الصفحة 421
مسألة 5 ـ إذا لم يمكن المسح على الجبيرة من جهة النجاسة وضع خرقة فوقها على نحو تعدّ جزءً منها ومسح عليها1 .
1 ـ القول بوجوب وضع خرقة طاهرة فوق الجبيرة النجسة محكيّ عن ظاهر الشهيدين والعلاّمة ، وعن المدارك انّه لا خلاف فيه والوجه فيه انّ المسح على الجبيرة حيث يكون بدلاً عن غسل البشرة يجب تحصيله ولو بوضع خرقة طاهرة ، نعم تعيّن ذلك إنّما هو فيما إذا لم يمكن تطهير الجبيرة وفي صورة الإمكان يتخيّر بينه وبين وضع خرقة طاهرة عليها وينبغي تقييد الحكم بما إذا كانت الخرقة الطاهرة على نحو تعدّ جزء من الجبيرة; لأنّه ـ حينئذ ـ يتحقّق المسح على الجبيرة الطاهرة ، وامّا إذا لم يمكن ذلك ولم تصر الخرقة الموضوعة جزء من الجبيرة فلا موجب لوضعها فوقها ولا وجه للاكتفاء بالمسح عليها ، بل يجري عليه حكم ما لو لم يمكن وضع خرقة طاهرة رأساً ولم يمكن تطهير الجبيرة أيضاً فإنّه يحتمل فيه الانتقال إلى التيمّم والاكتفاء بمسح الجبيرة النجسة أو بغسل ما حولها ومقتضى الاحتياط هو الجمع بين الاُمور الثلاثة فتدبّر .
الصفحة 422
مسألة 6 ـ الأقوى انّ الجرح المكشوف الذي لا يمكن غسله يجوز الاكتفاء بغسل ما حوله ، والأحوط مع ذلك وضع خرقة عليه والمسح عليها1 .
1 ـ الجرح المكشوف إذا أمكن غسله من غير تضرّر يجب غسله بمقتضى الأدلّة الأوّلية ، وإذا لم يمكن غسله كذلك فقد جوّز في المتن الاكتفاء بغسل ما حوله ، وحكى ذلك عن جماعة ، بل في جامع المقاصد ـ في مبحث التيمّم ـ نسبته إلى نصّ الأصحاب ، وفي محكي المدارك : ينبغي القطع بذلك . والدليل عليه ذيل صحيحة الحلبي المتقدّمة قال : وسألته عن الجرح كيف أصنع به في غسله؟ قال : اغسل ما حوله ، وصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج المتقدّمة وصحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته عن الجرح كيف يصنع صاحبه؟ قال : يغسل ما حوله . والظاهر منها الاكتفاء بغسل ما حوله وعدم وجوب شيء بالإضافة إلى نفس الجرح لا غسلاً ولا مسحاً ، ولكن في التذكرة والدروس والمعتبر والنهاية ـ على ما حكي عنهم ـ وجوب مسحه وعلّله في النهاية بأنّه أحد الواجبين ولتضمّن الغسل إيّاه فلا يسقط بتعذّر أصله ، ولكن فيه ما لا يخفى فإنّ كونه أحد الواجبين لا يقتضي بدليته عن الآخر ، وتضمّن الغسل إيّاه ممنوع لتباينهما مفهوماً وخارجاً ، نعم يمكن استفادة ذلك من فحوى ما دلّ على وجوب مسح الجبيرة إذا تعذّر غسل البشرة لكنّها موهونة لأنّ السكوت عن المسح على الجرح في الروايات خصوصاً في صحيحة الحلبي بلحاظ اشتمال صدرها على الأمر بالمسح على الجبيرة يدلّنا على عدم الوجوب وانّه لا مجال لدعوى الفحوى أصلاً إلاّ أن يقال : إنّ موردهما صورة إيذاء الماء والمفروض انّ استعمال الماء بنحو المسح لا يكون مؤذياً ، بل غاية الإيذاء بنحو الغسل فلا دلالة للروايتين الواردتين في مورد إيذاء الماء مطلقاً على حكم المقام والدليل على ورودهما في هذا المورد قوله(عليه السلام) في صحيحة الحلبي : إن كان
الصفحة 423
يؤذيه الماء فإنّ مقتضى إطلاقه الإيذاء مطلقاً خصوصاً بعد عدم اختصاص مورد السؤال بالمواضع التي يجب غسلها في الوضوء وشموله لما يجب مسحه من الأعضاء فانّه ـ حينئذ ـ لا مجال لحمل الإيذاء على خصوص الإيذاء بنحو الغسل ، وامّا صحيحة عبدالله بن سنان فالقدر المتيقّن من موردها وكذا صحيحه ابن الحجّاج .
هذا ولكن يدفعه انّ الظاهر كون المراد هو الإيذاء بنحو الغسل وانّ النظر في الرواية إنّما هو إلى الأعضاء التي يجب غسلها والشاهد عليه قوله(عليه السلام) : وإن كان لا يؤذيه الماء فلينزع الخرقة ثمّ ليغسلها ، فإنّ الحكم بوجوب الغسل في هذه الشرطية ظاهر في أنّ مورد الرواية سؤالاً وجواباً إنّما هو ما إذا كانت الجبيرة على بعض أعضاء الغسل ، وعليه فالمراد بإيذاء الماء هو الإيذاء بنحو الغسل .
