في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


الصفحة 362

بالنجاسة أصلاً. ومن الواضح انّه لا دلالة لهذه الجمل الثلاثة الأخيرة على التفصيل المتقدّم. هذا كلّه بناءً على ما هو الموجود في نسخ الكافي التي بأيدينا.

وامّا بناءً على ما رواه الشيخ (قدس سره) في التهذيب ممّا تقدّم فالرواية أشبه بكونها صادرة من الإمام (عليه السلام) لخلوّها ـ حينئذ ـ عن التكرار. نعم مدلول الجملة الثانية الواردة فيما إذا كان الدم زائداً على مقدار الدرهم يصير مخالفاً لما عليه المشهور من بطلان الصلاة مع عدم التمكّن من إزالة النجاسة كما هو مقتضى أدلّة شرطية الطهارة.

وربّما يقال: بأنّ الجملة الثانية ـ على رواية الشيخ ـ مطلقة ومقتضى إطلاقها عدم الفرق في المضي على الصلاة بين صورة التمكّن من إزالة النجاسة ولو بإلقاء ثوبه وبين صورة العجز عن إزالتها وهو على خلاف الإجماع وغيره من الأدلّة القائمة على بطلان الصلاة في النجس متعمّداً وليس الأمر كذلك على رواية الكليني حيث انّ الجملة الثانية مقيّدة بما إذا كان الدم أقلّ من الدرهم على كل حال سواء أرجعناه إلى الجملة السابقة أيضاً أم خصصناه بالأخيرة وهذا يدلّنا على وقوع الاشتباه فيما نقله الشيخ.

وقد ظهر ممّا ذكرنا بطلان هذا القول فإنّ دعوى الإطلاق في الجملة الثانية ممنوعة جدّاً ضرورة انّ المراد من عدم وجود ثوب غيره عدم التمكّن من الإزالة فهو كناية عنه. نعم مراده من الإزالة هي الإزالة بحيث لا يبقى المصلّي مكشوف العورة فغاية مفاد الرواية تقدّم الصلاة في النجس مع عدم التمكّن من الإزالة في الأثناء على الصلاة عارياً وأين هذا من دعوى الشمول لصورة التمكّن من الإزالة مطلقاً.

وقد انقدح ممّا ذكرنا عدم نهوض الرواية للدلالة على التفصيل كما انّ الاستدلال

الصفحة 363

بها على ما نسب إلى المشهور في المقام من عدم وجوب الإعادة عند التبيّن في الأثناء يبتني على دعوى إطلاق السؤال في الرواية وشموله لما إذا علم بوقوع بعض الصلاة في الدم مع انّ هذه الدعوى على تقدير تماميتها لا تثبت إلاّ مجرّد الإطلاق وصحيحة زرارة الدالّة على التفصيل وغيرها صالحة للتقييد فلا مجال للاستدلال بها للمشهور.

نعم ربّما يستدلّ لهم ببعض الروايات الاُخر:

كرواية داود بن سرحان عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يصلّي فأبصر في ثوبه دماً؟ قال: يتمّ. نظراً إلى انّ مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين ما إذا كان الدم المرئي في الأثناء محتمل الحدوث فيه أو معلوم الحدوث قبل الصلاة فالرواية تدلّ على عدم وجوب الإعادة في كلتا الصورتين.

والجواب عنه قد ظهر ممّا مرّ آنفاً من صلاحية أدلّة التفصيل لتقييد مثل هذه الرواية والحكم باختصاص موردها بما إذا كان محتمل الحدوث في الأثناء مع انّه لابدّ من تصرّف آخر في الرواية ضرورة انّ الحكم بالإتمام الظاهر في الإتمام مع الدم لا يجتمع مع التمكّن من الإزالة والقدرة على تحصيل الطهارة فلابدّ امّا من حملها على الدم المعفوّ عنه في الصلاة وعليه فثبوت الإطلاق المذكور في تقريب الإستدلال لا يكاد ينفع للمستدلّ ولا حاجة إلى التقييد، وامّا من حملها على صورة عدم التمكّن من الإزالة وهو أيضاً مخالف لما عليه المشهور من بطلان الصلاة مع عدم التمكّن من الإزالة كما مرّت الإشارة إليه فالرواية على فرض لا تصلح للاستدلال وعلى فرض آخر مخالف لفتوى المشهور من تلك الجهة وعلى أي حال غير قابلة للتمسّك بها في المقام.

ورواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إن رأيت في ثوبك دماً وأنت

الصفحة 364

تصلّي ولم تكن رأيته قبل ذلك فأتمّ صلاتك فإذا انصرفت فاغسله قال: وإن كنت رأيته قبل أن تصلّي فلم تغسله ثمّ رأيته بعد وأنت في صلاتك فانصرف فاغسله وأعد صلاتك. ولا يخفى انّ موردها الدم غير المعفوّ عنه في الصلاة بقرينة الأمر بالغسل بعد الانصراف في الفقرة الاُولى والأمر بالانصراف والغسل والإعادة في الفقرة الثانية ولكن يرد على الاستدلال بها انّه يبتني على إطلاق مورد الفقرة الاُولى لما إذا علم بوقوع بعض الصلاة في الدم وعدم اختصاصه بما إذا احتمل الحدوث في الأثناء وهو وإن كان تامّاً إلاّ انّ الأخذ بالإطلاق يتوقّف على فقدان الدليل الصالح للتقييد وقد عرفت انّ مثل صحيحة زرارة صالح للتقييد فتحمل الرواية على خصوص صورة احتمال الحدوث في الأثناء وإن كانت الرواية غير خالية عن الإشعار بالاختصاص بغير هذه الصورة إلاّ انّ الإشعار لا يقاوم مع ظهور الصحيحة بل صراحتها كما انّه لابدّ من حمل الرواية على صورة عدم التمكّن من الإزالة وعلى تقديره فيلزم مخالفة فتوى المشهور من جهة اُخرى كما عرفت.

