في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


الصفحة 342

من صلاته. ومن الظاهر انّ الحكم بعدم وجوب الإعادة ليس لأجل عدم حجّية خبر صاحب الثوب بل مع فرض الحجّية لأنّه ذو اليد وقوله حجّة فالحكم بعدم وجوبها انّما هو لأجل صحّة الصلاة الواقعة في النجاسة مع الجهل بها كما لا يخفى.

ومنها: رواية أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إن أصاب ثوب الرجل الدم فصلّى فيه وهو لا يعلم فلا إعادة عليه، وإن هو علم قبل أن يصلّي فنسى وصلّى فيه فعليه الإعادة.

ومنها: ما رواه في قرب الاسناد عن عبدالله بن الحسن عن جدّه علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: سألته عن الرجل احتجم فأصاب ثوبه دم فلم يعلم به حتّى اخذا كان من الغد كيف يصنع؟ قال: إن كان رآه فلم يغسله فليقض جميع ما فاته على قدر ما كان يصلّي ولا ينقص منه شيء، وإن كان رآه وقد صلّى فليعتدّ بتلك الصلاة ثمّ ليغسله.

ومنها: صحيحة زرارة الطويلة المعروفة المشتملة على قوله: قلت: فإن ظننت انّه قد أصابه ولم أتيقّن ذلك فنظرت فلم أر فيه شيئاً ثمّ صلّيت فرأيت فيه؟ قال: تغسله ولا تعيد الصلاة، قلت: لِمَ ذاك؟ قال: لأنّك كنت على يقين من طهارتك فشككت وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبداً. الحديث. بناءً على أن يكون المراد من قوله: فرأيت فيه، هو رؤيته النجاسة التي ظنّ قبل الصلاة انّها قد أصابته فالمفروض صورة العلم بوقوعها فيها كما لا يخفى.

ومنها: رواية محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن الرجل يرى في ثوب أخيه دماً وهو يصلّي، قال: لا يؤذيه (لا يؤذنه) حتّى ينصرف. فانّه لو كانت الصلاة مع النجاسة واقعاً مع عدم العلم بها فاسدة لما كان الاخبار بنجاسة ثوب أخيه المصلّي إيذاءاً له بل إحساناً وتكريماً له، كما انّ النهي عن الاعلام بناء على كون

الصفحة 343

الصادر «لا يؤذنه» قبل الانصراف الظاهر في عدم المنع عنه بعد الانصراف دليل على صحّة صلاته مع العلم بالنجاسة بعدها.

وامّا القول بوجوب الإعادة مطلقاً فيمكن أن يستدلّ له بروايتين:

إحداهما: صحيحة وهب بن عبد ربّه عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الجنابة تصيب الثوب ولا يعلم به صاحبه فيصلّي فيه ثمّ يعلم بعد ذلك؟ قال: يعيد إذا لم يكن علم.

ثانيتهما: موثقة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل صلّى وفي ثوبه بول أو جنابة؟ فقال: علم به أو لم يعلم فعليه إعادة الصلاة إذا علم.

ولكن يرد على الاستدلال بالرواية الاُولى انّ تقييد وجوب الإعادة بما إذا لم يكن علم الظاهر في عدم الوجوب مع عدم القيد وهي صورة العلم بالنجاسة ربّما يدل على كون الصادر من الإمام (عليه السلام) هي كلمة «لا يعيد» فسقط حرف النهي سهواً من الراوي أو الناسخ.

ويحتمل ـ بعيداً ـ الحمل على الاستفهام الإنكاري كما احتمله صاحب الوسائل (قدس سره) وكيف كان فالرواية مجملة لا مساغ للاعتماد عليها.

وامّا الموثقة فتقييد وجوب الإعادة بصورة العلم وتعميم المورد لصورتي العلم وعدمه يمكن أن يكون مرجعه إلى انّ وجوب الإعادة مشروط بالعلم بوقوع النجاسة في الصلاة لأنّ العلم من شرائط تنجّز التكليف، ويحتمل أن يكون المراد تخصيص وجوب الإعادة بخصوص صورة العلم والتعميم قبله انّما هو لبيان التشقيق في المسألة وانّ لها صورتين ووجوب الإعادة انّما يختصّ بخصوص الصورة الاُولى، هذا ولكن الاحتمال الأخير بعيد جدّاً والظاهر هو الاحتمال الأوّل.

والجمع بينهما وبين الروايات المتقدّمة الصريحة في عدم وجوب الإعادة هو حملهما على الاستحباب لظهورهما في الوجوب وصراحة تلك الأخبار في عدم

الصفحة 344

الوجوب فيحمل الظاهر على النصّ ولا ينافي ذلك اشتمال الموثقة على بيان حكم العالم ـ بناءً على ما هو الظاهر من معناها ـ مع انّ العالم يجب عليه الإعادة قطعاً فانّ قيام الدليل على ورود الاذن في الترك بالنسبة إلى بعض مدلول الصيغة لا ينافي بقائها على ما هو ظاهرها بالإضافة إلى البعض الآخر خصوصاً لو قيل بأنّ ظهور الأمر في الوجوب انّما هو من قبيل ظهور الفعل وإلاّ فنفس الصيغة لا تدلّ إلاّ على إنشاء الطلب المشترك بين الوجوب والاستحباب.

ولو أبيت إلاّ عن ثبوت المعارضة بين الطائفتين وعدم إمكان الجمع العرفي فاللازم أيضاً الأخذ بالروايات الدالّة على عدم وجوب الإعادة لكونها موافقة لفتوى المشهور ومورداً لعمل الأصحاب فلا محيص عن الحكم بعدم الوجوب.

وامّا القول الثالث وهو التفصيل بين الوقت وخارجه فيمكن أن يكون مستنده الجمع بين الطائفتين المتقدّمتين من الأخبار بحمل إطلاق ما ظاهره الوجوب على الوقت وإطلاق ما يدلّ على عدمه على خارج الوقت.