هذا مع انّه يمكن أن يقال : إنّ التفصيل بين صورتي الإيذاء وعدمه لا يرتبط بذيل الرواية المتعرّض لسؤال مستقلّ وجواب كذلك من دون تقييد وتفصيل ، بل الرواية من هذه الجهة تصير كصحيحة ابن سنان الخالية من التفصيل والقدر المتيقّن من تقييدها ما إذا كان غسل الجرح ممكناً من دون تضرّر وفي غير هذه الصورة يكون مقتضاها الاكتفاء بغسل ما حول الجرح .
فالإنصاف انّ الحكم بلزوم المسح على نفس الجرح ما لم ينهض عليه دليل ، بل الظاهر كما أفاده في المتن من الاكتفاء بغسل ما حوله ، نعم احتاط فيه مع ذلك بوضع خرقة عليه والمسح عليها والوجه في هذا الاحتياط امّا الاستفادة من الأمر بالمسح على الجبيرة مع انّها ممنوعة لأنّ مورده هي الجبيرة الموضوعة التي لا يمكن نزعها ولا وجه لاستفادة حكم المقام منه .
وبعبارة اُخرى مورده صورة وجود الجبيرة ولا دلالة له على وجوب إيجادها بوجه ، وامّا احتمال ثبوت التكليف بالمسح على الخرقة بعد وضعها هنا بضميمة
الصفحة 424
كون الاحتياط في مثل الوضوء لازم لأنّه من قبيل الشكّ في المحصّل ، ولكن يدفعه مضافاً إلى بطلان لزوم الاحتياط في مثله انّه لا مجال له بعد دلالة الدليل على عدمه ولو من جهة السكوت في مقام البيان .
نعم يمكن أن يكون للاحتياط ـ بعد كون المراد منه هو الاستحبابي لا الوجوبي ـ وجه آخر وهو الخروج عن مخالفة من أوجب ذلك ونقول : إنّ لازم ذلك المسح على نفس الجرح المكشوف أيضاً لما عرفت من غير واحد من وجوب المسح عليه فالاحتياط التامّ إنّما يتحقّق بمسح الجرح المكشوف أوّلاً ثمّ وضع خرقة عليه والمسح عليها أيضاً ، بل يمكن أن يقال بعدم كون الاحتياط بالنحو المذكور في المتن لأنّ القائل بهذا القول إنّما ذهب إليه في صورة تعذّر مسح نفس الجرح لا مطلقاً فتدبّر جيّداً .
ثمّ إنّ صاحب العروة(قدس سره) احتاط فيما إذا لم يمكن وضع الخرقة على الجرح المكشوف بعد الحكم بالاقتصار على غسل الأطراف بضمّ التيمّم إليه أيضاً . وقال في المستمسك في وجه التيمّم : لاحتمال خروج الفرض عن مورد النصوص; لأنّ حكم الجبيرة مورده الجبيرة المضطرّ إليها لا مطلق الخرقة الملفوفة على العضو فيتعيّن فيه التيمّم . ثمّ أورد عليه بأنّ هذا الاحتياط ضعيف جداً لأنّ الصحيحين كالصريحين في الجرح المكشوف ، وغاية ما يناقش فيهما عدم ظهورهما في الاجتزاء بذلك ، بل لابدّ من مسح الجرح إن أمكن فإن لم يمكن مسح على الخرقة ولا يحتمل فيهما أن يكون حكمه التيمّم .
أقول : يرد عليه مضافاً إلى أنّ مورد كلام السيّد صورة عدم إمكان وضع الخرقة على الجرح وشمول نصوص الجبيرة لمطلق الخرقة الملفوفة على تقديره لا يكاد يجدي في ذلك كما لا يخفى انّ منشأ الاحتياط في كلامه ليس احتمال دلالة الصحيحين
الصفحة 425
على ذلك ضرورة انّه ليس من التيمّم فيهما عين ولا أثر بل منشأه وجود روايات كثيرة دالّة على التيمّم في مثل المقام التي تكون بظاهرها معارضة للصحيحين ، بل ولجميع الروايات الواردة في الجبيرة الدالّة على كفاية المسح عليها الظاهرة في عدم وجوب التيمّم في موردها ومورد ثبوت الجرح والقرح ولابدّ من إيرادها وملاحظة ثبوت المعارضة وعدمها فنقول :
منها : صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن الرضا(عليه السلام) في الرجل تصيبه الجنابة وبه قروح أو جروح أو يكون يخاف على نفسه من البرد فقال : لا يغتسل ويتيمّم . ومثلها رواية داود بن سرحان عن أبي عبدالله(عليه السلام) .
ومنها : صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما(عليهما السلام) في الرجل تكون به القروح في جسده فتصيب الجنابة قال : يتيمّم .
ومنها : ما رواه الصدوق باسناده عن محمد بن مسلم انّه سأل أبا جعفر(عليه السلام) عن الرجل يكون به القروح والجراحات فيجنب فقال : لا بأس بأن يتيمّم ولا يغتسل .
ومنها : مرسلته أيضاً قال : قال الصادق(عليه السلام) : المبطون والكسير يؤممان ولا يغسلان .
ومنها : مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : إنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) ذكر له انّ رجلاً أصابته جنابة على جرح كان به فأمر بالغسل فاغتسل فكزّ فمات فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : قتلوه قتلهم الله إنّما كان دواء العيّ السؤال .
ومنها : رواية محمد بن مسكين وغيره عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : قيل له : إنّ فلاناً أصابته جنابة وهو مجدور فغسّلوه فمات فقال : قتلوه ، ألا سألوا ، ألا يمّموه ، إنّ شفاء العيّ السؤال .
وقد ذكروا للجمع بين الأخبار وجوهاً :
الصفحة 426
1 ـ حمل أخبار التيمّم على غير ذي الجبيرة وحمل سائر الأخبار على ذي الجبيرة .
