في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


الصفحة 41

كصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام)  : صلّهما بعدما يطلع الفجر .

وصحيحة يعقوب بن سالم البزاز قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام)  : صلّهما بعد الفجر ، واقرأ فيهما في الاُولى }قل يا أيّها الكافرون{ وفي الثانية }قل هو الله أحد{ .

ومرسلة إسحاق بن عمّار عمّن أخبره عنه (عليه السلام) قال : صلِّ الركعتين ما بينك وبين أن يكون الضوء حذاء رأسك فإن كان بعد ذلك فابدأ بالفجر . بناءً على أن يكون المراد بكون الضوء حذاء الرأس هو الاسفار ولكنّه ممنوع فإنّ المراد من ذلك هو الفجر الكاذب; لأنّه يطلع على شكل عمودي لا أفقي كما في الفجر الصادق .

الرابعة : ما تدلّ على التخيير في ركعتي الفجر بين الإتيان بهما قبل الفجر أو عنده أو بعده وهي روايات كثيرة جمعها في الوسائل في الباب الثاني والخمسين من أبواب المواقيت .

منها : صحيحة محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن ركعتي الفجر قال : صلّهما قبل الفجر ومع الفجر وبعد الفجر .

وهذه الطائفة الأخيرة شاهدة للجمع بين الطائفتين اللّتين قبلها بالحمل على التخيير لكونها نصّاً في ثبوت التخيير وهما ظاهرتان في تعين مفادهما من وجوب التقديم أو التأخير ، هذا مضافاً إلى أنّ الأمر في الطائفة الدالّة على التقديم غير ظاهر في الوجوب لوروده في مقام توهّم الحظر; لأنّ بناء العامّة كان على الإتيان بهما بعد الفجر وـ حينئذ ـ ربما يتوهّم من هذا البناء لزوم التأخير عنه فصارت هذه الطائفة بصدد دفع هذا التوهّم فلا دلالة لها على هذا التقدير على أزيد من مجرّد الجواز .

مع أنّ رواية أبي بصير تدلّ على أنّ الافتاء بالإتيان بهما بعد الفجر الظاهر في تعينه إنّما كان للتقية فالحكم الواقعي ـ حينئذ ـ عدم التعين وجواز الإتيان قبله

الصفحة 42

أيضاً .

وربّما يقال في وجه الجمع بأنّ المراد من الفجر في الطائفة الدالّة على وجوب التقديم هو الفجر الصادق وفي الطائفة الدالّة على وجوب التأخير هو الفجر الكاذب .

ولكن يدفعه ـ مضافاً إلى أنّه لا شاهد على هذا الجمع ـ انّ المتبادر من الفجر في كلتا الطائفتين هو الفجر الصادق; لأنّ الفجر الكاذب كما سيأتي لا عبرة به حتّى عند علماء العامّة فهذا الوجه غير تامّ .

وذكر بعض الأعلام انّ الصحيحتين الدالّتين على التأخير لا تعارضان الطائفة الدالّة على التقديم ، امّا أوّلاً فلأنّ مرجع الضمير في قوله (عليه السلام) : «صلّهما» غير مذكور فيهما ولا هو معلوم بالقرينة فلا دلالة فيهما ولا في غيرهما على أنّ المراد بهما نافلة الفجر ومن المحتمل أن يكون المراد نفس الفريضة وإيرادهما في باب النافلة لا دلالة له إلاّ على فهم من أوردهما فيه كالشيخ وغيره من أرباب الكتب .

وامّا ثانياً فلأنّه على تقدير الرجوع إلى النافلة لا تنافي بينهما وبين الطائفة الاُخرى أيضاً لصراحة صحيحة زرارة المشتملة على قوله (عليه السلام)  : «إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة» في أنّ الإتيان بركعتي الفجر قبل الفجر أفضل كما انّ الأفضل بعد الفجر هو الإتيان بالفريضة ، وعليه فتحمل الطائفة الاُخرى على الرخصة وجواز الإتيان بها بعد الفجر لعدم صراحتها في وجوب ذلك وتعينه ، غاية الأمر ظهورهما في أنّ الإتيان بالركعتين بعد الفجر هو المحبوب للشارع ولا مناص من رفع اليد عن هذا الظهور بصراحة الصحيحة المتقدّمة .

ويرد عليه أوّلاً وضوح رجوع الضمير إلى ركعتي النافلة كوضوح كون المراد من ركعتي الفجر الذي وقع السؤال عنه في كثير من الروايات من دون التقييد

الصفحة 43

بالنافلة هو ركعتي النافلة ويؤيّده تعيين قراءة سورة }قل يا أيّها الكافرون{ في الركعة الاُولى وسورة التوحيد في الثانية مع دلالة روايات متعدّدة على تعيين مثل ذلك في خصوص النافلة كقول الصادق (عليه السلام) في مرسلة الصدوق : صلِّ ركعتي الفجر قبل الفجر وعنده وبعده تقرأ في الاُولى الحمد وقل يا أيّها الكافرون وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد . مع وضوح كون وقت الفريضة بعد الفجر وعدم الحاجة إلى بيانه بخلاف وقت النافلة .

وثانياً : عدم ظهور دعوى الصراحة في إحدى الطائفتين والظهور في الاُخرى فكما انّ الروايات الدالّة على التأخير ليس لهما إلاّ ظهور في التعيّن ووجوب التأخير كذلك الطائفة الدالّة على التقديم من دون أن يكون لإحداهما مزية على الاُخرى أصلاً .

فانقدح انّه لا مناص عن الجمع بين الطائفتين بالحمل على التخيير لصراحة ما يدلّ عليه في ذلك وكونه شاهداً للجمع بلا إشكال .

