الصفحة 361
يردّ عليه جريان هذا التوجيه بالإضافة إلى المبطون أيضاً فلا وجه للفرق بينهما ، والإنصاف انّ المسألة مشكلة جدّاً والاحتياط المذكور في المتن لا يجوز تركه في كلّ منهما .
ثمّ إنّ مسلوس الريح إن كان من مصاديق المبطون حقيقة كما لا تبعد دعواه فيجري فيه أحكامه لكونه من أفراده ، وإن لم يكن من مصاديقه فالظاهر جريان أحكامه فيه أيضاً من جهة ما عرفت من عدم كون حكم المبطون من جهة الطهارة والوضوء على خلاف القاعدة ، وإن الروايات الواردة في المبطون مسوقة لبيان حكمه من جهة اُخرى فلا فرق بين المبطون وبينه من هذه الجهة أصلاً .
الصفحة 362
ويجب التحفّظ بما أمكن على المبطون أيضاً ، كما انّ الأحوط له أيضاً تطهير المخرج إن أمكن من غير حرج1 .
1 ـ امّا المسلوس فيدلّ على وجوب التحفّظ من تعدّي البول عليه ـ مضافاً إلى ما دلّ على اعتبار اشتراط الطهارة من الخبث ـ الروايات المتقدّمة التي عرفت انّها مسوقة لبيان هذه الجهة ومفادها وجوب الاستظهار عليه بأن يضع خريطة أو كيساً فيه قطن ، ولكن يقع الكلام في أنّ الأمر بذلك في الأخبار هل يكون جارياً مجرى العادة فيكفي مطلق الاستظهار ولو بغير الخريطة والكيس كما نسب إلى ظاهر إطلاق الأصحاب ، وعليه فيكفي القيام في ماء كثير وشبهه أو انّه يحتمل أن يكون للكيس ونحوه ممّا يشدّه على الحشفة مدخلية في الحكم لاحتمال إناطة الحكم بصيرورة الحشفة لأجل دخولها في الكيس بمنزلة البواطن وكون ظاهر الكيس بمنزلة ظاهر الجسد في حال الاضطرار كما هو الحال في الجبائر وجهان والظاهر انّ الالتزام بكفاية مطلق الاستظهار مشكل خصوصاً لو كان مثل القيام في ماء كثير .
وامّا وجوب التغيير أو التطهير لكلّ صلاة فيدلّ على عدمه ـ مضافاً إلى إطلاق الأخبار ـ موثّقة سماعة المتقدّمة الدالّة على عدم وجوب الإعادة إلاّ من الحدث الذي يتوضّأ منه بالمعنى الذي استفدناه منها ولا ينافيه الأمر بالجمع بين الصلاتين في صحيحة حريز المتقدّمة; لأنّ معناه ليس عدم المعذورية من الخبث في غير صورة الجمع ، بل إنّما هو لبيان عدم البأس في الجمع وللإرشاد إلى ما هو الأصلح بحاله بحيث يدرك فضيلة الفرضين على وجه لا يشقّ عليه الاستظهار ولا تكون مسوقة لبيان اقتضاء الجمع للمعذورية خصوصاً مع التعرّض لحكم صلاة الصبح التي لا تكون فيها جمع أيضاً ، نعم حيث لا تكون الروايات متعرّضة إلاّ لحكم البول الخارج من الحشفة من جهة التعدّي دون حكم نفس الحشفة من جهة تطهيره
الصفحة 363
فاللاّزم الرجوع في حكمه إلى القاعدة المقتضية للزوم التطهير مع الإمكان من غير حرج ، نعم ربّما يستفاد من الروايات عدم لزوم تطهيره أيضاً ولكنّه محلّ نظر بل منع .
وامّا المبطون فوجوب التحفّظ عليه بما أمكن مستفاد من القاعدة بعد عدم دلالة رواياته على حكمه من هذه الجهة إلاّ على تقدير كون المراد من التوضّي المأمور به فيها هو مطلق التطهير الشامل لرفع الخبث أيضاً ، كما انّ تطهير المخرج له مع الإمكان من غير حرج أيضاً مستفاد منها كما في المسلوس على ما عرفت .
الصفحة 364
مسألة 5 ـ لا يجب على المسلوس والمبطون قضاء ما مضى من الصلوات بعد برئهما ، نعم الظاهر وجوب إعادتها إذا برىء في الوقت واتسع الزمان للصلاة مع الطهارة1 .
1 ـ امّا عدم وجوب قضاء ما مضى من الصلوات بعد البرء فلظهور أدلّة حكمهما في الأجزاء والصحّة وقصور أدلّة القضاء عن الدلالة على الوجوب في هذه الصورة .
وامّا وجوب الإعادة إذا برئ في الوقت واتّسع الزمان للصلاة مع الطهارة فلعدم دلالة دليل الاجزاء على الاكتفاء بها في هذه الصورة من دون فرق بين ما إذا كان الدليل هي القاعدة أو النصوص الواردة لعدم دلالة شيء منهما على الاكتفاء بما مضى من صلاته مع القدرة على الإتيان بها مع الطهارة في الوقت كما لا يخفى .
