الصفحة 181
البيان والعام يصلح لأن يكون بياناً وإن شئت قلت : إنّ هنا إطلاقين : أحدهما : الإطلاق المذكور ، والثاني : إطلاق قوله : شيئاً ولا ترجيح للأوّل على الثاني كما لايخفى .
وامّا الجواب الثالث : فهو صحيح بعد انّه لا مفهوم للقضية الشرطية أصلاً كما قد قرّر في محلّه .
ومنها : رواية أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث انّ الصلاة إذا ارتفعت في وقتها رجعت إلى صاحبها وهي بيضاء مشرقة ما تقول : حفظتني حفظك الله ، وإذا ارتفعت في غير وقتها بغير حدودها رجعت إلى صاحبها وهي سوداء مظلمة تقول : ضيّعتني ضيّعك الله . والرواية على نسخة الكافي ـ على ما حكى ـ مشتملة على لفظ «أوّل» فهي هكذا إذا ارتفعت في أوّل وقتها . وعلى هذه النسخة لا يجوز الاستدلال بها لوضوح عدم وجوب الإتيان بالصلاة في أوّل وقتها ولا قائل بوجوب إيقاعها في أوّل الوقت الأوّل ولا يلتزم به حتّى صاحب الحدائق .
نعم على نسخة غيره قابلة للاستدلال بها لو لم يكن الارتفاع في غير الوقت مقيّداً بغير الحدود ، وامّا مع هذا التقييد كما في الرواية يكون مفادها انّ رجوعها إلى صاحبها سوداء مظلمة إذا أتى بها في غير الوقت الأوّل فيما إذا كانت حدودها غير مرعية ولم يهتمّ بشأنها وهذا خارج عمّا هو محلّ الكلام .
ومنها : بعض الروايات الاُخر الذي يظهر الاستدلال به والجواب عنه ممّا ذكرنا في هذه الروايات ولا نطيل بإيراده على التفصيل . إذا عرفت ما ذكرنا من أنّ اختلاف الوقتين إنّما هو بالفضيلة والاجزاء دون الاختيارية والاضطرارية يقع الكلام في أوقات الفضيلة في ضمن مسائل :
المسألة الاُولى : في وقت فضيلة الظهرين ، والكلام فيه تارة من حيث المبدأ
الصفحة 182
واُخرى من حيث المنتهى .
امّا من حيث المبدأ فالمعروف بين الأصحاب (رض) انّ مبدأ وقت الفضيلة لصلاة الظهر هو الزوال إلى أن يبلغ الظلّ الحادث بعد الانعدام أو بعد الانتهاء مثل الشاخص ووقت فضيلة العصر من المثل إلى المثلين ونفى السيّد في العروة البُعد عن أن يكون مبدأ وقت فضيلة صلاة العصر أيضاً هو الزوال ومنتهاه هو المثلان .
ويمكن الاستدلال لكون مبدأ وقت الفضيلة في صلاة الظهر هو الزوال بالأخبار الكثيرة المتقدّمة الدالّة على أنّه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين بضميمة الأخبار الدالّة على فضيلة أوّل الوقت وانّه رضوان الله عليه وإن فضّله على آخر الوقت كفضل الآخرة على الدنيا وأشباه ذلك من التعبيرات الواردة في الروايات .
كمكا انّه يدلّ على ما ذكره المشهور موثقة معاوية بن وهب المتقدّمة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : أتى جبرئيل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمواقيت الصلاة فأتاه حين زالت الشمس فأمره فصلّى الظهر ثمّ أتاه حين زاد الظلّ قامة فأمره فصلّى العصر . . . ثمّ أتاه من الغد حين زاد في الظلّ قامة فأمره فصلّى الظهر ثمّ أتاه حين زاد في الظلّ قامتان فأمره فصلّى العصر . . . ثمّ قال : ما بينهما وقت . لدلالتها على أنّ ما بين الزوال وصيرورة الظلّ قامة وقت لصلاة الظهر كما انّ ما بين القامة والقامتين وقت للعصر وقد مرّ انّ المراد من الوقت الأوّل هو وقت الفضيلة .
وقد ذكر بعض الأعلام انّ الأخبار الواردة في المقام على طوائف ثلاث :
الاُولى : ما دلّ على أنّ مبدأ وقت الفضيلة لصلاة الظهر بلوغ الظلّ قدماً بعد الزوال ولصلاة العصر قدمين وهي جملة من الأخبار :
منها : صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن وقت الظهر فقال : بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلاّ في يوم الجمعة أو في السفر فإنّ وقتها
الصفحة 183
حين تزول .
ومنها : موثقة سعيد الأعرج عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن وقت الظهر أهو إذا زالت الشمس؟ فقال : بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلاّ في السفر أو يوم الجمعة فإنّ وقتها إذا زالت .
ومنها : موثقة ذريح المحاربي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سُئل أبا عبدالله اناس وأنا حاضر . . . فقال بعض القوم : انّا نصلّي الاُولى إذا كانت على قدمين ، والعصر على أربعة أقدام فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : النصف من ذلك أحبّ إليّ . والنصف منهما هو القدم والقدمان .
