الصفحة 221
الحالات ولا فرق بينها أصلاً; لأنّ معنى الإطلاق كما قرّر في محلّه ـ عدم مدخلية القيود في موضوع الحكم وترتّب الأثر عليه ولا يكون راجعاً إلى العموم ـ كما توهّم ـ حتّى يشكل التمسّك بالإطلاق في جانب المفهوم لأنّه يصير ـ حينئذ ـ نظير العموم الثابت بالإضافة إلى أنواع النجاسات في أن نقيضه هو ارتفاع الحكم في البعض كما هو الشأن في نقيض السالبة الكلّية.
والظاهر انّه لو لم نقل بثبوت المفهوم في القضايا الشرطية ـ كما هو مقتضى التحقيق ـ فالحكم في المقام أيضاً كذلك لأنّ الموضوع للحكم بعدم الانفعال هو الماء البالغ ذلك الحدّ فبارتفاع قيد الموضوع يرتفع الحكم والمفروض عدم ثبوت دليل آخر يدلّ على قيام بعض القيود مقام ذلك القيد فبمجرّد ارتفاعه يرتفع الحكم مطلقاً ويكون الماء منفعلاً بأيّ وجه تحقّق التلاقي وأيّة خصوصية تخصّص. ولا فرق في ذلك بين الغسلة المزيلة لعين النجاسة والغسلة غير المزيلة لأنّ الكلام بعد فرض تنجّس الماء القليل بملاقاة الأعيان النجسة وما يقوم مقامها وهي المتنجّسات فلا فرق بين الغسلتين كما أنّه لا فرق بين الغسلة غير المطهّرة وبين الغسلة المطهِّرة كما لايخفى.
نعم يمكن أن يقال بعدم جواز التمسّك بتلك الأدلّة ولو قلنا بثبوت المفهوم أولاً وعدم كون الإطلاق راجعاً إلى العموم ثانياً لأنّ نقيض قوله: «لم ينجّسه شيء» إنّما هو تأثير بعض الأشياء ولو في بعض الحالات لعدم خروجه عن عنوان الشيئية في ذلك الحال إذ يصدق انّه نجّسه شيء، ألا ترى انّه لو قيل: «لا يقدر أحد على رفع هذه الصخرة ـ مثلاً ـ» فمع قدرة بعض الأشخاص ولو في بعض الأحوال تكون القضية كاذبة كما يظهر بمراجعة العرف فلا يمكن إثبات الإطلاق الاحوالي في ناحية المفهوم بعد صدق النقيض وتحقّقه بتنجيس بعض الأشياء في بعض الحالات، وعليه
الصفحة 222
فيمكن أن تكون تلك الحالة هي حالة ورود النجاسة على الماء دون العكس.
ويمكن أن يستشكل أيضاً بأنّه لو سلّم الإطلاق الاحوالي في ناحية المفهوم بجعل طرفي المناقضة عدم تأثّره بشيء، وتأثّره بشيء في جميع الأحوال لا في بعضها لكن لا نسلم تمامية مقدّماته التي من جملتها أن يكون المولى في مقام بيان جميع ما له دخل في الحكم، فإنّ الظاهر انّ المراد من تلك الأخبار المستفيضة إنّما هو بيان اعتصام الماء إذا بلغ حدّ الكر وعدم انفعاله، فالإطلاق الحالي ثابت في ناحية المنطوق فقط دون المفهوم لعدم كون المتكلِّم في مقام بيان انفعال الماء القليل المستفاد من المفهوم حتّى يتحقّق الإطلاق بالإضافة إلى الاحوال. وما ذكره الشيخ (قدس سره) من ثبوت العموم الافرادي في المفهوم بالنسبة إلى جميع أنواع النجاسات لأنّ المستفاد من الرواية انّ البلوغ إلى ذلك المقدار علّة منحصرة لعدم تنجّسه بكلّ واحد واحد من أنواع النجاسات وبارتفاعه يرتفع المعلول في جميعها فلا حاجة إلى ثبوت الإطلاق الاحوالي فيه أيضاً مدفوع ـ مضافاً إلى عدم صحّته لأنّ العلّية المنحصرة إنّما تستفاد على فرض الاستفادة ـ من التعليق وجعل القضية مشروطة والمفروض انّه لا يكون متعدّداً لأنّ المعلّق متعدّد لا انّ التعليق كذلك ـ بثبوت الحاجة إلى الإطلاق الاحوالي ـ حينئذ ـ أيضاً لأنّه لا ينحلّ إلى خصوصيات الاحوال كما في الأنواع ـ لو سلّم فيها ـ .
فالإنصاف انّ التمسّك في المقام بالمفهوم في غاية الإشكال فاللاّزم الاستدلال بالأخبار الواردة في الموارد الجزئية بالتقريب المتقدّم الذي يرجع إلى إلغاء الخصوصيات والكيفيات الحاصلة للملاقاة بنظر العرف فإنّ المتبادر عندهم انّ المؤثّر في الانفعال إنّما هي نفس الملاقاة من دون مدخلية أمر زائد عليها فهذا الدليل تامّ.
الصفحة 223
ومنها: الأخبار الظاهرة في نجاسة الغسالة بخصوصها وهي كثيرة:
مثل رواية العيص بن القاسم التي رواها الشهيد في محكي الذكرى والمحقّق في المعتبر قال: سألته عن رجل أصابته قطرة من طشت فيه وضوء فقال: إن كان من بول أو قذر فيغسل ما أصابه. وحكي عن الحدائق انّه بعد حكاية الرواية عن الشيخ في الخلاف اسند إلى البعض ثبوت ذيل لها وهو قوله: وإن كان وضوء الصلاة فلا يضرّه ولكنّه لم ينقل في الوسائل، ومقتضى إطلاق الرواية عدم الفرق بين أن يكون في الطشت عين البول أو القذر وبين أن لا يكون، مضافاً إلى أنّ إطلاق قوله(عليه السلام): من بول... يقتضي أن لا يكون هناك فرق بين ما إذا كانت عينه موجودة في المحلّ المغسول وبين ما إذا لم تكن بالفعل موجودة ولكن كانت نجاسته مستندة إليه ويؤيّده الذيل على ما زاده بعضهم كما هو ظاهر.