نعم يقع الإشكال في تحديد القبلية وقد عرفت انّ الشهرة المحقّقة إنّما هي انّ أوّل وقتها طلوع الفجر الأوّل وقد ذكره الأصحاب في كتبهم المعدّة لنقل الفتاوى المأثورة عن العترة الطاهرة ـ صلوات الله عليهم ـ وصرّح سيّدنا العلاّمة الاستاذ البروجردي (قدس سره)بأنّ الذكر في تلك الكتب يكشف عن وجود نصّ معتبر غاية الأمر انّه لم يصل إلينا .

وكيف كان فالروايات التي بأيدينا التي تمكن استفادة التحديد منها ثلاثة :

الأوّل : رواية محمد بن مسلم المتقدّمة الواردة في الجواب عن السؤال عن أوّل وقت ركعتي الفجر الدالّة على التعيين بسدس الليل الباقي ودلالتها على مذهب المشهور تبتني على أن يكون المراد من الليل فيها هو مجموع ما بين غروب الشمس

الصفحة 44

وطلوعها ، وعليه فيكون شروع سدسه قريباً من طلوع الفجر ومنطبقاً على الفجر الأوّل ولا يبعد دعوى كون المراد ذلك ولها شواهد كثيرة ليس هنا مجال ذكرها ولعلّه يأتي التنبيه عليها في الموضع المناسب .

ثانيتها : رواية أبي بكر الحضرمي قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) فقلت : متى اُصلّي ركعتي الفجر؟ فقال : حين يعترض الفجر وهو الذي تسمّيه العرب الصديع . فإنّ تعرّضه (عليه السلام) لتفسير الفجر مع انّ الفجر الصادق لا يفتقر إلى التفسير لأجل وضوح المراد منه دليل على أنّ مراده هو الفجر الأوّل خصوصاً مع أنّ الصديع بحسب أصل اللّغة بمعنى الانشقاق وهو ينطبق على الفجر الكاذب; لأنّه على شكل عمودي وخط واقع بين الظلمة يوجب انشقاقها .

ثالثتها : رواية إسحاق بن عمّار قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الركعتين اللّتين قبل الفجر قال : قبل الفجر ومعه وبعده ، قلت : فمتى أدعهما حتّى أقضيهما؟ قال : قال : إذا قال المؤذِّن : قد قامت الصلاة . بناء على أن يكون الصادر هي كلمة «قبيل» كما في نقل الرواية في الكتب الفقهية ، وامّا بناء على كون الصادر هي كلمة «قبل» كما في الطبع الجديد من الوسائل فلا دلالة لها على التحديد ولعلّ الترجيح مع النقل الأوّل لاشتمال السؤال على قبل الفجر ولو كان الصادر في مقام الجواب أيضاً كذلك لم يكن هناك حاجة إلى التكرار فتدبّر .

هذا كلّه مع ما عرفت من ظهور كلمة «القبل» في روايات التخيير مطلقاً الشاهدة للجمع في القبل القريب فينطبق على الفجر الأوّل وإن كان كلمة «البعد» الواقعة فيها أيضاً ليس لها ظهور في البعد القريب بهذا المقدار; لأنّ البعدية في النافلة أوسع من القبلية كما لا يخفى .

المقام الثاني : في وقت نافلة الصبح من حيث الامتداد والمشهور هو امتداد

الصفحة 45

وقتها إلى أن تطلع الحمرة المشرقية ، وعن الشهيد (قدس سره)الميل إلى الامتداد إلى آخر وقت الفريضة والروايات في هذا المقام أربعة :

الاُولى : صحيحة علي بن يقطين قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل لا يصلّي الغداة حتى يسفر وتظهر الحمرة ، ولم يركع ركعتي الفجر أيركعهما أو يؤخّرهما؟ قال : يؤخّرهما ، بناءً على ظهورها في أنّ الأمر المتعلّق بركعتي الفجر قد انقطع بظهور الحمرة وإن استمراره إنّما كان إلى هذا الحدّ فحسب فلا يؤتى بهما بعده .

ويرد عليه انّه إن كان مراد المشهور من الامتداد إلى ذلك الوقت هي صيرورتهما قضاء بعد طلوع الحمرة كصيرورة الفريضة كذلك بعد طلوع الشمس فالصحيحة لا دلالة لها على ذلك; لأنّ عدم جواز مزاحمتهما مع الفريضة بعد طلوع الحمرة ولزوم تأخيرهما عنها لا دلالة له على صيرورتهما قضاء وخروج وقتهما بطلوع الحمرة ، نعم لو كان المراد من الامتداد إليه هو مزاحمتهما للفريضة قبله وعدمها بعده من دون أن تصيرا قضاءاً فالصحيحة دالّة عليه .

الثانية : رواية حسين بن أبي العلاء قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الرجل يقوم وقد نور بالغداة قال : فليصل السجدتين اللّتين قبل الغداة ثمّ ليصلِّ الغداة . والظاهر انّ التنوّر بالغداة أعمّ من ظهور الحمرة ، والرواية تدلّ على مذهب الشهيد ولا تنطبق على مرام المشهور إلاّ على تقدير كون المراد بالامتداد هي المزاحمة بضميمة تقييد إطلاقها بصحيحة علي بن يقطين المتقدّمة الدالّة على عدم جواز المزاحمة بعد طلوع الحمرة المشرقية .