أقول : لم يظهر لي وجه دلالة هذه الطائفة على كون مبدأ وقت الفضيلة بلوغ الظلّ قدماً أو قدمين فإنّ ظاهرها انّ ذلك مبدأ وقت الاجزاء لظهور الوقت فيه أولاً فهذه الطائفة لا دلالة لها في نفسها على ذلك لظهورها في كون ذلك وقت الاجزاء ، نعم لو لوحظت مع الروايات الكثيرة المتقدّمة الدالّة على أن مبدأ وقت الاجزاء هو الزوال لأمكن حمل هذه الطائفة على بيان وقت الفضيلة ولكنّه لا شاهد لهذا الحمل لإمكان حملها على كون التأخير إنّما هو لرعاية النافلة ومكانها كما وقع التصريح بذلك في بعض روايات الطائفة الآتية وليس التأخير لأجل ذلك ملازماً لعدم كون أوّل الوقت وقت الفضيلة حتى بالإضافة إلى من يأتي بالنافلة فإنّ الترك في أوّل الوقت يمكن أن يكون لأجل مزاحمة ما هو أهمّ وأفضل . وكيف كان فلم تظهر دلالة هذه الطائفة على كون ما ذكر فيها مبدأ لوقت الفضيلة .
الطائفة الثانية : ما دلّت على أنّ وقت الفضيلة لصلاة الظهر ما إذا بلغ الظلّ قدمين ولصلاة العصر ما إذا بلغ أربعة أقدام وقد يعبّر عنهما بالذراع والذراعين وذكر انّ الأخبار في ذلك كثيرة ولا يبعد دعوى تواترها إجمالاً مضافاً إلى اشتمالها على جملة
الصفحة 184
من الصحاح والأخبار المعتبرة :
منها : صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم وبكير وبريد بن معاوية العجلي عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) انّهما قالا : وقت الظهر بعد الزوال قدمان ووقت العصر بعد ذلك قدمان . ورواه الشيخ عن الفضيل والجماعة المذكورين مثله ، وزاد : وهذا أوّل وقت إلى أن تمضي أربعة أقدام للعصر .
ومنها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سألته عن وقت الظهر فقال : ذراع من زوال الشمس ووقت العصر ذراعان من وقت الظهر فذاك أربعة أقدام من زوال الشمس ثمّ قال : إنّ حائط مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان قامة وكان إذا مضى منه ذراع صلّى الظهر وإذا مضى منه ذراعان صلّى العصر . . . .
ومنها : صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : كان حائط مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل أن يظلّل قامة وكان إذا كان ألفي ذراعاً وهو قدر مربض عنز صلّى الظهر فإذا كان ضعف ذلك صلّى العصر .
ومنها : صحيحة إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا كان الفيء في الجدار ذراعاً صلّى الظهر وإذا كان ذراعين صلّى العصر قلت : الجداران تختلف منها قصير ومنها طويل ، قال : إنّ جدار مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يومئذ قامة وإنّما جعل الذراع والذراعان لئلاّ يكون تطوّع في وقت فريضة .
أقول : اشتمال رواية زرارة على تعليل التأخير إلى الذراع بمكان النافلة ورعايتها ظاهر في أنّ الذراع والذراعين لا يكونان مبدئين لوقت الفضيلة وإلاّ لكان المناسب التعليل بذلك خصوصاً مع اشتمال كثير من روايات هذه الطائفة على حكاية عمل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وانّه كان يؤخِّر إلى الوقتين فإنّه لو كان الوقتان مبدئين للفضيلة ولا يكون وجه لبيان انّ النكتة فيه رعاية النافلة ولحاظ المتنفلين المشتغلين بالنافلة
الصفحة 185
بعد الزوال كما لايخفى فهذه الطائفة أيضاً لا دلالة لها على خلاف ما عليه المشهور أصلاً .
الطائفة الثالثة : ما استدلّ به على مذهب المشهور وهي أيضاً عدّة روايات :
منها : رواية يزيد بن خليفة قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إنّ عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت ، فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : لا يكذب علينا ، قلت : ذكر انّك قلت : إنّ أوّل صلاة افترضها الله على نبيّه الظهر وهو قول الله عزّوجلّ : }أقم الصلاة لدلوك الشمس{ فإذا زالت الشمس لم يمنعك إلاّ سبحتك ثمّ لا تزال في وقت إلى أن يصير الظلّ قامة وهو آخر الوقت فإذا صار الظلّ قامة دخل وقت العصر فلم تزل في وقت العصر حتّى يصير الظلّ قامتين وذلك المساء ، قال : صدق . وناقش فيها بضعف السند لعدم توثيق يزيد بن خليفة .
ومنها : رواية محمد بن حكيم قال : سمعت العبد الصالح (عليه السلام) وهو يقول : إنّ أوّل وقت الظهر زوال الشمس وآخر وقتها قامة من الزوال وأوّل وقت العصر قامة وآخر وقتها قامتان ، قلت : في الشتاء والصيف سواء؟ قال : نعم . وناقش فيها أيضاً بعض السند لعدم توثيق محمد بن حكيم .
ومنها : صحيحة أحمد بن عمر عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : سألته عن وقت الظهر والعصر فقال : وقت الظهر إذا زاغت الشمس إلى أن يذهب الظلّ قامة ووقت العصر قامة ونصف إلى قامتين وناقش فيها من حيث الدلالة لعدم إمكان إرادة انّ وقت الفضيلة أو الوقت الأوّل إنّما هو بعد القامة إلى قامة ونصف إلى قامتين لأنّه ممّا لا قائل به فلا مناص من أن تكون ناظرة إلى بيان منتهى وقت الفضيلة أو الوقت الأوّل وانّه ينتهي إلى قامة ونصف من الزوال إلى قامتين حسب اختلافهما في الفضيلة وبذلك تسقط عن الدلالة على مذهب المشهور .
