في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


الصفحة 101

من أحد من المسلمين إلاّ عن بعض العامّة ممّن لا عبرة بخلافه . والظاهر كون الوجوب وجوباً أصليّاً لا تبعيّاً من باب حكم العقل بوجوب تحصيل اليقين بتحقّق المأمور به .

الثالثة : في وجوب الغسل من المرفق إلى الأصابع أي من الأعلى إلى الأسفل أو العكس أو التخيير والذي صرّح به المحقّق في الشرائع هو الأوّل وهو ظاهر المتن خصوصاً مع ملاحظة تغيير الآية في مقام التعبير ، والمنشأ لتوهّم الخلاف التعبير بكلمة «إلى» في الآية الشريفة بتقريب انّ المرفق غاية للغسل وانّ الآية ناظرة إلى كيفية الغسل ومتعرّضة لبيانها وانّه يجب الابتداء من الأصابع إلى المرفق .

ولكنّه لا يخفى ظهورها في كون المرفق غاية للمغسول ، كما يظهر بملاحظة الاستعمالات فإنّ التتبّع فيها يقضي بكون استعمال «إلى» إنّما هو لمجرّد التحديد فإنّه لو قال المولى لعبده : اغسل العصاـ مثلاًـ من هذا المكان إلى المكان الفلاني لا يفهم العبد منه إلاّ مجرّد كون الواجب عليه بمقتضى أمر المولى هو غسل ذلك المقدار المحدود ، وامّا كيفية الغسل ووجوب الابتداء من المكان الأوّل والانتهاء إلى المكان الثاني فلا يخطر بباله أصلاً .

وبالجملة فالظاهر كون المرفق غاية للمغسول خصوصاً مع ملاحظة عدم التعرّض للابتداء بمثل كلمة «من» كما في المثال فإنّه لو سلّمنا الدلالة على الكيفية فإنّما هي في مثل المثال ممّا يشتمل على كلمتي «من وإلى» وامّا في مثل الآية ممّا وقع التعبير فيه بكلمة «إلى» فقط فلا دلالة فيه على بيان الكيفية بوجه ، فالمراد من الآية إفادة عدم وجوب غسل المقدار الباقي من اليد الذي لو لم يكن التحديد بالمرفق لشملته كلمة اليد ولدلّت الآيةـ حينئذـ على وجوب غسل جميع أجزائها فهي تدلّ على تحديد المقدار المغسول ولا مجال لتوهّم كون التحديد من ناحية أعلى

الصفحة 102

اليد بحيث كان المفاد وجوب الغسل من أعلى اليد إلى المرفق ضرورة انّ المتفاهم من غسل اليد عند العرف والمتعارف منه هو غسل أسفل اليد فالتحديد إنّما هو من هذه الناحية .

وكيف كان فلا ينبغي الإشكال في إطلاق الآية بالنسبة إلى كيفية الغسل وعدم دلالتها على تعيّن أحد النحوين بحيث لو لم يكن في البين ما يدلّ على لزوم الغسل من المرفق إلى أطراف الأصابع على سبيل اليقين لقلنا بالتخيير بينهما ولكن ورد في المقام أخبار تدلّ على تعيّنه وبها يقيّد إطلاق الآية وسائر الروايات المطلقة : منها رواية التميمي المتقدّمة والأصحّ انّها صحيحة وقد عرفت المراد بقوله(عليه السلام) : ليس هكذا تنزيلها فهي صحيحة من حيث السند تامّة من حيث الدلالة فلا إشكال في صلاحيتها للتقييد .

ومنها : بعض الأخبار الحاكية لوضوء رسول الله(صلى الله عليه وآله) المشتملة على ذكر هذه الخصوصية الظاهرة في كونها ملحوظة للرواة بخصوصها . ومنها : غير ذلك من الأخبار ولكنّها غير تامّة من حيث ا لسند .

الرابعة : في وجوب غسل شيء من العضد من باب المقدّمة العلميّة والاشكال الذي ذكرناه في الوجه لا يجري هنا .

الخامسة : في أنّ المقدار الذي داخل في الحدّ الذي يجب غسلهـ سواء كان هو الوجه أو اليدينـ بتمامه ولا يجوز الإخلال بغسل جزء منه ولو كان مقدار مكان شعرة; لأنّ مقتضى بيان الحدّ ليس مجرّد عدم وجوب الغسل الخارج عن الحدّ ، بل بيان وجوب الغسل الداخل أيضاً بأجمعه فتدبّر .

الصفحة 103

مسألة 4ـ لا يجب غسل شيء من البواطن كالعين والأنف وما لا يظهر من الشفتين بعد الإنطباق ، كما لا يجب غسل باطن الثقبة التي في الأنف موضع الحلقة سواء كانت الحلقة فيها أم لا1 .

