في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


الصفحة 621

على طريق الوجوب فلعلّ صرفه كان لعدم ملائمة ذلك مع محضر النبي (صلى الله عليه وآله)والحضور فيه لا لحرمته هذا كلّه ما يتعلّق بالسنّة .

ومن الوجوه التي قد استدلّ بها على وجوب ستر الوجه والكفّين ثبوت الاتفاق في المسألة كما ادّعاه الفاضل المقداد في كنز العرفان حيث قال : لاطباق الفقهاء على أنّ بدن المرأة كلّها عورة إلاّ على الزوج والمحارم . ومن المعلوم شمول البدن للوجه والكفّين خصوصاً مع التصريح بكلمة «كلّ» .

ولا يخفى انّ مدّعاه ليس هو الإجماع المصطلح بل مجرّد الاطباق والاتفاق وهو أعمّ منه مع أنّ الإجماع المنقول بخبر الواحد ليس بحجّة كما قرّر في محلّه مع أنّ التمسّك بالإجماع في محل النزاع خصوصاً مع ذهاب كثير من الأعلام إلى عدم وجوب ستر الوجه والكفّين ممّا لا وجه له أصلا .

ومن الوجوه انّ السيرة المستمرّة من المتشرّعة قائمة على منع النساء أن يخرجن منكشفات وعلى مراقبتهن وعدم خروجهن من البيوت إلاّ متستّرة كما انّ النظر إلى وجه المرأة الأجنبية قبيح عند المتشرّعة مطلقاً من دون فرق بين صورة التلذّذ وغيرها وقد عبّر صاحب الجواهر (قدس سره) بأنّ التطلّع على النساء من المنكرات في الإسلام .

ويمكن الجواب عنه بأنّ عدم ستر الوجه والكفّين يوجب كون المرأة في معرض النظر ، ومن المعلوم انّ الأنظار مختلفة بعضها مقرون بالتلذّذ وبعضها خال عنه ، وحيث إنّه لا سبيل إلى تشخيص النظر المقرون بالتلذّذ لأنّ المقصود لا يطلع عليها فطريق الاحتجاب عن الناظر بشهوة هو الاحتجاب مطلقاً .

وإن أبيت عن ذلك وقلت : إنّ السيرة قائمة على التستّر في نفسه لا لما قيل من تحقّق الاحتجاب عن الناظر بشهوة فالجواب انّ السيرة لا دلالة لها على خصوص

الصفحة 622

الحكم اللزومي ، بل هي أعمّ منه فإنّ صاحب الجواهر (قدس سره) مع اتكائه على هذه السيرة وإنكار المتشرّعة أفتى بجواز النظر إلى جميع جسد المرأة لمن أراد التزويج معها مع أنّ هذا ممّا ينكره المتشرّعة أشد الإنكار فيظهر من ذلك انّ السيرة قاصرة عن اخثبات الحكم اللزومي .

ومنها : انّ عدم التستّر والنظر ربّما يوجب الوقوع في الفتنة والحرام وحيث إنّ نظر الشارع عدم تحقّق الفتنة بوجه فيكشف ذلك عن وجوب التستّر وحرمة النظر .

وقد أجاب الشيخ الأعظم (قدس سره) عن هذا الوجه بأنّ المعهود من الشارع في أمثال هذه الموارد هو الحكم بالكراهة دون التحريم كالروايات الدالّة على حسن الاحتياط في الشبهات الحكمية وان ارتكاب الشبهات ربّما يوجب الوقوع في حمى الله ومحرّماته وقد ثبت في الاُصول انّ مقدّمة الحرام ليست بمحرمة ولو قلنا بوجوب مقدّمة الواجب ، نعم المقدّمة التي هي علّة تامّة لوقوع الحرام بحيث يترتّب عليها قهراً من دون تخلّل الإرادة والاختيار تكون محرّمة ومن المعلوم انّ النظر وكذا عدم التستّر لا يكون كذلك .

وقد انقدح من جميع ما ذكرنا انّ الوجوه التي استدلّ بها على وجوب ستر الوجه والكفّين كلّها مخدوشة مردودة .

وامّا القول بالتفصيل بين النظرة الاُولى وغيرها فمستنده روايات ظاهرة في ذلك :

منها : رواية الكاهلي قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة وكفى بها لصاحبها فتنة .

ومنها : مرسلة الصدوق قال : وقال (عليه السلام) : أوّل نظرة لك والثانية عليك ولا لك

الصفحة 623

والثالثة فيها الهلاك .

ومنها : ما رواه أيضاً في الخصال باسناده عن علي (عليه السلام) في حديث الأربعمائة قال : لكم أوّل نظرة إلى المرأة فلا تتبعوها نظرة اُخرى واحذروا الفتنة .

ومنها : ما رواه أيضاً في عيون الأخبار عن محمد بن عمر الجعابي عن الحسن بن عبدالله بن محمد الرازي عن أبيه عن الرضا عن آبائه (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : من قتل حيّة قتل كافراً ، وقال : لا تتبع النظرة النظرة فليس لك يا علي إلاّ أوّل نظرة .

والجواب عن الاستدلال بهذه الرواية : انّ البحث إنّما هو في النظر إلى الوجه والكفّين وليس في هذه الروايات إطلاق يشمل النظر إليهما ، بل موردها هو النظر المحرّم ، وامّا ان أيّ نظر يكون محرّماً فلا دلالة لها عليه .

وبالجملة شمول الروايات للنظر إلى الوجه والكفّين والحكم بالتفصيل فيه غير واضح .