فانقدح انّه لا محيص من الالتزام بالتفصيل والحكم بوجوب الإعادة مع التبيّن في الأثناء نظراً إلى الصحيحة وغيرها من الروايات المفصّلة.

بقي في هذا الفرض أمران يجب التنبيه عليهما:

الأوّل: انّك عرفت عدم اختصاص هذا الفرض بما إذا علم سبق النجاسة على الشروع في الصلاة وشموله لما إذا علم وقوع بعض الأجزاء الماضية من الصلاة مع النجاسة ولكنّه ربّما يقال ـ كما قال بعض الأعلام في الشرح ـ باختصاص وجوب الإعادة بالصورة الاُولى وانّه لا تجب في الصورة الثانية نظراً إلى انّ مقتضى حسنة محمد بن مسلم وموثقة داود بن سرحان ورواية عبدالله بن سنان صحّة الصلاة في النجس مع العلم به في الأثناء مطلقاً سواء كان محتمل الحدوث في الأثناء أو معلوم

الصفحة 365

الحدوث قبل الشروع في الصلاة أو بعده قبل الالتفات والتوجّه وقد خرجنا عن إطلاقها في خصوص الصورة الثانية للأخبار المصرّحة بالبطلان فيها، وامّا الصورتان الآخرتان فهما باقيتان تحت الإطلاق على انّ التعليل الوارد في صحيحة زرارة بقوله (عليه السلام): «ولعلّه شيء أوقع عليك» يشمل الصورة الثالثة أيضاً لأنّ معناه انّ النجاسة المرئية لعلّها شيء أوقع عليك وأنت تصلّي لا وأنت في زمان الانكشاف أعني الآنات المتخلّلة التي التفت فيها إلى النجس.

وهذا القول إنّما نشأ من توهّم كون الدليل على التفصيل المتقدّم هو هذا التعليل الوارد في الصحيحة كما صرّح به في مقام بيان أدلّة التفصيل مع انّ الدليل عليه كما عرفت هو الفقرة الواقعة قبل هذه الفقرة المشتملة على التعليل ونو قوله (عليه السلام): «تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته» ومن الظاهر انّ مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين ما إذا كان الشكّ قبل الشروع وما إذا كان بعده قبل الرؤية وقد تقرّر في محلّه تقدّم إطلاق الدليل المقيّد على دليل الإطلاق كما انّه لا خفاء في انّ العلّة ظاهرة في كون المراد: لعلّها شيء أوقع عليك في هذه الحال التي هي حال الانكشاف والروية لا في حال الصلاة فهذا القول لا يمكن المساعدة عليه بوجه.

الثاني: انّ تعليق الحكم بلزوم الإعادة والاستئناف فيما لو علم في الأثناء بسبق النجاسة على سعة الوقت ظاهر في انّه مع ضيق الوقت تكون الصلاة صحيحة والدليل عليه ـ مضافاً إلى ظهور الروايات الدالّة عليه في كون موردها صورة السعة ـ وهو انّ مقتضى التتبّع والاستقراء في موارد معارضة الوقت مع سائر الشروط ترجيح مراعاة الوقت على مراعاة سائر الشروط ومرجع ذلك إلى سقوط شرطيتها عند المعارضة مع الوقت.

نعم يقع الكلام بعد ذلك في انّ المراد بسعة الوقت هل هو سعته لأن يقع فيه تمام

الصفحة 366

الصلاة أو تكفي السعة لوقوع ركعة منها فيه لا يبعد أن يقال بالثاني نظراً إلى قاعدة «من أدرك» المستفادة من النصوص الدالّة على انّ إدراك ركعة من الوقت بمنزلة إدراك جميع الوقت فبملاحظتها نحكم بوجوب الإعادة في الفرض إذا كان الزمان واسعاً لإدراك ركعة فقط أيضاً فتدبّر . هذا تمام الكلام في الصلاة في النجاسة.

الصفحة 367

مسألة 7 ـ لو انحصر الساتر في النجس فإن لم يقدر على نزعه لبرد ونحوه صلّى فيه إن ضاق الوقت، أو لم يحتمل احتمالاً ع قلائياً زوال العذر، ولا إعادة عليه، وإن تمكّن من نزعه فالأقوى إتيان الصلاة عارياً مع ضيق الوقت، بل ومع سعته لو لم يحتمل زوال العذر، ولا قضاء عليه 1.

1 ـ الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين:

المقام الأوّل: فيما إذا لم يتمكّن من نزع الساتر النجس لبرد ونحوه والحكم فيه جواز الصلاة فيه مع ضيق الوقت أو عدم احتمال زوال العذر إلى آخر الوقت احتمالاً عقلائياً والدليل على الجواز ـ مضافاً إلى قيام الإجماع بل الضرورة على انّ الصلاة لا تسقط بحال وانّ المكلّف معذور فيما هو خارج عن قدرته والله تعالى أولى بالعذر في مثل ذلك، وإلى إمكان دعوى اختصاص أدلّة مانعية النجاسة بصورة عدم الاضطرار إلى لبس الثوب المتنجّس خصوصاً بعد كون الدليل هو الإنفاق والإجماع القائم في المسألة وإن كانت هناك أدلّة لفظية واردة في بعض أنواع النجاسات وقلنا بإمكان استفادة العموم من صحيحة زرارة المعروفة أو مثلها إلاّ انّك عرفت انّ العمدة كون المسألة اتفاقية والقدر المتيقّن صورة عدم الاضطرار فلا يقاس بسائر الموارد التي يكون مقتضى إطلاق أدلّتها اللفظية الشمول لكلتا الصورتين ـ الاخبار الآتية الآمرة بالصلاة في الثوب المتنجّس وهي وإن كانت مطلقة إلاّ انّ القدر المتيقّن منها صورة الاضطرار المفروضة في هذا المقام وقد أفتى جماعة بالجواز مع عدم الاضطرار أيضاً نظراً إلى إطلاق هذه الأخبار ـ وسيأتي البحث عنه إن شاء الله تعالى ـ وكيف كان فلا ينبغي الارتياب في دلالتها على حكم المقام، مضافاً إلى ورود بعض الروايات في خصوصه كما سيأتي.

