الصفحة 122
الظاهر عدم الاشتراط لعدم الدليل عليه . نعم لو كان المستند للطهارة في أصل الدم المتخلّف الوجهين الأوّلين من الوجوه الثلاثة المتقدّمة لكان الظاهر الحكم بالنجاسة لعدم شمول الإجماع له بعد كونه دليلاً لبياً لا إطلاق له وعدم ثبوت الحلّية على ما هو المفروض من كون الدم في الجزء المحرم، وامّا بناءً على الوجه الثالث فالظاهر عدم الفرق في السيرة بين النوعين وعدم اجتناب المتشرّعة عن الدم الموجود في مثل الطحال وعدم الفرق عندهم بينه وبين الدم في الأجزاء المحلّلة فالأقوى هي الطهارة. نعم الاحتياط بالاجتناب لا خفاء في حسنه.
الثالث: يشترط في طهارة الدم المتخلّف أن يكون بعد قذف ما يعتاد قذفه من الدم بالذبح أو النحر فإذا رجع دم المذبح إلى الجوف لردّ النفس أو لكون رأس الذبيحة في علوّ يكون الدم نجساً لأنّه لا إشكال في نجاسة بالخروج من المذبح لأنّه الدم السائل من الحيوان بالذبح فعوده إلى الجوف لردّ النفس أو لكون رأسها في علو لا يغير حكمه ولا يوجب حصول الطهارة له فلا ريب في نجاسته كما انّه لا إشكال في نجاسة الملاقى له من اللحم والعرق والعظم والدم وغيرها لكن هذا فيما إذا خرج الدم من المذبح ثمّ رجع إلى الجوف لأحد الأمرين.
وامّا فرض رجوع الدم إلى الجوف قبل الخروج من المذبح بأن رجع إليه بعد وصوله إلى منتهى الأوداج فالظاهر انّه أمر مستحيل كما نبّه عليه بعض الأعلام لأنّ الذبح انّما يتحقّق بقطع أوداج أربعة:
أحدها: الحلقوم وهو مجرى الطعام ومدخله؟
ثانيها: مجرى النفس.
ثالثها ورابعها: عرقان من اليمين واليسار يسمّيان بالوريد وهما مجرى الدم فإذا قطع الوريد فلا محالة يخرج الدم من مفصله فكيف يرجع إلى الجوف قبل خروجه
الصفحة 123
منه ولا يمكن للنفس أن يجذب الدم من الوريد الذي هو مجرى الدم قبل خروجه ففرض رجوع الدم إلى الجوف قبل خروجه من المذبح أمر غير ممكن.
نعم: هناك صورة اُخرى وهي ما لو ذبح الحيوان ومنع عن خروج الدم منه كما لو وضع النار على المقطع حتّى ينسدّ به الطريق أو ذبح بالطريق المعمول في غير الممالك الإسلامية من الاستفادة من القوّة الكهربائية فهل يمكن أن يحكم عليه بالطهارة أم لا؟ وجهان:
من تحقّق التذكية بفري الأوداج مع الشرائط المعتبرة ـ على ما هو المفروض ـ في حصول التذكية وتحقّقها كرواية زيد الشحّام : إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس. مضافاً إلى انّ عمدة الدليل على طهارة الدم المتخلّف هي السيرة على ما عرفت ومن المعلوم عدم تحقّقها في المقام بعد ندرة الابتلاء بمثله. نعم لو كان الأصل في الدم عدم النجاسة وفرضنا عدم شمول الإجماع على نجاسة دم الحيوان لهذا المورد لكان الحكم بالطهارة على وفق القاعدة لكن الثاني محل إشكال خصوصاً لو قلنا بعدم تحقّق التذكية بهذا النحو وإن كان البحث في النجاسة من حيث كونه دماً لا من حيث كونه من أجزاء الميتة أو ملاقياً معها فتدبّر.
هذا فيما إذا منع عن خروج الدم بحيث لم يخرج من الذبيحة دم أصلاً.
وامّا إذا خرج الدم منها وبقي مقدار منه في جوفها لكون رأسها في علوّ فلا مجال لاستكشاف النجاسة من الروايات الواردة في الفرض السابق لأنّ المفروض خروج الدم منها غاية الأمر عدم بلوغه إلى المقدار المتعارف إلاّ أن يدّعى دلالتها على الخروج بهذا المقدار فلا يبقى فرق بين الفرضين ولكنّه محل تأمّل وعليه فاللازم الاستدلال على نجاسته ـ بناءً على كون الأصل في الدم الطهارة كما اخترناه ـ بمثل الإجماع على تقدير ثبوته وإلاّ فالحكومة لقاعدة الطهارة. نعم بناءً
الصفحة 124
على المبنى الآخر يكون الوجه في النجاسة عدم دلالة الوجوه الدالّة على طهارة الدم المتخلّف على استثناء مثل الفرض أيضاً فتدبّر. وكيف كان فقد ظهر انّ الملاك في مسألة رجوع الدم إلى الجوف يغاير ما هو الملاك في هذه المسألة من كون رأس الذبيحة في علوّ فلا يختلط عليك الأمر هذا كلّه في صورة العلم بالحال.
