله فيه، غاية الأمر الحكم فيه بعدم جريان باقي أحكام الكر عليه وظاهره الأحكام المترتّبة على الكر بعنوانه لا بما هو ماء معتصم، فالإيراد إنّما يردعلى مثل صاحب العروة(قدس سره)الذي صرّح بعدم الكفاية في المورد المذكور لا على مثل المتن فتأمّل.
الصفحة 164
مسألة 16 ـ إذا كان الماء قليلاً فصار كراً وقد علم ملاقاته للنجاسة ولم يعلم سبق الملاقاة على الكرية أو العكس يحكم بطهارته، إلاّ إذا علم تاريخ الملاقاة دون الكرية، وامّا إذا كان الماء كراً فصار قليلاً وقد علم ملاقاته للنجاسة ولم يعلم سبق الملاقاة على القلّة أو العكس فالظاهر الحكم بطهارته مطلقاً حتى فيما إذا علم تاريخ القلّة1.
1 ـ للمسألة صورتان:
إحداهما: ما إذا كان الماء مسبوقاً بالقلّة في زمان ثمّ طرء عليه حالتان: الكرية والملاقاة للنجاسة ولم يعلم المتقدّم والمتأخّر منهما.
ثانيتهما: ما إذا كان الماء مسبوقاً بالكرية في زمان ثمّ عرض عليه أمران: الملاقاة للنجاسة والقلّة وشكّ في السابق واللاّحق منهما.
امّا الصورة الاُولى ففيها مسائل ثلاث لأنّه امّا أن يكون الحادثان كلاهما مجهولي التاريخ وامّا أن يكون أحدهما كذلك وقد حكم في المتن بطهارة الماء في جميعها إلاّ فيما إذا كان تاريخ الملاقاة معلوماً دون الكرية والحكم فيه الانفعال والنجاسة.
امّا الحكم بالطهارة في مجهولي التاريخ فلأنّه بعد تعارض استصحاب عدم الكرية إلى زمان الملاقاة واستصحاب عدم الملاقاة إلى زمان الكرية كما هو مبنى الشيخ الأعظم الأنصاري(قدس سره) في مجهولي التاريخ حيث يقول بالجريان في نفسه والسقوط بالمعارضة يرجع إلى استصحاب الطهارة أو قاعدتها لأنّه لا مجال للرجوع إلى دليل الانفعال بعد عدم إحراز موضوعه حال تحقّق الملاقاة، كما أنّه بناءً على مبنى المحقّق الخراساني(قدس سره) في الكفاية من عدم جريان الاستصحاب في مجهولي التاريخ لقصور المقتضى وعدم إحراز اتصال زمان الشكّ باليقين يكون المرجع
الصفحة 165
قاعدة الطهارة أو استصحابها.
وقد حكى عن المحقّق النائيني(قدس سره) في حاشية العروة الحكم بالنجاسة في هذا الفرض نظراً إلى أنّ الاستصحاب وإن كان يجري في مجهولي التاريخ إلاّ انّه فيما إذا كان الأصلان مترتّباً عليهما أثر شرعي، وامّا إذا كان واحد منهما أو كلاهما غير واجد لهذا الشرط فلا مجال لجريانه والمقام كذلك لأنّ استصحاب عدم الكرية إلى زمان الملاقاة وإن كان مترتّباً عليه شرعاً نجاسة الماء إلاّ أنّ استصحاب عدم الملاقاة إلى زمان الكرية لا يترتّب عليه أثر في نفسه إلاّ بعد ضميمة انّ الملاقاة حصلت بعد الكرية وهو لا يثبت بالاستصحاب، فاستصحاب عدم الكرية إلى زمان الملاقاة يصير بلا معارض ولازمه الحكم بالنجاسة.
ويرد عليه انّ الأثر اللاّزم في جريان الاستصحاب لا ينحصر بالأثر الوجودي بل نفي ذلك الأثر أيضاً يكفي في جريانه واستصحاب عدم الملاقاة إلى زمان الكرية إنّما ينفي النجاسة المترتّبة على الملاقاة قبلها لأنّ الاستصحاب ينفي تحقّق هذه الملاقاة فلا يترتّب الحكم بالنجاسة كما هو ظاهر.