ولكن نوقش في الاستدلال بها من جهتين: السند والدلالة، امّا السند لأنّه لم يعلم انّ الشيخ(قدس سره) نقلها من كتاب العيص بنحو الوجادة لاحتمال أن ينقلها عن شخص آخر نقلها عن العيص وذلك الشخص مجهول عندنا، فالرواية مقطوعة ويؤيّده انّه لم يوردها إلاّ في الخلاف وهو لا يكون معدّاً لنقل الأخبار ككتابي التهذيب والاستبصار وكأنّه نقلها على وجه التأييد.
وامّا الدلالة فلأنّ الأمر بالغسل فيها مستند إلى نجاسة ما في الطشت لا إلى نجاسة الغسالة وتوضيحه انّه قد علّق الحكم بما إذا كان الوضوء من بول أو قذر والبول من الأعيان النجسة يبس أم لم يبس وكذا الحال في القذر لأنّه أيضاً بمعنى عين النجاسة من عذرة أو دم ونحوهما وفرق بين القذر بالفتح والقذر بالكسر وعلى هذا لابدّ في غسلهما من إزالة عينهما وبذلك يتنجّس الماء المزال به عين النجاسة لملاقاته لعين النجس، وامّا ما يصبّ على المتنجّس مستمرّاً أو ثانياً أو ثالثاً
الصفحة 224
فهو ماء طاهر يتنجّس بعد وقوعه في الطشت فنجاسة الماء فيه ممّا لا خلاف فيه حتى من القائلين بطهارة الغسالة فلا يمكن الاستدلال بالرواية للمقام.
أقول: امّا المناقشة في السند فيدفعها:
انّ ظاهر كلام الشيخ في محكي الخلاف حيث نسب الرواية إلى العيص بقوله: «روى العيص» وجدان الرواية في كتابه ومجرّد احتمال وجود الواسطة في البين وهو مجهول لا يوجب صيرورة الرواية مقطوعة لعدم حجّيته في مقابل الظهور وإلاّ لجرى هذا الاحتمال في جميع الروايات التي تكون بهذا النحو، نعم لو كان التعبير بمثل: «روى عن العيص» لكان لهذا الإشكال مجال ويظهر من الفهرست انّ طريق الشيخ إليه حسن بل صحيح وعدم تعرّض الشيخ للرواية في كتابي الاخبار لا دلالة له على عدم صلاحيتها للاعتماد وكون النقل في الخلاف بعنوان التأييد ضرورة انّه لم يلتزم بإيراد جميع الروايات في الكتابين مع ثبوت النظير للمقام كثيراً.
وامّا المناقشة في الدلالة فجوابها انّه ولو سلّم ثبوت العين للبول بعد جفافه ولم نقل بزوالها بعد اليبوسة لكنّه لم يكن في الرواية دلالة على أنّ غسالة الغسلة المزيلة للعين قد وقعت في الطشت حتى يناقش بما ذكر، بل مقتضى إطلاقها كون هذا الماء الواقع فيه مستعملاً في تطهير المحلّ من البول أو القذر سواء كان هي غسالة الغسلة المزيلة أم غيرها أو المجتمع منهما ودعوى انّ غير الغسلة المزيلة لا يصدق عليه غسالة البول والماء المستعمل في التطهير منه واضحة الفساد، وعليه فمقتضى إطلاق الرواية نجاسة الغسالة مطلقاً.
ورواية حمزة بن أحمد ـ المتقدّمة ـ عن أبي الحسن الأوّل(عليه السلام) قال: سألته أو سأله غيري عن الحمّام قال: ادخله بميزر وغضّ بصرك ولا تغتسل من البئر التي تجتمع فيها ماء الحمّام، فإنّه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب وولد الزنا والناصب لنا أهل
الصفحة 225
البيت وهو شرّهم.
وموثّقة عبدالله بن أبي يعفور عن أبي عبدالله(عليه السلام) في حديث قال: وإيّاك أن تغتسل من غسالة الحمّام ففيها تجتمع غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي والناصب لنا أهل البيت وهو شرّهم فإنّ الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب وانّ الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه، الحديث.
ويستفاد من قوله(عليه السلام) : «وهو شرّهم» انّ المقصود بالجنب في رواية حمزة هو الذي كان بدنه نجساً لأنّ الجنب الذي لا يكون كذلك ليس له شرّ أصلاً حتّى يكون الناصب شرّاً منه، وعليه فتعليل النهي من الاغتسال من غسالة الحمّام بأنّه تجتمع فيها غسالة الافراد المذكورة يدلّ على نجاسة الغسالة ضرورة انّه لو لم تكن غسالة النجس نجسة لم يكن وجه للتعليل بنجاستهم بل التعليل يدلّ على أنّ نجاسة الغسالة كانت معهودة عند المخاطب والدليل عليه اكتفائه(عليه السلام) بمجرّد اجتماع غسالة النجس فيها.
وربّما أورد على الروايتين بمعارضتهما مع ما دلّ على طهارة ماء الحمّام واعتصامه وكونه بمنزلة الماء الجاري، ولكن فساد هذا الإيراد واضح لما ذكرنا مراراً من أنّ المراد من ماء الحمّام الذي حكم عليه بالاعتصام هو الماء الموجود في الحياض الصغيرة وغسالة الحمّام خارجة عن مائه، كما أنّ الماء الموجود في الخزانة قبل أن يجري إلى الحياض ويجتمع فيها لا يكون ماء الحمّام بوجه فهذا الايراد ظاهر الفساد.