وامّا لو شكّ في الدم المتخلّف في الذبيحة في انّه من القسم الطاهر أو النجس فقد قال في العروة: «الظاهر الحكم بنجاسته عملاً بالاستصحاب وإن كان لا يخلو عن إشكال، ويحتمل التفصيل بين ما إذا كان الشكّ من جهة احتمال ردّ النفس فيحكم بالطهارة لأصالة عدم الردّ، وبين ما كان لأجل احتمال كون رأسه على علوّ فيحكم بالنجاسة عملاً بأصالة عدم خروج المقدار المتعارف».
والظاهر انّ مراده (قدس سره) من الاستصحاب هو استصحاب بقاء الدم المذكور على النجاسة لكونه معلوم النجاسة سابقاً حال كونه في عروق الحيوان في حياته فإذا شككنا في طرو الطهارة عليه تستصحب نجاسته.
وفيه: انّه لا دليل على نجاسة الدم في الباطن لأنّ القدر المتيقّن من نجاسة الدم انّما هو بعد خروجه عن العروق وبلوغه إلى الظاهر ولعلّه لذا حكم بأنّه لا يخلو عن إشكال كما انّ أصالة عدم ردّ النفس لا مجال لها لعدم كون ردّ النفس حكماً شرعياً ولا موضوعاً لحكم شرعي والمستصحب لابدّ وأن يكون من أحدهما والموضوع للحكم الشرعي هو الدم المتخلّف وأصالة عدم ردّ النفس لا يثبت خروج الدم بالمقدار المتعارف فضلاً عن كون الباقي متّصفاً بأنّه دم متخلّف كما انّ أصالة عدم خروج المقدار المتعارف لا تثبت نجاسة هذا الدم لأنّ الدم النجس هو الدمّ غير المتخلّف أو الدم المسفوح أو مثلهما من العناوين والأصل لا يثبت هذه العناوين مضافاً إلى انّه على تقدير الإغماض عن ذلك نقول إنّ الشكّ في خروج المقدار
الصفحة 125
المتعارف في هذا الفرض يكون ناشياً عن الشكّ في كون رأسه على علوّ فما المانع على هذا التقدير من إجراء اصالة عدم كون رأسه على علوّ وحكومته على الأصل المقتضى للنجاسة، لكن التحقيق عدم جريان شيء من هذه الاُصول لكون جريان الاُصول المثبتة على خلاف التحقيق.
المقام الثاني: في حرمة أكل الدم المتخلّف الطاهر وقد استثنى منها المتن موردين أحدهما ما كان مستهلكاً في الامراق ونحوه وثانيهما ما يعدّ جزء من اللحم وتابعاً له امّا أصل الحرمة فهو المشهور بين الأصحاب وقد خالف فيه صاحب الحدائق (قدس سره) حيث ذهب إلى عدم حرمة الدم المتخلّف في الذبيحة ولم يقتصر على ذلك بل نسبه إلى الأصحاب واستدلّ عليه بما لا يمكن المساعدة عليه بوجه.
والحقّ: ما ذهب إليه المشهور من عدم الحلّية وعدم ثبوت الملازمة بين الطهارة والحلية وعدم دليل آخر عليها في مقابل الآية الشريفة: (حرّمت عليكم الميتة والدم...) الدالّة على أصالة حرمة أكل الدم وإنّ الحكم العام فيه هي الحرمة.
إن قلت: الدليل على جواز أكل الدم المتخلّف في الذبيحة قوله تعالى: (قل لا أجد فيما أُوحي إليَّ محرّماً على طاعم يطعمه إلاّ أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً...)(1) فانّه يمكن الاستدلال به على جواز أكل المتخلّف من جهتين:
الاُولى: انّ الآية تدلّ على حصر المحرمات فيما ذكر فيها من الاُمور كما هو مقتضى كلمة: «إلاّ» الواقعة بعد النفي، ولم يعدّ من تلك الاُمور الدم المتخلّف.
الثانية: انّ مفهوم الوصف يقتضي حلّية الدم غير المسفوح لتوصيف الدم الحرام بكونه مسفوحاً.
1 ـ الأنعام : 145 .
الصفحة 126
قلت: الآية لا تكون دليلاً على جواز أكله بوجه: امّا من الجهة الاُولى ـ وهي استفادة المطلوب من الحصر في الآية ـ ففيها انّ الحصر فيها لا يكون حقيقياً لاستلزامه تخصيص الأكثر المستهجن لوضوح انّ المحرمات غير منحصرة في تلك الاُمور فلا محيص امّا من حملها على الحصر الإضافي بدعوى انّ المحرمات بالإضافة إلى ما جعلته العرب في ذلك العصر محرّماً على أنفسها منحصرة في تلك الاُمور، وامّا من حملها على زمان نزولها وانحصار المحرمات في ذلك الزمان فيها وبالجملة لا يستفاد منها حلية أكل الدم المتخلّف أصلاً.
وامّا من الجهة الثانية ففيها ما لا يخفى من عدم ثبوت مفهوم الوصف ولا غيره من القيود حتّى الشرط لابتنائه على إثبات كون القيد علّة منحصرة لثبوت سنخ الحكم بحيث ينتفي السنخ بانتفاء القيد وأصل العلّية فضلاً عن الانحصار ممنوع فما الدليل على كون المسفوحية علّة حتّى نبحث بعده عن انحصارها فيه فتدبّر فانقدح انّ الآية الشريفة ساكتة عن حكم الدم غير المسفوح مع عدم وضوح معنى المسفوح أيضاً كما عرفت، فاللازم الرجوع في حكم الدم المتخلّف من جهة الأكل إلى الدليل العام المقتضي لحرمة أكل الدم. نعم فيما إذا كان مستهلكاً في الامراق ونحوه لا يكون الموضوع باقياً حتّى يحكم عليه بالحرمة كما انّه فيما إذا كان معدوداً جزء من اللحم وتابعاً يكون مقتضى سيرة المتشرّعة عدم لزوم الاجتناب عنه في الأكل وعدم لزوم تخليص اللحم من الدم بالكلّية كما لا يخفى.