والدليل على عدم وجوب غسل البواطن ـ مضافاً إلى الاتّفاق عليه وإلى عدم دلالة الآية الكريمة على وجوب غسلها فإنّ المتفاهم عند العرف من غسل الوجه المأمور به فيها هو غسل الظاهرـ رواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : ليس المضمضة والاستنشاق فريضة ولا سنّة إنّما عليك أن تغسل ما ظهر . قال الشيخ : أي ليسا من السنّة التي لا يجوز تركها . وقال صاحب الوسائل : مراده بالسنّة ما علم وجوبه بالسنّة وهو معنى مستعمل فيه لفظ السنّة في الأحاديث .

ويمكن أن يكون المراد بها فرض النبي(صلى الله عليه وآله) في مقابل فرض الله تبارك وتعالى فتدبّر .

وكيف كان فالرواية تدلّ على حصر ما يجب غسله في خصوص الظاهر ويعضده روايتان اُخرتان تدلاّن على نفي وجوب المضمضة والاستنشاق وعدم كونهما من الوضوء معلّلاً بكونهما من الجوف ، ويدلّ على الحكم أيضاً الروايات البيانيّة الحاكية لوضوء رسول الله(صلى الله عليه وآله) الخالية عن غسل البواطن .

نعم ربما يقال باستحباب فتح العينين عند الوضوء لما رواه الصدوق في الفقيه مرسلاً ، وفي العلل وثواب الأعمال مسنداً عن ابن عبّاس : افتحوا عيونكم عند الوضوء لعلّها لا ترى نار جهنّم .

وعن الراوندي انّه روى في نوادره باسناده عن الكاظم عن آبائه(عليهم السلام) قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله)  : اشربوا عيونكم الماء لعلّها لا ترى ناراً حامية .

ولكن عن الشيخ في الخلاف دعوى الإجماع على عدم استحباب إيصال الماء

الصفحة 104

إلى داخل العينين .

وفي محكي الذكرى عدم المنافاة بين الحكمين لعدم التلازم بين الفتح وبين إيصال الماء إلى الداخل . وفي سند الروايتين ضعف وفتور كما اعترف به صاحب الحدائق وعلى تقدير العدم أو الاكتفاء به في الحكم الاستحبابي واستفادة كون المستحبّ إيصال الماء لا مجرّد الفتح لا يجري هذا الحكم في غير العين مع انّ أصله حكم استحبابي والكلام في الغسل الواجب .

الصفحة 105

مسألة 5ـ لا تجب إزالة الوسخ تحت الأظفار إلاّ ما كان معدوداً من الظاهر ، كما انّه لو قصّ أظفاره فصار ما تحتها ظاهراً وجب غسله بعد إزالة الوسخ عنه1  .

والوجه في وجوب إزالة الوسخ تحت الأظفار فيما كان معدوداً من الظاهر كما هو المحكيّ عن المشهور إطلاق ما دلّ على وجوب غسل الظاهر وهو لا يكاد يتحقّق إلاّ بإزالة الوسخ عنه ليصل إليه الماء ، ولكن حكي عن العلاّمة في «المنتهى» احتمال عدم الوجوب; لكونه ساتراً عادة كاللّحية ولعموم البلوى فلو وجبت الإزالة لبيّنوه(عليهم السلام) وأيّده الاسترآبادي بما ورد من استحباب إطالة المرأة أظفار يديها .

واُجيب عنه بأنّ الستر به عادة لو سلّم لا يوجب إلحاقه بالباطن ، وامّا العادة فلم تثبت بنحو تكون سيرة معتمدة ، بل دعوى ثبوت العادة بعيدة; لأنّ الجزء الذي يعدّ من الظاهر يبعد عن موضع التقليم ويكون طرف الاصبع ، وثبوت العادة على وجود الوسخ فيه كما ترى ، ولذا حكي عن المشهور وجوب الإزالة ، وما دلّ على استحباب إطالة المرأة أظفارها غير متعرّض للمقام بوجه .

وممّا ذكر ظهر انّه لو قصّ أظفاره فصار ما تحتها ظاهراً يجب غسله بعد إزالة الوسخ عنه لإطلاق ما دلّ على وجوب غسل الظاهر بعد كون المفروض اتّصافه بكونه ظاهراً .

الصفحة 106

مسألة 6ـ إذا انقطع لحم من اليدين أو الوجه وجب غسل ما ظهر بعد القطع ، ويجب غسل ذلك اللحم أيضاً وإن كان اتصاله بجلدة رقيقة1 .

