الصفحة 401
ويرد عليه وضوح انّ الحكم بحرمة التصرّف في مال الغير بغير رضاه ممّا أجمع عليه جميع الأديان والملل ولا حاجة في إثباته إلى مثل التوقيع والموثقة مع انّه قد وقع الخلط بين الحكم الواقعي والحكم الظاهري فانّه تارة يبحث عن حرمة التصرّف في مال الغير واقعاً ، ومن الواضح ثبوتها بنحو العموم ولا يكون دليلها منحصراً بمثل الروايتين واُخرى يبحث عن الاكتفاء بالظنّ في مقام الإحراز بمعنى انّه لا حاجة في مقام إحراز الرضا الواقعي إلى العلم بثبوته بل يكفي فيه الظنّ ، ومن المعلوم انّ ما ذكر لا يصلح لإثبات جعل الظنّ مطلقاً حجّة في هذا المقام .
ثمّ إنّ الرضا إن أحرز بنحو العلم القطعي أو الاطمئنان الذي يعامل معه معاملة العلم بنظر العرف وإن لم يكن علماً عقلا فلا إشكال في الاكتفاء به وإن أحرز بغيره فسيأتي الكلام فيه .
كما انّ ظاهر أخذ الرضا في الدليل هو اعتبار الرضا الفعلي المتوقّف على التوجّه والالتفات إلى المرضى ، وامّا الرضا التقديري فإن كان لأجل عدم الالتفات ومرجعه إلى ثبوته على تقدير تحقّقه ولازمه عدم الكراهة أيضاً لأجل ما ذكر من عدم الالتفات فإنّ الكراهة كالرضا في هذه الجهة فظاهر الأصحاب الاكتفاء به في هذه الصورة والتسالم عليه ولعلّ وجهه عدم منافاته لسلطنة المالك بوجه فإنّ المفروض تحقّق رضاه على تقدير الالتفات وانّ عدم تحقّقه لأجل عدمه .
وإن كان لأجل الجهل الواقع ومثله من الاُمور الموجبة لعدم تحقّق الرضا فعلا مع تحقّق الالتفات فالظاهر عدم الاكتفاء به وذلك لوجود الكراهة فعلا ومجرّد الرضا على تقدير زوال جهله وعلمه بالواقع لا يوجب تحقّقه بوجه وهذا كما في المعاملات المتوقّفة على الرضا فإنّه لو فرض إكراهه على بيع داره مع كون البيع مصلحة للمكره ـ بالفتح ـ بحيث لو توجّه إليها لرضى به لا يوجب ذلك صحّة
الصفحة 402
المعاملة لوجود الرضا على تقدير العلم كما لا يخفى .
ثمّ إنّه مع عدم إحراز الرضا بالعلم أو الاطمئنان; بل بالظنّ نقول : إن كان منشأه هو الإذن الصريح كأن يقول : أذنت لك بالتصرّف في داري بالصلاة فالظاهر الاكتفاء به ، لأنّ ظواهر الألفاظ معتبرة عند العقلاء والظنّ الحاصل منها حجّة عندهم .
وإن كان منشأه هو الفحوى كأن يأذن في التصرّف بالقيام والقعود والنوم والأكل فبالصلاة يكون راضياً بالأولى فالظاهر عدم حجّيته; لأنّ الظنّ بالرضا بالصلاة لا يكون مستنداً إلى اللفظ لأنّ المفروض اختصاص مفاده بمثل القيام والقعود ونحوهما والأولوية لا تستدعي إيقاعها في مفاد اللفظ والظنّ المعتبر إنّما هو ما يكون مستنداً إلى اللفظ ومرتبطاً بمدلوله ، نعم ربّما يكون ذكر القيام ونحوه في الكلام على سبيل المثال والمقصود إفادة مطلق التصرّفات المشابهة وما يكون أولى من المذكور فإنّه ـ حينئذ ـ تقع الصلاة كالمذكور والمفروض غير هذه الصورة وفيه لا دليل على اعتبار الظنّ بعد عدم كونه مدلولا للكلام ولو عرفاً وعدم دخوله في إحدى الدلالات الثلاثة اللفظية ـ المطابقة والتضمّن والالتزام ـ لتوقّف الثالثة على كون اللزوم بيّناً بالمعنى الأخصّ كما قرّر في محلّه .
وإن كان منشأه هو شاهد الحال والقرائن غير اللفظية فالظاهر عدم اعتباره أيضاً; لعدم استناده إلى اللفظ ولا دليل على حجّية الظنّ غير المستند إليه إلاّ أن يكون الفعل كاللفظ ممّا جرى بناء العقلاء على الاعتماد عليه كما إذا فتح باب داره لإقامة العزاء فيه مثلا مع وجود أمارات اُخرى عليه ـ كما هو المعمول في زماننا هذا ـ في بلادنا فإنّه لا يبعد جواز الاعتماد على الظنّ الحاصل من ذلك لبناء العقلاء على الاعتماد عليه كالاعتماد على اللفظ .
الصفحة 403
مسألة 6 ـ يجوز الصلاة في الأراضي المتّسعة كالصحاري والمزارع والبساتين التي لم يبن عليها الحيطان ، بل وسائر التصرّفات اليسيرة ممّا جرت عليه السيرة كالاستطراقات العادية غير المضرّة والجلوس والنوم فيها وغير ذلك ، ولا يجب التفحّص عن ملاكها من غير فرق بين كونهم كاملين أو قاصرين كالصغار والمجانين ، نعم مع ظهور الكراهة والمنع عن ملاكها ولو بوضع ما يمنع المارة عن الدخول فيها يشكل جميع ما ذكر وأشباهها فيها إلاّ في الأراضي المتّسعة جدّاً كالصحاري التي من مرافق القرى وتوابعها العرفية ومراتع دوابها ومواشيها فإنّه لا يبعد فيها الجواز حتّى مع ظهور الكراهة والمنع 1 .
