في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


الصفحة 341

لأنّها مع الطهارة على عقيدتهم وإن كان الأمر على خلاف ذلك عندنا لانتقاض وضوئه بالنوم .

ويرد على هذا الجواب انّه لا مانع من الخروج من دون أن يصرّح بعذره ولا يكون على خلاف التقيّة لأنّه لو لم يكن مريداً للجمعة لما اشترك مع الناس في الحضور في المسجد لإقامتها فالشركة دليل على عدم الإعراض كما انّه يمكن التصريح بالعذر بأنّه انتقض وضوئه من دون بيان وجه الانتقاض وعلّة البطلان ولا يلزم بيان العلّة بوجه فحمل الرواية على التقية لا وجه له .

والحقّ انّه لو لم تكن الرواية مردودة بالشذوذ والإعراض لكان اللاّزم حملها على عدم وجوب الوضوء عليه لكونه في حال الضرورة وجواز الاكتفاء بالتيمّم ، غاية الأمر ظهورها في جواز الاقتصار على صلاة الجمعة وعدم لزوم الإعادة ولا بأس بالالتزام به إلاّ أن يقوم إجماع على خلافه وهو غير معلوم ، وعلى أيّ فلا دلالة لها على عدم انتقاض الوضوء بالنوم في حال الجلوس .

بقي في باب النوم أمران :

الأوّل : انّه هل النوم بما هو نوم ناقض للوضوء أو انّ سببيّته له من جهة انّ النوم مظنَّة للحدث وعليه فالحكم بوجوب الوضوء مع النوم من باب تقديم الظاهر على الأصل؟ وجهان والصحيح هو الوجه الأوّل; لأنّ ظاهر الروايات الواردة في المقام انّ النوم ناقض بعنوانه وكونه ناقضاً مستقلاًّ وحملها على أنّ الناقض أمر آخر والنوم كاشف عنه وامارة عليه خلاف الظاهر وقد صرّح في بعضها بأنّ النوم بنفسه حدث كما في صحيحة إسحاق بن عبدالله الأشعري عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : لا ينقض الوضوء إلاّ حدث والنوم حدث . وهي كما ترى صريحة في انّ النوم بعنوانه حدث موجب لزوال الطهارة لا أن يكون أمارة على ما هو الحدث ، نعم هنا

الصفحة 342

روايتان ربّما يتوهّم منهما خلاف ما ذكر :

الاُولى : رواية الكناني عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يخفق وهو في الصلاة ، فقال : إن كان لا يحفظ حدثاً منه إن كان ، فعليه الوضوء وإعادة الصلاة ، وإن كان يستيقن انّه لم يحدث فليس عليه وضوء ولا إعادة .

والظاهر انّ المراد من الشرطية الاُولى انّ الخفقة إذا كانت بحيث لو خرج منه حدث في أثنائها لم يعلم به ولم يحفظه فهي نوم حقيقة وعليه الوضوء وإعادة الصلاة وقرينة المقابلة تقتضي أن يكون المراد بالشرطية الثانية هو عدم كون الخفقة بهذه الحيثية ، بل كانت بحيث لو خرج منه حدث لعلم به وحفظه ومن المعلوم عدم انتقاض الوضوء في هذه الصورة لعدم تحقّق النوم حقيقة فالتفصيل في الرواية في الخفقة إنّما هو من جهة ثبوت النوم في إحدى الصورتين وعدم ثبوته في الصورة الاُخرى ولا يرجع إلى التفصيل في النوم أصلاً كما لا يخفى .

وبعبارة اُخرى المراد بقوله : يستيقن انّه لم يحدث ، انّه لم يستول عليه النوم ضرورة انّ من استولى عليه النوم كيف يستيقن بعدم خروج الحدث منه لأنّ الاستيقان فرع التوجّه والالتفات وهو لا يجتمع مع النوم الحقيقي فالاستيقان كناية عن عدم النوم فتدبّر .

الثانية : ذيل رواية فضل بن شاذان المتقدّمة المشتملة على قوله(عليه السلام)  : وامّا النوم فإنّ النائم إذا غلب عليه النوم يفتح كلّ شيء منه واسترخى فكان أغلب الأشياء عليه فيما يخرج منه الريح فوجب عليه الوضوء لهذه العلّة .

والظاهر انّ الرواية بصدد بيان الحكمة في الحكم وانّ العلّة للجعل والتشريع غلبة خروج الريح حالة النوم بالاسترخاء الحاصل بسببه ولا دلالة للرواية على أنّ الانتقاض يدور مدار خروج الريح وعدمه .

الصفحة 343

وبعبارة اُخرى الرواية إنّما هي بصدد بيان الحكمة التي لا يعتبر فيها الاطراد لا العلّة التي يعتبر فيها كذلك ، وإن أبيت إلاّ عن كونها بصدد بيان العلّة نظراً إلى ظهورها في ذلك خصوصاً مع التصريح بكلمة «العلّة» فيها فنقول : العلّة هي المعرضية لخروج الريح الحاصلة بالاسترخاء المتحقّق بالنوم ومن المعلوم عدم انفكاك المعرضية له عن النوم الحقيقي فالمشار إليه بقوله : هذه العلّة ما ليس هو خروج الريح بل الاسترخاء والانتفاح الموجب لأن يكون أغلب الأشياء فيما يخرج منه الريح فتدبّر .

فانقدح انّه لا دلالة لشيء من الروايتين على خلاف ما هو ظاهر الروايات الواردة في النوم الدالّة على كونه ناقضاً مستقلاًّ فالنوم بنفسه ناقض وإن علم بعدم خروج الحدث في حاله .