وربما يقال : بأنّ المراد من النظرة الاُولى هي النظرة غير العمدية ومن الثانية هي النظرة العمدية ولكنه لا شاهد على هذا القول أصلا فظهر من جميع ما ذكرنا عدم تمامية أدلّة القائلين بوجوب ستر الوجه والكفّين ، امّا مطلقاً أو في غير النظرة الاُولى ، وهنا شواهد وأدلّة على عدم الوجوب :

الأوّل : الآية الشريفة المتقدّمة المشتملة على استثناء ما ظهر من الزينة بناء على تفسيرها بالوجه والكفّين ، كما لعلّه الظاهر من الآية وقد وردت به روايات على ما تقدّم ، نعم لو قلنا بأنّ الروايات الواردة في تفسيرها مختلفة وانّ الزينة الظاهرة تكون مجملة لكان لازمه إجمال المخصّص المتّصل وهو يسري إلى العام ويصير سبباً لإجماله ، وعليه فلا دلالة في الآية على جواز كشفهما ، كما انّه لا دلالة لها على حرمة

الصفحة 624

إبدائهما على ما هو المفروض فيصير وجوب سترهما مشكوكاً ولا حاجة ـ حينئذ ـ للقائل بالجواز إلى إقامة الدليل عليه بعد اقتضاء أصالة البراءة لعدم الوجوب .

الثاني : الروايات الواردة في المقام وهي كثيرة :

منها : ما رواه الكليني عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن مروك بن عبيد عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت له : ما يحلّ للرجل أن يرى من المرأة إذا لم يكن محرماً؟ قال : الوجه والكفّان والقدمان ، ورواه الصدوق في الخصال عن محمد بن الحسن عن الصفّار عن أحمد بن محمد مثله . وهذه الرواية وإن كانت مرسلة إلاّ انّ في السند أحمد بن محمد بن عيسى الذي أخرج البرقي من «قم» لنقله الرواية من الضعاف فاشتمال السند على أحمد يجبر الإرسال ، كما انّ نقله عن مروك دليل على أنّه معتمد مضافاً إلى تعبير أهل الرجال عنه بأنّه شيخ صدوق فالرواية من جهة السند غير قابلة للمناقشة .

وامّا من حيث الدلالة فواضحة ولكنّه ربّما يناقش فيها بأنّ اشتمالها على القدمين يوجب الوهن فيها لعدم جواز النظر إلى القدمين إجماعاً ولكنّه أجاب عنها الشيخ (قدس سره) بأنّه لا مانع من الالتزام بكون الرواية مطروحة بالإضافة إلى خصوص القدمين ولا يوجب ذلك إشكالا بالإضافة إلى الوجه والكفّين ، وامّا صاحب الحدائق (قدس سره) فقد التزم بجواز النظر إلى القدمين أيضاً لأجل اشتمال الرواية عليهما .

ومنها : رواية مسعدة بن زياد قال : سمعت جعفراً وسئل عمّا تظهر المرأة من زينتها قال : الوجه والكفّين .

ومنها : ما عن قرب الاسناد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليهما السلام) قال : سألته عن الرجل ما يصلح أن ينظر إلى المرأة التي لا تحلّ له؟ قال : الوجه والكفّان وموضع السوار .

الصفحة 625

ولا يخفى انّ نفس السؤال دليل على أنّه كان في ذهن السائل وهو علي بن جعفر عدم وجوب ستر المرأة جميع بدنها وانّه ليس بحيث لا يجوز النظر إلى الجميع ، بل كان هناك مقدار لا يجب ستره ويجوز النظر إليه ، وإنّما كان السؤال عن تعيينه ، ولم يستبعد المحقّق السبزواري (قدس سره) في محكي الكفاية صحّة سند هذه الرواية .

ومنها : رواية علي بن سويد قال : قلت لأبي الحسن (عليه السلام) : إنّي مبتلى بالنظر إلى المرأة الجميلة فيعجبني النظر إليها فقال : يا علي لا بأس إذا عرف الله من نيّتك الصدق وإيّاك والزنا فانّه يمحق البركة ويهلك الدين .

والظاهر انّ معنى الابتلاء بالنظر إلى المرأة الجميلة كون حرفته وعلمه مقتضياً للنظر إليها كما قاله الشيخ الأنصاري (قدس سره) ، وقال في الجواهر : إنّ المراد هي النظرة غير العمدية مع أنّه لا يلائم قوله (عليه السلام) : إذا عرف الله من نيّتك الصدق ، فإنّه يدلّ على أنّ النظر كان ناشئاً عن النيّة والقصد ويستفاد من الرواية عدم تداول ستر الوجه في ذلك الزمان وإلاّ لم يتحقّق الابتلاء ، وعدم تذكّر الإمام (عليه السلام) لعلي بن سويد النهي عن المنكر وعدم تنبّهه عليه ظاهر في عدم كونه منكراً فتدبّر .

ومنها : رواية أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سألته عن المرأة المسلمة يصيبها البلاء في جسدها لما كسر ، وامّا ما جرح في مكان لا يصلح النظر إليه يكون الرجل أرفق بعلاجه من النساء أيصلح له النظر إليها؟ قال : اخذا اضطرّت إليه فليعالجها إن شاءت . فإنّ المستفاد من قول السائل وهو أبو حمزة الثمالي ـ الذي كان من أعيان أصحاب الأئمّة (عليهم السلام) ومن وجوه الشيعة صاحب الدعاء المعروف ـ : «في مكان لا يصلح النظر إليه» انّ من جسد المرأة موضعاً يصلح النظر إليه وإلاّ يكون ذكر هذه الجملة لغواً لا يترتّب عليها أثر أصلا ولا يكون ذلك الموضع إلاّ الوجه والكفّين للإجماع على عدم جواز النظر إلى غيرهما .

