في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


الصفحة 121

توضيحه انّه لا ينبغي الإشكال في عدم كون الباء في الآية زائدة لأنّهـ مضافاً إلى أنّ الموارد التي يجوز الإتيان فيها بالباء الزائدة قياساً محدودة وليس المورد منها ـ نقول إنّ في المقام خصوصية تنفي هذا الاحتمال وهي انّ العدول عن التعبير في الوجه والأيدي وتغيير الاسلوب بإدراج كلمة الباء وإدخالها في الرأس يوجب الاطمئنان بكون الإتيان بها لغرض إفهام معنى من المعاني خصوصاً مع ملاحظة انّ مادّة «مسح» ممّا يتعدّى بنفسه ، وخصوصاً مع انّ الإتيان بهاـ لو كانت زائدة ـ يوجب الإخلال بالمقصود كما هو ظاهر .

وبالجملة لا ريب في بطلان احتمال الزيادةـ وحينئذـ فلابدّ من حملها على أحد معانيها المذكورة في الكتب النحوية ، والمناسب للمقام امّا التبعيض وامّا الإلصاق وإلاّ فسائر معانيها كالاستعانة والسببيّة وغيرهما ممّا لا يناسب بوجه ، والظاهر انّ الإلصاق أيضاً مستبعد بعد كون المسح بمادّته متضمّناً لمعنى الإلصاق إذ لا يكاد يتحقّق بدونه ، وإن أبيت عن ذلك فلا يضرّ بالمقصود أصلاً; لأنّ الإلصاق يتحقّق بمسمّى المسح ، ولذا حكى في «المجمع» عن ابن مالك في شرح التسهيل انّه قالـ بعد ذكر انّ الباء تأتي بمعنى من التبعيضيّة والاستشهاد عليه بكلام أئمّة اللّغةـ  : «وقال النحاة : تأتي للإلصاق ومثّلوه بقولك : مسحت يدي بالمنديل أي لصقتها به ، والظاهر انّه لا يستوعبه وهو عرف الاستعمال ويلزم من هذا الإجماع على أنّها للتبعيض» فإنّ ظاهر كلامه بل صريحه انّ مجيء الباء للإلصاق مستلزم لمجيئها بمعنى التبعيض .

وكيف كان فالظاهر انّ كلمة «الباء» في الآية الشريفة بمعنى من التبعيضيّة ، وإنكار سيبويه مجيء الباء للتبعيض لا يقدح في ذلك بعد تصريح كثير من أئمّة اللغة وأكابر النحويين بذلك ، فقد نصّ عليه ابن قتيبة وأبو علي الفارسي وابن جنّي وابن

الصفحة 122

مالك في شرح التسهيل وغيرهم ، واستشهد عليه ابن مالك بذهاب الشافعي الذي هو من أئمّة اللسان وأحمد وأبي حنيفة إليه ، ونقل عن ابن عبّاس مجيئها بمعنى من في قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَى أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللهِ)(1) ومثله قوله تعالى : (فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللهِ)(2) أي من علم الله .

وبالجملة إنكار ذلك مكابرة محضة وقد عرفت انّ المناسب للآية من بين المعاني إنّما هو هذا المعنى لا المعاني الاُخر .

وممّا ذكرنا يعرف الخلل فيما في المصباح وغيره من انّ منع دلالة الآية لا يتوقّف على إنكار مجيء الباء بمعنى من ، بل يكفي في عدم ظهورها في ذلك عدم القرينة على تعين إرادته لأنّ حمل المشترك على بعض معانيه يحتاج إلى قرينة معيّنة .

وجه الخلل انّه بعد تسليم مجيء الباء بمعنى من لا مجال لهذا الإشكال أصلاً بعدما عرفت من انّ المناسب من بين المعاني إنّما هو خصوص هذا المعنى .

وبالجملة فالإنصاف انّ دلالة الآية الشريفة على ذلك ممّا لا شبهة فيه ولا ارتياب خصوصاً مع تفسير الإمام(عليه السلام) الكريمة بذلك في صحيحة زرارة حيث قال : قلت لأبي جعفر(عليه السلام)  : ألا تخبرني من أين علمت وقلت إنّ المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين؟ فضحك فقال : يا زرارة قاله رسول الله(صلى الله عليه وآله) ونزل به الكتاب من الله عزّوجلّ لأنّ الله عزّوجلّ قال : فاغسلوا وجوهكم فعرفنا انّ الوجه كلّه ينبغي أن يُغسل ، ثمّ قال : وأيديكم إلى المرافق ، فوصل اليدين إلى المرفقين بالوجه فعرفنا انّه ينبغي لهما أن يغسلا إلى المرفقين ثم فصل بين الكلام فقال : وامسحوا برؤوسكم


(1) سورة لقمان ، آية 31  .
(2) سورة هود ، آية 14  .

الصفحة 123

فعرفنا حين قال : برؤوسكم انّ المسح ببعض الرأس لمكان الباء ، ثم وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال : وأرجلكم إلى الكعبين فعرفنا حين وصلهما بالرأس انّ المسح على بعضها ثمّ فسّر ذلك رسول الله(صلى الله عليه وآله) للناس فضيّعوه الحديث .

