الصفحة 61
الشبهة موضوعية فالأصل عدمه لو قلنا بجريان الأصل في اعدام موضوعات الأحكام وإلاّ فالمرجع هو استصحاب النجاسة أو حكمها ، كما انّ المرجع هو الاستصحاب لو كانت الشبهة حكمية كما لا يخفى وجهه .
بقي الكلام في اعتبار أن لا يكون في المحلّ نجاسة من الخارج ، بل لا يكون الغائط مشتملاً على نجاسة اُخرى كالدمـ مثلاًـ والوجه في اعتبار الأوّل واضح لأنّ الأخبار الواردة في كفاية التمسّح والاجتزاء به مكان الغسل إنّما دلّت على الجواز فيما إذا تنجّس المحلّ بالغائط الخارج منه ، وامّا إذا تنجّس بغيره أيضاً من نجاسة خارجية فلم يدلّ دليل على الكفاية فيه أيضاً لو لم نقل بقيام الدليل على عدمها وهو ما يدلّ على تعيّن الغسل بالماء في مثل الدم وشبهه ، ومنه يظهر الوجه في اعتبار الثاني أيضاً ضرورة أن مورد الأخبار جواز التمسّح في الاستنجاء من الغائط لا منه ومن شيء آخر خرج منه ، ولا فرق فيما ذكرنا بين القول بتنجّس المحلّ بالنجاسة الخارجية أو بما خرج مع الغائط وبين القول بعدمه لأنّه على التقدير الثاني وإن لم يكن هناك تنجّس جديد إلاّ انّ تبدّل حكم المحلّ بملاقاتها بعد ثبوت الأثر الزائد لها ممّا لا يكاد ينكر وهذا كما في مثل المتنجّس بالدم الملاقي للبول فإنّه لا محيص فيه من اعتبار التعدّد وإن كان الدم لا يحتاج إليه أصلاً فلا فرق بين التقديرين في المقام .
الصفحة 62
مسألة 4ـ يحرم الاستنجاء بالمحترمات ، وكذا بالعظم والروث على الأحوط ، ولو فعل فحصول الطهارة محلّ إشكال ، خصوصاً ، في العظم والروث ، بل حصول الطهارة مطلقاً حتّى في الحجر ونحوه محلّ إشكال ، نعم لا إشكال في العفو عن غير ما ذكر1 .
1ـ امّا حرمة الاستنجاء بالمحترمات كالكتب المقدّسة المحترمة فلاستلزام الاستنجاء بها الهتك المحرّم ، بل ربّما يوجب الارتداد والكفر كما هو ظاهر .
وامّا حرمة الاستنجاء بالعظم والرّوث فلأنّها متسالم عليها عند الأصحاب وعن غير واحد دعوى الإجماع عليها ، نعم حكى التردّد فيه عن العلاّمة(قدس سره) في التذكرة مع انّه ادّعى الإجماع على المنع في بعض كتبه الآخر ، والأخبار الكثيرة الواردة في هذا الباب وإن كان كلّها غير نقيّ السند إلاّ انّ الشهرة العظيمة بل الإجماع يكفي في انجبار ضعفها .
نعم وقع الكلام في انّه إذا عصى واستنجى بشيء من المذكورات فهل لا يتحقّق الأثر المترتّب على الاستنجاء من الطهارة أو العفو أم لا يكون في البين إلاّ مجرّد عصيان ومخالفة نهي تحريمي من دون أن يكون مستلزماً للفساد بمعنى عدم ترتّب الأثر المترقّب عليه .
ولابدّ في استكشاف حصول الطهارة أو العفو وعدم حصوله أوّلاً : من ملاحظة انّ الدليل الوارد في الاستنجاء بغير الماء هل يشمل الاستنجاء بالمذكورات أم لا؟ وثانياً : من ملاحظة أنّه على تقدير الشمول هل الدليل الدالّ على تحريم الاستنجاء بها يدلّ على الفساد أم لا؟
أمّا الجهة الاُولى فقد عرفت انّ عمدة الدليل على التعدّي عن الأحجار الواردة في مثل صحيحة زرارة المتقدّمة هو الإجماع على جواز التمسّح بغير الأحجار أيضاً
الصفحة 63
وإلاّ فصحيحة ابن المغيرة ورواية يونس المتقدّمتان لا دلالة لهما على هذه الجهة بوجه ، فالعمدة هو الإجماعـ وحينئذـ نقول : إنّ القدر المتيقّن من الإجماع على التعدّي عن الأحجار غير الاستنجاء بالمحترمات وكذا بالعظم والرّوث ، فالاستنجاء بشيء من المذكورات لم يقم دليل على الاكتفاء والاجتزاء به فلا وجه لحصول الطهارة به أو العفو .