وامّا الحكم بالطهارة فيما إذا كان تاريخ الكرية معلوماً دون الملاقاة فيجتمع مع مبنى جريان الأصل في خصوص مجهول التاريخ وعدم جريانه في معلومه لأنّه ـ حينئذ ـ يجري استصحاب عدم الملاقاة إلى زمان الكرية بلا معارض، وكذا يجتمع مع مبنى جريان الأصل في كلّ من المجهول والمعلوم نظراً إلى أنّ عدم جريانه في المعلوم إنّما هو بالإضافة إلى اجزاء الزمان وعموده، وامّا بالنسبة إلى الحادث الآخر كما هو الموضوع للأثر شرعاً فهو مشكوك فيه لا محالة ولا مانع من جريان الأصل فيه أيضاً، وجه الاجتماع على هذا المبنى جريان الاستصحابين وسقوطهما بالمعارضة والمرجع ـ حينئذ ـ هي قاعدة الطهارة أو استصحابها.
الصفحة 166
وامّا الحكم بالنجاسة في عكس هذه الصورة وهو ما إذا كان تاريخ الملاقاة معلوماً دون الكرية فلا يجتمع إلاّ مع مبنى جريان الأصل في خصوص المجهول لأنّه ـ حينئذ ـ لا يجري إلاّ استصحاب عدم الكرية إلى زمان الملاقاة ولازمه الحكم بالنجاسة في خصوص هذه المسألة، وامّا بناءً على المبنى الآخر فاللاّزم الحكم بالطهارة في هذه الصورة أيضاً كما قد حكى عن بعض تعاليق العروة.
وبعض الأعلام وإن كان مختاره جريان الأصل في معلوم التاريخ أيضاً ولازمه ـ كما عرفت ـ الحكم بالطهارة في الفرض الأخير كالفرضين الأولين إلاّ انّه سلك مسلكاً آخر نتيجته الحكم بالنجاسة في جميع الفروض الثلاثة، وحيث إنّ هذا المسلك يجري في غير المقام أيضاً فلا بأس بنقله على سبيل التلخيص، فنقول: قال ـ دام بقاه ـ انّ الموضوع المتركّب من جزئين أو أكثر إن أخذ فيه عنوان انتزاعي زائد على ذوات الأجزاء كعنوان الاجتماع والمقارنة ونحوهما فلا يمكن في مثله إحراز أحد الجزئين بالأصل والآخر بالوجدان كما لا يبعد ذلك في الحكم بصحّة الجماعة فإنّ ما ورد في الروايات من أنّه إذا جاء الرجل مبادراً والإمام راكع أو وهو راكع وغيرهما ممّا هو بهذا المضمون ظاهر في اعتبار عنوان المعية والاقتران لإفادة الواو ذلك فإذا ركع المأموم وشكّ في بقاء الإمام راكعاً وأحرزنا أحدهما ـ وهو ركوع المأموم ـ بالوجدان فلا يمكننا إثبات المقارنة باجراء الأصل في ركوع الإمام.
وامّا إذا لم يؤخذ في الموضوع عنوان زائد على ذوات الأجزاء بل اعتبر أن يكون هذا الجزء موجوداً في زمان كان الجزء الآخر موجوداً فيه ففي مثله يمكن إحراز أحد الجزئين بالوجدان والآخر بالأصل فلا مانع في المثال من استصحاب بقاء ركوع الإمام إذ به يحرز أحد الجزئين والجزء الآخر ـ وهو ركوع المأموم ـ محرز بالوجدان ولا يمكن أن يتمسك في مثله باستصحاب عدم تحقّق ركوع المأموم في
الصفحة 167
زمان ركوع الإمام حتى يعارض استصحاب بقاء ركوع الإمام فيتحقّق التساقط لأنّه يرد عليه أوّلاً ـ النقض بالموارد التي نص على جريان الأصل فيه كمورد صحيحة زرارة المعروفة الواردة في الاستصحاب فإنّ استصحاب بقاء الوضوء إلى زمان تحقّق الصلاة معارض باستصحاب عدم تحقّق الصلاة في زمان الطهارة.
و ـ ثانياً ـ الحلّ بأنّ الاصالة المدّعاة لا أصل لها بعدما فرضنا انّه لا يعتبر في الموضوع شيء زائد على ذوات الأجزاء، فالاستصحاب الجاري إنّما هو استصحاب واحد فقط.