1ـ امّا وجوب غسل ما ظهر بعد القطع فلاتّصافه بعده بكونه من الظواهر ومقتضى الإطلاق وجوب غسله ، وامّا وجوب غسل ذلك اللّحم وإن كان اتّصاله بجلدة رقيقة فلأنّه متّصف بكونه جزء ما دام الاتّصال باقياً ولكن ربّما يحتاط في قطعه ليغسل ما تحت تلك الجلدة فيما لو عدّ ذلك اللّحم شيئاً خارجياً ولم يحسب جزء من اليد ، ولكن الجمع بينه وبين وجوب غسله ما دام لم ينفصل ممّا لا يكاد يتمّ; لأنّ وجوب الغسل إنّما ينشأ من الجزئية والاحتياط بالقطع إنّما هو مع فرض عدمها فكيف يجمع بينهما كما في كلام السيّد(قدس سره) في العروة .

الصفحة 107

مسألة 7ـ الشقوق التي تحدث على ظهر الكفّ إن كانت وسيعة يرى جوفها وجب إيصال الماء إليها وإلاّ فلا1 .

1ـ الوجه في وجوب إيصال الماء إليها إن كانت وسيعة يرى جوفها هو اتّصافها بكونها من الظواهر ، كما انّ الوجه في عدم الوجوب في غير هذه الصورة كونها من البواطن ضرورة انّ المرجع في التشخيص هو العرف فكلّ مورد حكم بكونه من الظاهر يجب غسله وكلّ مورد لم يحكم بكونه كذلك لا يجب .

ثمّ إنّه لو شكّ في كون الشقوق هل تكون بنحو يجب إيصال الماء إليها أو لا تكون كذلك فربّما يقال بعدم وجوب إيصال الماء إليهاـ حينئذـ عملاً بالاستصحاب . ويجري في هذا الاستصحاب احتمالان :

أحدهما : أن يكون المراد استصحاب كونها من الباطن نظراً إلى اتّصافها بذلك في الحالة السابقة ومقتضى الاستصحاب بقائها على هذه الصفة فلا يجب غسلها .

ثانيهما : أن يكون المراد استصحاب عدم وجوب الغسل بلحاظ انّها كانت غير واجبة الغسل في السابق ، ومقتضى الاستصحاب بقاء الحكم وعدم طروّ مزيل له .

ويرد على الأوّلـ مضافاً إلى عدم ترتّب حكم شرعي على الباطن بعنوانه غايته ترتّب الحكم على الظاهر بمعنى انّه ليس هنا إلاّ حكم شرعي واحد وهو وجوب الغسل وموضوعه الظاهر ولا يكون هنا حكم شرعي آخر مترتّب على عنوان الباطن إلاّ أن يكون المراد استصحاب عدم كونه من الظاهر فإنّه يجري لنفي الحكم المرتّب عليهـ إنّه إن كان الشكّ في كونه من الباطن بنحو الشبهة المفهومية فقد حقّق في محلّه عدم جريان الاستصحاب في مثله كالاستصحاب في مورد الشكّ في الغروب وانّه هل يتحقّق بمجرّد استتار القرص أو يتوقّف على زوال الحمرة المشرقية وأشباه ذلك . وإن كان الشكّ بنحو الشبهة المصداقية كما إذا كانت هناك

الصفحة 108

ظلمةـ مثلاًـ مانعة عن ملاحظة الشقوق وانّه هل تكون وسيعة يرى جوفها أم لا ، فالظاهر انّه لا مانع من جريان الاستصحاب في هذه الصورة كما انّه لا مانع من جريان الاستصحاب بالنحو الثاني ، ودعوى كون الشرط للصلاة هي الطهارة لا نفس الوضوء وهي لا تثبت بشيء من الاستصحابين قد عرفت منعها وانّ المستفاد من الأدلّة ليس إلاّ كون الشرط هو الوضوء المركّب من الغسلتين والمسحتين لا أمراً آخر حاصلاً منهما .

الصفحة 109

مسألة 8ـ ما يعلو البشرة مثل الجدري عند الاحتراق ما دام باقياً يكفي غسل ظاهره وإن انخرق ، ولا يجب إيصال الماء تحت الجلدة ، بل لو قطع بعض الجلدة وبقى البعض الآخر يكفي غسل ظاهر ذلك البعض ولا يجب قطعه بتمامه ، ولو ظهر ما تحت الجلدة بتمامه لكن الجلدة متّصلة قد تلصق وقد لا تلصق يجب غسل ما تحتها ، وإن كانت لاصقة يجب رفعها أو قطعها1 .