الصفحة 365
فصل في غايات الوضوء
غايات الوضوء ما كان وجوب الوضوء أو استحبابه لأجله من جهة كونه شرطاً لصحّته كالصلاة ، أو شرطاً لجوازه وعدم حرمته كمسّ كتابة القرآن أو شرطاً لكماله كقراءته ، أو لرفع كراهته كالأكل حال الجنابة فإنّه مكروه وترتفع كراهته بالوضوء .
امّا الأوّل فهو شرط للصلاة فريضة كانت أو نافلة ، اداء كانت أو قضاء ، عن النفس أو عن الغير ، ولأجزائها المنسية ، ولسجدتي السهو على الأحوط وإن كان الأقوى عدم الاشتراط ، وكذا شرط للطواف الذي جزء للحج أو العمرة الواجبين ، والأحوط اشتراطه في المندوبين أيضاً .
وامّا الثاني فهو شرط لجواز مسّ كتابة القرآن فيحرم مسّها على المحدث ، ولا فرق بين آياتها وكلماتها ، بل والحروف والمدّ والتشديد واعاريبها ، ويلحق بها أسماء الله وصفاته الخاصّة ، وفي إلحاق أسماء الأنبياء والأئمّة(عليهم السلام) والملائكة تأمّل وإشكال ، والأحوط التجنّب خصوصاً في الأوليين1 .
1 ـ غايات الوضوء عبارة عمّا كان وجوب الوضوء أو استحبابه لأجله وهل يلزم أن يكون للوضوء غاية أم يمكن أن يكون بلا غاية بأن يكون الوضوء في نفسه مستحبّاً شرعيّاً؟ وجهان بل قولان وسيأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى وفيما يكون له غاية يكون ارتباطها بالوضوء مختلفاً فتارة يكون الوضوء شرطاً لصحّتها واُخرى شرطاً لرفع المنع عنها وثالثة لكمالها ورابعة لرفع الكراهة عنها .
امّا القسم الأوّل فمنه الصلاة بلا خلاف ولا إشكال سواء كانت فريضة أو نافلة ،
الصفحة 366
ادائية كانت أو قضائية ، للنفس كانت أو عن الغير لقوله تعالى : (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ . . .) فإنّ مفاده اشتراط الصلاة بالوضوء من دون فرق بين ما إذا كان المراد هو القيام من النوم أو مطلق القيام وإرادة الاشتغال بالصلاة ، ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين الأقسام المذكورة للصلاة أصلاً .
وهنا روايات كثيرة دالّة على ذلك ـ مضافاً إلى وضوحه عند المتشرّعة ـ كصحيحة زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : لا صلاة إلاّ بطهور . وصحيحته الاُخرى قال : سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن الفرض في الصلاة فقال : الوقت والطهور والقبلة والتوجّه والركوع والسجود والدعاء الحديث . ومرسلة الصدوق المعتبرة قال : قال أمير المؤمنين(عليه السلام) : افتتاح الصلاة الوضوء وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم . ومرسلته الاُخرى كذلك قال : قال الصادق(عليه السلام) : الصلاة ثلاث أثلاث : ثلث طهور وثلث ركوع وثلث سجود . وغير ذلك من النصوص الظاهرة في الاشتراط أو في لزوم الإعادة بدون الوضوء المساوق مع الاشتراط .
وامّا اعتباره للاجزاء المنسيّة المقضية بعد الصلاة كالسجدة الواحدة والتشهّد ـ بناءً على وجوب قضائه ـ فالدليل عليه هو الدليل على اعتباره في أصل الصلاة لأنّ الأجزاء المنسيّة هي الأجزاء المعتبرة في الصلاة ، غاية الأمر انّه تغيّر مكانه لأجل النسيان وكما يعتبر الوضوء في قضاء الصلاة الفائتة لأجل النسيان أو غيره كذلك يعتبر في قضاء الأجزاء المنسية التي تبدّل مكانها من دون فرق أصلاً .
وامّا سجدتا السهو فقد احتاط فيهما استحباباً في المتن برعاية الوضوء فيهما لكون الأظهر عدم الاعتبار لعدم كونهما من أجزاء الصلاة ولا تكونان كصلاة الاحتياط التي هي مكمّلة للصلاة على تقدير النقص وصلاة مستقلّة على التقدير
الصفحة 367
الآخر ، بل هما خارجتان عن الصلاة أوجبهما الشارع عقوبة للنسيان الموجب للإخلال بشيء ممّا اعتبر فيها ولذا لا يكون الإخلال بهما ـ ولو عمداً ـ موجباً للبطلان ، نعم الاحتياط الاستحبابي لا ينبغي تركه .
وامّا الطواف فإن كان جزء للحج أو العمرة الواجبين فلا إشكال في اعتبار الوضوء فيه للأخبار الكثيرة الواردة فيه التي منها صحيحة محمد بن مسلم قال : سُألت أحدهما(عليهما السلام) عن رجل طاف طواف الفريضة وهو على غير طهور قال : يتوضّأ ويعيد طوافه وإن كان تطوّعاً توضّأ وصلّى ركعتين . ومنها صحيحة علي بن جعفر عن أخيه(عليه السلام) سألته عن رجل طاف ثمّ ذكر انّه على غير وضوء قال : يقطع طوافه ولا يعتدّ به . ومنها غير ذلك من الروايات الدالّة عليه .
