في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


الصفحة 41

ومنها : صحيحة محمد عن أحدهما(عليهما السلام) قال : سألته عن البول يصيب الثوب؟ قال : اغسله مرّتين . بتقريب انّه لا خصوصية بنظر العرف للجسد أو الثوب ، بل ذلك إنّما هو حكم البول في أي محلّ كان . بل يمكن أن يقال بدلالة مثل صحيحة البزنطي الواردة في صابة البول الجسد للبول الخارج من المخرج فإنّه بول أصاب الجسد وعليه فلا حاجة إلى دعوى إلغاء الخصوصية بل الرواية بإطلاقها تشمل المقام ، ويؤيّد الشمول التعليل الواقع فيها بأنّه ماء لعدم اختصاصه بالبول الذي أصاب غير المخرج كما لا يخفى .

ولكن لا يخفى انّ دعوى إلغاء الخصوصية مدفوعة بعدم الجواز بعد انّه يحتمل قويّاً ثبوت الفرق بين الاستنجاء وغيره بوجود بعض التسهيلات في خصوصه كما في الاستنجاء من الغائط فإنّه يكفي فيه المسح بالأحجار أو بغيرهاـ على ما سيأتي إن شاء الله تعالىـ مع انّه لا إشكال في عدم الاكتفاء بغير الماء لو أصاب الغائط الجسد أو الثوب .

وبالجملة : مع احتمال التفاوت وثبوت الفرق بين الموردين بالتسهيل في التطهير في المقام لأجل كثرة الابتلاء أو غيرها خصوصاً مع ثبوته في الاستنجاء من الغائط لا مجال لإلغاء الخصوصية وتعميم الحكم بالإضافة إلى مخرج البول المتنجّس به أيضاً .

وامّا دعوى شمول مثل رواية البزنطي فهي أيضاً مندفعة بأنّ الظاهر من الإصابة للجسد وإن كان معناها الملاقاة هي الإصابة إلى سائر مواضع الجسد كما هو المنسبق إلى أذهان أهل العرف ولا يشمل نفس المخرج خصوصاً مع ملاحظة انّ الظاهر كون المراد بالبول هو البول النجس قبل الإصابة والبول الذي أصاب المخرج لا يتّصف بالنجاسة قبل الإصابة إليه لعدم كونه في الباطن نجساًـ كما سيأتي

الصفحة 42

البحث عنه في النجاساتـ وامّا التعليل بقوله(عليه السلام) : فإنّما هو ماء ، فانّما هو ناظر إلى كفاية مجرّد الصبّ وانّه لا حاجة إلى الدلك وشبهه .

وبعبارة اُخرى لا دلالة له على اعتبار مرّتين في جميع الموارد بل مفاده نفي إيجاب شيء زائد على مجرّد الصبّ كما لا يخفى ، فهذه الأخبار لا يمكن استفادة حكم المقام منها وإن أصرّ عليه بعض الأعلام .

وقد تحصّل من جميع ما ذكرنا انّ الأقوى عدم اعتبار تعدّد الغسل وإن كان هو الأحوط ، والظاهر عدم اختصاص الحكم بالذكر بل يعمّ الاُنثى والخُنثى ومن ليس له ذكر أو ليس له حشفة وغيرها من الفروض لعدم مدخلية خصوصية الحشفة ، وذكرها في بعض الأخبار إنّما هو لكون السائل مذكّراً والغالب فيه أن يكون ذا حشفة ، كما انّ ذكر الرجل أو الذكر كذلك ، هذا مضافاً إلى خلوّ بعض الأخبار المتقدّمة بل أكثرها عن ذكرها أو ذكر ما يساويها . وعليه فالظاهر شمول الحكم لجميع الفروض ، نعم لا مجال لاختصاص مورد الاخبار بالبول الخارج من المخرج المعتاد فلو خرج من غيره كما إذا خرج من البطن الذي حدثت فيه ثقبة فالظاهر أن حكمه حكم من أصاب البول إلى جسده أو ثوبه فيعتبر فيه التعدّد .

وامّا التفصيل بين الرجل والمرأة وشبهها في المتن بالحكم بكفاية المرّة فيه وعدم كفايتها فيها بنحو الاحتياط الوجوبي فمنشأه النظر إلى أنّ عمدة الدليل على الكفاية ما ورد في البول الخارج من الحشفة ، وعليه فيحتمل الاختصاص بالرجل وتجري في المرأة الروايات الدالّة على اعتبار التعدّد الواردة في الثوب أو الجسد أو استصحاب عدم حصول الطهارة بالغسل مرّة .

ولكن ممّا عرفت ظهر أنّه لا وجه لهذا الاحتياط الوجوبي بعد اقتضاء الأدلّة الاكتفاء بالمرّة في جميع الموارد كما عرفت ، إذن فالاحتياط لا يتجاوز عن

الصفحة 43

الاستحباب في جميع الموارد أيضاً .

المقام الثاني : في تطهير مخرج الغائط والكلام فيه أيضاً يقع من جهتين :

الجهة الاُولى : في تعيّن الغسل فيه أيضاً كالبول وعدمه والظاهر فيه عدم التعين للأخبار الدالّة عليه التي منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) المتقدّمة في المقام الأوّل ، قال : لا صلاة إلاّ بطهور ويجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار بذلك جرت السنّة من رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وامّا البول فإنّه لابدّ من غسله .

فإنّ قوله(عليه السلام)  : ويجزيك ، يدلّ على عدم تعين الماء وكفاية الاستنجاء بالأحجار سيّما مع المقابلة بقوله(عليه السلام)  : وامّا البول . . .

ثمّ إنّ الاستنجاء بالماء أو بالتمسّح بالأحجار أو بغيرها إنّما يختصّ بما إذا تنجّس شيء من ظاهر البدن وأطراف المقعدة بخروج الغائط فلو فرض خروجه من غير أن يتنجّس به شيء منه فالظاهر عدم وجوب الاستنجاء أصلاً لعدم لزوم غسل الباطن كما يدلّ عليه بعض الروايات ، فالحكم بلزوم الاستنجاء إنّما يختصّ بغير هذه الصورة .