وامّا عدم وجوب القضاء والإعادة عليه بعد الوقت فلأنّ موضوع القضاء

الصفحة 368

فوات الفريضة وهو غير متحقّق لأنّ المفروض الإتيان بها مع جميع الخصوصيات المعتبرة فيها ـ وجوداً وعدماً ـ فلا مجال لتوهّم تحقّق الفوت أصلاً خصوصاً لو قلنا بأنّ الوجه في جواز الصلاة اختصاص أدلّة المانعية بصورة عدم الاضطرار وإن كان الاستدلال لذلك بالأخبار الآتية الآمرة بالصلاة في الثوب المتنجّس أيضاً يرجع إلى ذلك ضرورة انّ حكومتها على أدلّة المانعية تقتضي اختصاصها بتلك الصورة إلاّ انّه على ذلك الوجه تصير المسألة أوضح.

وامّا عدم وجوب الإعادة عليه في الوقت فهو المعروف بين الأصحاب وعن الشيخ (قدس سره) في بعض كتبه وجوب الإعادة وعن المدارك والرياض نسبة القول بوجوب الإعادة في الوقت إلى جماعة وقد استدلّ لهم بموثقة عمّار الساباطي عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه سُئل عن رجل ليس عليه إلاّ ثوب ولا تحلّ الصلاة فيه، وليس يجد ماء يغسله كيف يصنع؟ قال: يتيمّم ويصلّي فإذا أصاب ماء غسله وأعاد الصلاة.

وربّما يجاب عن الاستدلال بها بكونها أجنبية عن المقام حيث انّ موردها تيمّم المكلّف للصلاة بدلاً عن الجنابة أو الوضوء مع عدم اضطراره إليه واقعاً لفرض انّه وجد الماء قبل انقضاء وقت الصلاة ومقتضى القاعدة فيه البطلان ولا دليل على كون ما أتى به مجزياً عن المأمور به وحديث لا تعاد لا ينفي الإعادة من ناحية الإخلال بالطهارة الحدثية فوجوب الإعادة في مورد الرواية للإخلال بتلك الطهارة لا الطهارة الخبثية المفروضة في المقام.

هذا والظاهر انّ ظهور الرواية في كون منشأ وجوب الإعادة هو فقدان الطهارة الخبثية لا ينبغي أن ينكر فانّ قوله (عليه السلام) : فإذا أصاب ماء غسله وأعاد الصلاة ظاهر في ذلك من جهة الحكم بلزوم الإعادة عقيب لزوم الغسل ومن جهة عدم التعرّض

الصفحة 369

للوضوء أو غسل الجنابة أصلاً.

نعم يرد على الرواية اضطرابها من جهة انّ خلوّ الرجل من الطهارة الحدثية لم يكن مفروضاً في مورد السؤال فإنّ عدم وجدان الماء لغسل الثوب الذي لا تحلّ الصلاة فيه لا يلازم وجود حدث الجنابة أو الأحداث الموجبة للوضوء في الرجل فمن الممكن ثبوت الطهارة له من هذه الناحية مع انّ عدم التعرّض للوضوء أو الغسل بعدما إذا أصاب ماء على تقدير كون المفروض ما ذكر أيضاً يوجب الاضطراب فيها، مع انّ وجوب الإعادة على المتيمّم محل كلام ـ وسيأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى ـ .

وكيف كان فالدليل على عدم وجوب الإعادة في المقام ـ مضافاً إلى حديث «لا تعاد» الدالّ على عدم وجوب الإعادة من جهة الإخلال بالطهارة الخبثية بضميمة مشروعية البدار مع اعتقاد بقاء الاضطرار وعدم احتمال زوال العذر إلى آخر الوقت ـ الأخبار الآتية الآمرة بالصلاة في الثوب المتنجّس الخالية عن الأمر بالإعادة مع كونها في مقام البيان من هذه الجهة أيضاً ولأجلها تحمل الموثقة على الاستحباب مع وجود الاضطراب فيها ومخالفتها لفتوى المشهور وإن كان إعراضهم عنها الموجب للسقوط عن الحجّية ممّا لم يثبت ومع ذلك فالمسألة غير صافية عن الإشكال والاحتياط بالإعادة لا يترك.

المقام الثاني: فيما إذا كان متمكّناً من النزع والصلاة عارياً وفيه أقوال:

أحدها: انّه تجب عليه الصلاة عرياناً وهو محكي عن الشيخ في كتبه كالنهاية والمبسوط والخلاف، وعن الحلّي في السرائر، والمحقّق في الشرائع والنافع، والعلاّمة في بعض كتبه، والشهيد ـ قدّس الله أسرارهم ـ .

ثانيها: إنّه تجب عليه الصلاة في الثوب المتنجّس وهو محكي عن كاشف اللثام.

