في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


الصفحة 21

مستحبّاً .

وامّا عدم وجوب إكمالها بالشروع فيها فهو لا دلالة له على اتّصاف البعض المأتي بكونه منطبقاً عليه عنوان المأمور به لأنّه لا منافاة بين اعتبار الارتباط بين الأبعاض والحكم بعدم وجوب الإكمال وجواز رفع اليد عنه في الأثناء كما انّ النافلة المطلقة يجوز قطعها ـ بناء على الجواز ـ ولا يوجب اتصاف المأتي به بكونه صلاة مترتّباً عليها آثار الصلاة ومزاياها كما لا يخفى .

وامّا كونها مشروعة لتكميل الفرائض فهو أيضاً لا يقتضي جواز التقسيط بحيث كان كلّ قسط دخيلاً في التكميل مستقلاًّ وإلاّ لجاز الاقتصار على بعض صلاة واحدة كالركعة وما دونها أيضاً .

وامّا ما أفاده المحقّق الهمداني (قدس سره) في مطاوي كلماته من أنّ مغروسية كون الأبعاض في حدّ ذاتها بعنوان كونها صلاة عبادات مستقلّة في النفس وكون كلّ منها في حدّ ذاتها مشتملة على مصلحة مقتضية للطلب وكون الاعداد الواقعة في حيّز الطلب غالباً عناوين إجمالية انتزاعية عن موضوعاتها توجب صرف الذهن إلى إرادة التكليف غير الارتباطي كما لو أمر المولى عبده بأن يعطي زيداً عشرين درهماً .

فيرد عليه انّ الأبعاض وإن كانت بعنوان كونها صلاة عبادات مستقلّة إلاّ انّ العنوان المأمور به أخصّ من ذلك العنوان وقد عرفت ظهور الروايات في وحدة متعلّق الأمر فإنّ نافلة الظهر نافلة واحدة متعلّقة للأمر الاستحبابي لا نوافل متعدّدة ووقوع الاعداد في حيّز الطلب لا دلالة فيه على التكليف غير الارتباطي فإنّ الأقلّ والأكثر تارة يكون استقلالياً واُخرى يكون ارتباطياً ولا دلالة فيه على الأوّل .

الصفحة 22

ثمّ إنّه أفاد المحقّق المزبور انّه لا ينبغي الاستشكال في جواز الاقتصار في نافلة المغرب على ركعتين وفي نافلة العصر على أربع ركعات لدلالة بعض الأخبار عليه ، بل الظاهر جواز الإتيان بركعتين من نافلة العصر لما في غير واحد من الأخبار الآمرة بأربع ركعات بين الظهرين من التفصيل بالأمر بركعتين بعد الظهو وركعتين قبل العصر فإنّ ظاهرها بشهادة السياق ان كلّ واحد من العناوين المذكورة في تلك الروايات نافلة مستقلّة فللمكلّف الإتيان بكلّ منها بقصد امتثال الأمر المتعلّق بذلك العنوان من غير التفات إلى ما عداها من التكاليف قال : وبهذا ظهر انّه يجوز الإتيان بست ركعات أيضاً من نافلة العصر لقوله (عليه السلام) في موثقة سليمان بن خالد : صلاة النافلة ثمان ركعات حين تزول الشمس وست ركعات بعد الظهر وركعتان قبل العصر . . . فإنّ ظاهرها كون الست ركعات في حدّ ذاتها نافلة مستقلّة ، وفي خبر عيسى بن عبدالله القمي عن أبي عبدالله (عليه السلام)  : إذا كانت الشمس من هاهنا من العصر فصلِّ ستّ ركعات . . . واستظهر بعد ذلك من رواية حسين بن علوان المتقدّمة المروية في قرب الاسناد جواز الاقتصار في نافلة الزوال أيضاً على أربع ركعات .

ويرد عليه انّ الروايات الدالّة على جواز التفريق في نافلة العصر وكذا المغرب لا دلالة لها على الاستقلال ولا منافاة بينها وبين الروايات الدالّة على الثمان بنحو الاجتماع فإنّ جواز التفريق الراجع إلى الإتيان بالمجموع في وقتين أمر والاستقلال الراجع إلى اتصاف كلّ صلاة بأنّها نافلة مستقلّة أمر آخر ، وعليه فلا معارض لظهور الروايات الدالّة على الثمان بنحو الاجتماع في الارتباط وعدم الاستقلال من جهة الدليل على جواز التفريق .

وامّا الروايات الدالّة على أنّ نافلة العصر أقلّ من الثمان والمغرب أقلّ من الأربع

الصفحة 23

فإن جمعنا بينها وبين الروايات الدالّة على الأكثر بالحمل على اختلاف مراتب الفضل والاستحباب فاللاّزم هو الالتزام بجواز الاقتصار على مفادها وانّه لا يجوز الاكتفاء بما دونه وعليه فيجوز التعميم بالإضافة إلى نافلة الزوال أيضاً وإن كانت الرواية الدالّة عليه ضعيفة السند لقاعدة التسامح في أدلّة السنن ومجرّد موافقتها لفتوى أبي حنيفة لا يوجب الحمل على التقية بعد ثبوت الجمع الدلالي على ما هو المفروض ووجود التسامح في مثله .