ثمّ إنّه ذكر في المتن انّ الغسل أفضل والجمع بينهما أكمل .

وأقول : امّا أفضلية الغسل فلما يأتي في المسألة الآتية في تفسير كلمات القوم وتصريحاتهم بأنّه يجب في الاستنجاء بالماء إزالة العين والأثر ولا يجب في الاستنجاء بغير الماء إلاّ إزالة العين فقط من انّ الاستنجاء بالأحجار وشبهها لا يكون مؤثّراً في حصول الطهارة ، بل هو محكوم بالعفو كما يستفاد من الروايات الواردة فيه ، وعليه فالغسل الذي يؤثّر في حصول الطهارة بلا خلاف ولا إشكال يكون أفضل ، مضافاً إلى دلالة بعض تلك الروايات بنفسه على الأفضلية فانتظر .

وأمّا أكملية الجمع فيمكن الاستناد لها بما ورد عن علي(عليه السلام) من قوله : كنتم

الصفحة 44

تبعرون بعراً وأنتم اليوم تثلطون ثلطاً فاتبعوا الماء الأحجار . بعد حمله على الاستحباب والبناء على التسامح في أدلّة السنن لأنّه حديث عامّي واستفادة الاستحباب من أخبار من بلغ بناء على كون المراد من الأكملية ما ينطبق على مزية الاستحباب شرعاً .

الجهة الثانية : في اعتبار التعدّد في الغسل وفيما يتمسّح به من الأحجار وشبهها وعدم اعتباره ونقول :

امّا الغسل فلا دليل على اعتبار التعدّد فيه في هذا المقام بل حدّه النّقاء .

وامّا ما يتمسّح به فاستظهر في المتن عدم الاعتبار فيه أيضاً وإن احتاط بالثلاث مع حصول النقاء به أو بالأقلّ وفي المسألة وجوه بل أقوال : من القول بأنّ حدّه النقاء ولا يجب أزيد ممّا يحصل به النقاء بل يستحبّ التمسّح بالثلاثة والقول بأنّ الواجب المسح بالثلاثة بحيث لا يجتزئ بأقلّ من ذلك وإن حصل النقاء بالأقل ومن وجوب ذلك تعبّداً وإن كان حدّه النقاء .

وقد استدلّ للثاني بالأخبار الكثيرة الواردة في الاستنجاء بالأحجار :

منها : صحيحة زرارةـ المتقدّمةـ الدالّة على انّه يجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار بذلك جرت السنّة من رسول الله(صلى الله عليه وآله) تقريب الاستدلال انّ الظاهر كون الإمام(عليه السلام) في مقام بيان أقل ما يكفي في الاستنجاء بالأحجار ، يؤيّده بل يدلّ عليه التعبير بالاجزاء الظاهر في انّه أقلّ المجزى كما هو الشائع في استعمال هذا اللفظ ، وعليه فيكون المراد من «السنّة» السنة بمعنى الفرض والوجوب .

هذا ، ولكن التأمّل في الرواية يقضي بأنّ الإمام(عليه السلام) إنّما كان في مقام بيان الفرق بين البول والغائط وانّه لابدّ في الأوّل من الغسل بالماء بخلاف الثاني فإنّه يكفي فيه الاستحجار وغيره .

الصفحة 45

ويمكن الجواب عنه بأنّه لو كان الإمام(عليه السلام) في مقام بيان الفرق من جهة تعيّن الغسل بالماء في البول وعدم تعيّنه في الغائط فقط دون بيان الكمّية أيضاً لما كان هناك حاجة إلى ذكر العدد أصلاً ، بل يمكن له التعبير بقوله يجزيك من الاستنجاء الحجر من دون ذكر العدد ولا الإتيان بصيغة الجمع الذي يحتاج إلى مؤونة زائدة لا محالة ، وعليه فلا ينبغي المناقشة في انّ الإتيان بالعدد المستلزم للإتيان بصيغة الجمع في مقام بيان أقلّ ما يجتزئ به إنّما هو لإفادة عدم الاكتفاء بما دون ذلك المقدار والشاهد له هو الفهم العرفي فانّه لا يكون مثل هذا التعبير مع جواز ما دونه من العدد بمتناسب عند العرف أصلاً .

وإن شئت قلت : إنّ الإتيان بالقيد في الكلام الصادر من المتكلّم العاقل الملتفت لابدّ وأن يكون لإفادة شيء لا يمكن إفادته بدونه .

ودعوى انّ القيد الوارد مورد الغالب لا دلالة له على شيء زائد على الحكم المطلق كما في قوله تعالى : (وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ )(1) .

مدفوعةـ مضافاً إلى منع الكبرى كما قد حقّق في محلّهـ بالمنع من كون القيد في المقام وارداً مورد الغالب لعدم كون حصول النقاء بالتمسّح بثلاثة أحجار بغالبي ، وبالجملة لا يمكن رفع اليد عمّا هو مقتضى ظاهر الرواية المتفاهم منه عرفاً من اعتبار الثلاثة بمعنى عدم الاجتزاء بأقلّ منها كما لا يخفى .

ومنها : رواية بريد بن معاوية عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : يجزئ من الغائط المسح بالأحجار ، ولا يجزئ من البول إلاّ الماء . والظاهر أيضاً دلالتها على اعتبار الأحجار «بصيغة الجمع» التي يكون أقلّها الثلاثة وإلاّ لا وجه للإتيان بهذه الصيغة


(1) سورة النساء : الآية 23  .

الصفحة 46

مع افتقارها إلى مؤونة زائدة كما هو ظاهر .

ومنها : موثّقة زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : سألته عن التمسّح بالأحجار ، فقال : كان الحسين بن علي(عليهما السلام) يمسح بثلاثة أحجار .

ونوقش فيها بأنّها لا تدلّ على عدم الوجوب لو لم نقل بدلالتها على عدمه من حيث إنّ ظاهرها اختصاص التمسّح بالثلاثة بالحسين(عليه السلام) مع انّه لو كان واجباً لما كان مختصّاً به(عليه السلام)  .

