في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


الصفحة 382

المعلوم بترك ما هو شرط للمأمور به يقيناً وبين المخالفة له بإتيانه واجداً للمانع كذلك، وهنا دائر بين المخالفة القطعية له بترك ما هو شرط له وبين المخالفة الاحتمالية بإيقاع الصلاة في الثوب الذي يشكّ في طهارته ولا ريب انّ الترجيح مع الثاني على ما يحكم به العقل قطعاً.

والظاهر انّ هذا القول يتمّ على تقدير الجمود على طبق الروايات الدالّة على تعيّن الصلاة عارياً مع انحصار الثوب بالنجس من دون استفادة المناط منها أصلاً فانّه على هذا التقدير لا مجال لدعوى شمول الروايات للمقام لكون موردها صورة الانحصار فاللازم الرجوع إلى العقل وهو يحكم بمثل ما ذكر.

وامّا إن استفدنا من تلك الروايات انّ الملاك في تعيّن الصلاة عارياً مع انحصار الثوب في اقوائية مانعية النجاسة بالإضافة إلى شرطية الستر ـ كما لا يبعد هذه الاستفادة ـ فالظاهر اقتضاء المناط لأن يصلّي عارياً في المقام أيضاً لأنّ القول بوجوب الصلاة في الثوب هنا مرجعه إلى الاكتفاء بمحتمل الصلاتية إذ على تقدير نجاسة الثوب واقعاً لا تتحقّق الصلاة أصلاً و ـ حينئذ ـ فاللازم أن يقال بكفاية الشكّ في تحقّق الامتثال مع عدم وجود ما يحرزه كما هو المفروض وهو ممّا يحكم العقل ببداهة خلافه وإن شئت قلت: الصلاة في الثوب الذي يشكّ في طهارته مع عدم إحرازها بالأصل ـ لفرض كونه من أطراف العلم الإجمالي ـ كالصلاة فيما علم نجاسته من حيث عدم تحقّق الامتثال المعتبر في سقوط الأمر، وحيث إنّه قد علم من الأخبار المتقدّمة ترجيح جانب المانع على جانب الشرط فالواجب عليه هنا أيضاً الصلاة عارياً.

وبعبارة اُخرى الصلاة عارياً تشتمل على رعاية جانب المانع قطعاً والصلاة في أحد الثوبين تتضمّن رعاية جانب الشرط كذلك. ومن الواضح انّ الاقوائية

الصفحة 383

تقتضي تعين الأوّل مع انّه لو لم يكن هناك اقوائية فرضاً لما كان وجه لتعين الثاني بل كان مخيّراً بينه وبين الأوّل، وعليه فدوران الأمر بين الكيفيتين انّما هو من قبيل دوران الأمر بين التعيين والتخيير ومقتضى الاحتياط العقلي فيه هو الأخذ بما يحتمل تعيّنه وبما ذكرنا يظهر وجه ما اُفيد في المتن من انّ الاحتياط يقتضي الصلاة عارياً فتدبّر.

بقي الكلام: في هذا المقام في وجه وجوب القضاء خارج الوقت في ثوب طاهر وهو يتضمّن أمرين أحدهما أصل وجوب القضاء والثاني كونه في ثوب طاهر ومرجعه إلى عدم الاكتفاء بالقضاء في أحد الثوبين.

امّا الأمر الثاني فالوجه فيه واضح لأنّه بعد ثبوت وجوب القضاء لابدّ من الإتيان بها في ثوب طاهر لأنّ المفروض كونه محرزاً بعد خروج الوقت. نعم على تقدير بقاء الاشتباه يكفي التكرار في الثوبين بعنوان القضاء لعدم الفرق بينها وبين الاداء من هذه الحيثية أصلاً.

وامّا الأمر الأوّل فيشكل وجهه نظراً إلى انّ القضاء انّما هو بأمر جديد وموضوعه فوت الفريضة في وقتها، ومن المعلوم عدم تحقّق الموضوع في المقام لأنّ الواجب على المكلّف في الوقت انّما هو الإتيان بها عارياً لما قد عرفت من اقتضاء الاحتياط له كذلك، ومع الإتيان بما هو الواجب لا يبقى مجال لتحقّق الفوت كما في صورة انحصار الساتر بالنجس والصلاة عارياً وقد حكم في المتن فيها بعدم ثبوت القضاء عليه ومعه يبقى سؤال الفرق بينه وبين المقام من جهة نفي وجوب القضاء عليه هناك وإيجابه هنا.

