في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


الصفحة 142

الثامن: المسكر المايع بالأصل، دون الجامد كذلك كالحشيش وإن غلى وصار مائعاً بالعارض، وامّا العصير العنبي فالظاهر طهارته لو غلى بالنار ولم يذهب ثلثاه وإن كان حراماً بلا إشكال، والزبيبي أيضاً طاهر، والأقوى عدم حرمته، ولو غليا بنفسهما وصارا مسكرين كما قيل فهما نجسان أيضاً وكذا التمرّي على هذا الفرض، ومع الشكّ فيه يحكم بالطهارة في الجميع 1.

1 ـ الكلام في هذا الأمر يقع في مقامات:

المقام الأوّل: في نجاسة الخمر بالخصوص وعدمها والمشهور بين العلماء من الخاصّة والعامّة هي النجاسة، ولم ينقل الخلاف في ذلك إلاّ من الصدوقين والجعفي والعماني وجملة من المتأخّرين كالأردبيلي (قدس سره) من الخاصّة، وداود وربيعة من العامّة، وعن السيّد المرتضى والشيخ البهائي (قدس سرهما) انّ المخالف شاذ لا اعتبار بقوله. ولا يخفى انّ الصدوق لم يصرح بطهارتها بل حكى عنه انّه قد نفي البأس عن الصلاة في ثوب أصابه خمر، ومن المحتمل أن يكون مراده هو العفو عنه في الصلاة لا الطهارة.

وكيف كان مخالفة مثل الصدوق وإن كانت ممّا لا يقدح عند المجتهدين كالسيّد المرتضى إلاّ انّها تمنع عن تحقّق الإجماع وتوجب صيرورة المسألة خلافية خصوصاً بعد مخالفة مثل الأردبيلي أيضاً فلا مجال لدعوى الإجماع بل الغاية هي تحقّق الشهرة على النجاسة واللازم ملاحظة الأدلّة فنقول:

قد استدلّ على النجاسة من الكتاب بقوله تعالى: (انّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه)(1) بدعوى انّ «الرجس» فيه بمعنى النجس خصوصاً بقرينة قوله تعالى: «فاجتنبوه» لأنّ المرتكز


1 ـ المائدة : 90 .

الصفحة 143

في الأذهان هو الاجتناب عن النجس وقد شاع التعبير بـ «اجتنب عن النجس» وعليه فدلالة الآية على نجاسة الخمر ظاهرة.

وفيه: ما مرّ مراراً من عدم كون الرجس بمعنى النجس بل لم يستعمل الرجس في الكتاب الكريم في موارد استعمالاته التي تبلغ أو تتجاوز عن العشرة في النجس الاصطلاحي أصلاً وفي خصوص هذه الآية الكريمة لا تناسب كونه بمعنى النجس لوضوح انّه لا معنى لنجاسة سائر الاُمور المذكورة فيها، وامّا كون المرتكز عند المتشرّعة هو الاجتناب عن النجس فهو ممّا لا يسمن ولا يغني من شيء فإنّ هذا الارتكاز قد حصل في المباحث الفقهية ومنشأه كثرة التكلّم بجملة: «اجتنب عن النجس» ولا يكون لهذا الارتكاز أصل جدّاً كيف وقد أمر في الكتاب الكريم بالاجتناب عن الأوثان بعد جعلها بياناً للرجس في قوله تعالى: (فاجتنبوا الرجس من الأوثان)(1) ومن الواضح عدم نجاسة الأوثان بل الرجس معناه ما يعبّر عنه في الفارسية بـ «پليدى» فالآية لا دلالة لها على نجاسة الخمر بوجه.

والمهم في المقام هي الأخبار الواردة وهي على طائفتين:

الطائفة الاُولى: ما يدلّ على نجاستها مثل:

موثقة عمّار بن موسى عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سُألته عن الدن يكون فيه الخمر هل يصلح أن يكون فيه خل أو ماء كافخ (كامخ خ ل) أو زيتون؟ قال: إذا غسل فلا بأس، وعن الابريق وغيره يكون فيه خمر أيصلح أن يكون فيه ماء؟ قال: إذا غسل فلا بأس، وقال في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر؟ قال: تغسله ثلاث مرّات، وسُئل: أيجزيه أن يصبّ فيه الماء؟ قال: لا يجزيه حتّى يدلكه بيده، يغسله ثلاث


1 ـ الحج: 30 .

الصفحة 144

مرّات. فانّها ظاهرة في نجاسة الخمر لأنّ نجاسة أكثر النجاسات قد استفيدت من الأمر بغسل ملاقيها.

وموثّقته الاُخرى عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا تصل في بيت فيه خمر ولا مسكر لأنّ الملائكة لا تدخله ولا تصلِّ في ثوب قد أصابه خمر أو مسكر حتّى تغسله. والمتفاهم العرفي منها أيضاً نجاسة الخمر.

ومرسلة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث النبيذ قال: ما يبلّ الميل ينجس حباً من ماء يقولها ثلاثاً.

ومرسلة يونس عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ مسكر فاغسله إن عرفت موضعه، وإن لم تعرف موضعه فاغسله كلّه، وإن صلّيت فيه فأعد صلاتك.

ورواية زكريا بن آدم قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير ومرق كثير، قال: يهراق المرق أو يطعمه أهل الذمّة أو الكلب، واللحم اغسله وكله. والظاهر منها أيضاً نجاسة الخمر لأنّ الأمر باهراق المرق لا يكون له وجه إلاّ تنجّسه بوقوع قطرة الخمر فيه، ودعوى انّه يمكن أن يكون الأمر باهراقه لأجل اشتماله على الخمر لا لأجل نجاسته مدفوعة بأنّ الخمر قد صارت مستهلكة في المرق الكثير، مع ظهور الأمر بغسل اللحم أيضاً في تنجّسه بذلك.