وإن جعلنا رواية البزنطي المتقدّمة رافعة للاختلاف ومعينة لما هو الحقّ بناء على أن يكون المراد من الاختلاف الذي وقع فيها السؤال عنه هو الاختلاف في الفتوى والنظر فلا يجوز الاقتصار لمن يريد الإتيان بالنوافل على الأقلّ لأنّ مرجعها إلى رفع اليد عن جميع الروايات الدالّة على الخلاف ، وامّا بناء على أن يكون المراد من الاختلاف فيها هو الاختلاف في مقام العمل ومرجعه ـ حينئذ ـ إلى استفسار حال الإمام (عليه السلام) وانّه في مقام العمل يأتي بأية مرتبة من المراتب فلا دلالة لرواية البزنطي على عدم اختلاف المراتب بل يقرّر ثبوته ولكن هذا الاحتمال بعيد وإن كانت الألفاظ الواقعة في السؤال تؤيّده لوضوح انّه بناء على اختلاف المراتب تكون المرتبة العالية هي المشتملة على الأكثر فلا يبقى مجال للسؤال حينئذ وإن كان يمكن أن يقال بأن السائل على هذا التقدير لا يكون عالماً بالمرتبة العالية من حيث العدد ، وبالجملة فهذا الاحتمال بعيد والظاهر هو الاحتمال الأوّل وثمرته عدم جواز التبعيض وثبوت الارتباط .

ثمّ إنّ مقتضى كلامه جواز الإتيان بنافلة الظهر ستّ ركعات أيضاً لخبر رجاء بن أبي الضحاك الدالّ على أنّ الرضا (عليه السلام) صلّى ستّاً من نافلة الظهر ثم أذّن ثمّ صلّى ركعتين . فإنّ الفصل بالأذان دليل على جواز الاقتصار على الست بناء على مبناه

الصفحة 24

فتدبّر ، هذا كلّه في غير صلاة الليل .

وامّا صلاة الليل فمقتضى بعض الروايات انّها ثلاث عشرة ركعة بإدراج نافلة الفجر فيها أيضاً كرواية الحارث بن المغيرة النضري عن أبي عبدالله (عليه السلام) المشتملة على قوله (عليه السلام) : وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلّي ثلاث عشرة ركعة من الليل .

ورواية اُخرى للحارث بن المغيرة في حديث قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : كان أبي لا يدع ثلاث عشرة ركعة بالليل في سفر ولا حضر .

ورواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلّي من الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر وركعتا الفجر في السفر والحضر .

ومقتضى بعض الروايات انّ صلاة الليل ثمان والوتر ثلاث ونافلة الفجر ركعتان كرواية حنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) المشتملة على قوله (عليه السلام) : وثمان صلاة الليل وثلاثاً الوتر وركعتي الفجر . . . ورواية ابن أبي نصر البزنطي المشتملة على قول الرضا (عليه السلام)وثمان صلاة الليل والوتر ثلاثاً وركعتي الفجر . ورواية سليمان بن خالد عن أبي عبدالله (عليه السلام) المشتملة على قوله (عليه السلام)  : وثمان ركعات من آخر الليل . . . ثمّ الوتر ثلاث ركعات  . . . ثم الركعتان اللّتان قبل الفجر ، وكذا الروايات المتعدّدة الواردة في الوتر الدالّة على أنّها ثلاث ركعات تفصل بينهن .

ومقتضى بعض الروايات انّ صلاة الوتر مركّبة من صلاتين إحداهما معنونة بعنوان الشفع والاُخرى بعنوان الوتر كرواية الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) في كتابه إلى المأمون ، المشتملة على أنّ الشفع والوتر ثلاث ركعات ، ورواية رجاء بن أبي الضحّاك الحاكية لفعل الرضا (عليه السلام) المشتملة على قوله : ثمّ يقوم فيصلّي ركعتي الشفع . . . فإذا سلّم قام وصلّى ركعة الوتر .

ورواية الأعمش عن جعفر بن محمّد (عليهما السلام) في حديث شرائع الدين المشتملة على

الصفحة 25

قوله (عليه السلام) : والشفع ركعتان والوتر ركعة .

فانقدح ممّا ذكرنا انّه لا إشكال في جواز الاقتصار على نافلة الفجر لأنّها نافلة مستقلّة متعلّقة لأمر كذلك كما انّه لا إشكال في جواز الاقتصار على الثمان صلاة الليل لأنّها معنونة بعنوان واحد متعلّق لأمر كذلك وكذا العكس فإنّه جيوز الاقتصار على صلاتي الشفع والوتر وترك صلاة الليل ، وامّا الاقتصار على خصوص الوتر الذي هي ركعة واحدة فإن كان في ضيق الوقت فلا إشكال فيه وإن لم يكن فيه فيمكن استفادة الجواز من رواية معاوية بن وهب قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : أما يرضى أحدكم أن يقوم قبل الصبح ويوتر ويصلّي ركعتي الفجر ويكتب له بصلاة الليل .

وامّا التبعيض في الثمان صلاة الليل فالظاهر عدم جوازه لأنّ ظاهر الأدلّة كون المجموع عملاً واحداً وعبادة واحدة متعلّقة لأمر واحد فلا يجوز التبعيض فيه وإن كان يستفاد من الجواهر انّه لا مانع منه فيه كسائر النوافل المركّبة من صلوات متعدّدة هذا تمام الكلام في المسألة الاُولى .

المسألة الثانية : في نافلة العشاء المسمّاة بالوتيرة لكونها بدلاً عن الوتر كما عرفت ، والكلام فيه من جهات :

الجهة الاُولى : في أنّه هل يتعيّن الجلوس فيها أم يجوز القيام أيضاً؟ فنقول : امّا بالنظر إلى فتاوى الأصحاب فقد ذكر سيّدنا العلاّمة الاستاذ البروجردي في بحثه الشريف ـ على ما قرّرته ـ انّ الظاهر تسالم الفقهاء إلى زمن الشهيد الأوّل على ثبوت الجلوس في نافلة العشاء ولم يفت أحد منهم بجواز القيام فيها وإنّ أوّل من أفتى به هو الشهيد في الدروس واللمعة وتبعه الشهيد والمحقّق الثانيان وقد اشتهر الفتوى بذلك بعدهم .