1 ـ الوجه في جواز الصلاة في الأراضي المتّسعة بل مطلق التصرّفات اليسيرة ممّا هو مذكور في المتن وشبهه هي السيرة القطعية العملية من المتشرّعة المتّصلة بزمان المعصوم (عليه السلام) لا أدلّة نفي الحرج والضرر لأنّ دليل نفي الضرر ـ على ما هو التحقيق ـ راجع إلى مقام الحكومة والسلطنة لا التشريع ، ودليل نفي الحرج واقع في مقام الامتنان وهو لا يجري فيما إذا لزم من جريانه خلاف الامتنان في حق الغير مضافاً إلى دورانه مدار الحرج الشخصي مع أنّ المدّعى كلّي فالدليل المنحصر هي السيرة المذكورة .
ثمّ إنّ الظاهر اختصاص السيرة بما إذا لم يكن هناك أمارة دالّة على ظهور الكراهة والمنع من المالك كبناء الحيطان ووضع ما يمنع المارّة عن الدخول فيها ، نعم في الأراضي المتّسعة جدّاً مثل ما ذكر في المتن الظاهر ثبوت الجواز حتّى مع المنع وظهور الكراهة فإنّه لم يعهد الترك مع ظهورها بل جرت سيرة المتشرّعة على التصرّفات المذكورة في تلك الأراضي مع الوصف المذكور أيضاً فاللاّزم في المقام ملاحظة السيرة وتشخيص موارد ثبوتها عن غيرها كما لا يخفى .
الصفحة 404
مسألة 7 ـ المراد بالمكان الذي تبطل الصلاة بغصبه ما استقرّ عليه المصلّي ولو بوسائط على إشكال فيه ، وما شغله من الفضاء في قيامه وركوعه وسجوده ونحوها فقد يجتمعان كالصلاة في الأرض المغصوبة ، وقد يفترقان كالجناح المباح الخارج إلى فضاء غير مباح وكالفرش المغصوب المطروح على أرض غير مغصوبة 1 .
1 ـ المكان تارة يستعمل في مقام اعتبار الطهارة واُخرى في مقام اعتبار الإباحة كما انّه ربّما يستعمل في مسألة اشتراط عدم تقدّم المرأة على الرجل في الصلاة وعدم محاذاتها له وفي مسألة اشتراط عدم التقدّم على قبر المعصوم أو مساواته له .
امّا من يستعمل في مقام اعتبار الطهارة فالمراد به امّا خصوص موضع الجبهة أو مطلق محلّ قرار المصلّي وهو سطحه الظاهر ، كما انّه سيأتي ما هو المراد بالأخيرين ، وامّا ما يستعمل في مقام اعتبار الإباحة الذي هو محلّ البحث في المقام فالمراد به ـ كما عن جامع المقاصد ـ الفراغ الذي يشغله بدن المصلّي أو يستقرّ عليه بوسائط .
وعن الإيضاح انّه في نظر الفقهاء ما يستقرّ عليه المصلّي ولو بوسائط وما يلاقي بدونه وثوبه وما يتخلّل بين مواضع الملاقاة من موضع الصلاة كما يلاقي بدنه ويحاذي بطنه وصدره وقد أورد على كلّ من التعريفين ببعض الإيرادات ولكن التحقيق انّ لفظ «المكان» لم يقع في لسان دليل معتبر ، بل هو مذكور في معقد الإجماع على اشتراط الإباحة الذي قد عرفت انّه هو الدليل على الاشتراط لا الدليل العقلي من ناحية اجتماع الأمر والنهي ، وعليه فاللاّزم ملاحظة انّ مراد المجمعين منه ماذا والظاهر بلحاظ وقوع الاستناد إلى الدليل العقلي المذكور في كلمات جماعة منهم انّ مرادهم ما يكون التصرّف فيه متّحداً مع الصلاة ولو بلحاظ بعض أجزائها ، وعليه فلا إشكال في البطلان فيما إذا كان ما استقرّ عليه المصلّي
الصفحة 405
غصباً ، نعم إذا كان هناك وسائط فالظاهر انّ الموارد مختلفة فتارة يتحقّق التصرّف مع وجودها كما إذا صلّى على فرش مغصوب مع الاستقرار عليه بواسطة فرش أو فرشين أو أكثر فإنّه هناك يتحقّق صدق التصرّف في المغصوب فإنّ التصرّف في السقف غير التصرّف في الجدار وإن كان لا يثبت بدونه وكما إذا كان في ذيل الجدار بعض الأجزاء المغصوب فإنّ الصلاة فوق الجدار لا يكون تصرّفاً في ذلك البعض عرفاً هذا بالنسبة إلى الاستقرار .
وامّا بالإضافة إلى الفراغ والقضاء الذي يشغله المصلّي في قيامه وركوعه وسجوده ونحوها فالبحث فيها يتوقّف على تحقّق عنوان الغصب فيه وهو يتوقّف على ثبوت الملكية بالنسبة إليه وقد ذكر فيه أقوال ثلاثة :
أحدها : انّ كلّ من يملك أرضاً فهو مالك لفضائها إلى عنان السماء ولقرارها إلى تخوم الأرضين كما هو الحال في الكعبة المشرّفة التي يعتبر استقبالها في الصلاة التي قد ورد في شأنها انّها قبلة من تخوم الأرض إلى عنان السماء .