الصفحة 186
ومنها : صحيحة ابن أبي نصر البزنطي قال : سألته عن وقت صلاة الظهر والعصر فكتب قامة للظهر وقامة للعصر . وقد ذكر انّ دلالتها على مذهب المشهور تبتني على أن تكون الرواية ناظرة إلى بيان المبدأ والمنتهى معاً بأن يراد منها انّ مبدأ وقت فضيلة الظهر أوّل الزوال ومنتهاه قامة ووقت فضيلة صلاة العصر من القامة الاُولى إلى الثانية ، ومن البعيد كون الصحيحة ناظرة إلى ذلك لبعد أن يكون مثل ابن أبي نصر البزنطي جاهلاً بأوّل وقت الفضيلة وغير عالم بمبدئه والظاهر انّ سؤاله إنّما هو عن منتهى الوقتين والمبدأ بحسب ما ارتكز في ذهنه هو أوّل الزوال وعليه فلا يمكن الاستدلال بها للمشهور لأنّهم ذهبوا إلى أنّ مبدأ وقت فضيلة العصر بعد القامة الاُولى لا الزوال .
أقول : وهذا الكلام عجيب جدّاًامّا أوّلاً فلأنّه كيف يكون جهل مثل ابن أبي نصر بأوّل وقت الفضيلة بعيداً ولا يكون جهله بآخره كذلك ، وامّا ثانياً فلأنّه كيف ارتكز في ذهنه انّ مبدأ وقتي الفضيلة هو الزوال مع أنّه خلاف ما عليه المشهور وخلاف ما يقول به أنتم أيضاً وهل ارتكز في ذهنه ما ليس بواقع ومن الممكن أن يكون المرتكز في ذهنه انّ مبدأ وقت فضيلة الظهر الزوال والعصر القامة ، نعم لا دليل على إثبات هذا الارتكاز كما لا يخفى .
ومنها : موثقة زرارة قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن وقت صلاة الظهر في القيظ (اشتداد الحرارة) فلم يجبني فلمّا إن كان بعد ذلك قال لعمر بن سعيد بن هلال انّ زرارة سألني عن وقت صلاة الظهر في القيظ فلم أخبره فخرجت (فحرجت) من ذلك فاقرأه منّي السلام وقل له : إذا كان ظلّك مثلك فصلِّ الظهر وإذا كان ظلّك مثليك فصلِّ العصر .
وذكر انّه لا يمكن أن يستدلّ بها للمشهور; لأنّها إنّما تدلّ على أنّ مبدأ وقت
الصفحة 187
فضيلة الظهر بلوغ الظلّ مثل الشاخص والعصر بلوغه مثلين والمشهور قائلون بأنّهما منتهى وقت الفضيلة للصلاتين فلابدّ من حملها على معنى آخر هو التوسعة في الوقت لمراعاة التبريد عند اشتداد الحرارة .
ومنها : رواية المجالس وقد ورد فيها : أتاني جبرئيل (عليه السلام) فأراني وقت الظهر (الصلاة) حين زالت الشمس فكانت على حاجبه الأيمن ثمّ أراني وقت العصر وكان ظلّ كلّ شيء مثله . قال : وهي ضعيفة السند لاشتماله على عدّة من المجاهيل .
ثمّ ذكر انّه لم تبق رواية للمشهور إلاّ رواية واحدة وهي رواية معاوية بن وهب المتقدّمة وهي لا تصلح بها; لأنّه بعد دلالة جملة كثيرة من الروايات فيها صحاح ، بل لايبعد دعوى تواترها الإجمالي على خلاف مفادها وانّ مبدأ وقت الفضيلة هو القدم أو القدمان فلا محالة تكون الموثقة من الروايات الشاذّة النادرة والمخالفة للسنّة القطعية والأخبار المشهورة الواضحة فلا مناص من طرحها مع أنّها موافقة للعامّة أيضاً فأوّل وقت الفضيلة هو القدم والقدمان في الظهر أو القدمان أو أربعة أقدام في العصر حسب الاختلاف في الفضيلة .
أقول : قد عرفت انّ الطائفتين الأوّليين لا دلالة لهما على مبدأ وقت الفضيلة وإنّ التحديد الواقع فيهما إنّما هو بلحاظ النافلة ومكانها فلا يتحقّق التعارض بينهما وبين الموثقة حتّى تكون من الروايات الشاذّة النادرة; لدلالتها على مبدأ وقت الفضيلة دونهما مع أنّ الضعف في جملة من روايات الطائفة الأخيرة مجبور بالشهرة واستناد المشهور مع أنّ أوّل المرجّحات على تقدير ثبوت التعارض هي الشهرة الفتوائية المطابقة مع الموثقة ، اذن فلا محيص عن الأخذ بها خصوصاً مع موافقتها للآيات الآمرة بالاستباق إلى الخيرات والمسارعة إلى مغفرة من الربّ لوضوح انّ الصلاة من أعظم الخيرات وأهمّ أسباب المغفرة ومع موافقتها للروايات الدالّة على أنّ أوّل
الصفحة 188
الوقت أفضل والأخبار الآمرة بالتعجيل في الإتيان بالنوافل والتخفيف ما استطاع المكلّف .
ويؤيّد عدم كون التحديد الواقع في الطائفتين الاوليين ناظراً إلى بيان مبدأ وقت الفضيلة صحيحة محمد بن أحمد بن يحيى : إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين وبين يديها سبحة وهي ثماني ركعات فإن شئت طوّلت وإن شئت قصّرت .
وفي موثقة ذريح المحاربي : إذا زالت الشمس فهو وقت لا يحبسك منه إلاّ سبحتك تطيلها أو تقصرها .