الصفحة 127
مسألة 8 ـ ما شكّ في انّه دم أو غيره طاهر مثل ما إذا خرج من الجرح شيء أصفر قد شكّ في انّه دم أو لا، أو شكّ من جهة الظلمة أو العمى أو غير ذلك في انّ ما خرج منه دم أو قيح، ولا يجب عليه الاستعلام، وكذا ما شكّ في انّه ممّا له نفس سائلة أو لا، امّا من جهة عدم العلم بحال الحيوان كالحية ـ مثلاً أو من جهة الشكّ في الدم وانّه من الشاة مثلاً أو من السمك فلو رأى في ثوبه دماً ولا يدري انّه منه أو من البق أو البرغوث يحكم بطهارته 1.
1 ـ قد تقدّم البحث في بعض فروع هذه المسألة وهي صورة الشكّ في كونه ممّا له نفس سائلة أو لا والحكم في الجميع هو الرجوع إلى قاعدة الطهارة لكون الشبهة في جميعها موضوعية والحكم فيها جريان القاعدة وقد مرّ انّه لا يجب الاستعلام وإن كان رفع الشبهة متوقّفاً على مجرّد النظر ونحوه.
الصفحة 128
مسألة 9 ـ الدم الخارج من بين الأسنان نجس وحرام ولا يجوز بلعه، ولو استهلك في الريق يطهر ويجوز بلعه، ولا يجب تطهير الفمّ بالمضمضة ونحوها 2.
2 ـ الوجه في نجاسة الدم الخارج من بين الأسنان وحرمته هو الوجه في نجاسة غيره من الدم الخارج من الإنسان وحرمته لعدم الفرق واحتمال كونه ما لم يخرج من الفم إلى الخارج يعدّ من قبيل الدم في الباطن ضعيف جدّاً فانّ كونه في الباطن ما دام لم يخرج من العروق ولم يظهر في الفم فلا مجال للإشكال في الحرمة والنجاسة. نعم لو استهلك في الريق يطهر ويجوز بلعه على ما في المتن ولكن في التعبير مسامحة فانّه بعد الاستهلاك ليس بشيء حتّى يحكم عليه بالطهارة وجواز البلع بل المقصود جواز بلع الريق الذي استهلك فيه الدم من جهة عدم اشتماله على الأجزاء الدموية على ما هو المفروض وعدم تنجّسه بملاقات الدم لعدم الدليل على تنجّس الأجزاء الداخلية بملاقاة شيء من النجاسات والفرق ـ على ما في العروة ـ بين الدم الخارج من الأسنان واستهلاكه في ماء الفم وبين الدم الداخل من الخارج كذلك بإيجاب الاحتياط في الثاني في غير محلّه وإلاّ لكان اللازم عدم جواز تزريق الدم من الخارج لإيجابه نجاسة الدم في العروق كلاًّ.
الصفحة 129
مسألة 10 ـ الدم المنجمد تحت الأظفار أو الجلد بسبب الرضّ نجس إذا ظهر بانخراق الجلد ونحوه إلاّ إذا علم استحالته فلو انخرق الجلد ووصل إليه الماء تنجّس، ويشكل معه الوضوء أو الغسل فيجب إخراجه إن لم يكن حرج، ومعه يجب أن يجعل عليه شيء كالجبيرة ويمسح عليه أو يتوضّأ ويغتسل بالغمس في ماء معتصم كالكرّ والجاري هذا إذا علم من أوّل الأمر انّه دم منجمد، وإن احتمل انّه لحم صار كالدم بسبب الرض فهو طاهر 3.
(3) الوجه في نجاسة الدم المنجمد كونه غير خارج عن عنوان الدم بسبب الانجماد والانجماد لا يكون من المطهرات. نعم مع العلم باستحالته إلى عنوان آخر لا يكون نجساً كما انّه إذا احمتل انّه لحم صار كالدم بسبب الرض يكون طاهراً لكون الشبهة موضوعية والمرجع فيها قاعدة الطهارة فالكلام في الدم المنجمد مع العلم بكونه دماً غير مستحيل أو مشكوك الاستحالة وفي هذا الفرض لا مناص من الحكم بالنجاسة إذا ظهر بانخراق الجلد ونحوه و ـ حينئذ ـ يشكل معه الوضوء أو الغسل أي يتعسّران معه لا الإشكال بالمعنى الاصطلاحي فانّه فيما إذا كانت المسألة ذات وجهين والمقصود هنا الإشكال بالمعنى اللغوي الراجع إلى العسر لأنّ الماء بعد الانخراق يلاقي مع الدم المنجمد ويصير نجساً ولا يكاد يصل الماء إلى البشرة لمانعية الدم المنجمد عن الوصول إليها وعليه فيجب إخراجه بجميع أجزائه إن لم يكن هناك حرج ومع ثبوت الحرج الرافع للتكليف يكون له طريقان:
أحدهما: أن يجعل عليه شيئاً كالجبيرة ويمسح عليه.