الثاني : انّه مالك لمقدار من الفراغ الذي يتوقّف عليه تصرّفاته في أرضه بعين ملكيته للأرض ولمقدار آخر منه بتبعيّة الأرض بمنزلة الحريم لها .
الثالث : القول الثاني مع الافتراق في القول بأولوية مالك الأرض بالإضافة إلى المقدار التابع لا الملكية .
والظاهر انّه لا دليل على القول الأوّل ولا يساعده العقلاء بوجه ، وامّا الأخيران فالتحقيق في تعيين ما هو الحقّ منهما موكول إلى محلّه ولكنّه لا يترتّب عليه ثمرة مهمّة في المقام لأنّه كما لا يجوز التصرّف في ملك الغير كذلك لا يجوز التصرّف في متعلّق حقّ الغير إلاّ مع إذنه .
ثمّ إنّ الصلاة تحت السقف المغصوب لا تكون تصرّفاً في المغصوب بوجه بل إنّما
الصفحة 406
هو انتفاع به في بعض الموارد ولا دليل على حرمة مجرّد الانتفاع من دون تصرّف كما تقدّم في مثل الاصطلاء بناء الغير والاستضاءة بنوره والنظر إلى بستانه أو عمارته ولا وجه لما هو المحكي عن ظاهر الجواهر من حرمة الانتفاع بمال الغير كحرمة التصرّف فيه وإن حكم بصحّة الصلاة في الفرض المزبور نظراً إلى عدم اتحاد الانتفاع بمال الغير مع الاجزاء الصلاتية بخلاف التصرّف فيه قال : للفرق الواضح بين الانتفاع حال الصلاة وبين كون الصلاة نفسها تصرّفاً منهيّاً عنه والمتحقّق في الفرض الأوّل إذ الأكوان من الحركات والسكنات في الفضاء المحلّل ويقارنها حال الانتفاع بالمحرم وهو أمر خارج عن تلك الأكوان لا انّها أفراده ضرورة عدم حلول الانتفاع فيها حلول الكلّي في أفراده كما هو واضح بأدنى تأمّل .
والظاهر انّ عدم حرمة الانتفاع من دون التصرّف كاد أن يكون من ضروريات الفقه والعقلاء فلا يبقى مجال لما أفاده (قدس سره) كما انّك عرفت انّ الدليل على البطلان في أصل المسألة ليس هو اتحاد التصرّف مع الأجزاء الصلاتية بل الدليل هو الإجماع وإلاّ فالقاعدة لا تقتضي البطلان .
الصفحة 407
مسألة 8 ـ الأقوى صحّة صلاة كلّ من الرجل والمرأة مع المحاذاة أو تقدّم المرأة لكن على كراهية بالنسبة إليهما مع تقارنهما في الشروع وبالنسبة إلى المتأخّر مع اختلافهما لكن الأحوط ترك ذلك ، ولا فرق فيه بين المحارم وغيرهم ، ولا بين كونهما بالغين أو غير بالغين أو مختلفين ، بل يعمّ الحكم الزوج والزوجة أيضاً ، وترتفع الكراهة بوجود الحائل وبالبعد بينهما عشرة أذرع بذراع اليد ، والأحوط في الحائل كونه بحيث يمنع المشاهدة ، كما انّ الأحوط في التأخّر كون مسجدها وراء موقفه وإن لا تبعد كفاية مطلقهما 1 .
1 ـ المشهور بين المتقدّمين من الأصحاب بطلان صلاة كلّ من الرجل والمرأة مع المحاذاة أو تقدّم المرأة وإن كانوا بين من يكون البطلان ظاهر تعبيره لتعبيره بعدم الجواز الظاهر فيه وبين من يكون البطلان صريح كلامه لتصريحه به ولكن الشهرة انقلبت بين المتأخّرين إلى الكراهة ومنشأ الخلاف اختلاف الأخبار الكثيرة الواردة في الباب واللاّزم ملاحظتها فنقول :
امّا ما ظاهره الجواز فروايات :
منها : مصحّحة جميل عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه قال : لا بأس أن تصلّي المرأة بحذاء الرجل وهو يصلّي فإنّ النبي (صلى الله عليه وآله) كان يصلّي وعائشة مضطجعة بين يديه وهي حائض ، وكان إذا أراد أن يسجد غمز رجليها فرفعت رجليها حتّى يسجد .
والتعليل المذكور في الرواية مضافاً إلى غرابته في نفسه المشعرة بصدورها تقية لا يصلح علّة للحكم المذكور في الرواية لأنّ مورد الحكم صلاة المرأة بحذاء الرجل وهو يصلّي .
وبعبارة اُخرى مورده ما إذا صلّى كلاهما معاً ومقتضى التعليل جواز صلاة الرجل والمرأة بين يديه وهي لا تصلّي .
الصفحة 408
ودعوى استقامة التعليل بتقريب انّ تقدّمها مضطجعة في حال الحيض إذا لم يكن مانعاً عن صلاة الرجل فتقدّمها في حال الصلاة أولى بعدم المانعية .
مدفوعة بأنّ مثل هذا التعليل لو كان صالحاً للعلّية لكان الحكم في أصل المسألة واضحاً بعد ظهور جواز تقدّم المرأة في غير حال الصلاة على الرجل المصلّي فالتعليل غير مستقيم ولأجله احتمل التصحيف في الرواية وانّ الصحيح : «أن تضطجع المرأة» بدل «تصلّي» كما انّه احتمل بل استظهر أن يكون بدله «لا تصلّي» بحيث كانت كلمة «لا» ساقطة لكن لا مجال لشيء من الاحتمالين لأنّهما يرفعان الوثوق بالأخبار المضبوطة في الكتب المدوّنة وفي التعليل إشكال آخر وهو عدم انطباقه على الصدر من جهة انّ الحكم بعدم البأس فيه إنّما يكون محمولا على صلاة المرأة بحذاء الرجل والتعليل يدلّ على جواز صلاة الرجل ولو كانت بحذائه امرأة هذا مضافاً إلى أنّ طريق الصدوق إلى الجميل وحده ممّا لا تعلم صحّته .