وإن لم يكن جزء للحجّ أو العمرة الواجبين فتارة يكون جزء للمندوبين منهما ، واُخرى لا يكون جزء من أحدهما ، بل يكون عملاً مستقلاًّ يؤتى به استحباباً وقد احتاط في المتن بالاعتبار في الأوّل أيضاً ومنشأه ادّعاء الإجماع على أنّ الحج والعمرة يجب إتمامهما بالشروع فيهما مضافاً إلى دلالة قوله تعالى : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِِ)(1) على وجوب الإتمام ولكنّه يمكن المناقشة في الإجماع المنقول بعدم الحجّية وفي دلالة الآية بعدم كونها مسوقة لبيان وجوب الإتمام مطلقاً ومن الممكن أن يكون المراد وجوب الإتمام في الحجّ والعمرة الواجبين المعهودين ، كما انّه يمكن أن يكون المراد إيجاب الإتمام لله لا لغرض آخر ، والتحقيق في باب الحجّ مع انّه على تقدير وجوب الأمرين بمجرّد الشروع أيضاً يمكن أن يقال : إنّ المراد من قوله : طاف طواف الفريضة هو الطواف الذي كان العمل الذي هو جزء له فريضة لا
(1) سورة البقرة : 196 .
الصفحة 368
الطواف الواجب ولو كان وجوبه لأجل الشروع في العمل الواجب لعدم كون الفريضة وصفاً للطواف ، بل وصف لما اُضيف إليه .
نعم يبعّد ذلك قوله (عليه السلام) : وإن كان تطوّعاً ، الظاهر في رجوع الضمير إلى نفس الطواف لا العمل الذي هو جزء له ، وعليه فقرينة المقابلة تقتضي كون المراد بطواف الفريضة هو الطواف الذي كان فريضة ، وكيف كان فالاحتياط في هذا القسم لا يجوز تركه .
وامّا الثاني فمقتضى الروايات الكثيرة عدم اعتبار الوضوء فيه مثل رواية محمد بن مسلم المتقدّمة المشتملة على قوله(عليه السلام) : وإن كان تطوّعاً توضّأ وصلّى ركعتين ، وإن كان يمكن المناقشة في دلالتها بأنّه يحتمل أن يكون مورد السؤال خصوص صورة النسيان ، وعليه فالحكم بالصحّة فيها لا يلازم عدم الاعتبار مع التوجّه والالتفات أيضاً .
ورواية عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : قلت له : إنّي أطوف طواف النافلة وأنا على غير وضوء؟ قال : توضّأ وصل وإن كنت متعمّداً ، وبمثلها يجاب عن المناقشة يجاب عن المناقشة المذكورة ويعلم انّ المراد من مورد السؤال أعمّ من صورة النسيان ويشمل صورة التعمّد أيضاً ، كما انّه بسبب هذه الروايات تقيد المطلقات الواردة الدالّة على أنّ الطواف يعتبر فيه الوضوء كرواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يطوف على غير وضوء أيعتدّ بذلك الطواف؟ قال : لا . كما انّه بها يفسّر ما ورد من انّ الطواف بالبيت صلاة لو كان المراد التنزيل في جميع الجهات لا التشبيه في خصوص ما يترتّب عليه من الأجر والثواب كما لا تبعد دعواه .
ثمّ إنّه لا خفاء في اعتبار الوضوء في صلاة الطواف وإن كان تطوّعاً ويدلّ عليه
الصفحة 369
ـ مضافاً إلى ما عرفت من اعتبار الوضوء في الصلاة مطلقاً ـ الروايات الدالّة على اعتباره فيها كبعض الروايات المتقدّمة ، بل بعضها يدلّ على إعادة الصلاة مع نسيان الوضوء دون الطواف كرواية حريز عن أبي عبدالله(عليه السلام) في رجل طاف تطوّعاً وصلّى ركعتين وهو على غير وضوء ، فقال : يعيد الركعتين ولا يعيد الطواف . فإنّ موردها امّا خصوص صورة النسيان أو الأعمّ منه ومن المتعمّد .
