الصفحة 421
قال : سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي في مسجد قصير الحائط وامرأة قائمة تصلّي وهو يراها وتراه قال : إن كان بينهما حائط طويل أو قصير فلا بأس . كفاية وجود الحائط ولو كان قصيراً غير مانع عن المشاهدة بناء على كون المراد مدخلية الحائط من جهة كونه حائلا لا من جهة اقتضائه للفصل بين الرجل والمرأة بمقدار عرضه .
كما انّ مقتضى صحيحته الاُخرى عن أخيه (عليهما السلام) المتقدّمة أيضاً قال : سألته عن الرجل يصلّي في مسجد حيطانه كوى كلّه قبلته وجانباه وامرأته تصلّي حياله يراها ولا تراه قال : لا بأس . انّه لا مانع من كون الجدار مشتملا على الروزنة والشباك غير المانع من المشاهدة .
ومقتضى رواية أبي بصير ليث المرادي المتقدّمة أيضاً الاكتفاء بكون الحائل شبراً أو ذراعاً بناء على أن يكون ذيلها قرينة على كون المراد هي الحيلولة بهذا المقدار ولكن الظاهر عدم صلاحيته للقرينية بحيث يوجب انعقاد ظهور للصدر مخالف لظهوره الثابت له مع قطع النظر عن الذيل والتناسب لا يقتضي ذلك خصوصاً مع اختلال التناسب من جهة كون المفروض في السؤال صلاة المرأة عن يمين الرجل بحذاه ومقتضى الذيل انّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يضع رحله بين يديه يستره ممّن يمرّ بين يديه من دون فرق بين الرجل والمرأة وفرض المرور ينافي الاشتغال بالصلاة .
فالظاهر بمقتضى ما ذكرنا عدم الاكتفاء من جهة الحائل بمقدار الشبر أو الذراع بل لابدّ من صدق الحاجز والستر وصدق الحائط وإن كان قصيراً أو كان مشبّكاً ولكن الأحوط كونه بحيث يمنع عن المشاهدة في جميع حالات الصلاة .
ثانيها : انّه هل يشترط في مانعية صلاة أحدهما لصلاة الآخر الصحّة مع قطع
الصفحة 422
النظر عن التقدّم أو المحاذاة أو يكفي الأعمّ فيشمل ما لو كانت صلاة أحدهما فاسدة من جهة فقد شرط أو جزء أو وجود مانع بشرط صدق الصلاة عليه وجهان حكى في الجواهر عن جامع المقاصد احتمال الثاني نظراً إلى أنّ الصلاة تطلق على الصور غالباً وإلى استحالة تحقّق الشرط يعني الصلاة الصحيحة عند بطلان الصلاتين على ما هو المفروض ، ولا ينفع التخصيص بقيد «لولا المحاذاة أو التقدّم» لأنّ المراد بالصلاة الواردة في أخبار الباب امّا الصلاة الصحيحة أو الفاسدة والأوّل يمتنع تحقّقها لفقد شرطها والثاني لا فرق فيه بين أن تكون فاسدة من جهة المحاذاة أو من سائر الجهات الموجبة للفساد وقد أيّد ذلك بأنّ المأخوذ في الأخبار هو عنوان «الصلاة» فقط من دون أخذ قيد «الصحّة» كي يقال : إنّ الصحّة المطلقة ممتنعة فالواجب تقييدها بقيد لولا المحاذاة وعنوان الصلاة امّا أن يطلق على الصحيح المطلق الموجب لفراغ الذمّة وقد عرفت امتناع تحقّقها في المقام فلم يبق إلاّ أن يكون المراد بها الأعمّ وهي صورة الصلاة سواء كانت صحيحة من غير هذه الجهة أو فاسدة كذلك أيضاً .
ومن هنا ربما يخدش في أصل الحكم بالتحريم في المسألة; لأنّ المانع امّا صورة الصلاة أو الصلاة الصحيحة وكلاهما فاسد ، امّا صورة الصلاة فلعدم اعتبارها عند الشارع ومن البعيد جعله الفاسد موجباً لبطلان اُخرى مع عدم اعتباره لها كما لا يخفى ، وامّا الصلاة الصحيحة فلأنّه موجب لاجتماع الضدّين لو قيل بكونها فاسدة وصحيحة معاً ولترجيح أحد طرفي الممكن بلا مرجّح لو اختير أحدهما دون الآخر .
وتنظر في الجواهر فيما حكاه عن جامع المقاصد بأنّ المراد هي الصلاة الصحيحة ويكون مدلول الأخبار بطلان صلاة كلّ من الرجل والمرأة بحذاء الآخر أو تقدّمها
الصفحة 423
عليه بعد انعقادهما صحيحة فالمانع هي الصلاة الصحيحة الواقعة كذلك من غير جهة المحاذاة لأنّ الفاسدة من غير تلك الجهة لا تنعقد من رأس حتّى تبطل بالمحاذاة .
ويرد عليه انّ ما أفاده من الانعقاد ثمّ البطلان خلاف ما يستفاد من ظاهر أخبار الباب لأنّ مدلولها عدم إمكان اجتماع صلاة الرجل والمرأة بحذاء الآخر مثلا ومرجعه إلى أنّهما لا تنعقدان من رأس فتدلّ على اعتبار أن لا يكون الرجل محاذياً للمرأة وهي تصلّي وكذا العكس .