وهذه الرواية الشريفة تدلّ دلالة واضحة على مجيء كلمة الباء بمعنى التبعيض وكونه هو المراد في آية الوضوء بحسب ما يدلّ عليه ظاهرها ، وذلك لأنّ السؤال إنّما وقع من زرارة عن مدرك الحكم ومستند القول بجواز المسح ببعض الرأس بحيث لو التفت إليه من لا يقول بإمامة أئمّتنا المعصومينـ صلوات الله عليهم أجمعينـ للزم عليه القول بذلك ، وجواب الإمام(عليه السلام) أيضاً إنّما هو مع قطع النظر عن التعبّد وحجّية قوله فإنّه مبني على ما يستفاد من الآية بحسب معاني ألفاظها في اللغة ، وبالجملة فرق واضح بين ما إذا صدر الحكم من الإمام تعبّداً ومبنيّاً على اعتبار قول وحجّية رأيه وبين ما إذا صدر منه مقروناً بالاستدلال خصوصاً إذا كان الاستدلال بالكتاب العزيز فإنّه لا مجال في الصورة الثانية لدعوى التعبّد والابتناء على اعتبار الرأي وحجّية النظر ، بل لابدّ من ملاحظة الدليل من حيث هو وانّه هل يفيد ما بيّنه الإمام(عليه السلام) أم لا ، ولذا يسوغ للراوي الاعتراض لو فرض عدم الدلالة بنظره فإذا لم تكن الباء بمعنى التبعيض أصلاً فهل كان اللاّزم على زرارة السكوت في مقابل استدلال الإمام(عليه السلام) أم كان الجائز بل اللازم الاعتراض بمنع دلالة الآية على التبعيض .

والإنصاف انّ هذه الرواية مع قطع النظر عن حجّية أقوال الأئمّة(عليهم السلام) بمقتضى المذهب شهادة من الشخص العارف بلسان العرب على مجيء الباء بمعنى التبعيض خصوصاً مع ملاحظة تصديق الراوي الذي هو كوفي ومقامه في الفقه والأدب ظاهر ، فهل يسوغ مع ذلك الترديد في دلالة الآية أو إنكارها استناداً إلى رأي

الصفحة 124

سيبويه أم هل يبقى لرأيه قيمة؟

وممّا يدلّ أيضاً على المطلوب صحيحة اُخرى لزرارة وبكير عن أبي جعفر(عليه السلام)فيما حكاه عن وضوء رسول الله(صلى الله عليه وآله) وفي ذيلها : ثم قال : وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين فإذا مسح بشيء من رأسه أو بشيء من قدميه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأة . الحديث .

ورواية اُخرى لهما أيضاً عن أبي جعفر(عليه السلام) انّه قال في المسح تمسح على النعلين ولا تدخل يدك تحت الشراك ، وإذا مسحت بشيء من رأسك أو بشيء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك .

المقام الثاني : في اختصاص موضع المسح بمقدم الرأس ، والتحقيق فيه انّ المستفاد من الآية الشريفة ولو بضميمة الرواية المتقدّمة الواردة في تفسيرها هو وجوب مسح بعض الرأس ، وحيث إنّها بصدد بيان الوضوء وإفادة كيفيّته فإطلاقها من هذه الجهة يدلّ على كفاية المسح بكل بعض من أبعاض الرأس من دون فرق بين المقدّم والمؤخّر والجانبين أصلاً ، ولو لم يكن في البين دليل آخر من نصّ أو إجماع لم يكن بدّ من الأخذ بإطلاق الآية والحكم بعدم الفرق بين أبعاضه ، والظاهر انّه ليس هنا دليل يدلّ بإطلاقه على ذلك سوى الآية الشريفة لأنّ الروايات الدالّة على انّ المسح ببعض الرأس مسوقة لبيان حكم آخر مثل رواية زرارة المتقدّمة الواردة في تفسير الآية المسوقة لبيان الاستدلال على عدم وجوب الاستيعاب ، ومثل الروايتين الاُخرتين المتقدّمتين اللّتين رواهما زراره وبكير عن أبي جعفر(عليه السلام) . وبالجملة فالإطلاق إنّما يستفاد من خصوص الآية الشريفة ، ولكن الظاهر انّه لا خلاف في اختصاص موضع المسح بمقدم الرأس ويدلّ عليه أخبار كثيرة .

الصفحة 125

منها : رواية اُخرى له أيضاً قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام)  : امسح الرأس على مقدّمه . وفي بعض النسخ بدل قوله : «امسح» ذكر المسح كما في الرواية الاُولى ، وعلى التقديرين فكونها رواية اُخرى لمحمد بن مسلم بحيث كان له روايتان غير ثابت ، وعلى تقدير أن يكون «امسح» فتقييد إطلاق الآية بها بمجرّدها مشكل; لأنّ البعث لا ينافي الاستحباب لعدم اختلاف البعث في الوجوب والاستحباب أصلاً ، وإلزام العقل بإتيان المبعوث إليه إنّما هو لكونه بمجرّده حجّة عليه تحتاج إلى الجواب ، وهنا يكون الإطلاق دليلاً على عدم الوجوب ويصحّ للعبد الاحتجاج به على المولى كما لايخفى ، نعم الرواية الاُولى الظاهرة في انّ المسح الواجب في الوضوء إنّما هو المسح على المقدّم مقيّدة للإطلاق على تقدير كونها رواية مستقلّة وإلاّ فالتقييد محلّ إشكال .

ومنها : مرسلة حمّاد عن أحدهما(عليهما السلام) في الرجل يتوضّأ وعليه العمامة؟ قال : يرفع العمامة بقدر ما يدخل اصبعه فيمسح على مقدّم رأسه . والروايةـ مضافاً إلى كونها مرسلةـ مخدوشة من حيث الدلالة لعدم دلالتها على وجوب المسح على مقدّم الرأس لكونها مسوقة لبيان عدم وجوب رفع العمامة ، وذكر مقدم الرأس يمكن أن يكون لأجل انّه مع عدم رفعها يكون المسح عليه أسهل من المسح على غيره من الأبعاض .