والجواب عنها : انّه لابدّ من ملاحظه ما هو محطّ نظر السائل ومورد سؤاله وإنّ سؤاله هل يكون عن العدد اللاّزم في الأحجار التي يتمسّح بها بحيث كان غرض السائل انّ الأحجار التي تستعمل في الاستنجاء من الغائط ماذا كمّها ومقدارها ، أو انّ سؤاله إنّما هو عن أصل التمسّح بالأحجار وانّه هل يكفي مكان الغسل بالماء أم لا؟ وبعبارة اُخرى : كان سؤاله عن جواز الاكتفاء به في الاستنجاء من الغائط ، والمناقشة إنّما تتمّ على التقدير الأوّل ، مع انّ الظاهر هو الاحتمال الثاني ولا دلالة للرواية بوجه على اختصاص ذلك بالحسين(عليه السلام) ، بل غاية مفادها جواز التمسّح بالأحجار لاستمراره عمله(عليه السلام) على ذلك ، بل يستفاد من حكاية العمل في مقام بيان الحكم والإتيان بذكر العدد مدخليّته في الحكم ، فالرواية دليل على عدم جواز الاقتصار على ما دونه فتدبّر .

ومنها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : جرت السنّة في اثر الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان ولا يغسله ، ويجوز أن يمسح رجليه ولا يغسلهما .

وعدم وجوب مسح العجانـ بناءً على ما في فسّره في مجمع البحرين من انّه ما بين الخصية وحلقة الدبرـ لا يدلّ على عدم اعتبار الثلاثة في الاستنجاء بغير الماء ، ويؤيّد هذه الروايات خبر عامّي روي عن سلمان(رضي الله عنه) قال : نهانا رسول الله(صلى الله عليه وآله) أن

الصفحة 47

نستنجي بأقلّ من ثلاثة أحجار وروايات اُخرى نبوية عامّية .

وفي مقابلها روايات اُخرى تدلّ على عدم اعتبار الثلاثة أصرحها صحيحة ابن المغيرة المتقدّمة النافية لنفي الحدّ للاستنجاء وانّه لابدّ أن ينقى ماثمة . ونوقش فيها بوجهين :

أحدهما : ما عن شيخنا الأنصاري(قدس سره) من انّ ذيل الرواية وهو قوله : قلت : ينقى ماثمة ويبقى الريح؟ قال : الريح لا ينظر إليها ، ظاهرة في إرادة النقاء بالماء; لأنّ الريح الباقية في المحلّ إنّما يستكشف باستشمام اليد ، ومزاولة اليد المحلّ إنّما هي في الاستنجاء بالماء .

والجواب عنهاـ مضافاً إلى منع كون استكشاف بقاء الريح في المحل متوقّفاً على مزاولة اليد المحلّ إذ كما يمكن الاستشمام باليد يمكن الاستكشاف بغير اليد من الأشياء الملاقية له أو باليد بعد التمسّح بالأحجارـ ما عرفت سابقاً من عدم كون الذيل في مثل هذه الرواية ممّا يكون مشتملاً على سؤال آخر وجواب كذلك قرينة على تخصيص الصدر الذي هو سؤال وجواب مستقلّ ومورد السؤال هو الاستنجاء وثبوت الحدّ له والجواب ينفي ثبوت الحدّ مع انّ السؤال عن الحدّ ربّما يلائم الاستنجاء بغير الماء كما لا يخفى وجهه ، فالإنصاف عدم تمامية هذه المناقشة بوجه .

ومن هذا يظهر الجواب عن المناقشة الاُخرى التي أفادها بعض الأعلام وهو انّ المراد بالنقاء لو كان يعمّ التمسّح لكان الأولى بل المتعيّن أن يسأل عن الأجزاء أيضاً لتخلّفها في المحلّ وعدم زوالها بالتمسّح ، بل لو كانت الرواية ناظرة إلى الأعمّ منه لم يبق موجب للسؤال عن بقاء الريح بوجه وذلك لأنّ التمسّح غير قالع للأجزاء الصغار وهي مستتبعة لبقاء الريح بلا كلام ، ومع العفو عن الاجزاء المذكورة كيف

الصفحة 48

يكون بقاء الريح مخلاًّ بالطهارة وهذا بخلاف ما إذا اختصّت الرواية بالغسل فإنّ بقاء الريح أمر لا يلازمه بل قد تزول به وقد لا تزول كما إذا كان الغائط عفناً جدّاً ، وعليه فللسؤال عن بقاء الريح مجال . وجه الظهور ما عرفت من انّ اختصاص السؤال في الذيل بالاستنجاء بالماء لا يلازم اختصاص السؤال الأوّل والجواب عنه أيضاً به بعد كون اللفظ عامّاً خالياً عن الدلالة والإشعار بالاختصاص بالكّية . وكيف يمكن بيان الحكم بالنحو الكلّي اعتماداً على مجيء سؤال آخر بعد ذلك وصحلايته للتخصيص وصيرورته قرينة عليه ، مع انّ السؤال عن الريح بلحاظ كونه هو الذي يدركه الإنسان بالاستشمام والاجزاء الصغار على تقدير وجودها لا يمكن إدراكها لعدم كونه في محلّ يمكن أن ينظر ويدرك وملازمة بقاء الريح مع الاستنجاء بالأحجار ممنوعة كما انّ بقاء الريح مع الغسل لا يتّفق إلاّ نادراً يفرض كالمعدوم . فالإنصاف انّ هذه المناقشة أيضاً غير متّجهة ، وإنّ دلالة الصحيحة على أنّ الحدّ في الاستنجاء بغير الماء إنّما هو النقاء ظاهرة واضحة وهناك بعض الروايات الدالّة على الاجتزاء بما دون الثلاثة لكنّها لا تخلو عن المناقشة واللاّزم ملاحظة طريق الجمع بين الأخبار أيضاً الواردة في المقام المتعارضة من جهة دلالة طائفة منها على عدم الاجتزاء بما دون الثلاثة وبعضها على انّ الحدّ هو النقاد .