الصفحة 26

وامّا بالنظر إلى الروايات الواردة في الباب فكثير منها ظاهر في تعيّن الجلوس وإنّ الركعتين تعدّان بركعة كخبري فضيل بن يسار المتقدّمين . ورواية البزنطي المتقدّمة أيضاً ، ورواية الفضل بن شاذان كذلك ، ورواية الأعمش أيضاً كذلك ، ورواية أبي عبدالله القزويني قال : قلت لأبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) : لأيّ علّة تصلّى الركعتان بعد العشاء الآخرة من قعود؟ فقال : لأنّ الله فرض سبع عشر ركعة فأضاف إليها رسول الله (صلى الله عليه وآله) مثليها فصارت إحدى وخمسين ركعة فتعدّان هاتان الركعتان من جلوس بركعة ، ورواية هشام المشرقي عن الرضا (عليه السلام) في حديث قال : إنّ أهل البصرة سألوني فقالوا : إنّ يونس يقول : من السنّة أن يصلّي الإنسان ركعتين وهو جالس بعد العتمة ، فقلت : صدق يونس .

واثنتان منها ظاهرتان في التخيير : إحداهما رواية الحارث بن المغيرة النضري المشتملة على قول أبي عبدالله (عليه السلام) في تعداد النوافل : وركعتان بعد العشاء الآخرة كان أبي يصلّيهما وهو قاعد وأنا اُصلّيهما وأنا قائم . . . وليس المراد هو اختلافه مع أبيه (عليهما السلام) في الفتوى كما هو واضح ، بل المراد هو الاختلاف في العمل لأجل التخيير بين القيام والقعود وسرّه أنّ أباه (عليه السلام) كان بديناً ذات لحم يشقّ عليه الإتيان بالنوافل قائماً كما تدلّ عليه رواية حنان بن سدير عن أبيه قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : أتصلّي النوافل وأنت قاعد؟ فقال : ما أصلّيها إلاّ وأنا قاعد منذ حملت هذا اللحم وما بلغت هذا السنّ . ومن ذلك ظهر انّ الرواية ظاهرة في أفضلية القيام وان اختيار القعود إنّما هو لأجل المشقّة والكلفة .

ثانيتهما : رواية سليمان بن خالد المشتملة على قول أبي عبدالله (عليه السلام) في تعداد النوافل : وركعتان بعد العشاء الآخرة يقرأ فيهما مائة آية قائماً أو قاعداً والقيام أفضل ولا تعدهما من الخمسين .

الصفحة 27

وقد يجمع بين الطائفتين بالحمل على التخيير ولكن الفتوى بجواز القيام في غاية الإشكال; لأنّه ـ مضافاً إلى أنّ هاتين الروايتين كانتا بمرئى ومسمع من قدماء الأصحاب ومع ذلك تسالموا على تعين الجلوس إلى زمن الشهيد الأوّل كما عرفت وذلك يكشف عن وجود خلل فيهما كصدورهما تقيّة; لأنّ نافلة العشاء بنحو الجلوس ممّا لم يقل به أحد من العامّة فانّهم بين من ينكر مشروعيتها رأساً وبين من يقول بأنّها ثمان ركعات أربع قبل الفريضة وأربع بعدها كأبي حنيفة ، وبين من يقول : بأنّها ركعتان من قيام ـ لا يجوز رفع اليد بسببهما عن الروايات الكثيرة الظاهرة ، بل الصريحة في تعيّن الجلوس بلحاظ التقييد بالجلوس مع أنّ الأصل في الصلاة مطلقاً هو القيام وكونه أفضل من الجلوس ، مع انّ تشريعها كما ظهر من بعض الروايات المتقدّمة إنّما هو لكونها بدلاً عن الوتر الذي هي ركعة واحدة ولا معنى لكون الركعتين من قيام بدلاً من ركعة كذلك فتدبّر ، أو لأجل كونها تعدّ بركعة فيتحقّق عنوان ضعف الفريضة ومثليها ولا يتحقّق ذلك إلاّ مع تعيّن الجلوس فيها .

وبالجملة فالروايات الدالّة على أنّ مجموع الفرائض والنوافل إحدى وخمسون ركعة لا يلائم مع جواز القيام في نافلة العشاء كسائر النوافل التي يكون المكلّف مخيّراً فيها .

ثمّ إنّه ذكر بعض الأعلام في شرحه على العروة في مقام الجمع انّ الذي يظهر من ملاحظة الأخبار الواردة في المقام انّ بعد العشاء الآخرة يستحبّ أربع ركعات وصلاتان نافلتان والتي يكون القيام فيها أفضل من الجلوس ركعتان غير ركعتي الوتيرة وهما اللّان يقرأ فيهما مئة آية وهما غير الوتيرة المقيّدة بكونها عن جلوس والدليل على ذلك :

الصفحة 28

صحيحة عبدالله بن سنان قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : لا تصلِّ أقلّ من أربع وأربعين ركعة قال : ورأيته يصلّي بعد العتمة أربع ركعات .

وموثّقة سليمان بن خالد ـ المتقدّمة ـ فإنّها مصرّحة بأنّ الركعتين اللّتين يكون القيام فيهما أفضل غير النوافل اليومية أعني خمسين أو واحدة وخمسين ركعة وإنّ هاتين الركعتين لا تعدّان منها .