ومنها : رواية زرارة المشتملة على نقل ما حكاه أبو جعفر(عليه السلام) من وضوء رسول الله(صلى الله عليه وآله) المتضمّنة لقوله ـ بعد ذكر الغسلتين ـ  : ومسح مقدم رأسه .

ومنها : رواية علي بن يقطين المحكيّة عن إرشاد المفيد(قدس سره) وفيها بعد أمره(عليه السلام)بالوضوء على وجه التقيّة وفعله كما أمره(عليه السلام) وصلاح حاله عند الرشيد انّه كتب إليه : يا عليّ توضّأ كما أمر الله تعالى : اغسل وجهك مرّة واحدة فريضة واُخرى

الصفحة 126

إسباغاً ، واغسل يديك من المرفقين ، وامسح مقدم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك فقد زال ما كنّا نخاف عليك .

وقوله(عليه السلام)  : وامسح مقدّم رأسك وإن لم يدلّ على الواجب بمجرّده بحيث يقيّد به إطلاق الآية إلاّ انّ سياق الرواية خصوصاً بملاحظة قوله(عليه السلام)  : توضّأ كما أمر الله يقتضي كونه للوجوب ، إلاّ انّ سند الرواية مخدوش من جهة انّه لا يمكن للمفيد أن يروي عن محمد بن إسماعيل من دون واسطةـ لو كان المراد به هو محمد بن إسماعيل بن بزيعـ مضافاً إلى انّ محمّد بن الفضل الذي روى عنه محمد بن إسماعيل مشترك بين الثقة وغيرها . وظاهر بعض الروايات يدلّ على عدم وجوب المسح على مقدّم الرأس وعدم اختصاص موضعه به :

كرواية حسين بن عبدالله قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يمسح رأسه من خلفه وعليه عمامة بإصبعه أيجزيه ذلك؟ قال : نعم . قال الشيخ(قدس سره)  : لا يمتنع أن يدخل إصبعه من خلفه ويمسح على مقدّمه .

أقول : هذا الحمل بعيد جدّاً والأولى حملها على التقيّة مضافاً إلى عدم كونها صحيحة من حيث السند .

ورواية الحسين بن أبي العلا قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن المسح على الرأس فقال : كأنّي أنظر إلى عكنة في قفاء أبي يمرّ يده عليها وسألته عن الوضوء بمسح الرأس مقدّمه ومؤخّره فقال : كأنّي أنظر إلى عكنة في رقبة أبي يمسح عليها . ويمكن أن يكون المراد بها وجوب مسح جميع الرأس فتكون مخالفة لضرورة فقه الإماميّة فلابدّ من حملها على التقيّة .

ورواية اُخرى له أيضاً قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام)  : امسح الرأس على مقدّمه ومؤخّره . وظاهرها أيضاً وجوب مسح الجميع فلابدّ من الحمل على التقيّة . وغير

الصفحة 127

ذلك من الروايات الاُخرى الظاهرة في خلاف ما ذكرنا التي لابدّ من حملها على التقية أو ارتكاب التأويل فيها .

وبالجملة لا إشكال كما انّه لا خلاف في اختصاص موضع مسح الرأس بمقدّمه ، ولا إشكال أيضاً في أنّ المراد بمقدّم الرأس هو معناه العرفي الذي هو ربع الرأس تقريباً ، وعليه فيكون أوسع من الناصية التي هي ما بين النزعتين من الشعر .

وربّما يتوهّم وجوب مسح خصوص الناصية لدلالة بعض الروايات عليه :

مثل ما ورد في بعض الروايات الحاكية لوضوء رسول الله(صلى الله عليه وآله) من انّ أبا جعفر(عليه السلام)ـ بعد حكاية لوضوئه(صلى الله عليه وآله)ـ قال : إنّ الله وتر يحبّ الوتر فقد يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات : واحدة للوجه واثنتان للذراعين; وتمسح ببلة يمناك ناصيتك .

ورواية حسين بن زيد بن علي بن الحسين عن أبيه عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : لا تمسح المرأة بالرأس كما يمسح الرجال ، إنّما المرأة إذا أصبحت مسحت رأسها وتضع الخمار عنها ، وإذا كان الظهر والعصر والمغرب والعشاء تمسح بناصيتها .

ولكنّه لا يخفى انّ الرواية الاُولى مسوقة لبيان وجوب كون المسح ببلّة اليمنى لا وجوب كونه على الناصية ، وعلى تقدير كونها في مقام البيان من هذه الجهة أيضاً لا يمكن الأخذ بظاهرها الدالّ على وجوب مسح مجموع الناصية كما هو ظاهر .

والرواية الثانية على خلاف مطلوب المتوهّم أدلّ; لأنّ ظاهرها انّ المسح على الناصية إنّما هو فيما اقتضت الضرورة والكلفة الحاصلة بإلقاء الخمار تعذّر المسح على فوقها فظاهرها انّ الموضع الأصلي هو مسح ما فوق الناصية فمفادها وجوب المسح على ما فوقها على الرجال أو استحبابه ، فالروايتان أجنبيّتان عن الدلالة على مسح خصوص الناصية فلا يصحّ أن يقيّد بهما إطلاق أدلّة وجوب المسح على

الصفحة 128

مقدم الرأس .