1ـ امّا الاكتفاء بغسل ما يعلو البشرة في الموارد التي حكم فيها في المتن بذلك فلكونه من الظاهر عرفاً وما تحته من الباطن ولا يقدح في ذلك الانخراق بوجه . وامّا عدم الاكتفاء به فيما لو ظهر ما تحت الجلدة بتمامه لكن الجلدة متّصلة قد تلصق وقد لا تلصق فلعدم كون ما تحتهاـ حينئذـ من الباطن ، بل الجلدة تصيرـ حينئذ ـ كالحاجب ولابدّ من إزالته لو كانت مانعة عن وصول الماء إلى ما تحتها ، ولكنّه مع عدم المنع عنه لا يستفاد من العبارة وجوب غسل الجلدة أيضاً والظاهر هو الوجوب إذا لم يعدّ شيئاً زائداً خارجياً غير محسوب جزء من اليد أو الوجه فتدبّر .

الصفحة 110

مسألة 9ـ يصحّ الوضوء بالارتماس مع مراعاة الأعلى فالأعلى ، لكن في اليد اليسرى لابدّ أن يقصد الغسل حال الإخراج حتّى لا يلزم المسح بماء جديد ، بل وكذا في اليمنى إلاّ أن يبقى شيئاً من اليسرى ليغسله باليمنى حتّى يكون ما يبى عليها من ماء الوضوء1 .

1ـ امّا صحّة الوضوء بالارتماس فيدلّ عليهاـ مضافاً إلى دعوى الإتّفاق عليها كما عن البرهان وظاهر الجواهرـ إطلاق الآية الكريمة وسائر أدلّة الغسل فإنّ الواجب بمقتضاها هو عنوان الغسل وهو كما يتحقّق بصبّ الماء على العضو المغسول كذلك يتحقّق برمسه في الماء; لأنّه ليس إلاّ عبارة عن مجرّد استيلاء الماء عليه ، واعتبار الجريان في مفهومه على تقديره إنّما هو لأجل وصول الماء بوصفها إلى جميع الأجزاء ضرورة انّ المحتمل إنّما هو اعتبار الجريان بهذا النحو ، وأمّا اعتباره بالنحو الذي ينفصل الماء من العضو المغسول ويجري على الأرض أو على الجزء الآخر فلا مجال لاحتماله فالجريان بالنحو الذي احتمل اعتباره لا يقدح في صحّة الوضوء بالارتماس بعد تحقّق هذا النحو من الجريان فيه أيضاً .

ويشهد لما ذكرنا تصريحهمـ تبعاً للروايةـ بكفاية وضع العضو المجبور في الماء حتّى يصل إلى البشرة وإن كان بعض العبائر يوهم عدم كفاية غمس العضو في الماء إلاّ إذا تعذّر نزع الجبيرة نظراً إلى عدم حصول الجريان المعتبر في مفهوم الغسل ولكنّه ضعيف مخالف للفتاوى والنصوص وقد عرفت انّ اعتبار الجريان على تقديره إنّما هو في مقابل إيصال البلل يمسّ اليد الرطبة للمحلّ على نحو الوضع أو الإمرار وإلاّ فلا إشكال في كفاية مجرّد استيلاء الماء على العضو من دون إجراء كما في وضع قطرة من الماء على جزء من العضو بحيث لا يتحرّك عنه ، وعليه فالمناقشة في الوضوء بالغمس والرمس من هذه الجهة ممّا لا ينبغي الإصغاء إليه .

الصفحة 111

وامّا مراعاة الأعلى فالأعلى فالدليل عليها ما مرّ من اعتبار ذلك ولكنّه لابدّ هنا من ملاحظة انّ مراعاة ذلك هل تتحقّق بمجرّد النيّة فقط أو انّ اللاّزم هي الرعاية عملاً بحيث يكون غمس المرفقـ مثلاًـ متقدّماً على غمس العضو الذي دونه وهكذا؟ والظاهر هو الثاني; لأنّ ظاهر الأدلّة الدالّة على اعتبار الترتيب ورعاية الأعلى فالأعلى هو الرعاية في مقام العمل فلو غسل وجهه للتبريد ثم نوى بإبقاء البلل وعدم تجفيفه الغسل للوضوء لا يكفي ، بل لابدّ من إمرار اليد على الوجه بنحو يغسل ثانياً بتحريك الماء من محلّ إلى آخر ، وعليه فلابدّ في المقام من أحد أمرين; امّا أن يكون الغمس بنحو التدريج من الأعلى فالأعلى ، وامّا أن يحرّك العضو المرموس في الماء تدريجاً إلى أن يحصل غسل الأجزاء من الأعلى إلى الأدنى تدريجاً . وممّا ذكرنا يظهر صحّة الوضوء فيما إذا ارتمس بجميع بدنه مع رعاية الشرط المذكور وهو التحريك بنحو يحصل الترتيب بين أجزاء كلّ عضو وبين الأعضاء بعضها من بعض ولعلّه سيأتي التعرّض له .