الصفحة 626

ومنها : الروايات الواردة في باب غسل المرأة الميتة التي منها رواية مفضل بن عمر قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : جعلت فداك ما تقول في المرأة تكون في السفر مع الرجال ليس فيهن لها ذو محرم ولا معهم امرأة فتموت المرأة ما تصنع بها؟ قال : يغسل منها ما أوجب الله عليها التيمّم ولا تمسّ ولا يكشف لها شيء من محاسنها التي أمر الله بسترها ، قلت : فكيف يصنع بها؟ قال : يغسل بطن كفّيها ثمّ يغسل وجهها ثمّ يغسل ظهر كفّيها . فإنّ المستفاد منها انّ مواضع التيمّم ليست من المحاسن التي أمر الله بسترها فهي لا يجب سترها وفيها إشعار بكون المراد من الزينة الظاهرة المستثناة في الكريمة المتقدّمة هي مواضع التيمّم التي هي عبارة عن الوجه والكفّين ظاهرهما وباطنهما كما لا يخفى .

ومنها : الروايات الواردة في تروك الاحرام الدالّة على حرمة تغطية الوجه للمرأة كرواية عبدالله بن ميمون عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) قال : المرأة لا تتنقّب لأنّ إحرام المرأة في وجهها وإحرام الرجل في رأسه . ورواية أحمد بن محمد «بن أبي نصر ـ خ» عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : مرّ أبوجعفر (عليه السلام) بامرأة محرمة قد استترت بمروحة فأماط المروحة بنفسه عن وجهها .

ورواية الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : مرّ أبو جعفر (عليه السلام) بامرأة متنقّبة وهي محرمة فقال : احرمي واسفري وأرخي ثوبك من فوق رأسك فإنّك إن تنقبت لم يتغيّر لونك قال رجل : إلى أين ترخيه؟ قال : تغطّي عينها قال : قلت : تبلغ فمها؟ قال : نعم .

فإنّ إيجاب كشف الوجه عليها في حال الإحرام وتحريم تغطيته يؤيّد بل يدلّ على عدم وجوب الستر عليها في غير حال الإحرام لأنّه من البعيد جدّاً أن يصير المحرم في غير حال الإحرام واجباً في حاله ، وامّا صيرورة الجائز واجباً أو محرماً

الصفحة 627

فلا بعد فيه أصلا .

ومنها : رواية عمرو بن شمر عن أبي جعفر (عليه السلام) عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال : خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) يريد فاطمة(عليها السلام) وأنا معه فلمّا انتهينا إلى الباب وضع يده عليه فدفعه ثمّ قال : السلام عليكم فقالت فاطمة(عليها السلام) : وعليك السلام يا رسول الله قال ادخل؟ قالت : ادخل يا رسول الله ، قال : ادخل ومن معي؟ قالت : ليس عليَّ قناع ، فقال : يافاطمة خذي فضل ملحفتك فقنّعني به رأسك ففعلت ثمّ قال : السلام عليك فقالت : وعليك السلام يا رسول الله قال : ادخل؟ قالت : نعم يا رسول الله قال : أنا ومن معي؟ قالت : ومن معك قال جابر : فدخل رسول الله (صلى الله عليه وآله)ودخلت وإذا وجه فاطمة(عليها السلام) أصفر كأنّه بطن جرادة فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : مالي أرى وجهك أصفر؟ قالت : يا رسول الله الجوع فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : اللهمّ مشبع الجوعة ودافع الضيعة اشبع فاطمة بنت محمد قال جابر : فوالله لنظرت إلى الدم ينحدر من قصاصها حتّى عاد وجهها أحمر فما جاعت بعد ذلك اليوم .

ومنها : غير ذلك من الروايات الواردة في موارد مختلفة التي تظهر بالتتبّع وبذلك يتمّ الكلام في الجهة الاُولى من الجهتين المبحوث عنهما في باب الستر على ما عرفت .

وامّا الكلام في الجهة الثانية وهي الستر الذي يجب شرطاً للصلاة ونحوها فنقول : قد عرفت الفرق بينه وبين الستر الواجب النفسي من جهات متعدّدة والكلام فيها أيضاً يقع في مقامين :

المقام الأوّل : فيما يتعلّق بالرجال فنقول : قد اتفق الأصحاب على أنّ الواجب على الرجال هو ستر ما يكون ستره متعلّقاً للوجوب النفسي فلا يجب عليهم إلاّ ستر العورة فقط والعورة كما عرفت عبارة عن أصل القضيب والبيضتين والدبر

الصفحة 628

وأوجب بعض العامّة عليهم أن يستروا جميع ما بين السرّة والركبة ولكن لا دليل عليه بل يستحبّ نفسياً ذلك ويوجب ذلك أكملية الصلاة .

وامّا الروايات الواردة في هذا المقام فالمستفاد منها مفروغية أصل المسألة وفي مقابلها روايات تدلّ على أنّ الرجل يصلّي في قميص واحد أو ثوب مع أنّ القميص يستر بحسب ما هو المتعارف أكثر من العورتين فهل هذه الروايات متنافية مع الطائفة الاُولى؟ ولا بأس بالتعرّض لبعض الروايات من كلتا الطائفتين فنقول :

امّا الطائفة الاُولى :

فمنها : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليهما السلام) قال : سألته عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عرياناً وحضرت الصلاة كيف يصلّي؟ قال : إن أصاب حشيشاً يستر به عورته أتمّ صلاته بالركوع والسجود وإن لم يصب شيئاً يستر به عورته أومأ وهو قائم . فإنّه يستفاد منها مفروغية اعتبار ستر العورتين فقط للرجل في الصلاة .

ومنها : صحيحته الاُخرى عن أخيه قال : سألته عن الرجل صلّى وفرجه خارج لا يعلم به هل عليه إعادة أو ما حاله؟ قال : لا إعادة عليه وقد تمّت صلاته . فإنّ مدلولها انّ عدم الإعادة إنّما هو لأجل الجهل بكون الفرج خارجاً كما لا يخفى .