ويرد عليه انّ هذا بمجرّده جمع تبرّعي لا سبيل إليه. نعم لو كان في البين رواية دالّة على التفصيل لكان جعلها شاهدة للجمع بمكان من الإمكان والمفروض عدم وجودها وفتوى الشيخ (قدس سره) بذلك في بعض كتبه وإن كان يمكن أن يقال بكشفها عن وجود نص في الجوامع الأوّلية شاهد على الجمع غير واصل إلينا إلاّ انّه ليس بكاشف قطعي بل ولا ظنّي لوجود الشهرة المحقّقة على الخلاف ومجرّد الاحتمال لا يقاوم الدليل.

ويمكن أن يكون مستند التفصيل ما ربّما يقال من انّ صحيحة وهب وموثقة أبي بصير المتقدّمتين وإن كان مدلولهما وجوب الإعادة مطلقاً والنسبة بينهما وبين الأخبار الدالّة على عدم الوجوب كذلك التي هي مستند المشهور هو التباين إلاّ انّ

الصفحة 345

القاعدة تقتضي تخصيصهما أولاً بما هو صريح في عدم وجوب الإعادة خارج الوقت لأنّ النسبة بينهما وبينه بالإضافة إلى الإعادة في خارج الوقت نسبة النص أو الأظهر إلى الظاهر، وبعد ذلك تنقل النسبة بينها وبين الطائفة النافية إلى العموم المطلق فلا مناص من الجمع بينهما بحمل الطائفة النافية على إرادة الإعادة خارج الوقت وحملهما على الإعادة في الوقت فيتّجه التفصيل.

ويرد عليه ـ مضافاً إلى وجود الإجمال أو الإشكال في نفس الروايتين كما عرفت ـ ان حمل الأخبار النافية على إرادة الإعادة خارج الوقت لا يجري في جميعها كما في مثل صحيحة زرارة المشتملة على تعليل عدم وجوب الإعادة بثبوت استصحاب الطهارة ضرورة جريان التعليل في كلتا الصورتين بل لو كان الحكم هو عدم وجوب الإعادة في خصوص خارج الوقت لكان المتعيّن التعليل بذلك لا بالاستصحاب الجاري فيهما خصوصاً مع عدم كون الاستصحاب بمجرّده كافياً لذلك بل لابدّ من ضمّ شيء آخر إليه وهو انّ الحكم الظاهري يقتضي الاجزاء ويوجب الاكتفاء ولو انكشف الخلاف ولذا ربّما يستدلّ بهذا التعليل على مفروغية اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاا نظراً إلى عدم تماميته بدونه، مع انّه يمكن أن يقال بأنّ مورد هذا الحكم منها هو قبل خروج الوقت لظهور عبارة السؤال في تحقّق الرؤية بعد الفراغ بلا فصل ومن الظاهر انّ الفراغ من الصلاة لا يكون مصادفاً لخروج الوقت غالباً.

وكيف كان فلا مجال لحمل مثل الصحيحة على خارج الوقت وعليه فالمعارضة بينه وبين الروايتين باقية وقد عرفت انّه لا محيص من حملهما على الاستحباب. نعم لا ينبغي ترك الاحتياط بملاحظة الروايتين في كلتا الصورتين كما احتاط الماتن ـ دام ظلّه ـ .

الصفحة 346

وامّا القول الرابع وهو التفصيل بين المتفحّص قبل الصلاة وغيره بوجوب الإعادة على الثاني دون الأوّل فمستنده روايتان:

إحداهما: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: ذكر المنيّ فشدّده فجعله أشدّ من البول، ثمّ قال: إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة، وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثمّ صلّيت فيه ثمّ رأيته بعد فلا إعادة عليك، وكذلك البول.

فإنّ تعليق الحكم بعدم وجوب الإعادة على النظر في الثوب وعدم رؤية المني أو البول ظاهر في انتفائه مع عدم النظر وعدم التفحّص.

ثانيتهما: رواية ميمون الصيقل عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت له: رجل أصابته جنابة بالليل فاغتسل فلمّا أصبح نظر فإذا في ثوبه جنابة؟ فقال: الحمد لله الذي لم يدع شيئاً إلاّ وله حدّ; إن ك ان حين قام نظر فلم يرَ شيئاً فلا إعادة عليه، وإن كان حين قام لم ينظر، فعليه الإعادة.

وتؤيّد الروايتين صحيحة زرارة المتقدّمة المشتملة على قوله: «فإن ظننت انّه قد أصابه ولم أتيقّن ذلك فنظرت فلم أرَ فيه شيئاً ثمّ صلّيت فرأيت فيه...».

ويرد على الاستدلال بصحيحة محمد بن مسلم انّ التأمّل فيها يقضي بكون المناط هو العلم بالنجاسة قبل الصلاة أو بعدما يدخل فيها وعدم العلم بها كذلك وانّما عبّر عن العلم في الجملة الاُولى بالرؤية نظراً إلى حصول العلم بسببها غالباً كما انّه عبّر عن عدم العلم بعدمها بعد النظر لذلك، فالملاك في وجوب الإعادة وعدمه هو العلم وعدمه ويؤيّد ذلك ـ مع انّه هو المتفاهم عند العرف من مثل الرواية ـ انّه على غير هذا التقدير يلزم إهمال الرواية لحكم صورة ثالثة وهي صورة وجود النجاسة وعدم التفحّص عنها قبل الصلاة ودعوى إفادة الرواية لحكمها بالمفهوم

الصفحة 347

مدفوعة بأنّ احتياجها إلى التصريح والإفادة بالمنطوق كان أشدّ من احتياج صورة العلم كما هو ظاهر، فالتأمّل في الرواية يعطي كون المناط ما ذكرنا فلا يتمّ الاستدلال بها على التفصيل.