الصفحة 370

ثالثها: انّه يتخيّر المصلّي بين الأمرين: الصلاة عارياً والصلاة في الثوب المتنجّس وهو محكي عن المحقّق في المعتبر، والعلاّمة في بعض كتبه.

ومنشأ الاختلاف بينهم وجود الأخبار المتعارضة في هذا المقام وهي على طائفتين:

الطائفة الاُولى: ما تدلّ على وجوب الصلاة عارياً مع انّه لا يكون اضطرار في البين وهي:

رواية سماعة المضمرة المروية في الكافي قال: سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض وليس عليه إلاّ ثوب واحد وأجنب فيه، وليس عنده ماء، كيف يصنع؟ قال: يتيمّم ويصلّي عرياناً قاعداً يؤمى إيماء. ورواه الشيخ عن الكافي أيضاً.

ومضمرته الاُخرى قال: سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض فأجنب وليس عليه إلاّ ثوب فأجنب فيه وليس يجد الماء؟ قال: يتيمّم ويصلّي عرياناً قائماً يؤمى ايماء. والظاهر عدم كونها رواية اُخرى بل هي بعينها الرواية الاُولى والاختلاف بينهما من جهة القيام والقعود لا يوجب تعدّدها فانّه من الواضح انّ سماعة انّما سأل عن حكم المسألة المفروضة في كلامه مرّة واحدة واُجيب بجواب واحد والاختلاف انّما نشأ من اختلاف بعض الرواة الواقعة في السند.

ورواية محمد بن علي الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل أصابته جنابة وهو بالفلاة، وليس عليه إلاّ ثوب واحد، وأصاب ثوبه مني؟ قال: يتيمّم ويطرح ثوبه ويجلس مجتمعاً فيصلّي ويؤمى ايماء. وغير ذلك من الروايات الدالّة على ذلك.

الطائفة الثانية: ما تدلّ على وجوب الصلاة في الثوب المتنجّس وهي كثيرة وربّما ادّعى فيها التواتر الإجمالي الذي يرجع إلى القطع بصدور بعضها ولكنّها غير ثابتة، لأنّ أكثرها ينتهي إلى الحلبي ولم يثبت كونها روايات متعدّدة.

الصفحة 371

منها: ما رواه الصدوق باسناده عن محمّد بن علي الحلبي، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل أجنب في ثوبه وليس معه ثوب غيره (آخر)؟ قال: يصلّي فيه فإذا وجد الماء غسله. قال الصدوق: وفي خبر آخر: وأعاد الصلاة.

ومنها: رواية اُخرى له وفيها انّه سُئل أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يكون له الثوب الواحد فيه بول لا يقدر على غسله؟ قال: يصلّي فيه.

ومنها: صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبدالله انّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يجنب في ثوبه ليس معه غيره ولا يقدر على غسله؟ قال: يصلّي فيه.

ومنها: ما رواه الشيخ باسناده عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: سألته عن رجل عريان وحضرت الصلاة ، فأصاب ثوباً نصفه دم أو كلّه دم يصلّي فيه أو يصلّي عرياناً؟ قال: إن وجد ماء غسله، وإن لم يجد ماء صلّى فيه ولم يصلِّ عرياناً. ورواه الصدوق والحميري عنه أيضاً.

ومنها: رواية ثالثة لمحمّد بن علي الحلبي قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يجنب في الثوب أو يصيبه بول وليس معه ثوب غيره؟ قال: يصلّي فيه إذا اضطرّ إليه.

ومنها: موثقة سماعة المتقدّمة في المقام. والظاهر انّها هي المراد بالخبر الذي ذكر الصدوق بعد نقل رواية الحلبي. وفي خبر آخر: وأعاد الصلاة.

ثمّ إنّ الشيخ (قدس سره) حمل هذه الطائفة على صورة الاضطرار إلى لبس الثوب المتنجّس لضرر أو حرج. وتنظر فيه في المعتبر قال في محكيه: «إنّ هذا التأويل محلّ نظر ولو قيل بالتخيير بينهما لكان حسناً» ومراده التخيير بين الصلاة عارياً وبين الصلاة في الثوب المتنجّس وهو تخيير عقلي لأنّ المكلّف لا يخلو امّا أن يصلّي في الثوب المتنجّس وامّا أن يصلّي عرياناً وليس تخييراً شرعياً كما في الواجبات

الصفحة 372

التخييرية كما انّه ليس تخييراً في المسألة الاُصولية من جهة ثبوت التخيير من ناحية الأخذ بكل واحدة من الطائفتين بل منشأه امّا طرح الطائفتين لثبوت المعارضة بينهما وعدم إمكان الجمع بينهما وعدم وجود المرجّح أو تعارضه أيضاً، وامّا الجمع بينهما بهذا النحو.

وامّا القول بوجوب الصلاة عرياناً فمنشأه تقديم الطائفة الدالّة عليه لكونها موافقة للشهرة بينهم، كما انّ القول بوجوب الصلاة في الثوب المتنجّس يكون مستنداً إلى ترجيح الطائفة الدالّة عليه لأجل صحّتها وكونها أكثر عدداً وصاحب المدارك ذهب إلى عدم حجّية الطائفة الاُولى أصلاً بناءً على مسلكه من عدم حجّية غير الخبر الصحيح.

والحق انّه لا محيص عن الجمع بين الطائفتين بما عرفت من الشيخ (قدس سره) من حمل الأخبار الدالّة على وجوب الصلاة في الثوب النجس على ما إذا اضطرّ إلى لبسه أو وجود ناظر أو غيرهما، وحمل ما يدلّ على الصلاة عارياً على صورة عدم الاضطرار.