ثانيهما: أن يتوضّأ أو يغتسل بالغمس في ماء معتصم كالكرّ والجاري.
ولا يخفى انّ إجراء حكم الجبيرة هنا محلّ كلام لاحتمال أن تكون الجبيرة مختصّة بالجراحات المحجوبة كالدمل قبل انخراقه لا ما إذا كانت مكشوفة فإنّ فيها التيمّم
الصفحة 130
والأولى اختيار الطريق الثاني وهو الغمس في ماء معتصم وإن كان فيه إشكال أيضاً من جهة انّ الاعتصام مانع عن سراية النجاسة إلى الماء إلاّ انّ إخراج اليد ـ مثلاًـ من الماء المعتصم موجب لبقاء رطوبات نجسة على الدم وسرايتها إلى ما حوله إلاّ أن يقال بعدم كون هذه المرتبة من الرطوبة موجبة لسراية النجاسة.
وكيف كان فقد عرفت انّ ذلك انّما هو فيما إذا اُحرز كونه دماً وامّا مع احتمال كونه لحماً صار كالدم بسبب الرضّ ـ كما قد يتّفق أحياناً ـ وإن كان دعوى كونه كذلك غالباً ـ كما في العروة ـ ممنوعة جدّاً فالحكم فيه الطهارة وإن انخرق ولا يجب إخراجه لكفاية وصول الماء إيه لكنّه أفاد بعض الأعلام في شرح العروة الوثقى ـ المسمّى بمصباح الهدى ـ انّه لابدّ للمكلّف في هذه الصورة من الجمع بين الجبيرة وبين الوضوء أو الغسل من دون جبيرة للعلم الإجمالي بثبوت أحد التكليفين لأنّه امّا أن يجب عليه الوضوء أو الغسل من دونها ـ لو كان السواد المترائي عارضاً للّحم بسبب الرض ـ أو الجبيرة ـ لو كان دماً منجمداً ـ فلابدّ من الجمع بينهما.
والظاهر ثبوت الطريق إلى استكشاف الواقع لأنّه لو كان لحماً مرضوضاً لا يمكن إخراجه أصلاً بخلاف ما إذا كان دماً منجمداً إلاّ أن يقال بعدم وجوب الفحص أصلاً أو يقال بإمكان إخراج اللحم المرضوض نظراً إلى انّ فساده أوجب انفصاله.
وكيف كان فالظاهر انّ منشأ الترديد وثبوت العلم الإجمالي هو الشكّ في طهارته ونجاسته فمع إجراء قاعدة الطهارة لا يبقى مجال للعلم الإجمالي أصلاً فتدبّر جيّداً.
الصفحة 131
السادس والسابع: الكلب والخنزير البريان عيناً ولعاباً وجميع أجزائهما وإن كانت ممّا لا تحلّه الحياة كالشعر والعظم ونحوهما، وامّا كلب الماء وخنزيره فطاهران 1.
1 ـ الكلام في هذه المسألة يقع في مقامات:
المقام الأوّل: في نجاسة الكلب والخنزير في الجملة، ولم يخالف فيها أحد من أصحابنا الإمامية(رض) . نعم ذهب إلى طهارتهما مالك والزهري وداود ونسب إلى أبي حنيفة القول بنجاسة الكلب حكماً لا عيناً، واستدلّ على طهارته بقوله تعالى: (فكلوا ممّا أمسكن عليكم)(1) وفيه انّه لا تكون في مقام بيان طهارة الكلب بل في مقام بيان حلّية الحيوان الذي أمسكه الكلب وتذكيته ولذا لا يجوز التمسّك بها لجواز أكله من غير تطهير دمه الخارج عن موضع عض الكلب.
وكيف كان فتدلّ على نجاسة الكلب في الجملة ـ مضافاً إلى الإجماع ـ روايات مستفيضة بل متواترة الدالّة عليها بالسنّة مختلفة كقوله (عليه السلام): «انّ الكلب رجس نجس» أو: «انّ الله تعالى لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب» أو: «لا والله انّه نجس لا والله انّه نجس» أو: «إن أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله» أو غير ذلك من التعبيرات التي لم يقع مثلها في غير الكلب من سائر النجاسات.
وفي مقابلها ما يدلّ بظاهره على طهارته كصحيحة ابن مسكان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن الوضوء ممّا ولغ الكلب فيه أو السنور أو شرب منه جمل أو دابة أو غير ذلك أيتوضّأ منه أو يغتسل؟ قال: نعم إلاّ أن تجد غيره فتنزّه عنه. فانّها بإطلاقها يشمل الماء القليل والكثير فتدلّ على عدم نجاسة الكلب.
وقد حملها الشيخ الطوسي (قدس سره) على ما إذا كان الماء بالغاً قدر كر واستشهد له
1 ـ المائدة : 4 .
الصفحة 132
برواية أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) في حديث: ولا تشرب من سؤر الكلب إلاّ أن يكون حوضاً كبيراً يستقى منه فانّها مقيّدة لصحيحة ابن مسكان.
ونفى المحقّق الهمداني (قدس سره) البعد عن حملها على الماء الكثير لقوّة احتمال ورودها في مياه الغدران التي تزيد عن الكر غالباً.