ومنها : مرسلة جميل بن دراج عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يصلّي والمرأة تصلّي بحذاه قال : لا بأس . وهذه الرواية وإن كانت دليلا على الجواز مطلقاً إلاّ انّ الظاهر اتحادها مع مرسلته الاُخرى عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يصلّي والمرأة بحذاه أو إلى جنبيه قال : إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس . بمعنى انّ الراوي وهو جميل سأل الإمام (عليه السلام) عن حكم المسألة مرّة واحدة وأجابه بجواب واحد وهو مردّد بين أن يكون هو الحكم بعدم البأس مطلقاً أو مقيّداً بما إذا كان سجودها مع ركوعه والظاهر هو الثاني لأنّه إذا دار الأمر بين الزيادة السهوية والنقيصة كذلك يكون الترجيح ـ بمقتضى حكم العرف ـ مع الثاني .
ويؤيّد كونهما رواية واحدة اشتراك الروايتين من حيث السند من ابن فضال إلى الآخر حيث إنّه روى في كلتيهما عمّن أخبره عن جميل ، كما انّه يؤيّد كون الحكم
الصفحة 409
مقيّداً ما رواه ابن فضال عن ابن بكير عمّن رواه عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يصلّي والمرأة تصلّي بحذاه أو إلى جانبه فقال : إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس .
بل يحتمل قوياً اتحادها معهما أيضاً نظراً إلى أنّ المراد ممّن روى عنه ابن بكير في سند هذه الرواية هو جميل المذكور في الروايتين والمراد ممّن أخبره فيهما هو ابن بكير المذكور في هذه الرواية فيرفع كلّ واحد إجمال الآخر ويرتفع الإشكال عن جميع الروايات الثلاثة من جهة الإرسال ولكن لا يمكن الاتكاء على هذا الاحتمال وإن كان قوياً ـ كما عرفت ـ .
والمراد من كون سجودها مع ركوعه يحتمل أن يكون تساوي رأس المرأة في حال السجود مع رأس الرجل في حال الركوع أي كانت متأخّرة عنه بهذا المقدار ، ويحتمل أن يكون المراد وقوع رأسها في حال السجود محاذياً لأوّل جزء من بدن الرجل أي يجب التأخّر بهذا المقدار ويبعد هذا الاحتمال انّه لا فرق ـ حينئذ ـ بين حال الركوع وحال القيام لعدم الفرق في أوّل الجزء بينهما فيكون ذكر الركوع بلا فائدة ويقربه رواية هشام بن سالم عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : الرجل إذا أَمّ المرأة كانت خلفه عن يمينه سجودها مع ركبتيه .
ومنها : صحيحة الفضيل عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : إنّما سمّيت مكّة بكّة لأنّه يبكّ فيها الرجال والنساء والمرأة تصلّي بين يديك وعن يمينك وعن يسارك ومعك ولا بأس بذلك وإنّما يكره في سائر البلدان . ولا دلالة فيها على فرض صلاة الرجل أيضاً وليس قوله : «معك» ظاهراً فيه ، وعليه فيمكن أن يكون المراد صلاة المرأة في وسط الرجال بحيث كانت بين أيديهم الخ من دون فرض صلاتهم ولا دليل على عدم الكراهة في سائر البلدان في هذه الصورة كما لا يخفى .
الصفحة 410
ومنها : خبر عيسى بن عبدالله القمي حيث إنّه سأل الصادق (عليه السلام) عن امرأة صلّت مع الرجال وخلفها صفوف وقدّامها صفوف قال (عليه السلام) : مضت صلاتها ولم تفسد على أحد ولا تعيد ولكنّه لم ينقل في الكتب المعدّة لنقل الأحاديث بل مذكور في بعض الكتب الفقهية .
وامّا ما ظاهره المنع فروايات أيضاً :
منها : صحيحة إدريس بن عبدالله القمي قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يصلّي وبحياله امرأة قائمة على فراشها جنباً فقال : إن كانت قاعدة فلا يضرّك وإن كانت تصلّي فلا . والمراد بكونها قاعدة عدم الاشتغال بالصلاة كما هو ظاهر .
ومنها : رواية عبد الرحمان بن أبي عبدالله قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يصلّي والمرأة بحذاه عن يمينه أو عن يساره فقال : لا بأس به إذا كانت لا تصلّي .
ومنها : صحيحة محمّد عن أحدهما (عليهما السلام) قال : سألته عن المرأة تزامل الرجل في المحمل يصلّيان جميعاً؟ قال : لا ولكن يصلّي الرجل فإذا فرغ صلّت المرأة . وبهذا المضمون روايات اُخر أيضاً .
ومنها : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال : سألته عن إمام كان في الظهر فقامت امرأة بحياله تصلّي وهي تحسب إنّها العصر هل يفسد ذلك على القوم وما حال المرأة في صلاتها معهم وقد كانت صلّت الظهر؟ قال : لا يفسد ذلك على القوم وتعيد المرأة .
والوجه في عدم الافساد على القوم يمكن أن يكون هو عدم قدح التقدّم والمحاذاة مع الرجل ويمكن أن يكون هو تأخّر المرأة في الشروع في الصلاة الموجب لبطلان صلاتها فقط مع اعتبار عدم التقدّم والمحاذاة .