وفي المقام نقول: إنّ موضوع الحكم بالانفعال مركّب من الملاقاة وعدم الكرية، ولا ينبغي الإشكال في عدم اعتبار عنوان الاجتماع فيه قطعاً بأن يعتبر زائداً على الأمرين عنوان انتزاعي آخر فإنّ ظاهر قوله(عليه السلام) : «إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شيء» انّ ما ليس بكر تنجّسه ملاقاة شيء من النجاسات فالموضوع هو نفس القلّة والملاقاة، وعليه إذا أحرزنا الملاقاة بالوجدان فلا مانع من إحراز الجزء الآخر بالأصل ودعوى انّه معارض بأصالة عدم تحقّق الملاقاة في زمان عدم الكرية قد عرفت اندفاعها بأنّ الأصالة المذكورة ممّا لا أساس له إذ لا أثر شرعي ليترتّب على عدم الملاقاة في زمان القلّة بل الأثر مترتّب على وجود القلّة والملاقاة وقد أحرزناهما بالأصل والوجدان ومعهما نقطع بترتّب الأثر ولا يبقى شكّ في ترتّبه حتى يرجع إلى استصحاب عدم الملاقاة في زمان القلّة.
ويرد عليه: انّ موضوع الحكم بالانفعال وإن كان مركّباً من الأمرين: الملاقاة والقلّة من دون اعتبار عنوان انتزاعي آخر، إلاّ أنّه لا ينبغي الإشكال في اعتبار وجود أحد الجزئين في زمان وجود الآخر.
وبعبارة اُخرى إحاطة زمان واحد بالجزئين لا ريب في اعتبارها لأنّ جعل
الصفحة 168
الموضوع مركّباً لا مناص له من أن يكون كذلك ضرورة انّ وجود الملاقاة في زمان والقلّة في زمان آخر لا يكفي في ترتّب الحكم وـ حينئذ ـ نقول: إنّ ما أفاده من كون الملاقاة محرزة بالوجدان إن كان المراد به إحرازه في هذا الزمان فالمفروض انّ الكرية أيضاً محرزة في هذا الزمان لأنّ الشكّ ليس في أصل وجودهما بل في المتقدّم والمتأخّر منهما، وإن كان المراد به إحرازه في زمان تحقّقه فيرد عليه مضافاً إلى أنّ زمان تحقّق الملاقاة مجهول إلاّ في فرض واحد من الفروض الثلاثة المتقدّمة انّ في زمان الكرية أيضاً تكون الكرية محرزة، وإن كان المراد انّ الأثر الشرعي الوجودي قد رتّب على وجود الملاقاة والقلّة واستصحاب عدم الملاقاة في زمان عدم الكرية لا يكون مترتّباً عليه أثر شرعي لأنّ نتيجته نفي الانفعال فقد عرفت انّ عدم الحكم يكفي في ترتّب الاستصحاب كما اعترف به في مقام الجواب عن المحقّق النائيني(قدس سره) في كلامه المتقدّم، وإن كان المراد تقدّم هذا الأصل على معارضه كما يشعر به ذيل كلامه لأجل الحكومة والسببية والمسبّبية فمن الواضح انّه لا مجال لدعوى التقدّم والحكومة في مثل المقام، فالإنصاف انّه لا يتمّ ما أفاده في المقام والحقّ فيه هو التفصيل كما أفاده الماتن ـ دام ظلّه ـ هذا كلّه في الصورة الاُولى أعني الكر المسبوق بالقلّة.
وامّا الصورة الثانية ـ أعني القليل المسبوق بالكرية ـ ففيها أيضاً مسائل ثلاثة; لأنّه امّا أن يجهل تأريخهما أي القلّة والملاقاة، وامّا أن يعلم تاريخ أحدهما وقد حكم في المتن بالطهارة في جميع الفروض الثلاثة حتّى فيما إذا علم تاريخ القلّة، والوجه فيه أنّه مع العلم بتاريخ القلّة وإن كان الاستصحاب الجاري على مبنى الماتن هو استصحاب عدم تحقّق الملاقاة إلى زمانها إلاّ أنّه حيث لا يثبت به تحقّقها بعد القلّة فلا يترتّب عليه الحكم بالنجاسة والانفعال، فالمرجع هي قاعدة الطهارة أو
الصفحة 169
استصحابها ولا مجال لدعوى كون اصالة تأخّر الحادث أصلاً عقلائياً ولا يكون مبتنياً على الاستصحاب بوجه ونتيجتها إثبات التأخّر مع الشكّ فيه لعدم ثبوت هذه الدعوى أصلاً كما قد قرّر في محلّه.
وممّا ذكرنا ظهر انّه لا وجه للحكم بالنجاسة في هذا الفرض كما في العروة، إلاّ أن يقال باعتبار الاُصول المثبتة على خلاف التحقيق كما أنّه لا وجه للاحتياط بالتجنّب في الفرضين الأوّلين من هذه الصورة وكذا من الصورة الاُولى المتقدّمة لأنّه بعد الرجوع إلى قاعدة الطهارة أو استصحابها لا يبقى لهذا المورد خصوصية من جهة الاحتياط إلاّ إذا كان المراد هو الاحتياط الجاري في جميع موارد ثبوت احتمال النجاسة وإن كان على خلافه دليل أو أصل فتأمّل.