وأضعف من توهّم التقييد تفسير الناصية بالمقدمـ كما حكاه صاحب الحدائق عن بعض معاصريهـ لظهور انّها بحسب اللغة أخصّ من مقدّم الرأس ، والتمسّك لذلك بالروايتين فيه ما عرفت ، بل الرواية الثانية صريحة في خلاف ذلك .

المقام الثالث : في المقدار اللاّزم في مسح الرأس عرضاً وطولاً ، ولا يخفى انّ مفاد الروايات الواردة في المقام الأوّل هو مجرّد إجزاء المسح ببعض الرأس وعدم وجوب استيعابه به ، وامّا كفاية المسمّى أو لزوم المسح بمقدار عرض اصبع واحدة أو مقدار ثلاث أصابع ، بل وكون المسح بالثلاثة فلا يستفاد شيء منها من هذه الروايات لأنّها مسوقة لبيان عدم وجوب الاستيعاب خصوصاً صحيحة زرارة الطويلة ، نعم يستفاد منها ما عرفت من كون كلمة «الباء» بمعنى من وـ حينئذ ـ فيمكن التمسّك بإطلاق الآية الشريفة الدالّة على وجوب المسح ببعض الرأس على كفاية مجرّد المسمّى طولاً وعرضاً لأنّ المفروض انّها بصدد البيان من جميع الجهات فإطلاقها من حيث الماسح والممسوح دليل على عدم كون شيء منهما محدوداً بحدّ ، بل المدار على صدق الاسم وهذا هو الذي نسب إلى المشهور .

وامّا اعتبار أن لا يكون أقلّ من الاصبع فهو الذي يستفاد من الشيخ(قدس سره) في التهذيب حيث إنّه بعد الاستدلال على ما في المقنعة من كفاية الاصبع بإطلاق الآية الشريفة قال : «إنّه لا يلزم على ذلك جواز ما دون الاصبع لأنّا لو خلّينا والظاهر لقلنا بجواز ذلك ، لكن السنّة منعت من ذلك» فإنّ ظاهره دلالة السنّة على المنع ممّا دون الاصبع مع انّه لم يعثر فيها على المنع المذكور . نعم هنا روايتان مشتملتان على كلمة «الاصبع» :

إحداهما : مرسلة حمّاد عن أحدهما(عليهما السلام) في الرجل يتوضّأ وعليه العمامة؟ قال :

الصفحة 129

يرفع العمامة بقدر ما يدخل اصبعه فيمسح على مقدّم رأسه .

ثانيهما : روايته الاُخرى عن الحسين عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : رجل توضّأ وهو معتمّ فثقل عليه نزع العمامة لمكان البرد؟ فقال : ليدخل اصبعه .

وأنت خبير بما في الاستدلال بهما من الضعف; لأنّهـ مضافاً إلى أنّ الاُولى مرسلة والثانية ضعيفة لجهالة الحسينـ نقول إنّهما مسوقتان لبيان عدم وجوب رفع العمامة وكفاية إدخال اليد من تحتها ولا تعرّض فيهما لبيان المسح والمقدار المجزي منه أصلاً ، بل الظاهر كون الراوي عالماً بهذه الخصوصية ، وإنّما كان مورد شكّه هي الجملة الاُخرى ، مع انّ كلمة الاصبع لا تكون ظاهرة في الاصبع الواحدة ، مع انّ إدخال الإصبع الواحدة لا يلازم المسح بتمام عرضها ، ولعلّ الوجه في الاحتياط بعدم الاجتزاء بما دون الاصبع على ما في المتن هو الذي أفاده الشيخ في العبارة المتقدّمة من منع السنّة عن ذلك ولا بأس به بعد ظهور كون المراد من الاحتياط هو الاحتياط غير الوجوبي; لأنّ الواجب هو المقدار الذي دلّت عليه العبارة الواقعة قبل هذا الاحتياط وهو مسح شيء من مقدّمه فالزائد عليه إمّا أن يكون مستحبّاً أو يكون احتياطاً استحبابياً فتدبّر .

وكيف كان فالمحكي عن الفقيه وخلاف السيّد وكتاب عمل يوم وليلة للشيخ وجوب المسح بثلاث أصابع مضمومة ، ويمكن الاستدلال له بروايات :

منها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام)  : المرأة يجزيها من مسح الرأس أن تمسح مقدّمه قدر ثلاث أصابع ولا تلقي عنها خمارها . بناءً على أنّه لا فرق بين الرجل والمرأة في ذلك وذكرها إنّما هو من باب المثال نظير ذكر الرجل في كثير من الأخبار الدالّة على بيان الأحكام المشتركة بينه وبين المرأة قطعاً ، ويمكن أن يكون

الصفحة 130

ذكرها لأجل التمهيد لإفادة عدم وجوب إلقاء الخمار وإلاّ فمسح مقدم الرأس قدر ثلاث أصابع حكم لا يختصّ بها .

ولا يخفى ما في الاستدلال بها من النظر; لأنّ ذيل الرواية وهو قوله(عليه السلام)  : ولا تلقي عنها خمارها ، دليل واضح على كون الرواية مسوقة لبيان عدم وجوب إلقاء الخمار وكفاية المسح على مقدّم الرأس من دون إلقائه ولا تعرّض فيها لبيان كيفية المسح من حيث الماسح والممسوح فتدبّر .