وامّا رواية ميمون الصيقل فربّما يقال بأنّ دلالتها على المدّعى غير قابلة للمناقشة مع انّه لا ارتباط لها بالمقام أصلاً فانّ السؤال فيها لا يكون مرتبطاً بالصلاة بوجه والجواب لا يتعرّض لحكم الصلاة أيضاً كذلك بل السؤال انّما هو عن انّه أجنب الرجل بالليل واغتسل من الجنابة قطعاً ثمّ بعدما أصبح نظر فإذا في ثوبه جنابة وغرض السائل انّه هل يجب عليه الاغتسال من الجنابة ثانياً لأنّه يحتمل تجدّدها في حال النوم بعدما اغتسل من الجنابة قبله أو انّه لا يجب عليه ولا نظر له إلى وقوع الصلاة في الثوب الكذائي بل ولا إشعار في السؤال بذلك بل محطّ النظر لزوم إعادة الاغتسال وعدمه والجواب أيضاً ناظر إلى ذلك وانّه إن كان حين قام من النوم نظر إلى الثوب فلم يرَ شيئاً فلا تجب عليه إعادة الغسل وتكراره وإن كان حين قام منه لم ينظر إليه فوجود الجنابة في الثوب امارة عرفية على تحقّق الاحتلام والجنابة حال النوم فيجب عليه الغسل ثانياً فالمراد من الإعادة وعدمها هي إعادة الغسل وعدمها كما انّ المراد من القيام هو القيام من النوم لا القيام للصلاة. والإنصاف انّ الرواية لا يكون لها أيّ ارتباط بما نحن فيه، مع انّ ميمون الصيقل مجهول الحال والرواية ضعيفة السند.

وامّا صحيحة زرارة فالفحص والنظر فيها مفروض في كلام السائل ولا إشعار فيها بمدخليته في الحكم بعدم وجوب الإعادة خصوصاً مع ملاحظة التعليل بجريان الاستصحاب المشترك بين الصورتين وخصوصاً مع دلالة الصحيحة في موضع آخر منها على عدم وجوب الفحص وعدم ترتّب أثر عليه من جهة نفي وجوب

الصفحة 348

الإعادة وهو قوله (عليه السلام) بعدما سأله زرارة بقوله: فهل عليَّ إن شككت في انّه أصابه شيء أن أنظر فيه؟ قال: لا، ولكنّك تريد أن تذهب الشكّ الذي وقع في نفسك. حيث يدلّ على انّ فائدة الفحص منحصرة في ذهاب الشكّ وزوال الوسوسة ولا أثر له في الحكم بعدم وجوب الإعادة وخصوصاً مع انعقاد الإجماع على عدم لزوم الفحص في الشبهات الموضوعية وإن كان ربّما يناقش فيه فيما يرتفع الشكّ بمجرّد النظر والملاحظة ولكن المناقشة مدفوعة بهذه الصحيحة ومثلها فتدبّر. مع انّ هذه الروايات على تقدير ت مامية دلالتها لا تقاوم الروايات النافية لوجوب الإعادة مطلقاً التي بعضها صريحة في كون الملاك لعدم وجوبها هو الجهل وعدم العلم بالنجاسة في حال الصلاة فهذا التفصيل أيضاً لا مجال له.

ثمّ إنّه ذكر السيّد (قدس سره) في «العروة» انّه لو غسل ثوبه النجس وعلم بطهارته ثمّ صلّى فيه وبعد ذلك تبيّن له بقاء نجاسته فالظاهر انّه من باب الجهل بالموضوع فلا تجب عليه الإعادة والقضاء.

وربّما يقال في وجهه انّ المستفاد من صحيحة زرارة المتقدّمة وما رواه أبو بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إن أصاب ثوب الرجل الدم فصلّى فيه وهو لا يعلم فلا إعادة عليه، وإن علم قبل أن يصلّي فنسى وصلّى فيه فعليه الإعادة. انّ المناط في صحّة الصلاة انّما هو عدم تنجّز النجاسة حالها كما هو مقتضى قوله (عليه السلام): فصلّى فيه وهو لا يعلم، ولم يقل: لم يعلم فكل من صلّى في النجس وهو غير عالم به ولم تتنجّز النجاسة في حقّه يحكم بصحّة صلاته وانّما يستثنى من ذلك خصوص من نسى موضوع النجاسة، مع انّ المسألة منصوصة لحسنة ميسر قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): أمر الجارية فتغسل ثوبي من المني فلا تبالغ في غسله فاُصلّي فيه فإذا هو يابس؟ قال: أعد صلاتك، امّا انّك لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك شيء.

الصفحة 349

حيث صرّحت بأنّه لو غسلت ثوبك وصلّيت فيه ثمّ ظهر عدم زوال النجاسة عنه لم تجب إعادتها وحيث لا معارض لها فلا مناص من العمل على طبقها، وامّا الأمر بالإعادة على تقدير ان غسله غيره فهو في الحقيقة تخصيص في الأدلّة المتقدّمة النافية للإعادة عن الجاهل بموضوع النجس ومرجعه إلى الردع عن العمل بأصالة الصحّة الجارية في عمل الغير بحسب البقاء وبعد انكشاف الخلاف لا بحسب الحدوث وإلاّ لم يجز له الشروع في الصلاة، ويمكن حمله على استحباب إعادة الصلاة في هذه الصورة.

أقول: لا ينبغي الارتياب في عدم شمول الأخبار النافية لوجوب الإعادة لما إذا كان المصلّي عالماً بالطهارة ولو بنحو الجهل المركّب ضرورة انّ موردها الجاهل سواء كان متردّداً أو غافلاً غير ملتفت فكما انّها لا تشمل الناسي كذلك لا تشمل المعتقد لطهارة الثوب والبدن العالم بها أصلاً ولو كان جهلاً مركّباً ولا مجال لدعوى العموم ثمّ إخراج الناسي واستثنائه والشاهد لما ذكرنا انّ المتفاهم عند العرف من تلك الأخبار ليس غير ما ذكرنا.