والتحقيق انّ المقام مثل سائر الأخبار الواردة في بيان الشرائط والموانع وانّه لا فرق بينه وبين مثل قوله : لا تصلِّ في وبر ما لا يؤكل لحمه وقوله : لا تصلِّ في النجس ولا معنى لتخصيص الإشكال بالمقام فإنّه يجري مثله في سائر الموارد لأنّه يمكن أن يقال إنّ الصلاة المنهي عنها في وبر ما لا يؤكل لحمه إن كان المراد بها هي الصلاة الصحيحة فمن المعلوم انّه لا تجتمع الصحّة مع وقوعها في وبره وإن كان المراد بها هي الأعمّ فاللاّزم أن تكون الصلاة الفاسدة من بعض الجهات الاُخر منهياً عنها إذا وقعت في وبر ما لا يؤكل لحمه كما لا يخفى .
والحلّ بعد وضوح كون تلك الأوامر والنواهي للإرشاد إلى الشرطية والمانعية انّها تكون للإرشاد إلى أنّ العمل الذي يأتي به المكلّف بعنوان الإطاعة والامتثال للتكليف المتوجّه إليه لا يجدي في تحقّق هذا الغرض والوصول إلى هذا المقصود إذا كان خالياً عن المأمور به في هذه الروايات أو واجداً لما هو المنهي عنه فيها ، ومن المعلوم انّ العمل الكذائي يتّصف بالصحّة مع قطع النظر عن المكلّف به في هذه الأخبار ضرورة انّه بدونه لا يمكن أن يأتي به المكلّف بالعنوان المذكور فالصحّة الولائية مستفادة من هذا الطريق فتدبّر .
الصفحة 424
ثالثها : انّه لا إشكال ـ بناء على القول بالبطلان ـ في بطلان صلاتهما إذا وجدت من كلّ منهما مقارنة لوجودها من الآخر لأنّه أمّا أن تكون صلاة كلّ واحد منهما صحيحة فهو خلاف مقتضى الأخبار المتقدّمة الدالّة على اعتبار عدم المحاذاة أو تقدّم المرأة على الرجل ودعوى عدم شمولها لصورة الاقتران مدفوعة جدّاً ، وامّا أن تكون باطلة فهو المطلوب ، وامّا أن تكون إحداهما صحيحة دون الاُخرى فالصحيحة وكذا الفاسدة إن كانت إحداهما لا على التعيين فهو غير معقول وقياس المقام بباب الواجب التخييري بناء على كون الوجوب متعلّقاً بأحدهما أو أحدها لا على سبيل التعيين غير صحيح لأنّ باب التكليف المتعلّق بالأمر الكلّي يغاير باب الصحّة والبطلان مع كونهما وصفين للفرد الخارجي لأنّ الصلاة الموجودة في الخارج امّا أن تكون صحيحة وامّا أن تكون فاسدة ولا يعقل أن يكون المتّصف بأحدهما هو الفرد غير المعيّن بحسب الواقع أيضاً كما هو ظاهر .
وإن كانت إحداهما معيّنة فالمفروض عدم ما يدلّ على التعيين ولا وجه له أصلا لكونه ترجيحاً بلا مرجّح لأنّ المفروض عدم ثبوت مزية لإحداهما على الاُخرى هذا كلّه مع الاقتران .
وامّا مع تقدّم أحدهما على الآخر في الشروع في الصلاة كما إذا شرع الرجل مثلا في الصلاة ثمّ شرعت المرأة في الصلاة بحذاه أو إلى أحد جانبيه فلا إشكال أيضاً في بطلان صلاة المتأخّر منهما لعدم كونها واجدة لشرطها من حين الشروع فيها .
وبعبارة اُخرى لا إشكال في شمول أخبار الباب لهذا الفرض أيضاً ومقتضى الشمول بطلان صلاة المتأخّر لا محالة وإن قلنا بصحّة صلاة المتقدّم إذ لا مجال لتوهّم العكس كما هو ظاهر فبطلان صلاة المتأخّر ـ بناء على القول بالبطلان ـ ممّا لا ريب فيه .
الصفحة 425
إنّما الإشكال في بطلان صلاة المتقدّم أيضاً كما اختاره صاحب الجواهر (قدس سره)مستنداً إلى معلومية قاعدة انّ مانع صحّة الجميع مانع للبعض واستظهر ذلك من ذيل صحيحتي ابن مسلم وابن أبي يعفور وخبر أبي بصير بل بالغ في ذلك فقال : لعلّه يظهر من باقي النصوص أيضاً .
أقول : إن كان مراده من صحيحة ابن مسلم ما ورد فيها السؤال عن صحّة صلاة الرجل في زاوية الحجرة والحال انّ امرأته أو ابنته تصلّي في زاويتها الاُخرى فمورد السؤال فيها وإن كان فرض تأخّر صلاة الرجل عن صلاة المرأة كما يظهر بعد التدبّر فيه إلاّ انّ الجواب بما ظاهره بطلانها لا دلالة له على حكم صلاة المرأة المتقدّمة في الشروع ولكن الظاهر عدم كون هذه الرواية مقصودة لصاحب الجواهر خصوصاً مع تصريحه باستظهاره من الذيل .