وامّا الجهة الثانية فعلى فرض الشمول نقول : إنّ الاستنجاء بالمحترمات لا يكون النهي عنه إلاّ نهياً تكليفياً نفسياً والقول بفساده يبتني على دعوى الملازمة بين الفساد والحرمة ولكنّها ممنوعة جدّاً فإنّ الملازمة بين الحرمة والفساد إنّما هي فيما إذا كانت الحرمة متعلّقة بالعبادات لا بالمعاملات بالمعنى الأعمّ كما حقّق في الاُصول ، وعليه فإذا تحقّق منه العصيان واستنجى بشيء من المحترمات فالاستنجاء صحيح ويترتّب عليه الأثر المترقّب من الطهارة أو العفو .
وامّا الاستنجاء بالعظم والرّوث فقد عرفت انّه ورد فيه روايات وعمدتها رواية ليث المرادي عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته عن استنجاء الرجل بالعظم أو البعر أو العود قال : امّا العظم والرّوث فطعام الجنّ وذلك ممّا اشترطوا على رسول الله(صلى الله عليه وآله)فقال : لا يصلح بشيء من ذلك . وظاهر السؤال هو السؤال عن الجواز الوضعي وانّ الاستنجاء بشيء من المذكورات هل يؤثّر في ترتّب الأثر المقصود أم لا ، وظاهر الجواب مع قطع النظر عن حديث الجنّ عدم صلاحيتها لذلك الظاهر في عدم ترتّب الأثر عليه إلاّ انّه مع ملاحظة ذلك الحديث ظاهره الكراهة التكليفية غير الملازمة مع الفساد بوجه ، ولذا استفاد صاحب الوسائل(قدس سره) من هذه الرواية وشبهها مجرّد الكراهة وجعل عنوان الباب كراهة الاستنجاء بالعظم والروث ، وعليه فيتحقّق الإشكال في أصل الحكم بالحرمة على تقدير كون المستند هي
الصفحة 64
الروايات المنجبرة بالشهرة فإنّ الانجبار إنّما هو بالإضافة إلى السند ، وامّا من جهة الدلالة فلا وجه للانجبار ، بل هي منوط باجتهاد الناظر وقد عرفت انّه لا دلالة لها إلاّ على مجرّد الكراهة خصوصاً مع اشتمال رواية ليث على ذكر العود أيضاً والظاهر انّه لا قائل بالتحريم فيه .
ثمّ إنّه لو قطع النظر عن الروايات الواردة واستند في الحكم بالحرمة إلى نفس الإجماع والشهرة يتوجّه الإشكال من ناحية اُخرى وهو انّ كلمات المجمعين مختلفة لظهور بعضها في الحرمة التكليفية وعدم التعرّض للحرمة الوضعية ، بل صرّح بعضهم بنفيها وانّ المعصية لا يوجب الفساد وظهور البعض الآخر في الحرمة الوضعية وعدم التعرّض للتكليفية بل التصريح بعدمها ، وـ حينئذـ فإن قلنا بأنّ مستند المجمعين لا يكون إلاّ تلك الروايات الواردة في الباب فالإجماع يخرج عن الاصالة ولا يكون حجّة مستقلّة ، بل اللاّزم ملاحظة الروايات وقد عرفت عدم ظهورها في شيء من الأمرين ، وإن قلنا بأنّ مستندهم شيء آخر غير الروايات ـ وإن كان هذا الاحتمال بعيداً جدّاًـ فهل يتحقّق لنا علم إجمالي بثبوت واحد من التكليفين في الواقع أو انّ اختلافهم يكشف عن الشكّ في أصل ثبوت تحريم واقعي ولا يتحقّق لنا علم إجمالي أصلاً؟ الظاهر هو الثاني وإن كان الاحتياط لا ينبغي أن يترك خصوصاً في الحرمة التكليفية فتدبّر .
ثمّ إنّ استشكال المتن في حصول الطهارة حتّى في مثل الحجر مبني على ما تعرّضنا له في ذيل المسألة المتقدّمة من انّ أخبار الاستنجاء بغير الماء هل يستفاد منها حصول الطهارة كالغسل بالماء أو انّ مقتضى الجمع بينها بعد عدم دلالتها على حصول الطهارة في نفسها وبين عمومات نجاسة الغائط هو الالتزام بالعفو فراجع .
الصفحة 65
مسألة 5ـ لا يجب الدلك باليد في مخرج البول ، نعم لو احتمل خروج المذي معه فالأحوط الدلك1 .
1ـ امّا عدم وجوب الدلك باليد مع عدم خروج المذي وعدم احتماله أيضاً فلأنّه لا حاجة إليه بعد زوال البول بمجرّد الغسل أو الصبّ وإن شئت قلت : إطلاق الأمر بالغسل أو الصبّ يقتضي عدم وجوبه .
وامّا وجوبه الاحتياطي مع احتمال خروج المذي المانع من وصول الماء إلى البشرة فلاحتمال وجود الحاجب والمانع عن وصوله إليها وقد تقرّر في محلّه انّ أصالة عدم المانع لا يترتّب عليها أثر شرعي إلاّ على القول باعتبار الاُصول المثبتة ، كما انّ دعوى ثبوت السيرة من المتشرّعة قديماً وحديثاً على عدم الاعتناء باحتمال وجود الحاجب أيضاً مدفوعة بعدم ثبوتها بحيث يكشف عن رضى المعصوم بذلك ، بل يمكن أن يقال بكون مورد السيرة هي صورة الاطمئنان بالعدم أو الغفلة عن الوجود بالكلّية فتدبّر .