فنقول : قال في المصباح ما ملخّصه : «إنّ إطلاق نفي الحدّ في هذه الرواية قابل للتقييد مضافاً إلى دعوى وروده مورد الغالب من عدم حصول العلم بالنقاء قبل استعمال الثلاثة غالباً فتنزل الرواية على ما لا ينافي اعتبار الثلاثة التي لا تنفك عنها الأفراد الغالبة ، ودعوى خروج المقيّدات مخرج الغالب كما يؤيّدها استبعاد التعبّد بالمسح بعد النقاء مدفوعة أوّلاً : بأنّ هذه الدعوى في المقيّدات لها وجه لو كانت الثلاثة كافية في النقاء والغلبة في حصوله بها ممنوعة فإنّما المسلم عدم حصول النقاء

الصفحة 49

غالباً بما دونها لا حصوله بخصوص الثلاثة ، وثانياً : بأنّه لا يجوز رفع اليد عن ظاهر المقيّد بمجرّد احتمال ورود القيد مورد الغالب ، وإنّما يخلّ ذلك في التمسّك بالإطلاق لأنّه لا يجوز إهمال الخصوصية المستفادة من ظاهر الكلام بمجرّد احتمال عدم كونها قيداً في الواقع ، بل لابدّ من الجزم بذلك» .

ولكن الذي أفاده سيّدنا العلاّمة الاستاذ الماتنـ دام ظلّهـ في مباحثه الفقهية من درسه على ما قرّرته انّ مقتضى الجمع العرفي كون ذكر الثلاثة في تلك الأخبار إنّما هو لحصول النقاء بها غالباً وتوقّفه عليها كذلك لا لبيان نفي كون النقاء حداً فإنّ مناسبة الحكم والموضوع المرتكزة في أذهان العرف ربّما تقضي بأنّ اعتبار الثلاثة إنّما هو لتوقّف تحقّق النقاء عليها إذ من البعيد عندهم أن يكون الشارع قد تعبّدهم بلزوم استعمال الثلاثة وإن حصل النقاء بما دونها خصوصاً مع ملاحظة انّ حدّ الاستنجاء بالماء ليس إلاّ النقاء بلا إشكال وليس كالبول حتّى يجب فيه التعدّد .

وبالجملة : صحيحة ابن المغيرة صريحة في نفي الحدّ فكيف يمكن أن تقيّد بما يدلّ بظاهره على انّ حدّ الاستنجاء ثلاثة أحجار فلابدّ من رفع اليد عن هذا الظهور خصوصاً مع ما عرفت من مناسبة الحكم والموضوع المرتكزة عندهم .

أقول : صحيحة ابن المغيرة وإن كانت صريحة في نفي الحدّ إلاّ أنّ شمولها للاستنجاء بغير الماء إنّما هو بالظهور ، كيف وقد عرفت المناقشتين في شمولها لغير الماء وعليه فدلالتها على نفي الحدّ في الاستنجاء بالأحجار إنّما هي بالإطلاق والظهور ومقتضى الجمع العرفي بين المطلق والمقيّد حمل الأوّل على الثاني والمناسبة المذكورة لا تقتضي رفع اليد عمّا هو ظاهر الأدلّة واقتضاء الجمع بينهما كما لايخفى .

وقد انقدح ممّا ذكرنا انّ ما ذهب إليه المشهور من اعتبار الثلاثة في التمسّح بالأحجار هو الذي يقتضيه التدبّر في مفاد الروايات ووجه الجمع بينها ، نعم يمكن

الصفحة 50

أن يقال باختصاص ذلك بخصوص الأحجار لأنّ الأدلّة الظاهرة في ذلك إنّما وردت في خصوص الأحجار فلا مجالـ حينئذـ لرفع اليد عن إطلاق الصحيحة بالإضافة إلى غير الأحجار ، نعم لو قيل باختصاصها بالاستنجاء كما أفاده الشيخ الأعظم والبعض المتقدّم فيمكن الحكم بلزوم الثلاثة مطلقاً نظراً إلى أنّ الخصوصية ملغاة بنظر العرف كما انّه يمكن دعوى انّ الدليل المقيّد بعد كون خصوصية الحجرية ملغاة منه بنظرهم يوجب التصرّف في الإطلاق وحمله على اعتبار الثلاثة مطلقاً في الاستنجاء بغير الماء ، فالأحوط لو لم يكن أقوى اعتبارها في غير الأحجار أيضاً .

ثمّ إنّه لا إشكال ولا خلاف في أنّه إذا لم يتحقّق النقاء بالثلاثة فلابدّ من الزيادة عليها إلى أن يتحقّق والدليل عليهـ مضافاً إلى إمكان دعوى وضوح كون مجرّد المسح ثلاث مرّات لا يكون مؤثّراً في الطهارة أو العفو مع بقاء العين وعدم زوالها ضرورة انّ التقليل لا أثر له في المقام ، فزوال العين ممّا لابدّ منه في كلّ من الغسل والمسحـ انّه لو قلنا : بأنّ حدّ الاستنجاء النقاء فقط من دون فرق بين ما إذا كان بالماء أو بغيره من الأحجار وشبهها بحيث لو حصل بما دونها لا تجب الزيادة عليه فمستند لزوم الزيادةـ حينئذـ واضح ، وامّا لو لم نقل بذلك بل بثبوت الحدّ في الاستنجاء بغير الماء وانّه هو الثلاثة التي تدلّ عليها الروايات المتقدّمة فيشكل الحكم في المقام لأنّ عمدة تلك الروايات هي صحيحة زرارة المتقدّمة الدالّة على أنّه يجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار ، والاستدلال بها إنّما كان مبتنياً على أن يكون معنى الرواية أن الثلاثة أقلّ المجزئ ، وعليه فالرواية متعرّضة لجانب النقيصة وانّه لا يكتفى بأقلّ من الثلاثة ولا تعرض لها لجانب الزيادة ، فالمرجعـ حينئذـ امّا صحيحة ابن المغيرة بناءً على شمولها للاستنجاء بغير الماء ، أو الأصل بناءً على اختصاص الصحيحة به .