كما أنّه أورد على رواية حمزة بظهورها في نجاسة ولد الزنا وغسالته وإن لم يكن اغتساله من الجنابة مع أنّه لم يقم عليه دليل، ولكن هذا الايراد لا يمنع عن جواز الاستدلال بالرواية بالإضافة إلى الجنب أصلاً كما لا يخفى.
الصفحة 226
وأورد على الموثّقة بأنّ موردها هي غسالة نجس العين وهي خارجة عن مورد النزاع لأنّ مورده إنّما هو الماء المستعمل في التطهير، المنفصل عن المحلّ المتنجّس، وامّا غسالة نجس العين فلم يقل أحد بطهارتها ضرورة انّ مورد كلام صاحب الجواهر(قدس سره) القائل بالطهارة مطلقاً هي غسالة غير نجس العين ويؤيّده ما أفاده المحقّق(قدس سره) في معنى الغسالة من أنّها هي ما يستعمل في غسل الأخباث فالموثّقة خارجة عن محلّ البحث.
ويدفع هذا الايراد أيضاً ـ مضافاً إلى جريان بعض الوجوه المذكورة في الجواهر للقول بالطهارة في غسالة نجس العين أيضاً ـ كما سيجيء ـ انّ مناط الاستدلال بالموثّقة إنّما هو التعليل الوارد فيها الدالّ على أنّ الوجه في النهي إنّما هو اجتماع غسالة النجس فيها، ومن المعلوم صدق النجس في مورد النزاع من دون فرق بين الغسلة المزيلة والمطهّرة لأنّ المراد بالنجس في لسان الأخبار هو ما يجب التحرّز والاجتناب منه لا خصوص الأعيان النجسة وإطلاق المتنجّس على غيرها اصطلاح من الفقهاء كما تقدّم سابقاً.
ومن الروايات التي يمكن الاستدلال بها لهذا القول ـ أي النجاسة ـ موثّقة عمّار الساباطي عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: سُئل عن الكوز والإناء يكون قذراً كيف يغسل؟ وكم مرّة يغسل؟ قال: يغسل ثلاث مرّات يصبّ فيه الماء فيحرَّك فيه ثمّ يفرّغ منه ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه ثمّ يفرغ ذلك الماء ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه ثمّ يفرغ منه وقد طهر. فإنّ ظاهرها انّ الطهارة متفرّعة على إفراغ الماء الثالث منه فلو كانت غسالة النجس طاهرة لما احتاج في حصول الطهارة إلى إفراغه بل تحصل الطهارة للكوز والإناء بمجرّد صبّ الماء الثالث فيهما وتحريكه.
ودعوى انّ الأمر بإفراغ الماء عن الإناء في المرتبة الثالثة أيضاً إنّما هو لتوقّف
الصفحة 227
تحقّق عنوان الغسل عليه، مدفوعة بوضوع تحقّق الغسل بدون الافراغ والأمر به في المرتبتين الأوليين أيضاً إنّما هو لأجل ذلك أي نجاسة الغسالة وإن كان من المحتمل أن يكون الوجه فيه عدم تحقّق الغسل البعدي بدون إفراغ الماء من الغسل القبلي ولكن هذا الاحتمال لا يجري في المرتبة الثالثة بل المتعيّن فيها هو كون الوجه نجاسة الغسالة، وعليه فهذه الرواية تدلّ بالصراحة على عدم الفرق في نجاسة الغسالة بين الغسلة المزيلة والمطهّرة أصلاً كما لا يخفى.
ومنها: رواية سماعة عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: إذا أصاب الرجل جنابة فأراد الغسل فليفرغ على كفّيه وليغسلهما دون المرفق ثمّ يدخل يده في إنائه ثمّ يغسل فرجعه ثمّ ليصبّ على رأسه ثلاث مرّات ملأ كفّيه ثمّ يضرب بكفّ من ماء على صدره وكفّ بين كتفيه، ثمّ يفيض الماء على جسده كلّه، فما انتضح من مائه في انائه بعدما صنع ما وصفت فلا بأس.
فإنّ ظاهرها انّ الانتضاح لو كان قبل صنعه ما وصفه(عليه السلام) لكان بأس بالماء الموجود في الاناء، ومن المعلوم انّ صبّ الماء على الرأس وضربه على الصدر والكفّين لا مدخلية لها في رفع البأس عن الماء بل المؤثّر إنّما هو غسل الفرج واليدين على فرض نجاستهما بمعنى انّ الانتضاح لو كان بعد غسلها فلا يوجب نجاسة الماء بخلاف ما لو كان في حال غسلها، وهذا ظاهر في نجاسته في هذه الصورة لأنّها المراد بالبأس في أمثال المقام كما هو ظاهر.
ويؤيّد هذا القول رواية عبدالله بن سنان المتقدّمة في بحث الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر حيث تدلّ على أنّ الماء الذي غسل به الثوب ـ والمراد به هو الثوب المتنجّس كما مرّ ـ لا يصحّ استعماله في الوضوء وأشباهه، ولو كانت الغسالة طاهرة لم يكن وجه لمنع استعمالها في الوضوء وإن كان يمكن أن يقال بأنّ المنع حكم تعبّدي
الصفحة 228
غير مستند إلى النجاسة ومن هنا حكم جماعة بطهارة ماء الاستنجاء ومنعوا عن استعماله في رفع الحدث لكن قد عرفت ضعف سند الرواية.
وامّا القول الثاني ـ وهو الطهارة مطقاً ـ فقد استدلّ عليه ـ مضافاً إلى أنّه يكفي فيه مجرّد قيام الدليل على النجاسة لأنّ مقتضى الأصل والعمومات هي الطهارة كما مرّ مراراً ـ بوجوه:
منها: أنّه يشترط في المطر أن يكون طاهراً لأنّ فاقد الشيء لا يعقل أن يكون معطياً له، فلو قلنا بنجاسة الماء بمجرّد ملاقاته مع المحلّ المتنجّس فكيف يمكن أن يكون مطهّراً له؟!