وامّا حسنة ميسر أو صحيحته فالظاهر انّ المراد من قوله (عليه السلام) : «امّا انّك لو كنت غسلت...» هو انّك لو كنت غسلت ثوبك لبالغت في غسله بحيث لا يبقى فيه أثر المني أصلاً ولم يكن عليك ـ حينئذ ـ شيء لا انّه لا يضرّ العلم بوقوع الصلاة في النجاسة بعد الفراغ عنها إذا علم بالطهارة قبلها مع انّه على تقدير الاستناد إلى هذه الرواية يلزم التفصيل بين ما إذا غسل المصلّي ثوبه وبين ما إذا وكّل الغير في غسله كما هو مفاد الرواية و ـ حينئذ ـ فلا موقع لما أفاده السيّد (قدس سره) بعد ذلك من عدم وجوب الإعادة والقضاء في صورة التوكيل أيضاً. اللهمّ إلاّ أن يقال بالفرق بين ما إذا أخبر الوكيل في تطهير الثوب بطهارته وبين ما إذا اعتقد الموكّل حصول التطهير

الصفحة 350

من الوكيل من دون اخباره بذلك ومورد الرواية هو الثاني كما انّ مورد كلام السيّد هو الأوّل ومنشأه هو حجّية قوله امّا لأنّه ثقة وخبر الثقة في الموضوعات الخارجية حجّة، وامّا لأنّه ذو اليد وقوله حجّة. وكيف كان فلا وجه للحكم بعدم وجوب الإعادة والقضاء فيما إذا اعتقد الطهارة ثمّ انكشف الخلاف بعد الصلاة. هذا تمام الكلام في الجاهل بالموضوع.

بقي الكلام في هذا الفرع فيما إذا كانت الصلاة في النجاسة عن جهل بها من حيث الحكم بأن لم يعلم انّ الشيء الفلاني مثل عرق الجنب من الحرام نجس أو عن جهل بشرطية الطهارة للصلاة والجامع كون الشبهة حكمية وله صورتان:

إحداهما: ما إذا كان الجهل عذراً للمكلّف حال جهله كما في الجاهل القاصر ومن مصاديقه الظاهرة المجتهد المخطئ في اجتهاده.

ثانيتهما: ما إذا لم يكن الجهل عذراً له لاستناده إلى تقصيره في السؤال مع التمكّن منه أو عدم فحصه عن الدليل كذلك ويعبّر عنه بالجاهل المقصّر.

امّا الصورة الاُولى فالظاهر انّ الحكم فيها عدم وجوب الإعادة وصحّة الصلاة لقاعدة «الاجزاء» التي تقدّم البحث عنها ولحديث «لا تعاد» المقتضي لعدم وجوب الإعادة في غير الخمسة المستثناة وقد عرفت اختصاص «الطهور» منها بالطهارة الحدثية كما عليه الأصحاب.

وربّما يناقش في شمول حديث لا تعاد للمقام بوجوه عمدتها وجهان:

الأوّل: إنّ حديث «لا تعاد» انّما تنفي الإعادة عن كل مورد قابل لها في نفسه بحيث لولا ذلك الحديث لحكم بوجوب الإعادة فيه إلاّ انّ الشارع رفع الإلزام عنها امتناناً على المكلّفين، ومن البديهي انّ الأمر بالإعادة انّما يتصوّر فيما إذا لم يكن هناك أمر بإتيان المركّب نفسه كما في الناسي ونحوه حيث لا يجب عليه الإتيان بما نسيه،

الصفحة 351

ففي مثله لا مانع من الحكم بوجوب الإعادة عليه لولا ذلك الحديث، وامّا إذا بقي المكلّف على حاله من تكليفه وأمره بالمركب الواقعي فلا معنى في مثله للأمر بالإعادة لأنّه مأمور بإتيان نفس المأمور به، وحيث إنّ الجاهل القاصر مكلّف بنفس الواقع ولم يسقط عنه الأمر بالعمل فلا معنى لأمره بالإعادة فإذا لم يكن المورد قابلاً لإيجاب الإعادة لم يكن قابلاً لنفيها عنه وعليه فالحديث انّما يختصّ بالناسي ونحوه دون العامد والجاهل ـ مقصّراً كان أم قاصراً ـ فلابدّ من الرجوع إلى المطلقات المانعة عن الصلاة في النجس وهي تقتضي وجوب الإعادة في حقّهم.

واُجيب عنه بأنّ الجاهل وإن كان مكلّفاً بالإتيان بالمركّب واقعاً إلاّ انّه محدود بما أمكنه التدارك ولم يتجاوز عن محلّه، وامّا إذا تجاوز عن محلّه فأي مانع من الأمر بالإعادة عليه ـ مثلاً ـ إذا كان بانياً على عدم وجوب السورة في الصلاة اخلاّ انّه علم بالوجوب في أثناء الصلاة فبنى على وجوبها فانّه إن كان لم يدخل في الركوع فهو مكلّف بإتيان نفس المأمور به تعني السورة في المثال ولا مجال معه لإيجاب الإعادة في حقّه، وامّا إذا علم به بعد الركوع فلا يمكنه تداركها لتجاوزه عن محلّها و ـ حينئذ ـ امّا أن تبطل صلاته فتجب عليه إعادتها، وامّا أن تصحّ فلا تجب إعادتها، وبهذا ظهر انّ الجاهل بعدما لم يتمكّن من تدارك العمل قابل لإيجاب الإعادة في حقّه ونفيها كما هو الحال في الناسي بعينه.

والحق في الجواب أن يقال إنّ ترتّب الحكم الشرعي ـ نفياً أو إثباتاً ـ على عنوان الإعادة ومعناها الحقيقي، زائداً على ثبوت التكليف الأوّلي والأمر بالمركّب لا معنى له أصلاً ضرورة انّ المتمور به بالأمر الأوّلي امّا أن يكون متحقّقاً في الخارج بجميع خصوصياته وأجزائه وشرائطه وامّا أن لا يكون كذلك، فعلى الأوّل لا وجه لإيجاب الإعادة عليه أصلاً وعلى الثاني لا معنى لثبوت أمر ثانوي من

الصفحة 352

الشارع متعلّق بالإعادة بل غاية الأمر انّ المأمور به لم يتحقّق في الخارج ويجب على المكلّف ـ عقلاً ـ إيجاده والإتيان به ففي كلتا الصورتين لا مجال للحكم الشرعي زائداً على التكليف الأوّلي، وعليه فلابدّ من حمل الأمر بالإعادة في مورد الإخلال ببعض الأجزاء والشرائط على كونه إرشاداً إلى ثبوت الجزئية والشرطية في ذلك الحال أيضاً، كما انّ نفي الإعادة إرشاد واخبار بعدم الجزئية والشرطية في ذلك الحال.