الصفحة 51

وأمّا لو كان معنى الرواية هو عدم لزوم الزيادةـ كما ربّما يمكن أن يدّعى انّه الشائع في استعمال لفظ الاجزاءـ أو كان معناها انّ الثلاثة تمام الموضوع بحيث لا يكفي أقلّ منها ولا تلزم الزيادة عليها فالرواية تدلّ على خلاف مطلوبهم كما هو ظاهر ، كما انّه لو كانت الرواية ناظرة إلى نفي لزوم الغسل بالماء في الاستنجاء من الغائط فهي أجنبيّة عن الدلالة على المقام بمراحل .

ولكن قد عرفت انّ الأظهر في معنى الرواية بحسب ما هو المتفاهم عند العرف هو الاحتمال الأوّل الذي مرجعه إلى أنّ الثلاثة أقلّ المجزى من دون تعرّض لجانب الزيادة وانّه لابدّ من استفادة حكم الزيادة من رواية اُخرى وبدونها لابدّ من الرجوع إلى الأصل .

ويمكن أن يستأنس لحكم المقام بموثّقة أبي خديجة عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : كان الناس يستنجون بثلاثة أحجار لأنّهم كانوا يأكلون البسر وكانوا يبعرون بعراً فأكل رجل من الأنصار الدبا فلانَ بطنه فاستنجى بالماء فبعث إليه النبي(صلى الله عليه وآله) قال : فجاء الرجل وهو خائف يظنّ أن يكون قد نزل فيه شيء يسوؤه في استنجائه بالماء فقال له : هل عملت في يومك هذا شيئاً؟ فقال : نعم يا رسول الله(صلى الله عليه وآله) انّي والله ما حملني على الاستنجاء بالماء إلاّ انّي أكلت طعاماً فلانَ بطني فلم تغن عنّي الحجارة شيئاً فاستنجيت بالماء ، فقال له رسول الله(صلى الله عليه وآله)  : هنيئاً لك فإنّ الله عزّوجلّ قد أنزل فيك آية فكنت أوّل التوّابين وأوّل المتطهّرين .

وطريق الاستيناس من وجهين :

أحدهما : قوله(عليه السلام)  : كان الناس يستنجون بثلاثة أحجار لأنّهم كانوا يأكلون البسر ، حيث إنّ ظاهره انّ الاكتفاء بالثلاثة إنّما هو لكونهم يأكلون البسر ولازمه حصول النقاء بها لعدم توقّفه على أزيد منها .

الصفحة 52

ثانيهما : قوله ـ أي الرجل الأنصاريـ  : فلم تغن عنّي الحجارة شيئاً ، من حيث إنّه لو كان الواجب في الاستنجاء هو استعمال الثلاثة ولو لم يحصل النقاء بها لم يكن وجه لعدم إغناء الحجارة ، وليس ذلك إلاّ لكون المرتكز في أذهانهم إنّما هو لزوم الاستعمال إلى حدّ حصول النقاء ، وهذا لا ينافي ما ذكرناه من عدم الاكتفاء بما دون الثلاثة لو حصل النقاء به كما لا يخفى .

ثمّ إنّ ظاهر المتن بل صريحه انّه لا خصوصية للحجر في الاستنجاء بغير الماء بل يجوز التمسّح بكلّ جسم قالع صالح لإزالة النجاسة ، والظاهر انّه لا خلاف فيه ، بل ادّعى الإجماع على جواز الاستنجاء بكلّ شيء طاهر مزيل للنجاسة إلاّ ما استثنى وهذا هو العمدة في مستند الجواز بعد عدم كون خصوصية الحجرية المستفادة من صحيحة زرارة المتقدّمة ملغاة بنظر العرف لاحتمال كونها دخيلة في حصول الطهارة أو ثبوت العفو .

نعم قد يتمسّك للجواز بإطلاق «النقاء» الوارد في صحيحة ابن المغيرة المتقدّمة ، ولكن الإنصافـ كما أفاده الشيخ الأعظم(قدس سره)ـ انّ الرواية متعرّضة لبيان حدّ الاستنجاء فقط والمقدار الذي يجب أن يستنجى إلى ذلك المقدار لا لبيان ما يستنجى به كما يشعر بذلك التعبير بـ «الحدّ» وبكلمة «حتّى» كما في بعض نسخ الرواية ، نعم لو ثبت الجواز بدليل آخر فالرواية تدلّ على وجوب التمسّح به إلى حدّ النقاء ، وامّا أصل الجواز فلا يكاد يثبت بها .

كما انّه ربّما يتمسّك للجواز بصحيحة يونس بن يعقوبـ المتقدّمةـ ولكن قد عرفت أنّ الظاهر كونها مسوقة لبيان كيفية الوضوء في قبال العامّة ، والتعرّض لغسل الذكر وإذهاب الغائط إنّما هو من باب المقدّمة ، وعليه لا يمكن التمسّك بإطلاقها والحكم بأنّ الواجب في باب الاستنجاء إنّما هو إذهاب الغائط بأيّ شيء

الصفحة 53

أمكن ، فالعمدة في المستند ما عرفت من عدم الخلاف ، بل الإجماع على عدم الفرق بين الحجر وغيره .