2 ـ حمل أخبار التيمّم على المستوعب وحمل غيرها على غيره .
3 ـ حمل أخبار التيمّم على ما لا يمكن مسحه أو مسح خرقة تشدّ عليه وحمل غيرها على ما يمكن فيه أحد الأمرين .
4 ـ حمل أخبار التيمّم على الغسل كما هو موردها وحمل غيرها على الوضوء أو غسل ذي الجبيرة والخرقة كما هو مورد صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج المتقدّمة .
5 ـ حمل أخبار الطرفين على التخيير .
6 ـ حمل أخبار التيمّم على صورة التضرّر بالغسل الصحيح وحمل ما عداها على غير هذه الصورة .
والتحقيق في وجه الجمع هو الوجه الأخير تبعاً للمحقّق الهمداني (قدس سره) قال في توضيحه ما ملخّصه بتقريب منّا : «إنّ المنصرف من أخبار الجبيرة وكذا الأخبار الثلاثة الواردة في الجرح المكشوف خصوص صورة عدم الخوف لاحتمال الضرر من استعمال الماء في غسل ما عدا موضع الجبيرة أو ما حول الجرح فحكم صورة خوف الضرر من استعمال الماء كذلك لا يكاد يستفاد من هذه الأخبار بوجه كما انّها لا تشمل صورة تعذّر تطهير ما عدا موضع الجبيرة أو ما حول الجرح مقدّمة للغسل الصحيح ، وعليه فأخبار التيمّم بالنسبة إلى هذين الموردين سليمة عن المزاحم ، وامّا بالنسبة إلى ما عداهما فمقتضى قاعدة حمل المطلق على المقيّد يقيّد أخبار التيمّم بالأخبار الواردة في الجبيرة أو الجرح المجرّد والحكم بأنّه مع عدم التضرّر والتعذّر لابدّ من الأخذ بها واختصاص أخبار التيمّم بالغسل على تقدير جواز التفصيل بين الوضوء والغسل وعدم مخالفته للإجماع لا يجدي في انقلاب
الصفحة 427
النسبة; لأنّ صحيحة ابن الحجّاج نصّ في العموم فلا يمكن تخصيصها بالوضوء مع انّه لا ينبغي الارتياب في عدم إرادة خصوصية الوضوء أو الغسل في شيء من هذه الأخبار ولا في أسئلة السائلين فلا محيص عن تقييد أخبار التيمّم بما ذكر والحكم بأنّ الانتقال إلى التيمّم إنّما هو في صورة الخوف من استعمال الماء مطلقاً أو من غسل خصوص ما حول الجرح والجبيرة أو تعذّر تطهيره كما لا يخفى» .
الصفحة 428
مسألة 7 ـ إذا أضرّ الماء بالعضو من دون أن يكون جرح أو قرح أو كسر يتعيّن التيمّم ، نعم لو أضرّ ببعض العضو وأمكن غسل ما حوله لا يبعد جواز الاكتفاء بغسله وعدم الانتقال إلى التيمّم والأحوط مع ذلك ضمّ التيمّم ، ولا يترك هذا الاحتياط ، وأحوط منه وضع خرقة والمسح عليها ثمّ التيمّم ، وكذا يتعيّن التيمّم إذا كان الكسر أو الجرح في غير مواضع الوضوء ولكن استعمال الماء في مواضعه يضرّ بالكسر أو الجرح1 .
1 ـ في هذه المسألة فروع :
الأوّل : ما لو أضرّ الماء بالعضو من دون أن يكون جرح أو قرح أو كسر والمتعيّن فيه التيمّم وقد عبّر في محكي شرح المفاتيح بأنّ ظاهر الأصحاب التيمّم ويدلّ عليه الروايات المتقدّمة الواردة في مورد ثبوت الجرح أو القرح أو خوف البرد على نفسه الدالّة على التيمّم فإنّ خوف البرد على نفسه ليس معناه حصول الاضرار بجميع البدن ، بل الاضرار ولو ببعضه كما انّ الحكم بالتيمّم في مورد الجرح أو القرح إنّما هو للتضرّر بغسلهما فالملاك هو الضرر وسيأتي في مبحث التيمّم إن شاء الله تعالى من جملة موارده صورة خوف الضرر من استعمال الماء ولو لم يكن هناك جرح أو قرح أو كسر فالحكم في هذا الفرع هو التيمّم بلا إشكال .
الثاني : ما لو كان الماء مضرّاً ببعض العضو وأمكن غسل ما حوله وقد نفى البعد في المتن عن جواز الاكتفاء بغسله وعدم الانتقال إلى التيمّم ثمّ نهى عن ترك الاحتياط بضمّ التيمّم وجعل الأحوط من ذلك وضع خرقة على ذلك البعض والمسح عليها ثمّ التيمّم وأقول :
امّا جواز الاكتفاء بغسله وعدم الانتقال إلى التيمّم فمنشأه أحد اُمور على سبيل منع الخلوّ :
الصفحة 429
الأمر الأوّل : الاستفادة من النصوص الواردة في الجرح المجرّد الدالّة على الاكتفاء بغسل ما حوله بدعوى انّ موردها وإن كان صورة ثبوت الجرح إلاّ انّه لا خصوصية لثبوته ، بل الملاك هو استلزام استعمال الماء لتضرّر الجرح الذي هو ثابت في بعض العضو نوعاً فخصوصية المورد ملغاة بنظر العرف ويؤيّده انّهم تعدّوا عنه إلى الكسر والقرح ، بل عن شرح الدروس انّ الأصحاب ألحقوا الكسر المجرّد عن الجبيرة بالجرح وكذا كلّ داء لا يمكن معه إيصال الماء إلى البشرة ، ومرجع ذلك كلّه إلى إلغاء العرف لخصوصية المورد وعدم فهمهم من النصوص الثلاثة الواردة في الجرح انّ الحكم المذكور فيها يختص بالجرح ، بل الملاك هو تضرّر بعض العضو باستعمال الماء سواء كان لأجل الجراحة أو غيرها ، وعلى ما ذكر فلا مجال للمناقشة في التعدّي بأنّ التعدّي إلى الكسير والقريح إنّما هو بالإجماع وهو لا يكون ثابتاً في المقام أو بأنّ النسبة في الشرح لا مأخذ لها أصلاً .