وصحيحة الجمّال قال : كان أبو عبدالله (عليه السلام) يصلّي ركعتين بعد العشاء يقرأ فيهما بمأة آية ولا يحتسب بهما وركعتين وهو جالس يقرأ فيهما بقل هو الله أحد وقل يا أيّها الكافرون فإن استيقظ من الليل صلّى صلاة الليل والوتر وإن لم يستيقظ حتّى يطلع الفجر صلّى ركعتين فصارت سبعاً (شفعاً) واحتسب بالركعتين الليلتين (اللتين) صلاّهما بعد العشاء وتراً .

أقول : امّا صحيحة عبدالله بن سنان فلا دلالة فيها على عنوان الأربع التي يصلّيها بعد العتمة ولا على استمرار الإتيان بها فلعلّه كانت الأربع صلاة جعفر (عليه السلام)ونحوها .

وامّا موثقة سليمان بن خالد فلا محيص عن حمل الركعتين فيها على نافلة العشاء لعدم التعرّض لها فيها وعدم عدّهما من الخمسين لا ينافيها لأنّها ـ كما في بعض الروايات الاُخر ـ إنّما شرّعت لتكميل العدد وجعل النافلة ضعف الفريضة فلا وجه لحملها على غير نافلة العشاء .

وامّا صحيحة الحجّال فهي وإن كانت دلالتها واضحة إلاّ انّه يشكل الأخذ بها لأنّها ـ مضافاً إلى دلالتها على وقوع ترك صلاة الليل من الإمام (عليه السلام) أحياناً ولعلّه لا يكون ملائماً لشأنه ـ تدلّ على ما لم يدلّ عليه شيء من الروايات مع كثرتها واستفاضتها لعدم دلالته على ثبوت ركعتين بعد العشاء قبل نافلتها ، مع أنّها لا

الصفحة 29

تكون معنونة بعنوان أصلاً مع أنّه لا وجه لعدم الاحتساب بالإضافة إليها خصوصاً بعد ثبوت الكيفية بالمخصوصة لها واشتمالها على مئة آية من القرآن واحتساب نافلة العشاء مع وقوعها في حال الجلوس فالإنصاف انّه لا مجال لهذا الجمع .

الجهة الثانية : في سقوط نافلة العشاء في السفر وعدمه وقد وقع فيه الإشكال والخلاف بعد انّه لا إشكال ولا خلاف في سقوط نافلة الظهرين في السفر وعدم سقوط نافلة الصبح والمغرب كعدم سقوط صلاة الليل ، والمشهور بين الإمامية هو الأوّل ، بل ادّعى الإجماع عليه في محكي السرائر والغنية وقال الشيخ وجماعة بعدم السقوط ومنشأ الخلاف اختلاف الأخبار الواردة في الباب :

امّا ما يدلّ على السقوط فروايات كثيرة :

منها : رواية حذيفة بن منصور عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) انّهما قالا : الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شيء .

ومنها : رواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شيء إلاّ المغرب ثلاث .

ومنها : رواية أبي يحيى الحنّاط قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن صلاة النافلة بالنهار في السفر فقال : يا بني لو صلحت النافلة في السفر تمّت الفريضة . وموردها وإن كان خصوص صلاة النافلة بالنهار إلاّ انّ الملازمة التي يدلّ عليها الجواب وهي الملازمة بين جواز النافلة وتمامية الفريضة تقتضي سقوط نافلة العشاء أيضاً كما هو ظاهر .

ومنها : رواية أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شيء إلاّ المغرب فإن بعدها أربع ركعات لا تدعهنّ في سفر ولا

الصفحة 30

حضر ، وليس عليك قضاء صلاة النهار وصلِّ صلاة الليل واقضه .

وامّا ما يدلّ أو استدلّ به على عدم السقوط فروايات أيضاً :

منها : صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال : سألته عن الصلاة تطوّعاً في السفر ، قال : لا تصلّ قبل الركعتين ولا بعدهما شيئاً نهاراً . فإنّ تخصيص النهي في الجواب بخصوص النوافل النهارية مع كون السؤال عن مطلق الصلاة تطوّعاً في السفر لا يلائم مع سقوط نافلة العشاء خصوصاً مع انحصار القصر في الليل بها كما لايخفى .

ومنها : رواية رجاء بن أبي الضحّاك عن الرضا (عليه السلام) انّه كان في السفر يصلّي فرائضه ركعتين ركعتين إلاّ المغرب فإنّه كان يصلّيها ثلاثاً ولا يدع نافلتها ، ولا يدع صلاة الليل والشفع والوتر وركعتي الفجر في سفر ولا حضر وكان لا يصلّي من نوافل النهار في السفر شيئاً .

ومنها : ما رواه الصدوق بإسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) في حديث قال : وإنّما صارت العتمة مقصورة وليس تترك ركعتاها (ركعتيها); لأنّ الركعتين ليستا من الخمسين وإنّما هي زيادة في الخمسين تطوّعاً ليتمّ بهما بدل كلّ ركعة من الفريضة ركعتين من التطوّع . والرواية من حيث الدلالة تامّة; لأنّها تدلّ على مفروغية عدم ترك النافلة كمفروغية قصر الفريضة في العتمة إلاّ انّ الإشكال إنّما هو في سندها; لأنّ في طريق الصدوق إلى فضل بن شاذان علي بن محمد بن قتيبة النيشابوري المعروف بالقتيبي ، وعبد الواحد بن محمد بن عبدوس العطّار النيشابوري وهما لم تثبت وثاقتهما فإنّ غاية ما ذكر في وثاقة الأوّل ما ذكره في الحدائق في مقام الجواب عن صاحب المدارك القائل بعدم إمكان الاعتماد على روايته لعدم توثيقه من أنّه لا حاجة إلى التوثيق الصريح بعد كونه من المشايخ

الصفحة 31

ومورداً لاعتماد مثل الكشي; لأنّ اعتماد المشايخ المتقدّمين على النقل وأخذ الروايات عنهم والتلمذ عندهم يزيد على قول النجاشي وأضرابه : فلان ثقة . وقد نقل في الحدائق عن العلاّمة في المختلف انّه عندما ذكر حديث الافطار على محرم وانّ الواجب فيه كفّارة واحدة أو ثلاث لم يذكر التوقّف في صحّة الحديث إلاّ من حيث عبد الواحد بن عبدوس وقال  : إنّه كان ثقة والحديث صحيح . وهذا يدلّ على توثيقه لعلي بن محمد بن قتيبة ، وقد حكي عن العلاّمة أيضاً انّه صحّح حديثه في ترجمة يونس بن عبد الرحمن .