الثاني : في المراد من النوم الناقض والظاهر انّ المراد به هو ما يستولي على القلب ويوجب تعطيل الحواس عن الإحساس وأمارته هو تعطيل السمع عن السماع للملازمة بينه وبين الاستيلاء على القلب وهذا بخلاف حاسّة البصر فإنّ استيلاء النوم عليها لا يؤثّر في تحقّق النوم الحقيقي لعدم الملازمة بينه وبين نوم القلب والإذن كما قد صرّح به في صحيحة زرارة المشهورة التي استدلّ بها على حجّية الاستصحاب .

ومنه يظهر وجه الجمع بين الأخبار المختلفة الواردة في المقام التي يدلّ بعضها على أنّ النوم الناقض هو النوم حتّى يذهب العقل ، وبعضها على أنّ الناقض هو النوم الغالب على القلب ، وفي بعضها النوم الغالب على السمع ، وفي الآخر هو النوم الغالب على حاسّتي السمع والبصر ، فإنّ الظاهر انّ الملاك هو الاستيلاء على القلب الملازم لذهاب العقل ، وللغلبة على السمع والبصر ، نعم لا عبرة كما عرفت

الصفحة 344

بالاستيلاء على حاسّة البصر خاصّة لعدم الملازمة بين نومه ونوم القلب ولا يكون في أخبار الباب ما يدلّ على الاكتفاء بنوم البصر خاصّة ، وبالجملة فالظاهر انّه لا منافاة بين شتات الأخبار الواردة في المقام .

وامّا الخامس : ـ وهو كلّ ما أزال العقل من إغماء أو جنون أو سكر أو غير ذلك ـ فلا خلاف في ناقضيّته بين الأصحاب ، بل بين جميع المسلمين ، وعن البحار : انّ أكثر الأصحاب نقلوا الإجماع . وهو العمدة في المقام ـ بعد إمكان المناقشة في الأدلّة التي يمكن أن يتشبّث بها كما سيجيء ـ إذ الظاهر عدم كون الإجماع مستنداً إلى تلك الأدلّة غير الخالية عن المناقشة في الدلالة حتّى تجب ملاحظتها من حيث هي كما في سائر المسائل التي يكون الإجماع فيها مستنداً إلى الاجتهاد .

فالإنصاف انّ الإجماع في المقام ـ بعد كون الحكم مخالفاً لما تقتضيه القواعد والاُصول الشرعيّة ، بل منافياً لما يستفاد من الأخبار الحاصرة للنواقض في اُمور لا يكون هذا الأمر فيها ـ دليل قطعي على أنّ الحكم كان كذلك في زمان الأئمّة(عليهم السلام)وقد وصل إلينا بتوسّط الفقهاء الذين هم حملة أحكام الله ومخازن علوم النبي والأئمّة ـ صلوات الله عليه وعليهم ـ يداً بيد ، خلفاً عن سلف ، ولاحقاً عن سابق .

وقد ذكر المحقّق الهمداني(قدس سره) انّه قلّما يوجد في الأحكام الشرعيّة مورد يمكن استكشاف قول الإمام(عليه السلام) أو وجود دليل معتبر من اتّفاق الأصحاب مثل المقام ، كما انّه قلّما يمكن الاطّلاع على الإجماع لكثرة ناقليه واعتضاد نقلهم بعدم نقل الخلاف كما فيما نحن فيه .

وبالجملة لا مجال للإشكال في ثبوت الإجماع في المقام وفي استكشاف رأي المعصوم منه ومخالفة صاحبي الحدائق والوسائل لا تقدح في ذلك كما لا يخفى وجهه ، نعم ربّما يستدلّ على ذلك ببعض الروايات :

الصفحة 345

كصحيحة معمّر بن خلاّد قال : سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن رجل به علّة لا يقدحر على اضطجاع ، والوضوء يشتدّ عليه ، وهو قاعد مستند بالوسائد فربّما أغفى وهو قاعد على تلك الحال ، قال : يتوضّأ ، قلت له : إنّ الوضوء يشتدّ عليه لحال علّته فقال : إذا خفي عليه الصوت فقد وجب عليه الوضوء . . . وتقريب الاستدلال بها وجهان :

أحدهما : انّ الإغفاء وإن كان قد يطلق ويراد به النوم إلاّ انّه في الصحيحة بمعنى الإغماء وذلك لأنّ كلمة «ربّما» تدلّ على التكثير ، بل هو الغالب فيها ومن الظاهر انّ ما يكثر في حالة المرض هو الإغماء دون النوم .

ثانيهما : انّ قوله(عليه السلام) في ذيل الرواية : إذا خفى عليه الصوت . . . يدلّ على أنّ خفاء الصوت على المكلّف هو العلّة في انتقاض الوضوء ومقتضى إطلاقه عدم الفرق في ذلك بين أن يكون مستنداً إلى النوم وبين أن يكون مستنداً إلى السكر ونحوه من الأسباب المزيلة للعقل .

والجواب عن الوجه الأوّل : انّ الإغفاء بمعنى النوم الخفيف ، يقال : أغفى أي نام نومة خفيفة كما في «المنجد» واستعمال كلمة «ربّما» في التكثير ممنوع ، بل هي بمعنى «قد» نوعاً مع انّ مناسبة عدم القدرة على الاضطجاع الذي يكون النوم في حالته غالباً والاستناد بالوسائد وكونه قاعداً مع النوم واضحة كما لايخفى .