الأمر الثاني : قاعدة «الميسور لا يسقط بالمعسور» بناء على انجبار ضعف مستندها باشتهار التمسّك بها في كلمات الأصحاب وإن كان يمكن المناقشة فيه بأنّ الشهرة الجابرة هي الشهرة بين القدماء من الأصحاب واشتهار التمسّك بالقاعدة إنّما هو بين المتأخّرين وفي ألسنتهم .
وكيف كان فدلالتها على المقام تبتنى على أن لا يكون المراد منها هو الميسور والمعسور من أفراد الطبيعة ، بل يكون المراد هو الميسور والمعسور من أجزاء الطبيعة المركّبة بضميمة انّ المأمور به في باب الوضوء هو نفس الوضوء الذي يكون أمراً مركّباً من الغسلتين والمسحتين فالقاعدة تدلّ على أنّ الميسور من أجزاء الطبيعة المركّبة لا يسقط بالمعسور منها ولا مجال لدعوى انّ الواجب هي الطهارة وهي ليست بذات مراتب كي يحكم بعدم سقوط الميسور منها .
الصفحة 430
الأمر الثالث : رواية عبد الأعلى المعروفة ـ المتقدّمة ـ بناءً على أنّها كما تدلّ على سقوط شرطية الشرط المتعذّر كذلك تدلّ على سقوط جزئيّة الجزء المتعذّر بسبب الجرح .
ولكنّه قد نوقش فيها ـ تارة ـ بأنّ مفادها مجرّد نفي وجوب المسح على البشرة بقرينة التمسّك بآية نفي الحرج لا إثبات وجوب الوضوء الناقص كما هو المقصود ـ واُخرى ـ بأنّه لو بنى على الأخذ بعمومها يلزم تأسيس فقه جديد لأنّ اللاّزم منه ارتفاع مشروعية التيمّم بالنسبة إلى المتضرّر بالغسل لبرد أو مرض أو نحوهما; لأنّ كلّ مريض متمكّن ـ بالمباشرة أو التولية ـ من مسح ما عليه من اللباس الساتر لبدنه ، بل من مسح بدنه تدريجاً بيته المبلولة .
ويدفع الاُولى انّه لو كان مفادها مجرّد نفي وجوب المسح على البشرة لما كان وجه للاعتراض على السائل بأنّه يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله ضرورة انّ غرضه السؤال عن كيفيّة وضوئه ونفي وجوب المسح على البشرة لا يكفي لبيان الكيفية ما لم ينضمّ إليه إيجاب المسح على المرارة فالإنصاف انّ الاعتراض والاستشهاد بالآية إنّما هي بضميمة مقدّمة مغروسة في ذهن السائل ، بل جميع العقلاء في مقاصدهم العقلائية من انّ الميسور لا يسقط بالمعسور كما يشعر بذلك سؤاله حيث قال : كيف أصنع بالوضوء ، فإنّ ظاهره يعطي انّ جواب الوضوء وعدم سقوطه في حقّه كان عنده مسلّماً مفروضاً عنه وإنّما كان سؤاله عن الكيفيّة فبذلك يظهر دلالة الرواية على وجوب الوضوء الناقص عند تعذّر الشرط بل والجزء .
ويدفع الثانية وضوح انّ مسح اللباس الساتر ماهيته أجنبية عمّا هو المأمور به بخلاف مسح الجبيرة كما لا يخفى .
الصفحة 431
فانقدح تمامية الاستدلال بالرواية إلاّ انّه يمكن أن يقال : إنّه بناءً على ما ذكر يكون مفاد الرواية هو مفاد قاعدة الميسور بضميمة دليل نفي الحرج فلا تكون دليلاً مستقلاًّ ونقول إنّ دلالتها على تمامية القاعدة بنحو التقرير تكفي للاستدلال بها مضافاً إلى أنّ مستفاده منها عدم اختصاص القاعدة بالاجزاء ، بل يعمّ الشرائط أيضاً .
الأمر الرابع : الاستصحاب وتقريره بوجوه :
أحدها : استصحاب وجوب باقي الأجزاء على نحو القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلّي بأن يقال إنّه كان واجباً بالوجوب الغيري حال وجوب الكلّ وقد علمنا بارتفاعه إلاّ انّه نحتمل حدوث الوجوب النفسي للباقي مقارناً لزوال الوجوب الغيري فيستصحب الجامع بين الوجوبين والقدر المشترك بين التكليفين لأنّه كان متيقّناً وقد شكّ في بقائه مع انّ اتّصاف الأجزاء بالوجوب الغيري محلّ نظر بل منع خصوصاً في مثل المقام الذي لا يكون الكلّ واجباً نفسيّاً .
ويرد على هذا التقرير انّه لا يكون هذا الاستصحاب واجداً لشرط الجريان لأنّه يعتبر في جريانه أن يكون المستصحب امّا حكماً شرعيّاً أو موضوعاً لحكم شرعي ، والجامع بين الوجوبين لا يكون موضوعاً لمجعول وهو واضح ولا بنفسه مجعول لأنّه أمر انتزاعي والمجعول إنّما هو كلّ واحد من الوجوبين .