وصحيحة معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الثياب السابرية يعملها المجوس وهم أخباث (أجناب خ ل) وهم يشربون الخمر ونسائهم على تلك الحال البسها ولا أغسلها واُصلّي فيها؟ قال: نعم. وظاهرها مفروغية نجاسة الخمر عند السائل لأنّه قد سُئل عن الشبهة الموضوعية وهو فيما إذا كان الحكم الإلهي

الصفحة 145

الكلّي معلوماً كما هو واضح.

وصحيحة عبدالله بن سنان قال: سأل أبي أبا عبدالله (عليه السلام) وأنا حاضر: انّي اُعير الذمّي ثوبي وأنا أعلم انّه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير فيرده عليَّ فأغسله قبل أن اُصلّي فيه؟ فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : صلِّ فيه ولا تغسله من أجل ذلك فانّك أعرته إيّاه وهو طاهر ولم تستيقن انّه نجّسه فلا بأس أن تصلّي فيه حتّى تستيقن انّه نجّسه. وهذه الرواية صحيحة سنداً وظاهرة دلالة لأنّ السائل قد جعل نجاسة الخمر مفروغاً عنها وقرّره الإمام (عليه السلام) على ذلك بل صرّح بأن إصابة الخمر الثوب موجبة لتنجّسه كما لا يخفى.

ومرسلة يونس عن هشام بن الحكم انّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن الفقاع فقال: لا تشربه فانّه خمر مجهول، وإذا أصاب ثوبك فاغسله. وغير ذلك من الروايات الدالّة على نجاسة الخمر.

الطائفة الثانية ما يستدلّ بها على طهارة الخمر مثل:

صحيحة أبي بكر الحضرمي قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): أصاب ثوبي نبيذ اُصلّي فيه؟ قال: نعم، قلت: قطرة من نبيذ قطر في حب أشرب منه؟ قال: نعم، انّ أصل النبيذ حلال وانّ أصل الخمر حرام.

وفيه انّها تدلّ على خلاف مطلوبهم لأنّه لو جعلت العلّة أي قوله (عليه السلام): «انّ أصل النبيذ حلال وانّ أصل الخمر حرام» مرتبطة بالفقرة الثانية وهي قوله: «قطرة من نبيذ...» فتدلّ على انّ الخمر لو قطرت قطرة منها في حب ماء لا يجوز شرب ذلك الماء مع استهلاكها فيه ـ على ما هو لازم القطرة والماء في الحب ـ ولا يكون ذلك إلاّ لنجاسة الخمر وتنجّس الماء بوقوع قطرة من الخمر فيه، ولو جعلت العلّة مرتبطة بالفقرتين فتدلّ على انّ ما أصاب الثوب لو كان هو الخمر فلا تجوز الصلاة فيه وما

الصفحة 146

قطر في حب الماء لو كان هو الخمر أيضاً فلا يجوز شربه ومن المعلوم انّه لا وجه لعدم جواز الصلاة فيه وعدم حلّية شرب ذلك الماء إلاّ نجاسة الخمر وتنجّس الثوب والماء به.

ورواية حسين بن أبي سارة قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إن أصاب ثوبي شيء من الخمر اُصلّي فيه قبل أن أغسله؟ قال: لا بأس انّ الثوب لا يسكر.

وفي الاستدلال بها نظر لأنّها ضعيفة من حيث السند لأجل الحسين بن أبي سارة فانّه غير مذكور في الكتب الرجالية، وعن المحقّق الأردبيلي (قدس سره) انّ الشيخ قد روى هذه الرواية في موضعين من التهذيب عن الحسين بن أبي سارة، وفي الاستبصار عن الحسن بن أبي سارة وهو موثق مذكور في الرجال، وحيث إنّ الحسين لا يكون له عنوان في تلك الكتب فيكشف ذلك عن انّ ما وقع في التهذيب في موضعين يكون من اشتباه النساخ وإنّ الصحيح هو الحسن بن أبي سارة.

وفيه انّ اشتباه النسّاخ يحتمل في نقل الاستبصار أيضاً بل هو أقوى من احتمال وقوع الاشتباه في نقل التهذيب لأنّ نقله وقع في موضعين منه، وامّا عدم ذكر الحسين في كتب الرجال فلا دلالة فيه على عدم وجوده وكم له من نظير فيمكن أن يكون لأبي سارة ولد آخر مسمّى بالحسين وقد أهمله أصحاب الرجال لجهالته خصوصاً مع وجود روايات اُخر له كما سيأتي في الرواية الآتية.

وربّما يقال: إنّ ذلك لا يوجب طرح رواية الاستبصار التي في سندها الحسن فيمكن أن يستدلّ بما في الاستبصار مع قطع النظر عمّا في التهذيب ولكنّه مدفوع بأنّ كون ما في الاستبصار حديثاً آخر غير ما في التهذيب مع اتحادهما من جميع الجهات إلاّ هذه الجهة بعيد جدّاً، أضف إلى ذلك كلّه انّ اشتمال المتن على التعليل غير الملائم للحكم وللسؤال وإن نفى البأس عن الصلاة فيه أعمّ من الطهارة يوجب

الصفحة 147

وهن الرواية كما هو غير خفي.

ورواية ابن بكير عن صالح بن سيابة عن الحسين بن أبي سارة قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إنّا نخالط اليهود والنصارى والمجوس وندخل عليهم وهم يأكلون ويشربون فيمر ساقيهم ويصبّ على ثيابي الخمر؟ فقال: لا بأس به إلاّ أن تشتهي أن تغسله لأثره.