وعن الوجه الثاني انّه لا دلالة للرواية على أنّ العلّة مجرّد خفاء الصوت بأيّ سبب استند لأنّ الضمير يرجع إلى الرجل المحدث بالحدث المعهود أي الرجل الذي قد أغفى فمدلولها انّ خفاء الصوت في خصوص النائم كذلك ، وهذا هو ما ذكرناه في حقيقة النوم من أنّ أمارة النوم هو الغلبة على حاسّة السمع المتحقّقة بخفاء الصوت وعدم سماع الاذن ، فالرواية أجنبية عن المقام بالمرّة . مضافاً إلى أنّ خفاء الصوت

الصفحة 346

إنّما هو الإغماء ونظائره دون الجنون وأشباهه .

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر وأبي عبدالله(عليهما السلام) المتقدّمة . الدالّة على ناقضية النوم حتّى يذهب العقل ومثلها رواية عبدالله بن المغيرة ومحمد بن عبدالله عن الرضا(عليه السلام) قالا : سألناه عن الرجل ينام على دابّته فقال : إذا ذهب النوم بالعقل فليعد الوضوء . بتقريب ظهورهما في كون المناط هو زوال العقل سواء كان مستنداً إلى النوم أو إلى الجنون والسكر ، بل المناط في الثاني يكون ثابتاً بطريق أولى .

والجواب : انّ التقييد بإزالة العقل إنّما هو لتحديد النوم الناقض ولا دلالة فيهما بل ولا إشعار على كون الملاك هو زوال العقل بأيّ سبب استند; مع انّ المراد بالعقل الزائل بسبب النوم هو الإدراك والإحساس وإلاّ فالنائم لا يكون فاقداً للقوّة العاقلة ، والفرق بين النائم والمجنون مع اشتراكهما في عدم الإدراك هو انّ المجنون يكون تعطّل قواه مستنداً إلى الاختلاف الحاصل فيها بخلاف النائم فإنّه لم يعرض له بسبب النوم اختلال أصلاً ، وحينئذ فالمراد بالعقل الذي اُنيط الحكم بزواله ـ على تقدير تسليم استفادة العلّية ـ هو الإدراك كما عرفت وذهابه بهذا المعنى إنّما يتحقّق في بعض صور الإغماء فقط ولا يشمل جميع الفروض .

وربّما يستدلّ أيضاً بقوله(عليه السلام) في ذيل رواية العلل المتقدّمة : وامّا النوم فإنّ النائم إذا غلب عليه النوم يفتح كلّ شيء منه واسترخي فكان أغلب الأشياء فيما يخرج منه الريح فوجب عليه الوضوء لهذه العلّة . بدعوى أنّ كلّ ما يوجب ذهاب العقل يكون محقّقاً للعلّة الموجبة لتشريع الوضوء .

وقد عرفت انّ العلّة إنّما تكون حكمة ونكتة للتشريع والجعل بمعنى انّ إيجاب الوضوء عليه إنّما هو لكونه في معرض خروج الريح منه فلا يستفاد منها كون المجعول دائراً ـ وجوداً وعدماً ـ مدار تلك العلّة ، مضافاً إلى وضوح انّ العلّة لا

الصفحة 347

تجري في جميع صور المسألة فإنّ الجنون ونظائره لا يوجب الاسترخاء . والذي يسهل الخطب ما عرفت من كون المسألة إجماعية بحيث لا حاجة فيها إلى ملاحظة دليل آخر أصلاً .

وامّا السادس : ـ وهو الاستحاضة في الجملة ـ فسيأتي البحث عنه مفصّلاً في باب الدماء الثلاثة إن شاء الله تعالى .

ثمّ إنّه جعل المنيّ في صحيحة زرارة عن أبي جعفر وأبي عبدالله(عليهما السلام) في عداد ما يوجب انتقاض الوضوء ، وهو وإن كان كذلك من جهة الناقضية إلاّ انّه لا يكون من الاحداث الموجبة للوضوء لأنّه موجب للغسل كما يأتي في محلّه إن شاء الله تعالى .

الصفحة 348

مسألة 2 ـ إذا خرج ماء الاحتقان ولم يكن معه شيء من دون الغائط ولم ينتقض الوضوء ، وكذا لو شكّ في خروج شيء معه ، وكذلك الحال فيما إذا خرج دود أو نواة غير متلطّخ بالغائط1 .

1 ـ امّا عدم الانتقاض في صورة عدم خروج شيء من الغائط مع ماء الاحتقان أو الدود أو النواة قطعاً فوجهه واضح; لأنّ المفروض عدم تحقّق الناقض وهو خروج الغائط كما مرّ ، وامّا عدم الانتقاض في صورة الشكّ فيدلّ عليه صحيحة زرارة المعروفة في باب الاستصحاب حيث قال في جواب السؤال عن احتمال تحقّق الناقض بقوله : فإن حرّك في جنبه شيء ولم يعلم به; لا حتّى يستيقن انّه قد نام حتّى يجيء من ذلك أمر بيّن وإلاّ فإنّه على يقين من وضوئه ولا تنقض اليقين أبداً بالشكّ . . .

الصفحة 349

مسألة 3 ـ المسلوس والمبطون إن كانت لهما فترة تسع الطهارة والصلاة ولو بالاقتصار على أقلّ واجباتها انتظراها وأوقعا الصلاة في تلك الفترة ، وإن لم تكن لهما تلك الفترة فامّا أن يكون خروج الحدث في أثناء الصلاة مرّة أو مرّتين أو ثلاث مثلاً بحيث لا حرج عليهما في التوضؤ والبناء ، وامّا أن يكون متّصلاً بحيث لو توضّأ بعد كلّ حدث وبنيا ألزم عليهما الحرج .

ففي الصورة الاُولى يتوضّأ المبطون ويشتغل بالصلاة ويضع الماء قريباً منه فإذا خرج منه شيء توضّأ بلا مهلة وبنى على صلاته ، والأحوط أن يصلّي صلاة اُخرى بوضوء واحد ، والأحوط للمسلوس عمل المبطون ، وإن كان جواز الاكتفاء له بوضوء واحد لكلّ صلاة من غير التجديد في الأثناء لا يخلو من قوّة .