بقي الكلام في هذه المسألة في الأمرين اللذين اعتبرهما الماتنـ دام ظلّهـ في ما يمسح به فنقول :

الأوّل : الطهارة ، فلا يجزي التمسّح بالنجس ولا بالمتنجّس قبل تطهيره ، ولابدّ من فرض الكلام فيما إذا لم يكن المحلّ رطباً تسري النجاسة ممّا يتمسّح به إليه أو انّ العين لم تصبه أصلاً كما إذا أصابت الغائط فقط وإلاّ فاعتبار الطهارة واضح لا يحتاج إلى إقامة الدليل عليه ، فالكلام إنّما هو في هذا الفرض والدليل على اعتبار الطهارة فيه أيضاًـ مضافاً إلى الإجماع المدّعى والارتكاز الثابت عند المتشرّعة على أن النجس والمتنجّس لا يكونان مطهّرين في الشريعة المطهّرة ، بل ولا يوجبان العفو ـ صحيحة زرارة المتقدّمة بناءً على أن يكون قوله(عليه السلام)  : ويجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار ، ناظراً إلى الصدر الذي يفيد اشتراط الصلاة بالطهارة ، ومتفرّعاً عليه ، فإنّهـ حينئذـ يكون بصدد بيان حصول الطهارة التي هي شرط للصلاة أو العفو المجوز للدخول فيها ، وـ حينئذـ فاللاّزم بمقتضى التفريع صدق عنوان الطهور الذي هو بمعنى الطاهر في نفسه المطهّر لغيره على الأحجار المستعملة في الاستنجاء أيضاً كما يصدق على الماء المستعمل في غسل البول ، ومن الظاهر انّه متوقّف على كونه طاهراً .

هذا ولكن الاستفادة من الصحيحة بهذه الكيفية خلاف ما هو المتفاهم منها عند العرف ، بل ربّما يقال : إنّ عدم تقييد الأحجار بشيء مع كونه في مقام البيان من هذه الجهة دليل على عدم مدخلية شيء من القيود كما هو الشأن في جميع المطلقات .

كما انّ موثقة زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : سألته عن التمسّح بالأحجار فقال :

الصفحة 54

كان الحسين بن علي(عليهما السلام) يمسح بثلاثة أحجار . تدلّ على عدم اعتبار شيء زائد بتقريب انّ الجواب وإن كان مشتملاً على حكاية الفعل ، والفعل لا إطلاق له إلاّ أنّه حيث تكون الحكاية لبيان الحكم الشرعي وكان المقصود منها بين الجواب عن السؤال فلو كان بعض القيود معتبراً في الأحجار لكان اللاّزم ذكره ومع عدمه يستفاد عدم مدخلية شيء آخر إلاّ أن يقال : إنّ السؤال فيها إنّما هو عن أصل جواز التمسّح بالأحجار لا عن الكيفية والخصوصيات المعتبرة فيه كما مرّ استظهاره سابقاً .

وكيف كان فالعمدة في المقام هو الإجماع المدّعى بل المحقّق على اعتبار الطهارة فيما يتمسّح به بضميمة ما عرفت من ارتكاز المتشرّعة .

الثاني : أن لا يكون فيه رطوبة سارية فلا يجزي التمسّح بالطين ولا الخرقة المبلولة ، نعم لا تقدح النداوة التي لا تسري ، والدليل على اعتبار هذا الأمر انّه مع وجود الرطوبة المسرية يتنجّس المحلّ لا محالة والتمسّح إنّما يكفي في حصول الطهارة إذا لم يتنجّس المحلّ بغير الغائط من النجاسات والمتنجّسات لأنّ غاية ما يستفاد من الأدلّة الواردة في التمسّح هو الاكتفاء به في الاستنجاء من الغائط ، وامّا لو فرض وجود نجاسة اُخرى أو متنجّس ولو كان منشأ تنجّسه هذا الغائط بعينه فلا دليل على الاكتفاء به خصوصاً بعد ملاحظة الأخبار الواردة الدالّة على لزوم الغسل بالماء وسيأتي البحث عن هذه الجهة في المسألة السادسة .

نعم مجرّد النداوة غير السارية لا تقدح لعدم الدليل على اعتبار اليبوسة فيما يتمسّح به ، بل غايته عدم الرطوبة السارية الموجبة لتنجّس المحلّ كما عرفت .

الصفحة 55

مسألة 2ـ يجب في الغسل بالماء إزالة العين والأثرـ أعني الأجزاء الصغار التي لا ترىـ وفي المسح يكفي إزالة العين ، ولا يضرّ بقاء الأثر1 .

قد وقع التصريح في كلمات الأعلام بأنّه يجب في الاستنجاء بالماء إزالة العين والأثر ، ولا يجب في الاستنجاء بغير الماء إلاّ إزالة العين فقط ، وهذا الكلام مورد للإستشكال من وجهين :

الوجه الأوّل : في المراد من الأثر الذي تجب إزالته في الغسل دون المسح .

الوجه الثاني : الفرق بين المقامين من جهة اعتبار إزالة الأثر في الأوّل دون الثاني .

أمّا الوجه الأوّل فنقول فيه : إنّه ربّما يقالـ كما انّه قد قيلـ بأنّ المراد بالأثر هو اللّون ، وربّما يناقش فيه بأنّه من الأعراض ولا يصدق عليه اسم العذرة حتّى يجب غسلها أيضاً .

ولكن لا يخفى انّه ليس المراد باللون هو اللون الذي لا تجب إزالته في الغسل بالماء أيضاً نظراً إلى انّ لون الشيء يعدّ مغايراً له عرفاً لا من أجزائه كما هو كذلك بنظر العقل نظير لون الدم الباقي على الثوب غير الزائل بغسله .

بل المراد به هو اللون الذي يعدّ بنظر العرف أيضاً انّه من أجزاء العين الزائلة وآثارها ، ومن شؤونه انّه لو باشره الرجل بيده الرطبة لأحسّ فيه لزوجة ولصوقة ، ومن المعلوم انّ الغسل لا يتحقّق إلاّ بإزالته وإن كان تحقّق النقاء بغير الماء لا يتوقّف عليها ولكن ذلك لا يخرجه عن كونه تتمّة للعين الزائلة وجزءً لها .