الثالثة : مرسلة إسحاق بن عمّار المتقدّمة الحاكية لقوله (عليه السلام)  : صلِّ الركعتين ما بينك وبين أن يكون الضوء حذاء رأسك فإن كان بعد ذلك فابدأ بالفجر . بناء على أن يكون المراد بكون الضوء حذاء الرأس هو الفجر الكاذب كما عرفت ، ولكن

الصفحة 46

الظاهر عدم جواز الالتزام بالرواية; لأنّه مضافاً إلى ظهورها ـ حينئذ ـ في جواز الابتداء بالفريضة بعد طلوع الفجر الكاذب يكون مقتضاها انّ طلوع الفجر الكاذب آخر وقت الركعتين فتدبّر .

وعليه فلابدّ من الحمل على أنّ المراد بذلك هو تنوّر السماء وضوء العالم كلّه وإن كان يبعده تقييده بكونه حذاء رأسك .

الرابعة : رواية سليمان بن خالد قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الركعتين قبل الفجر قال : تركعهما حين تنزل (تترك) الغداة ، إنّهما قبل الغداة . قال في الوسائل بعد نقل الرواية بمثل ما ذكر : وفي رواية اُخرى  : حين تنور الغداة .

فإن كانت الرواية «حين تنور» تصير من حيث المفاد موافقة لرواية حسين بن أبي العلاء المتقدّمة ومقتضى إطلاقها الامتداد إلى بعد طلوع الحمرة أيضاً ، وامّا إذا كانت «حين تترك» يكون مفادها انّه مع عدم إرادة خصوص الفريضة والإتيان به تأتي بالركعتين ومقتضى إطلاقها أيضاً ما ذكر ، وامّا إذا كانت «حين تنزل» فإن كان المراد بالغداة النازلة هي نفس الغداة التي بمعنى الصبح فنزول الغداة مرجعه إلى تنورها وتجلّلها ، وإن كان المراد بها هي فريضة الغداة كما ربّما يؤيّده قوله (عليه السلام) في ذيل الرواية الذي هو بمنزلة التعليل : إنّهما قبل الغداة لا يعلم المراد من نزول الفريضة ولعلّ المراد منه الإتيان بها ومرجعه ـ حينئذ ـ إلى الإتيان بالنافلة حين إرادة الإتيان بالفريضة ومقتضى إطلاقها أيضاً ما ذكرنا .

وقد انقدح من جميع ما ذكرنا انّه لو كان مراد المشهور من الامتداد إلى طلوع الحمرة هو صيرورتها قضاء بعده لا يمكن المساعدة عليه من جهة الروايات الواردة في الباب ، وامّا لو كان مرادهم هي المزاحمة مع الفريضة إلى ذلك الوقت فلا مانع من الأخذ به لصحيحة علي بن يقطين الصريحة في ذلك ، بل لا مانع من دعوى امتداد

الصفحة 47

الوقت إلى مقدار ما بقى إلى الطلوع من اداء الفريضة كما أفاده الماتن ـ دام ظلّه ـ لأنّ الغرض هو أن لا يفوت وقت فضيلة الفريضة وهو يتوقّف على بقاء المقدار المذكور فتدبّر .

المسألة الرابعة : في وقت صلاة الليل ، والكلام فيه أيضاً يقع في مقامين :

المقام الأوّل : في وقتها من حيث المبدأ ، ونقول : قد استقرّت الفتاوى على أنّ أوّل وقتها هو انتصاف الليل وحكى عن بعض انّ مبدأ وقتها أوّل الليل وما يمكن أن يستدلّ أو استدلّ به على مرام المشهور وجوه :

الأوّل : الإجماع على أنّ أوّل وقتها هو الانتصاف وانّه لا يجوز تقديمها عليه إلاّ فيما ورد النصّ على الجواز فيه .

وفيه : انّ الإجماع في المسائل التي تشتمل على الأدلّة اللفظية لا أصالة له أصلاً لقوّة احتمال أن تكون تلك الأدلّة مستند المجمعين فلا اعتبار بالإجماع ـ حينئذ ـ  .

الثاني : مرسلة الصدوق قال : قال أبو جعفر (عليه السلام)  : وقت صلاة الليل ما بين نصف الليل إلى آخره .

وقد أورد على الاستدلال بها بالإرسال ولكنّه مندفع بأنّ الإرسال إن كان بنحو الاسناد إلى الرواية بمثل «روى» فلا يصلح للاستدلال وإن كان بنحو الاسناد إلى المعصوم (عليه السلام) الذي لا يكاد يجتمع إلاّ مع توثيق الوسائط والاعتماد عليهم والاطمئنان بهم فيجوز الاستناد إليه إذا كان مرسله مثل الصدوق الذي لا يقصر توثيقه عن توثيق أرباب الرجال; لأنّه لا يعتبر في التوثيق التصريح به ، بل يكفي الاعتماد الكاشف عن الوثاقة عنده فتدبّر .

الثالث : الأخبار الواردة في أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) والوصيّ (عليه السلام) لم يكونا يصلّيان صلاة الليل قبل الانتصاف وهي كثيرة مثل ما رواه فضيل عن أحدهما (عليهما السلام) انّ رسول

الصفحة 48

الله (صلى الله عليه وآله) كان يصلّي بعدما ينتصف الليل ثلاث عشرة ركعة . ورواية عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا صلّى العشاء آوى إلى فراشه ولم يصلِّ شيئاً حتّى ينتصف الليل .

ورواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : كان علي (عليه السلام) لا يصلّي من الليل شيئاً إذا صلّى العتمة حتّى ينتصف الليل ولا يصلّي من النهار شيئاً حتّى تزول الشمس .

وأورد على الاستدلال بها بأنّ هذه الروايات ليس فيها غير حكاية فعل المعصوم (عليه السلام) ولا دلالة لها على التوقيت; لأنّه من المحتمل أن يكون التزامه بصلاة الليل بعد الانتصاف مستنداً إلى أفضليتها بعده لا إلى عدم مشروعيتها وحرمتها قبله .