ولكن شيء من ذلك لا يثبت وثاقته فإنّ اعتماد الكشي لا دليل على وثاقته فقد اعتمد على نصر الغالي أيضاً ، لكن قد يقال : بأنّه يمكن استفادة وثاقته من قول الكشي في (إبراهيم بن عبدة) : حكى بعض الثقات بنيسابور انّه خرج لإسحاق بن إسماعيل من أبي محمّد (عليه السلام) ، بأن يكون هو مراده من بعض الثقات . ويدفعه مضافاً إلى أنّه ليس في نسخة الكشي المطبوعة عندي كلمة بنيسابور انّه على تقديره لا دليل على كونه هو المراد من بعض الثقات .

وامّا كونه من المشايخ وأخذ المتقدّمين الروايات عنه فهو لا دلالة له أيضاً على التوثيق فقد حكى انّ من مشايخ الصدوق من هو ناصب زنديق بحيث لم ير أنصب منه وأبلغ من نصبه لأنّه كان يقول : اللهمّ صلِّ على محمّد فرداً ويمتنع من الصلاة على آله .

وامّا تصحيح العلاّمة فقد نوقش فيه من وجهين : الأوّل انّه يظهر من التتبّع في كلماته انّه (قدس سره) يصحّح رواية كلّ شيعي لم يرد فيه قدح ولا يعتمد على رواية غير الشيعي وإن كان موثقاً فتصحيحه أعمّ من التوثيق ، بل غايته تصديق تشيّعه وانّه لم يرد فيه قدح .

الصفحة 32

الثاني : انّ توثيقه وتوثيقات مثله من معاصريه أو المتأخّرين عنه حيث لا يكون إلاّ شهادة حدسية منشأها ملاحظة القرائن والأمارات من دون أن يكون متّصلاً سنداً إلى من يشهد بوثاقته بشهادة حسيّة لا ينبغي الاعتماد عليه لطول الفصل ومضي الأزمنة والقرون ووضح عدم اعتبار الشهادة عن غير حسّ .

وامّا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس فقد ذكر المامقاني في رجاله انّ في الرجل أقوالاً : أحدها انّه ثقة وهو خيرة التحرير والمسالك وبعض آخر ، ثانيها انّه حسن وهو المحكي عن المجلسي الثاني في غير الوجيزة ، ثالثها انّه مجهول وهو الذي بنى عليه المحقّق حيث ترك العمل بروايته لأنّه مجهول الحال ومثله العلاّمة في المختلف .

ومع هذا الوصف كيف يمكن الاعتماد على روايته والأخذ بحديثه .

ومنها : رواية الحلبي قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) : هل قبل العشاء الآخرة وبعدها شيء؟ قال : لا غير انّي اُصلّي بعدها ركعتين ولست أحسبهما من صلاة الليل . نظراً إلى أنّ المستفاد منها انّها نافلة مستقلّة ولها نحو ارتباط بنافلة الليل ولذا أجاب الإمام (عليه السلام) بلا ، ومع استقلالها لا يشملها الأخبار الدالّة على سقوط نافلة الصلاة المقصورة .

وأورد على هذا الاستدلال بعض الأعلام بأنّ الظاهر انّ المراد من الركعتين فيها هما الركعتان اللّتان تؤتى بها عن قيام وهما مستحبّان مستقلّتان زائدة على النوافل المرتّبة وذلك بقرينة قوله : ولست أحسبهما من صلاة الليل فإن ما يمكن أن يتوهّم كونه من صلاة الليل إنّما هو تلك الصلاة التي يؤتى بها قائماً دون الوتيرة التي تصلّي جالساً فإنّها لم يتوهّم أحد كونها من صلاة الليل بوجه خصوصاً مع كون الراوي هو الحلبي الذي لا يخفى عليه مثل ذلك .

ويدفعه ـ مضافاً إلى ما عرفت من عدم معهودية صلاة فيما بين العشاء ونافلتها ـ

الصفحة 33

انّه بناءً على ما أفاده تكون نافلة العشاء أقرب إلى صلاة الليل من تلك الصلاة التي يؤتى بها قبلها ومجرّد الاختلاف في القيام والجلوس لا يوجب أقربية ما يؤتى به أولاً كما هو ظاهر .

والجواب عن أصل الاستدلال بعد ملاحظة إطلاق محطّ السؤال وعدم كون النظر إلى حال السفر انّ قوله : ولست أحسبهما من صلاة الليل لا دلالة له على استقلال الركعتين ، كما انّ قوله (عليه السلام)  : «لا» لا ينفي طرفي السؤال بحيث يصير قرينة على نفي ارتباط الركعتين بالعشاء ، بل الظاهر انّ المراد من النفي هو النفي بلحاظ كون نافلة العشاء مزيدة في النوافل لتتمّ بهما الواحدة والخمسون ، كما انّ عدم الاحتساب من صلاة الليل إنّما هو لدفع توهّم كون وقوعها بعد العشاء قرينة لكونها من صلاة الليل كنافلة الصبح التي عدّت منها في بعض الروايات المتقدّمة ، وعلى كلّ حال فلا دلالة للرواية على عدم السقوط ، بل لا ارتباط لها بالمقام لو لم نقل بكون مقتضى إطلاقها بعد التقييد بالروايات الدالّة على السقوط هو السقوط فتدبّر .