ثمّ الظاهر انّ الطواف الواجب بالنذر بحكم الطواف المستحبّ في عدم اعتبار الوضوء فيه وذلك لأنّ الوجوب الذي يتحقّق بسبب النذر إنّما يكون متعلّقه الوفاء بالنذر ولا يتعدّى عنه إلى ما به يتحقّق الوفاء ولا يصير الطواف واجباً وإلاّ يلزم اجتماع الحكمين في الطواف فهو قبل تعلّق النذر به وبعده على حكمه الاستحبابي ، غاية الأمر موافقة الحكم الوجوبي المتعلّق بالوفاء لا تحصل إلاّ مع الإتيان بهذا العمل المستحبّ فإذا فرضنا انّ الطواف المستحبّ لا يكون مشروطاً بالوضوء فكيف يتغيّر الحكم بعد تعلّق النذر ويصير الطواف مشروطاً به ، ودعوى انّ ما ذكر يجري في الطواف الذي هو جزء للحجّ المستحبّ أو العمرة كذلك وإن قلنا بالوجوب بمجرّد الشروع لأنّ متعلّق الوجوب بمقتضى الآية هو عنوان الإتمام وهو لا يوجب صيرورة الطواف واجباً لعدم تعدّي الحكم عن متعلّقه إلى غيره مدفوعة بأنّ عنوان الإتمام ليس عنواناً مغائراً لبقيّة الأعمال بل هو عنوان انتزاعي لها جيء بها كناية عنها وهذا بخلاف عنوان الوفاء بالنذر الذي هو عنوان مستقلّ لا يرتبط بالعنوان الذي صار متعلّقاً للنذر فتدبّر جيّداً . هذا تمام الكلام في القسم الأوّل .
وامّا القسم الثاني وهو ما يكون الوضوء شرطاً لجوازه ورفع المنع عنه فمصداقه الظاهر مسّ كتابة القرآن ، والكلام في هذه المسألة يقع من جهات :
الجهة الاُولى : في انّه هل يحرم مسّ كتابة القرآن من غير وضوء أم لا؟ المشهور
الصفحة 370
بين المتقدّمين والمتأخّرين الأوّل ، بل عن المختلف وظاهر البيان والتبيان الإجماع عليه ، وخالفهم في ذلك الشيخ وابن البراج وابن إدريس والأردبيلي ـ والتزموا ـ على ما حكى عنهم ـ بالكراهة .
وقد استدلّ على مذهب المشهور بقوله تعالى : (لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ)(1) .
وأورد على الاستدلال به بأنّ معنى الآية المباركة انّ الكتاب لعظمة معاني آياته ودقّة مطالبه لا ينال فهمها ولا يدركها إلاّ من طهّره الله سبحانه ، وهم الأئمّة(عليهم السلام)لقوله سبحانه : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) . وليست لها دلالة على حصر جواز المسّ للمتطهّر لأنّ المطهّر ـ بالفتح ـ غير المتطهّر وهما من بابين ولم ير إطلاق الأوّل على الثاني في شيء من الكتاب والأخبار ، على أنّ الضمير في يمسّه إنّما يرجع إلى الكتاب المكنون وهو اللوح المحفوظ ـ الذي يكون القرآن فيه ـ ومعناه انّ الكتاب المكنون لا يصل إلى دركه إلاّ من طهّره الله وهم الأئمّة(عليهم السلام) فالآية أجنبية عن المقام بالكلّية . هذا بالنظر إلى نفس الآية المباركة .
وامّا بالنظر إلى ما ورد في تفسيرها ففي رواية إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن(عليه السلام) قال : المصحف لا تمسّه على غير طهر ولا جنباً ولا تمسّ خطّه ولا تعلّقه انّ الله تعالى يقول : لا يمسّه إلاّ المطهرون . ومقتضى الرواية انّ الضمير في «يمسّه» راجع إلى الكتاب الموجود بين المسلمين وانّ المراد بالمسّ هو المسّ الظاهري إلاّ غير قابلة للاستدلال بها لضعف سندها من وجوه منها انّ الشيخ رواها باسناده عن علي بن حسن بن فضّال وطريق الشيخ إليه ضعيف ، بل ودلالتها أيضاً قابلة
(1) سورة الواقعة : 79 .
الصفحة 371
للمناقشة لاشتمالها على المنع من تعليق الكتاب وحيث لا قائل بحرمة التعليق من غير وضوء فلا مانع من أن يجعل ذلك قرينة على إرادة الكراهة من النهي ولو بأن يقال إنّ الكتاب لمكان عظمته وشموخ مقاصده ومداليله لا يدركه غير المعصومين(عليهم السلام) ولذا يكره مسّه وتعليقه من غير طهر فالرواية لا تدلّ على حرمة المسّ وإرجاع الضمير إلى الكتاب الموجود بين المسلمين . هذا ما أفاده بعض الأعلام ـ على ما في تقريراته في شرح العروة ـ .
والجواب عنه انّ رجوع الضمير إلى الكتاب الموجود بين المسلمين ممّا لا مجال لإنكاره فإنّ الآيات الواقعة بعد قوله تعالى : (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) إنّما يكون في وصف القرآن وقد وصفه تعالى بأنّه في كتاب مكنون وانّه لا يمسّه إلاّ المطهرون وانّه تنزيل من ربّ العالمين ، فهل يرجع الضمير في «لا يمسّه» إلى الكتاب المكنون مع انّ التنزيل الواقع بعده صفة للقرآن لا للكتاب المكنون ، فالضمير يرجع إلى القرآن بلا إشكال .