وفيه انّها ضعيفة للحسين والصالح مع انّ تقرير الإمام (عليه السلام) ذهاب الحسين في مجلس الشراب والمخالطة مع أهل الكتاب يوجب وهناً آخر في الرواية مضافاً إلى انّه لم يثبت إطلاق نفي البأس من جهة الصلاة وغيرها حتّى يكون نفيه من جهة الصلاة دليلاً على الطهارة وإن كانت دلالته على هذا التقدير أيضاً ممنوعة لما عرفت من كونه أعمّ من الطهارة.

وبالجملة: الإطلاق غير ثابت ومن المحتمل قوياً أن يكون محطّ نظر السائل السؤال عن نفس لبس الثوب الملوّث بالخمر وانّه هل يكون محرّماً تكليفاً أم لا، والشاهد عليه ـ مضافاً إلى انّ اهتمام الشارع بالخمر والمبارزة معها والاجتناب عنها بمرتبة أوجبت الشكّ والترديد في جواز لبس الثوب الذي أصابه الخمر ـ قوله (عليه السلام)في مرسلة الصدوق الآتية: «إنّ الله حرّم أكله وشربه ولم يحرم مسّه ولبسه».

وإن أبيت إلاّ عن ثبوت الإطلاق لهذه الرواية ودلالة نفي البأس من جهة الصلاة فيه على الطهارة وعدم نجاسة الخمر حتّى يتنجّس الثوب بسببها نقول الإطلاق قد قيّد بالروايات المتقدّمة الدالّة على نجاسة الخمر فلابدّ من حمله على نفي البأس من جهة اللبس وغيره فتدبّر جيّداً.

وموثقة ابن بكير قال: سألرجل أبا عبدالله (عليه السلام) وأنا عنده عن المسكر والنبيذ يصيب الثوب قال: لا بأس.

الصفحة 148

ويرد على الاستدلال بها ما أوردناه على الاستدلال بالرواية المتقدّمة.

ومرسلة الصدوق قال: سُئل أبو جعفر وأبو عبدالله (عليهما السلام) فقيل لهما: انّا نشتري ثياباً يصيبها الخمر وودك الخنزير عند حاكتها أنصلّي فيها قبل أن نغسلها؟ فقالا: نعم، لا بأس انّ الله انّما حرّم أكله وشربه ولم يحرّم لبسه ومسّه والصلاة فيه.

وهذه الرواية تامّة سنداً ـ لاسناد الصدوق إيّاها إلى الإمام (عليه السلام) دون الرواية والنقل ـ وظاهرة دلالة إلاّ من الجهة التي أشرنا إليها من كون تجويز الصلاة فيه أعمّ من الطهارة مع انّها متضمّنة لما لا يمكن الالتزام به بوجه وهو تجويز الصلاة في ودك الخنزير أي شحمه فإنّ فيه ثلاث جهات يكفي كل واحدة منها للمنع عن الصلاة فيه وهي كونه جزء من الميتة أوّلاً ونجساً ثانياً لأنّ البحث في نجاسة الخمر دون الخنزير الذي فرغنا عن ثبوت نجاسته، وجزء ممّا لا يؤكل لحمه ثالثاً فتصير الرواية موهونة بذلك جدّاً.

وحسنة علي الواسطي قال: دخلت الجويرية ـ وكانت تحت عيسى بن موسى ـ على أبي عبدالله (عليه السلام) وكانت صالحة ، فقالت: إنّي أتطيّب لزوجي فيجعل في المشطة التي أمتشط بها الخمر وأجعله في رأسي؟ قال: لا بأس.

وفي الاستدلال بها نظر لاحتمال أن تكون شبهة السائلة في حلّية الانتفاع بالخمر وجواز جعلها في المشطة التي تمتشط بها فلا دلالة فيها على جواز الصلاة المستلزم للطهارة على ما هو المتفاهم عند العرف وإن كان فيه نظر أيضاً كما مرّ، وبهذا يتحقّق الجمع بين هذه الرواية وبين صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال: سألته عن النضوح يجعل فيه النبيذ أيصلح للمرأة أن تصلّي وهو على رأسها؟ قال: لا حتّى تغتسل منه. فإنّ مقتضى الجمع بين الروايتين أن يقال بكون الاُولى مسوقة لبيان الحكم التكليفي والثانية لبيان الحكم الوضعي أي النجاسة.

الصفحة 149

وصحيحة علي بن رئاب قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الخمر والنبيذ المسكر يصيب ثوبي فأغسله أو اُصلّي فيه؟ قال: صلِّ فيه، إلاّ أن تقذره فتغسل منه موضع الأثر إنّ الله تعالى انّما حرّم شربها.

والإنصاف انّها وإن كانت رواية واحدة إلاّ انّ تماميتها من حيث السند والدلالة غير قابلة للمناقشة خصوصاً بملاحظة التعليل الذي ينفي الاحتمال الذي ذكرنا من كون جواز الصلاة أعمّ من الطهارة فتدبّر ولو كانت الروايات من الطرفين منحصرة فيما ذكرنا لكان مقتضى الجمع بين هذه الرواية وبين الروايات الظاهرة في النجاسة حمل أخبار النجاسة على كون الغسل انّما هو لأجل زوال التنفّر بغسل موضع أثر الخمر ولا يكون واجباً بشهادة هذه الرواية الدالّة على انّ الغسل لأجل التقذّر ولا يكون واجباً شرطاً وحمل هذه الرواية على الطهارة بشهادة التعليل الواقع فيها وعليه يصير مقتضى الجمع بين الأخبار المتعارضة ظاهراً موافقاً للقول بالطهارة إلاّ انّه قود وردت روايتان قد فرض فيهما تعارض الطائفتين وحكم فيهما بترجيح أخبار النجاسة:

إحداهما: صحيحة علي بن مهزيار قال: قرأت في كتاب عبدالله بن محمد إلى أبي الحسن (عليه السلام): جعلت فداك : روى زرارة عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) في الخمر يصيب ثوب الرجل انّهما قالا: لا بأس بأن تصلّي فيه انّما حرّم شربها، وروى عن (غير) زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه قال: إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ يعني المسكر فاغسله إن عرفت موضعه، وإن لم تعرف موضعه فاغسله كلّه، وإن صلّيت فيه فأعد صلاتك. فاعلمني ما آخذ به؟ فوقع (عليه السلام) بخطّه وقرأته: خذ بقول أبي عبدالله (عليه السلام).