توضيح ذلك انّ السند في بعض الروايات المتقدّمة الدالّة على وجوب الصلاة عارياً ينتهي إلى محمد بن علي الحلبي، كما انّ السند في بعض الروايات الدالّة على وجوب الصلاة في الثوب النجس ينتهي إليه أيضاً، ومن البعيد انّه كان قد سُئل عن حكم المسألة مرّتين أو مرّات بل الظاهر انّه سئل عن الإمام (عليه السلام) مرّة واحدة وأجابه (عليه السلام) بجواب واحد فالتعدّد انّما نشأ من تعدّد من روى عنه من الرواة و ـ حينئذ ـ فالرواية المشتملة على حكم من أصاب ثوبه الجنابة مع عدم كونه واجداً لغيره لا تكون مغايرة للرواية المشتملة على حكم من أصاب ثوبه المنفرد البول بل الظاهر انّهما رواية واحدة كما يدلّ على ذلك روايته الأخيرة المشتملة على

الصفحة 373

حكم من أصاب ثوبه المنفرد جنابة أو بول، ولا يخفى انّ وجوب الصلاة في الثوب النجس قد قيّد في هذه الرواية بما إذا كان المصلّي مضطرّاً إلى لبسه لبرد أو غيره ضرورة انّه ليس المراد من الاضطرار وهو الاضطرار الحاصل من قبل الصلاة لأجل كونها مشروطة بستر العورة لأنّه كان ذلك مفروض السؤال فلا يحتاج إلى التكرار فالمراد منه هو الاضطرار الطارئ مع قطع النظر عن اعتبار الستر في صحّة الصلاة و ـ حينئذ ـ فهذه الرواية تكون شاهدة للجمع بين الروايات التي رواها محمد بن علي الحلبي التي قد عرفت انّها رواية واحدة، ولعلّ الوجه في إطلاق الحكم بوجوب الصلاة عارياً في روايته الدالّة عليه هو انّ مفروض السؤال فيها كون الرجل في فلاة من الأرض. ومن المعلوم انّه لا يضطرّ الرجل إلى لبس الثوب غالباً في الفلاة لعدم وجود ناظر فيها كذلك، فإذا ثبت الجمع بين الروايات التي رواها محمّد بن علي الحلبي بهذا النحو يظهر وجه الجمع بين سائر الروايات المتعارضة إذ موثقة سماعة المتقدّمة التي حكم فيها بوجوب الصلاة عرياناً انّما هي واردة فيما إذا كان الرجل في فلاة من الأرض وقد مرّ انّه في هذه الصورة لا يتحقّق الاضطرار غالباً، فانقدح انّ طريق الجمع بين الروايات المتقدّمة المتعارضة بعد التأمّل فيها هو ما اختاره الشيخ في مقام الجمع من وجوب الصلاة عارياً فيما إذا لم يتحقّق الاضطرار إلى لبسه لبرد أو ناظر أو غيرهما.

ثمّ إنّه لو فرضنا عدم إمكان الجمع بين تلك الأخبار المتعارضة بنحو يخرجها عن التعارض ووصلت النوبة إلى اعمال المرجحات فاللازم أيضاً الأخذ بالروايات الدالّة على وجوب الصلاة عارياً لأنّا قد قرّرنا في محلّه انّ أوّل المرجّحات هي الشهرة في الفتوى ولا ريب في انّها موافقة لهذه الروايات كما يدلّ عليه فتوى الشيخ (قدس سره) ومن بعده إلى زمان المحقّق (قدس سره) .

الصفحة 374

وقد ذكر بعض الأعلام ـ على ما في تقريراته ـ انّ روايتي سماعة مضمرتان وليس السماعة في الجلالة والاعتبار كزرارة ومحمد بن مسلم حتّى لا يحتمل سؤاله عن غير الإمام (عليه السلام) ومن المحتمل أن يكون قد سأل شخصين آخرين غير الإمام (عليه السلام)ويؤكّده اختلاف الروايتين في الجواب حيث ورد في إحداهما: إنّه يصلّي قاعداً وفي الاُخرى: انّه يصلّي قائماً فالروايتان ساقطتان عن الاعتبار، وامّا رواية الحلبي ففي سندها محمد بن عبد الحميد، وأبوه ـ عبد الحميد ـ وإن كان موثقاً إلاّ انّ ابنه لم تثبت وثاقته فإنّ توثيقاته تنتهي إلى النجاشي، والعبارة المحكية عنه لا تفي بتوثيق الرجل حيث قال: «محمد بن عبد الحميد بن سالم العطّار أبو جعفر، روى عبد الحميد عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) وكان ثقة من أصحابنا الكوفيين» وهذه العبارة وإن صدرت منه عند ترجمة محمد بن عبد الحميد إلاّ انّ ظاهر الضمير في قوله: كان ثقة، انّه راجع إلى أبيه وهو عبد الحميد لا إلى محمد ابنه ولو لم يكن ظاهراً فيه فلا أقلّ من إجماله فلا يثبت بذلك وثاقة الرجل وبهذا تسقط الرواية عن الاعتبار وتبقى الصحاح المتقدّمة الدالّة على وجوب الصلاة في الثوب المتنجّس من غير معارض.

أقول: يرد عليه ـ مضافاً إلى عدم ثبوت التعدّد لرواية سماعة لما عرفت من ظهور كونها رواية واحدة ـ انّ سماعة وإن لم يكن في الجلالة والاعتبار مثل زرارة ومحمّد بن مسلم إلاّ انّ ظهور رواياته المضمرة في كون سؤاله انّما هو عن الإمام (عليه السلام)ممّا لا ينبغي الارتياب فيه خصوصاً بعد ملاحظة منشأ الاضمار فيها وهو الاكتفاء بذكر اسمه المبارك في أوّل كتابه والإشارة إليه بالضمير في بقية الروايات لعدم الحاجة إلى تكرار الاسم فمجرّد الإضمار فيها لا يوجب سقوط الرواية عن الاعتبار وهل يمكن دعوى السقوط مع عدم ثبوت المعارض لها فعند ثبوته أيضاً لا مجال لهذه الدعوى كما لا يخفى.