ودعوى انّ الفرق بين المقامين هو عدم كون الصلاة في الثوب الطاهر مقدورة له هناك وثبوت المقدورية في المقام لأنّه يمكن له الصلاة في الثوب الطاهر في الوقت.

الصفحة 384

غاية الأمر انّ العلم بها كان متوقّفاً على تكرار الصلاة والمفروض عدم سعة الوقت له فأصل الصلاة فيه مقدور.

مدفوعة بأنّ مجرّد المقدورة لا يصلح فارقاً بين المقامين فانّ اللازم في باب القضاء ملاحظة ما هو الواجب في الوقت مع فوته. ومن المعلوم انّ الواجب في الوقت في المقامين هي الصلاة عارياً ولم يتحقّق الفوت أصلاً. إلاّ أن يقال إنّ الواجب عليه في المقام أوّلاً هي الصلاة في الثوب الطاهر المتوقّفة على التكرار والاكتفاء بصلاة واحدة عارياً انّما نشأ من ضيق الوقت وعدم سعته للتكرار، فالواجب أوّلاً قد فات في وقته قطعاً واللازم الإتيان به بعد خروج الوقت.

وامّا في المقام السابق فالواجب من الابتداء هي الصلاة عارياً لفرض الانحصار وهي لم تفت في وقتها وعليه فاللازم التفصيل في ذلك المقام بين ما إذا كانت الصلاة في الثوب الطاهر مقدورة له في بعض الوقت وبين ما إذا لم تكن كذلك وهو مع انّه مخالف لإطلاق عنوان المقام لعدم استشمام رائحة من التفصيل فيه مخالف لالتزامهم ظاهراً، مع انّ الملاك في القضاء ليس ما هو الواجب أوّلاً بل الملاك ما هو الواجب في الوقت في ظرف الإتيان به وتحقّق الامتثال من المكلّف. وكيف كان فالحكم بوجوب القضاء هنا مشكل.

المقام الثالث: فيما إذا لم يسع الوقت للتكرار ولم يمكن الصلاة عارياً. ومن المعلوم انّ الحكم فيه هي الصلاة في أ حد الثوبين لأنّ المفروض عدم القدرة على التكرار مع رعاية الوقت وعدم إمكان الصلاة عارياً وقد احتاط فيه في المتن بوجوب القضاء في ثوب طاهر والكلام فيه هو الكلام في المقام السابق.

الصفحة 385

القول في كيفية التنجيس بها

مسألة 1 ـ لا ينجس الملاقى لها مع اليبوسة، ولا مع النداوة التي لم ينتقل منها اجزاء بالملاقاة، نعم ينجس الملاقي مع بلة في أحدهما على وجه تصل منه إلى الآخر، فلا يكفي مجرّد الميعان كالزيبق بل والذهب والفضّة الذائبين ما لم تكن رطوبة سارية من الخارج، فالذهب الذائب في البوتقة النجسة لا يتنجّس ما لم تكن رطوبة سارية فيها أو فيه، ولو كانت لا تنجّس إلاّ ظاهره كالجامد 1.

1 ـ أقول: الوجه في عدم تأثّر الملاقي مع اليبوسة والجفاف هو الارتكاز العرفي حيث إنّ المتفاهم عند العرف من دليل منجسية النجس وتأثيره في نجاسة الملاقي تحقّق ذلك عند سراية النجس إليه والسراية غير متحقّقة مع اليبوسة وفقدان الرطوبة.

وامّا الأخبار الواردة في نجاسة ملاقى النجس أو المتنجّس من غير تقييد بما إذا كانت هناك رطوبة فطائفة منها واردة في مثل ملاقي البول أو الماء المتنجّس ونحوهما ممّا فيه الميعان والرطوبة والأمر في هذه الطائفة واضح لأنّه لا حاجة إلى التقييد بعد عدم انفكاك المورد عن القيد أصلاً، وامّا الطائفة الاُخرى الواردة فيما لا رطوبة فيه بالذات ولا يكون فيها تقييد أصلاً فاللازم بمقتضى الارتكاز والفهم العرفي رفع اليد عن إطلاقها لأنّ ملاقاة اليابس مع مثله لا أثر لها عند العرف أصلاً.

الصفحة 386

نعم ربّما يقال: إنّ الأوامر المطلقة بغسل ما أصابه النجس ظاهرة في أنفسها في اعتبار الرطوبة في أحد المتلاقيين نظراً إلى انّ الغسل عبارة عن إزالة الأثر، والأثر انّما يتحقّق بملاقاة النجس مع الرطوبة المسرية حيث لا تأثير في الملاقاة مع الجفاف فهذه الأخبار أيضاً شاهدة على انّ الرطوبة المسرية معتبرة في نجاسة ملاقي النجس أو المتنجّس.