ثانيها : استصحاب الوجوب الشخصي بضميمة ادّعاء ان تعذر بعض الأجزاء ممّا يتسامح فيه عرفاً ولا يوجب حصول التغاير بين القضيتين : المتيقّنة والمشكوكة كما إذا وجب إكرام زيد ثمّ قطع بعض أعضائه فشكّ في بقاء وجوب إكرامه فانّه لا شكّ في جريان الاستصحاب وكون عدم الإكرام نقضاً لليقين بالشكّ عند العقلاء فكذا المقام .
الصفحة 432
ويرد عليه انّ قياس العناوين الكلّية بالجزئيات الخارجية مع الفارق لأنّ العنوان الكلّي إذا اُضيف إليه جزء أو قيد يعدّ مغايراً للكلّي الفاقد له بخلاف الاُمور الخارجية المتقوّمة بالشخصية والهذية غير المتغيّرة بالزيادة أو النقيصة فالمقايسة غير تامّة .
ثالثها : استصحاب الحكم الشخصي والوجوب الجزئي أيضاً بأن يقال : إنّ الأجزاء الباقية غير المتعذّرة كانت واجبة ونشكّ في بقائه لاحتمال اختصاص جزئية الأمر المتعذّر بحال التمكّن فيبقى وجوب الباقي بحاله .
وفيه انّه لا يعقل قيام الوجوب الواحد الشخصي بأمرين متغايرين تارة بالموضوع التام واُخرى بالمركّب الناقص والالتزام بتعدّد المطلوب بوجب الالتزام بتعدّد الطلب والإرادة ولا مجال للاستصحاب .
ورابعها : استصحاب الحكم اشخصي أيضاً بأن يقال إنّ الوجوب وإن كان أمراً واحداً إلاّ انّه ينبسط على الأجزاء حسب كثرتها وتعدّدها ولأجله يكون كلّ واحد من الأجزاء واجباً بعين الوجوب المتعلّق بالمركّب فمع زواله عن الجزء المتعذّر يشكّ في زواله عن الأجزاء الباقية فيستصحب .
ويرد عليه انّه قد حقّق في محلّه انّ الأجزاء بنعت الكثرة لا يعقل أن تقع متعلّقة للطلب الواحد إلاّ أن يصير الواحد كثيراً أو بالعكس ، بل المتعلّق للبعث الواحد إنّما هي نفس الأجزاء في لحاظ الوحدة والإجمال وفي حالة الفناء والاضمحلال وزوال وصف الانفراد والاستقلال فالقول بالانسباط ممّا ليس له مجال . مع انّه على تقدير تماميته نقول : إنّ الوجوب المتعلّق بالأجزاء تابع لوجوب المركّب والمفروض انّه أمر واحد شخصي ينتفي بانتفاء بعض أجزائه فلا يكون شكّ في البقاء .
ويرد أيضاً ع لى هذا الدليل بجميع تقريراته انّ الكلام في المقام في الوضوء الذي
الصفحة 433
يكون مقدّمة للصلاة واتصاف المقدّمة بالوجوب الغيري ممنوع كما قد حقّق في محلّه فلا يكون في البين وجوب حتّى يستصحب فتدبّر . هذا كلّه بالنسبة إلى الاكتفاء بجواز غسل ما حوله وعدم الانتقال إلى التيمّم .
وامّا كون مقتضى الاحتياط في المقام هو ضمّ التيمّم أيضاً فلما عرفت من انّ مورد اخباره صورة حصول التضرّر وقد عرفت انّه ليس المراد هو تضرّر جميع البدن ضرورة انّ خوف البرد على نفسه لا يلازم ذلك غالباً ومن المفروض تحقّق الضرر ولو ببعض البدن في المقام فمن هذه الجهة يحتمل أن يكون التكليف هو التيمّم ومقتضى الاحتياط اللاّزم هو الجمع بين الأمرين لكن الأحوط منه رعاية عمل ذي الجبيرة بوضع خرقة على المحلّ والمسح عليها ثمّ التيمّم لأنّه وإن كان مورد اخبار الجبيرة صورة وجود الجبيرة إلاّ انّه يحتمل جريان الحكم المذكور فيها في مثل المقام أيضاً فرعاية الاحتياط التام تقتضي معاملة ذي الجبيرة كما لا يخفى .
الفرع الثالث : ما إذا كان الجرح أو الكسر في غير مواضع الوضوء ولكن كان استعمال الماء في مواضعه مضرّاً بالكسر أو الجرح أو الحكم فيه تعيّن التيمّم لدلالة أخبار التيمّم وشمولها لهذه الصورة وعدم إمكان التعدّي عن أخبار الجرح والجبيرة بعد كون موردها ثبوتهما في مواضع الوضوء فتدبّر .
الصفحة 434
مسألة 8 ـ في الرمد الذي يضرّ به الوضوء يتعيّن التيمّم ، ومع إمكان غسل ما حول العين بلا إضرار لا يبعد جواز الاكتفاء به على إشكال فلا يترك الاحتياط بضمّ التيمّم إليه ، ولو احتاط مع ذلك بوضع خرقة والمسح عليها ثمّ التيمّم كان حسناً1 .
1 ـ يظهر حكم هذه المسألة من المسألة السابقة فانّها بعينها هما الفرعان الأوّلان المذكوران في تلك المسألة .