كما انّ الوجه في لزوم إعادة المرأة صلاتها يحتمل أن يكون هو إخلالها بما هو
الصفحة 411
المعتبر من عدم التقدّم والمحاذاة لفرض وقوعها بحذاء الإمام ومتقدّمة على المأمومين ، وعليه فتكون الرواية من أدلّة المنع في المقام ، ويحتمل أن يكون هو الإخلال بما هو المعتبر في صلاة الجماعة من جهة الموقف وهو تأخّر المأموم عن الإمام وعدم وقوعه بحذائه من دون فرق في ذلك بين الرجل والمرأة ، ويحتمل أن يكون هو راجعاً إلى النية نظراً إلى حسبانها انّ الإمام يصلّي العصر وقد كان يصلّي الظهر واقتداء صلاة العصر بالظهر وإن كان ممّا لا مانع منه إلاّ انّ تقييد النيّة بما نواه الإمام بتخيّل المطابقة ربّما يمنع عن الصحّة بعد كشف الخلاف فتدبّر . ولعلّ عبارة السؤال تكون ظاهرة في هذا الاحتمال ، وكيف كان فلم يظهر من الرواية دلالتها على المنع فيما هو محلّ الكلام .
ومنها : موثقة عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث إنّه سئل عن الرجل يستقيم له أن يصلّي وبين يديه امرأة تصلّي؟ فقال : إن كانت المرأة قاعدة أو نائمة أو قائمة في غير صلاة فلا بأس حيث كانت . والظاهر اتحادها مع موثقته الاُخرى عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه سُئل عن الرجل يستقيم له أن يصلّي وبين يديه امرأته تصلّي؟ قال : إن كانت تصلّي خلفه فلا بأس وإن كانت تصيب ثوبه .
ومنها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سألته عن المرأة تصلّي عند الرجل فقال : لا تصلّي المرأة بحيال الرجل إلاّ أن يكون قدّامها ولو بصدره . ولكنّه لا ظهور لها في فرض صلاة الرجل أيضاً ، بل يمكن أن يكون مورد السؤال هو نفس صلاة المرأة مع وجود الرجل ولا مجال لدعوى وضوح ثبوت الجواز في هذا الفرض فإنّ التتبّع في الروايات يقضي بكونه مورداً للشكّ ومسؤولا عنه .
وامّا الروايات الظاهرة في التفصيل فكثيرة أيضاً :
منها : صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال : سألته عن الرجل يصلّي في
الصفحة 412
زاوية الحجرة وامرأته أو ابنته تصلّي بحذاه في الزاوية الاُخرى قال : لا ينبغي ذلك فإن كان بينهما شبر أجزئه ، يعني إذا كان الرجل متقدّماً للمرأة بشبر .
والظاهر انّ المراد بلا ينبغي في الرواية هو البطلان لا الكراهة ، وتفسير المراد من الشبر وإن وقع من الراوي إلاّ انّ الظاهر انّ لفظ «شبر» بالشين المعجمة والباء الموحدة تصحيف «الستر» بالسين المهملة والتاء المثناة من فوق إذ من البعيد أن تكون الحجرة بالغة في الضيق إلى حدّ يكون الفاصل بين الشخصين الواقعين في زاويتيها مع التحاذي مقدار شبر واحد ويؤيّده رواية محمد الحلبي قال : سألته (يعني أبا عبدالله (عليه السلام)) عن الرجل يصلّي في زاوية الحجرة وابنته أو امرأته تصلّي بحذائه في الزاوية الاُخرى قال : لا ينبغي ذلك إلاّ أن يكون بينهما ستر فإن كان بينهما ستر أجزأه .
وقد عرفت انّ تفسير الراوي لا يساعد ذلك وقد ذكر صاحب الوسائل بعد نقل الروايتين انّه يمكن صحّتهما .
ومنها : رواية أبي بصير هو ليث المرادي قال : سألته عن الرجل والمرأة يصلّيان في بيت واحد ، المرأة عن يمين الرجل بحذاه قال : لا ، إلاّ أن يكون بينهما شبر أو ذراع ، ثمّ قال : كان طول رحل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذراعاً وكان يضعه بين يديه إذا صلّى يستره ممّن يمرّ بين يديه .
قال في الوافي : اُريد بالرحل رحل البعير واُريد بطوله ارتفاعه من الأرض أعني السُمك . ويحتمل قريباً بقرينة الذيل أن يكون المراد بقوله : إلاّ أن يكون . . . وجود حائل بينهما كان طوله شبراً أو ذراعاً ، كما انّه يحتمل أن يكون المراد تقدّم الرجل على المرأة بهذا المقدار .
والظاهر اتحادها مع روايته الاُخرى عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل
الصفحة 413
والمرأة يصلّيان جميعاً في بيت ، المرأة عن يمين الرجل بحذاه قال : لا حتّى يكون بينهما شبراً وذراع أو نحوه . وعليه فيرتفع إشكال الإضمار عن روايته الاُولى .
ومنها : رواية عبدالله بن أبي يعفور قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : اُصلّي والمرأة إلى جنبي (جانبي) وهي تصلّي قال : لا إلاّ أن تقدم هي أو أنت ، ولا بأس أن تصلّي وهي بحذاك جالسة أو قائمة .
فإن كان المراد بقوله : إلاّ أن تقدم . . . . هو التقدّم في الموقف مع التقارن في الصلاة فالظاهر انّ الرواية معرضة عنها; لأنّ التقدّم أولى بالمنع من الجنب المفروض في سؤال الرواية ، وإن كان المراد هو التقدّم في أصل إيقاع الصلاة بمعنى كون صلاة واحد منهما قبل الآخر فالرواية تصير من أدلّة مطلق المنع ويصير الاستثناء منقطعاً لأنّ المفروض في السؤال هو التقارن في الصلاة .