ويرد عليه انّ الغسل قد استعمل فيها في مقابل المسح، ومعنى الغسل هو الذي يعبّر عنه في الفارسية بـ «شستن» وليس معناه إزالة الأثر حتّى كان وجود الأثر معتبراً في تحقّقه كيف وقد ورد في آية الوضوء: (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) ولم يعتبر وجود شيء أي أثر في الأعضاء التي يجب غسلها فاستفادة اعتبار الرطوبة من التعبير بالغسل ممّا لا يتمّ أصلاً.

ثمّ إنّه ورد في المقام روايتان يظهر منهما ذلك ـ أي اعتبار الرطوبة في التأثير ـ إحداهما حسنة محمد بن مسلم في حديث انّ أبا جعفر (عليه السلام) وطئ على عذرة يابسة فأصاب ثوبه فلمّا أخبره قال: أليس هي يابسة؟ فقال: بلى، فقال: لا بأس، وثانيتهما رواية محمد بن خالد عن عبدالله بن بكير قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): الرجل يبول ولا يكون عنده الماء فيمسح ذكره بالحائط قال: كلّ شيء يابس ذكى.

وقد انقدح ممّا ذكرنا انّ الرطوبة بمجرّدها لا تكفي في نجاسة الملاقي بل لابدّ وأن تكون مسرية موجبة لسراية النجاسة إلى الملاقى وانتقال بعض الأجزاء المائية في النجس إليه، فالرطوبة التي لا تعدّ ماء بالنظر العرفي غير كافية في الحكم بنجاسة الملاقى وقد قرّر انّ الأحكام الشرعية جارية على الموضوعات العرفية لا العقلية، ومن هنا يحكم بطهارة الثوب الذي صبغ بالدم النجس بعد غسله وإن كان لونه باقياً في الثوب لأنّ الدم لا يكون باقياً عرفاً بعد غسل الثوب بالماء وإن كان زواله

الصفحة 387

مع بقاء لونه مستحيلاً عند العقل. وممّا ذكرنا يظهر وجه عدم سراية النجاسة في الأمثلة المذكورة في المتن.

الصفحة 388

مسألة 2 ـ مع الشكّ في الرطوبة أو السراية يحكم بعدم التنجيس، فإذا وقع الذباب على النجس ثمّ على الثوب لا يحكم به لاحتمال عدم تبلّل رجله ببلة تسري إلى ملاقيه 1.

1 ـ بعد اعتبار الرطوبة المسرية في تأثّر الملاقى ونجاسته لو شكّ في أصل الرطوبة أو وصفها يرجع ذلك إلى الشكّ في نجاسة الملاقى وعدمها والمرجع فيه قاعدة الطهارة.

نعم فيما إذا علم سبق وجود المسرية وشكّ في بقائها ربّما يحتاط بالاجتناب نظراً إلى استصحاب بقاء الرطوبة المسرية فيه، ولكن الحقّ انّه لابدّ من ملاحظة انّ الموضوع للنجاسة في الملاقى للنجس هل يكون أمراً مركّباً وهو الملاقاة والرطوبة المسرية أو أمراً مقيّداً وهو الملاقاة المؤثّرة؟ فعلى الأوّل لا مانع من جريان استصحاب بقاء الرطوبة المسرية وبضميمة الملاقاة المحرزة بالوجدان يتمّ الموضوع فيحكم بالنجاسة، وعلى الثاني لا مجال لإحراز الموضوع بالاستصحاب لأنّ أصالة بقاء الرطوبة المسرية لا يثبت وجود الموضوع إلاّ على القول بالاُصول المثبتة وهو على خلاف التحقيق فلا مناص من الرجوع إلى قاعدة الطهارة. كما انّه لو شكّ في ذلك ولم يعلم انّ الموضوع هو الأمر المركّب أو المقيّد لا مجال أيضاً لإجراء الاستصحاب للشكّ في انّ بقاء الرطوبة هل يكون مترتّباً عليه أثر شرعي أم لا فلا يجوز الرجوع إلاّ إلى أصالة الطهارة.

وامّا وقوع الذباب على النجس فالظاهر انّ المفروض في المتن منه ما إذا كان النجس الواقع عليه الذباب رطباً والثوب خالياً عن الرطوبة والبلل المحتمل في رجل الذباب هي البلة المكتسبة من النجس الرطب بالملاقاة.