وقد انقدح ممّا ذكرنا انّ مبدأ وقت الفضيلة في صلاة الظهر هو الزوال ولا فرق فيه بين المتنفل وغيره ، غاية الأمر انّ النافلة تزاحم الفريضة إلى أن يبلغ الظلّ الذراع من دون أن يكون أصل الفضيلة منتفياً وكان التأخير مستحبّاً في نفسه وغير المتنفل يكون وقت الفضيلة له بعد الزوال أيضاً بلا مزاحم .
نعم يمكن الاستشهاد لاستحباب التأخير مطلقاً كما حكى عن الفيض في الوافي وصاحب المنتقى بروايات :
منها : رواية زرارة قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أصوم فلا أقيل حتّى تزول الشمس فإذا زالت الشمس صلّيت نوافلي ثمّ صلّيت الظهر ثمّ صلّيت نوافلي ثمّ صلّيت العصر ثمّ نمت وذلك قبل أن يصلّي الناس فقال : يا زرارة إذا زالت الشمس فقد دخل الوقت ولكنّي أكره لك أن تتخذه وقتاً دائماً .
ولكن الظاهر انّ الكراهة ليس لأجل استحباب التأخير ، بل لأجل انّ اتخاذه وقتاً دائماً موجب لمعروفية زرارة بذلك وهو ينافي مقام التقية ويؤيّده تخصيص الكراهة بزرارة بقوله : أكره لك ، فالرواية لا دلالة لها على استحباب التأخير ذاتاً .
الصفحة 189
ومنها : ما في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) انّه قال في كتاب كتبه إلى أمراء البلاد : امّا بعد فصلّوا بالناس الظهر حتّى تفيء الشمس مثل مربض العنز . . . .
ولكن الظاهر انّ الأمر بذلك إنّما هو لملاحظة حال الناس من جهة التهيؤ للصلاة بعد الزوال والاشتغال بالنافلة أحياناً ودرك فضيلة الجماعة ولا دلالة له على استحباب التأخير من حيث هو فالأمر بذلك إنّما هو لملاحظة ما هو أهمّ من حيث الفضيلة من فضيلة أوّل الوقت وهي النافلة أحياناً والجماعة كما لا يخفى .
ومنها : مكاتبة محمد بن الفرج قال : كتبت أسأله عن أوقات الصلاة فأجاب : إذا الت الشمس فصلِّ سبحتك وأحبّ أن يكون فراغك من الفريضة والشمس على قدمين . . .
ودلالتها ظاهرة ولكنّها مكاتبة أولاً ومضمرة ثانياً .
ومنها : موثقة عبيد بن زرارة قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن أفضل وقت الظهر ، قال : ذراع بعد الزوال قال : قلت : في الشتاء والصيف سواء؟ قال : نعم .
هذا ولكن الظاهر انّها لا تصلح لمعارضة ما تقدّم ممّا يدلّ على أنّ أوّل الوقت أفضل من حيث هو وانّه لا خصوصية للذراع إلاّ من جهة مزاحمة النافلة للفريضة إلى هذا الحدّ فانظر إلى مثل رواية الحارث بن المغيرة وعمر بن حنظلة ومنصور بن حازم جميعاً قالوا : كنّا نقيس الشمس بالمدينة بالذراع فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : ألا اُنبئكم بأبين من هذا إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر إلاّ أن بين يديها سبحة وذلك إليك إن شئت طوّلت وإن شئت قصّرت . وفي طريق آخر : ذلك إليك فإن أنت خفّفت سبحتك فحين تفرغ من سبحتك وإن طوّلت فحين تفرغ من سبحتك .
وبملاحظتها لا يبقى ارتياب في أنّه لا موضوعية للذراع وانّ الملاك هو الإتيان بالنافلة والاشتغال بالفريضة بعده فالتأخير لا فضيلة فيه من حيث هو أصلاً ، هذا
الصفحة 190
كلّه في أوّل وقت فضيلة الظهر .
وامّا مبدأ وقت فضيلة العصر فقد عرفت انّ المشهور انّه هو المثل وعمدة الدليل عليه موثقة معاوية بن وهب المتقدّمة الواردة في إتيان جبرئيل بمواقيت الصلاة المشتملة على قوله (صلى الله عليه وآله) ثمّ أتاه حين زاد الظلّ قامة فأمره فصلّى العصر . . ، ثمّ أتاه حين زاد في الظلّ قامتان فأمره فصلّى العصر . . . ثمّ قال : ما بينهما وقت . فإنّ ظهورها في أنّ مبدأ الوقت ـ الذي عرفت انّ المراد به هو وقت الفضيلة ـ هي زيادة الظلّ قامة ممّا لا ينبغي أن ينكر .
والظاهر انّه لا يمكن موافقة المشهور في هذه الجهة; لدلالة روايات متكثّرة ـ قد مرّ بعضها ـ على أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يصلّي العصر إذا مضى من الظلّ ذراعان كما انّه يصلّي الظهر إذا مضى منه ذراع وتأخير الظهر إلى الذراع قد عرفت وجهه امّا تعجيل العصر قبل المثل إذا كان مبدأ وقت الفضيلة فلا يمكن توجيهه بشيء أصلاً مع أنّها ظاهرة في استمرار عمل النبي على ذلك وهل يمكن الالتزام باستمرار عمله على ترك فضيلة وقت العصر والإتيان بصلاتها قبل المثل وليس ذلك إلاّ لأجل عدم كون المثل مبدأ وقت الفضيلة .