فانقدح انّه لم يوجد ـ ولابدّ وأن لا يوجد ـ مورد قابل لإيجاب الإعادة عليه شرعاً ونفيها عنه و ـ حينئذ ـ نقول: حديث لا تعاد مفاده التصرّف في أدلّة الاجزاء والشرائط الظاهرة في الجزئية المطلقة لتمام الأجزاء والشرطية المطلقة لجميع الشرائط ومبيّن انّها على قسمين: قسم له الشرطية والجزئية المطلقة وهو الخمسة المذكورة فيه بعنوان المستثنى وقسم لا يكون كذلك وهو ما عدى الخمسة وعليه فلا وجه لدعوى اختصاصه بالناسي ونحوه لعدم الفرق بينه وبين الجاهل بل ربّما يقال ـ كما عن بعض الأعاظم ـ بشموله للعالم أيضاً ولكنّه لا يمكن المساعدة عليه لأنّ الأخبار بعدم الجزئية والشرطية المطلقة لغير الخمسة المذكورة حيث كان بنحو التعبير بعدم الإعادة، ومن المعلوم لزوم وجود المصحّح لهذه العبارة والعامل العامد التارك لبعض الأجزاء والشرائط لا يكون في الحقيقة قاصداً للامتثال مريداً لتحصيل المأمور به ولا يكون الداعي له إلى الإتيان بما أتى به هو أمر المولى فلا يناسبه هذا التعبير أصلاً بل التعبير الملائم له هو تحريكه إلى أصل الإتيان بالمأمور به وإرشاده إليه ومنه يظهر انّ الجاهل المقصر الذي يكون متردّداً وباب التعلّم له مفتوحاً لا تناسبه هذه العبارة أيضاً بل المناسب له تحريكه إلى تعلّم المأمور به وعدم المسامحة في ذلك، وامّا الجاهل القاصر الذي هو محطّ البحث في المقام فلا

الصفحة 353

مانع من شمول الحديث له لمناسبة التعبير بالإعادة له قطعاً وكون المراد من الحديث ما ذكرنا من الأخبار بعدم الجزئية والشرطية المطلقة لغير الخمسة المستثناة بلسان نفي الإعادة.

الثاني من وجهي المناقشة ما ربّما يقال من انّ «الطهور» الذي هو من الخمسة المستثناة امّا أن يكون أعمّ من الطهارة الحدثية والخبثية، وامّا أن يكون مجملاً لا يدرى انّه يختص بالاُولى أو يعمّ الثانية أيضاً، وعلى كلا التقديرين لا مجال للتمسّك به لعدم وجوب الإعادة في المقام امّا على التقدير الأوّل فواضح وامّا على التقدير الثاني فلأنّ إجمال المخصّص المتّصل يسري إلى العام ويسقطه عن الحجّية في مورد الإجمال وعليه فلا دليل على عدم وجوب الإعادة في مقابل إطلاقات مانعية النجاسة المقتضية للبطلان في المقام.

والجواب عنه ما مرّ من اختصاص الطهور بخصوص الطهارة الحدثية ويعضده فهم الأصحاب وحملهم الحديث على ذلك ويؤيّده ظهوره في لزوم الإعادة من ناحية الخمسة مطلقاً مع انّ الصلاة في النجاسة مع الجهل بالموضوع قد فرغنا عن صحّتها وتماميتها ومن الظاهر إباء مثله عن التخصيص إلاّ أن يقال بعدم ثبوت كون الحديث بصدد إفادة الإعادة في موارد الخمسة بل الظاهر كونه في مقام بيان نفي الإعادة في غير موارد الخمسة والتحقيق في محلّه.

فانقدح انّ الحكم في هذه الصورة هو عدم وجوب الإعادة كالجاهل بالموضوع.

وامّا الصورة الثانية وهو الجاهل المقصّر فالظاهر وجوب الإعادة عليه لاقتضاء أدلّة مانعية النجاسة وشرطية الطهارة له وعدم ما يقتضي الصحّة ونفي وجوب الإعادة لعدم ثبوت الأمر الظاهري بالإضافة اخليه حتّى يقتضي الاجزاء وعدم شمول حديث لا تعاد له لما مرَّ آنفاً من خروج العالم والجاهل المقصّر عن

الصفحة 354

مورده مضافاً إلى ما ربّما يقال من انّ شموله له يستلزم تخصيص أدلّة المانعية بمن صلّى في النجس عن علم وعمد وهو من التخصيص بالفرد النادر بل غير المتحقّق وإن كان هذا القول مخدوشاً من جهة لزوم الإعادة على الناسي أيضاً كما مرَّ البحث عنه، ومن جهة عدم كون المقام من باب التخصيص لأنّ حديث لا تعاد حاكم على أدلّة الاجزاء والشرائط ولا مجال لملاحظة الأفراد في باب الحكومة مع انّ كونه نادراً بل غير متحقّق لا وجه له لأنّ العالم العامد انّما يكون عدم إقدامه على الصلاة في النجاسة مستنداً إلى نفس هذه الأدلّة المانعة فتدبّر.

وكيف كان فلا دليل على الصحّة في المقام ومقتضى أدلّة المانعية البطلان. هذا تمام الكلام في الفرع الثالث.

الفرع الرابع: صورة العلم بالنجاسة في أثناء الصلاة ولها فرضان:

الفرض الأوّل: ما لو لم يعلم سبقها والظاهر انّ المراد هو السبق على الآن الذي علم فيه بالنجاسة والتفت إليها وعليه فالمراد بالفرض الثاني الآتي ـ إن شاء الله ـ وهو ما لو علم سبقها هو السبق على ذلك الآن الذي هو أعمّ من وقوع جميع الأجزاء الماضية من الصلاة في النجاسة أو وقوع بعضها فيها فالفرض الثاني له فرضان أيضاً.