وامّا في الصورة الثانية فالأحوط أن يتوضّأ لكلّ صلاة ولا يجوز أن يصلّيا صلاتين بوضوء واحد فريضة كانتا أو نافلة أو مختلفتين ، وان لا يبعد عدم لزوم التجديد للمسلوس إن لم يتقاطر منه بين الصلاتين فيأتي بوضوء واحد صلوات كثيرة ما لم يتقاطر في فواصلها وإن تقاطر في أثنائها لكن لا ينبغي ترك الاحتياط ، والأقوى إلحاق مسلوس الريح بالمبطون ، بل لا يبعد دخوله فيه موضوعاً1 .

1 ـ المسلوس هو من به داء السلس وهو الداء الذي لا يستمسك معه البول ، والمبطون وهو من به البطن بالتحريك وهو داء لا يستمسك معه الغائط قيل أو الريح ـ كما نفى البعد عنه في المتن ـ وهما إن كانت لهما فترة تسع الطهارة والصلاة ولو بالاقتصار على أقلّ واجباتهما انتظراها وأوقعا الصلاة في تلك الفترة لأنّه مقتضى القواعد الشرعية وكون الصلاة من الواجبات الموسّعة لا تقتضي جواز الإتيان بها في جميع أجزاء الوقت ولو مع فقدان بعض الشرائط ، بل إنّما هي بالإضافة إلى من

الصفحة 350

كان متمكّناً من الإتيان بها كذلك في جميع أجزاء الوقت كما هو واضح وعليه فلا تأمّل ولا إشكال في وجوب انتظار تلك الفترة . وفي الجواهر في حكم المسلوس في هذه الصورة : «لا أجد فيه خلافاً هنا سوى ما ينقل عن الأردبيلي من احتمال عدم الوجوب لإطلاق الأدلّة وحصول الخطاب بالصلاة على هذا الحال» وفيها أيضاً في حكم المبطون فيها : «التأمّل في كلماتهم ، بل تصريح بعضهم يقضي بخروجه عن محلّ النزاع وهو الذي تقتضيه القواعد الأوّلية ، وقصور نصوص المقام الواردة في كلّ من المسلوس والمبطون عن شموله كما تقدّم ذلك في غيرهما من الأعذار ولاسيّما مع اشتمال بعض نصوص الأوّل على قوله(عليه السلام)  : إذا لم يقدر على حبسه فالله أولى بالعذر» وعليه فلا يبقى مجال لما عن الأردبيلي (قدس سره) من التمسّك بإطلاق الأدلّة ، كيف وفتح هذا الباب يوجب الإخلال بأكثر الشرائط لعدم التمكّن من الجميع في تمام أجزاء الوقت نوعاً ، ومن المعلوم انّه لا خصوصية للعذرين في المقام ، كما انّه من الواضح انصراف النصوص الواردة عن صورة وجود الفترة الواسعة للصلاة مع الطهارة فلا مجال للمناقشة في هذه الصورة .

وإن لم تكن لهما تلك الفترة فهنا صورتان :

الاُولى : ما إذا كان خروج الحدث في الأثناء مرّة أو مرّتين أو ثلاث مثلاً بحيث لم يكن هناك حرج في التوضؤ والبناء ، والكلام فيها تارة في حكم المبطون واُخرى في حكم المسلوس .

امّا المبطون ففي المتن انّه يتوضّأ ويشتغل بالصلاة ويضع الماء قريباً منه فإذا خرج منه شيء توضّأ بلا مهلة وبنى على صلاته واحتاط فيه بأن يصلّي صلاة اُخرى بوضوء واحد ، وقد نسب ما في المتن إلى الأشهر أو المشهور أو المعظم أو الجماعة .

الصفحة 351

ويدلّ عليه ـ أوّلاً ـ انّ ذلك مقتضى القواعد العامّة ، وتوضيحه ما أفاده في المصباح ـ بتلخيص وتقريب منّا ـ في المسلوس ثم حكم باتحاد حكم المبطون معه من هذه الجهة من انّ الأمر يدور ـ بعد قيام النص والإجماع على عدم سقوط الصلاة بتعذّر الطهور ـ بين تخصيص «لا صلاة إلاّ بطهور» أو رفع اليد عن عموم ناقضية البول في حقّ المسلوس في الجملة ، لا سبيل إلى الأوّل للقطع بوجوب التطهير وإزالة أثر سائر أسباب الحدث ما عدا البول ، بل البول أيضاً إذا كان اختياريّاً له بمقتضى طبعه ، بل والبول قبل الاشتغال بالصلاة وإن لم يكن اختيارياً له فهذا كاشف عن عدم ارتفاع شرطية الطهارة ولو من البول في حقّه ، فظهر لك عدم ورود التخصيص على قوله «لا صلاة إلاّ بطهور» فتعيّن رفع اليد عن عموم ما دلّ على ناقضية البول وارتكاب التصرّف فيه امّا بتخصيص أو تقييد على وجه تقتضيه القواعد ، ودعوى انصراف ما دلّ على ناقضية البول إلى الافراد المتعارفة وما يتقاطر من المسلوس ليس منها ، مدفوعة بمنع دعوى الانصراف وكون الحكم محمولاً على طبائع الاحداث ، ولذا تجب إعادة الوضوء على من خرج منه قطرة بول أو أقلّ حتّى البلّة ولو اضطراراً بغير داء السلس فهذه الدعوى فاسدة جدّاً ، بل لابدّ من ملاحظة الدليل الذي أوجب التصرّف فيما دلّ على ناقضية البول فإن كان هو الإجماع أو قاعدة نفي الحرج أو قوله(عليه السلام)  : ما غلب الله على عباده فهو أولى بالعذر ، فالمتعيّن هو القول بمقالة الحلّي القائل بأنّه مع تراخي التقاطر يتوضّأ ويبني على ما مضى من صلاته لعدم دلالة هذه الأدلّة على عدم الناقضية مع عدم تعذّر تجديد الطهارة وتعسّره إلاّ أن يقال إنّ تجديد الطهارة في أثناء الصلاة فعل كثير مبطل للصلاة وهو ممنوع أوّلاً ، كيف وقد ورد الأمر في غير واحد من الأخبار بغسل الثوب والبدن في أثناء الصلاة عن دم الرعاف وغيره وقد حملها الأصحاب