وامّا عنوان المطهّر ـ بالفتح ـ فقد قال الله تعالى في ذيل آية الوضوء : (وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ)(1) ، وقال تعالى في موضع آخر : (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ)(2) ومقتضى الآيتين صيرورة المتوضّي والمغتسل مطهّرين ـ بالفتح ـ بالتطهير الذي أراده الله ، نعم الفرق بين التطهير الذي يدلّ عليه آية التطهير المعروفة وبين التطهير الذي هو مفاد آية الوضوء وشبهها هو انّ التطهير في آية التطهير متعلّقة للإرادة التكوينية ومتعلّقة بالنفوس والقلوب
(1) سورة المائدة : 6 .
(2) سورة الأنفال : 11 .
الصفحة 372
ومرجعها إلى تطهيرها من أرجاس المعاصي وقذارات الذنوب أو ممّا هو أعظم من ذلك وأدقّ وهو التعلّق بغيره تعالى والتطهير في آية الوضوء متعلّقة للإرادة التشريعية ومتعلّقة بالمتوضّي ومرجعها إلى تطهيره من قذارة الحدث .
نعم يمكن الإيراد على الاستدلال بالآية بعدم ظهورها في نفسها في كون المراد من المسّ هو المسّ الظاهري وفي كون المراد من المطهّرين ما يشمل غير الأئمّة المعصومين ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ لأنّه يحتمل قويّاً بعد رجوع الضمير إلى نفس القرآن على ما هو ظاهر الآية بلا ريب أن يكون المراد من المسّ هو العلم والاطّلاع من المطهّرين خصوصهم سيّما مع فرض كون «لا» في «لا يمسّه» نافية لا ناهية ، فالاستدلال بها غير تامّ .
وامّا الرواية الواردة في تفسير الآية فإن كان الاستشهاد الواقع فيها بالآية الكريمة تعليلاً حقيقيّاً فهي تدلّ على كون المراد منها هو المسّ الظاهري من غير طهر واشتمالها على النهي عن بعض الاُمور غير المشروطة بالطهارة كالتعليق ومسّ غير الخطّ لا يوجب رفع اليد عمّا هو ظاهرها بالإضافة إلى المقام إلاّ أن يقال بدلالتها ـ حينئذ ـ على كون «لا» في الآية ناهية والمراد منها هي الكراهة دون الحرمة ويبعّده ـ حينئذ ـ كونه خلاف ظاهر السياق ، وإن لم يكن الاستشهاد تعليلاً كذلك فمدلول الرواية ـ حينئذ ـ حرمة مسّ الخطّ والتعليق مطلقاً ولو مع الطهر لعدم تحقّق التقييد بالإضافة إليها وعدم كون الاستشهاد بنحو التعليل حتّى يصير قرينة على التقييد فتدبّر .
وكيف كان فالاستدلال بالآية ولو بضميمة الرواية الواردة في تفسيرها غير خالية عن المناقشة ، نعم حكى في مجمع البيان عن محمد بن علي الباقر(عليه السلام) في قوله : لا يمسّه إلاّ المطهرون قال : من الاحداث والجنابات وقال : لا يجوز للجنب
الصفحة 373
والحائض والمحدث مسّ المصحف . ولكنّها مرسلة لا يجوز الاعتماد عليها .
وامّا الروايات فمنها : مرسلة حريز عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : كان إسماعيل بن أبي عبدالله عنده فقال : يا بني اقرء المصحف فقال : إنّي لست على وضوء فقال : لا تمسّ الكتابة ومسّ الورق واقرئه .
ومنها : موثقة أبي بصير قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عمّن قرأ في المصحف وهو على غير وضوء قال : لا بأس ولا يمسّ الكتاب . والإرسال في الاُولى والضعف في الثانية ـ على تقديره ـ ينجبر باستناد المشهور على طبقهما خصوصاً مع تأيّدهما بالآية وما ورد في تفسيرها من الرواية .
الجهة الثانية : في انّه لا فرق في القرآن الذي يحرم مسّه على المحدث بين الآية والكلمة والحرف لأنّ الحرمة إنّما ترتّبت على مسّ القرآن النازل على النبي(صلى الله عليه وآله)ومن الواضح عدم كون المراد هو المجموع نوعاً ومورد المرسلة والموثقة هو مسّ البعض ، فإذا كان البعض أيضاً محكوماً بحرمة المسّ لا يبقى فرق بعده بين الآية والكلمة والحرف بل ولا فرق في الحرف بين ما كان يقرأ ويكتب كما هو الغالب في الحروف أو يكتب ولا يقرأ كالألف في قالوا وآمنوا وأشباههما أو يقرأ ولا يكتب إذا كتب كما في الواو الثاني من «داود» إذ كتب بواوين ، وكالألف في «رحمن ولقمان» نعم ربّما يستثنى من ذلك ما لا يكون صحيحاً حسب قواعد الكتابة ككتابة «ما لهذا الكتاب» : مال هذا الكتاب تبعاً للخليفة الثالث واحتفاظاً بكتابته إلى الآن نظراً إلى أنّ ما يعدّ غلطاً بحسب القواعد يكون زائداً خارجاً عن كتابة القرآن فلا يحرم مسّه . ولكن الظاهر عدم صحّة الاستثناء لعدم كون الملاك في القرآنية هي الصحّة بحسب قواعد الكتابة لعدم دوران القرآنية مدار الكتابة ، ألا ترى انّه لو كتب حروف القرآن بأجمعها منفصلة كلّ حرف عن الآخر مثل كتابة «الحمد» : الحم د
الصفحة 374
هل يمكن الفتوى بجواز مسّه لعدم كونه مكتوباً على حسب قواعد الكتابة أم لو كتب القرآن على وفق الحروف المعروفة بـ «لاتين» هل يخرج عن القرآنية ويجوز مسّه فالاستثناء في غير محلّه ، نعم ترجمة القرآن وتبديله من العربية إلى سائر اللغات لا يوجب بقاء عنوانه وصدق اسم القرآن عليه; لأنّ القرآن النازل على النبيّ(صلى الله عليه وآله) عربيّ اللغة قال الله تعالى : (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(1) .