وكيف كان فمع احتمال وجود الحاجب لا يحصل العلم بوصول الماء إلى البشرة المتنجّسة ومع عدمه لا يكاد يتحقّق إحراز الموافقة .
الصفحة 66
فصل في الاستبراء
وكيفيته على الأحوط الأولى أن يمسح بقوّة ما بين المقعد وأصل الذكر ثلاثاً ثمّ يضع سبّابته ـ مثلاًـ تحت الذكر وإبهامه فوقه ، ويمسح بقوّة إلى رأسه ثلاثاً ثمّ يعصر رأسه ثلاثاً ، فإذا رأى بعده رطوبة مشتبهة لا يدري انّها بول أو غيره فيحكم بطهارتها وعدم ناقضيتها للوضوء لو توضّأ قبل خروجها بخلاف ما إذا لم يستبرأ فإنّه يحكم بنجاستها وناقضيتها ، وهذا هو فائدة الاستبراء ، ويلحق به في الفائدة المزبورة على الأقوى طول المدّة وكثرة الحركة بحيث يقطع بعدم بقاء شيء في المجرى وان البلل المشتبه نزل من الأعلى فيحكم بطهارته وعدم ناقضيته1 .
1ـ الظاهر انّ الاستبراء الذي وردت فيه روايات لا يكون متعلّقاً لحكم وجوبي أو استحبابي لعدم كونه شرطاً لحصول الطهارة وعدم قيام دليل على استحبابه والأخبار الواردة فيه مفادها الإرشاد وبيان ما يتخلّص به عن انتقاض الوضوء بالبلل المشتبه وعروض النجاسة للبدن أو الثوب أيضاً ، فالغرض هو التخلّص عن ذلك والفرار عن الابتلاء بما ذكر من زوال الطهارة الحدثية أو عروض النجاسة الخبثية ولا دلالة لشيء منها على استحبابه بعنوانه ، ولو حصلت الفائدة المزبورة من غير طريق الاستبراء كطول المدّة وكثرة الحركة يكفي في تحقّق المرشد إليه فالاستبراء بعنوانه لا يكون متعلّقاً للوجوب الشرطي ولا للاستحباب النفسيّ .
وامّا كيفيّته المؤثِّرة في حصول الفائدة المذكورة فقد اختلفت كلماتهم في عدد المسحات المعتبرة فيه فذهب المشهورـ كما في المتنـ إلى اعتبار أن تكون المسحات تسعاً ، وعن جماعة من الأصحاب كفاية الستّ بالمسح من مخرج النجو إلى أصل
الصفحة 67
القضيب ثلاثاً وينتره ثلاثاً ، وعن المفيد(قدس سره) في «المقنعة» انّه يمسح باصبعه الوسطى تحت انثييه إلى أصل القضيب مرّة أو مرّتين أو ثلاثاً ثمّ يضع مسبحته تحت القضيب وإبهامه فوقه ويمرّهما عليه باعتماد قوى من أصله إلى رأس الحشفة مرّة أو مرّتين أو ثلاثاً ليخرج ما فيه من بقيّة البول ، والظاهر منه عدم اعتبار العدد أصلاً والمدار على الاطمئنان بالنقاء . وعن علم الهدى وابن الجنيد(قدس سرهما) انّ المسحات المعتبرة في الاستبراء ثلاث وهو بأن ينتر الذكر من أصله إلى طرفه ثلاثاً .
ومنشأ الاختلاف هو اختلاف الروايات المتعدّدة الواردة في المقام :
منها : رواية عبد الملك بن عمر ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في الرجل يبول ثمّ يستنجي ثمّ يجد بعد ذلك بللاً قال : إذا بال فخرط ما بين المقعدة والانثيين ثلاث مرّات وغمز ما بينهما ثمّ استنجى فإن سال حتّى يبلغ السوق فلا يبالي .
ومنها : روايه حفص بن البختري ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في الرجل يبول قال : ينتره ثلاثاً ثمّ إن سال حتّى يبلغ السّوق فلا يبالي .
ومنها : رواية صحيحة أو حسنة لمحمد بن مسلم قال : قلت لأبي جعفر(عليه السلام) : رجل بال ولم يكن معه ماء؟ قال : يعصر أصل ذكره إلى طرفه ثلاث عصرات وينتر طرفه فإن خرج بعد ذلك شيء فليس من البول ولكنّه من الحبائل .