الصفحة 375

وامّا اختلاف الروايتين في الجواب فمنشأه اختلاف الرواة عنه لعدم تعدّد الرواية كما عرفت فلا يؤكد ذلك كون السؤال عن غير الإمام (عليه السلام) .

وامّا محمد بن عبد الحميد فالظاهر دلالة عبارة النجاشي على وثاقته وكون الضمير راجعاً إليه وإن كان العلاّمة (قدس سره) قد فهم من هذا الكلام وثاقة أبيه إلاّ انّه خلاف الظاهر لأنّه على غير هذا التقدير يلزم التفكيك الركيك وذلك لرجوع الضمير في قول النجاشي بعد العبارة المتقدّمة: «له كتاب النوادر» إلى الابن قطعاً لعدم وجود الكتاب للأب لعدم كونه معنوناً في النجاشي أصلاً ولو كان له كتاب لكان المناسب بل اللازم عنوانه فيه ويؤيّده استشهاد النجاشي بقوله في «بيان الجزري»: كان بيان خيّراً فاضلاً. ومكاتبة سهل أبا محمّد العسكري (عليه السلام) بيده كما ذكره النجاشي أيضاً في «سهل» وبعد ذلك يحتمل قوياً وقوع السقط في العبارة المتقدّمة وانّها كانت في الأصل: روى عن عبد الحميد الخ. وبالجملة فالظاهر وثاقة الرجل واعتبار رواية الحلبي فلا مجال لدعوى السقوط عن الاعتبار.

وقد ناقش ـ البعض المذكور ـ في الجمع بين الطائفتين على تقدير الاعتبار وثبوت التعارض في البين بالنحو الذي ذكرنا في مقام الجمع بما حاصله: «إنّ هذا الجمع وإن كان لا بأس به صورة إلاّ انّه بحسب الواقع لا يرجع إلى محصل صحيح:

امّا أوّلاً: فلأنّ الرواية ـ رواية الحلبي التي هي شاهدة الجمع ـ ضعيفة من جهة القاسم بن محمد.

وامّا ثانياً: فلأنّه لم يثبت انّ الاضطرار في الرواية اُريد به الاضطرار إلى اللبس لاحتمال أن يراد به الاضطرار إلى الصلاة في الثوب لما قد ارتكز في أذهان المتشرّعة من عدم جواز إيقاع الصلاة من دون ثوب.

وامّا ثالثاً: فلأنّ الاضطرار لو سلّمنا انّه بالمعنى المذكور لكنّه لا يمكن حمل

الصفحة 376

الصحاح المتقدّمة على صورة الاضطرار لأنّ فيها روايتين صريحتين في عدم إرادتها إحداهما: صحيحة علي بن جعفر وثانيتهما: صحيحة الحلبي الثانية باعتبار انّ المفروض فيها انّ الرجل غير قادر على غسله فلابدّ من قدرته على نزعه وإلاّ لكان الأنسب أن يقول ولا يقدر على نزعه فلا مجال لهذا الجمع».

أقول: امّا القاسم بن محمد الذي يكون المراد به هو الجوهري فالظاهر وثاقته باعتبار كثرة روايته وكثرة نقل مشايخ الحديث عنه كما في محكي جامع الرواة وإن كان جماعة من الفقهاء (قدس سرهم) قد ردّوا أحاديثه كالمحقّق والشهيد الثاني وغيرهما لكنّه لا يبعد اعتبارها كما هو معتقد الوحيد (قدس سره) إلاّ انّه مع ذلك يحتاج إلى مزيد المراجعة والدقّة الزائدة.

وامّا احتمال كون المراد بالاضطرار في رواية الحلبي غير الاضطرار إلى اللبس فقد مرّ اندفاعه في توضيح مفاد الرواية وعرفت انّه على هذا التقدير يلزم التكرار لأنّ الاضطرار الناشئ من ناحية الصلاة باعتبار كونها مشروطة بستر العورة كان مفروضاً في السؤال ولم يكن وجه لتكراره في الجواب فلا موقع لهذا الاحتمال أصلاً.

وامّا صراحة رواية علي بن جعفر في عدم كون المراد هو الاضطرار إلى اللبس فلم يظهر وجهها أصلاً فان كون الرجل عرياناً لا يلازم عدم الاضطرار إلى اللبس لبرد أو ناظر فانّه ربّما يكون الرجل فاقداً للثوب رأساً فلا مناص له من تحمّل البرد فإذا وجد الثوب يضطرّ إلى لبسه للفرار عنه ففرض كون الرجل كذلك لا يلازم عدم الاضطرار بوجه لعدم كون المفروض تحقّق هذا الوصف باختياره ومن الممكن إزالته بإرادته كما هو غير خفي.

وامّا صحيحة الحلبي فالظاهر عدم صراحتها فيما أفاده أيضاً فإنّ عدم القدرة على الغسل قد يعبّر به كناية عن عدم إمكان النزع ضرورة انّ المنشأ لعدم القدرة

الصفحة 377

على الغسل قد يكون عدم وجدان الماء وقد يكون وجود المانع عن استعماله وقد يكون هو الاضطرار إلى لبسه فما المانع من جعل الرواية الشاهدة للجمع شاهدة على كون المراد هذه الصورة، وكيف يمكن دعوى صراحة الرواية في كون المراد هي القدرة على النزع وعدم القدرة على الغسل من بعض الجهات الاُخر فتدبّر.