الصفحة 170
مسألة 17 ـ ماء المطر حال نزوله من السماء كالجاري فلا ينجس ما لم يتغيّر، والأحوط اعتبار كونه بمقدار يجري على الأرض الصلبة وإن كان كفاية صدق المطر عليه لا يخلو من قوّة1.
1 ـ من جملة المياه المعتصمة ماء المطر حال نزوله من السماء وقد ادّعى الإجماع بل اتّفاق المسلمين عليه كافّة في الجملة وانّ الخلاف إنّما هو في بعض الخصوصيات، وعليه فلا ينفعل إلاّ إذا حصل له التغيّر في أحد أوصافه الثلاثة بالتفصيل المتقدّم وتشبيهه بالجاري في مثل المتن إنّما هو في خصوص الاعتصام لا في جميع أحكامه الخاصة لعدم قيام الدليل عليه من آية أو رواية أصلاً والتشبيه بخصوص الجاري من بين المياه المعتصمة لأجل اشتراكه معه في صورة الجريان، غاية الأمر كون ماء المطر جارياً من السماء والجاري جارياً من الأرض فلا يتوهّم كون تخصيصه بالتشبيه به إنّما هو لإفادة جريان جميع أحكامه فيه وإلاّ لِمَ لم يتحقّق التشبيه بالكر مثلاً.
وكيف كان فقد وردت في الباب روايات يستفاد منها اعتصام ماء المطر:
منها: صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبدالله(عليه السلام) في ميزابين سالا: أحدهما بول والآخر ماء المطر فاختلطا فأصاب ثوب رجل لم يضرّه ذلك. ومفادها عدم انفعال ماء المطر بالاختلاط مع البول، ودعوى انّ إطلاق الرواية يشمل ما إذا كان البول أكثر من الماء فضلاً عمّا إذا كانا متساويين أو تحقّق التغيّر له في أحد الأوصاف الثلاثة، مدفوعة بأنّ سيلان ماء المطر من الميزاب يستلزم كثرته لأنّه لا يتحقّق إلاّ بعد الرسوب الكامل في السطح خصوصاً في السطوح القديمة وكثرته بنحو تجاوز منه إلى جانب الميزاب فيخرج منه، كما أنّ سيلان البول من الميزاب يستند غالباً إلى بول رجل أو صبي على السطح قريباً من الميزاب ضرورة انّ السطح لا يكون معدّاً
الصفحة 171
للبول وعلى تقديره فالأبوال لا تجتمع فيه دفعة فنفس فرض السؤال يدلّنا على كثرة ماء المطر وقلّة البول بنحو لا يؤثّر فيه بالتغيّر أصلاً كما هو ظاهر فلا مجال لدعوى الإطلاق حتى تحتاج إلى التقييد بالأدلّة الاُخرى.
ومنها: صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبدالله(عليه السلام) انّه سأله عن السطح يبال عليه فيصيبه السماء فيكف. فيصيب الثوب، فقال: لا بأس به ما أصابه من الماء أكثر منه.
قال في الوافي: اُريد بالسماء المطر، فإنّها اسم من أسماء المطر وإن اُريد بها معناها المتعارف فالمراد بإصابتها السطح إصابتها إيّاه بمطرها.
ومورد السؤال هي إصابة ماء المطر إلى السطح الذي يبال عليه والترشّح من السطح والإصابة إلى الثوب ولجواب بعدم البأس به الذي هي كناية عن عدم تنجّس الثوب ظاهر في اعتصام ماء المطر وعدم انفعاله بالملاقاة والإصابة إلى السطح المذكور فالجواب مع قطع النظر عن التعليل يكفي في إثبات الاعتصام لماء المطر.
وامّا العلّة الواقعة في الجواب فالظاهر انّ الضمير في «منه» الواقعة فيه يرجع إلى البول ومفادها ـ حينئذ ـ انّ الماء أكثر من البول وهو لا يستقيم لأنّ المدار ليس على الأكثرية ومقابلها مع أنّه لم يفرض في مورد السؤال وجود البول بالفعل حتى يقال إنّ الماء أكثر منه; لأنّ كون السطح يبال عليه لا يلازم وجود البول حال نزول المطر وإصابة السماء، إلاّ أن يقال: إنّ قوله: «فيكف» ظاهر في رسول البول إلى باطن السطح ووجوده فيه فيختلط مع ماء المطر.