فانّه من الواضح انّ المراد من قول أبي عبدالله (عليه السلام) الذي أمر أبو الحسن (عليه السلام)

الصفحة 150

بأخذه هو ما تفرّد به أبو عبدالله (عليه السلام) لا ما كان مشتركاً بينه وبين أبيه (عليه السلام) وعليه فيصير حاصل المراد الأخذ بخبر النجاسة الدال على وجوب الغسل وإعادة الصلاة، والعجب من المحقّق الأردبيلي (قدس سره) حيث قال ـ على ما حكي عنه ـ : «انّ المراد من قول أبي عبدالله (عليه السلام) هي الرواية الدالّة على الطهارة» مع انّه كما ترى واضح الفساد، وبالجملة المستفاد من هذه الرواية أمران: ثبوت التعارض بين الطائفتين أولاً وكون الترجيح مع أخبار النجاسة ثانياً فلا يبقى معها مجال للترديد والشكّ إلاّ انّ الذي يمكن أن يوهن الرواية اشتمال السند على سهل بن زياد ولكن يدفعه ـ مضافاً إلى ما اشتهر من انّ الأمر في السهل سهل ـ انّ الرواية منقولة عن علي بن مهزيار بغير طريق السهل أيضاً.

ثانيتهما: رواية خيران الخادم قال: كتبت إلى الرجل (عليه السلام) أسأله عن الثوب يصيبه الخمر ولحم الخنزير أيُصلّى فيه أم لا فإنّ أصحابنا قد اختلفوا فيه فقال بعضهم: صلِّ فيه فإنّ الله انّما حرّم شربها، وقال بعضهم: لا تصلِّ فيه؟ فكتب (عليه السلام): لا تصلِّ فيه فانّه رجس الحديث.

ولا يخفى انّ اختلاف الأصحاب قد نشأ من اختلاف الطائفتين من الأخبار فالمراد من قولهم هو القول المستند إلى الرواية وعليه فالجواب يرجع إلى ترجيح أخبار النجاسة لأنّ المراد من الرجس في الرواية هي النجاسة بقرينة التعليل في القول الأوّل فتأمّل. وهاتان الروايتان من جملة الأخبار العلاجية المختصّتان بتعارض الروايات الواردة في الخمر.

وعن الأردبيلي (قدس سره) انّ هذين الخبرين يعارضان مع أخبار الطهارة والترجيح مع تلك الأخبار لأنّ المكاتبة لا تقاوم المشافهة.

وفيه المنع عن وقوع التعارض بينهما وبين أخبار الطهارة لكونهما ناظرتين إليها

الصفحة 151

وبصدد علاج المعارضة بينها وبين أخبار النجاسة فهما حاكمتان على جميع الأخبار الواردة في المقام. نعم لو كان لنا خبر علاجي مفاده ترجيح أخبار الطهارة لحصل التعارض بينه وبين هاتين الروايتين كما هو واضح.

والحاصل انّه لا محيص عن حمل أخبار الطهارة على التقية وصدورها موافقة لعمل امراء العامة وسلاطينهم وحكّامهم، ولو لم يكن الخبران العلاجيان أيضاً لكان مقتضى الرجوع إلى المرجّحات بعد فرض ثبوت التعارض ـ على خلاف ما اخترناه من عدم التعارض ووجود الجمع العرفي بالنحو المتقدّم ـ الأخذ بأخبار النجاسة لأنّ أوّل المرجحات هي الشهرة الفتوائية الموافقة معها لما عرفت من ثبوت الشهرة عليها لو لم يكن في البين إجماع.

وبعض الأعلام حيث انّ مختاره انحصار المرجّحات في موافقة الكتاب ومخالفة العامّة قال: إنّ مقتضى القاعدة هو التساقط والرجوع إلى قاعدة الطهارة لعدم مرجّح لإحداهما على الاُخرى لمخالفة أخبار النجاسة لهم من حيث عملهم، ومخالفة أخبار الطهارة لهم أيضاً من حيث حكمهم ولا يوافق شيء منهما مع الكتاب الكريم إلاّ انّ هذا كلّه بمقتضى الصناعة العلمية مع قطع النظر عن صحيحة علي بن مهزيار.

واقتصاره على الصحيحة انّما هو لأجل المناقشة في سند رواية الخيران مع جهة وقوع سهل بن زياد فيه مع انّك عرفت وقوعه في سند رواية ابن مهزيار أيضاً إلاّ انّها قد رويت بطريق آخر خال عن الاشتمال على سهل فانقدح من جميع ما ذكرنا انّه لا محيص عن الحكم بالنجاسة للخبرين الواردين في العلاج.

المقام الثاني: في نجاسة غير الخمر من سائر المسكرات المايعة بالاصالة ولا إشكال في لحوقها بها من حيث الحرمة لأنّها معلّلة في بعض الروايات بالإسكار

الصفحة 152

وهو موجود في الجميع، وانّما الإشكال في نجاستها كالخمر، وربما يقال بانّه لا خلاف في نجاسة جميع المسكرات المايعة بالأصالة ولكن هذه الدعوى مخدوشة لأنّ من ناقش في نجاسة الخمر أو اختار عدمها كالصدوق والأردبيلي لا يكون معتقداً بنجاسة سائر المسكرات قطعاً فالإجماع غير متحقّق.