الصفحة 352

على ما إذا لم يستلزم فعلاً كثيراً في العادة ، ومن الواضح انّه قلّما يتحقّق فرض يمكن فيه تطهير الثوب والبدن بأقلّ ممّا يتوقّف عليه الوضوء الارتماسي عند حصول مقدّماته وعلى تقدير التسليم نقول : يقع التعارض ـ حينئذ ـ بين ما دلّ على ناقضية البول وما دلّ على مبطلية الفعل الكثير ، وامّا ما دلّ على شرطية الطهارة أو قاطعية الحدث فلا يعارض شيئاً من الأدلّة للقطع بعدم انقطاع الصلاة بهذا البول سواء كان ناقضاً للوضوء أم لا ، فالتعارض إنّما هو بين ما دلّ على أنّ البول ناقض مطلقاً وبين ما دلّ على أنّ الفعل الكثير مبطل مطلقاً ويرجع بعد تعارض الدليلين إلى استصحاب الطهارة وعدم وجود الحدث الناقض ، وعلى تقدير المناقشة في الاستصحاب يجب عليه الاحتياط بتكرار الصلاة مع فعل الوضوء في الأثناء وتركه وليس الأمر دائراً بين المحذورين كما قد يتخيّل ولكنّه إنّما هو على تقدير تسليم كونه فعلاً كثيراً وقد عرفت انّه في حيّز المنع .

ـ وثانياً ـ الروايات الكثيرة الواردة في المسألة :

منها : موثقة محمد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : صاحب البطن الغالب يتوضّأ ثم يرجع في صلاته فيتمّ ما بقي .

ومنها : صحيحته الاُخرى قال : سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن المبطون فقال : يبني على صلاته . والمناقشة في دلالتها على المدعى بعدم ظهورها في لزوم تجديد الوضوء واضحة المنع خصوصاً مع انّه يحتمل قويّاً أن لا تكون هذه الصحيحة رواية اُخرى لمحمد بن مسلم ، بل كانت هي بعينها سيّما مع ملاحظة انّ الراوي عن محمد بن مسلم في كلتيهما هو ابن بكير وأقوى منه في ذلك صحيحته الاُخرى عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : صاحب البطن الغالب يتوضّأ ويبني على صلاته . فإنّ جعلها رواية مستقلّة كما في كتب الأحاديث والكتب الفقهيّة في كمال البعد ، بل احتمال

الصفحة 353

التعدّد في غاية الضعف . وكيف كان فلا خفاء في انّ مفاد الرواية أو الروايات الواردة في المبطون انّه يتوضّأ في أثناء الصلاة مع تجدّد الحدث فيها كما هو المتفاهم من الروايات ثمّ يرجع في صلاته ويبني عليها ويتمّ ما بقى منها .

ولكن عن العلاّمة في جملة من كتبه نفى لزوم التجديد في الأثناء في المبطون أيضاً مستدلاًّ بأنّه لا فائدة في التجديد لأنّ هذا المتكرّر إن نقض الطهارة نقض الصلاة لما دلّ على اشتراط الصلاة باستمرارها .

ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ ذلك اجتهاد في مقابل النصّ لأنّه بعد دلالته على لزوم التحديد والبناء لا مجال لهذا الاستدلال ودعوى كون المراد من قوله(عليه السلام) : يتوضّأ هو الوضوء قبل الاشتغال ومن قوله : يبني على صلاته الاعتداد بها والاكتفاء بهذه الكيفية واضحة المنع خصوصاً مع قوله في الرواية الاُولى : فيتمّ ما بقي ، فإنّ التعبير بالإتمام وتعليقه على ما بقى ظاهر بل صريح فيما ذكرنا ـ انّه لا ملازمة بين نقضه الطهارة ونقضه للصلاة لقيام الإجماع على عدم نقضه للصلاة بوجه وأدلّة اشتراط الصلاة باستمرار الطهارة امّا أن يكون مفادها اعتبارها في مجموع أفعال الصلاة دون الاكوان المتخلّلة بين الأفعال لعدم كونها جزء للصلاة ، وعدم جواز الاستدبار أو إيجاد الحدث في أثناء الصلاة حين عدم اشتغاله بفعل من أفعالها ليس لأجل كون هذا الأكوان جزء لها حتّى يشترط فيها ما يشترط في سائر الأجزاء ، بل لكون الحدث والاستدبار كالقهقهة والتكلّم قاطعاً للهيئة الاتّصالية المعتبرة بين الأجزاء ، والمفروض انّ الحدث الصادر من المبطون ليس بقاطع ، وامّا انّه على تقدير كون مفادها الاعتبار في مجموع الأفعال والأكوان لكن الروايات المتقدّمة الواردة في المبطون دلّت على تخصيص تلك الأدلّة بما عدا هذا الجزء ولا يلازم ذلك جواز إيجاد سائر النواقض اختياراً قبل الأخذ في الوضوء لأنّ إيجاد شيء منها يوجب

الصفحة 354

نقض الصلاة لعدم قيام الدليل على عدم انتقاضها به أيضاً كما هو واضح .