وقال بعض الأعلام: «انّه لا مناص من تقييد إطلاق صحيحة ابن مسكان بما دلّ على انفعال الماء القليل بملاقاة الكلب التي منها رواية أبي بصير المتقدّمة وذلك لأنّ النسبة بينهما هي العموم المطلق فانّ الصحيحة دلّت على طهارة الماء الذي باشره الكلب مطلقاً ـ قليلاً كان أو كثيراً ـ والأخبار المتقدّمة قد دلّت على انفعال الماء القليل بملاقاة الكلب وعليه فمقتضى قانون الإطلاق والتقييد حمل الصحيحة على ما إذا كان الماء بالغاً قدر كرّ ثمّ قال: إنّه لو سلّمنا انّ الصحيحة واردة في خصوص القليل فغاية ما يستفاد منها عدم انفعال الماء القليل بالملاقاة وهي إذاً من الأدلّة الدالّة على اعتصام الماء القليل».
والتحقيق انّ السائل لم يكن نظره إلى السؤال عن الطهارة والنجاسة أصلاً بل سئل عن انّ مماسة الحيوان مطلقاً ومباشرته مع الماء هل يوجب عدم جواز التوضّي من ذ لك الماء أم لا فأجاب الإمام (عليه السلام) بما أجاب، ويشهد له ـ مضافاً إلى انّه من البعيد أن تكون طهارة مثل الجمل مع شدّة الابتلاء به وكثرته مشكوكة للسائل في زمن الصادق (عليه السلام) ما ورد في ذيل الرواية من قوله (عليه السلام) : «إلاّ أن تجد غيره فتنزّه عنه» إذ النجاسة لا فرق فيها بين صورة وجدان الغير وعدمها فالسؤال لا محالة يكون عن حكم تكليفي وهو جواز التوضّي عن الماء الذي باشره الحيوان، وممّا يؤيّد ذلك أيضاً قول السائل: «أو غير ذلك» الظاهر في اتّحاد جميع الحيوانات عنده من هذه الجهة التي هي محطّ نظره، ومنشأ السؤال انّ الوضوء انّما هو أمر عبادي
الصفحة 133
وانّما يوجده المكلّف مقروناً بقصد التقرّب فيمكن أن لا يكون الماء الذي باشره الحيوان ملائماً لمثل هذا العمل العبادي والجواب انّما ينطبق على ذلك فتدبّر.
وقد انقدح انّ الروايات الدالّة على نجاسة الكلب تكون بلا معارض حتّى معارضة العموم والخصوص لو كانت معارضة.
وقد نسب إلى الصدوق (قدس سره) القول بطهارة كلب الصيد حيث حكى عنه: «انّ من أصاب ثوبه كلب جاف فعليه أن يرشّه بالماء، وإن كان رطباً فعليه أن يغسله، وإن كان كلب صيد فإن كان جافّاً فليس عليه شيء، وإن كان رطباً فعليه أن يرشّه بالماء».
ولعلّ نظره (قدس سره) إلى انصراف الإطلاقات عن كلب الصيد أو إلى دلالة الآية الكريمة على عدم نجاسته بالخصوص، وفي كليهما ما لا يخفى لإطلاق الأدلّة وشمولها له كغيره ومنع الانصراف خصوصاً مع ملاحظة انّ معاشرة الناس مع كلب الصيد وابتلائهم به أكثر من غيره، ولعدم كون الآية في مقام بيان طهارة الصيد مطلقاً فضلاً عن أن تكون في مقام بيان طهارة كلبه كما مرّت الإشارة إليه في الجواب عن أبي حنيفة حيث استدل بالآية على طهارة الكلب مطلقاً. مضافاً إلى حسنة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الكلب السلوقي قال: إذا مسسته فاغسل يدك. هذا كلّه في الكلب.
وامّا الخنزير فنجاسته أيضاً مورد التسالم بين الأصحاب والدليل عليها:
أوّلاً: الإجماع.
وثانياً: صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فذكر وهو في صلاته كيف يصنع به؟ قال: إن كان دخل في صلاته فلميض، فإن لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه
الصفحة 134
إلاّ أن يكون فيه أثر فيغسله، قال: وسألته عن خنزير يشرب من إناء كيف يصنع به؟ قال: يغسل سبع مرّات.
فإنّ الظاهر منها انّ نجاسته كانت مفروغاً عنها عند السائل ولذا لم يسأل عنها وانّما سُئل عمّا لو لم يغسل الثوب الذي أصابه خنزير فذكر وهو في صلاته ولا فرق فيما نحن بصدده بين أن يكون الاستثناء راجعاً إلى خصوص الشرطية الأخيرة أو إلى كلتا الشرطيتين لأنّ غاية مفاده على تقدير الرجوع إلى خصوص الأخيرة صحّة الصلاة التي دخل فيها كذلك ولا دلالة له على طهارة الخنزير كما انّه قد عرفت سابقاً انّ الغسل انّما هو في مورد العلم بالإصابة وتحقّق السراية والنضح انّما هو في مورد الشكّ في أحد الأمرين فوجود الأثر في الثوب يرجع إلى ثبوت السراية وتحقّقها كما لا يخفى.
المقام الثاني: في اختصاص نجاسة الكلب والخنزير بالبرّي منهما وامّا البحري فقد ذهب المشهور ـ وتبعهم الماتن دام ظلّه ـ إلى طهارته وخالف في ذلك الحلّي (قدس سره)والتزم بنجاسة الكلب والخنزير مطلقاً برياً كانا أم بحرياً ـ بدعوى شمول الإطلاقات للحبري أيضاً وعدم الدليل على التقييد.