وهنا احتمال آخر في معنى الرواية لعلّه أقوى من سائر الاحتمالات وهو أن يكون قوله(عليه السلام) : قدر ثلاث أصابع ، بياناً لمقدم الرأس الذي يجب مسحه لا وصفاً للمسح المقدر الذي هو مفعول مطلق لقوله : أن تمسح ، فيكون معنى الرواية انّ المرأة يجزيها من مسح الرأس أن تمسح مقدّمه الذي هو قدر ثلاث أصابع ، وهو المقدار الذي يكون ظاهراً وخارجاً عن الخمار إذ الخمار المتعارف بين نساء العرب كان يستر جميع الرأس سوى هذا المقدار من مقدّمهـ كما هو المتداول الآن أيضاًـ فالمعنى ـ حينئذـ كفاية المسح عل يالناصية بدل المسح على الرأس ، ولا دلالة فيها على وجوب مسح جميع مقدار ثلاث أصابع; لأنّه لا تعرّض فيها من هذه الجهة ، بل محطّ النظر فيها قيام ذلك المقدار مقام الرأس في كفاية المسح عليه .

والذي يؤيّد هذا الاحتمال بل يدلّ عليه انّ كلمة «يجزي منه ، أو عنه» لا تستعمل إلاّ فيما إذا كان المقصود بيان قيام شيء مقام شيء آخر واغنائه عنه ، قال في «المنجد» : أجزى الأمر منه أو عنه قام مقامه وأغنى عنه» وـ حينئذـ فلو كان قوله(عليه السلام) : قدر ثلاث أصابع ، وصفاً للمسح المقدّر يصير معنى الرواية : المرأة يجزيها من مسح الرأس أن تمسح مقدّمه مسحاً قدر ثلاث أصابع ، ولازمه أن يكون الواجب في الأصل هو مسح جميع الرأس حتّى يكون مسح ذلك المقدار قائماً مقامه

الصفحة 131

ومغنياً عنه مع انّ ضرورة فقه الإمامية تكون على خلافه ، وهذا بخلاف المعنى الذي ذكرنا فإنّه يرجع إلى قيام مقدّم الرأس الذي هو قدر ثلاث أصابع مقام موضع مسح الرأس الذي كان المسح عليه واجباً في الأصل .

ويؤيّدهـ أي الاحتمال الذي ذكرناـ رواية حسين بن زيد المتقدّمة في المقام الثاني الدالّة على انّ المرأة إذا أصبحت مسحت رأسها وتضع الخمار عنها وإذا كان الظهر والعصر والمغرب والعشاء تمسح بناصيتها ، فإنّ مدلولها قيام المسح بالناصية للمرأة مقام المسح على الرأس .

ومنها : رواية معمر بن عمر عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : يجزي من المسح على الرأس موضع ثلاث أصابع وكذلك الرجل .

ويرد على الاستدلال بها ما عرفت من الاحتمال الأخير الجاري في الرواية المتقدّمة ، مضافاً إلى أنّ ظهور كلمة «يجزي» في كون فاعلها أقلّ المجزي ممنوع كما عرفته في بعض المباحث السابقة .

ومنها : ما ورد في بعض الروايات الحاكية لوضوء رسول الله(صلى الله عليه وآله) المشتمل على قوله(عليه السلام) : وتمسح ببلّة يمناك ناصيتك ، وقد تقدّم نقله في المقام الثاني .

ولا يخفى انّ المقصود منه بيان كون المسح ببلّة اليمنى في قبال العامّة القائلين باستحباب المسح بالماء الجديد ولا نظر لها إلى وجوب مسح جميع الناصية أو بعضها .

فانقدح ممّا ذكرنا انّه لم ينهض شيء من الروايات لتقييد إطلاق الآية الدالّ على كفاية المسمّى في المسح بلزوم أن يكون مقدار اصبع أو ثلاث أصابع فضلاً عن أن يكون بثلاث أصابع ومنه انقدح الخلل في تف صيلين مذكورين في المسألة :

أحدهما : التفصيل بين حال الاختيار وحال الضرورة بالاكتفاء بالاصبع

الصفحة 132

الواحدة في الحالة الثانية ولزوم الثلاث في الحالة الاُولى . امّا لزوم الثلاث فللروايات المتقدّمة الدالّة عليه المحمولة على حال الاختيار كما هو ظاهرها ، وامّا الاكتفاء بالاصبع الواحدة في حال الضرورة فلدلالة رواية حسين المتقدّمة الواردة في مورد ثقل نزع العمامة لمكان البرد على الاكتفاء بها .

ثانيهما : التفصيل بين الرجل والمرأة بكفاية الاصبع الواحدة للرجل ولزوم الثلاثة للمرأة ، والوجه فيه هو الأخذ بكلّ من الروايات الدالّة على الاكتفاء بالواحدة الواردة في مورد الرجل والروايات الدالّة على لزوم الثلاث الواردة في مورد المرأة .

وأنت خبير بأنّه بعد ملاحظة ما ذكرنا في معنى الروايات لا يبقى مجال لشيء من هذين التفصيلين أصلاً ، مع انّ رواية الواحدة لا تختصّ برواية الحسين الواردة في مورد الضرورة لوجود مرسل حمّاد الشامل لكلا الموردين مع انّ الضرورة لا تلائم التفصيل فإنّ الضرورة في لبس العمامة حال الوضوء لا في إدخال إصبع واحدة دون ثلاث ، كما انّ مورد رواية الثلاث لا تنحصر بالمرأة لعدم ورود رواية معمّر المتقدّمة في موردها ، بل مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين المرأة والرجل ، كما انّ الرواية الحاكية أيضاً مطلقة فالتفصيل بينهما ممّا لا يتمّ أصلاً .