وقد انقدح من جميع ما ذكرنا انّ مقتضى التحقيق هو الجمع بين الطائفتين بالتفصيل بين صورة الاضطرار إلى اللبس وعدمه والحكم بتعيّن الصلاة عارياً في الصورة الثانية وانّه على تقدير عدم إمكان الجمع ولزوم الرجوع إلى المرجّحات أيضاً لا يتغيّر الحكم لموافقة الطائفة الدالّة عليه للشهرة الفتوائية التي هي أوّل المرجّحات ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالصلاة في الثوب النجس أيضاً لعدم خلوّ الروايات الدالّة على الاحتمال الآخر عن المناقشة كما عرفت.

بقي الكلام في هذا المقام في حكم وجوب الإعادة أو القضاء عليه والظاهر انّه لا وجه للحكم بوجوب شيء منهما بعد الإتيان بالفريضة وعدم تحقّق الفوت واقتضاء مثل حديث لا تعاد العدم ولا يجري في هذا المقام احتمال الوجوب الناشئ من موثقة عمّار المتقدّمة في المقام الأوّل لعدم جريانها في هذا المقام كما هو ظاهر.

الصفحة 378

مسألة 8 ـ لو اشتبه الثوب الطاهر بالنجس يكرّر الصلاة فيهما مع الانحصار بهما، ولو لم يسع الوقت فالأحوط أن يصلّي عارياً مع الإمكان، ويقضي خارج الوقت في ثوب طاهر، ومع عدم الإمكان يصلّي في أحدهما ويقضي في ثوب طاهر على الأحوط، وفي هذه الصورة لو كان أطراف الشبهة ثلاثة أو أكثر يكرّر الصلاة على نحو يعلم بوقوعها في ثوب طاهر 1.

1 ـ الكلام في هذه المسألة يقع في مقامات:

المقام الأوّل: ما إذا كان الوقت متّسعاً لتكرار الصلاة في الثوبين والمعروف بينهم في هذا المقام هو تكرار الصلاة في المشتبهين ولكنّه صرّح الحلّي في محكيّ «السرائر» بوجوب الصلاة عارياً على طريقه صلاة العاري وزعم انّه مقتضى الاحتياط ـ وسيجيء نقل عبارته ـ ويظهر من الشيخ في «الخلاف» وجود القائل بهذا القول في عصره وقبله، كما انّه يظهر من «المبسوط» وجود رواية على هذا المضمون ولكنّه (قدس سره)أفتى في الكتابين بوجوب الصلاة فيهما جميعاً.

ويدلّ على القول المعروف أوّلاً انّ مقتضى القاعدة هو وجوب الصلاة في كليهما لأنّه يتمكّن من مراعاة الستر والطهارة المعتبرة في الثوب بالصلاة في كلّ منهما. غاية الأمر انّه لا يتمكّن من الامتثال التفصيلي وقد حقّقنا في مبحث الاجتهاد والتقليد انّ الامتثال العلمي الإجمالي كاف ولو مع التمكّن من التفصيلي فضلاً عمّا إذا لم يتمكّن وانّ الاحتياط طريق في مقابل الطريقين لعدم إخلاله بشيء من الاُمور المعتبرة في صحّة العبادة من التقرّب ونحوه.

وثانياً: صحيحة صفوان بن يحيى انّه كتب إلى أبي الحسن (عليه السلام) يسأله عن الرجل معه ثوبان فأصاب أحدهما بول ولم يدر أيّهما هو، وحضرت الصلاة وخاف فوتها وليس عنده ماء كيف يصنع؟ قال: يصلّي فيهما جميعاً. قال الصدوق بعد نقل الرواية:

الصفحة 379

يعني على الانفراد فمقتضى القاعدة والرواية هو القول المعروف.

وامّا ابن إدريس فقد قال في محكي السرائر: «وإذا حصل معه ثوبان أحدهما نجس والآخر طاهر ولم يتميّز له الطاهر ولا يتمكّن من غسل أحدهما قال بعض أصحابنا: يصلّي في كلّ واحد منهما على الانفراد وجوباً، وقال بعض منهم: نزعهما ويصلّي عرياناً وهذا الذي يقوى في نفسي وبه أفتى لأنّ المسألة بين أصحابنا فيها خلاف ودليل الإجماع فيه منفي (مفقود خ ل) فإذا كان كذلك فالاحتياط يوجب ما قلنا. فإن قال قائل: بل الاحتياط يوجب الصلاة فيهما على الانفراد لأنّه إذا صلّى فيهما جميعاً تبيّن وتيقّن بعد فراغه من الصلاتين معاً انّه قد صلّى في ثوب طاهر. قلنا: المؤثرات في وجوه الأفعال يجب أن تكون مقارنة لها لا متأخّرة عنها، والواجب عليه عند افتتاح كل فريضة أن يقطع على ثوبه بالطهارة، وهذا يجوز عند افتتاح كل صلاة، من الصلاتين انّه نجس ولا يعلم انّه طاهر عند افتتاح كل صلاة فلا يجوز أن يدخل في الصلاة إلاّ بعد العلم بطهارة ثوبه وبدنه لأنّه لا يجوز أن يستفتح الصلاة وهو شاك في طهارة ثوبه، ولا يجوز أن تكون صلاته موقوفة على أمر يظهر فيما بعد، وأيضاً كون الصلاة واجبة على وجه تقع عليه الصلاة فكيف يؤثّر في هذا الوجه ما يأتي بعده، ومن شأن المؤثِّر في وجوه الأفعال أن يكون مقارناً لها، لا يتأخّر عنها على ما بيّناه».