الصفحة 435
مسألة 9 ـ لو كان مانع على البشرة ولا يمكن إزالته كالقير ونحوه يكتفى بالمسح عليه ، والأحوط كونه على وجه يحصل أقلّ مسمّى الغسل ، وأحوط من ذلك ضمّ التيمّم1 .
1 ـ حكى عن الذكرى التصريح بأنّ المانع على البشرة مع عدم إمكان إزالته كالقير ونحوه بحكم الجبيرة والعمدة في ذلك جريان أخبار الجبيرة بتنقيح المناط كما اعترف به الشيخ الأعظم ، لكن في خصوص ما إذا كان لاصقاً لعذر ، وفي محكيّ الجواهر : ادّعى القطع بفساد القول بوجوب التيمّم بدل الغسل أو الوضوء لمن كان في يده قطعة قير ـ مثلاً ـ مدى عمره ، ويؤيّد ذلك في الجملة روايات :
منها : روايه حسن بن علي الوشّاء قال : سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن الدواء إذا كان على يدي الرجل أيجزيه أن يمسح على طلا الدواء؟ فقال : نعم يجزيه أن يمسح عليه .
ومنها : الروايات المتعدّدة الواردة في الحناء كرواية محمد بن مسلم عن أبي عبدالله(عليه السلام) في الرجل يحلق رأسه ثم يطليه بالحناء ثمّ يتوضّأ للصلاة فقال : لا بأس بأن يمسح رأسه والحناء عليه . ولكن مثلها محمول على حصول الضرر بكشفه كما هو المحكي عن صاحب المنتقى وغيره وشيهد له مرفوعة محمد بن يحيى عن أبي عبدالله(عليه السلام) في الذي يخضب رأسه بالحنّاء ثمّ يبدو له في الوضوء قال : لا يجوز حتّى يصيب بشرة رأسه بالماء .
هذا والعمدة ما ذكر من الاستفادة من أخبار الجبيرة ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط برعاية أمرين : أحدهما : عدم الاكتفاء بالمسح كما في الجبيرة ، بل يمسح على وجه يحصل أقلّ مسمّى الغسل لاحتمال عدم اتّحاد حكمه مع ذي الجبيرة من هذه الجهة . وثانيهما : ضمّ التيمّم لما ذكر من خروجه عن مورد تلك الأخبار ، فتدبّر .
الصفحة 436
مسألة 10 ـ من كان على بعض أعضائه جبيرة وحصل موجب الغسل مسح على الجبيرة وغسل المواضع الخالية عنها مع الشرائط المتقدّمة في وضوء ذي الجبيرة ، والأحوط كون غسله ترتيباً لا ارتماسياً1 .
1 ـ لا إشكال في جريان حكم الجبيرة في الوضوء في الجبيرة في الغسل كما انّه لا خلاف فيه ظاهراً ، بل عن المنتهى وغيره الإجماع عليه ويشهد له ـ مضافاً إلى انّه لا خصوصية عند العرف للوضوء المذكور في أكثر أخبار الجبيرة ـ تصريح بعضها بالتعميم كصحيحة ابن الحجّاج المتقدّمة قال : سألت أبا الحسن الرضا(عليه السلام) عن الكسير تكون عليه الجبائر أو تكون به الجراحة كيف يصنع بالوضوء وعند غسل الجنابة وغسل الجمعة؟ فقال : يغسل ما وصل إليه الغسل ممّا ظهر ممّا ليس عليه الجبائر ويدع ما سوى ذلك ممّا لا يستطيع غسله ، ولا ينزع الجبائر ويعبث بجراحته . والعلويّ المروي عن تفسير العيّاشي قال : سألت رسول الله(صلى الله عليه وآله) عن ا لجبائر تكون على الكسير كيف يتوضّأ صاحبها؟ وكيف يغتسل إذا أجنب؟ قال : يجزيه المسح عليها في الجنابة والوضوء قلت : فإن كان في برد يخاف على نفسه إذا أفرغ ا لماء على جسده؟ فقرأ رسول الله(صلى الله عليه وآله) : (وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) .
ولكن قد عرفت انّ من جملة وجوه الجمع بين أخبار الجبيرة وأخبار التيمّم حمل الاُولى على الوضوء والثانية على الغسل ، وعليه فيختلف الحكم بالإضافة إليهما وقد مرّ عدم تمامية هذا الجمع لعدم الشاهد عليه مع كونه مخالفاً للإجماع وللروايات المصرّحة بالتعميم كالروايتين المتقدّمتين ومرّ أيضاً انّ التحقيق في وجه الجمع هو حمل أخبار التيمّم على صورة التضرّر بالوضوء أو الغسل ويشهد له مضافاً إلى ما تقدّم ذيل العلوي المذكور في المقام فتدبّر .
الصفحة 437
هذا والظاهر انّ الوجه في كون الأحوط هو الغسل الترتيبي لا الارتماسي مضافاً إلى انّ القدر المتيقّن من أخبار الجبيرة هو الترتيبي انّ تعيّن المسح على الجبيرة بدلاً عن غسل البشرة لا يكاد يجتمع من الارتماسي وإن كان يمكن المسح تحت الماء في الارتماسي أيضاً إلاّ انّ اجتماعه مع الارتماس بعيد بنظر العرف خصوصاً لو كان الغسل الارتماسي آنياً لم يكن له امتداد كما هو أحد المبنيين وسيأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى فالاحتياط اللاّزم يقتضي الغسل الترتيبي .
الصفحة 438
مسألة 11 ـ وضوء ذي الجبيرة وغسله رافعان للحدث لا مبيحان فقط ، وكذا تيمّمه إذا كان تكليفه التيمّم1 .