ومنها : رواية معاوية بن وهب عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه سأله عن الرجل والمرأة يصلّيان في بيت واحد ، قال : إذا كان بينهما قدر شبر صلّت بحذاه وحدها وهو وحده ولا بأس .
ومنها : رواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : إذا كان بينها وبينه ما لا يتخطّى أو قدر عظم الذراع فصاعداً فلا بأس .
ومنها : رواية حريز عن أبي عبدالله (عليه السلام) في المرأة تصلّي إلى جنب الرجل قريباً منه فقال : إذا كان بينهما موضع رجل (رحل) فلا بأس . والمراد بموضع الرجل يحتمل أن يكون هي الخطوة ويحتمل أن يكون مقدار باطن القدم الذي هو مقدار الشبر .
ومنها : رواية اُخرى لزرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قلت له : المرأة والرجل يصلّي كلّ واحد منهما قبالة صاحبه؟ قال : نعم إذا كان بينهما قدر موضع رحل .
الصفحة 414
ومنها : رواية ثالثة لزرارة قال : قلت له : المرأة تصلّي حيال زوجها؟ قال : تصلّي بازاء الرجل إذا كان بينها وبينه قدر ما لا يتخطّى أو قدر عظم الذراع فصاعداً .
ومنها : موثقة عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه سئل عن الرجل يستقيم له أن يصلّي وبين يديه امرأة تصلّي؟ قال : لا يصلّي حتّى يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة أذرع ، وإن كانت عن يمينه وعن يساره جعل بينه وبينها مثل ذلك فإن كانت تصلّي خلفه فلا بأس وإن كانت تصيب ثوبه وإن كانت المرأة قاعدة أو نائمة أو قائمة في غير صلاة فلا بأس حيث كانت .
والظاهر اتحادها مع الموثقتين المتقدّمتين فيما ظاهره المنع بمعنى انّ هذه تمام الرواية وما تقدّم مشتمل على بعضها كما لا يخفى .
ومنها : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال : سألته عن الرجل يصلّي ضحى وأمامه امرأة تصلّي ، بينهما عشرة أذرع قال : لا بأس ليمض في صلاته . ولكنّها لا تبلغ من الظهر في اعتبار العشرة مرتبة الموثقة كما هو ظاهر .
ومنها : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) في المرأة تصلّي عند الرجل قال : إذا كان بينهما حاجز فلا بأس . ومقتضى إطلاقها لولا انّه المنصرف إليه الشمول لحال الصلاة الرجل أيضاً ويؤيّد الانصراف ظهور الجواب في اعتبار الحاجز مع أنّه لا يعتبر مع عدم صلاة واحد منهما .
ومنها : صحيحة اُخرى لعلي بن جعفر عن أخيه (عليهما السلام) قال : سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي في مسجد قصير الحائط وامرأة قائمة تصلّي وهو يراها وتراه قال : إن كان بينهما حائط طويل أو قصير فلا بأس . والظاهر انّ المراد صلاة المرأة خارج المسجد وإلاّ لا يبقى وجه لذكر الحائط القصير ، والمراد بوجود الحائط يمكن أن يكون هو اعتباره من جهة الحيلولة والحجب ولو في الجملة كما في الحائط
الصفحة 415
القصير ويحتمل أن يكون لأجل ملازمته مع الفصل بين الموقفين بمقدار ذراع أو أزيد كما هو المعمول في الحيطان في الأزمنة السابقة .
ومثلها روايته الاُخرى عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) في حديث قال : سألته عن الرجل يصلّي في مسجد حيطانه كوى كلّه قبلته وجانباه وامرأته تصلّي حياله يراها ولا تراه قال : لا بأس . قال في الوافي : «الكواء ـ ممدوداً ومقصوراً جمع الكوة بالتشديد وهي الروزنة» .
إذا عرفت ما أوردناه من الروايات الواردة في المسألة التي هي طوائف ثلاثة : طائفة تدلّ على الجواز مطلقاً ، واُخرى على المنع كذلك وثالثة على التفصيل مع الاختلاف الكثير بين روايات هذه الطائفة أيضاً فاعلم انّ روايات الجواز أكثرها بل جميعها مخدوشة من حيث النسد حتى رواية جميل التي رواها عنه الصدوق باسناده لما مرّ من أنّ سند الصدوق إلى جميل وحده ممّا لم تعلم صحّته مضافاً إلى اشتمالها على التعليل الذي مرّ انّه لا ملائمة بينه وبين الحكم المذكور في الرواية وإن كان يمكن أن يقال بأنّ غرابة التعليل لا توجب الخدشة في الحكم المذكور في الرواية .
وبالجملة روايات الجواز غير قابلة للاستناد إليها له فلم تبق في المسألة إلاّ الطائفتان الأخيرتان .
وليعلم انّ ما دلّ من الطائفة الثالثة على اعتبار وجود الحاجز بين الرجل والمرأة لا ينافي ما دلّ على المنع مطلقاً; لأنّ مورد هذه الطائفة صورة عدم وجود الحاجز كما لا يخفى فمدلولهما من حيث إطلاق المنع واحد .
ثمّ إنّ الجمع بين الطائفتين يمكن على أحد وجهين :
الأوّل : حمل النهي في الطائفة المانعة على الكراهة والتصرّف في ظهورها في
الصفحة 416
إطلاق النهي نظراً إلى صراحة الطائفة المفصلة في الحكم بالجواز وعدم المنع مقيّداً بالقيود المذكورة فيها فيحمل ظهور الاُولى في الحكم بالتحريم على الإطلاق على الكراهة في مورد تلك القيود ويقال بكراهة الصلاة فيما إذا كان بينهما شبر أو ذراع أو موضع رحل أو عشرة أذرع ويحمل اختلاف القيود على اختلاف الكراهة فهي في الشبر أشدّ وأقوى وفي عشرة أذرع أضعف وأنقص من مسائر المراتب .