ومنها : الروايات الكثيرة الدالّة على أنّ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتنّ إلاّ بوتر . وتقريب الاستدلال بها من وجهين بعد ظهور كون المراد بالوتر فيها هي الوتيرة ونافلة العشاء لتفسيرها بذلك في رواية أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتنّ إلاّ بوتر قال : قلت : تعني الركعتين بعد العشاء الآخرة؟ قال : نعم إنّهما بركعة فمن صلاّهما (ها) ثم حدث به حدث مات على وتر . . .

الأوّل : انّ التعبير بكون الإتيان بها وعدم تركها من شؤون الايمان بالله واليوم الآخر لا يلائم مع الاختصاص بوقت دون وقت ولا يجتمع مع السقوط في السفر

الصفحة 34

كما لايخفى .

الثاني : انّ النسبة بين هذه الروايات الدالة بإطلاقها على ثبوت الوتيرة في السفر أيضاً وبين الروايات الواردة في سقوط نافلة الصلاة المقصورة الشاملة بإطلاقها لصلاة العشاء هي العموم من وجه والمرجع في مادّة الاجتماع وهي الوتيرة في السفر هي الروايات الواردة في أصل مشروعية الوتيرة وفي تعداد النوافل وانّها أربع وثلاثون .

وأورد على الاستدلال بها بعد تضعيف رواية أبي بصير الشارحة لها لوقوع عدّة مجاهيل في سندها بالمعنى الأعمّ من المهمل بأنّ الأخبار المذكورة إنّما وردت في الوتر لا في الوتيرة فإنّ معنى البيتوتة إنهاء الليل إلى طلوع الفجر ومعنى الروايات انّ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر لا يطلع عليه الفجر إلاّ بوتر ، مع أنّ نافلة العشاء لم تسم بالوتيرة في شيء من الروايات وإنّما الفقهاء سمّوها بالوتيرة فلا يمكن الاستدلال بها على أصل استحبابها فضلاً عن عدم سقوطها في السفر .

والجواب عن هذا الإيراد ما أفاده المورد نفسه في مسألة وقت نافلة العشاء ممّا حاصله انّ المستفاد من هذه الروايات إن أخّر وقت الوتيرة صدق البيتوتة والغالب فيها وقوعها قبل الانتصاف; لأنّ أغلب الناس إنّما يبدؤون بالمنام قبل الانتصاف وهذه الروايات وإن كانت مطلقة غير مقيّدة بكونها بعده أو قبله إلاّ انّها لا تقبل الحمل على البيتوتة بعد الانتصاف لأنّها قليلة نادرة فتدلّ الروايات المذكورة على أنّ آخر وقت الوتيرة هو انتصاف الليل وغسقه .

وأقول : ظاهر الروايات هو وقوع البيتوتة متأخّرة عن الوتر بحيث كان شروعها بعد الإتيان بها وهذا لا يلائم مع كون المراد بها غير نافلة العشاء; لأنّ صلاة الوتر التي هي جزء صلاة الليل يكون أفضل أوقاتها السحر وأفضل منه

الصفحة 35

القريب إلى الفجر وعليه فمن راعى هذه الجهة وأتى بصلاة الوتر في آخر أجزاء الليل هل يصدق عليه انّه بات بوتر أو على وتر؟ الظاهر العدم وهذه قرينة على أنّ المراد بالوتر في هذه الروايات هي الوتيرة وإن قلنا بضعف رواية أبي بصير الشارحة لها والمفسِّرة إيّاها فهذه الروايات بنفسها ظاهرة في نافلة العشاء .

وامّا ما أورد على الاستدلال بها ثانياً من منع المعارضة وكون الروايات الدالّة على أنّه لا شيء قبل الركعتين ولا بعدهما مؤيّدة بما دلّ على أنّ النافلة لو صلحت في السفر تمّت الفريضة حاكمة على هذه الروايات لكونها ناظرة إليها فتتقدّم عليها .

فالجواب عنه منع ذلك لعدم تمامية الحكومة ، بل يمكن أن يقال بالعكس وانّ هذه الروايات تكون حاكمة عليها ناظرة إليها لدلالتها على اختصاص تلك الروايات بغير نافلة العشاء التي لا يبيت بدونها من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فتدبّر .

ومنها ما استدلّ به بعض الأعلام من صحيحة فضيل بن يسار قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول في حديث  . . . منها ركعتان بعد العتمة جالساً تعدّ بركعة مكان الوتر . . . بتقريب انّ الوتيرة لم تثبت كونها نافلة للعشاء ليقال إنّ نافلة الصلوات المقصورة ساقطة في السفر ، بل هي صلاة مستحبّة وإنّما شرعت للبدلية عن الوتر على تقدير عدم التوفق لإتيانها في وقتها فلا تشملها الأخبار المتقدّمة الدالّة على أنّه لا شيء قبل الركعتين ولا بعدهما .