هذا مضافاً إلى الروايات الدالّة على الإتيان بها بعد نافلة الظهر وفريضتها ونافلة العصر بلا فصل ومن الواضح ظهورها في أنّ الإتيان بها بعدها موجب لوقوعها في وقت الفضيلة ومن هنا يظهر انّ مبدأ وقتها ليس هو الذراعين أيضاً ، بل هو مشترك مع الظهر في هذه الجهة ، غاية الأمر انّه بعد مقدار اداء الظهر كما عرفت ولا ينافيه تأخير النبي (صلى الله عليه وآله) إلى الذراعين; لأنّ وجه التأخير ما عرفت من مكان النافلة ومزاحمتها فلابدّ من حمل موثقة معاوية على اختلاف مرتبتي الفضيلة وإنّ مرتبتها الكاملة من الزوال والناقصة من المثل فتدبّر . هذا كلّه من حيث المبدأ .
الصفحة 191
وامّا من حيث المنتهى فالموثقة ظاهرة في امتداد الظهر إلى المثل والعصر إلى المثلين وكذا صحيحة البزنطي المتقدّمة الدالّة على أنّ الوقت قامة للظهر وقامة للعصر وكذا بعض الروايات الاُخر .
نعم قد يتوهّم انّ منتهى فضيلة صلاة العصر ثمانية أقدام أي قامة وسبع قامة ويستدلّ عليه بصحيحة الفضلاء المتقدّمة عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) على نقل الشيخ انّهما قالا : وقت الظهر بعد الزوال قدمان ووقت العصر بعد ذلك قدمان وهذا أوّل وقت إلى أن تمضي أربعة أقدام للعصر . نظراً إلى أنّ المشار إليه بقوله : وهذا أوّل . . . هو أربعة أقدام فيصير المعنى انّ أربعة أقدام من الزوال أوّل وقت العصر ويمتدّ ذلك إلى أن تمضي أربعة أقدام أيضاً فيصير المجموع ثمانية أقدام .
ولكن الظاهر انّ الجملة الأخيرة تأكيد للجملة الثانية والمشار إليه بقوله : وهذا هو القدمان الذي هو آخر وقت نافلة الظهر من جهة المزاحمة للفريضة فالمراد انّ مزاحمة نافلة العصر تمتدّ إلى أن تمضي أربعة أقدام للعصر وبعد مضيّهما وحصول الذراعين ترتفع المزاحمة فالمراد بأربعة أقدام هي أربعة أقدام من الزوال كما في القدمين وعلى ما ذكرنا فلا معارض للروايات الدالّة على مذهب المشهور من حيث المنتهى أصلاً .
المسألة الثانية : في وقت فضيلة العشائين والكلام فيها تارة في المغرب واُخرى في العشاء .
امّا المغرب فوقت فضيلتها من المغرب إلى ذهاب الشفق وهي الحمرة المغربية ويدلّ عليه مضافاً إلى بعض الروايات الآتية في العشاء ما عرفت من أنّ الجمع بين الطوائف المختلفة من الروايات الواردة في أصل وقت فريضة المغرب يقتضي حمل ما يدلّ منها على أنّ آخر الوقت سقوط الشفق على أنّه آخر وقت الفضيلة بناء على ما
الصفحة 192
مرّ تحقيقه من كون اختلاف الوقتين بالفضيلة والاجزاء ، وامّا مبدأ وقت الفضيلة فهو الغروب لما يدلّ على أنّ أوّل الوقت أفضله وعلى ما ذكرنا فلا حاجة إلى دليل خاصّ لبيان وقت الفضيلة أوّلاً وآخراً .
وامّا العشاء فوقت فضيلتها من ذهاب الشفق إلى ثلث الليل ولابدّ في إثبات ذلك من وجود دليل خاص لأنّك عرفت انّ الروايات الواردة فيها الدالّة على دخول وقتها بذهاب الشفق وإن كان يمكن حملها على بيان أوّل وقت الفضيلة إلاّ انّ اشتمالها على بعض الخصوصيات يوجب حملها على التقية مع أنّها خالية عن التعرّض لبيان المنتهى وعليه فالدليل على ذلك جملة من الروايات :
منها : موثقة ذريح عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : أتى جبرئيل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأعلمه مواقيت الصلاة فقال : صلِّ الفجر حين ينشق الفجر وصلِّ الاُولى إذا زالت الشمس وصلِّ العصر بعيدها وصلِّ المغرب إذا سقط القرص وصلِّ العتمة إذا غاب الشفق ، ثمّ أتاه من الغد فقال : اسفر بالفجر فأسفر ثمّ أخّر الظهر حين كان الوقت الذي صلّى فيه العصر وصلّى العصر بعيدها وصلّى المغرب قبل سقوط الشفق وصلّى العتمة حين ذهب ثلث الليل ، ثمّ قال : ما بين هذين الوقتين وقت .
ورواية زرارة قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يصلّي من النهار شيئاً حتّى تزول الشمس فإذا زالت قدر نصف اصبع صلّى ثماني ركعات . . . وصلّى المغرب حتّى تغيب الشمس (وفي محكي الحدائق : حين تغيب الشمس وهو الظاهر) فإذا غاب الشفق دخل وقت العشاء ، وآخر وقت المغرب إياب الشفق فإذا آب الشفق دخل وقت العشاء وآخر وقت العشاء ثلث الليل . . .
هذا ولكنّه ورد في جملة من الروايات ما يظهر منه انّ الأفضل الأولى أن تؤخّر العشاء إلى ثلث الليل منها :
الصفحة 193
موثقة ذريح عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث : انّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : لولا اني أكره أن أشقّ على اُمّتي لأخّرتها يعني العتمة إلى ثلث الليل .