والكلام في مفاد هذه الروايات تارة من جهة عدد المسحات المعتبرة في الاستبراء واُخرى من حيث الترتيب وانّه هل لها دلالة على اعتباره أم لا؟
امّا من الجهة الاُولى فربّما يقال : بأنّ القاعدة تقتضي الاكتفاء بكلّ ما ورد في النصوص لاستبعاد تقييد بعضها ببعض ، كما انّه قد اُجيب عنه بأنّه لا مانع من تقييد المطلق منها بالمقيّد كسائر الموارد المشتملة على المطلق والمقيّد ، وعليه فمقتضى القاعدة تقييد رواية عبد الملك الدالّة على كفاية التمسّح بما بين المقعدة والانثيين
الصفحة 68
ثلاثاً وغمز ما بينهما برواية حفص الدالّة على اعتبار مسح القضيب ثلاثاً ، كما انّ مقتضاها تقييد رواية حفص برواية محمد بن مسلم المشتملة على مسح الحشفة ثلاثاً أيضاً ، ويتحصّل من ذلك انّ المعتبر في الاستبراء تسع مسحات كما هو المشهور .
نعم ذكر في الجواهر : انّ الضمير في قوله(عليه السلام)ـ ما بينهماـ في رواية عبد الملك يرجع إلى المقعدة والانثيين مع انّ غمز ما بينهما لم يقل أحد بوجوبه فلا مناص من طرحه مع انّ الظاهر انّ الضمير يرجع إلى الانثيين والمراد من ما الموصولة هو القضيب باعتبار وقوعه بين الانثيين فهو كناية عن الذكر ولم يصرّح به حياءً ، والمراد من غمز الذكر هو عصره ومسحه بقوّة . نعم قد عرفت انّ إطلاقها يقيد برواية حفص الدالّة على مسح القضيب ثلاثاً بعد رجوع الضمير فيها إلى البول المستفاد من كلمة «يبول» في السؤال .
بل ربّما يقال : بأنّه يستفاد من نفس رواية حفص اعتبار تسع مسحات نظراً إلى أنّ معنى «ينتره» انّه يجذب البول ، وانجذاب البول المتخلّف في الطريق لا يتحقّق بعصر نفس القضيب لأنّ الاختبار أقوى شاهد على أنّ المتخلّف من البول بين المقعدة وأصل القضيب أكثر من المتخلّف في القضيب بحيث لو عصرت ما بينهما لرأيت انّ البول يتقاطر من القضيب بأزيد ممّا يخرج في مسح القضيب .
وعليه فالرواية تدلّ على اعتبار عصر ما بين المقعدة ونهاية القضيب وجذب البول المتخلّف فيما بينهما ثلاثاً ، وما بين المقعدة ونهاية الذكر قطعات ثلاث وهي ما بين المقعدة والانثيين والقضيب والحشفة ومسح كلّ منها ثلاثاً يبلغ التسع . بل ربّما يقال باستفادة ذلك من رواية محمد بن مسلم أيضاً; لأنّ أصل الذكر الوارد في الرواية ظاهره العروق التي يقوم عليها الذكر ولم يرد به آخر القضيب ، كما انّ أصل
الصفحة 69
الشجر يطلق عل يالعروق المنشعبة المتشتّتة تحت الأرض وهي التي يقوم بها الشجر ، وهذه العروق هي الكائنة فيما بين المقعدة والانثيين ، وعليه فالرواية تدلّ على اعتبار المسح فيما بين المقعدة وطرف الذكر ثلاث مرّات ، وقد يتوهّم انّ قوله(عليه السلام) : وينتر طرفه ، لا دلالة له على نتر الطرف ثلاثاً ولكنّه يندفع بأنّه لم يرد بهذا القول ان مسح أصل الذكر مغائر مع نتر طرفه بل الظاهر انّه أراد المسح من أصل الذكر إلى نهايته ثلاث مرّات ودفعاً لتوهّم عدم اعتبار نتر الحشفة أضاف هذا القول .
أقول : أمّا ما اُفيد في معنى رواية حفص ففيه انّ الظاهر رجوع الضمير إلى البول بمعنى الذكر والقضيب لا البول في مقابل الغائط ، ومعنى النتر على ما في اللغة هو المدّ والمسح ويدلّ عليه إضافة النتر إلى الطرف رواية محمد بن مسلم ، وعليه فلا دلالة لرواية حفص إلاّ على اعتبار مسح القضيب ومدّه ولا دلالة لها على اعتبار مسح ما بين المقعدة والانثيين .
كما انّ ما اُفيد في معنى رواية محمد بن مسلم مخدوشـ مضافاً إلى ظهور كون قوله(عليه السلام) : وينتر طرفه ، في أنّه في مقام إفادة أمر زائد على ما تدلّ عليه الجملة الاُولى لا في مقام دفع توهّم عدم اعتبار نتر الحشفةـ بأنّ كلمة «الأصل» قد تستعمل في مقابل نفس الشيء كما يقال أصل الشجر في مقابل نفس الشجر .