ويدفعه تمامية الإيراد إذا كان الحاكي غير الإمام (عليه السلام) وامّا إذا كان الحاكي هو الإمام وكان غرضه من الحكاية بيان الأحكام كما هو شأنه لأنّه في مثل هذه الموارد لا يكون إلاّ بصدد بيان الحكم لا مجرّد الحكاية ونقل الواقعة فيجوز الاستدلال بكلامه الصادر في هذا المقام ومن الظاهر ظهور كلامه في عدم المشروعية قبل الانتصاف كما إذا كان بيان الحكم بصورة الأمر بإيقاع صلاة الليل بعده أو النهي عن الإتيان بها قبله ويؤيّده ذيل رواية زرارة المشتملة على حكاية أبي جعفر عمل علي (عليهما السلام) فإنّ تأخير النافلة إلى وقت الزوال كان بنحو العزيمة لعدم جواز الإتيان بها قبله والإنصاف تمامية دلالة هذه الروايات على مرام المشهور .

الرابع : الروايات الكثيرة الدالّة على جواز تقديم صلاة الليل على الانتصاف لمثل المسافر أو الشابّ أو خائف الجنابة أو البرد أو نحوها من الأعذار التي جمعها في الوسائل في الباب الرابع والأربعين من أبواب المواقيت ومنها رواية الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إن خشيت أن لا تقوم في آخر الليل أو كانت بك علّة أو

الصفحة 49

أصابك برد فصلِّ واوتر في أوّل الليل في السفر .

ومنها : رواية سماعة بن مهران انّه سأل أبا الحسن الأوّل (عليه السلام) عن وقت صلاة الليل في السفر فقال : من حين تصلّي العتمة إلى أن ينفجر الصبح .

فإنّ صلاة الليل إذا لم تكن موقتة بما بعد الانتصاف وكانت جائزة قبله أيضاً لما كان وجه لتخصيص الجواز بخصوص المعذورين المذكورين ، بل كان اللاّزم هو التجويز بالإضافة إلى غير المعذور أيضاً لمشروعيتها في وقتها مطلقاً .

وأورد على الاستدلال بها انّه من الجائز أن يكون الإتيان بصلاة الليل جائزاً في نفسه ومرجوحاً عند الاختيار قبل الانتصاف ولا تكون مرجوحة لدى العذر فعدم الترخيص مع الاختيار مستند إلى المانع وهي الحزازة الموجودة فيه .

وجوابه واضح فإنّه ـ مضافاً إلى أنّ هذا الاحتمال لا يعتنى به عند العقلاء في مقابل الظهور ـ نقول : إنّ رواية سماعة تدلّ على مفروغية اختلاف وقت صلاة الليل في السفر معه في الحضر ولذا يكون السؤال فيها مقيّداً بقيد السفر ، وعليه فكيف يجري فيه احتمال عدم اختلاف الوقتين وثبوت الاختلاف في الحزازة وعدمها كما لايخفى .

الخامس : رواية محمد بن مسلم قال : سألته عن الرجل لا يستيقظ من آخر الليل حتّى يمضي لذلك العشر والخمس عشرة فيصلّي أوّل الليل أحبّ إليك أم يقضي؟

قال : لا ، بل يقضي أحبّ إليّ ، إنّي أكره أن يتّخذ ذلك خلقاً ، وكان زرارة يقول : كيف تقضي صلاة لم يدخل وقتها إنّما وقتها بعد نصف الليل .

وأورد عليه بأنّ محلّ الاستشهاد في الرواية إنّما هو قول زرارة دون الإمام (عليه السلام)ولم يعلم انّه ينقله عنه ولعلّه قد اجتهد في ذلك ولا اعتداد باجتهاده .

الصفحة 50

ويدفعه ـ مضافاً إلى أنّه يحتمل قويّاً أن يكون الناقل لقول زرارة هو الإمام (عليه السلام)لا محمد بن مسلم راوي الرواية ويؤيّده سياقها فتدبّر ـ ان نقل محمد بن مسلم عنه شاهد على عدم كون ذلك اجتهاداً من زرارة لوضوح عدم حجّية اجتهاده لغيره خصوصاً إذا كان مثل محمد بن مسلم فنقله عنه دليل على كونه رواية لا فتوى .

السادس : موثّقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : إنّما على أحدكم إذا انتصف الليل أن يقوم فيصلّي صلاته جملة واحدة ثلاث عشر ركعة ثمّ إن شاء جلس فدعا وإن شاء نام وإن شاء ذهب حيث شاء .

وقد استدلّ بها بعض الأعلام مدّعياً لظهور دلالتها وخلوّها عن الإيرادات المتقدّمة مع أنّه يمكن الإيراد عليها بأنّ تقييد الصلاة المأمور بها بانتصاف الليل يجوز أن يكون من جهة تقيد الفضيلة بها وإلاّ فأصل الوقت لا يتوقّف على الانتصاف كما لايخفى .

السابع : الروايات الكثيرة الدالّة على أنّ قضاء صلاة الليل بعد الفجر أفضل من تقديمها على نصف الليل والإتيان بها قبله وقد جمعها في الوسائل في الباب الخامس والأربعين من أبواب المواقيت ودلالتها على مذهب المشهور ظاهرة فإنّه إذا لم تكن صلاة الليل موقتة بما بعد النصف وكان قبله أيضاً وقتاً لها لم يكن وجه لأفضلية القضاء عن الإتيان قبل الانتصاف فإنّه لا وجه لأفضلية القضاء عن الاداء ولو لم يكن وقت الفضيلة فإنّها تنافي التوقيت وتشريع الوقت كما هو واضح .