وإن كان مراده منها ما ورد في حكم صلاة الرجل والمرأة المتزاملين اللذين يصلّيان جميعاً في المحمل كما هو الظاهر فالفرض فيها وإن كان مطلق الصلاة جميعاً الشامل لصورة الاقتران والتقدّم والتأخّر في الشروع إلاّ انّ الجواب بقوله (عليه السلام) : لا ، مرجعه إلى أنّه لا يمكن صحّة صلاتهما معاً بل يتوقّف ذلك على أن يصلّي أحدهما أوّلا ثمّ يصلّي الآخر بعد فراغ الأوّل إلاّ انّ نفي صحّة الصلاتين معاً لا ينحصر فرضه ببطلان كلّ واحدة منهما بل يجتمع مع بطلان خصوص المتأخّر وصحّة المتقدّم أيضاً ، ومنه يظهر الجواب عن الاستظهار من خبر أبي بصير المتقدّم الوارد في حكم المتزاملين أيضاً وكذا رواية عبدالله بن أبي يعفور المتقدّمة .
واستدلّ لاختصاص البطلان بخصوص المتأخّرة بوجوه :
منها : استبعاد بطلان الصلاة المنعقدة صحيحة بفعل الغير الخارج عن الاختيار كما لا يخفى .
الصفحة 426
ويدفعه انّ مجرّد الاستبعاد لا يصلح لإثبات الحكم الشرعي ولا يقتضي رفع اليد عمّا هو مقتضى الدليل على فرضه .
ومنها : انّ المتأخّرة ليست بصلاة لبطلانها بالمحاذاة فلا تصلح لإبطال السابقة والصحّة لولا المحاذاة إنّما يصار إليه فيما إذا لم يمكن الصحّة المطلقة كما في صورة الاقتران لقيام القرينة على أنّه لا يمكن أن يكون المراد هي الصحّة كذلك ، وامّا بالنسبة إلى الصلاة اللاّحقة فلا مانع من أن يراد منه الصحّة المطلقة لفرض وقوع المتقدّمة متّصفة بهذه الصفة .
وبعبارة اُخرى بعد وقوع الاُولى وتحقّقها يمتنع تحقّق الاُخرى لأنّهما متضادّتان ، والثانية لا تصلح لأن تقاوم الاُولى لأنّها بوجودها توجب بطلانها وهذا بخلاف صورة التقارن أو تحقّق المحاذاة الموجبة للبطلان في أثناء صلاتهما فإنّه وإن لم يكن للحدوث بما هو حدوث وكذا للبقاء بما هو بقاء مدخلية في البطلان ، بل المناط تحقّق الصلاة منهما إلاّ انّه تتزاحم العلّتان في مقام الثبوت وهو يوجب البطلان فإنّه كما تكون المبائنة ثابتة بين معلوليهما كذلك تسري إلى علّيتهما فكلّ منهما موجب لعدم الآخر ومضاد له وهذا بخلاف صورة التقدّم والتأخّر فإنّه قد تحقّقت علّة إحداهما بلا مزاحمة والاُخرى يمتنع تحقّقها للمضادّة فهي الفاسدة غير المفسدة .
ويمكن الإيراد على هذا الوجه بأنّ التفكيك بين صورتي التقارن والتقدّم والتأخّر من جهة حمل الأدلّة بالإضافة إلى الاُولى على الصحّة الولائية وبالإضافة إلى الثانية على الصحّة المطلقة مع دلالتها على الحكم فيهما ، وبعبارة واحدة ممّا لا مجال للالتزام به خصوصاً مع كون شمولها لهما بنحو الإطلاق كما لا يخفى .
وحيث إنّ مدلول الأخبار ليس امتناع حدوث الصلاتين بما هو حدوث لما مرّ من شمولها لما إذا تحقّقت المحاذاة بينهما في أثناء صلاتهما فالمناط هو تحقّق المحاذاة ولو
الصفحة 427
في بعض أجزاء الصلاة ففي صورة التقدّم والتأخّر يكون الجزء المقارن لحدوث الاُخرى لا ترجيح بينه وبين ما يحدث من الآخر من حيث الصحّة والبطلان فإذا كانت الصحّة مخالفة لما هو المفروض من امتناع الاجتماع فاللاّزم أن لا يقع شيء منهما صحيحة .
وبعبارة اُخرى الصحّة المدّعاة بالإضافة إلى المتقدّمة إن كان المراد بها هي الصحّة بالنسبة إلى جميع أجزائها فالمفروض انّه محلّ الكلام لأنّه يحتمل بطلانها بسبب المتأخّرة أيضاً وإن كان المراد بها هي الصحّة بالنسبة إلى الأجزاء الماضية فهي تجتمع مع البطلان بلحاظ المحاذاة في بعض الأجزاء الاُخر ولم يثبت كون هذه الصحّة مانعة عن انعقاد المتأخّرة دون العكس كما هو ظاهر .
ومنها : صحيحة علي بن جعفر (عليه السلام) المتقدّمة الواردة في إمام كان في الظهر فقامت امرأته بحياله المشتملة على قوله (عليه السلام) : لا يفسد ذلك على القوم وتعيد المرأة فإنّ الظاهر انّ التفصيل بين المرأة وبين القوم إنّما هو من جهة التأخّر والتقدّم .
وفيه ما عرفت من عدم ظهور الرواية في كونها واردة في المقام ، بل يجري فيها احتمالات متعدّدة فهي مجملة لا تصلح للاستناد إليها .
ومنها : ما أفاده المحقّق النائيني (قدس سره) من أنّ مناسبة الحكم والموضوع وإن لم تكن دليلا برأسها إلاّ انّها قد تصلح لانصراف الدليل كما في المقام فإنّ الأدلّة الدالّة على النهي عن المحاذاة والتقدّم امّا تحريماً أو تنزيهاً منصرفة إلى حال الاختيار لظهور الأسئلة فيها في تعمّد ذلك ولا يكفي إطلاق الأخبار لو سلم .