ولكنّا نتعرّض لأكثر فروضه مع حفظ كون النجس رطباً فنقول: في هذه المسألة

الصفحة 389

صورتان: الاُولى: ما لو وقع الذباب على النجس مع اكتسابه الرطوبة منه. الثانية: ما لو وقع عليه مع مصاحبته لعين النجس.

امّا الصورة الاُولى: فامّا أن يعلم فيها بجفاف الرطوبة المصاحبة له قبل وقوعه على الثوب فلا وجه للحكم بالنجاسة وإن كان في الثوب رطوبة مسرية لأنّ زوال عين النجس مطهر لبدن الحيوان كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وامّا أن يشكّ في ذلك وفيه أيضاً لا يحكم بالنجاسة لكون الموضوع كما ذكرنا هي الملاقاة المؤثّرة وهي لا تثبت باستصحاب بقاء الرطوبة إلاّ على القول بالأصل المثبت.

وامّا الصورة الثانية: وهي ما إذا علمنا مصاحبته لبعض أجزاء النجس ففيها أيضاً; امّا أن يعلم بقاء ذلك الجزء حال الملاقاة فيحكم بالنجاسة مع رطوبته أو رطوبة الثوب، وامّا أن يعلم عدم بقائه فلا يحكم بها، وامّا أن يشكّ في البقاء وعدمه واللازم أن يفصل فيه بين ما إذا قلنا بتنجّس بدن الحيوان وطهارته بزوال العين عنه وبين ما إذا قلنا بعدم تنجّسه من الابتداء، فعلى الأوّل قد علمنا بنجاسة رجل الذباب وقد فرضنا انّه لاقى الثوب وفيه رطوبة مسرية ولا شكّ لنا إلاّ في بقاء نجاسة رجل الذباب فنستصحبها وأثره الشرعي نجاسة ملاقيه.

وعلى الثاني: لا مجال للحكم بالنجاسة ولا يجري استصحاب بقائها لأنّه لا يثبت كون الملاقاة المؤثّرة متّصفة بوقوعها مع النجاسة.

وبعبارة اُخرى: الموضوع المعلوم في الخارج وهو ملاقاة الثوب لرجل الذاب لا أثر له لعدم تنجّس بدن الحيوان على ما هو المفروض، وما هو موضوع الأثر وهي ملاقاة الثوب مع العين المصاحبة لرجل الذباب لا يحرز باستصحاب بقاء العين إلاّ على القول بالأصل المثبت فإنّ استصحاب بقاء العين على رجل الذبابة لا يثبت تحقّق الملاقاة المؤثِّرة معه إلاّ على القول به وقد مرّ انّه خلاف التحقيق.

الصفحة 390

وقد يقال: بعدم جريان الاستصحاب حتّى على القول بتنجّس بدن الحيوان لأنّ زوال العين مطهّر لبدن الحيوان على الفرض فنجاسة بدنه انّما هي ما دام لم تزل عنه عين النجس.

وبالجملة: نجاسة بدن الحيوان تساوق بقاء العين عليه فكيف لا يجري الاستصحاب فيما إذا لم نقل بنجاسة بدنه ويجري فيما إذا قلنا بذلك؟!

والجواب عنه: انّه على القول بتنجّس بدن الحيوان يتحقّق كلا ركني الاستصحاب وهما اليقين بنجاسة هذا العضو ـ في السابق ـ الملاقى للثوب مع الرطوبة والشكّ في نجاسته الفعلية فتستصحب نجاسته ويترتّب عليه الأثر الشرعي وهو نجاسة ملاقيه الواجد للرطوبة وجداناً، وامّا على القول بالعدم فاللازم إثبات كون الملاقاة المؤثّرة مع عين النجس والأصل قاصر عنه، هذا كلّه حسبما تقتضيه القاعدة.

وامّا النصوص الواردة في مثل المقام:

فمنها: موثقة عمّار الساباطي عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث كلّ شيء من الطير يتوضّأ ممّا يشرب منه إلاّ أن ترى في منقاره دماً، فإن رأيت في منقاره دماً فلا تتوضّأ منه ولا تشرب.

ومنها: صحيحة علي بن جعفر (عليه السلام) عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: سألته عن الدود يقع من الكنيف على الثوب أيُصلّى فيه؟ قال: لا بأس إلاّ أن ترى فيه أثراً فتغسله.