وبالجملة : حكمهم بوجوب إزالة العين والأثر دليل على كون المراد بالأثر هو الذي يجب غسله لكونه جزءً باقياً وإلاّ فلا وجه لوجوب غسله أصلاً كما انّه لا يجب غسل لون الدم الباقي على الثوب بعد غسله بالنحو المتعارف في غسل الثوب

الصفحة 56

المتنجّس بالدّم ، وعليه فالأثر هنا يغاير اللون في المثال ، وـ حينئذـ فلابدّ من أن يكون المراد من الأثر الذي لا تجب إزالته في الاستجمار هو هذا المعنى; إذ لا مجال لتوهّم الفرق بكون الأثر في الغسل يعدّ عذرة يجب غسله بخلافه في المسح فإنّه لا يعدّ بنظر العرف عذرة ، لأنّ العرف وإن كان حاكماً بالفرق بين الغسل والمسح وانّ الأوّل لا يكاد يتحقّق إلاّ بإزالة الأثر أيضاً دون الثاني إلاّ انّه من الواضح انّه ليس ذلك مستنداً إلى كون شيء واحد عذرة في مقام وغير عذرة في مقام آخر ، فلا محيص من أن يقال : إنّ الأثر الباقي بعد الاستجمار هو ما يكون من أجزاء العذرة بحيث يجب غسله بالماء لو استنجى به .

وقد انقدح ممّا ذكرنا انّ القائل بكون مراد القوم من الأثر هو اللون إن كان مراده باللون هو مثل اللون الباقي في مثال الثوب فالظاهر انّ مرادهم منه ليس ما ذكره ، وإن كان مراده منه ما ذكرنا فهو يرجع إلى ما أفاده الماتنـ دام ظلّهـ من كون المراد بالأثر هو الأجزاء الصغار التي لا ترى .

وامّا الوجه الثاني فالفارق بين الغسل والمسح في لزوم إزالة الأثر في الأوّل دون الثاني هو العرف كما عرفت; لأنّه وإن كان الأثر عبارة عن الأجزاء الصغار الباقية من العين إلاّ انّه حيث يمكن إزالتها بالغسل والمفروض كونه تتمّة للعين الزائلة فلا مناص عرفاً من اعتبار إزالته ، وامّا في المسح الذي لا يكاد يكون المقصود به إلاّ المسح على النحو المتعارف المعتاد ، ومن الواضح انّ المسح بهذه الكيفية لا يزيل الأثر بهذا المعنى فلا مجال من الالتزام بعدم اعتبار إزالته بعد قيام الدليل على أصل جواز التمسّح بدلاً عن الغسل ، فالفارق هو العرف بعد ملاحظة الدليل على جواز كلا الأمرين .

نعم هنا شيء وهو انّ الأثر بالمعنى المذكور الذي لا تجب إزالته في المسح هل

الصفحة 57

يكون طاهراً بعد تحقّق المسح حتّى يستلزم ذلك الالتزام بتخصيص عمومات نجاسة العذرة وإخراج هذا الفرد من حكمها ، أو انّه ليس بطاهر بل عذرة معفو عنها في الصلاة وغيرها؟

والالتزام بالتخصيص يتوقّف على وجود دليل يدلّ على طهارته إذ مجرّد جواز الصلاة معه أعمّ من الطهارة ، وليس في الأخبار ما يمكن أن يستشعر منه ذلك عدا صحيحة زرارة المتقدّمة الدالّة على أنّه يجزي من الاستنجاء ثلاثة أحجار نظراً إلى أنّ الحكم بكفاية الأحجار في الاستنجاء من الغائط بعد نفي الصلاة إلاّ بطهور ظاهر في أنّ المسح بالأحجار إنّما يؤثّر في حصول الطهارة المعتبرة في الصلاة المنتفية عند عدمها خصوصاً مع ملاحظة ما مرّ من أنّ تطبيق عنوان الطهور على الأحجار المستعملة في الاستنجاء مع انّه عبارة عن الطاهر لنفسه والمطهر لغيره لا يتمّ إلاّ على تقدير حصول الطهارة للمحلّ ، ولكن قد عرفت انّه بعيد عمّا هو المتفاهم من الرواية عند العرف ، بل التعبير بالاجزاء لو لم يكن قرينة على عدم حصول الطهارة فلا أقلّ من أن يكون مانعاً عن ظهوره في حصول الطهارة إلاّ أن يقال : إنّ التعبير به إنّما هو بلحاظ العدد وانّ أقلّ المجزي هو الثلاثة المذكورة فيها . وكيف كان فالرواية غايتها إنّها مشعرة بذلك ، وامّا الدلالة فلا ، ومعه لا يجوز رفع اليد عن العمومات الدالّة على نجاسة العذرة .

مع انّه يظهر من بعض الأخبار انّه لا تحصل الطهارة بالمسح بالأحجار بل يتوقّف حصولها على الغسل بالماء :

كصحيحة مسعدة بن زياد عن جعفر عن أبيه عن آبائه(عليهم السلام) انّ النبي(صلى الله عليه وآله) قال لبعض نسائه : مُري نساء المؤمنين أن يستنجين بالماء ويبالغن فإنّه مطهرة للحواشي ومذهبة للبواسير .

الصفحة 58

فإنّ ظاهرها انّ تطهير الحواشي وهو حواشي الدبر الذي هو عبارة عن حلقته يتوقّف على الاستنجاء بالماء ولا يحصل بالاستنجاء بغيره .

وموثقة أبي خديجةـ المتقدّمةـ الواردة في الرجل الأنصاري الدالّة على نزول آية في شأنه وانّه هو أوّل التوّابين وأوّل المتطهّرين ، فإنّه لو كان الاستنجاء بالأحجار أو بغيرها سوى الماء مؤثّراً في حصول الطهارة ولم يكن هناك فرق بين أقسام الاستنجاء من هذه الجهة لما كان وصف التطهّر مختصّاً بالرجل فضلاً عن أن يكون أوّل المتطهّرين فتدبّر .