ولا يخفى ما فيه:

امّا أوّلاً: فلأنّ الظاهر من قوله: ودليل الإجماع فيه منفي، انّ الدليل المتصوّر في المقام منحصر بالإجماع وهو غير موجود فيه، مع انّه من الواضح عدم الانحصار لما عرفت من دلالة الرواية الصحيحة المتقدّمة على وجوب الصلاة في الثوبين.

وامّا ثانياً: فلأنّه لو سلّمنا انحصار الدليل بالإجماع المفقود لعدم حجّية خبر

الصفحة 380

الواحد مطلقاً كما هو مرامه فلا نسلم انّه بعد فقد الإجماع يكون الواجب هو الرجوع إلى أصالة الاحتياط فمن الممكن أن يكون الجائز هو الرجوع إلى أصالة البراءة ولم يقم دليلاً على عدم جواز الرجوع إليها أصلاً.

وامّا ثالثاً: فلأنّه لو سلّمنا الأمرين لكن لا نسلم إيجاب الاحتياط لما ذكره من الصلاة عارياً بل الظاهر انّ مقتضى الاحتياط تكرار الصلاة في المشتبهين كما عرفت لأنّ ما أجاب به عن قول القائل بأنّ الاحتياط يوجب الصلاة فيهما على الانفراد من انّ المؤثرات في وجوه الأفعال... لا يخلو من الإشكال لأنّه:

إن أراد بذلك انّ المؤثر في صيرورة الصلاة واجدة للمصلحة الموجبة لتعلّق الأمر هي طهارة المصلّي بما يلابسه، فهو وإن كان مسلماً إلاّ انّه من الواضح عدم كونها متأخّرة عنها بل مقارنة لها غاية الأمر انّ العلم بوقوعها مع الطهارة متأخّر عنها كما لا يخفى.

وإن أراد انّ المؤثر في ذلك هو العلم بوقوع الصلاة مع الطهارة المعتبرة فيها كما يدلّ عليه قوله: والواجب عليه عند افتتاح كلّ فريضة أن يقطع على ثوبه بالطهارة... فهو وإن كان تحقّقه متوقّفاً على الصلاة في كليهما فيتأخّر تحقّقه عنها إلاّ انّ الظاهر انّه لا دليل على اعتبار العلم بالطهارة بل المعتبر هي نفسها.

وإن أراد انّ المؤثر هو قصد امتثال الأمر المتعلّق بالصلاة مع الطهارة لأنّها من الاُمور العبادية التي يشترط في صحّتها قصد الأمر المتعلّق بها وبدونه تكون فاقدة لجهة الحسن وحيثية المصلحة، و ـ حينئذ ـ فمع الشكّ في طهارة الثوب عند الشروع لا يتمشّى منه قصد الامتثال لعدم العلم بتعلّق الأمر بالصلاة في هذا الثوب، ففيه انّه من الواضح انّ الداعي له إلى الإتيان بهما جميعاً ليس إلاّ الأمر المتعلّق بالصلاة لأنّ المفروض عدم كونه مرائياً في فعلهما غاية الأمر انّه لا يعلم بأنّ الامتثال هل يتحقّق

الصفحة 381

بالصلاة التي يصلّيها أوّلاً أو بما يصلّيها ثانياً ولا دليل على اعتبار هذا العلم في تحقّق الامتثال ومزيد التحقيق في محلّه.

وامّا مرسلة الشيخ الدالّة على انّه يتركهما ويصلّي عرياناً فهي ضعيفة بإرسالها وعدم اعتناء المشهور بها حتّى نفس الشيخ في الكتابين كما عرفت فلا يمكن الاعتماد عليها بوجه خصوصاً في مقابل الصحيحة المتقدّمة المعتضدة بموافقة القاعدة والشهرة الفتوائية.

المقام الثاني: فيما إذا لم يسع الوقت للتكرار وأمكن للمصلّي الصلاة عارياً وقد احتاط الماتن ـ دام ظلّه ـ فيه بالصلاة عارياً.

والظاهر انّ هذه المسألة مبتنية على المسألة السابقة وهي ما لو انحصر ثوبه بالنجس فإن قلنا بأنّ الواجب في تلك المسألة هي الصلاة في الثوب النجس كما اختاره كاشف اللثام وتبعه جمع من مقاربي عصرنا منهم السيّد (قدس سره) في «العروة» فالواجب عليه هنا الصلاة في أحد الثوبين الذي لا يعلم بنجاسته بطريق أولى لوضوح انّه إذا كانت الصلاة في الثوب النجس واجبة مع العلم بمقارنتها لوجود النجاسة فلا محالة تكون واجبة مع احتمال المقارنة بطريق أولى كما هو ظاهر.

وإن قلنا بأنّ الواجب في تلك المسألة هي الصلاة عارياً كما عرفت انّه المعروف بين الأصحاب فهل اللازم عليه هنا أيضاً كذلك أو انّه لابدّ في المقام من الحكم بوجوب الصلاة في أحد الثوبين؟

ربّما يقال بالثاني نظراً إلى ثبوت الفرق بين المقامين فإنّ الأمر هناك دائر بين الصلاة فاقدة للستر وللمانع وبين الصلاة واجدة لهما معاً قطعاً للعلم بنجاسة الثوب المنحصر، وهنا دائر بين الصلاة فاقدة للشرط قطعاً وبينها واجدة للمانع احتمالاً. وبعبارة اُخرى الأمر في المسألة السابقة كان دائراً بين المخالفة القطعية للأمر المنجز

<<التالي الفهرس السابق>>