والظاهر انّ المراد من العلّة ـ وإن كان إجمالها وعدم فهم المراد منها لا يقدح في الاستدلال بالرواية على المطلوب أصلاً كما لا يخفى ـ انّ الماء غالب على البول لا
الصفحة 172
بالغلبة الكمّية والمقدارية بل بالغلبة الحكمية بمعنى انّ ماء المطر يؤثّر في سلب البول عن التأثير ولا يتنجّس الثوب الذي أصاباه فهو غالب عليه فتدبّر.
ومنها: صحيحة علي بن جعفر، عن أخيه موسى(عليه السلام) قال: سألته عن البيت يبال على ظهره ويغتسل من الجنابة ثمّ يصيبه المطر، أيؤخذ من مائه فيتوضّأ به للصلاة؟ فقال: إذا جرى فلا بأس به، قال: وسأله عن الرجل يمرّ في ماء المطر وقد صبّ فيه خمر فأصاب ثوبه هل يصلّى فيه قبل أن يغسله؟ فقال: لا يغسل ثوبه ولا رجله ويصلّي فيه ولا بأس (به خ د). ودلالتها على الاعتصام في الجملة واضحة لا ينبغي الإرتياب فيها.
بقي الكلام فيما نسب إلى الشيخ الطوسي(قدس سره) من اعتبار الجريان في الميزاب في اعتصام ماء المطر وعدم انفعاله، وفيما نسب إلى ابن حمزة من اعتبار الجريان الفعلي فيه، وظاهر النسبة اعتبار الأمرين زائداً على صدق عنوان ماء المطر بمعنى انّه يشترط في الاعتصام كون ماء المطر واجداً لأمر زائد على عنوانه من الجريان من الميزاب أو مطلق الجريان الفعلي فيقع الكلام في الدليل عليه.
فنقول: امّا ما أفاده الشيخ(قدس سره) فبعد توضيحه بأنّه ليس مراده وجود ميزاب بالفعل وتحقّق الجريان منه بحيث لو لم يكن هناك ميزاب أصلاً كما في أرض الفلاة أو كان ميزاب السطح مسدوداً أحياناً أو لم يكن له ميزاب أصلاً لما كان الشرط بمتحقّق بل المراد هو بلوغ ماء المطر في الكثرة إلى حدّ لو كان هناك ميزاب ولم يكن مانع لتحقّق الجريان منه نقول إنّه لا دليل على اعتبار هذا الأمر أصلاً ومجرّد فرض الميزاب وسيّلانه في صحيحة هشام بن الحكم المتقدّمة لا دلالة له على اعتباره إلاّ أن يقال بأنّه وإن كان لا يدلّ على اعتباره إلاّ أنّه لا دلالة للصحيحة على أزيد من الحكم بالاعتصام في مثل موردها فالحكم به في غيره يحتاج إلى دليل ولكن الظاهر
الصفحة 173
وجود الدليل وهي غيرها من الروايات الخالية عن ذكر الميزاب.
وامّا اعتبار الجريان الفعلي:
فإن كان المراد ثبوت وصف الجريان على الأرض بالفعل مطلقاً بحيث لو كانت الأرض رملية لا يكون المطر فيها معتصماً لعدم جريانه في مثلها فيرده مضافاً إلى فساده لعدم إمكان الالتزام بتفاوت ماء المطر من حيث الأرض التي يصيبها، انّه لا دليل على اعتبار الجريان بهذا المعنى أصلاً.
وإن كان المراد به هو الجريان من السماء بمعنى عدم انقطاعه وبقاء تقاطره فهذا وإن كان ممّا لا ريب فيه كما سيظهر في المسألة الآتية إلاّ انّه لا يكون أمراً زائداً على عنوان ماء المطر.
وإن كان المراد به هو الجريان على تقدير النزول على الأرض الصلبة ويعبّر عنه بالجريان الشأني والتقديري كما نسب إلى المحقّق الأردبيلي وقد احتاط الماتن ـ دام ظلّه ـ اعتباره وإن قوى كفاية مجرّد صدق عنوان ماء المطر فلابدّ من ملاحظة انّ اعتبار ذلك هل هو لأجل مدخليته في صدق أصل العنوان بمعنى انّه مع عدمه لا يتحقّق عنوان ماء المطر بوجه أو لأجل قيام الدليل على اعتباره زائداً على أصل تحقّق العنوان؟ لا مجال للاحتمال الأوّل لأنّ صدق المطر لا يتوقّف على أن يبلغ في الكثرة إلى حدّ لو كانت نازلة على الأرض الصلبة لجرى عليها فربما يتحقّق عرفاً هذا الأمر من دون جريان أصلاً فهذا الاحتمال ساقط.