وامّا الطائفة الثانية :

فمنها : رواية يونس بن يعقوب انّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يصلّي في ثوب واحد؟ قال : نعم قال : قلت : فالمرأة؟ قال : لا ، ولا يصلح للحرّة إذا حاضت إلاّ الخمار إلاّ أن لا تجده .

ومنها : رواية محمد بن مسلم (في حديث) قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : ما ترى للرجل يصلّي في قميص واحد؟ فقال : إذا كان كثيفاً فلا بأس به والمرأة تصلّي في

الصفحة 629

الدرع والمقنعة إذا كان الدرع كثيفاً يعني إذا كان ستيراً .

والظاهر انّه لا منافاة بين الطائفتين; لأنّ الطائفة الثانية لا تكون إلاّ في مقام عدم وجوب أزيد من قميص واحد أو ثوب كذلك في مقابل المرأة التي يجب عليها أزيد من ذلك وليست في مقام إيجاب ستر كلّ جزء يستره القميص أو الثوب كما لا يخفى فلا منافاة أصلا .

ثمّ إنّه حيث إنّ اللون قد يكون مستوراً بحث لا يكون قابلا للتميّز ولكن الشبح لا يكون مستوراً لأنّ الشبح عبارة عن الشيء الذي يرى نفسه ولكن لا يتميّز لونه ، كما إذا كان الشيء مرئياً من وراء زجاجة كثيفة أو من البعيد ، كما انّه قد يكون الشبح مستوراً ولكن الحجم لا يكون مستوراً لأنّ الحجم عبارة عن الشيء الذي لا يرى بنفسه بل يرى الحاجب والساتر ولكن الحاجب يحكي عنه ، كما انّه قد يكون الحجم أيضاً مستوراً يقع الكلام في أنّ اللاّزم من الستر في باب الصلاة أية مرتبة من مراتبه فنقول :

لا إشكال في أنّ ستر اللون الذي هو أقلّ مراتب الستر يكون معتبراً في الصلاة ، وامّا ستر الشبح فاحتاط السيّد (قدس سره) في العروة باعتباره ولا يبعد ذلك نظراً إلى أنّ المتفاهم عند العرف من الستر الموضوع للحكم هو ستر الشبح أيضاً لأنّه مع عدم ستره يكون الشيء مرئياً بنفسه وإن لم يكن لونه متميّزاً وهذا بخلاف ستر الحجم فإنّ المفروض فيه عدم تعلّق الرؤية بنفس الشيء بل بما يحكى عنه ولكن جمع من الأصحاب ومنهم المحقّق الثاني ذهبوا إلى وجوب ستر الحجم أيضاً استناداً إلى قاعدة الاشتغال الجارية في مورد الشكّ لأنّه مع عدم تحقّق ستر الحجم يشكّ في تحقّق ستر العورة المعتبر في الصلاة اللاّزم تحصيله والعلم بتحقّقه . وقد عرفت انّ المتفاهم العرفي من الستر هو كون الشيء مستوراً بنفسه ولم يتعلّق به الرؤية كذلك ،

الصفحة 630

وامّا كون الحجم أيضاً مستوراً فهو خارج عمّا هو المتفاهم عند العرف فلا مجال لقاعدة الاشتغال .

واستندوا أيضاً إلى مرفوعة أحمد بن حمّاد إلى أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا تصلِّ فيما شف أو وصف يعني الثوب المصقل . والمعروف في نقلها : أو وصف بواوين كما قاله الشهيد في محكي الذكرى ومعناه الثوب الحاكي للحجم ولكن نقل عن تهذيب الشيخ (قدس سره)بخطّه : أوصف ومعناه الصفاء والصافي ، وعليه يكون عبارة اُخرى عن الشف وتفنناً في العبارة . وقال في الحدائق : إنّ في نسخ التهذيب يكون بواو واحد كما انّ الكتب التي يروى عن التهذيب يكون هكذا .

وامّا قوله : يعني الثوب المصقل فالظاهر انّه من الراوي لأنّ الكليني أيضاً يرويها بهذه العبارة مع أنّه ليس من دأبه في الكافي تفسير الروايات أصلا ، وعليه فلا مجال لاحتمال كونه من الشيخ بل هو من الراوي والظاهر انّه تفسير للجملتين لا خصوص الجملة الأخيرة وهو أيضاً يؤيّد كون الجملتين بمعنى واحد فلابدّ من أن تكون الجملة الأخيرة مع واو واحدة .

كلّ ذلك مع أنّ الرواية ضعيفة سنداً لأنّ فيه السياري الذي هو جعّال كذّاب كما في الكتب الرجالية مضافاً إلى كونها مرفوعة فلا مجال للاستدلال بها أصلا .

المقام الثاني : فيما يتعلّق بالنساء والأقوال فيه كثيرة ، فالمشهور انّ الواجب عليهنّ ستر جميع البدن إلاّ الوجه والكفّين والقدمين ، وعن الشيخ (قدس سره) استثناء الوجه فقط ، وعن جماعة عدم استثناء شيء من المذكورات وهم بين قائل بوجوب ستر البدن جميعاً وبين قائل بوجوب ستر الجميع إلاّ موضع السجود كابن حمزة وبين قائل باستثناء بعض الوجه وفي قبال هذه الأقوال قول ابن الجنيد بعدم الفرق بين الرجال والنساء في الستر الشرطي بمعنى انّه لا يجب عليهنّ شرطاً إلاّ ستر

الصفحة 631

العورتين فقط .