والمحكي عنهم في المسألة قولان; والظاهر عدم اتّصاف شيء من القولين بالموافقة للمشهور وإن كان ربّما ينسب القول بالطهارة إلى ظاهر كلمات الأكثر إلاّ انّهـ مضافاً إلى كونهم من المتأخّرينـ يعارضه ادّعاء بعضهمـ كالمحقّق والعلاّمة ـ الإجماع على القول بالعفو كما هو المحكيّ عنهما ، وعلى ما ذكر فينحصر مستند المسألة في النصوص الواردة ، وقد عرفت انّهـ مضافاً إلى أنّ التخصيص يحتاج إلى الدليل ومع عدمه تبقى العمومات الواردة في نجاسة الغائط على حالهاـ يكون ظاهر الأخبار أيضاً ذلك فلا محيص عن القول بالعفو ، وعليه فاللازم الاقتصار على خصوص الأحكام والآثار التي عفى عنها بمقتضى الدليل لأنّه لم يرد نصّ بهذا اللفظ حتّى يدّعى ظهوره في العموم بالإضافة إلى جميع أحكام النجاسة ، بل هو مقتضى الجمع بين تلك العمومات وبين الأدلّة الواردة في بعض الموارد الدالّة على معاملة الطهارة معها فيه; كصحيحة زرارة المتقدّمة الواردة في الصلاة وانّه لا تتحقّق إلاّ بالطهور ، فتجب متابعتها وعدم التعدّي عنها إلى الموارد الخالية عن الدليل كما لايخفى .

الصفحة 59

مسألة 3ـ إنّما يكتفى بالمسح في الغائط إذا لم يتعد المخرج على وجه لا يصدق عليه الاستنجاء ، وأن لا يكون في المحلّ نجاسة من الخارج حتّى إذا خرج مع الغائط نجاسة اُخرى كالدم يتعيّن الماء1 .

1ـ لا إشكال بل لا خلاف في عدم اجزاء غير الماء في صورة التعدّي عن المخرج بعد عدم صدق الاستنجاء عليه واختصاص أدلّة جواز التمسّح بالاستنجاء كما عرفت في مثل رواية زرارةـ المتقدّمةـ إنّما الكلام في المراد من المخرج بعد وضوح انّه لا يكون المراد ظاهره الذي هو عبارة عن الموضع الذي يخرج منه الغائط ضرورة انّهـ بناء عليهـ ينحصر مورد الاستنجاء بغير الماء من الأحجار وشبهها بما إذا خرج الغائط نحو خروج البعرة ، وهو مستلزم لرفع اليد عن الأخبار الكثيرة الواردة في الاستنجاء بغير الماء ، مع انّ كثيراً منها صادر من الصادقين(عليهما السلام) . ومن المعلوم انّ أغذية نوع الناس لم تكن في ذلك الزمان منحصرة بالبسر كما في صدر الإسلام وما قبله على ما تدلّ عليه الرواية العامّية المتقدّمة عن علي(عليه السلام) انّه قال : إنّكم كنتم تبعرون بعراً . . . خصوصاً مع كون أكثر الرواة من أهل الكوفة ، وحال الكوفة في ذلك الزمان معلوم .

وبالجملة لا ينبغي الارتياب في أنّه لا يكون مرادهم من لفظ «المخرج» ما هو ظاهره بحسب اللغة ، ومن هنا اختلفت عباراتهم في تفسيره وبيان المراد منه . والذي يوافقه التحقيق في المراد من هذا اللفظ ما يظهر من السيّد(قدس سره) في «الانتصار» حيث قال في مقام الردّ على العامّة الطاعنين على فقهائنا الإمامية(رض) القائلين بالفرق بين البول والغائط بجواز الاستجمار في الثاني دون الأوّل وانّه لا يكفي فيه إلاّ الغسل ، وبيان الفرق بينهما : «ويمكن أن يكون الوجه في الفرق بين نجاسة البول ونجاسة الغائط انّ الغائط قد لا يتعدّى المخرج إذا كان يابساً ، ويتعدّى إذا كان

الصفحة 60

بخلاف هذه الصفة ، ولا خلاف في انّ الغائط متى تعدّى المخرج فلابدّ من غسله بالماء لأنّه مايع جار ولابدّ من تعدية المخرج وهو في وجوب تعدّيه له أبلغ من رقيق الغائط فوجب فيه ما وجب فيما يتعدّى المخرج من مايع الغائط ولا خلاف في وجوب غسل ذلك» .

وظاهره انّ المراد بالغائط المتعدّي الذي لا يجزي فيه إلاّ الغسل هو الذي له نحو من الميّعان والجريان نظير البول الذي يسري إلى أطراف المخرج ، فكما انّه يتعيّن الغسل بالماء في الثاني يتعيّن في الأوّل أيضاً مع انّ البول في التعدّي أبلغ من رقيق الغائط فيصير المراد انّه إذا تعدّى عن محلّ العادة لا يكفي فيه إلاّ الغسل فيوافق مع ما رواه الجمهور عن علي(عليه السلام) ممّا تقدّم .

وبالجملة : فالظاهر أنّ مرادهم بالمخرج محلّ العادة فإذا تجاوز وتعدّى عنه كما فيمن لانَ بطنه ونظائره فلا تجزي الأحجار ونظائرها ، ويؤيّده ما عرفت من انّه لو كان حدّ الاستنجاء الذي يجوز بالاستجمار أقلّ من ذلك يلزم طرح أخبار الاستنجاء بغير الماء خصوصاً مع ملاحظة تعارفه في ذلك الزمان على ما يستفاد منها .

ثمّ إنّ الحكمـ في صورة التعدّي عن المخرج بالمعنى المذكورـ هل هو وجوب غسل خصوص المقدار الذي تعدّى أو وجوب غسل المجموع؟ والظاهر هو الثاني كما يظهر من استثنائهم صورة التعدّي عن أدلّة جواز الاستنجاء بالأحجار وإن كان يمكن توجيه الأوّل بأنّ الاستثناء إنّما هو بملاحظة خروجه عن صدق الاستنجاء ومن الظاهر أنّ الخروج عن صدقه إنّما يختص بالمقدار المتعدّى ولا وجه لخروج غير ذلك المقدار عن هذا العنوان ومع ذلك فظاهر كلماتهم هو الثاني .

ثمّ إنّه لو شكّ في التعدّي عن الحدّ الذي يجوز الاستجمار إلى ذلك الحدّ فإن كانت

<<التالي الفهرس السابق>>