وفيه انّ المراد باعتبار طهارة المطهر إن كان هو اعتبار طهارته ولو بعد الفراغ عن التطهير فهو أوّل الكلام لأنّه مورد النزاع في المقام، وإن كان المراد اعتبار طهارته قبل استعماله في التطهير فنحن لا ننكره ولكن لا يثبت به المدّعى بوجه.
ومنها: انّه لا إشكال في أنّ المتنجّس فلا يمكن أن يكون مطهّراً لاستحالة أن يكون الشيء علّة لشيء ولضدّه أو نقيضه أيضاً، وـ حينئذ ـ لو قلنا بنجاسة الماء بمجرّد ملاقاته مع الخبث فاللاّزم سراية النجاسة منه إلى المحلّ لكونه نجساً والنجس منجّس فكيف يمكن أن يكون مع ذلك مطهّراً للمحلّ أيضاً.
وفيه انّ الأمر هنا دائر بين التخصيصين: امّا التخصيص في أدلّة انفعال الماء القليل بإخراج هذا الماء عن تحتها كما تقولون به، وامّا التخصيص في قاعدة «المتنجّس منجّس» لأنّه امّا أن يقال بطهارة الماء الوارد على النجس الملاقى له فيلزم التخصيص في أدلّة الانفعال، وامّا أن يقال بنجاسته فيلزم التخصيص في القاعدة، والأوّل ليس بأولى من الثاني لو لم نقل بأولويته من الأوّل لأنّ التخصيص الثاني لا يعدّ تخصيصاً بنظر العقلاء فإنّه لا يتوهّم أحد سراية النجاسة من الماء
الصفحة 229
المتأثّر عن المحلّ النجس إليه فخروج مثل هذا القسم إنّما هو على نحو التخصّص.
ومنها: انّ الماء الواحد له حكم واحد ـ إجماعاً ـ ومن المعلوم انّه لا إشكال في طهارة الأجزاء الباقية من الماء في الثوب بعد عصره بما هو المتعارف فلو قلنا بنجاسة الأجزاء الخارجة عنه بالعصر يلزم اختلاف حكم الماء الواحد وقد فرض انعقاد الإجماع على خلافه، وهكذا لا إشكال في طهارة القطرات الباقية على البدن بعد التطهير كما هو المسلّم عند المتشرّعة ولو قلنا بنجاسة الماء المنفصل عنه يلزم أيضاً ما ذكر من اختلاف حكم الماء الواحد.
وفيه انّا نمنع الوحدة بالنسبة إلى الأجزاء الباقية في الثوب والأجزاء الخارجة عنه بالعصر فإنّ هذه الأجزاء تكون أجزاء الثوب واسطة بينها، والأجزاء المنفصلة إنّما تجتمع بالعصر لا انّها مجتمعة ولو قبله و ـ حينئذ ـ ثبوت الطهارة بالنسبة إلى الأجزاء الباقية لا يستلزم ثبوتها بالنسبة إلى الأجزاء المنفصلة بعد عدم اجتماعهما قبل العصر فضلاً عن بعده. هذا بالنسبة إلى الثوب.
وامّا القطرات الباقية على البدن فلا ريب في أنّها زائدة على ما يتحقّق به مسمّى الغسل فإنّ التطهير يسمّى الغسل ممّا لا يكاد يتّفق عادة بل تكون الغسلات زائدة غالباً على ما يتحقّق به مسمّاها و ـ حينئذ ـ فطهارتها إنّما هي لعدم كونها ملاقية للنجس ولا للمتنجّس لفرض طهارة المحلّ بمجرّد تحقّق المسمّى، وكون بناء المتشرّعة على عدم التجنّب عن الأجزاء الباقية إنّما هو لذلك.
وإن شئت فقل في الجواب عن هذه الوجوه الثلاثة في مثل الثوب انّه ليس لماء الغسالة أكثر من حالتين: الاُولى قبل الملاقاة والثانية بعد الانفصال عن المحلّ، امّا بعد الملاقاة وقبل الانفصال فليس هناك ماء أصلاً حتّى يحكم عليه بالنجاسة أو الطهارة وذلك لفناء الماء واستهلاكه في الثوب وأمثاله ممّا يكون قابلاً للعصر وإذا لم
الصفحة 230
يكن موضوع فلا حكم وبه يتّضح الجواب عن الجميع لأنّ العصر على هذا لا يكون منجّساً بل كان موجباً لوجود الموضوع وهو الماء فيحكم عليه بالنجاسة بمقتضى أدلّة الانفعال ولا يكون الماء عين الملاقاة فاقداً للطهارة حتى لا يعقل أن يعطيها وليس لنا ماء أصلاً بعد الملاقاة وقبل العصر كي تسري نجاسته إلى المحل فهذه الوجوه الثلاثة غير تامّة.
ومنها: الأخبار الواردة في طهارة ماء الاستنجاء بتقريب انّه لا خصوصية لها بنظر العرف فلا فرق عندهم بين أن يكون الماء مستعملاً في غسل محلّ النجو، وبين أن يكون مستعملاً في تطهير غيره بل الثاني أولى من ماء الاستنجاء من جهة عدم عروض النجاسة له كما لا يخفى.
وأنت خبير بأنّه لا يجوز إلغاء الخصوصية من تلك الأخبار بعد ملاحظة انّ الشارع قد وسع في الاستنجاء حتى جوّزه بالأحجار وبغيرها فيمكن أن تكون طهارة مائه أيضاً حكماً مختصّاً به فلا يجوز قياس الغير إليه، وأيضاً فلا إشكال في أنّ الثوب إذا تنجّس بالبول يجب صبّ الماء عليه مرّتين ـ كما هو المشهور بل كاد أن يكون إجماعياً ـ مع أنّه أفتى بعض المحقّقين من الفقهاء كالمحقّق(قدس سره) بأنّه يكفي في غسل محلّ البول إذا خرج منه صبّ مثلي ما على الحشفة مرّة واحدة فمن هذا ونظائره يحصل الاطمئنان بأنّ غالب أحكامها إنّما هو للتوسعة ورفع التضييق لكثرة الابتلاء بهما ومعه لا يبقى مجال لإلغاء الخصوصية.