والحق انّ التمسّك بالإطلاقات فرع ثبوت إطلاق الكلب والخنزير على البحري منهما حقيقة وكون البحري من مصاديق العنوانين عرفاً مع انّ دعواه مشكلة جدّاً لأنّ ما يوجد في البحر منهما فهو من أقسام السمك، والتعبير عنه بأحد الاسمين انّما هو لمجرّد المشابهة في الرأس أو البدن أو غيرهما من الأجزاء أو للاشتراك في بعض الآثار وإطلاق الكلب والخنزير عليهما انّما هو على سبيل التجوّز والتسامح ولا يكون مثل المقام مورد التمسّك بأصالة الحقيقة في الإطلاق وإثبات كونه على نحو الحقيقة لأنّ مجراها ما إذا علم المعنى الحقيقي والمعنى المجازي ولم يعلم المراد منهما
الصفحة 135
وامّا فيما إذا علم المراد وشكّ في كيفية الإطلاق فلا تجري أصالة الحقيقة إلاّ على بعض المباني غير الصحيحة فالتمسّك بإطلاق أدلّة نجاسة الكلب والخنزير لإثبات شمول الحكم للبحريين ممّا لا يتمّ أصلاً، فلا يبقى إلاّ أصالة الطهارة الحاكمة بطهارتهما.
مضافاً إلى دلالة بعض الروايات عليها كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: سُئل أبا عبدالله (عليه السلام) رجل ـ وأنا عنده ـ عن جلود الخزّ فقال: ليس بها بأس، فقال الرجل: جعلت فداك انّها علاجي (في بلادي) وانّما هي كلاب تخرج من الماء، فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : إذا خرجت من الماء تعيش خارجة من الماء؟ فقال الرجل: لا، فقال: ليس به بأس.
وهذه الصحيحة وإن وردت في خصوص كلب الماء إلاّ انّ سؤاله (عليه السلام) عن انّه هل تعيش خارجة من الماء وحكمه بعدم البأس فيما إذا لم تكن تعيش كذلك كالصريح في انّ العلّة في الحكم بالطهارة كون الحيوان ممّا لا يعيش خارجاً من الماء وعليه فالحكم في الصحيحة يعمّ الخنزير البحري أيضاً.
المقام الثالث: في نجاسة جميع أجزاء الكلب النجس والخنزير كذلك حتّى مثل الشعر والعظم من الأجزاء التي لا تحلّها الحياة وكذا رطوباتهما والدليل عليه هو الدليل الدال على نجاسة أنفسهما لأنّ مفاده هي نجاستهما بجميع أجزائهما ولا دليل على الاختصاص بما تحلّه الحياة من الأجزاء، ولا خلاف في هذه المسألة إلاّ من السيّد المرتضى وجدّه (قدس سرهما) على ما حكى عنهما حيث ذهبا إلى طهارة ما لا تحلّه الحياة من الأجزاء كالميتة.
ويمكن الاستدلال على مرامهما بوجوه:
الأوّل: دعوى انّ ما لا تحلّه الحياة من أجزاء الحيوان لا يكون جزءً للحيوان
الصفحة 136
أصلاً وإطلاق الجزء عليه انّما هو بنحو المسامحة فلا يشمله الدليل الدال على نجاسة الحيوان.
وفيه: انّ هذه مكابرة جدّاً ومخالفة لحكم العرف والعقلاء ولما هو مقتضى اللغة فانّ كونه جزء كسائر أجزاء الحيوان ممّا لا يكاد يخفى. نعم يمكن منع الجزئية في مثل اللعاب ولكنّه أيضاً مدفوع فإنّ جزئية الرطوبات غير المنفصلة لا ينبغي الارتياب فيها والانفصال لو كان مؤثراً في سلب وصف الجزئية لكنه ليس بمؤثر في رفع الحكم ولا يكون موجباً للاستحالة بمجرّده كما هو ظاهر.
الثاني: انّ ما لا تحلّه الحياة من أجزائهما يكون نظير شعر الميتة وعظمها وغيرهما ممّا لا تحلّه الحياة فكما انّها من الميتة لا تتّصف بالنجاسة كذلك هي من الحيوانين لا وجه للحكم بنجاستها.
وفيه: انّ هذا قياس محض والعمل به منهي عنه على المذهب، مع انّه قياس مع الفارق لأنّ نجاسة الكلب والخنزير ذاتية غير مستندة إلى موتهما، وامّا الميتة فنجاستها عرضية مستندة إلى الموت وهو انّما يعرض لخصوص الأجزاء التي تحلّها الحياة دون ما لا تحلّه فالقياس مع الفارق.
الثالث: الروايات الواردة الدالّة بظاهرها عليه:
منها: صحيحة زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر هل يتوضّأ من ذلك الماء؟ قال: لا بأس.
ومنها: رواية اُخرى لزرارة قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن جلد الخنزير يجعل دلواً يستقى به الماء؟ قال: لا بأس.
ومنها: رواية حسين بن زرارة عن أبي عبدالله ـ في حديث قال: قلت له: شعر الخنزير يعمل حبلاً ويستقى به من البئر التي يشرب منها أو يتوضّأ منها قال: لا
الصفحة 137
بأس به.