ورواية أبي بصير عن أبي جعفر (أبي عبدالله) (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لولا انّي أخاف أن أشقّ على اُمّتي لأخّرت العشاء إلى ثلث الليل وأنت في رخصة إلى نصف الليل وهو غسق الليل . . .
ورواية اُخرى لأبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لولا نوم الصبي وغلبة (علّة) الضعيف لأخّرت العتمة إلى ثلث الليل .
وهنا رواية ثالثة له تدلّ على النصف وهي ما رواه عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لولا أن أشقّ على اُمّتي لأخّرت العشاء إلى نصف الليل .
ولكن الظاهر عدم تعدّد رواية أبي بصير عن إمام واحد ، غاية الأمر انّ التعدّد إنّما هو بلحاظ من روى عنه ، وعليه فيتردّد ما رواه عن أبي جعفر (عليه السلام) بناء على كون روايته الاُولى عنه بين أن يكون الصادر عنه (عليه السلام) هو الثلث أو النصف ولا مجال لاعمال قواعد باب التعارض في مثله .
وكيف كان فقد ذكر بعض الأعلام بعد زعم المعارضة بين هذه الطائفة وبين ما تقدّم ممّا يدلّ على أنّ الأفضل تقديم العشاء الآخرة على الثلث انّ الجواب عن ذلك انّ غاية ما تقتضيه هذه الطائفة انّ المقتضى للتأخير إلى الثلث موجود في صلاة العشاء ولكنّها لم تؤخّر لمانع وهو خوف استلزامه المشقّة على الأمّة لأنّه ليس المراد من قوله (صلى الله عليه وآله) : لأخّرت العتمة ، هو تأخيره (صلى الله عليه وآله) عملاً صلاة نفسه ، بل المراد هو الأمر بالتأخير فعدم الأمر به إنّما هو لابتلائه بالمانع وقد أمر بالإتيان بها مقدّمة على الثلث لمراعاة تلك المصلحة .
أقول : الظاهر انّ هذه الطائفة لا دلالة لها على التأخير عن الثلث فإنّ التأخير
الصفحة 194
إلى الثلث يغاير التأخير عن الثلث ومفاد العبارة الاُولى هو التأخير إلى زمان قريب من الثلث ويشهد له مضافاً إلى ظهور نفس العبارة فيما ذكرنا انّ ما دلّ على التأخير إلى النصف هل يمكن أن يتوهّم كون مفاده هو التأخير عن النصف مع أنّ التعبير فيه وفي الثلث واحد فغاية مفاد هذه الطائفة انّ آخر وقت فضيلة العشاء أفضل من أوّل وقت فضيلتها وهذا لا ينافيه شيء من الروايات حتّى ما يدلّ على أنّ أوّل الوقت أفضل لأنّه قد خصّص بالعشاء جزماً لأنّ مبدأ وقت فضيلتها هو سقوط الشفق وهو يغاير أوّل وقت الاجزاء الذي هو بعد مضي مقدار ثلاث ركعات من الغروب .
المسألة الثالثة : في وقت فضيلة الفجر ، والمشهور بين الأصحاب (رض) انّ وقت فضيلة الصبح من طلوع الفجر إلى حدوث الحمرة في المشرق وقد أورد عليهم بأنّه ليس من حدوث الحمرة وظهورها في الروايات التي بأيدينا عين ولا أثر فإنّ العناوين الواردة فيها وإن كانت متعدّدة إلاّ انّه ليس حدوث الحمرة منها فإنّ منها :
عنوان الأسفار الوارد في موثقة ذريح المتقدّمة في المسألة السابقة حيث قال فيها : أسفر بالفجر فأسفر .
ومنها : عنوان التنوير الوارد في موثقة معاوية بن وهب المشتملة على نزول جبرئيل على النبي واعلامه بالوقت أيضاً الوارد فيها قوله : ثمّ أتاه حين نور الصبح فأمره فصلّى الصبح .
ومنها : عنوان الإضاءة الوارد في رواية يزيد بن خليفة عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال : وقت الفجر حين يبدو حتى يضيء .
ومنها : عنوان التجلّل الوارد في روايتين صحيحتين :
الصفحة 195
الاُولى : صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : وقت الفجر حين ينشق الفجر إلى أن يتجلّل الصبح السماء . . .
الثانية : صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لكلّ صلاة وقتان وأوّل الوقتين أفضلهما ووقت صلاة الفجر حين ينشق الفجر إلى أن يتجلّل الصبح السماء . . . بعد حملهما على كون المراد آخر وقت الفضيلة كما مرّ في بحث وقت الاجزاء وليس عنوان ظهور الحمرة مذكوراً في رواية أصلاً والظاهر عدم التلازم بينه وبين العناوين المتقدّمة التي يكون المراد منها أمراً واحداً لأنّ الحمرة تبدو متأخّرة عن التجلّل وغيره من العناوين فكيف جعل المشهور آخر وقت الفضيلة هو حدوث الحمرة المشرقية؟!
وقد ذكر سيّدنا العلاّمة الاستاذ (قدس سره) انّ الشهرة تكشف عن وجود نصّ دالّ على ذلك ، غاية الأمر انّه لم يصل إلينا إذ ليست الروايات الواصلة إلينا مجموع الروايات الصادرة عنهم المنقولة في الجوامع والكتب كما هو ظاهر .