ثمّ إنّ الظاهر انّ محل الخلاف المتقدّم في وجوب الثلاث أصابع واستحبابها إنّما هو عرض الرأس لا طوله ، بل حكى الاتّفاق عن صريح شرح الدروس واللوامع على كفاية المسمّى في جانب الطول ، لكن ظاهر المسالك انّ محلّ الخلاف هو طول الرأس وامّا عرضه فيكفي فيه المسمّى ، وربّما وافقه عليه في الجواهر ، واستظهر في الحدائق ما حكاه عن الأمين الاسترآبادي من انّ المعتبر في عرض الرأس طول الاصبع والتثليث إنّما هو في طوله مستظهرين له من روايتي التثليث ورواية المسح

الصفحة 133

على الناصية ، وعن ظاهر المستند التخيير بين عرض الثلاث عرضاً وطولها طولاً وبين النكس . والظاهر انّ المراد من نصوص الثلاث هو التقدير العرضي ، بل لعلّ رواية معمر بن عمر كانت صريحة في ذلك من جهة عطف الرجل على الرأس بعد ملاحظة عدم الاكتفاء بالثلاث من جهة الطول فيها للزوم الاستيعاب إلى الكعبين كما سيأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى .

وامّا رواية المسح على الناصية فقد عرفت انّه لا دلالة لها بوجه على وجوب مسح جميع الناصية أو بعضها كما انّك عرفت انّ المراد من نصوص التثليث تقدير مقدّم الرأس لا لزومه بوجه ، ولكن البحث هنا إنّما هو على تقدير الدلالة على لزوم مسح ذلك المقدار ، والظاهر انّه على هذا التقدير لا تعرض لها لجانب الطول أصلاً ، بل المرجع من هذه الجهة هو إطلاق الأدلّة من الكتاب والسنّة الخالية من التقدير في جانب الطول ، ومنه ينقدح الإشكال في الحكم باستحباب الثلاث في جانب الطول أيضاً لخلوّه عن الدليل كالحكم بكون الأفضل المسح بطول اصبع وإن كان يمكن ادّعاء دلالة نصوص التثليث على ذلك من جهة كون الثلاث مذكورة لتحديد العرض بعرضها والطول بطولها ولكن في هذه الدعوى ما لا يخفى من المنع .

ثم لو قلنا باستحباب مسح مقدار الثلاث أو طول اصبع في طول الرأس فلا إشكال في أنّه لو أوجد مسح هذا المقدار دفعة يتّصف هذا المسح الخارجي بالوجوب ، وامّا لو أوجده تدريجاً بأن وضع رأس الإصبع على الرأس وأمرّها إلى جهة الطول فهل يتّصف المجموع بكونه أفضل أفراد الواجب ، أو يتّصف ما عدا مقدار أقلّ الواجب بالاستحباب؟ وتظهر الثمرة فيما لو بدا له إتمام مقدار الثلث ـ مثلاً ـ بعد فراغه منه عرفاً ، فعلى الأوّل لا مجال له بعد حصول إطاعة الواجب وانتفاء الأمر الاستحبابي بخلاف الثاني .

الصفحة 134

والتحقيق أن يقال باتّصاف ما عدا مقدار المسمّى بالاستحباب لعدم معقولية أفضل أفراد الواجب بحسب القواعد :

توضيحه انّه إذا تعلّق الأمر بالطبيعة أو بافراد العامّ فلا إشكال في عدم سراية الأمر من الطبيعة إلى الافراد على الأوّل ، بل يكون متعلّقه هي نفس الطبيعة والافراد لا تكون مطلوبة حتى يكون بعضها أفضل من البعض الآخر ، وعلى الثاني لا إشكال في انّ نسبة الأمر إلى افراد العام انّما تكون على نهج واحد إذ لا يعقل ترجيح بعض الأفراد على البعض الآخر بنفس ذلك الأمر ، بل لابدّ من تعلّق أمر آخر استحبابي حتّى يستفاد منه الأفضليّة وـ حينئذـ نقول : إن كان متعلّق الأمر الاستحبابي هو نفس متعلّق الأمر الوجوبي فلا شبهة في استحالة ذ لك كما هو واضح ، فلابدّ امّا أن يكون متعلّقه عنواناً آخر متصادقاً عليه في الوجود الخارجي في بعض الموارد ، أو يكون نفس متعلّق الأمر الوجوبي مقيّداً بقيد زائدـ بناءً على دخول العامين مطلقاً في محلّ النزاع في جواز الاجتماع الأمر والنهي المعنون في الاُصولـ فيجزي فيه القول بالجواز لو قيل به في سائر الموارد . وعلى التقديرين يكون الاستحباب مستنداً إلى تصادق عنوان آخر عليه ولا يوجب ذلك ترجيحاً بالإضافة إلى الأمر الوجوبي المتعلّق بالجميع .

نعم يمكن أن يقال بإمكان أن يكون للمولى أغراض بالنسبة إلى طبيعة واحدة بعضها واجب التحصيل دون البعض الآخر ، وكانت أفراد الطبيعة أيضاً مختلفة بعضها مؤثّراً في حصول خصوص الغرض الذي يجب تحصيله ، وبعضها يترتّب عليه الغرض الآخر أيضاً ، واستكشاف ذلك إنّما هو من طريق الأمر الذي يرشد إلى الإتيان في مقام امتثال الأمر بالطبيعة بذلك الفرد الذي يؤثّر في حصول أغراض المولى بتمامها . هذا ولكن ذلك لا يوجب أيضاً تحقّق عنوان أفضل أفراد الواجب

الصفحة 135

فتدبّر .