1 ـ وقد حكى القول بالرافعية عن المختلف وكتب الشهيد وجامع المقاصد والمدارك حيث لم يوجبوا الاستئناف للغايات بعد زوال العذر ، والمحكيّ عن المبسوط وظاهر المعتبر والإيضاح وشرح المفاتيح هو كون وضوء ذي الجبيرة مبيحاً فقط استناداً إلى قصور النصوص عن إثبات الرافعية .
ولكن لا ينبغي الارتياب في ظهور النصوص في كون وضوء ذي الجبيرة وكذا غسله يكون بمنزلة الوضوء والغسل التامّين في كونه مصداقاً للطهور المعتبر في الصلاة وغيرها ومحقّقاً للوضوء أو الغسل الواجب الذي لابدّ أن يكون عليه المكلّف عند الدخول في الغايات .
وبالجملة : لا إشكال في ظهور الأخبار في مساواة عمل ذي الجبيرة مع عمل غيره وإن اختلاف الحالتين إنّما هو كاختلاف السفر والحضر وغيرهما من الخصوصيات التي يختلف الحكم باختلافها فلا فرق بينهما من جهة ترتّب الآثار بجميع مراتبها كما لا يخفى .
وامّا ما أفاده في «المستمسك» ممّا محصّله : «انّ مقتضى إطلاق دليل وجوب التامّ تعيّنه للرافعية وعدم كون الناقص متّصفاً بها والجمع العرفي بين الدليلين لا يقتضي التقييد لتكون النتيجة هو كون الرافع في حال الاختيار هو التامّ وفي حال الاضطرار هو الناقص ، بل الذي يقتضيه هو بدلية الناقص في ظرف سقوط التامّ من جهة العجز فيكون ملاك التام ثابتاً في حال العجز كثبوته في حال الاختيار ، غاية الأمر انّه يعذر المكلّف في تركه للعجز ونتيجة ذلك عدم رافعية الناقص وإلاّ لم يتعيّن التام للرافعية مع انّه خلاف إطلاق الأدلّة الأوّلية وعليه فلابدّ امّا من الالتزام بكون
الصفحة 439
الناقص مبيحاً محضاً أو بأنّ له رافعية ناقصة وإن كان الأظهر الثاني» .
فيرد عليه انّ مقتضى إطلاق دليل وجوب التام ثبوت الوجوب في جميع الموارد وكونه في كلّ مورد متّصفاً بالرافعية ، وامّا نفي رافعية الغير فلا يقتضيه الدليل خصوصاً لو فرض نهوض دليل على رافعيّة غيره أيضاً .
وبالجملة : مقتضى الجمع العرفي هو كون الوضوء الناقص في حال وجوبه وافياً بجميع ما يشتمل عليه الوضوء التام ويترتّب عليه ، وثبوت ملاك التام في حال العجز كثبوته في حال الاختيار لا يترتّب عليه التعيّن بعد قيام الدليل على اتّصاف الناقص بالرافعية في هذه الحالة أيضاً مع انّ للمنع عن ثبوت ملاك التام في حال العجز مجالاً واسعاً فالإنصاف انّ ظواهر النصوص الواردة في الجبيرة الدالّة على كون عمل ذيها كعمل غيره لا يعارضها شيء أصلاً فيترتّب عليه الرفع ولا يكون مبيحاً هذا بالنسبة إلى الوضوء والغسل .
وامّا بالإضافة إلى التيمّم فلابدّ أوّلاً من ملاحظة انّ نصوص الجبيرة الواردة في الوضوء فقط أو مع الغسل هل يجري في التيمّم أيضاً أم لا ، وقد استظهر عدم الخلاف فيه في محكيّ الحدائق مستنداً إلى أنّ المفهوم من عموم الأخبار بدليّة الجبيرة عن البشرة من دون فرق بين الطهارات الثلاث وأورد عليه بأنّه غير ظاهر ولكن الظاهر عدم تمامية الإيراد خصوصاً بعدما عرفت من اختصاص أكثر الأخبار الواردة في وضوء ذي الجبيرة بالوضوء وبعد كون حكمه الذي هو المسح ملائماً للتيمّم الذي ماهيّته تكون كذلك مع انّ قاعدة الميسور وكذا رواية عبد الأعلى المتقدّمة بالتقريب الذي ذكرنا تدلاّن على ذلك ، كما انّ مقتضى الاحتياط أيضاً عدم الاقتصار على مسح الباقي والمسح على الجبيرة ، أيضاً ومع ذلك كلّه لا يبقى إشكال في جريان حكم الجبيرة في التيمّم أيضاً وبملاحظة ما ذكرنا يظهر انّه لا
الصفحة 440
فرق بين تيمّم ذي الجبيرة وتيمّم غيره في الآثار كما في الوضوء والغسل .
الصفحة 441
مسألة 12 ـ من كان تكليفه التيمّم وكان على أعضائه جبيرة لا يمكن رفعها مسح عليها ، وكذا فيما إذا كان حائل آخر لا يمكن إزالته1 .
1 ـ قد مرّ البحث في هذه المسألة المتقدّمة آنفاً ولا حاجة إلى الإعادة إلاّ انّ الذي ينبغي التعرّض له هنا انّه لا فرق في الوضوء أو الغسل على ما عرفت بين ما إذا كان على بعض الأعضاء جبيرة وبين ما إذا كان حائل آخر لا يمكن إزالته كالقير ونحوه وكذلك لا يكون بينهما فرق في التيمّم أيضاً لاتّحاد الدليل .