هذا ويظهر من رواية انّ ظهور الحمرة مساوق للأسفار وانّهما متحقّقان في زمان واحد وهي صحيحة علي بن يقطين قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل لا يصلّي الغداة حتّى يسفر وتظهر الحمرة ولم يركع ركعتي الفجر أيركعهما أو يؤخّرهما؟ قال : يؤخّرهما . فإنّ الظاهر كون العطف في كلام السائل عطف بيان وتفسير لا بمعنى اتحاد المفهومين وكون الاسفار معناه ظهور الحمرة ، بل بمعنى عدم الفصل الزماني بينهما والدليل عليه مضافاً إلى ظهوره فيه في نفسه انّه على تقدير ثبوت الفصل وتأخّر ظهور الحمرة عن الأسفار يكون ذكر الأسفار لغواً لا يترتّب عليه فائدة أصلاً; لأنّ الملاك هو ظهور الحمرة وهو متأخّر عن الاسفار دائماً فلا وجه لذكر الاسفار .
الصفحة 196
ولكنّه أورد عليها بعض الأعلام باشعارها بأنّ السائل قد ارتكز في ذهنه انّ تقدّم النافلة على الفريضة إنّما هو فيما إذا أتى بها قبل ظهور الحمرة والإمام قرّره على هذا ، وعليه فتدلّ الصحيحة على جواز الإتيان بالنافلة قبل فريضة الفجر إلى ظهور الحمرة ومعنى ذلك جواز التنفل والتطوّع في وقت فضيلة الفريضة وجواز تقديمها عليها عند المزاحمة وهذا ممّا لا يمكن الالتزام به; لأنّ المستفاد من الروايات الواردة في الظهرين ونافلتهما عدم جواز الإتيان بالنوافل المرتّبة في وقت الفريضة وقد ورد في بعضها : أتدري لِمَ جعل الذراع والذراعان؟ قلت : لِمَ جعل ذلك؟ قال : لمكان النافلة ولك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع فإذا بلغ فيئك ذراعاً من الزوال بدأت بالفريضة وتركت النافلة .
ويدفعه وضوح تحقّق المزاحمة في وقت الفضيلة حتّى في الظهرين; لأنّ مبدأ وقت الفضيلة فيهما هو الزوال وكذا مضي مقدار اداء الظهر وإن اُريد المزاحمة في آخر وقت الفضيلة فمع عدم إشعار الرواية بها نقول لا مانع منها أيضاً ، غاية الأمر دوران الأمر بين درك فضيلة النافلة ودرك فضيلة الوقت ولا دليل على تعين الثاني والرواية المذكورة لا يستفاد منها هذه الجهة أصلاً فتدبّر .
الصفحة 197
مسألة 7 ـ المراد باختصاص الوقت عدم صحّة الشريكة فيه مع عدم اداء صاحبتها بوجه صحيح فلا مانع من إتيان غير الشريكة فيه كصلاة القضاء من ذلك اليوم أو غيره ، وكذا لا مانع من إتيان الشريكة فيه إذا حصل فراغ الذمة من صاحبة الوقت فإذا قدم العصر سهواً على الظهر وبقى من الوقت مقدار أربع ركعات يصحّ إتيان الظهر في ذلك الوقت اداء ، وكذا لو صلّى الظهر قبل الزوال بظنّ دخول الوقت فدخل الوقت قبل تمامها لا مانع من إتيان العصر بعد الفراغ منها ولا يجب التأخير إلى مضي مقدار أربع ركعات ، بل لو وقع تمام العصر في وقت الظهر صحّ على الأقوى كما لو اعتقد إتيان الظهر فصلّى العصر ثمّ تبيّن عدم إتيانه وإنّ تمام العصر وقع في الوقت المختصّ بالظهر لكن لا يترك الاحتياط فيما لم يدرك جزءاً من الوقت المشترك 1 .
1 ـ قد تقدّم البحث في هذه المسألة في ذيل البحث عن وقت فريضة الظهرين في المسألة السادسة المتقدّمة وظهر انّ الفروع المذكورة فيها يكون حكمها مطابقاً لما في المتن إلاّ الفرع الأخير وهو ما لو وقع تمام العصر في وقت الظهر فإنّ الظاهر فيه البطلان كما مرّ وسيأتي البحث عنه أيضاً في ضمن المسألة الثامنة فانتظر .
الصفحة 198
مسألة 8 ـ لو قدّم العصر على الظهر أو العشاء على المغرب عمداً بطل ما قدّمه سواء كان في الوقت المختص أو المشترك ، ولو قدّم سهواً وتذكّر بعد الفراغ صحّ ما قدّمه ويأتي بالاُولى بعده ، وإن تذكّر في الأثناء عدل بنيّته إلى السابقة إلاّ إذا لم يبق محلّ العدول كما إذا قدّم العشاء وتذكّر بعد الدخول في ركوع الرابعة ، والأحوط ـ حينئذ ـ الإتمام ثمّ الإتيان بالمغرب ثمّ العشاء بل بطلان العشاء لا يخلو من قوّة 1 .
2 ـ في هذه المسألة فروع :
الأوّل : ما إذا قدّم العصر على الظهر عمداً والعشاء على المغرب كذلك والحكم فيه البطلان من دون فرق بين أن يكون الوقت المختصّ أو المشترك لأنّه مقتضى اعتبار الترتيب في الصلاة اللاّحقة الذي يدلّ عليه مضافاً إلى وضوحه وعدم الخلاف فيه كثير من الأخبار الواردة في العدول التي سيأتي نقلها وإن كان ظاهرهم انّ عمدة الدليل على الترتيب قوله (عليه السلام) : إلاّ انّ هذه قبل هذه وقد مرّ الإشكال في دلالة هذا القول على اعتبار الترتيب فراجع ، وكيف كان فمقتضى اشتراط الترتيب انّ التقديم العمدي يوجب البطلان .