وفيه منع كون المناسبة المذكورة صالحة للانصراف خصوصاً مع اقتضائه حمل الأخبار المطلقة على المورد النادر وهي صورة الاقتران كما يأتي .
والتحقيق في المقام أن يقال إنّه لابدّ في استفادة حكم هذا الفرض كأصل المسألة
الصفحة 428
من ملاحظة الأخبار الواردة في الباب ولا مجال لايراد الوجه العقلي في المسألة التعبّدية ضرورة انّ الحكم ببطلان المتقدّم أيضاً لا يستلزم محالا عقلياً حتى يوجب التصرّف في الدليل على فرض دلالته عليه ، كما انّ الظاهر انّ استفادة الحكم بالبطلان بالإضافة إلى كلتا الصلاتين في صورة التقارن ليس مستنداً إلى وجه عقلي مذكور فيما تقدّم ، بل مستند إلى ظهور الدليل في ذلك وهي الروايات الظاهرة في بطلان كلتيهما وأيضاً لا مجال لحمل الإطلاقات على خصوص صورة التقارن بعد ندرة وجودها ولو كان التقارن بمعناه العرفي ضرورة انّ أكثر موارد المحاذاة أو التقدّم إنّما هو مع التقدّم والتأخّر في الشروع .
و ـ حينئذ ـ لابدّ من ملاحظة ثبوت الإطلاق وعدمه فنقول : ما يظه رمنه الإطلاق من الروايات المتقدّمة روايات :
منها : رواية أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل والمرأة يصلّيان جميعاً في بيت المرأة عن يمين الرجل بحذاه قال : لا حتّى يكون بينها شبر أو ذراع أو نحوه .
ومن الواضح إطلاق مورد السؤال وشموله لكلا الفرضين كما انّ الظاهر انّ قوله (عليه السلام) : «لا» الظاهر في البطلان كما يكون ظاهراً في بطلان كلتا الصلاتين في صورة التقارن كذلك لا ينبغي إنكار ظهوره في بطلان كلتيهما في صورة التقدّم والتأخّر أيضاً ولا مجال للتفكيك ، كما انّه لا مجال لدعوى انّ مرجع قوله (عليه السلام) : «لا» إلى عدم اتصاف كلتا الصلاتين بالصحّة المجامع مع بطلانها ومع بطلان أحدهما بحيث يكون الجواب غير تام ولم يكن متعرّضاً لحكم هذه الجهة وتعيين أحد الاحتمالين بل كان اللاّزم الرجوع في التعيين إلى دليل آخر فإنّ مثل ذلك ممّا لا يقبله العرف ولا ينطبق على المتفاهم عنده ، بل الظاهر انّ الفهم العرفي يساعد البطلان
الصفحة 429
بالإضافة إلى كلتا الصلاتين في كلّ واحد من الفرضين كما لا يخفى .
ومنها : رواية معاوية بن وهب عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه سأله عن الرجل والمرأة يصلّيان في بيت واحد قال : إذا كان بينهما قدر شبر صلّت بحذاه وحدها وهو وحده ولا بأس .
ومنها : رواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قلت له : المرأة والرجل يصلّي كلّ واحد منهما قبالة صاحبه قال : نعم إذا كان بينهما قدر موضع رحل .
ومنها : روايتا محمد بن مسلم وأبي بصير الواردتان في المرأة والرجل المتزاملين الظاهرتان في الإطلاق خصوصاً بقرينة ذيلهما الدالّ على صلاة المرأة بعد فراغ الرجل من الصلاة كما لا يخفى .
وبعد ذلك كلّه لا ينبغي الخدشة في ظهور هذه الطائفة في البطلان بالإضافة إلى كلتا الصلاتين وليس غير هذه الطائفة ظاهراً في بطلان خصوص المتأخّرة على فرض وروده في هذا الفرض حتّى يتصرّف بسببه في الإطلاق ، بل غايته عدم التعرّض لحكم المتقدّمة لو لم نقل بظهوره في بطلانها أيضاً فالأظهر بملاحظة ما ذكر ما اختار صاحب الجواهر كما تقدّم .
رابعها : لا فرق فيما ذكر بين المحارم وغيرهم وكذا لا فرق بين الزوج والزوجة وغيرهما وذلك مضافاً إلى إطلاق كلمتي «الرجل» و«المرأة» الواردتين في كثير من الروايات المتقدّمة وعدم اختصاصهما بغير المحارم والزوجين لورود بعض الروايات في المحارم كرواية محمد الحلبي المتقدّمة الواردة في الرجل يصلّي في زاوية الحجرة وابنته أو امرأته تصلّي بحذائه في الزاوية الاُخرى وبعضها في الزوجين كهذه الرواية ورواية زرارة قال : قلت له : المرأة تصلّي حيال زوجها قال : تصلّي بازاء الرجل إذا كان بينها وبينه قدر ما لا يتخطّى أو قدر عظم الذراع فصاعداً . وبعض
الصفحة 430
الروايات الاُخر .
خامسها : لا فرق بين كونهما بالغين أو غير بالغين أو مختلفين وذلك لإطلاق الكلمتين المذكورتين في كثير من الأخبار مضافاً إلى إطلاق لفظ «البنت» في رواية الحلبي المتقدّمة ولا مجال لدعوى الانصراف فيهما فتدبّر .