والروايات التي استدلّ بها على النجاسة كثيرة:

منها: صحيحة علي بن مهزيار المتقدّمة آنفاً وفيها قول السائل: «وروي عن غير زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ يعني المسكر فاغسله إن عرفت موضعه... ولفظة: «يعني المسكر» تفسير من الكاتب السائل وقد قرّره الإمام (عليه السلام) عليه، ولو كان المراد من المسكر في تفسير الكاتب ماهيته وطبيعته وكان ذكر الخمر والنبيذ من باب المثال لكان دالاًّ على نجاسة جميع المسكرات ولكنّه خلاف الظاهر فإنّ الظاهر انّه تفسير للنبيذ حيث إنّه على قسمين مسكر وغير مسكر وعليه فلا دلالة للصحيحة على نجاسة سائر المسكرات بل مفادها نجاسة الخمر والنبيذ المسكر.

ومنها: رواية عمر بن حنظلة قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : ما ترى في قدح من مسكر يصيب عليه الماء حتّى تذهب عاديته ويذهب سكره؟ فقال: لا والله ولا قطرة قطرت في حب إلاّ اهريق ذلك الحب.

وقد نوقش فيها بالضعف نظراً إلى انّ عمر بن حنظلة لم يوثق في الرجال.

وفيه انّه قد وردت روايات كثيرة في مدحه وأكثر تلك الروايات وان كان راويها هو نفس عمر بن حنظلة إلاّ انّ أكابر الأصحاب قد اعتمدوا عليها ونقلوها في كتبهم المعتبرة فهو موثق خصوصاً بعد ورود رواية في مدحه من غيره أيضاً وفيها انّه قال أبو عبدالله (عليه السلام) في حقّه: «إذا لا يكذب علينا» فالرواية قابلة للاعتماد

الصفحة 153

ودلالتها على نجاسة المسكر مطلقاً واضحة ودعوى انصرافه إلى الخمر ممنوعة.

ومنها: موثقة عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا تصلِّ في بيت فيه خمر ولا مسكر لأنّ الملائكة لا تدخله، ولا تصلِّ في ثوب قد أصابه خمر أو مسكر حتّى تغسله. فانّها موثقة سنداً وظاهرة دلالة.

وربما يناقش فيها بأنّ النهي في الفقرة الاُولى تنزيهي بلا إشكال لعدم كون الصلاة في البيت الكذائي باطلة ولا محرّمة وهو يصير قرينة على كون النهي في الفقرة الثانية تنزيهياً أيضاً.

والجواب عنها انّ الظاهر من النهي هو التحريم إلاّ أن تقوم قرينة على خلافه وقيامها عليه في الفقرة الاُولى لا يصير قرينة على الخلاف في الفقرة الثانية أيضاً خصوصاً مع تكرار الصيغة بل نقول بوجود القرينة في الثانية على وفق الظاهر وهو عطف المسكر على الخمر التي فرغنا عن نجاستها وبطلان الصلاة في الثوب الذي أصابته فالنهي في الفقرة الثانية باق على ظاهرها المقتضي للتحريم الشرطي فتدبّر.

وقال بعض الأعلام: إنّ موثقة عمّار تعارض مع موثقة ابن بكير ـ المتقدّمة ـ قال: سأل رجل أبا عبدالله (عليه السلام) وأنا عنده عن المسكر والنبيذ يصيب الثوب؟ قال: لا بأس. ولا مرجح لإحداهما على الاُخرى لأنّ فتوى العامّة وعملهم في مثل المسكر غير المتعارف شربه غير ظاهرين فالترجيح بمخالفة العامّة غير ممكن ولا مناص معه من الحكم بتساقطهما والرجوع إلى قاعدة الطهارة وهي تقتضي الحكم بطهارة كل مسكر لا يطلق عليه الخمر عرفاً.

ولا يخفى ما فيه لإمكان الجمع الدلالي بينهما بحمل موثقة ابن بكير على بيان الحكم التكليفي وهو نفي البأس عن نفس إصابة المسكر للثوب وجواز لبسه كذلك وحمل موثقة عمّار على بيان الحكم الوضعي وهي النجاسة وعدم جواز الصلاة في

الصفحة 154

ثوب قد أصابه مسكر.

ودعوى انّ البأس في قوله (عليه السلام) : «لا بأس» نكرة في سياق النفي ومفيدة للعموم أي لا بأس به من أيّة جهة من الجهات فيستفاد منه عدم النجاسة أيضاً.

مدفوعة بأنّ غايتها إثبات الإطلاق وعدم الاختصاص والمطلق قابل للتقييد فلا مانع من أن تكون موثقة عمّار مقيّدة له والتعارض بين المطلق والمقيّد منتف.

فانقدح بمقتضى ما ذكرنا نجاسة جميع المسكرات وقد وافقنا في ذلك صاحب الحدائق (قدس سره) ولكنّه سلك في مقام الاستدلال مسلكاً آخر حيث قال: إنّ الخمر ليست اسماً لخصوص مايع خاص بل يعمّه وجميع المسكرات لأنّها حقيقة شرعية في الأعمّ لأنّ الخمر ما يخامر العقل واستند في ذلك إلى اُمور:

1 ـ ما ورد في تفسير قوله تعالى: (انّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان...) من قوله (عليه السلام) : امّا الخمر فكل مسكر من الشراب إذا أخمر فهو خمر.

وفيه انّ هذا التفسير انّما هو بالإضافة إلى خصوص الخمر الواقع في الآية المباركة وقد عرفت انّ الآية لا دلالة لها على نجاسة الخمر الاصطلاحي فضلاً عن الدلالة على نجاسة جميع المسكرات.