وقد حكم في المتن في الفرض الأوّل ـ الذي هو محلّ البحث فعلاً ـ بأنّه إن أمكنه إزالتها بنزع أو غيره على وجه لا ينافي الصلاة مع بقاء الستر فعل ومضى في صلاته وإن لم يمكنه فإن كان الوقت واسعاً استأنفها وإلاّ فإن أمكن طرح الثوب والصلاة عرياناً يصلّي كذلك وإن لم يمكن صلّى بها.

ويستفاد من ذلك صحّة الصلاة بالإضافة إلى الأجزاء الماضية والآنات التي علم فيها بعروض النجاسة ولابدّ من العلاج بالإضافة إلى ما بقى من الصلاة

الصفحة 355

والدليل على الصحّة بالنسبة إلى الأجزاء الماضية هو جريان استصحاب الطهارة فيها لعدم العلم بسبقها كما هو المفروض بل والعلم بوقوعها مع الطهارة كما فيما لو علم بعروض النجاسة في الأثناء الذي تعرّض له الماتن ـ دام ظلّه ـ بقوله: «وكذا لو عرضت له في الأثناء» فلا إشكال في تلك الأجزاء من هذه الجهة.

وامّا بالنسبة إلى الآنات المتخلّلة بين الأجزاء، التي علم بمقارنتها مع النجاسة فالدليل على الصحّة هي الأخبار المتكثّرة الواردة فيمن رعف في أثناء الصلاة الدالّة على عدم بطلانها بذلك فيما إذا تمكّن من إزالته من دون استلزام المنافي كالتكلّم على ما ورد في بعضها أو استدبار القبلة على ما ورد في بعضها الآخر. ومن المعلوم انّه لا خصوصية للرعاف ولا للدم من بين النجاسات كما انّه لا خصوصية للتكلّم والاستدبار من بين المنافيات، ومن جملة هذه الأخبار صحيحة زرارة الطويلة المعروفة المتقدّمة ببعض فقراتها المشتملة على قوله (عليه السلام) : وإن لم تشكّ ثمّ رأيته رطباً قطعت وغسلته ثمّ بنيت على الصلاة لأنتك لا تدري لعلّه شيء أوقع عليك فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبداً. فإنّ المستفاد منه انّ توهّم البطلان انّما ينشأ من احتمال وقوع الاجزاء الماضية في النجاسة وهو مدفوع بالاستصحاب، وامّا نفس وقوع الآنات المتخلّلة فيها فلا منشأ لتوهّم البطلان من جهته أصلاً، فأصل صحّة الصلاة إلى الحال لا إشكال فيه وامّا العلاج بالنسبة إلى الأجزاء الباقية فطريقه انّه إن أمكن إزالة النجاسة بنزع أو غسل من دون استلزام شيء من المنافيات أو الإخلال بمثل الستر فعل ومضى في صلاته وأتمّها، وإن لم يمكن ذلك وكان الوقت واسعاً للإزالة ثمّ الاشتغال بالصلاة من رأس فلا مناص من الاستئناف لأنّه لا دليل على سقوط النجاسة عن المانعية بالإضافة إلى الاجزاء الباقية والمفروض سعة الوقت لرفع المانع وإيجاد الصلاة بدونه فاللازم الإزالة

الصفحة 356

والاستئناف، وإن لم يكن الوقت واسعاً فتارة يضطرّ إلى لبس الثوب النجس لبرد أو مرض أو غيرهما، واُخرى لا يكون له اضطرار إليه بوجه. ففي الصورة الثاني يصلّي عرياناً لما سيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ من تقدّم الصلاة عرياناً على الصلاة في الثوب النجس، وفي الصورة الاُولى لا محيص عن الصلاة في الثوب النجس لعدم سعة الوقت للإزالة والاستئناف ووجود الاضطرار إلى لبس الثوب النجس.

وامّا الفرض الثاني وهو ما لو علم بسبق النجاسة فقد حكم فيه في المتن بوجوب الاستئناف مع سعة الوقت مطلقاً ومرجعه إلى بطلان الصلاة في سعة الوقت كذلك وقد نسب إلى المشهور الصحّة إذا تمكّن من الإزالة في أثناء الصلاة، والوجه فيه انّ منشأ البطلان إن كان هو وقوع الأجزاء الباقية مع النجاسة فالمفروض التمكّن من الإزالة بحيث لا يلزم الإخلال بشيء أصلاً، وإن كان هو وقوع الآنات المتخلّلة بين الطائفتين من الاجزاء السابقة واللاحقة في النجاسة فقد مر انّه لا يكاد يقدح في الصحّة للأخبار المتقدّمة الواردة في الرعاف، وإن كان هو وقوع الأجزاء الماضية في النجاسة بتمامها أو ببعضها فهو أيضاً لا يضرّ بالأولوية القطعية لأنّه إذا كانت الصلاة الواقعة بتمامها في النجاسة مع الجهل بها صحيحة تامّة كما مرّ البحث عنه فالصلاة الواقعة ببعض أجزائها فيها كذلك تكون صحيحة بطريق أولى فلا مناص من الحكم بالصحّة مع التمكّن من الإزالة .