الصفحة 431
مسألة 9 ـ الظاهر جواز الصلاة مساوياً لقبر المعصوم(عليه السلام) ، بل ومقدّماً عليه ولكن هو من سوء الأدب والأحوط الاحتراز منهما ويرتفع الحكم بالبعد المفرط على وجه لا يصدق معه التقدّم والمحاذاة ويخرج عن صدق وحدة المكان ، وكذا بالحائل الرافع لسوء الأدب ، والظاهر انّه ليس منه والشبّاك والصندوق الشريف وثوبه 1 .
1 ـ المشهور جواز التقدّم على قبر المعصوم (عليه السلام) في حال الصلاة على كراهة أو مساواته ، والمحكي عن البهائي والمجلسي والكاشاني وبعض المتأخّرين عنهم المنع من التقدّم وعن بعض متأخّري المتأخّرين المنع عن المساواة أيضاً ، والكلام يقع في مقامين :
الأوّل : في التقدّم ومستند المنع فيه روايتان للحميري :
إحداهما : ما رواه الشيخ (قدس سره)باسناده عن محمد بن أحمد بن داود عن أبيه عن محمد بن عبدالله الحميري قال : كتبت إلى الفقيه (عليه السلام) أسأله عن الرجل يزور قبور الأئمّة (عليهم السلام) هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا؟ وهل يجوز لمن صلّى عند قبورهم أن يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة ، ويقوم عند رأسه ورجليه وهل يجوز أن يتقدّم القبر ويصلّي ويجعله خلفه أم لا؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت : وامّا السجود على القبر فلا يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيارة بل يضع خدّه الأيمن على القبر ، وامّا الصلاة فإنّها خلفه ويجعله الإمام ، ولا يجوز أن يصلّي بين يديه لأنّ الإمام لا يتقدّم ويصلّي عن يمينه وشماله .
والاُخرى : ما رواه الطبرسي في الاحتجاج عن محمد بن عبدالله الحميري عن صاحب الزمان ـ عجّل الله تعالى فرجه الشريف ـ وهي مثل الاُولى إلاّ انّه قال : ولا يجوز أن يصلّي بين يديه ولا عن يمينه ولا عن يساره لأنّ الإمام لا يتقدّم عليه ولا
الصفحة 432
يساوي .
والظاهر انّهما رواية واحدة بمعنى انّ الحميري سأل عن حكم المسألة مرّة واحدة واُجيب كذلك ، غاية الأمر انّ الجواب مردّد بين أن يكون مثل ما في الرواية الاُولى وبين أن يكون مثل ما في الثانية ، وعليه فالمراد من الفقيه الذي كتب إليه في الاُولى هو صاحب الزمان ـ عجّل الله تعالى فرجه الشريف ـ نظراً إلى انّه من جملة ألقابه الشريفة أو إلى المعنى الوصفي ولا مجال لدعوى انّ الظاهر منه عند الإطلاق هو الكاظم (عليه السلام) لكثرة استعماله فيه ، وحيث إنّ الحميري متأخّر عن زمانه (عليه السلام)فالسند فيه سقط فتكون الرواية مقطوعة فإنّه لو سلّم هذا الظهور فإنّما هو مع عدم القرينة على الخلاف وهي في المقام موجودة لرواية الحميري عنه مضافاً إلى ما عرفت من التصريح بالصاحب (عليه السلام) في الرواية الاُخرى التي هي متّحدة مع هذه الرواية كما مرّ .
كما انّ الإشكال في سند الاُولى بأنّه رواها الشيخ عن محمد بن أحمد بن داود مع أنّه لم يذكر طريقه إليه في المشيخة وفي سند الثانية بالإرسال لأنّه لا يمكن للطبرسي النقل عن الحميري من دون واسطة .
مدفوع بأنّه ذكر الشيخ في محكي الفهرست في ترجمة الرجل انّه أخبرنا بكتبه ورواياته جماعة منهم محمد بن محمد بن النعمان والحسين بن عبيدالله وأحمد بن عبدون كلّهم ولا ينافيه عدم التعرّض له في المشيخة .
ولا دليل على كون رواية الاحتجاج مرسلة بعد احتمال كون الطبرسي قد نقلها عن كتاب الحميري وكون كتابه معلوم الاسناد إليه كما لا يخفى فاللاّزم التكلّم في مفاد الرواية ومدلولها فنقول :
امّا الإمام في قوله (عليه السلام) : ويجعله الإمام فيمكن أن يكون بفتح الهمزة بمعنى القدام
الصفحة 433
وعليه فيكون هذه الجملة مؤكّدة لقوله فإنّها خلفه من دون أن تكون مفيدة لأمر آخر ويمكن أن يكون بكسر الهمزة ويكون المراد منه إمام الجماعة ، وعليه فالمراد منه هو جعل القبر بمنزلة إمام الجماعة في كونه متقدّماً ولا يتقدّم عليه ، وامّا احتمال كون المراد منه على هذا التقدير هو الإمام المعصوم كما في المستمسك نظراً إلى أنّ قرينية مورد السؤال تعين الحمل عليه فبعيد جدّاً; لأنّ مرجعه إلى جعل قبر الإمام إماماً ولا يتوقّف حمل الإمام على الإمام المعصوم في التعليل بقوله لأنّ الإمام لا يتقدّم عليه على كون المراد بهذا الإمام هو الإمام المعصوم لأنّه جملة اُخرى متعرّضة لبيان حكم آخر معلّل بذلك التعليل والضمير فيها يرجع إلى الإمام المعصوم كما هو واضح .