2 ـ حسنة عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الخمر من خمسة: العصير من الكرم، والنقيع من الزبيب والبتع من العسل، والمزر من ا لشعير والنبيذ من التمر.

وفيه: أوّلاً عدم ثبوت كون المذكورات أقساماً حقيقياً للخمر بحيث يشمل جميع أحكام الخمر لها ويؤيّده اختصاص كل قسم باسم خاص ووقوع تلك الأسامي في مقابل الخمر نوعاً وقد عرفت في الروايات المتقدّمة كثرة إطلاق النبيذ

الصفحة 155

في مقابل الخمر.

وثانياً: لو فرض كونها أقساماً حقيقياً للخمر فلا يثبت المدّعى مع ذلك لأنّ المدّعى أعمّ من الخمسة المذكورة في الرواية فالدليل أخصّ من المدّعي.

3 ـ رواية عطاء بن يسار عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : كل مسكر حرام وكل مسكر خمر. فإنّ الظاهر من جملة: «وكل مسكر خمر» انّها مسوقة لبيان نجاسة المسكر لأنّ الحرمة قد اُفيدت بالفقرة الاُولى فالثانية تدلّ على النجاسة.

وفيه: انّه لا يستفاد من الجملة الثانية انّ كل مسكر خمر حقيقة لأنّ مساقها مساق قوله (عليه السلام) : «الطواف بالبيت صلاة» فالرواية لا تكون في مقام بيان توسعة موضوع الخمر بل في مقام إفادة نجاسة كل مسكر، على انّ شأن الإمام (عليه السلام) ليس بيان الموضوع خصوصاً في مثل هذا الموضوع العرفي الذي لا ارتباط له بالشرع واختراعه، هذا مضافاً إلى انّها ضعيفة من حيث السند ومعارضة بصحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) قال: إنّ الله ـ عزّوجلّ ـ لم يحرّم الخمر لاسمها ولكن حرّمها لعاقبتها فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر. فانّها ظاهرة في انّ لحقيقة الخمر اسماً خاصّاً وهو الخمر، وما كان عاقبته عاقبة الخمر ينزل منزلتها في الحرمة، ومعارضة أيضاً برواية فضيل بن يسار عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن النبيذ فقال: حرّم الله الخمر بعينها وحرّم رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الأشربة كل مسكر. فانّها ظاهرة في مغايرة عنوان الخمر مع عناوين سائر المسكرات.

وبالجملة: لا دليل على انّ للخمر حقيقة شرعية تعمّ جميع المسكرات ولا حاجة إلى تجشّم الاستدلال عليه بعد ثبوت نجاسة الجميع بسبب موثقة عمّار وغيرها وبعض الأعلام حيث استند في نقل رواية عطاء بن يسار إلى بعض الكتب الفقهية أو اعتمد على حافظته توهّم انّ متن الرواية هكذا: «كل مسكر خمر وكل

الصفحة 156

خمر حرام» ولذا أجاب عنها بأنّ التنزيل إنّما هو بلحاظ الحرمة فحسب وانّه لا دلالة لها على النجاسة أصلاً، وقد عرفت انّ دلالة الرواية بالنحو الذي نقلنا عن كتب الحديث على نجاسة كل مسكر وتنزيله منزلة الخمر في النجاسة أيضاً واضحة غاية الأمر انّا منعنا عن كونها بصدد بيان توسعة موضوع الخمر وإفادة كون معناها الشرعي أوسع من معناها العرفي.

فرع: هل الالكل نجس أم لا؟ الحقّ انّ نجاسته منوطة بإسكاره والظاهر انّه لم يثبت كونه مسكراً كما نقل عن بعض أهل الفنّ. نعم هو مادّة سمية موجبة لمسمومية شاربها، وقيل بأنّه لو امتزج مع الماء بحيث تنزّلت درجة غلظتها من التسعين إلى الأربعين يصير من المسكرات ولكن ذلك لا يقدح في الحكم بطهارته الفعلية من جهة عدم كونه مسكراً بالفعل.

ويلحق به ما يسمّى بـ «اود كلن» لأنّه مأخوذ من الالكل، هذا ولو شكّ في مسكرية الالكل وعدمها يكفي ذلك في الحكم بطهارته للزوم إحراز المسكرية في الحكم بالنجاسة.

وربما يقال بأنّه مع إحراز كونه مسكراً أيضاً لا يحكم بنجاسته لانصراف دليل النجاسة إلى ما يتعارف شربه دون ما لا يتعارف كالالكل ونحوه.

ولكنّه مدفوع بأنّه مع الإحراز المذكور لا مناص من الحكم بالنجاسة ولا وجه للانصراف المذكور لأنّ الانصراف على تقدير تماميته انّما يصحّ بالنسبة إلى دليل الحرمة دون دليل النجاسة ضرورة انّ تعارف الشرب وعدمه انّما يلائمان مع الدليل المتعرّض لبيان حكم الأكل والشرب، وامّا دليل النجاسة فلا ارتباط له بتعارف الشرب وعدمه فمع إحراز المسكرية لابدّ من الحكم بالنجاسة ولا وجه لهذا القول أصلاً.

الصفحة 157

بقي الكلام في هذا المقام في القيد المأخوذ فيه وهو الميعان بالاصالة فإنّ هذا القيد يوجب التوسعة من جهة والتضيق من اُخرى:

امّا التوسعة فمن جهة انّ المسكر لو صار جامداً بالعرض يكون نجساً إذا كان أصلاً مائعاً كما لو صارت الخمر منجمدة بسبب شدّة البرد أو غيرها من الأسباب وكذا غير الخمر من سائر المسكرات والوجه فيه عدم كون الانجماد من المطهّرات فكما انّ انجماد مثل الدم والبول لا يوجب تغيّر الحكم فكذلك انجماد المسكر خمراً كان أو غيره.