ويرد عليه انّ التعبير الوارد في نافلة العشاء هو بعينه التعبير الوارد في سائر النوافل ، فكما انّ نافلة المغرب قد عبّر عنها في الروايات بأنّها ما يؤتى بها بعدها كذلك نافلة العشاء مع أنّ ثبوت الركعتين بعد العشاء من دون أن يكون لهما عنوان أصلاً بعيد جدّاً خصوصاً مع ثبوت العنوان لغيرها من جميع النوافل والفرائض

الصفحة 36

اليومية ، مع أنّ الروايات الدالّة على السقوط لم يعلّق الحكم فيها على عنوان النافلة المضافة إلى الفريضة ، بل الحكم فيها يرجع إلى عدم ثبوت شيء قبل الركعتين ولا بعدهما فلا يتوقّف دلالتها على السقوط على ثبوت عنوان نافلة العشاء لهما كما لايخفى .

وقد انقدح من جميع ما ذكرنا انّ الأظهر هو ثبوت نافلة العشاء في السفر ولكن الاحتياط بالإتيان بها رجاء لا ينبغي تركه .

الجهة الثالثة : في وقت نافلة العشاء فنقول : امّا من حيث المبدأ فلا شبهة في أنّ مبدئها إنّما هو الفراغ عن فريضة العشاء على ما تدلّ عليه الروايات المستفيضة المصرّحة بكونها بعد العشاء الظاهرة في أنّ مبدئها هو الفراغ منها ، وامّا من حيث المنتهى فلا إشكال أيضاً من جهة الفتوى في امتداد وقتها بامتداد وقت الفريضة وقد تحقّقت عليه الشهرة العظيمة ، بل ادّعى المحقّق في المعتبر الإجماع عليه ويكفي دليلاً على ذلك ذكر المسألة في الكتب الموضوعة لنقل الفتاوى المأثورة عن الأئمّة الطاهرة (عليهم السلام) بعين الألفاظ الصادرة فإنّه يكشف عن وجود نصّ معتبر مذكور في الجوامع الأوّلية ، غاية الأمر انّه لم يصل إلينا .

نعم يمكن الاستدلال بالروايات المتقدّمة الدالّة على أنّ المؤمن لا يبيت إلاّ بوتر نظراً إلى أنّ المراد بالوتر هي الوتيرة لظهور الروايات في نفسها في ذلك كما مرّ ودلالة رواية أبي بصير المتقدّمة عليه أيضاً وانّ المراد انّ آخر وقت الوتيرة صدق البيتوتة والغالب فيها وقوعها قبل الانتصاف; لأنّ أغلب الناس كانوا يبدؤون بالمنام قبله .

ويدلّ على ذلك أيضاً ما دلَّ من الروايات على أنّ الوتيرة بدل الوتر بضميمة انّ وقت صلاة الليل بعد الانتصاف وعدم مشروعيتها قبله إلاّ لعذر فإنّ ملاحظتهما

الصفحة 37

تقضي بأنّه قبل الانتصاف يكون وقت البدل وبعده الذي يشرع الإتيان بالمبدل لا يكون إلاّ ظرف المبدل ولا مجال مع التمكّن من الإتيان بالمبدل له كما لا يخفى .

والذي يسهل الخطب ما عرفت من وضوح المسألة بلحاظ فتاوى الأصحاب ولا حاجة إلى إقامة الدليل .

الجهة الرابعة : في أنّه هل يعتبر في نافلة العشاء التي يؤتى بها بعدها البعدية العرفية المتّصلة كما يظهر من بعض المتأخّرين حيث اعتبر عدم الفصل المفرط بين فريضة العشاء ونافلتها فلا يشرع الإتيان بها قريباً من نصف الليل مع الإتيان بالفريضة في أوّله أو لا يعتبر ذلك؟

ربّما يستدلّ للأوّل بأنّ المنساق من الأدلّة الدالّة على البعدية هي البعدية المتّصلة العرفية .

وقد أورد عليه بأنّ الظاهر كون البعدية في نافلة العشاء في مقابل القبلية في نافلة الظهرين فالمراد انّ نافلة العشاء لابدّ أن يؤتى بها بعد العشاء لا قبل الفريضة كما في نافلة الظهرين .

والجواب عنه ـ مضافاً إلى منع الاستظهار ـ الروايات الواردة في نافلة العصر الدالّة على تفريقها والإتيان ببعضها بعد الظهر وبالبعض الآخر قبل العصر وكذا الروايات الدالّة على تفريق نافلة المغرب والإتيان بالركعتين بعد المغرب وبالركعتين قبل العشاء فإنّها ظاهرة في اتّصال القبلية والبعدية وإلاّ لكان المجموع متّصفاً بوقوعها بعد الظهر أو قبل العصر وكذا بعد المغرب أو قبل العشاء كما لايخفى .

نعم في مقابل هذا الظهور أمران : أحدهما استحباب جعل نافلة العشاء خاتمة للنوافل كما عليه الشهرة المحقّقة ويمكن الاستدلال بالنصّ أيضاً ، ومن المعلوم إنّه ربّما تكون النوافل كثيرة كما في ليالي شهر رمضان وكما في ليلة الفطر إذا أتى بالصلاة

الصفحة 38

المعروفة المشتملة على ألف سورة التوحيد بعد فريضة العشاء وعليه فلا تصدق البعدية العرفية لثبوت الفصل الطويل .

ويدفعه انّه لا مانع من الالتزام بجواز التأخير لمن يأتي بالنوافل كجواز تقديم نافلة الصبح من انتصاف الليل لمن يأتي بصلاة الليل على ما يأتي .

ثانيهما : ما ذكره بعض الأعلام من أنّ المستفاد ممّا دلّ على أنّ المؤمن لا يبيت إلاّ بوتر عدم اعتبار الوصل وإنّما الغرض أن لا يبيت المكلّف إلاّ بوتر بأن يصلّي الوتيرة فينام ويصدق أنّه نام عن وتر .