نعم قد يتمسّك بالتعليل الوارد في بعض تلك الأخبار وهو ما رواه الصدوق في العلل عن أبيه عن سعد بن عبدالله، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن يونس بن عبد الرحمن عن رجل عن الغير أو عن الأحول انّه قال لأبي عبدالله(عليه السلام) في حديث: الرجل يستنجي فيقع ثوبه في الماء الذي استنجى به فقال: لا
الصفحة 231
بأس، فسكت فقال: أوتدري لِمَ صار لا بأس به؟ قال: قلت: لا والله، فقال: إنّ الماء أكثر من القذر.
وفيه ـ مضافاً إلى جهالة بعض رواته ـ انّ الأخذ بعموم التعليل الظاهر في انّه كلّما كان الماء أكثر من القذر فهو طاهر ممّا لم يقل به أحد حتّى العماني، فإنّ الظاهر انّه يقول بالطهارة في خصوص ما إذا كان الماء الذي هو أكثر من القذر باقياً على حقيقته غير منقلب عنها إلى حقيقة اُخرى، وـ حينئذ ـ يدور الأمر بين رفع اليد عن العموم والأخذ بقول العماني، وبين تخصيصه بمطلق ماء الغسالة، وبين التخصيص بخصوص ماء الاستنجاء والأوّل لا يقول به المستدلّ ولا ترجيح للثاني على الثالث كما هو ظاهر.
ومنها: رواية محمد بن النعمان عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: قلت له: أستنجي ثمّ يقع ثوبي فيه وأنا جنب؟ فقال: لا بأس به. بتقريب انّ المراد بقوله: «وأنا جنب» هو وجود شيء من المني على الفرج المغسول في حال الاستنجاء فيكون الماء الواقع فيه الثوب غسالة للجنابة أيضاً فحكم الإمام(عليه السلام) بنفي البأس الذي مرجعه إلى طهارة الماء يرجع إلى الحكم بطهارة الغسالة.
وفيه ـ مضافاً إلى أنّ ظاهر عبارة السؤال انّ الجنابة إنّما هي في حال وقوع الثوب في الماء وهو متأخّر عن الاستنجاء كما يظهر من التعبير بكلمة «ثم» وـ حينئذ ـ يكون مضمون السؤال مشوشاً ولا يجوز الاستناد إليه ـ انّا ولو سلّمنا انّ المراد هو الاستنجاء في حالة الجنابة لكن لا دليل على كونها كناية عن وجود شيء من المني على الفرج إذ لا ملازمة بينها وبينه لإمكان طهارة بدن الجنب، وـ حينئذ ـ فالتقييد به في السؤال لعلّه لأجل انّه يحتمل السائل أن تكون الجنابة موجبة لرفع ما كان معلوماً عنده من طهارة ماء الاستنجاء لاحتمال أن يكون ذلك
الصفحة 232
مختصّاً بما إذا لم يكن المستنجى جنباً فتدبّر.
ومنها: مرسلة الواسطي عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن الماضي(عليه السلام) قال: سُئل عن مجتمع الماء في الحمّام من غسالة الناس يصيب الثوب؟ قال: لا بأس. بتقريب انّ غسالة الحمّام لا تنفك غالباً عن الماء المستعمل في إزالة النجاسة.
وفيه ـ مضافاً إلى الإرسال ـ انّ الظاهر انّ المراد بالناس هو العامة وغرض السائل انّ غسالة العامّة ـ من حيث إنّهم كذلك ـ هل تكون نجسة أم لا فالجواب بنفي البأس لا يرتبط بالمقام بوجه.
ومنها: رواية محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الثوب يصيبه البول قال: اغسله في المركن مرّتين فإنّ غسلته في ماء جار فمرّة واحدة. ومثلها الروايات الواردة في كيفية غسل الفراش ونحوه ممّا فيه الحشو إذا أصابه البول ـ وقد جمعها في الوسائل في الباب الخامس من أبواب النجاسات ـ ولكن لا دلالة بل ولا إشعار في شيء منها على طهارة الغسالة مضافاً إلى ما في بعضها من ضعف السند.
وقد يتمسّك أيضاً على طهارة الغسالة ـ تارة ـ بلزوم الحرج والعسر الشديد على تقدير كونها محكومة بالنجاسة وأدلّة نفي الحرج ترفعها، و ـ اُخرى ـ بعدم تعرّض القدماء من الأصحاب ـ رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ـ لمسألة الغسالة مع كونها من المسائل التي تعمّ بها البلوى، ومن ذلك يستكشف عدم كونها محكومة بالنجاسة وإلاّ لكان اللاّزم التعرّض لها مع شدّة الابتلاء بها كما لا يخفى.
ويرد على الأوّل ـ مضافاً إلى منع الصغرى فإنّه لا يلزم حرج أصلاً كيف والمشهور بين الفقهاء هو القول بالنجاسة على ما عرفت ـ انّه لو سلّمنا لزوم الحرج والعسر فاللاّزم الاقتصار عل يخصوص مورد لزومه فكلّ من كان الاجتناب عن الغسالة حرجياً بالإضافة إليه لا بأس له بترك الاجتناب كما في سائر النجاسات
الصفحة 233
ولا يختص بالغسالة ، والحرج النوعي لا دليل على عدم جعله أصلاً.