والجواب عن الاُولى والثالثة انّهما لا دلالة لهما على طهارة شعر الخنزير بل نفس السؤال تدلّ على مفروغية نجاسته ومورد نظر السائل هو انّ ملاقاة الشعر مع البئر هل تؤثر في نجاسته بحيث يرتفع بسببه جواز الشرب والتوضي منها أم لا وعليه فالحكم بنفي البأس نظراً إلى اعتصام مع ماء البئر لا دلالة فيه على طهارة الشعر أصلاً كما هو واضح لا يخفى وعن الرواية الثانية انّ ظاهرها السؤال عن حكم الانتفاع بجلد الخنزير بأن يجعل دلواً يستقى به الماء بعد كون نجاسته مفروغاً عنها عند زرارة ونفي البأس في الجواب ظاهر في جواز الانتفاع به وعدم كونه محرماً شرعاً فأين الدلالة على طهارة الجلد ولا إشعار في الرواية بكون الاستقاء به من الماء انّما هو للشرب أو التوضي من ماء الدلو فتدبّر جيّداً.
فانقدح من ذلك عدم تمامية شيء من الوجوه التي يمكن أن تكون مستندة للقائل بالطهارة بل الكلب والخنزير نجسان بجميع أجزائهما بمقتضى دليل النجاسة هذا مع ورود روايات خاصّة دالّة على نجاسة شعر الخنزير:
منها: مصحّحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: إنّ رجلاً من مواليك يعمل الحائل من شعر الخنزير قال: إذا فرغ فليغسل يده.
ومنها: رواية بريد الاسكاف قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن شعر الخنزير يعمل به إلى أن قال: فاعمل به واغسل يدك إذا مسسته عند كل صلاة، قلت: ووضوء؟ قال: لا اغسل يدك كما تمسّ الكلب.
فرع: قال السيّد (قدس سره) في العروة: «ولو اجتمع أحدهما ـ أي الكلب والخنزير ـ مع الآخر فتولّد منهما ولد فإن صدق عليه اسم أحدهما تبعه وإن صدق عليه اسم أحد الحيوانات الاُخر، أو كان ممّا ليس له مثل في الخارج كان ظاهراً، وإن كان الأحوط
الصفحة 138
الاجتناب عن المتولّد منهما إذا لم يصدق عليه اسم أحد الحيوانات الطاهرة».
أقول: المتولّد منهما إن كان مصداقاً لاسم أحدهما لا إشكال في نجاسته لشمول دليل نجاسة ذلك العنوان له.
وإن لم يكن مصداقاً لشيء من الاسمين فتارة يقال بنجاسته مطلقاً لما أفاده الشيخ الأنصاري (قدس سره) من انّ نجاسة المتولّد من الكلب والخنزير ارتكازية عند المتشرّعة، ومن انّ الولد تابع لأبويه في النجاسة والطهارة كولد المسلم وولد الكافر، ومن انّ الولد حقيقة من جنس الوالدين وإن كان غيرهما ظاهراً. واُخرى يفصل فيه بما أفاده بعض الأعلام في شرح العروة ـ على ما في تقريراته ـ من انّ المتولّد من الكلب والخنزير إذا كان ملفقاً منهما بأن كان رأسه رأس أحدهما وبدنه بدن الآخر، أو كان رجله رجل أحدهما ويده يد الآخر فلا مناص من الحكم بنجاسته بلا فرق في ذلك بين صدق عنوان أحدهما عليه وعدمه وذلك لأنّ المتركّب من عدّة اُمور محرمة أو نجسة محرم أو نجس بمقتضى الفهم العرفي وإن لم يصدق عليه شيء من عناوين تلك الأجزاء إلى أن قال: وامّا إذا لم يكن المتولّد منهما ملفقاً من الكلب والخنزير ولم يتبع أحدهما في الاسم فلابدّ من الحكم بطهارته».
والجواب:
امّا عن الوجوه المذكورة في كلام الشيخ (قدس سره) فهو انّه لم يثبت هذا الارتكاز عند المتشرّعة فانّهم إذا رأوا حيواناً لا يسئلون عن نسبه بل يحكمون عليه بحكم أمثاله ونظائره من الحيوانات، ولا دليل على التبعية هنا وثبوتها في الكافر والمسلم لا توجب الحكم بها في غيرهما، ومنع كون حقيقة الولد من جنس الوالدين أو لا ومنع كون الأحكام تابعة للحقائق والماهيات ثانياً فانّها تابعة للعناوين والأسامي التي تكون موضوعة لها في لسان الدليل فمع عدم صدق شيء من العنوانين ـ كما هو
الصفحة 139
المفروض ـ لا مجال لإسراء حكمهما إليه.
وامّا عن الذي أفاده البعض المتقدّم فهو انّه إن كان المراد من التلفيق من العنوانين، تلفيق عنوان الكلب وعنوان الخنزير عليه معاً بحيث يكون عند العرف مصداقاً لكلا العنوانين ومجمعاً لاسم الأبوين فالحكم كما أفاده من النجاسة إلاّ انّه على هذا التقدير يكون التنظير بالمتركّب من اُمور محرمة أو نجسة غير صحيح لأنّ المتركّب من اُمور نجسة أو محرّمة محرم مطلقاً ونجس كذلك سواء انطبق عليه العنوان الملفق أم لا كما هو المستفاد من كلامه واستدلاله، وإن كان مراده من التلفيق هو التلفيق في الحقيقة والماهية فلا دليل على نجاسة الملفق إذا لم ينطبق عليه عنوان أحدهما لما عرفت من انّ الأحكام تابعة للعناوين والأسامي.