وامّا الأدلّة فقد ادّعى بعض انّ جسد المرأة عورة ومن المعلوم وجوب ستر العورة في الصلاة وفيه منع الصغرى والكبرى ، امّا الصغرى فلعدم الدليل عليها وقد عرفت انّ ادّعاء الاتفاق عليها من الفاضل المقداد يكون فاقداً للاعتبار ، وامّا الروايات الظاهرة في أنّ النساء عيّ عورة فليست بمعتبرة من حيث السند وعلى تقديره فليس تطبيق العورة عليهن تطبيقاً حقيقياً بل الظاهر منها انّ النساء بمنزلة العورة والمتفاهم منه عرفاً انّها بمنزلة العورة في وجوب التحفّظ عن النظر إليها ولو سلم انّ التطبيق حقيقي فالكبرى ممنوعة لعدم الدليل على وجوب ستر العورة كلّها في الصلاة فهذا الدليل مردود .

وامّا الروايات فلابدّ من ملاحظتها فنقول :

منها : رواية الفضيل عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : صلّت فاطمة(عليها السلام) في درع وخمارها على رأسها ليس عليها أكثر ممّا وارت به شعرها واذنيها ، ولم يعلم انّ الدرع الذي عبّر عنه في بعض الروايات الاُخر بالقميص هل كان ساتراً للكفّين والقدمين أم لا فلا يصحّ الاستدلال بها لحكمهما نفياً أو إثباتاً ، نعم يمكن الاستدلال بها لحكم الوجه وانّه لا يجب ستره لعدم كون الخمار ساتراً له كما انّه من الواضح عدم كون الدرع ساتراً له بوجه .

ومنها : رواية علي بن جعفر انّه سأل أخاه موسى بن جعفر (عليهما السلام) عن المرأة ليس لها إلاّ ملحفة واحدة كيف تصلّي؟ق ال : تلتف فيها وتغطّي رأسها وتصلّي فإن خرجت رجلها وليس تقدر على غير ذلك فلا بأس .

ومنها : رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : المرأة تصلّي في الدرع والمقنعة إذا كان كثيفاً يعني ستيراً .

الصفحة 632

ومنها : رواية معلى بن خنيس عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن المرأة تصلّي في درع وملحفة ليس عليها ازار ولا مقنعة قال : لا بأس إذا التفّت بها وإن لم تكن تكفيها عرضاً جعلتها طولا .

ومنها : رواية ابن أبي يعفور قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : تصلّي المرأة في ثلاثة أثواب ازار ودرع وخمار ولا يضرّها بأن تقنع بالخمار فإن لم تجد فثوبين تتزر بأحدهما وتقنع بالآخر قلت : فإن كان درع وملحفة ليس عليها مقنعة؟ فقال : لا بأس إذا تقنّعت بملحفة فإن لم تكفها فتلبسها طولا .

ومنها : رواية زرارة قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن أدنى ما تصلّي فيه المرأة؟ قال : درع وملحفة فتنشرها على رأسها وتجلّل بها . والمستفاد من هذه الروايات انّه لا خصوصية ولا موضوعية للاُمور المذكورة فيها بعنوان الساتر واللباس بل الملاك المستورية ولو بغير الألبسة المتعارفة ، ولكن ظاهر صحيحة جميل بن دراج خلاف ذلك قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المرأة تصلّي في درع وخمار؟ فقال : يكون عليها ملحفة تضمّها عليها . فإنّ مقتضاها عدم الاكتفاء بالدرع والخمار مع كونهما ساترين مضافاً إلى دلالة الروايات المتقدّمة على جواز الاكتفاء بهما . وقد حمل الشيخ (قدس سره) هذه الرواية على زيادة الفضل والثواب أو على كون الدرع والخمار لا يواريان شيئاً .

ومثلها رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال : سألته عن المرأة الحرّة هل يصلح لها أن تصلّي في درع ومقنعة؟ قال : لا يصلح لها إلاّ في ملحفة إلاّ أن لا تجد بدّاً . فإنّ الجمع بينها وبين الروايات المتقدّمة سيما الرواية الحاكية لصلاة فاطمة(عليها السلام) إنّما يكون بالحمل على الاستحباب خصوصاً بملاحظة انّ الملحفة لا تستر أزيد ممّا يستره الدرع والخمار ، ولعلّ وجه الاستحباب ان ضم الملحفة

الصفحة 633

يوجب الطمأنينة للنفس بحصول الستر الكامل كما لا يخفى .

ودعوى انّه يمكن أن يكون عملها(عليها السلام) في حال الضرورة لأنّ الرواية متضمّنة لحكاية الفعل ، ومن المعلوم انّ الفعل لا إطلاق له .

مدفوعة بأنّه لو كان الحاكي هو الإمام (عليه السلام) وكان الغرض من الحكاية بيان الحكم لا مانع من التمسّك بإطلاقه ـ حينئذ ـ لأنّه لو كان الحكم مقيّداً بحال الضرورة كان عليه البيان ولكن سند الرواية الحاكية لا يخلو عن إشكال ، هذا ما يتعلّق بأصل وجوب الستر على النساء في حال الصلاة ثمّ إنّه وقع الكلام فيما يستثنى من ذلك وهو اُمور :

أحدها : الوجه وقد استثنى في معاقد جملة من الإجماعات وفي الذكرى أجمع العلماء على عدم وجوب ستر وجهها إلاّ أبا بكر بن هشام وقد عرفت ثبوت القول بوجوب ستر جميع البدن من غير استثناء كما انّك عرفت انّ ابن حمزة اقتصر في الاستثناء على موضع السجود .

والدليل على استثنائه جميع الروايات الدالّة على أنّه يجوز للمرأة الاكتفاء في صلاتها بدرع وخمار ضرورة انّ الخمار والمقنعة لا يستر الوجه بوجه وإنّما الساتر له بأجمعه أو ببعضه النقاب وليس في الروايات ما يدلّ على اعتباره مضافاً إلى موثقة سماعة قال : سألته عن المرأة تصلّي متنقبة قال : إذا كشفت عن موضع السجود فلا بأس به وإن أسفرت فهو أفضل فإنّ مفادها أفضلية الاسفار مضافاً إلى ظهورها في أنّ السائل كان في ذهنه شبهة عدم الجواز .