الثاني : إبقاء الطائفة المانعة على حالها من إطلاق النهي والتصرّف في الروايات المفصّلة بكون مورد التفاصيل المذكورة فيها ليس صورة التحاذي أو تقدّم المرأة بل موردها فرض تقدّم الرجل على المرأة بذلك المقدار المذكور فيها بحمل العناوين المذكورة فيها من الحذاء والحيال والجنب واليمين واليسار على العرفي منها غير المنافي لتقدّمه عليها في الجملة .
ربّما يؤيّد الثاني تفسير الشر في إحدى روايات محمد بن مسلم المتقدّمة التي وقع فيها السؤال عن الرجل يصلّي في زاوية الحجرة وامرأته أو ابنته تصلّي بحذاه في الزاوية الاُخرى بما إذا كان الرجل متقدّماً على المرأة بشبر فإنّه يظهر منه انّه لا منافاة بين تحقّق المحاذاة ووقوع البينيّة بهذا المعنى ، وعليه تكون المحاذاة بمعناها العرفي غير المنافي للتأخّر بهذا المقدار ، كما انّه لا ينافي ذلك مع ظهور مثل التعبير في كون المراد بها هي البينيّة في جميع حالات الصلاة فإنّ المتأخّر بشبر يكون في ركوعه وسجوده أيضاً متأخّراً بهذا المقدار كما لا يخفى .
ويؤيّد الثاني أيضاً الاستثناء الواقع في إحدى روايات زرارة المتقدّمة من قوله (عليه السلام) : لا تصلّي المرأة بحيال الرجل بقوله : إلاّ أن يكون قدّامها ولو بصدره فإنّ الظاهر كون الاستثناء متّصلا ولازمه كون التقدّم على المرأة أيضاً في الجملة من مصاديق الحيال .
الصفحة 417
ويؤيّده أيضاً روايتا محمد بن مسلم وأبي بصير المتقدّمتان الواردتان في حكم صلاة الرجل والمرأة المتزاملين وانّه لا يجوز ذلك ، بل يصلّي الرجل أوّلا ثمّ المرأة فإنّ هذا لا يناسب الكراهة مع أنّه في السفر يرخص ما لا يرخص في غيره ومن الواضح ثبوت مقدار الشبر بين طرفي المحمل فتدلاّن على المنع في مورد الشبر ودعوى عدم وقوعهما في هذا المقام كما في تقريرات النائيني (قدس سره) مدفوعة جدّاً .
ويؤيّده أيضاً إحدى روايات جميل المتقدّمة المشتملة على قوله (عليه السلام) في مقام الجواب عن السؤال عن الرجل يصلّي والمرأة بحذاه أو إلى جنبه : إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس فإنّ الظاهر من الجواب انقسام مورد السؤال إلى قسمين والحكم بعدم البأس في قسم واحد منهما ، وعليه فيكون التأخّر بهذا المقدار غير مناف للجنب والحذاء وإلاّ يلزم أن يكون حكم مورد السؤال مستفاداً من المفهوم وهو خلاف الظاهر .
ويضعف ظهور قوله (عليه السلام) بينهما شبر أو ذراع في كون الفصل بين الموقفين مع وقوعهما في خطّ مستقيم كذا ما يستفاد من إحدى روايات أبي بصير المتقدّمة من احتمال كون المراد هو الحجب بهذا المقدار بأن كان الشبر أو الذراع طول ارتفاع الحائل كما مرّ .
فهذه كلّه ممّا يوجب تضعيف الظهور المذكور بحيث لا يأبى عن الحمل على التأخّر بهذا المقدار كما هو مقتضى الوجه الثاني من وجهي الجمع .
ويمكن الايراد على الوجه الأوّل بأنّ حمل النهي على الكراهة إنّما هو فيما إذا كان النهي نهياً مولوياً ظاهراً في التحريم ، وامّا إذا كان النهي للإرشاد إلى الفساد والبطلان كما هو الظاهر من النواهي الواردة في مثل المقام من العبادات والمعاملات فلا وجه للحمل على الكراهة .
الصفحة 418
ودعوى إمكان التقييد بموارد الروايات المفصلة وإبقاء النهي على حاله من الإرشاد إلى الفساد في غير تلك الموارد مدفوعة بأن لازمه عدم تحقّق المورد للإطلاقات المانعة لأنّ الفصل بأقلّ من الشبر مع المحاذاة الحقيقية قلّما يتّفق لو لم نقل بعدم إتفاقه بناء على أن يكون المراد بقوله : بينهما شبر هو الفصل بين الموقفين فإنّ الفصل بهذا المقدار بينهما يلازم اتصال البدنين من ناحية الأيدي ، هذا مضافاً إلى أنّ الاختلاف في التقييد من سنخ واحد بما يرجع إلى الاختلاف بين الشبر وعشرين شبراً الذي هو عبارة عن عشرة أذرع في غاية البعد فإنّ الاختلاف إذا لم يكن من سنخ واحد فلا استبعاد فيه ، وامّا في السنخ الواحد كما في المقام فبعيد جدّاً .