بقي الكلام في هذه المسألة في انّ مقتضى إطلاق المتن عدم اعتبار أن يكون المسح من الأعلى إلى الأسفل وانّه يجزي النكس وقد حكى ذلك عن جماعة بل عن شرح المفاتيح نسبته إلى مشهور المتأخّرين وقد صرّح المحقّق في الشرائع بأنّ الأفضل مسح الرأس مقبلاً وانّه يكره مدبراً على الأشبه ، والدليل عليه إطلاق الأدلّة سيّما الآية الشريفة الدالّة على وجوب مسح بعض الرأس من دون تقييد بكونه من الأعلى ، ويدلّ على ذلك أيضاً خصوص صحيحة حمّاد بن عثمان عن أبي عبدالله(عليه السلام)  : لا بأس بمسح الوضوء مقبلاً ومدبراً . ولكن يوهن الاستدلال بها ما روي بهذا الاسناد عن حمّاد بن عثمان عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : لا بأس بمسح القدمين مقبلاً ومدبراً . لأنّه يحتمل قويّاً اتّحاد الروايتين خصوصاً مع اتّحاد الراوي والمروي عنه وان اسند الرواية الاُولى في بعض نسخ «الوسائل» إلى حمّاد بن عيسى ولكن الظاهر انّه اشتباه لعلّه وقع من النسّاخ والموجود في النسخ المصحّحة هو حمّاد بن عثمان ، وعليه فمن البعيد أن يكون هناك روايتان صادرتان من الإمام(عليه السلام)قد نقلهما حمّاد مرّتين .

هذا ولكن هذا الاحتمال بمجرّده لا يسوغ رفع اليد عن الرواية الصحيحة إلاّ انّ الذي يمكن أن يوهن الاستدلال بالرواية هو اشتهار الفتوى بوجوب مسح الرأس مقبلاً بين قدماء الأصحاب كالمرتضى والشيخ(قدس سرهما) وقد حكى عن الخلاف دعوى الإجماع على ذلك ، وعن الانتصار نسبته إلى الأكثر; فإنّه لو كانت الرواية تامّة الدلالة على الإطلاق كيف يمكن الفتوى بخلافها مع كونها بمرئى منهم .

إلاّ انّه لا يخفى انّ ذلك لا يوجب الوهن في التمسّك بإطلاق الآية إذ هذه الشهرة لا تكون كاشفة عن وجود نصّ صالح لتقييد الآية; لأنّ مستند فتاويهم امّا دعوى

الصفحة 136

الانصراف الناشئة من تعارف المسح من الأعلى ، وامّا الأخذ بما هو المتيقّن الراجع إلى الاحتياط ، ومع عدم تمامية شيء من الوجهين عندنا لمنع دعوى الانصراف وعدم كون التعارف موجباً له ومنع لزوم الأخذ بالاحتياط مع وجود الدليل المطلق لا مجال لرفع اليد عن إطلاق الآية فالأقوى جواز المسح مقبلاً ومدبراً على ما هو مقتضى اخطلاق المتن .

وممّا ذكرنا ظهر انّه لم تثبت أفضليّة الأوّل بالإضافة إلى الثاني وإن كانت الأحوطية ممّا لا شبهة فيه .

الصفحة 137

مسألة 13ـ لا يجب كون المسح على البشرة فيجوز على الشعر النابت على المقدم ، نعم إذا كان الشعر الذي منبته مقدم الرأس طويلاً بحيث يتجاوز بمدّه عن حدّه لا يجوز المسح على ذلك المقدار المتجاوز سواء كان مسترسلاً أو مجتمعاً في المقدم1 .

1ـ عدم وجوب كون المسح على البشرة وجوازه على الشعر النابت على المقدم إنّما هو لأجل ما تقدّم في مسألة غسل الوجه من انّ المتفاهم منه عرفاً ليس إلاّ غسل ظاهر اللّحية في المواضع التي تكون البشرة مستورة بها بخلاف غسل اليدين فانّهما لأجل عدم نوعيّة اشتمالهما على الشعر الساتر للبشرة لا يفهم العرف من الأمر بغسلهما إلاّ وجوب غسل خصوص البشرة ، ولذا لا يكتفي بغسل الشعر عن غسلها ، ومسح الرأس نظير غسل الوجه ، كما انّ مسح الرجلين نظير غسل اليدين ، مع انّه هنا خصوصية زائدة وهي انّ اعتبار المسح خصوصاً بالنداوة الباقية في محالّ الوضوءـ على ما سيأتي إن شاء الله تعالىـ ربّما لا يناسب وجوب المسح على البشرة مع تعارف اشتمالها على الشعر بخلاف الوجه الذي يكون المأمور به فيه هو الغسل الذي يلتئم مع خصوص البشرة أيضاً .

وامّا اختصاص الجواز بالشعر المختص بالمقدّم فلاعتبار كون المسح على مقدم الرأس كما عرفت وغاية مفاد دليل جواز المسح على الشعر قيامه مقام البشرة في المسح عليه ، ومن المعلوم اختصاصه بالشعر الذي يعدّ تبعاً لمقدم الرأس بل يوجب المسح عليه صدق عنوان المسح على مقدم الرأس وملاحظة هذا العنوان يوجب خروج المسح في بعض الموارد كما إذا كان الشعر الذي منبته مقدم الرأس طويلاً بحيث يتجاوز بمدّه عن حدّه فإنّه لا يجوز المسح على المقدار المتجاوز منه لعدم صدق المسح على مقدم الرأس من دون فرق بين ما إذا كان مسترسلاً أو مجتمعاً في

الصفحة 138

المقدم وإن كان عدم الصدق في القسم الأوّل أوضح ، كما انّه يوجب الدخول في بعض الموارد كما إذا كان الشعر نابتاً فوق مقدم الرأس أو في حواليه ولكن كان متدلّياً عليه وساتراً له بمقتضى الخلقة فإنّه لا يبعد جواز المسح عليه للصدق المذكور لأنّه يعدّ تبعاً للمقدم بنظر العرف فتدبّر .