وامّا التضيّق فمن جهة إخراج المسكر الجامد بالأصل وإن صار مائعاً بالعرض كالبنج ونحوه والظاهر انّه لا كلام في عدم نجاسة المسكر الجامد بالأصل، انّما الكلام في دليله وربّما يقال في وجهه انّ دليل نجاسة المسكرات انّما هو الإجماع وهو دليل لبّي لابدّ من الأخذ بالقدر المتيقّن منه وهذا القدر في المقام هو المسكر المايع بالأصل.

وفيه: أوّلاً عدم ثبوت الإجماع كما عرفت وثانياً عدم كونه واجداً لوصف الحجّية بعد احتمال استناد المجمعين إلى الأدلّة والروايات الواردة في الباب.

ويمكن أن يستدلّ عليه بما يستفاد من موثقة عمّار المتقدّمة التي كانت هي العمدة في نجاسة سائر المسكرات لاشتمالها على قوله (عليه السلام): «لا تصلِّ في ثوب قد أصابه خمر أو مسكر» فإنّ ما يصيب الثوب ويسري إليه إنّما هو الخمر المايع والمسكر كذلك مع انّ جعل الخمر والمسكر فاعلاً للإصابة والثوب مفعولاً يشعر بذلك وعليه فالمسكر الجامد بالأصالة لا يستفاد نجاسته من الموثقة فلو صار مايعاً ولم يكن مسكراً بعد صيرورته كذلك فطهارته باقية قطعاً، وامّا مع بقائه على وصف الإسكار فلابدّ من إثبات طهارته من طريق عدم القول بالفصل ولا طريق لنا غير

الصفحة 158

ذلك فتدبّر.

المقام الثالث: في حكم العصير العنبي وقد نفى الإسكال عن حرمته في المتن إذا غلى بالنار ولم يذهب ثلثاه والكلام فعلاً في نجاسته وعدمها والظاهر انّ دعوى الإجماع أو اشهرة لا وجه لها بعد كون الأقوال في المسألة مختلفة والآراء متشتّتة وعدم اتّصافها على تقدير الثبوت بوصف الحجّية لوضوح المستند والحجّة فالعمدة هي الروايات الواردة خصوصاً بعد عدم كون نجاسة الخمر وسائر المسكرات على مثل هذه الدعوى متكية فضلاً عن العصير الذي هو محل البحث في هذه المسألة فنقول:

إنّ المهمّ في الاستدلال على النجاسة هي موثقة معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل من أهل المعرفة بالحق يأتيني بالبختج ويقول قد طبخ على الثلث وأنا أعرف انّه يشربه على النصف، أفأشربه بقوله وهو يشربه على النصف؟ فقال: خمر لا تشربه، قلت: فرجل من غير أهل المعرفة ممّن لا نعرفه يشربه على الثلث ولا يستحلّه على النصف يخبرنا انّ عنده بختجاً على الثلث قد ذهب ثلثاه وبقي ثلثه يشرب منه؟ قال: نعم. بتقريب انّ حمل عنوان «الخمر» عليه إمّا أن يكون حقيقياً ـ كما قد حكى عن جماعة ـ من انّ الخمر اسم للعصير، وامّا أن يكون تنزيلياً فمقتضى إطلاق التنزيل ثبوت جميع أحكامها له ومنها النجاسة كما عرفت.

وقد أورد على الاستدلال بالرواية لنجاسة العصير بوجوه من الاشكال:

الأوّل: انّ البختج لم يثبت انّه بمعنى مطلق العصير المطبوخ وان فسّره به جماعة كالمحدّث الكاشاني (قدس سره) بل الظاهر انّه عصير مطبوخ خاص وهو الذي يسمّى عندنا بـ «الرب» كما في كلام المحقّق الهمداني ومن المحتمل القوي أن يكون هذا القسم مسكراً قبل استكمال طبخه وعليه فغاية مفاد الرواية تحقّق التنزيل في خصوص

الصفحة 159

هذا القسم ولا مانع منه فقد مرّت نجاسة جميع المسكرات وعدم اختصاصها بالخمر.

والجواب: إنّ هذا لا يلائم مع الحكم بجواز الشرب في ذيل الرواية لأنّ ذهاب الثلثين لا يكون مطهراً للمسكر بوجه بل المسكر ما دام كونه كذلك نجس سواء ذهب ثلثاه أم لم يذهب.

الثاني: إنّ الرواية على ما رواه الكليني لا تكون مشتملة على لفظة «خمر» في الجواب الأوّل وانّما تشتمل على قوله (عليه السلام) : «لا تشربه» فقط ومن المعلوم انّ هذا القول لا دلالة له على النجاسة بل ظاهره مجرّد الحرمة، نعم في نقل التهذيب تكون الرواية مشتملة على لفظة خمر كما نقلناه وإن لم تنقل هذه اللفظة في شيء من الوافي والوسائل مع نقلهما الرواية عن الشيخ (قدس سره) وشدّة المراقبة في النقل وكمال التحفّظ عليه من دون زيادة ولا نقصان ولهذا تعجب صاحب الحدائق عن صاحبي الوافي والوسائل حيث نسبا هذه الرواية إلى الشيخ بدون اللفظة. فالرواية تكون مختلفة النقل وفي مثل هذه الموارد وإن كان لنا أصل عقلائي وهي أصالة عدم الزيادة ولا يكون معارضاً بأصالة عدم النقيصة لأنّ الغفلة الموجبة لأحد الأمرين كثيراً ما تصير سبباً للنقصان وقل ما يتّفق تحقّقها في طرف الزيادة ومقتضى ذلك ترجيح نقل التهذيب على نقل الكافي إلاّ انّ أضبطية الكليني في نقل الأحاديث، الناشئة من تمحضه فيه وفراغه به من غيره تمنعنا عن تقديم نقل الشيخ الذي كثير الابتلاء لاشتغاله بالعلوم المختلفة والفنون المتعدّدة وتأليف الكتب والرسائل فيها من الفقه والاُصول والكلام والتفسير والرجال وغيرها، وعليه فلا يمكن رفع اليد عن نقل الكافي لكونه أتقن من التهذيب خصوصاً مع وجود الاغتشاش فيه وعدم كونه كتاب حديث محض ومع عدم نقل الوافي والوسائل كلمة الخمر عنه، الموجب

الصفحة 160

لحدوث احتمال عدم ثبوتها في نسخة التهذيب الموجودة عندهما وتحقّق الاشتباه من النسّاخ في النسخ الاُخرى بزيادتها فيها.