وهل المراد بالوجه المستثنى في هذا الباب هو الوجه الذي يجب غسله في باب الوضوء وهو ما دارت عليه الابهام والوسطى من قصاص الشعر إلى الذقن كما ورد في الرواية الصحيحة؟ ربما يقال : نعم; لأنّ تفسير الإمام (عليه السلام) الوجه بذلك في باب

الصفحة 634

الوضوء يدلّ على أنّ معناه بحسب العرف واللغة يكون كذلك لعدم كون الوجه له حقيقة شرعية ولا مجال لاحتمال ذلك فيه فالوجه العرفي هو ما فسّر في الرواية .

ولكن التحقيق انّه ليس في الروايات الواردة في المقام ما يدلّ على استثناء الوجه بعنوانه حتّى يبحث في المراد منه ، بل قد عرفت انّ مفادها مجرّد بيان ما يكفي للمرأة من الثياب أن تصلّي فيها وهي عبارة عن الدرع والخمار ، ومن الواضح انّ المقدار الخارج من الوجه من الخمار والمقنعة أوسع من الوجه الذي يجب غسله في باب الوضوء خصوصاً بملاحظة الرواية الحاكية لفعل فاطمة المرضية ـ عليها آلاف الثناء والتحيّة ـ الدالّة على أنّه ليس عليها أكثر ممّا وارت به شعرها واذنيها فإنّ ظاهرها خروج الصدغين أيضاً كما لا يخفى . فانقدح انّ الوجه المستثنى هنا أوسع من الوجه في باب الوضوء .

ثانيها : الكفّان وفي وجوب سترهما وعدمه خلاف والمشهور بين الفريقين الاستثناء بل ادّعى كثير من العلماء عليه الإجماع ، وحكي عن صاحب الحدائق (قدس سره)انّه ذهب إلى ما ذهب إليه أحمد بن حنبل وداود من العامّة من أنّ ستر الكفّين شرط لصحّة صلاة المرأة نظراً إلى أنّ نصوص الاكتفاء بالدرع والخمار يكون إثبات العدم بها موقوفاً على عدم ستر الدرع للكفّين وهو غير ثابت ومن الجائز كون دروعهن في تلك الأزمنة واسعة الأكمام طويلة الذيل كما هو المشاهد الآن في نساء أهل الحجاز بل أكثر بلدان العرب فانّهم يجعلون القمص واسعة الأكمام مع طول زائد بحيث يجر على الأرض ففي مثله يحصل ستر الكفّين والقدمين ومع الشكّ في أنّه هل كانت الدروع في زمان النبي والأئمّة (عليهم السلام) ساترة لهما أم لا يرجع إلى أصالة عدم التغيير .

وفيه مع فرض انّ الدروع كانت ساترة للكفّين أيضاً في زمانهم (عليهم السلام) نقول : لا

الصفحة 635

دليل على اعتبار سترهما لأنّ مفاد الروايات إنّما هو عدم وجوب ستر ما هو خارج عن الثوبين للمرأة لا وجوب ستر جميع ما هو داخل فيهما ، كما انّ الأمر يكون كذلك في الرجل فإنّ مفاد الروايات الدالّة على أنّه يصلّي في ثوب واحد عدم وجوب ستر ما هو خارج عنه لا وجوب ستر جميع ما يكون داخلا فيه لما عرفت من أنّ الواجب عليه إنّما هو ستر العورتين فقط ، هذا مضافاً إلى أنّ الأصحاب من عصر الإمام (عليه السلام) إلى زمن العلاّمة والشهيدين وغيرهم قد أفتوا بعدم شرطية سترهما واستدلّوا عليه بروايات الثوبين فيعلم منه انّ الدروع في زمانهم لم تكن تستر الكفّين وإلاّ فلا يكون وجه للاستدلال بها ولا أقلّ من كون الدروع في زمانهم على قسمين فاستدلّوا بإطلاق الحكم على عدم الوجوب لأنّ مدلول الرواية كفاية الدرع مطلقاً ، ويؤيّد عدم كون الدروع ساترة للكفّين في الأزمنة السابقة ما تقدّم من ابن عبّاس في تفسير الزينة الظاهرة بالوجه والكفّين حيث إنّ هذا التفسير ولو نوقش فيه بلحاظ كونه مقصوداً من كلام الله تعالى إلاّ انّ دلالته على عدم كون الكفّين مستورين في زمانه ممّا لا ينبغي المناقشة فيها ولم يعترض عليه أحد من تلامذته .

هذا كلّه مضافاً إلى أنّه لو شكّ في خروجهما عن الدرع فالواجب هو الرجوع إلى أصالة البراءة على ما هو الحقّ من جريانها في مثل المقام ، وامّا رواية زرارة المتقدّمة الدالّة على أنّ أدنى ما تصلّي فيه المرأة درع وملحفة تنشرها على رأسها وتجلّل بها فلا دلالة لها على اعتبار أزيد ممّا يستره الدرع من الجسد ، كما انّه لا دلالة لها على اعتبار أزيد ممّا يستره الخمار والمقنعة من الرأس كما لا يخفى .

ثالثها : القدمان والمشهور ـ كما في غير واحد من الكتب ـ عدم وجوب سترهما في الصلاة خلافاً لصاحب الحدائق ودليله ما عرفت مع جوابه وقد عرفت انّ

الصفحة 636

رواية التجلّل لا تفيد أزيد ممّا تفيده روايات الدرع والخمار والظاهر عدم كون الدرع ساترة للقدمين لما مرّ في الكفين ، نعم في صحيحة علي بن جعفر (عليه السلام) المتقدّمة عن المرأة ليس لها إلاّ ملحفة واحدة كيف تصلّي؟ قال : تلتفّ فيها وتغطّي رأسها وتصلّي فإن خرجت رجلها وليس تقدر على غير ذلك فلا بأس فإنّ مقتضى مفهوم الذيل وجوب ستر الرجل ولكن الظاهر انّها محمولة على غير القدم لأنّها لا تكون في مقام بيان وجوب ستر الرجل حتّى يكون لها إطلاق مضافاً إلى ما ربّما يقال من انّ الاعراض يوجب سقوطها عن الحجّية فتدبّر .