وامّا الخصوصية التي اعتبرت في اليدين من لزوم أن يقصد الغسل حال الإخراج فالوجه فيها ما اُفيد في المتن من انّه بدونها يلزم المسح بماء جديد مع اعتبار أن يكون المسح بنداوة الوضوء ، هذا ولكن مراعاة هذه الخصوصية المعتبرة في المسح لا تقتضي تعيّن كون المقصود هو الغسل حال الإخراج ، بل هي تتحقّق بما إذا قصد الغسل بكلّ من الإدخال والإخراج ، غاية الأمر كان المقصود بالإدخال هو الغسل الأوّل الواجب ، وبالإخراج هو الغسل الثاني المستحبّ على ما سيأتي من استحباب الغسل الثاني كما انّه يمكن دعوى التحقّق بكلّ منهما بقصد كون المجموع عملاً واحداً بحيث لا يكون الإخراج عملاً مغايراً للإدخال كما ربّما يؤيّده العرف فإنّ المتفاهم عندهم كون المجموع عملاً واحداً لا يوجب قصد الغسل حال

الصفحة 112

الإدخال كون المسح بماء جديد فتدبّر .

ولعلّ ما ذكرنا هو المنشأ لاستشكال جامع المقاصد في الاكتفاء بقصد الغسل حال الإخراج فقط بأنّ الغمس لا يصدق معه الاستئناف عرفاً .

وكيف كان فالمناط هو الغسل بنحو لا يلزم المسح بماء جديد بأيّ طريق حصل .

الصفحة 113

مسألة 10ـ يجب رفع ما يمنع وصول الماء أو تحريكه بحيث يصل الماء إلى ما تحته ، ولو شكّ في وجود الحاجب لم يلتفت إذا لم يكن له منشأ عقلائي ، ولو شكّ في شيء انّه حاجب وجب إزالته أو إيصال الماء إلى ما تحته1 .

1ـ امّا وجوب رفع المانع عن وصول الماء قطعاً أو تحريكه بحيث يصل الماء إلى ما تحته فوجهه واضح ضرورة أنه بدون الرفع أو التحريك لا يتحقّق الغسل المعتبر في تحقّق الوضوء على ما هو المفروض من كونه مانعاً عن وصول الماء قطعاً وقد مرّ انّ الإخلال بغسل مقدار يسير ولو مقدار مكان شعرة ممّا هو داخل في الحدّ يمنع عن تحقّق الوضوء فالوجه في الوجوب في هذه الصورة ظاهر .

وامّا صورة الشكّ فتارة يكون الشكّ في وجود الحاجب واُخرى في حاجبيّة الموجود :

امّا القسم الأوّل فالمستفاد من المتن هو التفصيل بين ما إذا لم يكن له منشأ عقلائي فلا يلتفت إليه وبين ما إذا كان له منشأ كذلك فاللاّزم الالتفات والتخلّص عنه ، ولكن ادّعى صاحب الجواهر(قدس سره) استمرار السيرة التي يقطع فيها برأي المعصوم على أنّه لا يجب على المتوضّي والمغتسل الفحص عن الحواجب مع قيام الاحتمال كما هو الغالب إذ قلّما يحصل القطع للمكلّف بخلوّ بدنه عن دم البرغوث والبق وغيره من الحواجب مع انّ الفحص عنه غير معهود من المشترّعة بل لو صدر من أحد منهم ذلك ينسب إلى الوسواس . وعن بعض دعوى الإجماع عليه مضافاً إلى أنّ مقتضى الأصل أيضاً ذلك .

وربّما يورد على التفصيل بانّا نجد المكلّفين ربّما يتعذّر عليهم النوم من أوّل الليل إلى الصبح من أذى البق والبرغوث ومع ذلك لا يتفحّصون عن دمهما عند إرادة الغسل والوضوء ، وتوهّم انّ احتمال مانعيتهما من وصول الماء لعلّه احتمال غير

الصفحة 114

عقلائي مدفوع بانّا نجدهم لو علموا بوجود دمهما في موضع مخصوص لا يغتسلون إلاّ بعد إزالتهما . نعم في مثل احتمال لصوق المشمع والقير ونحوهما ممّا يظنّ بلصوق شيء منه بالبدن حين المباشرة ويندر ابتلاء المكلّف به ربّما يلتزمون بالفحص في مظانّ لصوقه من باب حسن الاحتياط لا غير كما يظهر وجهه عند ضيق الوقت وغيره من موارد الضرورة فدعوى السيرة بإطلاقها في محلّها .