وممّا يوجب قوّة الإشكال انّ هذه الموثقة هي أقوى مستند القائلين بالنجاسة ومن الواضح انّ الاستدلال بها عليها يبتني على وجود كلمة «الخمر» فيها ومع ذلك لم يستدلّ القائلون بالنجاسة بها إلى زمان الاسترابادي مضافاً إلى انّه لو كانت فيها هذه اللفظة لكانت الرواية من الأدلّة الدالّة على حجّية الاستصحاب مع انّه لم يستدلّ بها أحد عليها ولا يكون هذا التعبير معهوداً في أدلّة حجّيته.

وبالجملة لاحتمال الزيادة في الرواية مجال واسع واصالة عدم الزيادة لا تنفي احتمال ثبوتها من النسّاخ لمناسبة الخمر مع العصير فتدبّر جيّداً.

الثالث: ما أفاده سيّدنا العلاّمة الاستاذ الماتن ـ دام ظلّه ـ في رسالة النجاسات ممّا حاصله: «انّ الحمل لا يمكن أن يكون حقيقياً لأنّ الموضوع المغلي المشتبه بين كونه على الثلث أو النصف ولا يجوز حمل الخمر حقيقة على مشتبه الخمرية فضلاً عن العصير المشتبه، ولا يمكن أن يكون تنزيلياً لأنّ المشتبه لا يكون منزّلاً منزلته واقعاً بحيث يكون محرماً ونجساً واقعاً ولو كان مطبوخاً على الثلث فانّ الظاهر من الرواية هو السؤال عن الحكم الظاهري وعن حال شهادة ذي اليد بالتثليث فالمراد بقوله: «خمر» انّه خمر ظاهراً ويجب البناء على خمريته للاستصحاب وهو وإن كان كاشفاً عن كون المغلي قبل التثليث نازلاً منزلة الخمر في الجملة إلاّ انّه ليس بكاشف عن إطلاق دليل التنزيل لأنّها لا تكون بصدد بيانه بل بصدد بيان حال الشكّ، وليس لأحد أن يقول انّه يمكن أن تكون الرواية بصدد بيان أمرين أحدهما تنزيل العصير منزلة الخمر والآخر التعبّد ببقاء خمريته لأنّ ذلك غير معقول بجعل واحد كما انّ دعوى انّ قوله: «خمر» يكون خبراً من العصير المغلي قبل ذهاب ثلثيه إفادة

الصفحة 161

للحكم الواقعي بالتنزيل، وقوله: «لا تشربه» نهياً عن شرب المشتبه فالموضوع مختلف لا تستأهل الجواب وعلى فرض كونها بصدد التنزيل فإطلاقه أيضاً لا يخلو عن مناقشة».

الرابع: ما أفاده بعض الأعلام في شرح العروة ـ على ما في تقريرات بحثه ـ ممّا حاصله: «إنّ تنزيل شيء منزلة شيء آخر قد يكون على وجه الإطلاق ومن جميع الجهات والآثار في مثله يثبت الجميع للمنزل كما إذا ورد: العصير خمر فلا تشربه أو قال: لا تشرب العصير لأنّه خمر، لأنّ لفظة «فاء» في المثال الأوّل ظاهرة في التفريغ ودالّة على انّ حرمة الشرب من الاُمور المتفرّعة على التنزيل وكذا الحال في المثال الثاني لأنّه كالتنصيص بأن النهي عن شربه مستند إلى انّه منزّل منزلة الخمر شرعاً وبذلك يحكم بنجاسته لأنّها من أحد الآثار المترتّبة على الخمر، وقد يكون التنزيل بلحاظ بعض الجهات والآثار ولا يكون ثابتاً على وجه الإطلاق كما هو الحال في المقام لأنّ قوله: «خمر لا تشربه» انّما يدلّ على انّ العصير منزّل منزلة الخمر من حيث حرمته فقط ولا دلالة له على تنزيله منزلتها من جميع الجهات لعدم اشتماله على لفظة «فاء» الظاهرة في التفريع حيث إنّ جملة «لا تشربه» وقوله: «خمر» بمجموعهما صفة للعصير أو من قبيل الخبر بعد الخبر أو انّها نهي وعلى أي حال لا دلالة له على التفريع حتّى يحكم على العصير بجميع الآثار».

وقد ظهر ممّا أفاده الاستاذ الماتن عدم كون قوله (عليه السلام) : خمر لا تشربه بصدد التنزيل بل كان مسوقاً لبيان الحكم الظاهري في مورد الشكّ. نعم قد عرفت كونه كاشفاً عن التنزيل في الجملة، مع انّه على تقدير التنزيل ومعقوليته في مورد الشكّ الذي لا مجال فيه إلاّ للحكم الظاهري نقول: إنّه لا فرق فيه أصلاً بين أن يقول: خمر لا تشربه أو يقول: خمر فلا تشربه فانّ الظاهر من الأوّل أيضاً كون النهي عن

<<التالي الفهرس السابق>>