وكيف كان فالأقوى بمقتضى الروايات انّ المبطون يجب عليه تجديد الوضوء بعد كلّ حدث ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالإتيان بصلاة اُخرى بوضوء واحد خروجاً عن شبهة الخلاف واحتمال قادحية الوضوء في الأثناء في صحّة الصلاة لاحتمال كونه فعلاً كثيراً .

نعم قد يقال : إنّ الأحوط تقديم الصلاة بالوضوء الواحد على الصلاة بالوضوء مع التجديد في الأثناء ، وقيل في وجهه : إنّ في تقديم الثانية احمال الإبطال المحرّم بفعل الوضوء ولا كذلك في تأخيرها لأنّ الوضوء في أثنائها امّا في محلّه أو في صلاة معادة باطلة ، وأورد عليه بأنّ في ترك الوضوء والمضي في الصلاة أيضاً احتمال الإبطال المحرّم فلا فرق بين الصورتين .

وامّا المسلوس فقد نسب إلى المشهور انّه يتوضّأ لكل صلاة وعفى عمّا يتقاطر منه في أثنائها وقد مرّ انّ الحلّي قال بلزوم التجديد والبناء على ما مضى عند تراخي التقاطر كالمبطون ، وعن المبسوط انّه يصلّي بوضوء واحد عدّة صلوات ولا يتوضّأ إلاّ مع البول اختياراً ونسب إلى جماعة من المتأخّرين الميل إلى مقالته ، وعن العلاّمة في المنتهى انّه يجمع بين الظهرين بوضوء ، وبين العشائين بوضوء وللصبح وضوء ، وعن جماعة من متأخّر المتأخّرين الميل إلى قوله ، وربّما يناقش في النسبة إلى المشهور بأنّ إطلاق المسلوس في كلامهم ينصرف إلى من لا يتمكّن من التجديد والبناء ، وامّا المتمكّن منه فحكمه حكم المبطون عندهم ، وعليه فيرجع قولهم مقالة الحلّي ، وربّما يفصل بين ما إذا كانت الطهارة تيمّماً أو وضوء ارتماسيّاً لا يحتاج إلى فعل كثير فيجب التجديد وبين غيره فلا يجب .

أقول : امّا الحكمب النظر إلى القاعدة فقد عرفت انّ مقتضاها لزوم التجديد في

الصفحة 355

الأثناء مع عدم توالي التقاطر وعدم كون التجديد حرجيّاً ، وامّا بالنظر إلى الروايات الواردة فيه فينظر بعد نقلها والتأمتل في مفادها فنقول :

منها : صحيحة حريز بن عبدالله عن أبي عبدالله(عليه السلام) انّه قال : إذا كان الرجل يقطر منه البول والدم إذا كان حين الصلاة أخذ كيساً وجعل فيه قطناً ثمّ علّقه عليه ، وأدخل ذكره فيه ثمّ صلّى يجمع بين صلاتين الظهر والعصر ، يؤخّر الظهر ويعجّل العصر بأذان وإقامتين ، ويؤخِّر المغرب ويجعل العشاء بأذان وإقامتين ، ويفعل ذلك في الصبح .

وربّما يقال : بأنّ هذه الصحيحة تدلّ على ما ذهب إليه العلاّمة في المنتهى لأنّ أمر الإمام(عليه السلام) بالجمع بين الصلاتين بتأخير الاُولى وتعجيل الثانية بنحو يسقط أذان الثانية كالصريح في عدم تجديد الوضوء للثانية فضلاً عن التجديد في الأثناء بعد حصول التقاطر فهي من حيث السكوت وعدم الأمر بإعادة الوضوء دليل على مذهبه ، ولكن الظاهر انّ الصحيحة إنّما تكون مسوقة لبيان حكم المسلوس من حيث عروض النجاية في أثناء الصلاة ولا تعرض فيها لحكم الوضوء ولا تكون مسوقة لبيانه أصلاً والأمر بالجمع بين الصلاتين ليس ناظراً إلى عدم تجديد الوضوء ، بل إنّما هو لأجل الاكتفاء بما فعل من أخذ الكيس وجعل القطن فيه . وبعبارة اُخرى هو ناظر إلى عدم تجديد هذا العمل .

وبالجملة لا إشعار في الرواية إلى بيان حكم الوضوء خصوصاً مع عطف الدم على البول ووضوح عدم كون خروج الدم ولو من مخرج البول ناقضاً للوضوء وخصوصاً مع الحكم في ذيل الرواية بأنّه يفعل ذلك في الصبح ولو كانت الرواية ناظرة إلى نفي التجديد بين الصلاتين والاكتفاء بوضوء واحد للجمع بينهما لما كان للذيل المذكور مجال .

الصفحة 356

ومنها : حسنة منصور بن حازم قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام)  : الرجل يعتريه البول ولا يقدر على حبسه؟ قال : فقال لي : إذا لم يقدر على حبسه فالله أولى بالعذر يجعل خريطة .

وربّما يقال : بأنّ هذه الرواية لا تكون مسوقة لبيان حكم الوضوء وإنّما تكون مسوقة لبيان حكم المسلوس من حيث عروض النجاسة له .

وأجاب عنه في المصباح : بأنّ اقتصار الإمام(عليه السلام) بجعل الخريطة في جواب السائل مع إطلاق سؤاله عن حكم من يقطر منه البول دليل على أنّه لا يجب عليه ذلك وإلاّ لكان على الإمام(عليه السلام) بيانه ، فعدم البيان في معرض الحاجة مع إطلاق السؤال دليل على أنّه لا أثر للقطرات الخارجة التي لا يقدر على حبسها في نقض الوضوء . وعلى ما أفاده فتنطبق الرواية على ما ذهب إليه الشيخ(قدس سره) في محكي المبسوط ممّا عرفت .