الصفحة 139

مسألة 14ـ يجب أن يكون المسح بباطن الكفّ الأيمن على الأحوط وإن كان الأقوى جوازه بظاهره ، ولا يتعيّن الأيمن على الأقوى والجواز بالذراع لا يخلو من وجه ، والأولى المسح بأصابع الأيمن ، ويجب أن يكون المسح بما بقى في يده من نداوة الوضوء فلا يجوز استئناف ماء جديد1 .

1ـ الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين :

المقام الأوّل : في آلة المسح ، فنقول : قد وقع الخلافـ بعد قيام الإجماع بل الضرورة على أنّه لا يجوز المسح بما عدى اليد مطلقاًـ في أنّه هل يجب أن يكون بباطن الكفّ أو يجوز بظاهره أيضاً أو يجوز بالذراع كذلك ، وعلى التقادير الثلاثة هل يجب أن يكون باليد اليمنى أو يجوز باليسرى أيضاً؟

ولا يخفى انّ الآية الشريفة مطلقة من هذه الجهات ولا دلالة فيها على آلة المسح بوجه ولو بعد تقييدها بكون المسح ببقيّة بلل الوضوء; لأنّه يمكن أخذ البلل بشيء آخر ثم إمراره على الرأس بحيث يتأثر بسببه .

ودعوى انّه لا يمكن الأخذ بإطلاق الآية لاستلزامه تخصيص الأكثر المستهجن عقلاً ، ولا يمكن الالتزام بإهمالها أيضاً فلابدّ من الالتزام بأنّ تعيين آلة المسح موكول إلى ما هو المعهود المتعارف فلا تحتاج معرفتها إلى بيان خارجي .

مدفوعة بأنّ مثل هذا المورد من الموارد التي وقع فيها الخلط بين باب التخصيص والتقييد فإنّ ما هو المستهجن في باب التخصيصـ الذي يكون المقصود فيه إخراج بعض الافراد عن حكم العامـ إنّما هو إخراج أكثر الأفراد سواء كان الإخراج مرّة أو مرّات ، وامّا باب التقييد فمدار الاستهجان بنظر العقل ، وامّا إذا كان المقيّد واحداً فلا قبح فيه ولو كانت الأفراد الخارجة بسببه أكثر من مصاديق الطبيعة المقيّدة ، بل ولو لم يبق بعد التقييد إلاّ واحد فإنّه لا مانع منه والسرّ فيه انّ

الصفحة 140

الحكم في باب المطلق إنّما تعلّق بنفس الطبيعة ولا نظر فيه إلى الأفراد أصلاً ، فكثرة الأفراد الخارجة بسبب التقييد وقلّتها لا تصير موجبة للاستهجان وعدمه ، ألا ترى انّه لو قال : اعتق رقبة ثم قال : لا تعتق الرقبة الكافرة ، لا يكون ذلك مستهجناً بوجه ولو فرض قلّة أفراد الرقبة المؤمنة بالإضافة إلى الكافرة . نعم قد عرفت انّ القبيح هو ما إذا كانت التقييدات كثيرة والقيود متعدّدة إلى حدّ يكون مستهجناً بنظر العقل .

وفي المقام نقول : إنّ التقييد بلزوم كون المسح باليد تقييد واحد لا قبح فيه أصلاً ، كما انّ لزوم التقيّد بكون المسح ببقيّة بلل الوضوء لا يوجب قبح غيره من التقييدات ولو لم يبلغ من الكثرة حدّ الاستهجان .

وممّا ذكرنا من وقوع الخلط بين البابين في بعض الموارد ظهر انّ دعوى انصراف إطلاق الآية إلى الأفراد المتعارفة وهو المسح بباطن الكفّ مندفعة; لأنّ تعارف الأفراد وعدمه لا ارتباط له بباب الإطلاق الذي يكون متعلّق الحكم فيه هو نفس الطبيعة ، بل الوجه في دعوى الانصراف هو ادّعاء الانصراف إلى بعض القيود ، فلو كان القيد على نحو يوجب انصراف الطبيعة المطلقة إلى الطبيعة المقيّدة لصحّ دعوى الانصراف وإلاّ فمجرّد ترجيح بعض الأفراد على البعض الآخر بالتعارف وعدمه لا يصحّح دعواه بوجه .

ولا يخفى انّ ادّعاء تحقّق هذا النحو من الانصراف في المقام مشكل ، فالآية الشريفةـ مع قطع النظر عن الإجماع والضرورةـ يكون مقتضى إطلاقها كفاية المسح بأيّة آلة كانت ، ولكنّهما قاما على وجوب المسح بخصوص اليد ، فإطلاقهما بالنسبة إلى أجزاء اليد من الكفّ والزند والذراع والظاهر والباطن باق على حاله .

نعم ربّما يقال بوجود الدليل على التقييد باليد اليمنى وهو قوله(عليه السلام) في صحيحة

<<التالي الفهرس السابق>>