ومن الواضح انّ المراد بهـ حينئذـ هي العروق التي يقوم عليها الشيء وتكون مغائرة لنفس ذلك الشيء ، وقد تستعمل في مقابل بعض أجزاء الشيء ، وعليه فلا مجال لأن يكون خارجاً عن نفس الشيء كما في المقام فإنّ كلمة الأصل قد استعملت في مقابل الطرف الذي هو جزء من الذكر ولا وجه لأن يكون الأصل ـ حينئذ ـ خارجاً عن أجزائه أصلاً خصوصاً مع ملاحظة عدم وضوح كون أصل
الصفحة 70
الذكر هي العروق الكائنة فيما بين المقعدة والانثيين لأكثر الناس بل كثيرهم فكيف يكون متعلّقاً للحكم الشرعي؟
وبالجملة : لا خفاء في انّ المراد بأصل الذكر ما يقابل طرفه الذي يكون المراد به هي الحشفة .
وعلى ما ذكرنا ينقدح انّه لا دلالة لشيء من الروايات على اعتبار عصر الحشفة ثلاث مرّات إلاّ أن يقال بدلالة رواية حفص عليه نظراً إلى ظهورها في اعتبار نتر مجموع الذكر كذلك فتدبّر .
وكيف كان فالظاهر انّ مقتضى الجمع بين الروايات المختلفة التي عرفتها هو ما ذهب إليه المشهور من اعتبار تسع مسحات ولا مجال لدعوى الاكتفاء بكلّ ما ورد فيها .
وامّا الجهة الثانية فظاهر المتن ككثير من العبارات اعتبار الترتيب في المسحات التسع المتقدّمة .
وأقول : امّا اعتباره بمعنى كون الشروع ممّا بين المقعدة والانثيين والختم بالحشفة التي عبّر عنها بطرف الذكر في رواية محمد بن مسلم فمّما لا إشكال فيه بداهة أنّ ما عدى هذا الفرض من سائر الفروض لا يتحقّق به الغرض الذي قد فهم العرف من الروايات انّه قد جعل الاستبراء لأجل حصوله وهو خروج بقايا البول عن المجرى وزوالها منه كما لا يخفى .
وامّا اعتبار الترتيب بمعنى تقدّم جميع المسحات الثلاثة الاُولى على المسحات الثلاثة الثانية وهكذا بحيث لم يجز المسح ممّا بين المقعدة إلى الانثيين ومن أصل الذكر إلى طرفه ومسح الطرف مرّة ثمّ تكراره ثانياً وثالثاً فهو أيضاً يستفاد من التأمّل في الروايات بلحاظ ظهور رواية عبد الملك في تقدّم المسحات الثلاثة المرتبطة بما بين
الصفحة 71
المقعدة والانثيين على غمز ما بين الانثيين وإن كان العطف بالواو لا يقتضي الترتيب إلاّ انّ ذكر العدد قبل الغمز ظاهر عرفاً في تأخّره عن الثلاث ، غاية الأمر عدم دلالة الرواية على اعتبار كون الغمز ثلاثاً ولكن الدليل على اعتباره هو رواية حفص الدالّة على اعتبار النتر ثلاثاً ، وامّا الترتيب بين مسح القضيب ونتر الحشفة الذي هو طرف الذكر فالدليل عليه هي رواية محمد بن مسلم بناءً على ما استفدنا منها فاعتبار الترتيب مستفاد من الروايات بالنحو المذكور .
ثمّ إنّ الحكم على الاستبراء بالكيفية المذكورة بأنّه الأحوط الأولىـ كما في المتن ـ إن كان بلحاظ الجهتين المذكورتين جميعاً من العدد والترتيب فالظاهر خلافه لما عرفت من استفادة اعتبار العدد من الروايات ، وإن كان بلحاظ خصوص الترتيب الذي هي الجهة الثانية منهما فيمكن موافقته بلحاظ عدم ظهور الروايات فيه ظهوراً عرفياً كظهورها في أصل اعتبار العدد وإن كان التأمّل فيها يقتضي ذلك كما عرفت .
ثمّ إنّك عرفت انّ الاستبراء لا يكون محكوماً بالوجوب الشرطي ولا بالاستحباب النفسي ، بل فائدته طهارة البلل المشتبه الخارج بعده والدليل عليه نفي البأس عنه بعد الاستبراء في رواية عبد الملك ورواية حفص والحكم بعدم كونه من البول بعده في رواية محمد بن مسلم ومفادها ثبوت البأس والبولية قبل تحقّق الاستبراء تقديماً للظاهر على الأصل فإنّ مقتضى قاعدة الطهارة وإن كان هي الطهارة في البلل المشتبه مطلقاً إلاّ انّ الظاهر كونه من بقايا البول المتخلّف في المجرى فيما إذا لم يتحقّق الاستبراء وقد قدّم الشارع في المقام بمقتضى الروايات الظاهر على الأصل وحكم بكونه بولاً قبل الاستبراء وعدم كونه كذلك بعده .