الثاني : ما إذا قدّم العصر على الظهر أو العشاء على المغرب سهواً وتذكّر بعد الفراغ وهو قد يكون في الوقت المشترك وقد يكون في الوقت المختصّ .
امّا التقديم كذلك في الوقت المشترك فلا إشكال في صحّة ما أتى به; لأنّ اعتبار الترتيب يختص بحال الذكر ولا يوجب الإخلال به سهواً بطلان الصلاة وذلك لاقتضاء حديث لا تعاد الصحّة في غير الاُمور الخمسة المستثناة فيه مضافاً إلى الأخبار الخاصّة الدالّة على ذلك ، فأصل صحّة المأتي به ممّا لا إشكال فيه إنّما الإشكال في أنّه هل يكون صحيحاً بالعنوان الذي وقع عليه وهي العصرية ، وعليه
الصفحة 199
فلابدّ من الإتيان بالصلاة اللاحقة بعنوان انّها صلاة الظهر أو انّه يكون اختصاص هذا الإشكال بالظهرين وعدم جريانه في العشائين لأنّه مضافاً إلى ورود الدليل في خصوص الظهرين لا يمكن ذلك في العشائين; لأنّه لا يعقل احتساب العشاء الذي هو أربع ركعات بعنوان صلاة المغرب .
ومنشأ الإشكال في وجود روايتين :
إحداهما : صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) الطويلة المشتملة على قوله (عليه السلام) : إذا نسيت الظهر حتّى صلّيت العصر فذكرتها وأنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الاُولى ثمّ صلِّ العصر فإنّما هي أربع مكان أربع .
ثانيتهما : رواية الحلبي المضمرة قال : سألته عن رجل نسى أن يصلّي الاُولى حتّى صلّى العصر قال : فليجعل صلاته التي صلّى الاُولى ثمّ ليستأنف العصر . . .
هذا ولكن إعراض المشهور عن الروايتين والفتوى بخلافهما مع كونهما بمرئى ومسمع منهم خصوصاً مع الفتوى على طبق سائر فقرات الرواية الاُولى ، بل هذه الفقرة بالإضافة إلى التذكّر في الأثناء يوجب الوهن فيهما ويسقطهما عن الحجّية كما قد حقّق في محلّه .
وامّا التقديم كذلك في الوقت المختصّ بحيث وقع تمام الصلاة اللاحقة في الوقت المختص بالسابقة .
وبعبارة اُخرى صار جميع أجزاء الوقت المختص بها ظرفاً لتمام اللاحقة أو بعضها فالظاهر انّه يوجب البطلان بناء على ما ذكرنا في معنى اختصاص الوقت من أنّ مرجعه إلى بطلان الشريكة إذا وقعت فيه مع عدم اداء صاحبتها كما هو المفروض من عدم الإتيان بالسابقة بعد ، نعم بناء على القول برجوع الاختصاص إلى اعتبار الترتيب وانّه لا معنى للاختصاص غيره فاللاّزم الحكم بالصحّة لاقتضاء حديث
الصفحة 200
لا تعاد اختصاص شرطية الترتيب بحال الذكر ولكن قد عرفت بطلان هذا المعنى فراجع .
الثالث : الصورة المفروضة مع كون التذكّر في الأثناء وفيه صور فإنّه تارة يكون التذكّر في أثناء اللاحقة مع عدم التمكّن من العدول لتجاوزه عن محلّه ، واُخرى يكون مع التمكّن منه وعلى كلا التقديرين تارة يكون في الوقت الاختصاصي واُخرى في الوقت المشترك .
الصورة الاُولى : ما إذا تذكّر في أثناء اللاّحقة في الوقت المشترك مع التمكّن من العدول كما في العصر بالإضافة إلى الظهر وفي العشاء بالنسبة إلى المغرب فيما إذا لم يدخل في ركوع الركعة الرابعة والمعروف في هذه الصورة لزوم العدول إلى السابقة وإتمام ما بيده ظهراً أو مغرباً ثمّ استئناف اللاّحقة عصراً أو عشاء .
وتدلّ عليه روايات عمدتها صحيحة زرارة المتقدّمة المشتملة على قوله (عليه السلام) : إذا نسيت الظهر حتّى صلّيت العصر فذكرتها وأنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الاُولى ثمّ صلِّ العصر فإنّما هي أربع مكان أربع وإن ذكرت انّك لم تصلِّ الاُولى وأنت في صلاة العصر وقد صلّيت منهار كعتين فانوها الاُولى ثمّ صلِّ الركعتين الباقيتين وقم فصلِّ العصر . . . فإن كنت قد صلّيت العشاء الآخرة ونسيت المغرب فقم فصلِّ المغرب وإن كنت ذكرتها وقد صلّيت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثمّ سلّم ثمّ قم فصلِّ العشاء الآخرة . . .
ومقتضى الصحيحة انّه لا فرق في ذلك بين الظهرين وبين العشائين كما قد وقع التصريح به فيها ، ولكن ورد التفصيل بينهما في رواية حسن بن زياد الصيقل قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل نسى الاُولى حتّى صلّى ركعتين من العصر قال : فليجعلها الاُولى وليستأنف العصر ، قلت : فإنّه نسى المغرب حتّى صلّى ركعتين من
|