لكن عن الشيخ الأعظم : انّ دعوى الإجماع والسيرة في بعض أفراد هذا الشكّ مثل الشكّ في وجود قلنسوة على الرأس أو جورب في الرجل أو وجود لباس آخر على البدن أغلظ من ذلك مجازفة ، والفرق بين كون الحاجب المشكوك في وجوده رقيقاً أو غليظاً اقتراح ، والحوالة على موارد السيرة فرار عن المطلب .

وذكر (قدس سره) في رسالة الاستصحاب في ذيل البحث عن الاُصول المثبتة انّه ربّما يتمسّك في بعض موارد الاُصول المثبتة بجريان السيرة أو الإجماع على اعتباره هناك مثل إجراء اصالة عدم الحاجب عند الشكّ في وجوده على محل الغسل أو المسح لإثبات غسل البشرة ومسحها المأمور بهما في الوضوء والغسل وفيه نظر .

أقول : يمكن أن يكون وجه تنظّره المناقشة في أصل تحقّق السيرة والإجماع كما ربّما يؤيّده كلامه المتقدّم ، ويمكن أن يكون الوجه فيه أنّ السيرة أو الإجماع بنفسهما حجّة لا أنّهما يوجبان اعتبار اصالة عدم الحاجب . وبعبارة اُخرى موردهما عدم الاعتناء بالشكّ في وجود الحاجب لا اعتبار اصالة عدمه فتدبّر .

وكيف كان الوجه في عدم الاعتناء بالشكّ في وجود الحاجب إن كان هو اصالة عدم وجود الحاجب فيرد عليه انّه من الاُصول المثبتة التي يكون جريانها على خلاف التحقيق ودعوى خفاء الواسطة لو لم تكن مدفوعة من حيث الكبرى فهي مدفوعة صغرى . وإن كان هو دعوى الإجماع فيرد عليه انّه من الإجماع المنقول

الصفحة 115

وهو لا يكون حجّة خصوصاً مع ملاحظة عدم تعرّض جلّ الأصحاب لهذه المسألة . وإن كان هي السيرة التي ادّعى صاحب الجواهر(قدس سره) القطع فيها برضا المعصوم(عليه السلام) فيرد عليه عدم ثبوت السيرة إلاّ فيما إذا لم يكن للشكّ منشأ عقلائي ، والظاهر انّ هذه السيرة لا اختصاص لها بالمتشرّعة ولا خصوصية لها بالمقام ، بل هي سيرة عقلائية جارية في جميع موارد الشكّ في وجود المانع مع عدم ثبوت المنشأ العقلائي للشكّ فإنّ العقلاء لا يعتنون باحتمال وجود المانع في اُمور معاشهم ومعادهم ويكون ذلك مغروساً في أذهانهم .

نعم في موارد ثبوت المنشأ العقلائي يعتنون بالاحتمال ويتفحّصون عن وجود المانع ، فالفارق بين الصورتين هو جريان السيرة على عدم الاعتناء في الاُولى وعلى الاعتناء في الثانية وما أورد على هذا التفصيل من مثال النوم مدفوع بأنّ احتمال وصول شيء من البق والبرغوث إلى البشرة بحيث يكون مانعاً عن وصول الماء عليها لا يكون احتمالاً عقلائياً مورداً للالتفات عندهم ، كما انّ دعوى كون الالتفات في مثال القير والشمع إنّما هو لأجل حسن الاحتياط واضحة المنع . ومنه يظهر انّ مجازفة دعوى السيرة في مثل الشكّ في وجود القلنسوة كما عرفت من الشيخ في عبارته المتقدّمة إنّما هو في صورة ثبوت الاحتمال العقلائي كما إذا كان رأسه مع القلنسوة نوعاً أو رجله مع الجورب كذلك ، وامّا مع عدم ثبوت الاحتمال الكذائي كما إذا احتمل وجود القلنسوة مع كون رأسه فاقداً لها نوعاً فلا تكون الدعوى بمجازفة قطعاً فالإنصاف تمامية ما اُفيد في المتن .