نعم صحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : قال : من اغتسل وهو
الصفحة 72
جنب قبل أن يبول ثمّ يجد بللاً فقد انتقض غسله ، وإن كان بال ثمّ اغتسل ثمّ وجد بللاً فليس ينقض غسله ولكن عليه الوضوء لأنّ البول لم يدع شيئاً . ظاهرة في ناقضية الوضوء ولو مع الاستبراء أيضاً ، إلاّ أن يقال بمنع ظهورها في ذلك ، بل ظاهره عدم تحقّق الاستبراء . وعلى تقدير الإطلاق فاللاّزم تقييدها بسبب روايات المقام الظاهرة في عدم ترتّب الأثر عليه بعد الاستبراء ، ومثلها موثّقة سماعة : فاخ» كان بال قبل أن يغتسل فلا يعيد غسله ولكن يتوضّأ ويستنجي .
ثمّ إنّ صاحب الحدائق(قدس سره) قد تعجّب من حكمهم بنجاسة البلل المشتبه حيث قال في الكلام على الماء الطاهر المشتبه بالنّجس : «إنّ العجب منهمـ نوّر الله مراقدهم ـ فيما ذهبوا إليه هنا من الحكم بطهارة ما تعدّى إليه هذا الماء مع إتّفاقهم ظاهراً في مسألة البلل المشتبه الخارج بعد البول وقبل الاستبراء على نجاسة ذلك البلل ووجوب غسله ، إلى أن قال : والمسألتان من باب واحد» .
وأجاب عنه شيخنا الأنصاري(قدس سره) : بأنّ نجاسة البلل المشتبه الخارج قبل الاستبراء إنّما اُستفيدت من أمر الشارع بالطهارة عقيبه من جهة استظهار انّ الشارع جعل هذا المورد من موارد تقديم الظاهر على الأصل فحكم بكون الخارج بولاً لا انّه أوجب خصوص الوضوء بخروجه ، وقال : إنّ بذلك يندفع تعجّب صاحب الحدائق(قدس سره) من حكمهم بعدم النجاسة فيما نحن فيهـ أي في ملاقى بعض أطراف الشبهةـ وحكمهم بها في البلل مع كون كلّ منهما مشتبهاً .
وزاد عليه بعض الأعلام انّ ظاهر قوله(عليه السلام) : ويستنجي ، في موثّقة سماعة المتقدّمة انّ الشارع إنّما حكم بذلك لأجل انّ البلل الخارج وقتئذ بول ناقض للوضوء إذ لولا كونه بولاً نجساً لم يكن وجه لأمره(عليه السلام) بعده بالاستنجاء لوضوح انّ مجرّد غسل الذكر من غير بول لا يسمّى استنجاء بوجه ، هذا مضافاً إلى انّ نواقض
الصفحة 73
الوضوء محصورة فإذا حكمنا على البلل بالناقضية استكشف من ذلك انّه بول لا محالة إذ لا ينطبق شيء منها على البلل سوى البول ، فالبوليّة والناقضية متلازمتان في البلل وهذا بخلاف البلل الخارج بعد الاستبراء ، ومن هنا قيّدنا صحيحة محمد بن مسلم وموثّقة سماعةـ المتقدّمتينـ بما إذا خرج قبل الاستبراء .
أقول : لا حاجة إلى سلوك هذا الطريق غير الخالي عن المناقشة كما تظهر بالتأمّل بعد دلالة رواية محمد بن مسلم الواردة في المقام على كون البلل الخارج بعد الاستبراء لا يكون من البول وظاهره كون الخارج قبله من البول . ومن الواضح انّ البول له حكمان : النجاسة والناقضية للوضوء ، فدعوى عدم اشتمال روايات المقام على كون البلل المشتبه بولاً أو نجساً كما قد صرّح به بعد كلامه المتقدّم ممّا لا يساعده النظر في الروايات كما عرفته ، فالأقوى ترتّب النجاسة مضافاً إلى الناقضية أيضاً ولا يبقى موقع لتعجّب صاحب الحدائق بعد دلالة الدليل على ثبوت البولية في المقام .
ثمّ إنّه ظهر انّ الاستبراءـ على ما يظهر من التدبّر في الرواياتـ فائدته تنقية الطريق والمجرى من بقايا البول والرطوبة البولية المتخلّفة فيه ، وعليه فلا يكون له خصوصية وموضوعية ، فلو حصلت الفائدة المذكورة من غير طريق الاستبراء ، بل بطريق آخر كطول المدّة وكثرة الحركة فاللاّزم ترتّب أثر الاستبراء عليه فلا يحكم على البلل المشتبهـ حينئذـ بالنجاسة والناقضية ، بل يبقى تحت قاعدة الطهارة ومثلها ممّا يحكم بالطهارة وبعدم حدوث الناقض وبقاء الوضوء .