وامّا الاحتمال الثاني فالدليل الذي يمكن الاستدلال به هي صحيحة علي بن جعفر(عليه السلام) المتقدّمة المشتملة على قوله(عليه السلام) في الجواب: «إذا جرى فلا بأس به» فإنّ تعليق نفي البأس على ما إذا تحقّق الجريان زائداً على أصل تحقّق المطر يفيد اعتباره في الاعتصام وعدم التأثّر.
الصفحة 174
ويؤيّده الزيادة الواقعة في الرواية على نقل الحميري في قرب الاسناد وهي قوله: وسألته عن الكنيف يكون فوق البيت فيصيبه المطر فيكف فيصيب الثياب أيُصلّى فيها قبل أن تُغسل؟ قال: إذا جرى من ماء المطر فلا بأس. ورواية اُخرى لعلي بن جعفر(عليه السلام) عن أخيه موسى(عليه السلام) قال: سألته عن المطر يجري في المكان فيه العذرة فيصيب الثوب أيصلّى فيه قبل أن يغسل؟ قال: إذا جرى به (فيه خ د) المطر فلا بأس.
أقول: امّا صحيحة علي بن جعفر التي استدلّ بها فقد أجاب عنه في المصباح بأنّ المراد بالجريان فيه هو جريان الماء من السماء وعدم انقطاع المطر فالصحيحة تدلّ على أنّ اعتصام ماء المطر مختص بما إذا تقاطر من السماء. وقد احتملنا نحن أن يكون مراد القائل باعتبار الجريان الفعلي هذا المعنى.
وأجاب بعض الأعلام ـ بعد الايراد على جواب المصباح بأنّ الجريان لا يطلق على نزول المطر من السماء ـ بجواب آخر يرجع حاصله إلى أنّ اعتبار الجريان في مورد الرواية إنّما هو لخصوصية فيه لا تجري في غيره وهي انّ مورد السؤال فيها هو البيت الذي يبال على ظهره، وظاهره انّ ظهره اتّخذ مبالاً كما جرت عليه عادتهم في القرون المتقدّمة، ومن الواضح انّ مثله ممّا يرسب فيه البول وينفذ في أعماقه لكثرة البول عليه فإذا أنزل عليه مقدار من الماء ولم يجر عليه يتأثّر بآثار البول في السطح ويتغيّر بها لا محالة ولأجله اعتبر الجريان لئلاّ يقف فيتغيّر ولاسيما انّ السطح المتّخذ مبالاً لا يخلو عادةً من عين العذرة وغيرها من أعيان النجاسات.
وأنت خبير بأنّ حمل مورد السؤال على ما إذا اتّخذ ظهر البيت مبالاً خلاف الظاهر لأنّه ـ مضافاً إلى أنّ التعبير المتداول في مثله هو الكنيف ـ ينافيه السؤال عن الكنيف في ذيل الرواية على نقل الحميري لما عرفت من أنّ رواية الحميري لا
الصفحة 175
تكون رواية مستقلّة بل تتمّة لهذه الرواية، فحمل مورد السؤال على الكنيف ينافيه التكرار في الذيل.
ومن هذا يمكن استكشاف انّ المراد بالجريان المطلق في الصدر هو الجريان من ماء المطر كما في الذيل. ومن المعلوم انّ المراد من الذيل ليس إلاّ انّ القطرة أو القطرات المترشّحة من السقف إلى الثوب إن كانت من ماء المطر فلا بأس، وإن كانت من البول فلا، وعليه فلا دلالة للرواية على اعتبار الجريان زائداً على عنوان ماء المطر، نعم توهم الرواية انّه لابدّ في الحكم بعدم البأس من إحراز كونه من ماء المطر مع أنّه يكفي الشكّ في أنّه منه أو من البول ولكن ذلك أمر آخر لا يرتبط بالمقام، وعمدة الإشكال إنّما نشأت من جعل كلّ واحدة منهما رواية مستقلّة مع أنّهما رواية واحدة كما يظهر بالمراجعة إلى كتب الأحاديث ويؤيّد ما ذكرنا من عدم اعتبار الجريان بالمعنى الذي هو محلّ الكلام انّه(عليه السلام) لم يعلّق الحكم بعدم البأس في الجواب عن السؤال الثاني في الصحيحة بما إذا كان هناك جريان لأنّ المفروض في السؤال مرور الرجل في ماء المطر الذي أصابه خمر فلم يكن ـ حينئذ ـ حاجة إلى التقييد بالجريان فتأمّل.