وقد استدلّ على القول بجواز الإتيان بها اختياراً من أوّل الليل بوجوه أيضاً :

الأوّل : المطلقات الواردة في صلاة الليل الدالّة على استحبابها وانّها ثمان ركعات أو أحد عشرة أو ثلاث عشرة ركعة في الليل بتقريب انّ كلمة «الليل» الواقعة فيها مطلقة تشمل جميع أجزاء الليل من أوّله ووسطه وآخره .

الصفحة 51

والجواب انّها لا تكون بصدد بيان وقت صلاة الليل حتّى يجوز التمسّك بإطلاقها ، بل هي في مقام بيان تعدادها في رديف سائر النوافل اليومية أو مجموعها والفريضة فراجع .

الثاني : رواية حسين بن علي بن بلال قال : كتبت إليه في وقت صلاة الليل ، فكتب : عند زوال الليل وهو نصفه أفضل ، فإن فات فأوّله وآخره جائز .

والجواب : انّ الرواية ضعيفة السند بالحسين بن علي بن بلال; لعدم توثيقه بوجه ، ويمكن المناقشة في دلالتها أيضاً بعد ظهور كون السؤال عن أصل الوقت لا وقت الفريضة وبعد تعليق الجواز على الفوت عند نصف الليل الظاهر في عدمه عند غيره ، وعليه فلا يبعد أن يكون المراد بالأفضل هو أصل الوقت والمراد من الأوّل والآخر هو التقديم والتأخير الراجع إلى القضاء .

الثالث : الأخبار الدالّة على جواز تقديم صلاة الليل على نصفه عند العذر كخوف الجنابة والسفر وخوف عدم القيام ونحوها بتقريب انّ التجويز مع تلك الأعذار يلائم مع عدم التوقيت بما بعد الانتصاف فإنّها لا تنافي الإتيان بها في وقتها ، غاية الأمر الانتقال إلى الطهارة الترابية كما في الفريضة وسقوط شرط الاستقرار الذي هو شرط الكمال في النافلة لا الصحّة ويظهر ذلك من المحقّق الهمداني في المصباح .

والجواب ظهور هذه الروايات في تعدّد الوقت واختلافه ، ولا منافاة فإنّه حيث يكون صلاة الليل نافلة مخصوصة لها مزايا كثيرة أريد بذلك التوسعة بالإضافة إلى الوقت لخصوص المعذور ، غاية الأمر التوسّع في العذر وتعميم موارده فلا يستفاد منها وحدة الوقت أصلاً .

الرابع : موثقة سماعة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا بأس بصلاة الليل فيما بين أوّله

الصفحة 52

إلى آخره إلاّ انّ أفضل ذلك بعد انتصاف الليل .

الخامس : صحيحة محمد بن عيسى قال : كتبت إليه أسأله يا سيّدي روي عن جدّك انّه قال : لا بأس بأن يصلّي الرجل صلاة الليل في أوّل الليل فكتب : في أيّ وقت صلّى فهو جائز إن شاء الله .

وهاتان الروايتان تامّتان من حيث السند والدلالة والجمع بينهما وبين الروايات المتقدّمة الدالّة على أنّ أوّل وقتها هو انتصاف الليل بعد ثبوت الإطلاق لكلتيهما من جهة ثبوت العذر وعدمه هو حملهما على صورة العذر وحملها على حال الاختيار والشاهد للجمع هو الأخبار الدالّة على جواز التقديم على الانتصاف في موارد العذر الظاهرة في اختصاص المعذورين بوقت خاص وثبوت تعدّد الوقت واختلافه فلا تعارض في البين كما لا يخفى .

المقام الثاني : في منتهى وقت صلاة الليل والمعروف بل المتسالم عليه بينهم هو امتداد وقت صلاة الليل إلى طلوع الفجر الصادق ، وفي مقابله احتمالان :

أحدهما : الامتداد إلى طلوع الشمس ومنشأه استدامة الليل إليه وإطلاق صلاة الليل عليها ، والآخر الامتداد إلى طلوع الفجر الكاذب ونسب ذلك إلى السيّد المرتضى (قدس سره) .

امّا الاحتمال الثاني فيرده رواية إسماعيل بن جابر أو عبدالله بن سنان قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام)  : إنّي أقوم آخر الليل وأخاف الصبح ، قال : اقرأ الحمد واعجل واعجل .

ورواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يقوم من آخر الليل وهو يخشى أن يفجأه الصبح يبدأ بالوتر ، أو يصلّي الصلاة على وجهها حتّى يكون الوتر آخر ذلك؟ قال : بل يبدأ بالوتر وقال : أنا كنت فاعلاً ذلك .

الصفحة 53

ورواية معاوية بن وهب قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : أما يرضى أحدكم أن يقوم قبل الصبح ويوتر ويصلّي ركعتي الفجر ويكتب له بصلاة الليل . ولكن دلالة هذه الروايات الثلاثة على خلاف ما نسب إلى السيّد إنّما تتمّ على تقدير أن يكون مراده هو امتداد مجموع إحدى عشرة ركعة إليه فينقضي وقتها بطلوعه وإن لم يطلع الفجر الصادق بعد لصراحتها في جواز الوتر وعدم انقضاء وقته قبل الصبح ، نعم يمكن أن يكون مراده هو امتداد خصوص ثمان ركعات التي عبّر عنها بصلاة الليل في روايات متعدّدة فيجوز الإتيان بالشفع والوتر بعد الفجر الأوّل ، وعلى هذا التقدير يدفعه روايات الامتداد إلى الفجر الثاني الظاهرة في امتدادها بتمامها إليه ، ويمكن أن يستفاد من رواية إسماعيل أو عبدالله المتقدّمة خلافه نظراً إلى إطلاق : اقرأ الحمد الشامل لجميع الركعات وعدم الاختصاص بالوتر فتدبّر .