وكما يحرم مسّ حروف القرآن يحرم مسّ علامتي المدّ والتشديد والإعراب أيضاً لأنّها وءن لم يكن مع عدم الكتابة موجباً لانتقاص القرآن وكونه غير كامل إلاّ انّه مع الكتابة لا تكون خارجة عن القرآن فهي كما ذكر من الألف في رحمن ولقمان لا يكون تركه قادحاً ، ولكنّه عند كتابته متّصف بالجزئية مع انّ المتفاهم عرفاً من مسّ كتابة القرآن المحكوم بالحرمة هو مسّ ما يشمل مثل ذلك ولا يكون المدّ والتشديد والإعراب خارجاً عن موضوع الحكم بنظرهم أصلاً .
ثمّ إنّه لا فرق بين ما كان في القرآن أو منه في كتاب فقه أو لغة أو غيرهما لما عرفت من عدم ترتّب الحكم على مسّ المجموع ، ومن الواضح عدم خصوصية لانضمام باقي الآيات والحروف إليه لكن عن الشهيد(قدس سره) التصريح بجواز مسّ الدراهم البيض المكتوب عليها شيء من الكتاب مستدلاًّ برواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : سألته هل يمسّ الرجل الدراهم الأبيض وهو جنب؟ فقال : أي انّي والله لأوتي بالدرهم فآخذه وانّي لجنب . وذكر انّ عليه سورة من القرآن ، ومن الواضح انّه لا خصوصية في الحكم بالجواز للدراهم فالرواية تدلّ على جواز مسّ كتابة القرآن في غير المصحف مطلقاً درهماً كان أو غيره .
(1) سورة يوسف : 2 .
الصفحة 375
وأورد على الاستدلال بالرواية بضعف السند والمناقشة في الدلالة :
امّا ضعف السند فلأنّ الراوي عن محمد بن مسلم هو البزنطي الذي هو من أصحاب الرضا والجواد(عليهما السلام) مع انّ محمد بن مسلم من أصحاب الصادقين(عليهما السلام) ليسا من أهل طبقة واحدة ولا يمكن للبزنطي النقل عنه من دون واسطة ولم يذكر محمد بن مسلم في عداد شيوخ البزنطي أصلاً مع انّ المحقّق نقل الرواية في المعتبر عن جامع البزنطي ولم يثبت اعتبار طريقه إلى هذا الكتاب .
وامّا المناقشة في الدلالة فلأنّ مدلولها انّ الجنب يجوز أن يأخذ الدرهم المكتوب عليه شيء من الكتاب ، وأمّا انّ الجنب يجوز أن يمسّ تلك الآية المكتوبة عليه إذ ليست في الرواية أيّة دلالة عليه فمن الجائز أن تكون الرواية ناظرة إلى دفع توهّم انّ الجنب لا يجوز أن يأخذ الدرهم الذي فيه شيء من الكتاب فهذه الرواية ساقطة .
أقول : ويمكن المناقشة من جهة اُخرى أيضاً وهي انّ الرواية لا دلالة لها على كون الدراهم البيض مكتوباً عليها شيء من الكتاب ولم يعلم المراد ممّن ذكر انّ عليه سورة من القرآن وانّ قوله هل يكون معتبراً أم لا خصوصاً مع عدم اشتمال شيء من الروايات الواردة في مسّ الجنب ومثله الدراهم أو الدراهم الأبيض على هذه الخصوصية ، بل هي امّا مطلقة أو مشتملة على خصوصية اسم الله أو اسم رسوله أيضاً وقد حمل الشيخ رواية إسحاق بن عمّار عن أبي إبراهيم وفسّرها بما إذا لم يكن عليها اسم الله قال : سألته عن الجنب والطامث يمسّان أيديهما الدراهم البيض؟ قال : لا بأس . ولو كانت الدراهم البيض مكتوباً عليها شيء من الكتاب لكان الحمل عليه والتفسير به أولى كما لا يخفى هذا مع انّ اشتمال الدرهم على القرآن خصوصاً على سورة منه بعيد في نفسه وهذا بخلاف الاشتمال على اسم الله أو اسم الرسول .