وامّا قوله (عليه السلام) : لا يجوز أن يصلّي بين يديه مع التعليل بقوله : لأنّ الإمام لا يتقدّم عليه فلا إشكال في أنّ الإمام فيه يراد به الإمام المعصوم ، امّا بالخصوص أو بحيث يشمل إمام الجماعة كما حكى الاستدلال به عن الأصحاب في مسألة عدم جواز تقدّم المأموم على الإمام في صلاة الجماعة ، والمراد من عدم جواز التقدّم على الإمام ليس هو التقدّم المعنوي بإنكار إمامته وعدم متابعته بل هو التقدّم في الموقف بالمشي أو الجلوس أو الوقوف مقدّماً عليه والمراد منه هو مطلق التقدّم لا في خصوص الصلاة و ـ حينئذ ـ ربّما يقال حيث إنّ التقدّم على المعصوم في الموقف ليس حكماً إلزامياً ، بل أدبياً قطعاً يكون التعليل قرينة على الكراهة كسائر ما ورد عنهم في آداب زيارتهم .
ويرد عليه مضافاً انّ مجرّد كون الحكم وارداً في مقام الأدب لا يستلزم عدم كونه إلزامياً فإنّ من الأحكام الأدبية ما تجب مراعاته كحرمة رفع الصوت على صوت النبي (صلى الله عليه وآله) وحرمة الجهر له بالقول كهجر البعض بالبعض ، بل وحرمة مسّ
الصفحة 434
القرآن الشريف من دون طهارة التي لا تكون ناشئة إلاّ من جهة الأدب ورعاية احترام القرآن بجميع شؤونه حتّى نقوشه وخطوطه .
انّه لو كان بيان الحكم بصورة النهي لأمكن حمله على الكراهة لشيوع استعمال النواهي فيها ، وامّا لو كان بيانه بمثل قوله : لا يجوز الظاهر في نفي الجواز لما كا وجه للحمل على الكراهة لعدم المناسبة ينها وبين نفي الجواز كما لايخفى .
وعلى ما ذكرنا فلا محيص عن الالتزام بعدم الجواز الوضعي كما هو الظاهر في مثله وذهاب المشهور إلى خلافه لا يوجب الوهن في الرواية من جهة الاعراض عنها لعدم ثبوت الاعراض لأنّه يحتمل قويّاً انّهم حملوها على الحكم الأدبي الملائم مع عدم اللزوم بل الظاهر هو ذلك كما يشهد به الفتوى بالكراهة الكاشفة عن حمل الرواية عليها وإلاّ لا دليل على الكراهة أيضاً فتدبّر .
المقام الثاني : في اليمين واليسار وعن بعض متأخّري المتأخّرين المنع فيه أيضاً وهو ظاهر رواية الطبرسي المتقدّمة المشتملة على التعليل بقوله : ولا يساوي بعد التعليل لحكم التقدّم بقوله : لأنّ الإمام لا يتقدّم ويؤيّده الحصر المستفاد من رواية الشيخ (قدس سره) من قوله : امّا الصلاة فإنّها خلفه ويجعله الإمام ظاهره انحصار الجواز من الجوانب الأربعة بالخلف لكن وقع في ذيلها قوله : ويصلّي عن يمينه وشماله وفيه احتمالات ثلاثة :
أحدها : أن يكون جملة مستقلّة مستأنفة متعرّضة لبيان حكم الجانبين ومفادها ـ حينئذ ـ جواز الصلاة عن يمينه وشماله ويقع التعارض ـ حينئذ ـ بينها وبين رواية الطبرسي الظاهرة في المنع كما مرّ وهذا الاحتمال هو الظاهر من الرواية .
ثانيها : أن يكون معطوفاً على قوله : يصلّي بين يديه وعليه يكون منصوباً ومرجعه إلى أنّه كما لا يجوز أن يصلّي بين يديه كذلك لا يجوز أن يصلّي عن يمينه
الصفحة 435
وشماله ويبعده الفصل بينه وبين حكم التقدّم بالتعليل مضافاً إلى خلوّه عن التعليل مع أنّه أحوج إليه من التقدّم فتدبّر .
ثالثها : أن يكون قوله : يصلّي مبنياً للمفعول معطوفاً على قوله : يتقدّم فيكون من تتمّة التعليل ومرجعه إلى أنّ الإمام كما لا يتقدّم عليه كذلك لا يصلّي عن يمينه وشماله ويبعده عدم المناسبة بين كونه من تتمّة التعليل وبين كون الحكم المعلّل عدم جواز خصوص الصلاة بين يديه فانقدح انّ الظاهر هو الاحتمال الأوّل المعارض لرواية الطبرسي .
ثمّ إنّه لو قلنا بكونهما روايتين وقع بينهما التعارض فالظاهر رجحان رواية الشيخ لصحّة سندها ونحن وإن نفينا الإرسال في رواية الطبرسي إلاّ انّها لا تبلغ مرتبة الصحيحة بحيث يمكن أن تكون معارضة لها مع أنّ رواية الشيخ يمكن أن تصير قرينة على حمل الاُخرى على الكراهة فتدبّر .