وامّا الاحتمال الأوّل فيدفعه صحيحة جميل بن دراج قال : سألت أبا الحسن الأوّل (عليه السلام) عن قضاء صلاة الليل بعد الفجر إلى طلوع الشمس فقال : نعم ، وبعد العصر إلى الليل فهو من سرّ آل محمّد المخزون .

ومرسلة الصدوق قال : قال الصادق (عليه السلام)  : قضاء صلاة الليل بعد الغداة وبعد العصر من سرّ آل محمّد المخزون . وغيرهما من الروايات الدالّة على تحقّق عنوان القضاء بطلوع الفجر .

بقي الكلام في هذه المسألة في أمرين :

الأوّل : ذكروا انّ الإتيان بصلاة الليل في السحر أفضل وأفضل منه آخر الليل الذي هو القريب من الفجر ويستفاد من قوله تعالى : }وبالأسحار هم

الصفحة 54

يستغفرون{(1) ثبوت مزية لهذه القطعة المسمّاة بالسحر وقد اختلف في تفسيره فالمشهور بين الناس تفسيره بالثلث الباقي من الليل وربّما يفسّر بأضيق من ذلك وقد فسّر في اللغة بقبل الفجر أو قبيله أو سدى الليل ونحوها ولابدّ من ملاحظة الروايات الواردة ليظهر أصل الحكم ولعلّه يظهر المراد من السحر أيضاً ، فنقول : الروايات الواردة في هذا الباب مختلفة من حيث العنوان المأخوذ فيها فبعضها يشتمل على عنوان السحر كرواية أبي بصير الواردة فيما يستحبّ أن لا يقصر عنه من التطوّع المشتملة على قول أبي عبدالله (عليه السلام)  : ومن (في) السحر ثمان ركعات ، ثمّ يوتر والوتر ثلاث ركعات مفصولة ، ثمّ ركعتان قبل صلاة الفجر ، وأحبّ صلاة الليل إليهم آخر الليل .

ويستفاد من هذه الرواية بعد حمل السحر على وقت الفضيلة لا أصل الوقت بقرينة الروايات المتقدّمة الدالّة على أنّ أوّل وقتها بعد انتصاف الليل ووضح عدم كون السحر تمام النصف الباقي من الليل مغايرة عنوان السحر لعنوان آخر الليل وانّه أفضل من السحر كما لا يخفى  .

ورواية فضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) في كتابه إلى المأمون المشتملة على قوله (عليه السلام) : وثمان ركعات في السحر . . .  .

ورواية الأعمش عن جعفر بن محمّد (عليهما السلام) المشتملة على قوله (عليه السلام)  : وثمان ركعات في السحر وهي صلاة الليل . . .

وبعضها يشتمل على عنوان الثلث كرواية رجاء بن الضحاك الحاكية لفعل الرضا (عليه السلام) المشتملة على قوله : فإذا كان الثلث الأخير من الليل قام من فراشه


(1) سورة الذاريات  : 18  .

الصفحة 55

بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفار فاستاك ثم (و) توضّأ ثمّ قام إلى صلاة الليل فيصلّي ثمان ركعات ويسلِّم . . .

ورواية إسماعيل بن سعد الأشعري قال : سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن ساعات الوتر ، قال : أحبّها إليّ الفجر الأوّل ، وسألته عن أفضل ساعات الليل قال : الثلث الباقي . فإنّ المراد من أفضل ساعات الليل امّا الأفضلية بلحاظ خصوص صلاة الليل ، وامّا الأفضلية بلحاظ جميع العبادات التي منها صلاة الليل قطعاً بقرينة عدم ثبوت خصوصية مخرجة ومسبوقية السؤال من ساعة الوتر فتدبّر .

وبعضها يدلّ على عنوان آخر الليل كرواية مرازم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت له : متى اُصلّي صلاة الليل؟ قال : صلّها في آخر الليل . ورواية سليمان بن خالد المشتملة على قول أبي عبدالله (عليه السلام)  : وثمان ركعات من آخر الليل يقرأ في صلاة الليل بقل هو الله أحد وقل يا أيّها الكافرون في الركعتين الاُوليين . . .

والجمع بين هذه الروايات إنّما هو بحمل ما ورد فيه عنوان السحر على أنّ المراد به هو الثلث الباقي بقرينة ما تدلّ عليه فيكو وقت الفضيلة هو الثلث وحمل ما دلّ على آخر الليل على أنّه أفضل أجزاء السحر بالإضافة إليها والشاهد هي رواية أبي بصير الظاهرة في مغايرة عنوان السحر وآخر الليل بمعنى كون الثاني أضيق من الأوّل ، ويؤيّده انّ السؤال في رواية مرازم ليس عن وقت صلاة الليل مطلقاً بل عن الوقت الذي يصلّي الراوي في ذلك الوقت والجواب أيضاً قد ورد بنحو الخطاب وعليه فيرتفع البعد عن أن يكون المراد أفضل الأوقات ، كما أنّ رواية ابن خالد بلحاظ اشتمالها على بيان خصوصية السورة في صلاة الليل تكون ناظرة إلى الوقت الأفضل ، وعلى ما ذكرنا فالجمع يصير في كمال الوضوح ولا حاجة إلى ملاحظة

الصفحة 56

أمر آخر في أصل الحكم أو في تفسير السحر فتدبّر .