الصفحة 376
الجهة الثالثة : في أنّه هل يلحق بكتابة القرآن أسماء الله وصفاته الخاصّة أم لا؟ ربّما يقال بأنّه إن اعتمدنا في الحكم بحرمة مسّ الكتاب على موثقة أبي بصير المتقدّمة لم يمكننا الحكم بحرمة المسّ في غيره لاختصاص الموثقة بالكتاب ولا سبيل لنا إلى ملاكات الأحكام الشرعية لنتعدّى عنه إلى غيره ، وامّا لو كان المدرك قوله ـ عزّ من قائل ـ : (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ* فِي كِتَاب مَكْنُون* لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ) ، فلا مانع من التعدّي إلى أسماء الله وصفاته الخاصّة لدلالة الآية المباركة على انّ المنع عن مسّ كتابة القرآن إنّما هو لكرامته فيصحّ التعدّي منه إلى كلّ كريم وأسماء الله من هذا القبيل .
أقول : لو كان المدرك هي الآية المباركة أيضاً لما جاز التعدّي; لأنّ التوصيف بكلّ من الكرامة وكونه في كتاب مكنون وانّه لا يمسّه إلاّ المطهّرون إنّما هو في عرض واحد بلا ترتّب لواحد منها على الآخر ولو كان التوصيف بالكرامة دخيلاً لكان الثبوت في اللوح المحفوظ أيضاً كذلك فلا فرق بين الآية والرواية من هذه الجهة أصلاً .
نعم يمكن الاستدلال على أصل الحكم ـ مضافاً إلى انّه لو كان كتاب شخص محكوماً بحكم يناسب احترامه وتعظيمه وتجليله لكان اسمه وصفته الخاصّة محكوماً بذلك الحكم بطريق أولى فتدبّر بموثّقة عمّار بن موسى عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : لا يمسّ الجنب درهماً ولا ديناراً عليه اسم الله . وقد عرفت انّه حمل الشيخ رواية إسحاق بن عمّار الدالّة على نفي البأس عن مسّ الجنب والطامث الدراهم البيض على ما إذا لم يكن عليها اسم الله . بدعوى انّ مورد الرواية وإن كان هو الجنب إلاّ انّه لا يبعد أن يقال بأنّ المراد منه مطلق المحدث ولو كان بالحدث الأصغر ولكن هذه الدعوى ممنوعة لاختصاص الجنب ومثله بأحكام لا تجري في مطلق
الصفحة 377
المحدث ، ومن الممكن أن يكون المقام منها فلا وجه لإلغاء الخصوصية وعليه لا يبقى للإلحاق دليل وكأنّه لأجل ذلك لم يتعرّض له الكثير من الأصحاب أو الأكثر ، ومنه يظهر انّ الإشكال في لحوق أسماء الأنبياء والأئمّة(عليهم السلام) والملائكة يكون أشدّ ولكن عن كشف الالتباس الإلحاق في الأوّلين أيضاً للفحوى ، ويدفعه ـ مضافاً إلى ما ذكر ـ انّه لم يتوهّم أحد انّ مسّ المحدث بدون النبي أو أحد الأئمّة ـ عليه وعليهم السلام ـ حرام مع انّه أولى من مسّ أسمائهم ، وعلى ما ذكرنا فالحكم بالإلحاق يبتني على الاحتياط من دون أن يكون عليه دليل .
الصفحة 378
مسألة 1 ـ لا فرق في حرمة المسّ بين أجزاء البدن ظاهراً وباطناً ، نعم لايبعد جواز المسّ بالشعر ، كما لا فرق بين أنواع الخطوط حتّى المهجور منها كالكوفي ، وكذا بين أنحاء الكتابة من الكتب بالقلم أو الطبع أو غير ذلك .
وامّا الثالث فهو أقسام كثيرة لا يناسب ذكرها في هذه الوجيزة ، وفي كون الوضوء مستحبّاً بنفسه تأمّل1 .
1 ـ امّا عدم الفرق في حرمة المسّ بين أجزاء البدن ظاهراً وباطناً فالوجه فيه إطلاق الدليل; لأنّ الحكم قد رتّب فيه على عنوان المسّ وهو يشمل المسّ بكلّ جزء ولو كان من الأجزاء الباطنية كالمسّ باللسان أو الأسنان ، وامّا المسّ بالشعر فقد نفي البعد عن جوازه في المتن ولعلّه لعدم تحقّق المسّ به عرفاً ، ولكنّه ربّما يقال بأنّ الشعر اخذا كان قليلاً وخفيفاً فهو لا يمنع عن صدق المسّ بالبدن أو اليد ونحوهما بخلاف ما إذا كان طويلاً أو كثيفاً فانّه لا يصدق على المسّ به مسّ الكتابة باليد أو غيرها لأنّه في حكم المسّ بالأمر الخارجي الذي لا يكون مشمولاً للدليل .
ويرد عليه المنع عن الصدق في الصورة الاُولى أيضاً فإنّ المسّ بالشعر لا يوجب صدق المسّ بالبدن أو اليد ، نعم يمكن أن يقال : النّ الشعر ما دام متّصلاً بالبدن غير منقطع عنه يكون من أجزاء البدن ومقتضى إطلاق الدليل الشمول له أيضاً وءخن كان ممّا لا تحلّه الحياة ، ولكن يرد عليه خروجه عمّا هو المتفاهم عرفاً من الدليل فلا يبعد الحكم بالجواز وإن كان الأحوط الترك .