ثمّ إنّه قد نص في «الدروس» على أنّ المستثنى هو ظاهر القدمين وباطنهما وقد عبّر بعضهم بل كثيرهم بظاهر القدمين وفي غير واحد من الكتب استثناء القدمين من دون تعرّض للظاهر والباطن أصلا ، ويؤيّد عدم الاختصاص بالظاهر انّه على تقدير يلزم عدم الفائدة فيه لأنّ ما هو الساتر للباطن من الألبسة المتعارضة يكون ساتراً للظاهر أيضاً ودعوى انّه يكفي في ستر الباطن الأرض مدفوعة بأنّ كفايته إنّما هو في غير حال السجود ، وامّا في حاله فيحتاج إلى الساتر مع أنّ كفاية ساترية الأرض ولو بالإضافة إلى باطن القدمين محلّ نظر فالظاهر ـ حينئذ ـ عدم اختصاص الحكم بالظاهر والتعبير به لعلّه لأجل كونه محلاًّ للابتلاء بالستر فتدبّر .

ثمّ إنّه ذهب صاحب المدارك (قدس سره) إلى أنّه لا يجب على المرأة ستر شعر رأسها بما لا يكون حاكياً له مستنداً إلى رواية محمد بن مسلم في حديث قال : فلا بأس به والمرأة تصلّي في الدرع والمقنعة إذا كان الدرع كثيفاً يعني إذا كان ستيراً . فإنّ تخصيص اعتبار الكثافة بالدرع يدلّ على عدم اعتبارها في المقنعة . وأجاب عنه صاحب الجواهر (قدس سره) بأنّ هذا مستلزم لعدم اعتبار ستر بشرة الرأس لأنّه إذا كانت المنقعة حاكية لما تحتها من شعر الرأس تكون بشرته أيضاً غير مستورة والقول

الصفحة 637

بأنّها مستورة بشعره غير ثابت; لأنّ الشعر يكون من أجزاء البدن والساتر يجب أن يكون من غيرها وبطلان التالي واضح لعدم التزام المستدلّ به .

وذكر سيّدنا العلاّمة الاستاذ (قدس سره) انّه يمكن أن يجاب عنه ولو مع تسليم كفاية الشعر للستر .

أوّلا : بأنّ إطلاق الحكم يقتضي عدم اعتبار الكثافة حتّى في المرأة التي لا يكون لها شعر وهو مستلزم لعدم اعتبار ستر الرأس وقد عرفت انّه لا يلتزم به .

وثانياً : انّ التخصيص بالدرع لأجل مفهوم اللقب وقد بيّن في الاُصول انّه لا مفهوم له .

وثالثاً : انّ هذه الرواية هي بعينها رواية محمد بن مسلم المتقدّمة التي رواها الصدوق عنه عن أبي جعفر (عليه السلام) انّه قال : المرأة تصلّي في الدرع والمقنعة إذا كان كثيفاً يعني ستيراً ولا تكونان روايتين بحيث سمع محمد بن مسلم عنه (عليه السلام) مرّتين مع اختلاف في التعبير ، بل الظاهر انّهما رواية واحدة والاختلاف يكون ناشئاً من اشتباه الراوي ، وعلهى فيحتمل أن يكون الصادر من الإمام (عليه السلام) مطابقاً لرواية الصدوق الخالية عن التصريح بالدرع الظاهرة في رجوع الضمير المفرد إلى كلّ واحد من الدرع والمقنعة واحتمال كون تذكير الضمير شاهداً على رجوعه إلى خصوص الدرع مدفوع بظهور خلافه خصوصاً بعد شيوع مثل هذا التعبير في الأخبار بل في القرآن أيضاً وخصوصاً بعد كون الدرع مذكوراً قبل المقنعة .

فانقدح ممّا ذكرنا عدم تمامية الاستدلال بالرواية بل ظهورها في خلاف مرام المستدلّ مع أنّ المتفاهم من الروايات الدالّة على أنّ المرأة تصلّي في درع وخمار كون الثوبين كثيفين غير حاكيين لما تحتهما لأنّها في مقام بيان ما يكفي للمرأة من الساتر ، ومن المعلوم انّ الثوب غير الكثيف لا يكون ساتراً ولذا وقع تفسير الكثافة

الصفحة 638

بالساترية في روايتي محمد بن مسلم المتقدّمتين .

ثمّ إنّه حكى عن ابن الجنيد عدم وجوب ستر الرأس أصلا ويشهد رواية عبدالله بن بكير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا بأس بالمرأة المسلمة الحرّة أن تصلّي وهي مكشوفة الرأس . وروايته الاُخرى عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا بأس أن تصلّي المرأة المسلمة وليس على رأسها قناع . وربما يقال : بأنّ الأولى مهجورة وقال الشيخ : يحتمل أن يكون المراد بهذين الخبرين الصغيرة من النساء دون البالغات ويمكن أن يكون إنّما سوّغ لهن هذا في حال لا يقدرون على القناع ، ويحتمل أن يكون المراد تصلّي بغير قناع إذا كان عليها ثوب يسترها من رأسها إلى قدميها قال : والخبر الثاني ليس فيه ذكر الحرّة فيحمل على الأمَة .