وإن قلنا : بكونهما رواية واحدة كما استظهرناه في أوّل المسألة فاللاّزم الالتزام بتردّد ما هو الصادر من الإمام (عليه السلام) بين أن يكون هو الجواز أو العدم وحيث لا معين للثاني يبقى إطلاق ما دلّ على الصلاة في كلّ مكان بلا معارض خصوصاً مع كون الرواية الدالّة على الجواز صحيحة من حيث السند كما عرفت .
وامّا الحصر في قوله : فإنّها خلفه فالظاهر انّه حصر إضافي في مقابل التقدّم ويمكن أن يكون المراد منه هو الفضل والكمال بالإضافة إلى سائر الجهات الثلاثة .
وقد انقدح ممّا ذكرنا انّ الظاهر هو الجواز في اليمين واليسار ويؤيّده الروايات الكثيرة الدالّة على استحباب الصلاة عند رأس الإمام الظاهرة في جواز الصلاة مع التساوي ولا مجال لحملها على التأخّر بمقدار لا يصدق المحاذاة والمساواة بعد عدم الدليل على المنع فيها .
الصفحة 436
ثمّ إنّ الظاهر صدق عنوان القبر على الصندوق المنصوب عليه فإنّه بمنزلة الحجر المنصوب عليه الذي يصدق على وضع اليد عليه انّه وضع اليد على القبر وعلى تقبيله انّه تقبيله ، وامّا الشباك المنصوب عليه فالظاهر انّه لا يصدق عليه القبر وقيام السيرة على معاملتهم معه معاملة القبر في آداب الزيارة كوضع الخدّ عليه ليس لأجل كونه قبراً بل إنّما هو لأجل المجاورة القريبة معه مع عدم تمكّنهم من الوصول إليه نوعاً .
ثمّ إنّ الحائل والبعد المفرط المخرج عن صدق التقدّم والمحاذاة عرفاً يكفي في رفع المنع والكراهة والظاهر انّ الشباك على تقدير عدم كونه قبراً لا يعدّ حائلا أيضاً عرفاً كما لايخفى .
الصفحة 437
مسألة 10 ـ لا يعتبر الطهارة في مكان المصلّي إلاّ مع تعدّي النجاسة غير المعفو عنها إلى الثوب أو البدن ، نعم تعتبر في خصوص مسجد الجبهة كما مرّ ، كما يعتبر فيه أيضاً مع الاختيار كونه أرضاً أو نباتاً أو قرطاساً ، والأفضل التربة الحسينية التي تخرق الحجب السبع وتنور إلى الأرضين السبع على ما في الحديث ، ولا يصحّ السجود على ما خرج عن اسم الأرض من المعادن كالذهب والفضة والزجاج والقير ونحو ذلك ، وكذا ما خرج عن اسم النبات كالرماد ، والأقوى جوازه على الخزف والاجر والنورة والجص ولو بعد الطبخ ، وكذا الفحم ، وكذا يجوز على طين الأرمني وحجر الرحى وجميع أصناف المرمر إلاّ ما هو مصنوع ولم يعلم انّ مادّته ممّا يصحّ السجود عليها ، ويعتبر في جواز السجود على النبات أن يكون من غير المأكول والملبوس فلا يجوز على ما في أيدي الناس من المآكل والملابس كالمخبوز والمطبوخ والحبوب المعتاد أكلها من الحنطة والشعير ونحوهما والفواكه والبقول المأكولة ، والثمرة المأكولة ولو قبل وصولها إلى زمان الأكل ، ولا بأس بالسجود على قشورها بعد انفصالها عنها دون المتصل بها إلاّ مثل قشر التفاح والخيار ممّا هو مأكول ولو تبعاً أو يؤكل أحياناً ، أو يأكله بعض الناس ، وكذا قشور الحبوب ممّا هي مأكولة معها تبعاً على الأحوط ، نعم لا بأس بقشر نوى الأثمار إذا انفصل عن اللب المأكول ، ومع عدم مأكولية لبّه ولو بالعلاج لا بأس بالسجود عليه مطلقاً كما لا بأس بغير المأكول كالنظل والخرنوب ونحوهما ، كما لا بأس بالتبن والقصيل ونحوهما ، ولا يمنع شرب التتن من جواز السجود عليه ، والأحوط ترك السجود على نخالة الحنطة والشعير وكذا على قشر البطيخ ونحوه ، ولايبعد الجواز على قشر الارز والرمّان بعد النفصال .
الصفحة 438
والكلام في الملبوس كالكلام في المأكول فلا يجوز على القطن والكتان ولو قبل وصولهما إلى أوان الغزل ، نعم لا بأس على خشبتهما وغيرها كالورق والخوص ونحوهما ممّا لم يكن معدّاً لاتخاذ الملابس المعتادة منها ، فلا بأس حينئذ بالسجود على القبقاب والثوب المنسوج من الخوص مثلا فضلا عن البوريا والحصير والمروحة ونحوها ، والأحوط ترك السجود على القنب ، كما انّ الأحوط الأولى تركه على القرطاس المتّخذ من غير النبات كالمتخذ من الحرير والابريسم وإن كان الأقوى الجواز مطلقاً 1 .
1 ـ امّا عدم اعتبار الطهارة في مكان المصلّي غير مسجد الجبهة فيأتي البحث فيه ـ إن شاء الله تعالى ـ في باب السجود . وامّا اعتبار كون ما يسجد عليه أرضاً أو نباتاً أو قرطاساً فهو المقصود بالبحث هنا ، وتفصيل الكلام فيه انّ اعتبار هذا الشرط فيما يسجد عليه المصلّي يكون ممّا تفرّدت به علمائنا الإمامية من غير خلاف بينهم خلافاً لسائر فرق المسلمين حيث لم يعتبروا فيما يسجد عليه شيئاً ومقتضى ذلك جواز السجود على كلّ شيء ولو كان من الأعيان النجسة .