الأمر الثاني : قد ورد في جملة من الروايات انّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان يفرق بين ركعات صلاة الليل فقد روى الحلبي ـ في الصحيح أو الحسن ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال : إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان إذا صلّى العشاء الآخرة أمر بوضوئه وسواكه فوضع عند رأسه مخمراً فيرقد ما شاء الله ثمّ يقوم فيستاك ويتوضّأ ويصلّي أربع ركعات ثمّ يرقد ثمّ يقوم فيستاك ويتوضّأ ويصلّي أربع ركعات ، ثمّ يرقد حتّى إذا كان في وجه الصبح قام فأوتر ثمّ صلّى الركعتين ثمّ قال : لقد كان لكم في رسول الله (صلى الله عليه وآله) أسوة حسنة ، قلت : متى كان يقوم؟ قال : بعد ثلث الليل . قال الكليني : وفي حديث آخر : بعد نصف الليل .

ومن المعلوم انّ الرواية بلحاظ اشتمالها على قوله (عليه السلام)  : لقد كان لكم . . . تنفي احتمال اختصاص هذه الكيفية بالنبي (صلى الله عليه وآله) ولا مانع من الالتزام بذلك بمعنى انّ أفضل الكيفيات هو التفريق بالنحو المذكور في الرواية ولا ينافي ذلك ما ذكرنا من أنّ وقت فضيلتها هو السحر وأفضل منه هو آخر الليل الذي هو القريب من الفجر فإنّ ذلك إنّما هو في مورد الجمع بين الركعات بمعنى انّه إذا أراد الجمع والإتيان بها دفعة واحدة فالترتيب في الفضيلة ما ذكر ، وامّا إذا أراد التفريق فالترتيب إنّما هو بالنحو المذكور في الرواية وهو بهذا النحو أفضل من الجمع مع رعاية الفضيلة بمراتبها كما لايخفى .

الصفحة 57

مسألة 2 ـ الأقوى ثبوت صلاة الغفيلة وليست من الرواتب وهي ركعتان بين صلاة المغرب وسقوط الشفق الغربي على الأقوى ، يقرأ في الاُولى بعد الحمد : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) وفي الثانية بعد الحمد : ( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَة إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّة فِي ظُلُمَاتِ الاَْرْضِ وَلاَ رَطْب وَلاَ يَابِس إِلاَّ فِي كِتَاب مُبِين) فإذا فرغ رفع يديه وقال : «اللّهمّ إنّي أسألك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلاّ أنت أن تصلّي على محمّد وآل محمّد وأن تفعل بي كذا وكذا» فيدعو بما أراد ثمّ قال : «اللّهمّ أنت ولي نعمتي والقادر على طلبتي تعلم حاجتي فأسألك بحقّ محمّد وآل محمّد عليه وعليهم السلام لما قضيتها لي» وسأل الله حاجته أعطاه الله عزّوجلّ ما سأله إن شاء الله 1 .

1 ـ الكلام في صلاة الغفيلة يقع في جهات :

الجهة الاُولى : في أصل ثبوتها ومشروعيتها بهذه الكيفية المعروفة المذكورة في المتن وعمدة الدليل عليها ما رواه الشيخ في المصباح عن هشام بن سالم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : من صلّى العشاءين ركعتين يقرأ في الاُولى الحمد وذا النون إذا ذهب مغاضباً إلى قوله : وكذلك ننجي المؤمنين ، وفي الثانية الحمد وقوله : وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلاّ هو إلى آخر الآية فإذا فرغ من القراءة رفع يديه وقال : اللهمّ إنّي أسألك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلاّ أنت أن تصلّي على محمّد وآل محمّد وأن تفعل بي كذا وكذا اللهمّ أنت وليّ نعمتي والقادر على طلبتي تعلم حاجتي فأسألك بحقّ محمّد وآله لما قضيتها لي وسأل الله حاجته أعطاه الله ما سأل .

ورواه السيّد رضي الدين علي بن طاووس في كتاب فلاح السائل عن علي بن

الصفحة 58

يوسف عن أحمد بن سليمان الزراري عن أبي جعفر الحسني محمد بن الحسين الأشتري عن عباد بن يعقوب عن علي بن الحكم عن هشام بن سالم عن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام) نحوه وزاد في ذيله : فإنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال : لا تتركوا ركعتي الغفيلة وهما بين العشائين . والنقل عن النبي (صلى الله عليه وآله) يحتمل أن يكون صادراً من السيّد ويحتمل أن يكون من كلام الإمام (عليه السلام) والأظهر هو الثاني .

وأورد بعض الأعلام على رواية الشيخ (قدس سره)بأن أحد طريقي الشيخ إلى أصل هشام بن سالم وكتابه وإن كان صحيحاً وقابلاً للاعتماد عليه إلاّ انّه لم يعلم انّ هذه الرواية كانت موجودة في أصل هشام وكتابه بل ولم يظهر انّه رواها مسندة ولم يصل إلينا سندها أو رواها مرسلة من الابتداء ، نعم لو كان نقل الرواية في تهذيبه أو استبصاره لحكمنا بأنّها كانت موجودة فيه لأنّه ذكر في المشيخة انّه يروي فيهما عن أصل المبدو به في السند .

ويمكن دفعه ـ مضافاً إلى اعتماد المشهور على هذه الرواية استنادهم إليها الجابر لضعفهما على تقديره وإلى قاعدة التسامح في أدلّة السنن بناء على إثباتها للاستحباب الشرعي ـ بأنّه مع وجود الطريق الصحيح إلى أصل هشام وكتابه كما في الفهرست وعدم إشعار في نقل الشيخ بكون الرواية منقولة عن لفظه دون أصله وعدم إشعار بإرسال الرواية هل يكون الاحتمال المذكور في كلام هذا البعض مورداً لاعتناء العقلاء وترتيب الأثر عليه خصوصاً مع الاقتصار على الرواية عن أصل المبدو به في السند في كتابي التهذيب والاستبصار المعدّين للاستنباط والوصول إلى الأحكام الإلهية وعدم كون كتاب المصباح معدّاً إلاّ لبيان المستحبّات والآداب فالإنصاف تمامية الرواية سنداً كتماميتها من حيث الدلالة ، وعليه فلا يبقى خدشة في مشروعية صلاة الغفيلة بالكيفية المعروفة .