أقول : السؤال في الحسنة وإن كان في نفسه مطلقاً إلاّ انّ الجواب المشتمل على إيجاب جعل الخريطة من دون التعرّض لحكم الوضوء بوجه دليل على أنّ محطّ نظر السائل فيما صار الإمام(عليه السلام) بصدد الجواب عنه هو عروض النجاسة الخبثية بحيث لا يكون نظر السائل إلى حيثية الطهارة الحدثية بوجه ، فالجواب يكشف عمّا هو مراد السائل ومحطّ نظره ، وعليه فلا مجال للتشبّث بعدم البيان في معرض الحاجة مع إطلاق السؤال ، كما انّه لا مجال لما نوقش على المصباح من أنّ مفاد الرواية معذورية المسلوس في مخالفة التكاليف التي لو لم يكن العذر من قبل الله تعالى لم يكن معفوّاً عنها وهو إنّما يتحقّق بالنسبة إلى ما يقطر منه في أثناء الصلاة إذ لا محذور في نقض الوضوء قبل الصلاة سواء كان من قبل الله تعالى أو من قبل نفسه حتّى يجاب عنه بأنّ المتبادر منها انّ القطرات التي تقطر منه لمرضه لا يترتّب على المكلّف من قبلها

الصفحة 357

محذور بطلان الصلاة سواء وجدت في أثناء الصلاة أو قبلها لأنّها بلاء ابتلاه الله به فهو أولى بالعذر . وذلك لما عرفت من عدم تعرّض الحسنة لهذه الجهة أصلاً ومثلها رواية الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سئل عن تقطير البول ، قال : يجعله خريطة إذا صلّى .

ومنها : موثقة سماعة قال : سألته عن رجل أخذه تقطير من فرجه امّا دم أو غيره قال : فليضع خريطة وليتوضّأ وليصلِّ فإنّما ذلك بلاء ابتلى به فلا يعيدنّ إلاّ من الحدث الذي يتوضّأ منه . والظاهر انّ المراد من الحدث الذي يتوضّأ منه ما يوجد بمقتضى طبيعته ، واحتمال كون الصفة موضحة فيكون المراد لا يتوضّأ إلاّ من الحدث لا الدم الخارج منه خلاف الظاهر ولكنّه مع ذلك تكون الرواية بصدد بيان حاله من حيث عروض النجاسة ، كما يدلّ عليه نفس السؤال المشتمل على ذكر خروج قطرات الدم الذي لا يكون بناقض للوضوء ولو خرج من المخرجين ، وعليه فالمراد بقوله : فلا يعيدنّ ، هو نفي وجوب إعادة وضع الخريطة إلاّ عند عروض الحدث الموجب للوضوء ولا دلالة له على نفي وجوب الوضوء في أثناء الصلاة أو بين الصلاتين بوجه .

ومنها : مكاتبة عبد الرحيم قال : كتبت إلى أبي الحسن(عليه السلام) في الخصيّ يبول فيلقى من ذلك شدّة ويرى البلل بعد البلل؟ قال : يتوضّأ وينتضح في النهار مرّة واحد . وفي الوسائل : ورواه الصدوق مرسلاً عن أبي الحسن موسى بن جعفر(عليهما السلام) مثله إلاّ انّه قال : ثم ينضح ثوبه . قال في المصباح : «إنّه يحتمل قويّاً أن يكون مراد السائل انّه يجد حين البول وجعاً وأذيّة ويرى البلل بعد البلل بعد البلل عقيبه فيحتمل كونه من بقية البول وأن يكون من مرض باطني أوجب الشدّة والألم فمراده معرفة حكم البلل المردّد بين البول وغيره ممّا يحتمل خروجه عن المجرى ، ويحتمل أن يكون

الصفحة 358

المراد من التوضّي المأمور به التطهير من الخبث يعني الاستنجاء وغسل ذكره كما يؤيّده عدم التعرض لذكر الصلاة في الرواية أصلاً ، وعلى تقدير إرادة الوضوء الشرعي الرافع للحدث أيضاً أجنبي عمّا نحن فيه ، ويؤيّد المعنى الأوّل ما في القاموس في تفسير الانتضاح قال : وانتضح واستنضح نضح ماء على فرجه بعد الوضوء ، لأنّ مراده بحسب الظاهر من الوضوء تنظيف الفرج لا الوضوء الاصطلاحي ، فمفاد الرواية على هذا التفسير استحباب رشّ الماء على الفرج بعد غسله ولو اُريد من الوضوء ما هو الرافع للحدث فالمراد من الانتضاح بحسب الظاهر إيصال الماء إلى الفرج فيكون كناية عن غسله فالأمر (حينئذ) للوجوب» .