وقد زعم بعض الأعلام ـ في الشرح ـ انّ هاتين الروايتين تمنعان عن جريان الاستصحاب على كلا المسلكين فيصير مفاد النص مخالفاً لمقتضى القاعدة نظراً إلى انّ الموثّقة مطلقة تشمل ما لو لم يرَ الدم في منقار الطير مع العلم بحالته السابقة ووجود الدم في منقاره في السابق وكون مورد الصحيحة بعينه ما نحن بصدده للقطع

الصفحة 391

بنجاسة الدود قبل خروجه من الكنيف ومع ذلك قد حكم (عليه السلام) بطهارته ما دام لم يرَ فيها عين النجس، فالحكم بالنجاسة منوط برؤية العين فيه، وامّا مع الشكّ في بقائها على الحيوان وعدمه فلابدّ من الحكم بطهارته لأنّ الاستصحاب انّما يقوم مقام العلم الطريقي لا العلم الموضوعي الذي هو الظاهر منها بعد القطع بعدم مدخلية خصوص الرؤيه في الحكم بالنجاسة إلى أن قال: «وحيث إنّه قد أخذ في موضوع الحكم بما انّه صفة وجدانية فلا يقوم الاستصحاب مقامه ومعه لابدّ من الحكم بطهارة الحيوان عند الشكّ في بقاء العين على بدنه وزوالها عنه بلا فرق في ذلك بين القول بعدم تنجّس الحيوان من الابتداء وبين القول بتنجّسه وطهارته بزوال العين عنه».

وفيه أوّلاً: انّه لا دليل على كون العلم المستفاد من الرؤية في الروايتين هو العلم الموضوعي إذ لا فرق بينه وبين العلم في مثل قوله (عليه السلام) : كلّ شيء لك طاهر حتّى تعلم انّه قذر. وقوله (عليه السلام) : كلّ شيء لك حلال حتّى تعلم انّه حرام. ولو كان العلم المذكور في الروايتين في المقام موضوعياً لكان اللازم الالتزام بأنّه لو شرب من الماء مع تلوّث المنقار بالدم واقعاً. غاية الأمر انّه لم يرَ في منقاره الدم فقد شرب من الماء الطاهر في الواقع لأنّ المفروض انّ جواز التوضّي والشرب واقعاً موضوعه عدم الرؤية والظاهر انّه لا يلتزم به.

وثانياً: إنّ مورد الموثّقة الطير المشكوك حاله ابتداء ولا إطلاق لها يشمل ما لو علم حالته السابقة فلو لاقى منقاره ماء ولم ترَ الدم فيه ولكنّه كان مسبوقاً بالنجاسة لا مانع من إجراء استصحاب بقاء العين فيه والحكم بنجاسة الماء.

وامّا الصحيحة فلا دليل على القطع بنجاسة الدودة ـ في موردها ـ قبل خروجها من الكنيف لعدم العلم بنجاسة جميع مواضع الكنيف، مع انّه في الصحيحة قال (عليه السلام):

الصفحة 392

اخلاّ أن ترى فيه أثراً فتغسله، ومن الظاهر انّ الضمير يرجع إلى الثوب ومن المعلوم انّه لو لم ير الأثر في الثوب فلا علم لنا بوجود الرطوبة المسرية وتحقّق الملاقاة المؤثّرة ومع عدم العلم بذلك لا يجري الاستصحاب أيضاً كما عرفت مفصّلاً هاتان الروايتان غير مخالفتين للقواعد بوجه فتدبّر جيّداً.

الصفحة 393

مسألة 3 ـ لا يحكم بنجاسة شيء ولا بطهارة ما ثبت نجاسته إلاّ باليقين أو باخبار ذي اليد، أو بشهادة عدلين، وفي الاكتفاء بعدل واحد إشكال فلا يترك مراعاة الاحتياط في الصورتين، ولا يثبت الحكم في المقامين بالظنّ وإن كان قويّاً: ولا بالشكّ اخلاّ الخارج قبل الاستبراء كما عرفته سابقاً 1.

1 ـ قد ذكر في المتن لثبوت النجاسة وكذا طهارة ما ثبت نجاسته عدّة طرق:

أحدها: اليقين الذي هو حجّة بلا ريب وحجّية جميع الحجج ترجع إليه ولا يرى فيها أقوى منه وقد تقرّر في محلّه انّ حجّيته لا تحتاج إلى الجعل أصلاً.