نعم الفرق بين الاستبراء وبين غيره ممّا يشترك معه في حصول الفائدة المذكورة وترتّب الأثر المقصود انّه لا يعتبر في الاستبراء حصول القطع بعدم بقاء شيء من تلك الرطوبات في المخرج لدلالة الروايات على كون الاستبراء بالكيفية المذكورة
الصفحة 74
مترتّباً عليه الأثر المذكور من دون تقييد بما إذا حصل له القطع بالعدم ، وامّا غير الاستبراء ممّا يقوم مقامه ويلحق به فالظاهر انّه يعتبر فيه القطع بحصول النقاء للمجرى وعدم كون البلل الموجود الخارج من الرطوبات البولية المتخلّفة في المجرى ضرورة انّه بدونه يكون مقتضى الروايات ترتّب حكم البول عليه لفرض عدم تحقّق الاستبراء بوجه ، فالفرق بين الأمرين عدم اعتبار حصول القطع في الاستبراء واعتبار حصوله في غيره ، وعليه فاحتمال البولية إنّما ينشأ من احتمال كون الخارج قد نزل من الأعلى ، وامّا في الاستبراء فيجتمع مع احتمال كونه من بقايا الرطوبات المتخلّفة فتدبّر .
الصفحة 75
مسألة 1ـ لا تلزم المباشرة فيكفي ان باشره غيره كزوجته أو مملوكته1 .
1ـ لأنّ مقتضى الأخبار المتقدّمة انّ الموضوع للحكم إنّما هو نفس الاستبراء من دون مدخلية لشيء فيه من جهة الآلات والأنحاء والأقسام فيكفي ان باشره غيره كالزوجة والمملوكة ، بل وان وقع على النحو المحرّم لأنّ الحرمة لا تقتضي الفساد في مثل المقام كما مرّت الإشارة إليه .
الصفحة 76
مسألة 2ـ إذا شكّ في الاستبراء يبني على عدمه ، ولو مضت مدّة وكان من عادته . نعم لو استبرأ وشكّ بعد ذلك انّه كان على الوجه الصحيح أم لا بنى على الصحّة1 .
1ـ امّا أصل البناء على العدم مع الشكّ في الاستبراء فلأنّه مقتضى اصالة عدم التحقّق مع الشكّ فيه كما هو الشأن في جميع ما يشكّ في حدوثه .
وامّا عدم الاعتناء بالعادة فيما إذا كان من عادته ذلك; فلعدم الدليل على الاعتناء بها في مقابل الأصل المذكور .
وامّا البناء على الوجه الصحيح مع الشكّ في الصحّة بعد الفراغ عن أصل الوجود فلأصالة الصحّة الجارية في أمثال المقام ممّا كان له صحيح وفاسد وشكّ في وقوعه صحيحاً أم فاسداً ولا اختصاص لأدلّة أصالة الصحّة بغير المقام كما قد قرّر في موضعه .
الصفحة 77
مسألة 3ـ إذا شكّ من لم يستبرأ في خروج الرطوبة وعدمه بنى على عدمه ، كما إذا رأى في ثوبه رطوبة مشتبهة لا يدري انّها خرجت منه أو وقعت عليه من الخارج فيحكم بطهارتها وعدم انتقاض الوضوء بها1 .
1ـ الوجه في البناء على العدم هي أصالة عدم خروج الرطوبة من هذا الشخص . ومن الواضح انّ الأخبار المتقدّمة الواردة في حكم الرطوبة المشتبهة قبل الاستبراء إنّما يكون موردها خصوص صورة العلم بخروج الرطوبة والشكّ في انّها مذي أو بول ، وامّا صورة الشكّ في أصل الخروج منه سواء كان المشكوك هو وجود الرطوبة وعدمها أو كان المشكوك خروجها منه أو وقوعها عليه من الخارج فلا تشمله الأخبار واللاّزم الرجوع إلى الأصل الذي يقتضي العدم كما في نظائره من سائر الموارد .
الصفحة 78
مسألة 4ـ إذا علم انّ الخارج منه مذي ولكن شكّ في انّه خرج معه بول أم لا ، لا يحكم عليه بالنجاسة ولا الناقضية إلاّ أن يصدق عليه الرطوبة المشتبه ، كأن يشكّ في أنّ هذا الموجود هل هو بتمامه مذي أو مركّب منه ومن البول1 .
1ـ هذه المسألة مشتملة على التعرّض لحكم فرضين :
أحدهما : ما لو علم بأنّ الخارج منه مذي بتمامه ولكنّه يشكّ في خروج البول معه وعدمه ، وحكمه الرجوع إلى اصالة عدم خروج البول لأنّ المفروض انّ ما هو الخارج قد علم كونه مذياً والبول لم يعلم خروجه أصلاً والأخبار الواردة موردها إنّما هو البلل المشتبه ولا يكون هنا بلل كذلك فالمرجع اصالة عدم خروج البول .
ثانيهما : ما لو شكّ في انّ الخارج منه هل هو مذي بتمامه أو انّه مركّب منه ومن البول ، وهذا الفرض مشمول للروايات المتقدّمة لتحقّق البلل المشتبه بالإضافة إلى بعض ما هو الخارج يقيناً والفرق بين هذا الفرض والمسألة المتقدّمة واضح فإنّه كان الشكّ هناك في أصل خروج الرطوبة المشتبهة ، وامّا هنا فخروج الرطوبة المشتبهة معلوم ، غاية الأمر انّ الاشتباه إنّما هو بالإضافة إلى بعض أجزائها لا تمامها كما لا يخفى .