الصفحة 59

الجهة الثانية : روى الصدوق في جملة من كتبه ـ مرسلة في بعضها بالإرسال المعتبر ومسندة في أكثرها ـ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ انّه قال : تنفلوا في ساعة الغفلة ولو بركعتين خفيفتين فإنّهما تورثان دار الكرامة . قال : وفي خبر آخر دار السلام وهي الجنّة ، وساعة الغفلة ما بين المغرب والعشاء الآخرة . وذيل الحديث في الثواب والمعاني هكذا : قيل : يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما ساعة الغفلة؟ قال : ما بين المغرب والعشاء . وعليه فينتفي احتمال كون الذيل في غيرهما من الصدوق نفسه كما لايخفى .

وفي كتاب فلاح السائل بعد نقل رواية الصدوق زاد : قيل : يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)وما معنى خفيفتين؟ قال : تقرأ فيهما الحمد وحدها . والمستفاد من هذه الروايات استحباب عنوان التنفّل في ساعة الغفلة التي هي ما بين المغرب والعشاء الآخرة ولا يعتبر فيه كيفية خاصّة وكم مخصوص ، بل يتحقّق بركعتين فاقدتين للسورة أيضاً ، وعليه يقع الكلام في اتحادها مع صلاة الغفيلة التي تضمّنتها رواية هشام المتقدّمة وعدمه ، بمعنى انّه هل يكون هنا استحبابان تعلّق أحدهما بعنوان التنفل في ساعة الغفلة والآخر بالصلاة بالكيفية المعروفة أو انّه لا يكون في البين إلاّ تكليف استحبابي واحد ، غاية الأمر انّ الإتيان بها بتلك الكيفية أفضل ، والظاهر هو التعدّد وإن جاز التداخل في مقام الامتثال; لأنّ الرواية الدالّة على مطلوبية مطلق التنفل في ساعة الغفلة إنّما تدلّ على أنّ المطلوب هو عدم خلو هذا الزمان الذي هو زمان الغفلة من التنفل الذي يكون حقيقته التوجّه إلى المعبود والتخضّع والتخشّع لديه ، فالمطلوب فيه أمر عام ينطبق على القليل والكثير ولا دلالة لها على كيفية مخصوصة والرواية الاُخرى تدلّ على استحباب ركعتين بالكيفية الخاصّة وهو عنوان آخر يغاير العنوان المأخوذ في تلك الروايات من حيث المفهوم ولكن لا يأبى من الاجتماع معه في الخارج ومقام الامتثال فالعنوانان في عالم تعلّق الحكم متغايران

الصفحة 60

وفي عالم الامتثال يمكن تصادقهما على أمر واحد فإذا قصد كليهما يتحقّق امتثالان وإذا أتى بالركعتين بغير تلك الكيفية لا تتحقّق صلاة الغفيلة كما انّه إن أتى بها بدون قصد امتثال الأمر المتعلّق بالتنفل ساعة الغفلة لا يتحقّق امتثال أمره وإن كان يمكن أن يقال بأنّ المقصود من الأمر المتعلّق به هو أن لا يكون ذلك الوقت خالياً من التوجّه إلى الله من دون أن يكون للمأمور به عنوان خاص مستقلّ فلا حاجة في امتثاله إلى قصد متعلّقه ، بل الظاهر هو ذلك وعليه فلا يتوقّف على قصد عنوان التنفل في ساعة الغفلة ، بل يتحقّق الامتثالان معاً بقصد صلاة الغفيلة .

الجهة الثالثة : في اتحاد صلاة الغفيلة مع نافلة المغرب وعدمه ونقول :

ربما يقال بالاتحاد وان الرواية المتضمّنة لصلاة الغفيلة ناظرة إلى أدلّة نافلة المغرب والمقصود من قوله (عليه السلام) في هذه الرواية : من صلّى بين العشائين ركعتين . . . هو الركعتان من أربع ركعات المعروفة بنافلة المغرب فكأنّه قال : من صلّى الركعتين من نافلة المغرب بهذه الكيفية يترتّب عليها أثر مخصوص وهو قضاء حاجته وإعطاء الله إيّاه ما سأل ويترتّب على ذلك عدم جواز الاقتصار على الغفيلة ولزوم الإتيان بركعتين آخرتين قبلها أو بعدها بناء على ما ذكرنا سابقاً من عدم تعدّد النوافل المركّبة وترتّب الأثر على مجموعها ، كما انّه يترتّب على ذلك عدم جواز الإتيان بالغفيلة بعد الإتيان بنافلة المغرب بأجمعها .

والذي يقرب هذا القول أمران :

أحدهما : انّه ليس في الروايات المتعرّضة لتعداد النوافل اليومية من التعرّض لصلاة الغفيلة عين ولا أثر لاسيما ما يدلّ على انّ مجموع عددها بضميمة الفرائض لا يتجاوز عن إحدى وخمسين ركعة وما ورد منها حكاية لعمل النبي أو الوصي ـ صلوات الله وسلامه عليهما ـ حيث لا إشعار فيها بثبوت صلاة الغفيلة والإتيان بها

<<التالي الفهرس السابق>>