وامّا عدم تعرّض الأصحاب فـ ـ مضافاً إلى أنّه لا تصير حجّة على الطهارة لعدم تعرّضهم لكثير من المسائل التي تعمّ بها البلوى ـ انّا نمنع عدم التعرّض لأنّ المقام من فروع مسألة الماء القليل الذي حكموا فيه بالنجاسة فاكتفوا بها عن ذكر خصوصيات المصاديق والموارد.
وقد انقدح ممّا ذكرنا عدم تمامية القول بالطهارة لعدم تمامية شيء من أدلّته.
وامّا القول الثالث الذي اختاره صاحب العروة وهو التفصيل بين الغسلة المزيلة والغسلة غير المزيلة فيمكن الاستدلال له بانصراف أدلّة انفعال الماء القليل إلى النجاسات العينية والنصوص الدالّة على تنجّسه بالمتنجّس إنّما تكون في موارد خاصة والمقام ليس منها فأدلّة الانفعال قاصرة عن الشمول للغسلة غير المزيلة بل ربّما يزاد ويحكم فيها بالطهارة من دون احتياط نظراً إلى أنّ البناء على النجاسة يستلزم تخصيص ما دلّ على عدم مطهّرية النجس وليس هو أولى من تخصيص ما دلّ على انفعال القليل وحيث لا مرجح يسقطان معاً ويرجع إلى استصحاب الطهارة.
ولكن قد عرفت سابقاً في البحث عن تنجيس المتنجّس انّ دعوى الانصراف في أدلّة الانفعال ممنوعة ولا فرق بين النجاسات العينية وغيرها، كما أنّه قد مرّ انّ المراد من قاعدة عدم مطهّرية النجس عدم مطهّرية ما كان نجساً قبل الاستعمال لا ما صار نجساً به فلا وجه للتخصيص في أدلّة الانفعال أصلاً.
وامّا القول الرابع الذي اختاره بعض الأعلام وهو التفصيل بين الغسلة غير المتعقبة وبين الغسلة التي تتعقّبها الطهارة فاستدلّ له ـ مضافاً إلى عدم جريان شيء من أدلّة نجاسة الغسالة في الغسلة المتعقّبة فاللاّزم فيها الرجوع إلى الأصل والعموم
الصفحة 234
الدالّ على الطهارة ـ بأنّ الالتزام بنجاسة الغسالة ـ حينئذ ـ يستلزم الالتزام بأحد محذورين فامّا أن نلتزم بطهارة الماء القليل حين ملاقاته للمتنجّس وما دام في المحل ويحكم بنجاسته عند انفصاله عنه بالعصر أو بغيره، وامّا أن نقول بانفعاله من حين وصوله للمتنجّس ونجاسته مطلقاً قبل انفصاله عنه وبعده إلاّ انّ خروجه من المتنجّس يوجب الحكم بطهارة المتنجّس كما هو صريح بعضهم ولا يمكن الالتزام بشيء منهما.
امّا الأوّل فلأنّ القليل لو كان محكوماً بالطهارة حال اتّصاله بالمتنجّس لم يكن وجه لنجاسته بعد الانفصال فلنا أن نسأل عن انّه لماذا تنجّس بعد خروجه عن المحلّ مع فرض طهارته قبل الانفصال، ودعوى انّ السبب إنّما هي الملاقاة وأدلّة الانفعال، مدفوعة بأنّ مفهوم أخبار الكر إنّما يدلّ على النجاسة من حين الملاقاة ولا دلالة لها على الانفعال بعد الملاقاة بزمان من دون أن يتنجّس به حينها.
وامّا الثاني فلأنّ طهارة المحلّ مع فرض نجاسة الماء المستعمل في تطهيره أمر بعيد وكيف يطهر بغسله بالماء النجس وذلك لأنّا إذا بنينا على نجاسة الماء حال اتصاله بالمتنجّس لزم الحكم بنجاسة المقدار المتخلّف منه في الثوب بعد عصره وانفصال غسالته فإنّ الماء لا ينفصل عن الثوب بتمامه ومع نجاسته كيف يحكم بطهارة المحلّ فلا مناص من الحكم بنجاسته فهذا الوجه كالوجه السابق بعيد عن الأنظار العرفية وإن كانا غير مستحيلين عقلاً بحيث لو قام دليل على طهارة الثوب بذلك لم يكن مانع من الالتزام بطهارة المحلّ ونجاسة الغسالة.
والجواب عن هذا القول انّه لا مناص من الالتزام بنجاسة الغسالة في المتعقبة أيضاً لقيام الدليل العام والخاص عليه: امّا الدليل العام فهو أدلّة انفعال الماء القليل وشمولها للغسلة المتعقبة أيضاً، ودعوى البُعد عن الأنظار العرفية يدفعها انّ البعيد
الصفحة 235
هو كون الماء المتنجّس قبل التطهير موجباً لطهارة المحلّ، وامّا الماء الطاهر المستعمل في التطهير فلا مانع من اكتسابه النجاسة من المحلّ، كما أنّ المحلّ يكتسب الطهارة منه ففي الحقيقة يكون التطهير بمثل هذا الماء موجباً لأن يكتسب كلّ واحد من الماء والمحلّ وصف الآخر فيصير الماء نجساً والمحلّ طاهراً وإن كان قبل التطهير عكس ذلك، والمقدار المتخلّف منه في الثوب بعد العصر وانفصال الغسالة لا يعدّ ماء عرفاً لأنّ المفروض تحقّق العصر بالنحو المتعارف فليس هو ماء قليل حتّى يحكم عليه بالنجاسة بمقتضى أدلّة الانفعال بل قد عرفت انّه قبل العصر أيضاً لا يكون هناك ماء، وانّما يتحقّق بعد اجتماع الأجزاء والذرّات بالعصر فيصدق انّه ماء قليل لاقى نجساً.