وامّا القسم الثاني وهو الشكّ في حاجبية الموجود فقد حكم فيه في المتن بلزوم الالتفات إليه ووجوب إزالته أو إيصال الماء تحته ، ويدلّ عليه مضافاً إلى جريان قاعدة الاشتغال الحاكمة بلزوم تحصيل اليقين بالفراغ بعد عدم حجّية استصحاب

الصفحة 116

عدم محجوبيّة البشرة لكونه من الاُصول المثبتة ولا استصحاب عدم الحاجب بوصف الحاجبيّة لأجله أو لجهة اُخرىـ صحيحة علي بن جعفر (عليه السلام) عن أخيه(عليه السلام)قال : سألته عن المرأة عليها السّوار والدملج في بعض ذراعها لا تدري يجري الماء تحته أم لا كيف تصنع إذا توضّأت أو اغتسلت؟ قال : تحرّكه حتّى يدخل الماء تحته أو تنزعه .

ولكن ربّما يعارضه ذيلها : وعن الخاتم الضيّق لا يدري هل يجري الماء تحته إذا توضّأ أم لا كيف يصنع؟ قال : إن علم انّ الماء لا يدخله فليخرجه إذا توضّأ .

وما قيل في وجه الجمع بين الصدر والذيل من هذه الصحيحة وجوه :

أحدها : انّ الجمع بحمل أحدهما على الآخر بعيد فيلحقه حكم المجمل واللاّزم الرجوع إلى قاعدة الاشتغال المتقدّمة اختاره في المستمسك .

ثانيها : ما اختاره المحقّق الهمداني(قدس سره) من قصور المعارض للصدر عن المكافئة لأنّ رفع اليد عن ظاهر الذيل بقرينة الصدر أهون من عكسه حيث إنّ ذيلها جواب عن سؤال مستقلّ بحيث لولاه لما أجاب به ، فالصدر حال صدوره لم يكن محفوفاً بما يصلح أن يكون قرينة لتعيين المراد ، فاحتمال إرادة خلاف الظاهر منه مدفوع باصالة عدم القرينة ، وامّا الذيل : فلأجل احتفافه بما يصلح أن يكون قرينة على إرادة خلاف الظاهر منه . وهو ذكره عقيب الحكم الأوّل بل وكونه سؤالاً عن حكم صورة الشكّ امّا لا ينعقد له ظهور في إرادة نفي البأس بالنسبة إلى حكم الشاكّ أو ليس بحيث يكافئ ظهور الصدر فلعلّ المراد من قوله(عليه السلام)  : إن علم انّ الماء لا يدخله فليخرجه انّه إن علم أنّه ليس بحيث يدخله الماء على وجه لا يبقى معه الشكّ فليخرجه يعني انّه إن كان له شأنية أن لا يدخله الماء فليخرجه فتأمّل .

ثالثها : تقديم ظهور الصدر بتقريب آخر وهو انّ دلالة الصدر بالمنطوق والذيل

الصفحة 117

بالمفهوم والأوّل أقوى وإنّ الأوّل نصّ في حكم الشاكّ والثاني ظاهر حيث انّه يعمّ الشاكّ والعالم بعدم المانعية فيخصّص بغير الشاكّ .

وأورد على الأخير بأنّ السؤال في الصدر والذيل إنّما هو عن حكم الشاكّ فلا يجوز إخراج المورد من موضوع الجواب وحمله منطوقاً ومفهوماً على حكم أجنبي فالذيل كالصدر نصّ في شمول الحكم للشاكّ .

والذي يقتضيه التدبّر في معنى الصحيحة انّه لابدّ من ملاحظة ما هو المنظور في السؤال الثاني وهو السؤال عن الخاتم الضيتق بعد ظهور الرواية في كونها رواية واحدة مشتملة على سؤالين وجوابين في مجلس واحد بل بلا فصل وبعد ظهور عدم كون السؤال والجواب الأوّل منحصراً بالسوار والدملج بل كلّ ما كان على أعضاءالوضوء ممّا يوجب الشكّ في جريان الماء تحته فذكرهما إنّما هو من باب المثال من دون خصوصية لهما أو للمرأة وـ حينئذـ فبعد هذا السؤال والجواب المشتمل على بيان الحكم بالنحو الكلّي كما انّ السؤال كان أيضاً كذلك لابدّ من أن يكون المنظور في السؤال الثاني أمراً آخر مغايراً لما هو المقصود في السؤال الأوّل ضرورة أن تبديل المرأة بالمرء وتبديل السوار والدملج بالخاتم لا يصحّح أصل السؤال .