ولكن هذا الوجه لا يقاوم الأخبار الواردة في المسألة الدالّة على البطلان وقد جمع في بعضها بل في جميعها بين الحكم بالصحّة إذا انكشف الخلاف بعد الفراغ وبين الحكم بالبطلان إذا انكشف في الأثناء كصحيحة زرارة المتقدّمة المستدلّ بها في تلك المسألة المشتملة على قوله: قلت: إن رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة قال: تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته «الحديث» فإنّ دلالتها على لزوم

الصفحة 357

الإعادة مع رؤية النجاسة المشكوكة في أثناء الصلاة ممّا لا مجال للخدشة فيها مع انّك عرفت دلالتها على عدم لزوم الإعادة فيما إذا تبيّن بعد الفراغ وقوع الصلاة في النجاسة ولأجل اشتمال الصحيحة على الحكمين المذكورين ربّما يمكن أن يتوهّم لزوم طرح الرواية للقطع بعدم الفرق بين الصورتين بل بأولوية عدم وجوب الإعادة فيما إذا تبيّن في الأثناء بالإضافة إلى ما إذا تبيّن بعد الفراغ خصوصاً بعد اشتراكهما في العلّة التي علّل الإمام (عليه السلام) عدم وجوب الإعادة في الصورة الثانية بها وهي جريان الاستصحاب، واقتضاء دليله الاجزاء مضافاً إلى انّه من البعيد أن لا يسأل زرارة بعد سؤاله عن علّة الحكم في تلك الصورة عن علّة حكم هذه الصورة خصوصاً بعد اشتراكهما في تلك العلّة كما عرفت.

هذا، ولكن ما ذكر لا يوجب طرح الرواية خصوصاً بعد كونها صحيحة والإضمار لا يضرّها بل لا تكون مضمرة على ما رواه الصدوق في العلل، ومجرّد الاستبعاد لا يوجب ذلك واقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء ودلالته على توسعة المأمور به بالأمر الواقعي الأوّلي انّما هو مقتضى ظاهر دليله فلا ينافي ورود دليل خاص على خلافه كما قام في الطهارة الحدثية على وجوب الإعادة فيما إذا تبيّن كونه فاقداً لها ولو بعد الفراغ، وحصول القطع بالأولوية ممنوع خصوصاً مع احتمال أن يكون وقوع الآنات المتخلّلة بين الأجزاء في النجاسة مانعاً إذا اتّصفت بسبقها عليها وخصوصاً مع انّه لو كانت الأولوية محقّقة لم يكن مجال لسؤال زرارة عن حكم هذه الصورة بعد سؤاله عن حكم تلك الصورة والجواب بعدم وجوب الإعادة كما لا يخفى. نعم يبقى إشكال الاشتراك في العلّة وهو لا يقاوم التصريح بالخلاف. وكيف كان فالظاهر لزوم الأخذ بمقتضى الرواية وجعلها دليلاً على التفصيل في المسألة وإن كان خلاف القاعدة.

الصفحة 358

ومن الروايا الدالّة على وجوب الإعادة في المقام رواية أبي بصير ـ المتقدّمة ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل صلّى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثمّ علم به؟ قال: عليه أن يبتدئ الصلاة، قال: وسألته عن رجل يصلّي وفي ثوبه جنابة أو دم حتّى فرغ من صلاته ثمّ علم؟ قال: مضت صلاته ولا شيء عليه.

ثمّ إنّ هنا روايات ربما تتوهّم دلالتها على وجوب الإعادة في صورة التبين في الأثناء:

إحداها: صحيحة محمد بن مسلم ـ المتقدّمة ـ عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن الرجل يرى في ثوب أخيه دماً وهو يصلّي؟ قال: لا يؤذنه (لا يؤذيه) حتّى ينصرف. نظراً إلى دلالتها على انّ العلم بالنجاسة الحاصل بإعلام الغير في أثناء الصلاة يوجب البطلان.

والظاهر انّه لا دلالة لها على ذلك فانّ غاية مفادها انّ العلم بالنجاسة بعد الفراغ لا يؤثّر في البطلان، وامّا كون العلم بها في الأثناء مؤثِّراً فيه فلا يستفاد من الصحيحة بوجه والنهي عن الإعلام أو عن الإيذاء انّما هو لأجل انّه مع العلم بها في الأثناء يصير مكلّفاً بالإزالة بالإضافة إلى الأجزاء الباقية ورعاية هذا التكليف في أثناء الصلاة ليس بسهل نوعاً ويؤيّده انّ الإعلام ربّما لا يصير موجباً للعلم بوقوع الأجزاء الماضية في النجاسة فتدبّر.

ثانيتهما: صحيحة اُخرى لمحمّد بن مسلم ـ المتقدّمة أيضاً ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال: ذكر المني فشدّده فجعله أشدّ من البول ثمّ قال: إن رأيت المني قبل أو بعدما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة، وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثمّ صلّيت فيه ثمّ رأيته بعد فلا إعادة عليك فكذلك البول. نظراً إلى دلالتها على بطلان الصلاة في النجاسة الواقعة قبلها مع رؤيتها في الأثناء لأنّ ذكر المني قرينة على

الصفحة 359

حدوثه قبل الصلاة لبعد ملاقاة الثوب في أثنائها.

ولا يخفى انّ ظاهرها التفصيل بين ما إذا كان مسبوقاً بالعلم وما إذا لم يكن كذلك لا الفرق في خصوص الثاني بين الأثناء وبعد الفراغ كما هو مفروض المسألة لأنّ المراد بقوله (عليه السلام) : إن رأيت ... انّه إن رأيت المني قبل الشروع في الصلاة أو بعد الدخول فيها ونسيت إزالته وصلّيت ثمّ ذكرت فعليك الإعادة. فصدر الرواية متعرّض لحكم ما إذا سبق العلم قبل إتمام الصلاة مع فرض وقوع باقي الأجزاء فيها. غاية الأمر انّ ذلك لا يتحقّق من القاصد للامتثال الملتفت إلى شرطية الطهارة إلاّ مع نسيان الإزالة، ويؤيّد ذلك عطف قوله: بعدما تدخل، على قوله: قبل، الدال على انّ الفرض هو ما إذا وقعت الصلاة بتمامها أو ببعض أجزائها مسبوقة بالعلم بالنجاسة، كما يؤيّده أيضاً قوله: فعليك إعادة الصلاة، الظاهر في انّ المكلّف أتمّ الصلاة الاُولى وإلاّ فالتعبير المناسب أن يقال: تنقض الصلاة كما في صحيحة زرارة.