والجواب انّ هذه الروايات لا دلالة لها على أزيد من أن بيتوتة المؤمن تكون متأخّرة عن الوتر ، وامّا انّ شرائط اوتر ماذا فهي لا دلالة لها عليها ولابدّ من استفادتها من دليل خارج ومن الشرائط البعدية المتّصلة بالعشاء على ما تدلّ عليه الروايات المتقدّمة فهي متقدّمة على هذه الروايات فتدبّر .

المسألة الثالثة : في وقت نافلة الصبح ، والكلام فيه في مقامين :

الأوّل : وقتها من حيث الابتداء وقد تحقّقت الشهرة على أنّ أوّل وقتها هو طلوع الفجر الكاذب وحكى عن بعض جواز إتيانها بعد الفراغ من صلاة الوتر ونسبه في الحدائق إلى المشهور . وقد ورد في هذا الباب روايات كثيرة مختلفة وهي على طوائف :

الاُولى : ما تدلّ على الاحشاء بها في صلاة الليل ودسّها فيها كرواية البزنطي قال : سألت الرضا (عليه السلام) عن ركعتي الفجر ، فقال : احشوا بهما صلاة الليل . وهذه الرواية شاهدة على أنّ المراد بركعتي الفجر متى أطلقت هي النافلة ولا يحتمل الفريضة .

ورواية أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت ركعتا الفجر من صلاة الليل

الصفحة 39

هي؟ قال : نعم .

ورواية البزنطي أيضاً قال : قلت لأبي الحسن (عليه السلام)  : وركعتي الفجر اُصلّيهما قبل الفجر أو بعد الفجر؟ فقال : قال أبو جعفر (عليه السلام)  : احش بهما صلاة الليل وصلّهما قبل الفجر .

ورواية علي بن مهزيار قال : قرأت في كتاب رجل إلى أبي جعفر (عليه السلام) : الركعتان اللّتان قبل صلاة الفجر من صلاة الليل هي أم من صلاة النهار وفي أيّ وقت اُصلّيهما؟ فكتب (عليه السلام) بخطّه : احشهما في صلاة الليل حشواً .

ومقتضى هذه الطائفة جواز الإتيان بهما قبل الفجر الكاذب لشمول إطلاقها لما إذا اشتغل بصلاة الليل بعد الانتصاف بلا فصل ثمّ أتى بالركعتين كذلك ، بل يشمل إطلاقها ما إذا قدّم صلاة الليل لمرض أو سفر أو نحوهما فيجوز عليه الإتيان بركعتي الفجر بعدها بلا فصل كما يدلّ عليه أيضاً رواية أبي جرير ابن إدريس عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال : صلِّ صلاة الليل في السفر من أوّل الليل في المحمل والوتر وركعتي الفجر .

وبالجملة لا إشكال في جواز تقديم ركعتي الفجر على الفجر الأوّل والاحشاء بهما في صلاة الليل وإن وقعت قبله وقد أفتى بذلك حتّى من ذهب إلى أنّ أوّل وقتهما هو الفجر الأوّل كالمحقّق .

إنّما الإشكال في جواز الإتيان بهما في وقت صلاة الليل قبل طلوع الفجر مع الانفراد وعدم الدسّ بأن يقتصر على فلعهما منفردتين قبله ولم يأت بصلاة الليل أصلاً أو أتى بها مع الفصل بينهما بكثير وقد صرّح بعض بالجواز ويظهر من صاحب الوسائل حيث ذكر في عنوان الباب : «باب استحباب تقديم ركعتي الفجر على طلوعه بعد صلاة الليل بل مطلقاً» .

الصفحة 40

ولكن الظاهر عدم الجواز وإن كان يمكن توجيهه بأنّ مقتضى كون ركعتي الفجر مستحبّاً مستقلاًّ وعنواناً في مقابل صلاة الليل بضميمة ما يدلّ على جواز الاحشاء بهما في صلاة الليل جواز تقديمهما على الفجر الأوّل مطلقاً كالاقتصار على صلاتي الشفع والوتر أو على ثمان ركعات صلاة الليل إلاّ انّه مع ذلك يكون القدر المتيقّن هي صورة ضمّهما إلى صلاة الليل ودسّهما فيها خصوصاً مع أنّ التسمية بنافلة الفجر لا تناسب الإتيان بها قبل الفجر فلا يستفاد من روايات الاحشاء جواز التقديم في غير صورته .

الثانية : ما تدلّ على أنّ وقتها قبل الفجر :

كرواية زرارة قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام)  : الركعتان اللّتان قبل الغداة أين موضعهما؟ فقال : قبل طلوع الفجر فإذا طلع الفجر فقد دخل وقت الغداة .

وروايته الاُخرى عن أبي جعفر (عليه السلام) أيضاً قال : سألته عن ركعتي الفجر قبل الفجر أو بعد الفجر فقال : قبل الفجر إنّهما من صلاة الليل ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل ، أتريد أن تقايس لو كان عليك من شهر رمضان أكنت تطوع إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة .

ورواية محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن أوّل وقت ركعتي الفجر فقال : سدس الليل الباقي .

ورواية أبي بصير قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) اُصلّي ركعتي الفجر؟ قال : فقال لي : بعد طلوع الفجر قلت له : إنّ أبا جعفر (عليه السلام) أمرني أن اُصلّيهما قبل طلوع الفجر فقال : يا أبا محمّد انّ الشيعة أتوا أبي مسترشدين فأفتاهم بمرّ الحقّ ، وأتوني شكاكاً فأفتيهم بالتقية .

الثالثة :ما تدلّ على أنّ وقتها بعد طلوع الفجر :

<<التالي الفهرس السابق>>