الصفحة 442
مسألة 13 ـ إذا ارتفع عذر صاحب الجبيرة لا يجب عليه إعادة الصلوات لتي صلاّها ، بل الظاهر جواز إتيان الصلوات الآتية بهذا الوضوء ونحوه1 .
2 ـ امّا عدم وجوب إعادة الصلوات التي صلاّها فعن المنتهى وغيره نقل الإجماع عليه ومقتضى إطلاق المتن انّه لا فرق في ذلك بين الوقت وغيره وهو في الصورة الاُولى يبتني على القول بجواز البدار امّا مطلقاً أو مع اليأس عن زوال العذر إلى آخر الوقت ، وإمّا على تقدير القول بعدم جواز البدال كذلك فالواجب الإعادة لا لعدم دلالة النصوص على الاجزاء بل لأنّ موضوعه هي الصلاة الصحيحة والمفروض انّ من شرائط الصحّة التأخير وعدم الإتيان به في أوّل الوقت أو وسطه فعدم وجوب الإعادة لا يجتمع مع هذا القول بوجه .
وامّا جواز إتيان الصلوات الآتية بهذا الوضوء ونحوه بعد ارتفاع العذر فوجهه ما عرفت من عدم كون وضوء ذي الجبيرة مبيحاً ، بل يكون متّصفاً بالرافعية كالوضوء التامّ .
ثمّ إنّه لو زال العذر بعد الفراغ عن الوضوء وقبل الدخول في الصلاة فالظاهر انّه لا يجب عليه الاستئناف ، نعم لو زال قبل الفراغ عن الوضوء ، بل قبل مضيّ زمان إمكان تداركه رجع إلى ما يحصل معه الشرط الواقعي لانصراف النصوص عن مثل الفرض وإن كان يمكن منعه والرجوع إلى الإطلاق .
الصفحة 443
مسألة 14 ـ يجوز أن يصلّي صاحب الجبيرة أوّل الوقت مع اليأس عن زوال العذر إلى آخره ومع عدمه الأحوط التأخير1 .
1 ـ جوار البدار لذي الجبيرة وإتيانه بالصلاة أوّل الوقت مبني على دعوى ثبوت الإطلاق للنصوص واقتضائه مشروعية وضوء الجبيرة للمضطرّ أوّل الوقت ولكن هذه الدعوى بالإضافة إلى المضطرّ الذي يعلم بارتفاع العذر في الوقت والتمكّن من الصلاة مع الوضوء التامّ فيه ممنوعة جدّاً لخروجه عن منصرف النصوص ولا يبعد دعوى الجزم بالخروج ، وامّا بالنسبة إلى غير العالم بارتفاع العذر كذلك فإن كان مأيوساً عن زوال العذر إلى آخر الوقت فالظاهر تماميّة الدعوى وشمول الإطلاق له وإن لم يكن ذلك ففيه تردّد لعدم وضوح شمول الإطلاق له ، فالأحوط هو التأخير ولا مجال لدعوى جواز البدار مستنداً إلى استصحاب بقاء العذر إلى آخر الوقت والحكم بالاكتفاء به خصوصاً مع عدم انكشاف الخلاف والاستمرار واقعاً لأنّه لم يكن الحكم مترتّباً على بقاء العذر وعدم زواله في الوقت حتى يجوز ذلك بالاستصحاب في مورد الشكّ ويحكم بالاكتفاء به ولو مع انكشاف الخلاف لاقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء ، بل الحكم مترتّب على العذر الذي لم يعلم بارتفاعه في الوقت بحيث يتمكّن من الصلاة بدونه أو مع ضميمة اليأس عن زواله إلى آخر الوقت فاللاّزم ملاحظة النصوص ولا موقع للاستصحاب ولا لمسألة اقتضاء الأمر الظاهري للأجزاء فتدبّر جيّداً ، هذا تمام الكلام فيما يتعلّق بمباحث الوضوء .
وقد وقع الفراغ من تسويد هذه الأوراق التي هي الجزء الثالث من كتابنا الموسوم به «تفصيل الشريعة» في شرح «تحرير الوسيلة» بيد العبد المفتاق والفقير المحتاج إلى رحمة ربّه الغني محمّد الموحّدي اللنكراني الشهير بالفاضل ابن العلاّمة
الصفحة 444
الفقيه الفقيد آية الله المرحوم الشيخ فاضل اللنكراني عفى عنهما في بلدة «يزد» المعروفة بدار العبادة وأنا مقيم فيها بالإقامة المؤقتة الإجبارية لعلّ الله يحدث بعد ذلك أمراً في مكتبة السيّد الأجلّ السيّد علي محمّد الوزيري الشهير وفي الختام لابدّ من تجديد الشكر وتقديم عظيم الحمد في مقابل نعماء الله تعالى التي لا تعدّ ولا تحصى ومن جملتها أن وفّقني لكتابة هذه الأوراق مع قلّة البضاعة وضعف المرتبة العلمية ونسأل منه التوفيق لإتمامه وإن كانت الحوادث المحزنة والآلام المتنوّعة والموانع الفردية والاجتماعية يكفي كلّ واحد منها لحصول اليأس عن الوصول إلى ما هو المأمول والبلوغ إلى المراد والمقصود ولكن الرجاء الواثق بالقدرة الكاملة الإلهية الفائقة على الجميع لا يسكن عن الدعوة والتحريك كما انّ العناية الربّانية لا يبخل عن تمهيد التوفيق ورفع المانع عن الطريق ولأجله يكون المرجوّ هو التوفيق للإتمام وكان ذلك في سلخ شهري ذي حجّة الحرام من شهور سنة 1395 من الهجرة النبوية على مهاجرها آلاف الثناء والتحية .
|