أقول : والظاهر عدم كونهما روايتين نظير ما قلنا في روايتي محمد بن مسلم ، وعليه فيحتمل أن يكون الصادر مشتملا على كلمة الحرّة ويحتمل أن لا يكون كذلك فلم يعلم صدورها حتّى تكون مهجورة والمطلق محمول على الأمَة جمعاً كما أفاده الشيخ (قدس سره) .

وحكي عن القاضي عدم وجوب ستر الشعر أصلا ، وعن الكفاية التأمّل فيه ، وعن ألفية الشهيد ظهور التوقّف فيه ، وعن المدارك والبحار انّه ليس في كلام الأكثر تعرّض لذكره بل في الأوّل ربّما ظهر منها ـ يعني من عبارات أكثر الأصحاب ـ انّه غير واجب .

والدليل على خلافه مضافاً إلى روايات المقنعة والخمار الظاهرة في وجوب ستر الشعر أيضاً خصوصاً مع التصريح بالكثافة في رواية محمد بن مسلم رواية زرارة المتقدّمة الدالّة على لزوم نشر الملحفة على الرأس والتجلّل بها بل يمكن أن يقال : إنّ ستر الرأس نوعاً إنّما هو بلحاظ ستر شعره وإلاّ فبشرته مستورة بالشعر كذلك

الصفحة 639

وقد عرفت انّ رواية ابن بكير مهجورة أو محمولة ويؤيّد ما ذكرنا الرواية الحاكية لصلاة المرضية ـ سلام الله عليها ـ الدالّة على أنّها كانت تواري شعرها وأذنيها فتدبّر .

ثمّ إنّه لا يشترط في صحّة صلاة الأمة ستر الرأس والشعر والعنق إجماعاً محصلا ومنقولا مستفيضاً عنّا وعن غيرنا من علماء الإسلام عدا الحسن البصري فأوجبه على الأمة إذا تزوّجت أو اتخذها لنفسه ، وفي الجواهر : قد سبقه الإجماع ولحقه ويدلّ عليه الروايات الكثيرة التي منها صحيحة محمد بن مسلم في حديث قال : قلت : الأمَة تغطي رأسها إذا صلّت؟ فقال : ليس على الأمة قناع .

وعن الروض احتمال عدم دخول الرقبة في الرأس ووجوب سترها ويدفعه ما يدلّ على أنّه لا بأس أن تصلّي في قميص واحد كصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال : سألته عن الأمة هل يصلح لها أن تصلّي في قميص واحد؟ قال : لا بأس .

والصبية مثل الأمَة فيما ذكر للشهرة المحقّقة بل الإجماع حتّى بناء على كون عباداتها شرعية وتشير إليه الروايات الدالّة على اعتبار الحيض في اعتبار الخمار مثل ما رواه الصدوق عن يونس بن يعقوب انّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يصلّي في ثوب واحد قال : نعم ، قال : قلت : فالمرأة؟ قال : لا ولا يصلح للحرّة إذا حاضت إلاّ الخمار ان لا تجده . بناء على كون المراد من الحيض هو البلوغ كما يدلّ عليه تعليق وجوب الصيام عليه أيضاً في رواية أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : وعلى الجارية إذا حاضت الصيام والخمار . . . ودعوى قصور أدلّة الشرطية عن الشمول للصغيرة لأنّ موضوعها المرأة وهي غير شاملة لها مدفوعة بعدم استفادة العرف منها الخصوصية للبالغة ولذا لو لم تكن مثل هذه الروايات لكنّا نحكم بأنّه

الصفحة 640

يشترط في صحّة صلاتها الثوبان أيضاً كما لا يخفى ، هذا تمام الكلام فيما يتعلّق بأصل اعتبار الستر في الصلاة .

ثمّ إنّه ذكر في المتن اعتبار الستر في توابع الصلاة أيضاً كالركعة الاحتياطية وقضاء الأجزاء المنسية بل وسجدتي السهو على الأحوط والوجه في الأوّل واضح لأنّ الركعة الاحتياطية مضافاً إلى كونها صلاة مستقلّة واجبة تكون متمّمة للصلاة على تقدير وقوع النقص فيها فلابدّ من أن تكون واجدة لجميع الخصوصيات المعتبرة فيها . وهكذا الوجه في الثاني فإنّ القضاء لابد وأن يكون عين المقضى إلاّ في خصوصية المحلّ فإذا كان الستر شرطاً في سجود الصلاة ـ مثلا ـ كان شرطاً في قضائه أيضاً ، وامّا سجود السهو فيأتي الكلام فيه في مبحثه إن شاء الله تعالى .

ولا فرق في وجوب الستر وشرطيته بين أنواع الصلوات الواجبة والمستحبّة بلا خلاف ظاهر بل حكى عليه الإجماع ويتقضيه إطلاق الأدلّة لعدم اشتمالها على قرينة التقييد بالواجبة ، نعم الظاهر عدم الاعتبار في صلاة الجنازة لعدم كونها صلاة حقيقة ولم يثبت شمول الأدلّة لها وإن كان هو الأحوط فيها أيضاً .

وامّا الطواف ففي المتن انّه لا يترك الاحتياط فيه ، وعن جماعة منهم السيّد (قدس سره)في العروة الفتوى باعتبار الستر فيه أيضاً كالصلاة واستندوا إلى النبوي : لا يطوف في البيت عريان . وعن المختلف : للمانع أن يمنعه والرواية بالاشتراط غير مسندة من طرقنا . لكن عن كشف اللثام : انّ الخبر يقرب من التواتر من طريقنا وطريق العامّة .

وفي الجواهر : قد تمنع دلالة ذلك على اعتبار الستر فيه للرجل والمرأة على حسب اعتباره في الصلاة ضرورة أعمّية النهي عن العراء منه ، اللهمّ إلاّ أن يكون المراد من العراء ستر العورة للإجماع على الظاهر على صحّة طواف الرجل عارياً

<<التالي الفهرس السابق>>