وقد انقدح من ملاحظة الروايات والتأمّل فيها انّه لا يكاد يدلّ شيء منها على خلاف ما هو مقتضى القاعدة الدالّة على لزوم التجديد لو لم يكن حرجيّاً لعدم تعرّض شيء منها لحكم الوضوء في المقام وعدم كونه مسوقاً لبيان هذه الجهة فما في المصباح من انّه لا يبعد دعوى القطع باستفادة عدم ناقضية ما يخرج منه في أثناء صلاة واحدة منها ولو من جهة السكوت لا يكاد يتمّ أصلاً مع انّه لا يبعد دعوى كون مورد الروايات صورة توالي التقاطر الذي لا يجدي التجديد فيه فلا ارتباط لها بالمقام ومخالفة المشهور لا تقدح في ذلك بعد ما عرفت من الإشكال في نسبة نفي التجديد في المسلوس إليهم وبعد عدم دلالة شيء من الروايات ـ على تقدير تسليم دلالتها ـ على لزوم التجديد لكل صلاة فإنّ مفادها امّا عدم ناقضيّة القطرات الخارجة عن غير اختيار مطلقاً ، وامّا جواز الجمع بين الصلاتين بوضوء واحد ولا دلالة لشيء منها على التجديد عند كلّ صلاة فالأحوط لو لم يكن أقوى انّ المسلوس يعمل كالمبطون ويؤيّده الأخبار المتقدّمة الواردة في المبطون ، بل ربّما يستدلّ بها على حكم المسلوس أيضاً بدعوى تنقيح المناط ولكنّه محلّ تأمّل ، هذا

الصفحة 359

تمام الكلام في الصورة الاُولى .

الصورة الثانية : ما إذا كان خروج الحدث مستمرّاً متّصلاً بحيث لو توضّأ بعد كلّ حدث يلزم الحرج والكلام فيها أيضاً تارة في المبطون واُخرى في المسلوس .

امّا المبطون فقد احتاط فيه وجوباً في المتن بالتوضّي لكلّ صلاة وانّه لا يجوز أن يصلّي صلاتين بوضوء واحد فريضة كانتا أو نافلة أو مختلفتين ومنشأه عدم دلالة شيء من الروايات الواردة في حكم المبطون المتقدّمة على حكم هذه الصورة بعد وضوح كون موردها صورة إمكان التجديد في الأثناء بحيث لا يستلزم الحرج ولكن يرد عليه انّه بعد عدم دلالة الروايات على حكم هذه الصورة لابدّ من الرجوع فيه إلى القاعدة وهي تقتضي لزوم التجديد وأدلّة نفي الحرج إنّما تنفي التكليف الحرجي فاللاّزم التجديد إلى أن يستلزم الحرج ولو كان استلزام الحرج موجباً للسقوط بالمرّة من أوّل الأمر لما كان التجديد قبل الصلاة الثانية ، وما أفاده في المصباح من انّه ليس الحدث الخارج في أثناء الصلاة والطهارة المتّصلة بها ناقضاً لوضوئه لأنّ ما غلب الله على عباده فهو أولى بالعذر وتكليفه بتجديد الوضوء عند كلّ حدث في الفرض حرج منفي يرد عليه انّ مقتضى الأولوية بالعذر عدم كونه ناقضاً بالنسبة إلى الصلاة الثانية أيضاً والحرج المنفي إنّما يلاحظ بالإضافة إلى ما يكون مستلزماً له ولا دلة لدليل نفيه على السقوط من أوّل الأمر ودعوى انّ التجديد لا يكاد يترتّب عليه فائدة مدفوعة باقتضائها نفي التجديد للصلاة الثانية أيضاً هذا بالنسبة إلى المبطون .

وامّا المسلوس فقد نفى البُعد فيه في المتن ـ بعد الاحتياط المتقدّم ـ عن عدم لزوم التجديد له إن لم يتقاطر منه بين الصلاتين فيأتي بوضوء واحد صلوات كثيرة ما لم يتقاطر في فواصلها وإن تقاطر في أثنائها .

الصفحة 360

وقد عرفت انّ إطلاق كلام المشهور في حكم المسلوس وانّه يجدّد الوضوء لكلّ صلاة لا في الأثناء قد نزل على هذه الصورة ، والظاهر قيام الإجماع على وجوب الوضوء للصلاة الاُولى كما ادّعاه في محكي الجواهر ولولاه لم يجب الوضوء لها أيضاً على ما ربّما يقال لعدم ترتّب فائدة على الوضوء بعد اتصال خروج الحدث واستمراره .

وكيف كان فاستفادة حكم المسلوس في هذه الصورة إن كانت من الروايات الواردة فيه فقد تقدّم إنّ شيئاً منها لا يدلّ على حكم الوضوء والطهارة الحدثية أو لا ارتباط له بالمقام ، وإن كانت من القاعدة فهي تقتضي لزوم التجديد إلى أن يستلزم الحرج ، وإن كانت من الفتاوى نظراً إلى قيام الشهرة على عدم لزوم التجديد في الأثناء ولزومه لكلّ صلاة ، فمن الواضح انّ الشهرة بمجرّدها غير كافية خصوصاً بعد وضوح مستند المشهور وعدم صلاحيته للاستناد وإن كانت من قاعدة : «ما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر» فمفادها العفو عمّا يتقاطر بغير الاختيار من دون فرق بين أن يكون قبل الصلاة أو في أثنائها ولا مجال لما ربّما يقال من أنّ الظاهر من القاعدة خصوص صورة العذر العقلائي ولا عذر عند العقلاء في ترك الوضوء قبل كلّ صلاة إذا كان يترتّب على فعله وقوع بعض أفعال الصلاة حال الطهارة .

نعم يمكن أن يقال : إنّ القدر المتيقّن من القاعدة هي صورة التقاطر في الأثناء فلابدّ من الالتزام بالعفو عنه خصوصاً مع ملاحظة عدم الخلاف ظاهراً في عدم وجوب التجديد في الأثناء في هذه الصورة ، وعليه فلا يجب التجديد بين الصلاتين أيضاً ما لم يتحقّق التقاطر بينهما وإن حصل في أثناء الصلاة الاُولى ، وامّا مع حصوله بينهما فلا دليل على العفو عنه وبهذا يوجّه ما نفى عنه البعد في المتن ممّا تقدّم ، ولكن

<<التالي الفهرس السابق>>