ويؤيّد ما ذكرنا توصيف الخاتم بالضيق في السؤال والاقتصار على الاخراج في الجواب مع انّ الجواب الأوّل كان مدلوله التخيير بين التحريك والنزع فمن ذلك يستكشف كون المراد في السؤال الثاني غير ما هو المراد في الأوّل والظاهر انّ المراد بعد استفادة التخيير من الجواب الأوّل انّه لو كان الخاتم ضيّقاً بحيث لا يكون تحريكه موجباً للعلم بجريان الماء تحته إذا توضّأ كيف يصنع؟ والمراد من الجواب انّه إن علم انّ الماء لا يدخله بالتحريك بحيث يرتفع الشكّ ويحصل اليقين بوصول الماء

الصفحة 118

إلى ما تحته فالطريق ينحصر بالإخراج نظراً إلى انّه لو لم يكن أحد الطريقين موجباً لحصول العلم فالقاعدة تقتضي تعيّن الآخر وهذا المعنى من الرواية لا يوجب ارتكاب خلاف الظاهر فيها إلاّ قوله : إن علم انّ الماء لا يدخله ، الظاهر في العلم بعدم دخول الماء كذلك ، بل الملاك هو وصول الماء إلى جميع ما تحته مع إحرازه والعلم به فلا محيص من الحمل على هذا المعنى وإن عدّ من خلاف الظاهر فتدبّر .

وبالجملة فالصحيحة تدلّ على ما تقتضيه القاعدة من الالتفات ووجوب الإزالة أو التحريك في مورد الشكّ في حاجبية الموجود .

الصفحة 119

مسألة 11ـ ما ينجمد على الجرح عند البرء ويصير كالجلدة لا يجب رفعه ، ويجزي غسل ظاهره وإن كان رفعه سهلاً ، وامّا الدواء الذي انجمد عليه فما دام لم يمكن رفعه يكون بمنزلة الجبيرة يكفي غسل ظاهره ، وإن أمكن رفعه بسهولة وجب1 .

أمّا عدم وجوب رفع ما انجمد على الجرح عند البرء وصار كالجلدة والاكتفاء بغسل ظاهره وإن كان رفعه سهلاً فلصيرورته جزء عرفاً كسائر أجزاء البشرة .

وأمّا الدواء الذي انجمد عليه فكونه بمنزلة الجبيرة ما دام لم يمكن رفعه إنّما هو لما سيأتي في بحث الجبائر من شمول دائرة الجبيرة لمثل الدواء المنجمد الذي لا يمكن رفعه ، وامّا وجوب رفعه فيما إذا أمكن بسهولة فلعدم كونهـ حينئذـ من الجبيرة بل يكون حاجباً يمكن رفعه من دون استلزام للعسر والحرج فلا محيص عن رفعه لغسل البشرة .

الصفحة 120

مسألة 12ـ لا تجب إزالة الوسخ على البشرة إن لم يكن جرماً مرئياً وإن كان عند المسح بالكيس يجتمع ويكون كثيراً ما دام يصدق عليه غسل البشرة ، وكذا مثل البياض الذي يتبيّن على اليد من الجص ونحوه مع صدق غسل البشرة ، ولو شكّ في كونه حاجباً وجب إزالته .

وامّا مسح الرأس فالواجب مسح شيء من مقدّمه ، والأحوط عدم الاجتزاء بما دون عرض اصبع ، وأحوط منه مسح مقدار ثلاثة أصابع مضمومة ، بل الأولى كون المسح بالثلاثة ، والمرأة كالرجل في ذلك1 .

1ـ امّا عدم وجوب إزالة الوسخ على البشرة إذا لم يكن جرماً مرئياً فلأنّه يصدق عليه غسل البشرة ، بل ربّما يقال بأنّه ربّما كان جرماً مرئياً ولكنّه عرقاً جزء من البدن ويكون غسله غسلاً للبشرة مثل ما يعلو ظهر القدم وبطنها عند ترك غسله مدّة طويلة .

ولكن الظاهر انّه مع الاتصاف بالجرمية عند العرف لا يكون كذلك ، بل هو كالحاجب الخارجي . نعم مع عدم الجرمية وإن كانت مرئية لا مانع منه; لأنّه كالبياض الذي يتبيّن على اليد من الجصّ ونحوه وكاللون الباقي من الدم بعد غسله لا يكون ملازماً لثبوت جرم وإن كانت الملازمة العقلية متحقّقة لكن الملاك في مثل المقام هو العرف .

وامّا الكلام في مسح الرأس المذكور في هذه المسألة فيقع في مقامات :

المقام الأوّل : في عدم وجوب استيعاب الرأس بالمسح بعد انّه لا خلاف بين المسلمين في أصل وجوبه ويدلّ عليه الكتاب والسنّة والإجماع ، فنقول : الدليل على عدم وجوب الاستيعاب ظاهر الآية الكريمة الواردة في الوضوء المشتملة على قوله تعالى : (وامسحوا برؤوسكم) فإنّ التعبير بكلمة «الباء» يدلّ على ذلك :

<<التالي الفهرس السابق>>