وامّا الدليل الخاص فهو مثل موثقة عمّار المتقدّمة الواردة في كيفية تطهير الإناء والكوز الدالّة على أنّ الطهارة تتوقّف على إفراغ الماء الثالث أيضاً مع أنّه لو كانت الغسالة طاهرة لما كان هناك حاجة إلى هذا الإفراغ وقد عرفت انّ دعوى كون ذلك لأجل توقّف عنوان الغسل على الافراغ مدفوعة فمثل هذه الموثّقة دليل على نجاسة الغسالة في الغسلة المتعقّبة أيضاً.
وقد تحصّل من جميع ما ذكرنا انّ الأقوى من هذه الأقوال الأربعة هو القول بالنجاسة الذي هو مختار المشهور والماتن ـ دام ظلّه ـ .
الصفحة 236
(تنبيهان)
الأوّل: انّه بناء على القول بنجاسة الغسالة ـ كما عرفت انّه الأقوى ـ وعلى القول بنجاسة ما يلاقي ملاقى النجس ـ كما سيأتي تحقيقه في باب النجاسات ـ فهل يعتبر في غسل ملاقى الغسالة ما يعتبر في غسل المحلّ المنفصل عنه هذه الغسالة من الوحدة أو الاثنتين أو الأزيد مثلاً لو كانت الغسالة غسالة للبول وقلنا باعتبار التعدّد في غسله فيعتبر في غسل ملاقي الغسالة التعدّد من دون فرق بين الغسلة الاُولى والثانية، أم لا يعتبر فيه ذلك، أو يقال بالتفصيل بين ما لو كانت الغسالة للغسلة الاُولى فيعتبر فيه التعدّد وبين ما لو كانت للثانية فلا يعتبر فيه؟ وجوه.
والتحقيق انّه ليس في الأدلّة ما يمكن أن يستفاد منه حكم ملاقي الغسالة من حيث اعتبار التعدّد في غسله وعدمه، والاعتبار وإن كان ربما يساعد التفصيل لعدم مزيد حكم الفرع على الأصل فالغسالة للغسلة الاُولى لا يزيد حكمها على النجاسة الموجودة في المحلّ قبل الغسلتين، وللغسلة الثانية لا يزيد حكمها على المحلّ الذي لا يحتاج إلاّ إلى غسلة واحدة في تلك الحال، إلاّ أنّه لا يمكن إثبات الحكم الشرعي من طريق العقل والاعتبار لأنّ هذا هو القياس الذي يوجب محق الدين وبطلان الشريعة على معتقد الإمامية ورأى العترة الطاهرة النبوية(صلى الله عليه وآله) فالواجب الغسل بمقدار قام الإجماع على عدم اعتبار أزيد منه.
نعم يمكن أن يستفاد من رواية العيص بن القاسم ـ المتقدّمة ـ الدالّة على وجوب غسل الثوب إذا أصابته قطرة من طشت كان من بول أو قذر، عدم اعتبار التعدّد والاكتفاء بالغسل الواحد بتقريب أن يقال: إنّ الظاهر من الجواب المشتمل على وجوب الغسل ـ من دون التعرّض لكيفيته ـ اعتبار ما يصدق عليه الغسل بنظر العرف، ولو كان لغسله كيفية مخصوصة كالبول وولوغ الكلب ونظائرهما لكان
الصفحة 237
اللاّزم البيان كما في تلك الموارد .
ودعوى: عدم كونه في مقام البيان من هذه الجهة بل من جهة أصل النجاسة والطهارة.
مدفوعة بكونها عارية عن الشاهد فإنّه لا فرق بين السؤال في هذه الرواية وبين السؤال في روايات البول ونظائره حيث أجاب فيها الإمام(عليه السلام) بنحو يزيل الشكّ عن كيفية التطهير ولم يجب في المقام كذلك وليس إلاّ لاعتبار كيفية مخصوصة وطريق خاص في تطهير البول ونظائره دون الغسالة، وهذا يجري في جميع الموارد التي اكتفى فيها في مقام الجواب على الأمر بالغسل فقط من دون أن يتعرّض لكيفيته فتدبّر.
ولكنّه لا يخفى انّ هذا الظهور لا يبلغ حدّاً موجباً للمنع عن جريان استصحاب النجاسة إلى أن يعلم المزيل خصوصاً بعدما عرفت من الطعن في سند الرواية وإن استظهرنا فيما تقدّم انّ نسبة الرواية إلى العيص تدلّ على وجدانها في كتابه وانّ طريق الشيخ(قدس سره) إليه صحيح كما يظهر من «الفهرست» إلاّ انّه مع ذلك لا يبقى وثوق فالظاهر وجوب الغسل إلى أن يعلم المزيل.
الثاني: انّه لو قلنا بطهارة الغسالة ـ على خلاف ما يقتضيه التحقيق كما مرّ ـ فهل يجوز استعمالها في رفع الحدث والخبث، أو في رفع الثاني فقط، أو لا يجوز استعمالها في رفع شيء منهما؟ وجوه.
مقتضى القاعدة جواز استعمالها في رفع كلّ منهما بعد أنّه لا يعتبر في رفع الحدث إلاّ كون الرافع ماءً طاهراً وفي رفع الخبث إلاّ الغسل بالماء الطاهر ومن المعلوم عدم خروجها عن عنوان المائية ودعوى الانصراف ممنوعة والمفروض طهارتها فلا مانع من استعمالها في رفع الحدث والخبث.