ثالثتها: صحيحة ثالثة أو حسنة لمحمد بن مسلم مروية في الكافي قال: قلت له: الدم يكون في الثوب عليَّ وأنا في الصلاة؟ قال: إن رأيته وعليك ثوب غيره فاطرحه وصلِّ في غيره، وإن لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك ولا إعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم، وما كان أقلّ من ذلك فليس بشيء، رأيته قبل أو لم تره، وإذا كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدرهم، فضيّعت غسله وصلّيت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صلّيت فيه. ورواه الشيخ في التهذيب بزيادة لفظة «واو» قبل قوله «ما لم يزد» وإسقاط قوله «وما كان أقلّ من ذلك» وعليه تكون جملة «ما لم يزد» جملة مستأنفة خبرها قوله «فليس بشيء» وحيث إنّ الشيخ رواه فيه عن كتاب الكافي فيدلّ ذلك على انّ النسخة الموجودة عنده منه كانت مطابقة لما في التهذيب فلا مجال للقول بأنّ ما في الكافي أضبط ممّا في غيره. ورواه الصدوق

الصفحة 360

باسناده عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) مع زيادة «وليس ذلك بمنزلة المني والبول».

وكيف كان فلابدّ من توضيح معنى الرواية وبيان مقدار دلالتها ليظهر حال التوهّم المذكور فنقول: الظاهر إطلاق السؤال وشموله لما إذا علم بوقوع بعض أجزاء الصلاة في الدم المرئي في الأثناء ولما إذا احتمل حدوثه في الأثناء كما انّ الظاهر عدم شموله لما إذا صلّى في الدم عالماً لأنّه ـ مضافاً إلى انّه لا يتحقّق ذلك من المكلّف القاصد للامتثال الملتفت إلى شرطية الطهارة ـ مخالف لما هو المتفاهم من السؤال المتبادر منه فانّ ظاهره انّه لو كانت الرؤية قبل الشروع في الصلاة لما كان يشتغل بها قبل الإزالة. وامّا الجواب فهو متضمّن لأربع جملات:

إحداها: قوله (عليه السلام) : «إن رأيته وعليك ثوب...» والمراد انّه لو رأيته في الأثناء وأمكن لك الإزالة وتحصيل الطهارة بحيث لا تبقى مكشوف العورة يجب عليك ذلك ولو بإلقاء الثوب وطرحه إذ من المعلوم انّه لا خصوصية لطرح الثوب كما انّه لا خصوصية لأن يكون على المصلّي ثوب غير ما فيه الدم بل المراد إمكان إزالة الدم عمّا تعتبر طهارته في الصلاة ولو كان له ثوب واحد، وحكم هذه الصورة وجوب الإزالة وإتمام العبادة وعدم وجوب الإعادة وهو إن كان مطلقاً شاملاً لما إذا كان الدم أقلّ من الدرهم إلاّ انّه بقرينة قوله (عليه السلام) فيما بعد: «وما كان أقلّ...» يجب تقييده بغير هذه الصورة.

ومن المعلوم انّه لا دلالة لهذه الجملة على التفصيل الذي دلّ عليه مثل صحيحة زرارة المتقدّمة لأنّ مقتضى إطلاقها صحّة الصلاة فيما لو ع لم بوقوع بعض الصلاة في الدم أيضاً فتكون معارضة لها بالإطلاق والتقييد فيجب تقييدها بها، ولو حمل مورد السؤال على خصوص ما إذا احتمل حدوث الدم في الأثناء فلا تعارض

الصفحة 361

بينهما بوجه ولا حاجة إلى التقييد أيضاً.

ثانيتها: قوله (عليه السلام) : «وإن لم يكن عليك ثوب غيره...» وظاهرها انّه لو لم تتمكّن من الإزالة بحيث تبقى مستور العورة فإن لم يكن الدم زائداً على مقدار الدرهم فامض في صلاتك ولا إعادة عليك، ومفهومها انّه لو كان الدم زائداً على المقدار المذكور فلا يجب عليك المضي بل تجب عليك الإعادة ، ولا يخفى انّه لا يجوز أن يكون قوله (عليه السلام) «ما لم يزد...» قيداً للجملة الاُولى أيضاً إذ ينافيه الأمر بالطرح الدال على وجوبه كما انّه بناءً عليه يكون التفصيل بين ما إذا كان عليه ثوب غيره وبين ما إذا لم يكن عليه بلا فائدة إذ يكون المدار ـ حينئذ ـ على الزيادة على مقدار الدرهم وعدمها ففي الصورة الاُولى تجب عليه الإعادة في الفرضين وفي الثانية بالعكس، فوجب أن تكون قيداً لخصوص الجملة الثانية كما هو ظاهر الرواية أيضاً.

ثالثتها: قوله (عليه السلام) : «وما كان أقلّ من ذلك...» وظاهرها انّ الدم إذا كان أقلّ من مقدار الدرهم لا يترتّب عليه أثر، سواء فيه الروية وعدمها وهذه الجملة كالتأكيد للجملة الثانية المقيّدة بالقيد المذكور وكالتقييد بالنسبة إلى الجملة الاُولى الدالّة على وجوب الطرح حيث إنّها تقيّدها بما إذا كان الدم أكثر من مقدار الدرهم كما تقدّمت الإشارة إليه.

رابعتها: قوله (عليه السلام) : «وإذا كنت قد رأيته...» والمراد انّه لو كان الدم أكثر من مقدار الدرهم وقد رأيته قبل الشروع في الصلاة وضيّعت غسله ـ والمقصود من تضييع الغسل امّا عدم الغسل أصلاً أو الغسل مع عدم المبالاة في إزالة الدمّ والالتفات إليه ـ وصلّيت فيه صلاة كثيرة تجب عليك الإعادة وقد عرفت انّ الصلاة في هذه الصورة لا تكاد تتحقّق من المكلّف القاصد للامتثال، العالم بالاشتراط إلاّ مع نسيان نجاسة الثوب فهذه الجملة متعرّضة لحكم النسيان ولا دلالة لها على حكم صورة الجهل

<<التالي الفهرس السابق>>