ومنشأ الاعتبار ، الروايات الكثيرة الواردة في هذا الباب الدالّة عليه عموماً أو خصوصاً بمعنى النهي عن السجود على بعض ما ليس من الأرض وكذا عن بعض المأكولات والملبوسات .
وممّا يدلّ على ذلك ـ بنحو العموم ـ صحيحة هشام بن الحكم انّه قال لأبي عبدالله (عليه السلام) : اخبرني عمّا يجوز السجود عليه وعمّا لا يجوز قال : السجود لا يجوز إلاّ على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلاّ ما أكل أو لبس ، فقال له : جعلت فداك ما العلّة في ذلك؟ قال : لأنّ السجود خضوع لله ـ عزّوجلّ ـ فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل ويلبس لأنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون ، والساجد في سجوده في
الصفحة 439
عبادة الله ـ عزّوجلّ ـ فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها (الحديث) .
وصحيحة حمّاد بن عثمان عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه قال : السجود على ما أنبتت الأرض إلاّ ما أكل أو لبس . وعدم التعرّض لنفس الأرض امّا لأجل كونها مستفادة من طريق الأولوية وامّا لأجل كون الرواية مسوقة لبيان الاستثناء المتحقّق في خصوص النبات دون الأرض لعدم استثناء شيء منه ، ويحتمل أن يكون «ما أنبتت الأرض» كناية عن الأرض ونباتها وتؤيّده الرواية الآتية الواردة في الزجاج .
ورواية الأعمش عن جعفر بن محمّد (عليهما السلام) في حديث شرائع الدين قال : لا يسجد إلاّ على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلاّ المأكول والقطن والكتّان .
وغير ذلك من الروايات الواردة في هذا الباب الدالّة على اعتبار ما ذكر فيما يسجد عليه المذكورة في «الوسائل» فلا إشكال في الحكم في الجملة ، نعم لابدّ من التكلّم في الفروع في ضمن اُمور :
الأوّل : لا خفاء في أنّ المراد بالأرض التي يجوز السجدة عليها ليس هو الأرض في مقابل السماء الذي هو عبارة عن مجموع هذه الكرة من بسائطها ومركباتها ، بل المراد بها هي الأرض بمعنى المواد الأوّلية القابلة للتغيير إلى المعادن والنباتات والحيوانات وهي عبارة عن التراب والحجر والرمل والحصى فيجوز السجود على التراب من دون فرق بين أن يكون تراباً خالصاً أو تراباً معدنياً مشتملا على ذرّات الذهب أو الفضّة أو غيرهما من المعدنيات لعدم خروجه عن صدق التراب وإن خرج بعض أجزائه عن صدقه بعد التصفية والتجزية ولذا لا يجوز السجود على مثل الذهب والفضّة وغيرهما من المعادن الخارجة عن صدق الأرض .
الصفحة 440
وكذا يجوز السجود على الحجر من دون فرق بين أنواعه ، نعم بعض الأحجار خارج عن صدق الأرض كالأحجار الكريمة كالياقوت والفيروزج والزبرجد فيجوز السجود على حجر الجص وكذا حجر النورة فيما إذا لم يكونا مطبوخين ، وامّا بعد الطبخ فلا يبعد أن يقال أيضاً بعدم خروجهما عن صدق الأرض مضافاً إلى استصحاب جواز السجود عليهما الثابت قبل الطبخ ، وامّا استصحاب بقاء عنوان الأرض فهو مخدوش لعدم كون الشكّ في بقاء أمر خارجي بل في مفهوم لفظ الأرض كاستصحاب بقاء النهار إذا شكّ في زواله باستتار القرص أو بقائه إلى زوال الحمرة المشرقية .
ويدلّ على الجواز أيضاً صحيحة الحسن بن محبوب قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام)عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ثمّ يجصّص به المسجد أيسجد عليه؟ فكتب (عليه السلام) إليّ بخطّه : انّ الماء والنار قد طهّراه .
فإنّ ظاهر السؤال انّ الإشكال المتوهّم في جواز السجود عليه ليس هي المطبوخية بل إنّما هي النجاسة ومع فرض عدمها فلا إشكال في جواز السجود عليه وظاهر الجواب تقرير السائل على ذلك ودفع توهّم النجاسة بأنّ الماء والنار قد طهّراه وهذا التعليل وإن كان في كمال الإجمال ـ لأنّ المفروض فيه حصول النجاسة للجص بالطبخ في مورد السؤال وهو إنّما يتمّ على تقدير اختلاط ذرّات العذرة والعظام مع الجصّ ، وامّا لو فرض وجود الحائل بينهما كالظرف ونحوه فلا تتحقّق النجاسة بوجه وعلى تقديرها فلا معنى لحصول الطهارة لها بالماء الذي يكون المراد منه ظاهراً هو الماء المخلوط معه لأن يتحقّق إمكان التجصيص ولا وجه لكون مثله مطهراً وكذلك النار وقد تقدّم بيان ذلك في المطهّرات ـ إلاّ ان إجماله لا يقدح فيما هو المهمّ من الاستدلال بالصحيحة كما لا يخفى .
|