وامّا الصحيحة الاُخرى لعلي بن جعفر فإن كان المراد من السؤال فيه هو جريان المطر من السماء ونزوله على مكان فيه العذرة فهذا ـ مع أنّه دليل على إطلاق الجريان على النزول من السماء فلا موقع ـ حينئذ ـ للإيراد على جواب المصباح بما تقدّم عن بعض الأعلام ـ يدلّ على كون المراد بالجريان في الجواب أيضاً ذلك، فالصحيحة لا تدلّ على أمر زائد بل مفادها انّ الاعتصام إنّما هو ما دام التقاطر من السماء والنزول منه ولم يتحقّق الانقطاع.
وإن كان المراد به هو نزول ماء المطر على مكان وجريانه منه إلى مكان آخر فيه
الصفحة 176
العذرة فالحكم باعتبار الجريان في الجواب لا يكون له أي ارتباط بالمقام كما لايخفى.
ثمّ لو سلّمت دلالة الروايات ـ بعضها أو كلّها ـ على اعتبار الجريان زائداً على تحقّق عنوان ماء المطر وصدقه فهل الترجيح معها أو مع الأدلّة الخالية عن اعتباره؟ الظاهر انّ صحيحة هشام بن سالم المتقدّمة المشتملة على التعليل أقوى من هذه الروايات لأنّ التعليل الذي فسّرناه بما تقدّم من غلبة الماء وإيجابه سلب التأثير عن البول ورفع النجاسة الناشئة منه أقوى ظهوراً من هذه الروايات لإفادته المناط والميزان في الحكم.
ولو فرضنا ثبوت المعارضة وعدم إمكان الجمع بينهما بحسب الدلالة فالترجيح أيضاً مع مثل صحيحة هشام لموافقتها لفتوى المشهور التي هي أوّل المرجّحات كما مرّ مراراً مع أنّه لم يثبت كون مراد القائل باعتبار الجريان ما هو المعروف في النسبة إليه فقد نفى البعد في المستمسك عمّا ذكره بعض المشايخ(قدس سره) من كون مراد الجماعة إلحاق ماء المطر الجاري على وجه الأرض بماء المطر النازل من السماء لدفع توهّم اختصاص الحكم بماء المطر حال نزوله، وانّه بعد نزوله واستقراره في الأرض يكون بحكم المحقون قال فيه: «وعبارة بعضهم لا تأبى عن ذلك ففي الوسيلة ـ بعد أن ذكر انّ الماء الجاري طاهر ومطهِّر ـ قال: وما يكون في حكم الجاري هو ماء الحمّام... إلى أن قال: وحكم الماء الجاري من الشعب من ماء المطر كذلك. وعن التهذيب والاستبصار ماء المطر إذا جرى من الميزاب فحكمه حكم الجاري».
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا انّه لا يشترط في الاعتصام زائداً على صدق عنوان ماء المطر شيء آخر، نعم لا ينبغي الارتياب في أنّ مجرّد قطرة أو قطرتين أو نحوهما لا يوجب تحقّق هذا العنوان أصلاً، وفي محكي روض الجنان: «كان بعض
الصفحة 177
من عاصرناه من السادة الفضلاء يكتفي في تطهير الماء النجس بوقوع قطرة واحدة عليه وليس ببعيد وإن كان العمل على خلافه» والظاهر انّ مقصوده الاكتفاء في التطهير بالقطرة من المطر النازل المتحقّق عرفاً لا الاكتفاء بها في صدق المطر فتدبّر.
الصفحة 178
مسألة 18 ـ المراد بماء المطر الذي لا يتنجّس إلاّ بالتغيّر; القطرات النازلة والمجتمع منها تحت المطر حال تقاطره عليه، وكذا المجتمع المتّصل بما يتقاطر عليه المطر، فالماء الجاري من الميزاب تحت سقف حال عدم انقطاع المطر كالماء المجتمع فوق السطح المتقاطر عليه المطر1.
1 ـ لا إشكال في أنّ نفس القطرات النازلة من السماء مصداق لماء المطر فتكون معتصمة إذا لم تكن يسيرة كالقطرة والقطرتين ونحوهما.