وبذلك كلّه يظهر صحّة ما قرّبه صاحب الحدائق (قدس سره) من حمل نصوص التقدير بما دون العشرة على صورة تقدّم الرجل على المرأة لا المحاذاة والتقييد بما دون العشرة إنّما هو لأجل انّ موثقة سماعة المتقدّمة الدالّة عليها صريحة في انّ اعتبارها إنّما هو بالنسبة إلى الإمام واليمين واليسار ، وامّا الخلف فيكفي تحقّقه بالإضافة إلى المرأة وإن كانت تصيب ثوبه .
ثمّ إنّ هاهنا اُموراً لابدّ من التنبيه عليها :
أحدها : فيما ترتفع به الحرمة الوضعية أو الكراهة التي يقول بها المتأخّرون ـ على ما هو المشهور بينهم ـ وهي اُمور مستفادة من الروايات المتقدّمة :
الأوّل : تأخّر المرأة عن الرجل في الجملة وإليه ينظر جمع من الأخبار المفصّلة المتقدّمة ، بل كلّها سوى ما دلّ على اعتبار عشرة أذرع بناءاً على ما اخترناه في معناها ، وامّا بناءً على الكراهة فالدالّ على هذا الأمر جملة من تلك الأخبار .
ولكن مقتضى الروايات من حيث اعتبار مقدار التأخّر مختلف :
الصفحة 419
مقتضى بعض روايات محمد بن مسلم المتقدّمة أن يكون بينهما شبر بناء على أن يكون الشبر بالشين المعجمة والباء الموحدة وكان المراد التأخّر بهذا المقدار كما وقع التفسير به في نفس هذه الرواية ويجري فيه احتمالان لأنّه يمكن أن يكون المراد وجود الفصل بهذا المقدار بين رؤوس أصابع رجل المرأة وبين خلف رجل الرجل ويمكن أن يكون المراد وجود هذا الفصل بين رؤوسي الأصابع منهما .
ومقتضى مرسلتي جميل وابن بكير المتقدّمتين اعتبار أن يكون سجودها مع ركوعه وقد تقدّم الاحتمالان في معنى هذا القيد وترجيح أحدهما على الآخر .
ومقتضى بعض روايات زرارة اعتبار كون الرجل متقدّماً على المرأة ولو بصدره والظاهر انّه أقلّ مراتب التأخّر وينطبق عليه رواية الشبر بناء على الاحتمال الثاني في معناها ورواية كون سجودها مع ركوعه بناء على أحد الاحتمالين وهو الاحتمال الراجح الذي يرجع إلى أنّ المراد كون رأس المرأة في حال السجود محاذياً لرأس الرجل في حال الركوع كما لا يخفى .
ومقتضى بعض الروايات المتقدّمة اعتبار كون التأخّر بمقدار موضع الرجل بالجيم والمراد منه يحتمل أن يكون مقدار باطن القدم الذي هو شبر فينطبق على روايته ويحتمل أن يكون مقدار ما بين الرجلين في حال المشي الذي هو عبارة عن الخطوة فيدلّ على اعتبارها .
ومقتضى البعض كفاية أن يكون التأخّر بمقدار موضع الرحل الذي هو ذراع أو قدر عظم الذراع فصاعداً أو كان بينه وبينها ما لا يتخطّى بناء على ما ذكرنا في معنى هذا البعض من كون المراد التأخّر بهذا المقدار .
ومقتضى رواية عمّار المتقدّمة كفاية كون المرأة خلف الرجل وإن كانت تصيب ثوبه والمراد بإصابتها ثوبه يحتمل أن يكون إصابتها ثوب الرجل ولو في حال القيام
الصفحة 420
فيقرب مع ما دلّ على كفاية كون الرجل متقدّماً على المرأة ولو بصدره ، ويحتمل أن يكون هي إصابتها ثوبه في حال الجلوس أو السجود المنفصل بعضه عن البدن الواقع جزئه على الأرض ولازمه كون مسجدها وراء موقفه .
والجمع بين الأخبار يقتضي الحمل على مراتب الكراهة بمعنى انّ صدق أقلّ مراتب التأخّر يوجب ارتفاع الحرمة الوضعية أو الكراهة ولكن ارتفاع أصل الكراهة موقوف على تأخّر المرأة عن الرجل في جميع حالات الصلاة فالأولى بل الأحوط التأخّر بهذا المقدار الذي يرجع إلى ما ذكرنا من كون مسجدها وراء موقفه .
الأمر الثاني : أن يكون بينهما عشرة أذرع أو أزيد والدليل عليه موثقة عمّار المتقدّمة الظاهرة في اعتبار هذا المقدار فيما إذا كانت المرأة متقدّمة على الرجل أو محاذية له وكذا إحدى روايات علي بن جعفر المتقدّمة أيضاً والتعبير بأكثر من عشرة أذرع في رواية عمّار ليس لأجل اعتبار الأكثر بل لأجل أن تحقّق العشرة عرفاً يتوقّف على ضمّ مقدار زائد ليتحقّق العلم بها كما في موارد المقدّمات العلمية ودعوى تفرّد رواية عمّار بهذا الأمر لعدم ظهور رواية علي بن جعفر في ذلك مدفوعة بأنّ استناد الأصحاب إليها يكفي في جبرها من دون فرق بين القائل بالبطلان وبين القائل بالكراهة لأنّ الطائفة الاُولى جعلوا العشرة رافعة للبطلان والثانية للكراهة .
الأمر الثالث : أن يكون بينهما حاجز ويدلّ عليه إحدى روايات محمد بن مسلم المتقدّمة وكذا رواية محمد الحلبي المتقدّمة الدالّة على اعتبار الستر ومنصرف إطلاقها هو اعتبار أن يكون الساتر مانعاً عن المشاهدة في جميع حالات الصلاة حتّى حالة القيام ولكن مقتضى صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليهما السلام) المتقدّمة أيضاً
|