الصفحة 238
إلاّ أنّ المستفاد من رواية عبدالله بن سنان ـ المتقدّمة في بحث الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر ـ عدم جواز استعمالها في رفع الحدث لأنّ فيها قوله(عليه السلام): «الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز أن يتوضّأ منه وأشباهه» وقد مر أنّ المراد بالثوب هو الثوب المتنجّس الذي يحتاج إلى التطهير بالغسل، وعليه فتدلّ الرواية على أنّ الماء المستعمل في غسله لا يجوز التوضّي منه وأشباهه، ولكن ليس في الرواية دلالة على طهارته ومن المحتمل أن يكون عدم الجواز مسبّباً عن نجاسته ولذا أيّدنا القول بالنجاسة بهذه الرواية، فالاستدلال بها للمقام يبتني على إثبات الطهارة قبلاً وانّ الرواية تدلّ على عدم الجواز في فرض الطهارة وأين الطريق إلى إثبات ذلك كما أنّك عرفت ضعف سند الرواية بأحمد بن هلال الذي هو مرمي بالغلوّ ـ تارة ـ وبالنصب ـ اُخرى ـ وقد عرفت أيضاً عدم تمامية شيء من القرائن التي ذكرها الشيخ(قدس سره) في كتاب الطهارة لإلحاق الرواية بالصحاح فراجع، فالرواية غير صالحة لإثات حكم على خلاف القاعدة.
نعم ربما يستند في عدم جواز استعمال الغسالة في رفع شيء من الحدث والخبث إلى انعقاد الإجماع على عدم الجواز ولكن هذا الاستناد غير صحيح أيضاً بعد وضوح انّ أكثر المجمعين غير قائلين بطهارة الغسالة لذهاب المشهور إلى نجاسته، والكلام إنّما هو بعد فرض الطهارة فالقاعدة باقية بحالها.
الصفحة 239
مسألة 25 ـ ماء الاستنجاء سواء كان من البول أو الغائط طاهر إذا لم يتغيّر أحد أوصافه الثلاثة، ولم يكن فيه أجزاء متميّزة من الغائط ولم يتعد فاحشاً على وجه لا يصدق معه الاستنجاء ولم تصل إليه نجاسة من خارج، ومنه ما إذا خرج مع البول أو الغائط نجاسة اُخرى مثل الدم حتى ما يعدّ جزء منهما على الأحوط1.
مسألة 26 ـ لا يشترط في طهارة ماء الاستنجاء سبق الماء على اليد وإن كان أحوط2.
1 و 2 ـ الكلام في المسألتين إنّما يقع في مقامين:
المقام الأوّل: في طهارة ماء الاستنجاء أو كونه معفوّاً عنه بمعنى انّه هل يكون ماء الاستنجاء مستثنى من أدلّة انفعال الماء القليل فلا يكون نجساً أصلاً أم يكون معفوّاً عنه وإن كان نجساً، لتوافق النص والفتوى على عدم البأس به فيه وجهان بل قولان والمهمّ في هذا المقام الأخبار الواردة في المسألة فلابدّ من نقلها حتى يظهر مفادها فنقول:
منها: رواية الأحول قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) أخرج من الخلاء فاستنجي بالماء فيقع ثوبي في ذلك الماء الذي استنجيت به؟ قال: لا بأس به.
والظاهر من نفي البأس هي الطهارة كما هو المتفاهم عند العرف من هذه الجملة في أمثال المقام خصوصاً بعد ظهور انّ مراد السائل إنّما هو السؤال عن النجاسة والطهارة، كما يشهد بذلك التعبير بمثل ذلك في كثير من الأخبار التي لا إشكال في أنّ المراد بنفي البأس الوارد فيها هي الطهارة، وكذلك عبارات الأصحاب فإنّ من تتبّعها لا يكاد يشكّ في أنّ غرضهم من هذه العبارة هو بيان الطهارة في مقابل النجاسة لا مجرّد المعفوّ فراجع.
الصفحة 240
ومنها: رواية ثانية للأحول حيث قال لأبي عبدالله(عليه السلام) في حديث: الرجل يستنجي فيقع ثوبه في الماء الذي استنجى به؟ فقال: لا بأس، فسكت فقال: أوتدري لِمَ صار لا بأس به؟ قال: قلت: لا والله، فقال: إنّ الماء أكثر من القذر.
ولا يخفى انّه لو لم تكن الرواية مجهولة من حيث السند ولم يكن الأخذ بعموم التعليل مخالفاً للقواعد الشرعية لكان الاستدلال بها على الطهارة في غاية الصحّة لأنّ دلالة التعليل على أنّ المراد بنفي البأس هي الطهارة تامّة غير قابلة للمناقشة لأنّه لو كان الماء نجساً، غاية الأمر انّه معفوّ عنه لكان التعليل بأكثريته من القذر في غاية السخافة كما هو ظاهر، بل يمكن أن يقال: إنّ عدم إمكان الأخذ بعموم التعليل لا ينافي جواز الأخذ بمفاده من جهة انّ طهارة الثوب تكون مستندة إلى طهارة الماء لأنّه لا معارض له في هذه الجهة ولم يقم دليل على الخلاف فمفاد التعليل من هذه الحيثية قابل للاستناد إليه وإن كان الأخذ بعمومه غير جائز فتدبّر.
ومنها: رواية محمد بن النعمان عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: قلت له: استنجي ثمّ يقع ثوبي فيه وجنب؟ فقال: لا بأس به. وقد تقدّم الكلام في معنى الرواية في بحث الغسالة فراجع.
ومنها: رواية عبد الكريم بن عتبة الهاشمي قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يقع ثوبه على الماء الذي استنجى به أينجس ذلك ثوبه؟ قال: لا. والظاهر انّ عدم التنجيس إنّما هو لعدم كونه نجساً حتى يؤثّر فيه لما هو المرتكز في أذهان المتشرّعة من أنّ النجس يكون منجّساً فإذا لم يكن الشيء منجّساً لقيام الدليل عليه فيفهمون من ذلك عدم كونه نجساً للملازمة المعهودة عندهم بين نجاسة الشيء ونجاسة ملاقيه، ولذا لو علموا من الدليل نجاسة الشيء لا يتردّدون في نجاسة ملاقيه ولا يتوقّفون عن الحكم إلى أن يقوم الدليل عليه وليس ذلك إلاّ لثبوت الملازمة
|