وامّا عدم الفرق بين أنواع الخطوط كالكوفي والنسخ والنستعليق والثلث وأشباهها فلأنّ الحرمة مترتّبة على مسّ الكتاب أو الكتابة ، ومن الواضح صدقه على كلّ نوع ولو صار مهجوراً في زمان لأنّ المهجوريّة لا تخرجه عن كونه قرآناً كما
الصفحة 379
لا يخفى .
وامّا أنحاء الكتابة فهي أربعة :
أحدها : الخطّ الباز وهو الذي يعلو على سطح القرطاس أو الجلد أو غيرهما ويكون له تجسّم .
ثانيها : الخطّ العادي وهو الذي لا يعلو على سطح القرطاس ونحوه ، بل يكون كالنقش الخالي عن الجرمية وهذا هو المتعارف الغالب في الكتابة .
ثالثها : الخطّ المحفور وهو الذي يحفر على الخشب أو الحجر أو نحوهما .
رابعها : الخطّ المحزّم كما في الشبابيك المخرّمة .
امّا القسمان الأوّلان فلا إشكال في حرمة مسّهما لصدق مسّ كتابة القرآن فيهما يقيناً ، وامّا الأخيران فقد استشكل فيه شيخنا الأعظم(قدس سره) لعدم كون الكتابة ممّا يقبل المسّ لقيام الخطّ فيهما بالهواء ولا يصدق المسّ فيهما عرفاً . ولكن الظاهر انّ العرف لا يرى أن يكون هناك خطّ ومع ذلك لا يكون قابلاً للمسّ ، غاية الأمر انّ المسّ في الخطوط مختلف وفي الأخيرين انّما يتحقّق بمسّ أطراف الحفر المتّصلة بالسطح ، نعم في مثل الشبابيك المخرّمة التي يحدث من إشراق الشمس عليها نور للشمس في الأرض بصورة الكتابة أو ظلّ كذلك ربّما يتأمّل في صدق الكتابة على ذلك النور أو الظلّ لعدم وضوح صدق عنوان كتابة القرآن عليه ، كما انّه ربّما يتأمّل في صدقها فيما إذا كتب باصبعه ـ مثلاً ـ على مثل الدهن الذي له ميعان في الجملة بحيث تمحو الكتابة بعد زمان يسير ولكن الظاهر الصدق في هذه الصورة ما دام لم يتحقّق الانمحاء وعدم البقاء إلاّ يسيراً لا يمنع عن الصدق ما دام باقياً .
نعم في الخطّ الذي لا يكون ظاهراً فعلاً ، بل يظهر بعد عمل وعلاج كما إذا كتب بماء البصل حيث لا يظهر أثر الكتابة إلاّ إذا أحمى على النار وقع الإشكال في أنّه هل
الصفحة 380
يحرم مسّه قبل ظهوره بالعلاج أم لا؟ وقد استظهر صاحب العروة (قدس سره) الحرمة والوجه فيها انّ الكتابة موجودة قبل العلاج وإن لم تكن بارزة ضرورة انّ الحرارة ليست من أسباب تكوّنها وحدوثها ، بل هي موجبة لبروزها وظهورها ومتعلّق الحرمة لا يكون مقيّداً بقيد البروز على ما هو مقتضى الإطلاق فالظاهر ما أفاده . هذا تمام الكلام في القسم الثاني .
وامّا القسم الثالث وهو ما كان الوضوء شرطاً لكماله فله أقسام كثيرة ليس التعرّض لها خصوصاً مع كون البناء على الاختصار بمهمّ وانّما المهمّ التعرّض لما وقع مورداً للبحث والإشكال وهو انّ الوضوء هل يكون مستحبّاً في نفسه بحيث كان الإتيان بها مجرّداً عن جميع الغايات حتّى الكون على الطهارة محبوباً أم لا ، وقد تأمّل فيه في المتن ونفى البعد عنه صاحب العروة ، وعن جماعة إنكار ذلك وانّ الوضوء إنّما يتّصف بالاستحباب فيما إذا أتى به لغاية من الغايات المستحبّة ولو كانت هي الكون على الطهارة بناء على أنّ الطهارة أمر يترتّب على الوضوء لأنّ الوضوء بنفسه طهارة .
وقد استدلّ على الاستحباب النفسيّ بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)(1) بضميمة الأخبار الدالّة على أنّ الوضوء طهور وهي كثيرة منها صحيحة زرارة المتقدّمة الدالّة على أنّه لا صلاة إلاّ بطهور ، نظراً إلى أنّ مفاد الآية انّ الطهارة محبوبة له تعالى ولا معنى لحبّه لها إلاّ أمره بها وبعثه إليها ، فالمستفاد منها انّ الطهارة مأمور بها شرعاً ، نعم المراد بالطهارة في الآية المباركة ما يعمّ النظافة العرفية للاستشهاد بها عليها في بعض الروايات فالآية المباركة دلّت على
(1) سورة البقرة : 222 .
|