وكذا لا إشكال في أنّ المجتمع من تلك القطرات النازلة معتصم في حال ثبوت التقاطر عليه من السماء لصدق كونه ماء المطر بلا ارتياب وقد حكم في صحيحة هشام بن الحكم بالاعتصام في مثل ذلك لأنّ الماء المختلط من الميزابين اللذين أحدهما بول والآخر ماء المطر هو الماء المجتمع من تلك القطرات النازلة وكذا الصحيحة الاُولى لعلي بن جعفر الدالّة على جواز التوضّي بالماء المجتمع في البيت الذي يبال عليه ويغتسل فيه من الجنابة.
وامّا المجتمع المتّصل بما يتقاطر عليه المطر فالوجه في اعتصامه هو اتصاله بالماء المعتصم وكونه متّحداً معه فلا ينبغي الإشكال في اعتصامه أيضاً وإن كان ظاهر المتن كونه أيضاً ماء المطر وانّ اعتصامه إنّما هو لأجل صدق هذا العنوان عليه. ومال إليه في الجواهر حيث اكتفى في اعتصام المجتمع في لأرض بوجود التقاطر من السماء وإن لم يكن عليه وجعله ظاهر صحيح ابن الحكم وصحيح ابن سالم ومرسلة الكاهلي وغيرها، بل جعله ظاهر جميع ما ورد في ماء المطر وانّ ماء المطر كما يصدق على النازل حال نزوله يصدق على المستقر في الأرض وانّ اعتصام الثاني لأنّه ماء مطر لا لأنه متّصل بالنازل، نعم يشترط في ثبوت الحكم ـ مضافاً إلى وجود التقاطر ـ أن يكون متهيّئاً للتقاطر عليه فلو وضع في خابية وترك في بيت مثلاً لم يجر
الصفحة 179
الحكم المذكور عليه.
وأنت خبير بأنّ عنوان «ماء المطر» امّا أن يكون المراد به ما يكون كذلك بالفعل، وامّا أن يراد به الأعمّ منه وممّا كان أصله كذلك فعلى الأوّل لا مجال لدعوى كون المقام ماء المطر بعد عدم وجود التقاطر وانقطاعه كما هو المفروض واتصاله بما يتقاطر عليه لا يوجب اتّحادهما من حيث العنوان، بل يوجب مجرّد الاعتصام وعلى الثاني ـ الذي هو خلاف الظاهر ـ يلزم أن يكون جلّ المياه أو كلّها كذلك لما ستعرف من أنّ أصلها كان ماء المطر.
ثمّ الفرق بين صورة التهيّؤ للتقاطر وعدمه كما في كلام الجواهر حيث نفى عن جريان الحكم المذكور على الماء الموضوع في خابية وترك في بيت ـ مثلاً ـ ممّا لم يعلم له وجه أصلاً على كلا الاحتمالين.
نعم الإشكال في المجتمع من القطرات النازلة في حال انقطاع التقاطر وزوال النزول مع عدم بلوغه كراً وانّه هل يكون متّصفاً بالاعتصام أيضاً أم لا؟ والظاهر هو الثاني لأنّ إضافة الماء إلى المطر بيانية والمراد منه هو الماء المتّصف فعلاً بكونه مطراً لا الماء الذي كان في السابق كذلك لأنّه مضافاً إلى كونه خلاف الظاهر يكون لازمه الحكم باعتصام جلّ المياه بل كلّها لأنّ أصلها كان مطراً كما لا يخفى.
وقد وردت جملة من نصوص انفعال الماء القليل في الغدران وشبهها التي يكون مائها ماء المطر ابتداءً ولا دلالة في الروايات الواردة في اعتصام ماء المطر على عدم انفعال الماء المجتمع من القطرات النازلة حال انقطاع التقاطر وارتفاع النزول فإنّ سيلان الماء من الميزاب في مثل صحيحة هشام ملازم لبقاء التقاطر والنزول، وجواز التوضّي من الماء في صحيحة علي بن جعفر إنّما يكون لأجل اعتصامه حال نزوله وعدم تأثّره بملاقاة البول والجنابة أو المحلّ المتنجّس بهما لا لكونه معتصماً
الصفحة 180
بالفعل بحيث لا ينفعل بملاقاة جديد كما هو ظاهر وقد عرفت انّ الاعتصام في المجتمع المتّصل بما يتقاطر عليه المطر ليس لأجل كونه بالفعل ماء المطر بل لأجل الاتحاد مع الماء المعتصم وهو ماء المطر فلا ينتقض بالمقام.
ومنه يظهر صحّة التشبيه في المتن بالإضافة إلى الماء الجاري من الميزاب تحت سقف حال عدم انقطاع المطر وانّه كالماء المجتمع فوق السطح المتقاطر عليه المطر.
|