وامّا المعجون المتركّب من عدّة اُمور نجسة فهو بالنظر إلى العالم بالأجزاء والتركّب منها نجس ولكنّه بالإضافة إلى غير العالم بها لا وجه للحكم بنجاسته إذا لم ينطبق عليه شيء من العناوين النجسة بل يمكن الحكم بالطهارة عليه بالإضافة إلى العالم في هذه الصورة سيّما إذا انطبق عليه عنوان طاهر غير الاجزاء للاستحالة وعدم شمول أدلّة النجاسة له.
والحقّ انّ المتولّد منهما أو من أحدهما وآخر إذا لم ينطبق عليه عنوان نجس لا محيص عن الحكم بطهارته ولا سبيل إلى الالتزام بالنجاسة لا من الطريق الذي سلكه الشيخ الأعظم (قدس سره) لما عرفت من عدم تماميته، ولا من طرق الاستصحاب الذي سلكه بعض آخر سواء كان المراد منه استصحاب نجاسته حال كونه منياً أو علقة ضرورة بطلانه على هذا التقدير لكون الموضوع متبدّلاً والعنوان متغيّراً وصيرورة المني والعلقة ولداً، أو كان المراد منه استصحاب نجاسته حال كونه جنيناً فيما إذا كانت اُمّه نجسة سواء كان أبوه طاهراً أم لم يكن كذلك بتقريب انّ الجنين
الصفحة 140
جزء من الاُمّ وحيث تكون الاُمّ نجسة بجميع أجزائها ـ كما هو المفروض ـ فالجنين الواقع في رحمها أيضاً محكوم بالنجاسة وتستصحب النجاسة بعد تولّده وانفصاله من الاُمّ، فإنّ هذه الدعوى أيضاً فاسدة لأنّ الجنين لا يكون جزء لاُمّه ولا يكون معدوداً عند العرف من أجزائها، وانّما يكون الرحم وعاء لتكوّن الجنين فيه ونموّه، ونجاسة الجنين إذا سقط انّما هي لأجل كونه ميتة ومشمولاً لأدلّة نجاستها لا لأجل الجزئية وإلاّ لاختصّت بما إذا كانت الاُمّ نجسة مع انّه من الواضع عدم الاختصاص به.
وربما يقال بجريان استصحاب الكلّي الجامع بين الذاتي والعرضي في جميع موارد الشكّ في النجاسة العينية بتقريب انّ الولد عند ملاقاته لرطوبات الاُمّ نعلم بنجاسته امّا عرضاً أو ذاتاً، ومع الغسل عن العرضية والتطهير منها نشكّ في بقاء الذاتية فيستصحب كلّي النجاسة على نحو القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلّي.
وفيه أوّلاً: انّ هذا الاستصحاب ـ على تقدير جريانه ـ لا يثبت المدعى فانّ المدّعى هي النجاسة العينية وغاية ما يثبت بهذا الاستصحاب هو كلّي النجاسة الجامع بين الذاتية والعرضية.
وثانياً: انّه إن قلنا بعدم تنجّس الجنين في الباطن فلازمه عدم كون الحيوان مقطوع النجاسة في حال كونه جنيناً فهذا الحيوان قبل تولّده قد كان مشكوك النجاسة بالنجاسة العينية فقط والأصل الجاري فيه حينئذ هي قاعدة الطهارة الحاكمة بعدم نجاسته كذلك والنجاسة العرضية الحاصلة عند التولّد زائلة بالغسل والتطهير ـ على ما هو المفروض ـ وعليه فلا يبقى مجال لدعوى العلم الإجمالي بأنّه امّا نجس ذاتاً أو عرضاً لأنّ النجاسة العرضية زائلة والنجاسة العينية منفية بقاعدة
الصفحة 141
الطهارة فلا يجري الاستصحاب.
وإن قلنا بتنجّسه في الباطن أيضاً لا مجال لجريان الاستصحاب المذكور لأنّه قبل أن يتولّد الحيوان المذكور نشكّ في انّه نجس العين حتّى لا يتنجّس بالنجاسة العرضية ضرورة انّ موردها طاهر العين، أو يكون طاهراً عيناً حتّى يعرضه التنجس، ومع هذا الشكّ لا محيص عن جريان قاعدة الطهارة والحكم بكونه قبل التولّد طاهر العين وحينئذ يتحقّق موضوع النجاسة العرضية الزائلة بالغسل كما هو المفروض.
وبالجملة: النجاسة العينية والنجاسة العرضية لا تكونان في عرض واحد ورتبة واحدة وهذا هو السرّ في جريان قاعدة الطهارة في الرتبة المتقدّمة وهي الطهارة العينية وعدم معارضتها مع الأصل في الطرف الآخر المتأخّر عنه رتبة وإن كان أصل جريان الاستصحاب في القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلّي ممّا لا مانع منه أصلاً كما قد حقّق في محلّه.
فانقدح انّ الوجه في الحكم بطهارة المتولّد منهما أو من أحدهما وآخر مع عدم انطباق عنوان نجس عليه ينحصر بقاعدة الطهارة ولا مجال معها لشيء من وجوه النجاسة فتدبّر.
|