الصفحة 79
مسألة 5ـ إذا بال وتوضّأ ثمّ خرجت منه رطوبة مشتبهة بين البول والمني ، فإن استبرأ بعد البول يجب عليه الاحتياط بالجمع بين الوضوء والغسل ، وإن لم يستبرىء فالأقوى جواز الاكتفاء بالوضوء ، وإن خرجت الرطوبة المشتبهة قبل أن يتوضّأ يكتفي بالوضوء خاصّة ، ولا يجب عليه الغسل سواء استبرأ بعد البول أم لا1 .
1ـ في هذه المسألة فروع :
الأوّل : ما إذا استبرأ بعد البول وتوضّأ ثمّ خرجت منه رطوبة مشتبهة بين البول والمني ، واحتاط فيه وجوباً بالجمع بين الوضوء والغسل ، والوجه فيه بعد عدم دلالة الأخبار المتقدّمة على حكم المقام; لأنّ موردها إنّما هو البلل المردّد بين البول وغير المني كالمذي بحيث لو خرج قبل الاستبراء يحكم ببوليّته وناقضيّته ولو خرج بعده حكم بالطهارة وعدم الناقضية وكونه من الحبائل كما صرّحت به رواية محمد بن مسلم ـ المتقدّمةـ انّ مقتضى العلم الإجمالي في مثله هو الجمع بين الوضوء والغسل لتحقّق أحد التكليفين وثبوت واحد من الحكمين فلا مناص من الجمع بين الأمرين على ما يقتضيه العقل الحاكم في البين ، هذا بالنظر إلى الناقضية . وامّا من جهة النجاسة فأصلها معلوم ولكن خصوصية البوليّة وكذا كونها منيّة غير معلومة فاللاّزم ترتيب الأحكام العامّة المترتّبة على جميع النجاسات ، وامّا الأحكام الخاصّة ففيها كلام ولعلّه يجيء الكلام فيه بعد ذلك .
الثاني : الصورة المتقدّمة مع فرض عدم الاستبراء بأن بال ولم يستبرأ وتوضّأ ثمّ خرجت منه رطوبة مشتبهة بين البول والمني وقد قوّى في المتن الاكتفاء فيه بالوضوء ، ولكن ربّما يقال بأنّه بعد فرض خروج المقام عن مورد الأخبار الواردة في الاستبراء; لأنّ موردها الرطوبة المشتبهة بين البول وغير المنيّ يكون مقتضى
الصفحة 80
القاعدة في هذا الفرع أيضاً الجمع بين الوضوء والغسل للعلم الإجمالي بثبوت واحد منهما فيجب الاحتياط بالجمع .
ويمكن الجواب عنه : بأنّ هذا الفرع وإن كان خارجاً عن مورد الأخبار المتقدّمة إلاّ انّه يستفاد منها حكم كلّي وهو انّ الرطوبة المشتبهة الخارجة قبل الاستبراء محكومة بأنّها بول لعدم حصول النقاء للمجرى بسبب الاستبراء ومع استفادة البولية من تلك الأخبار لا يجب رعاية احتمال كونها منيّاً أيضاً ، بل يجب ترتيب آثار البولية والحكم بوجوب الوضوء فقط .
ولكن يمكن المناقشة في هذا الجواب بأنّ لازمه استفادة عدم كونها بولاً من الروايات بالنسبة إلى الفرع الأوّل لصراحة بعض تلك الأخبار في انّ الخارج بعد الاستبراء لا يكون بولاً ومع انتفاء البوليّة لا يجب الوضوء ، فكيف حكم بوجوب الجمع بين الأمرين؟
وبعبارة اُخرى : الأخبار الواردة في الاستبراء امّا أن لا تكون شاملة لما إذا دار أمر الرطوبة بين كونها بولاً أو منياً ، وامّا أن تكون شاملة له أيضاً . فعلى الأوّل لا يجوز الاكتفاء بالوضوء في الفرع الثاني ، بل يجب الجمع بينه وبين الغسل كما في الفرع الأوّل ، وعلى الثاني لا معنى لإيجاب الجمع في الفرع الأوّل لدلالة الأخبار على عدم كونها بولاً واللاّزم كونها منيّاً فيجب الغسل فقط ولا وجه لإيجاب الوضوء عليه أيضاً .
وتندفع هذه المناقشة بأنّ المستفاد من الأخبار المتقدّمةـ بعد فرض خروج المقام عن موردهاـ انّ الرطوبة الخارجة قبل الاستبراء المحتملة للبوليّة تكون من البول وكاشفة عن عدم حصول النقاء للمجرى لعدم تحقّق الاستبراء كما هو المفروض ، وامّا الرطوبة الخارجة بعده المحتملة لها لا تكون من الرطوبات البولية
|