ثانيها: اخبار ذي اليد والظاهر انّ الملاك فيه مجرّد كون صاحب اليد من دون فرق بين من كان عادلاً أو ثقة وبين من لم يكن كذل.

وقد استدلّ على حجّية قوله واخباره ـ بعد ثبوت الاتفاق وعدم وجود المخالف فيها ـ بالسيرة العقلائية بضميمة عدم الردع عنها من ناحية الشريعة والظاهر انّ المنشأ انّ من استولى على شيء فهو أدرى بما في يده وأعرف بكيفياته وأعلم بأحكامه.

ويمكن أن يستدلّ عليها أيضاً بما ورد في حجّية اليد في الملكية واماريتها عليها من انّه لولا ذلك لما بقي للمسلمين سوق بتقريب انّ نفس عدم بقاء السوق بعنوانه لا يكون علّة للمنع عن عدم ترتّب الأثر على اليد، بل العلّة في الحقيقة هي اختلال النظام، فكل ما يوجب اختلال النظام فهو محظور في الشريعة ومنه عدم ترتيب الأثر على قول ذي اليد لأنّ من المعلوم ثبوت العلم التفصيلي لنا بنجاسة أشياء كثيرة من الذبائح والفرش والثياب والأواني حتّى أيدي المسلمين في زمان ولا علم لنا بعد ذلك بطروّ مطهر عليها بوجه، فلولا اعتبار قول صاحب اليد واخباره عن طهارتها لكان استصحاب النجاسة حاكماً بنجاستها جميعاً وهو ممّا يوجب الوقوع

الصفحة 394

في العسر والحرج ويلزم اختلال النظام كما هو ظاهر.

واستدلّ عليها بعض الأعلام ـ مضافاً إلى ما ذكر ـ بالأخبار الواردة في بيع الدهن المتنجّس الآمرة باعلام المشتري بنجاسته حتّى يستصبح به فانّه يدل على اعتبار قول صاحب اليد لدلالته على وجوب الاستصباح على المشتري عقيب اخبار البائع بالنجاسة.

وفيه: أوّلاً انّ إخبار البائع بنجاسة الدهن يحصل منه عادة العلم للمشتري حيث إنّ إخباره بتنجّسه الملازم لفوات منفعته الغالبية موجب لتنزّل قيمته ونقصانها ضرورة انّ الدهن المتنجّس قيمته أقلّ من الدهن الطاهر بمراتب والعاقل لا يخبر بنقصان قيمة ماله مع عدم كونه كذلك في الواقع فاخبار البائع في تلك الروايات موجب لثبوت العلم للمشتري عادةً.

وثانياً: انّه لا يستفاد من تلك الروايات وجوب ترتيب الأثر للمشتري على قول البائع واخباره مطلقاً إذ من الحتمل وجوب الاخبار على البائع ووجوب ترتيب الأثر على المشتري على تقدير حصول العلم له من اخباره لا مطلقاً فتدبّر.

وبعبارة اُخرى: محطّ النظر في الروايات وجوب الإعلام مطلقاً لا وجوب ترتيب الأثر كذلك، ويؤيّده انّه ربما يكون المشتري عالماً بالطهارة وبأنّ البايع قد خطأ في اعتقاد النجاسة واخباره بها.

وبما ورد في رواية ابن بكير قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل أعار رجلاً ثوباً فصلّى فيه وهو لا يصلّي فيه؟ قال: لا يعلمه، قال: قلت: فإن أعلمه؟ قال: يعيد.

فإنّ ظاهر قوله: وهو لا يصلّي فيه انّه لا يصلّي فيه لنجاسته، وعليه فالرواية تدلّ على اعتبار خبر المعير بنجاسة الثوب المستعار بحيث لو أخبر بها يجب على المستعير أن يعيد صلاته.

الصفحة 395

وفيه أوّلاً: انّها ضعيفة من حيث السند.

وثانياً: انّها متضمّنة لما لم يقل به أحد ظاهراً وهو وجوب الإعادة على من صلّى في ثوب لم يعلم انّه نجس مع انّ ظهور قول السائل: وهو لا يصلّي فيه في انّه لا يصلّي فيه لنجاسته محلّ نظر إلاّ أن يقال بشموله لباب النجاسة من طريق ترك الاستفصال في الجواب فتدبّر.

وكيف كان فالعمدة في حجّية خبر صاحب اليد ما ذكرنا من استمرار السيرة العقلائية على ترتيب الأثر عليه وعدم ثبوت الردع عنها في الشريعة.

ثالثها: شهادة عدلين المعبّر عنها بالبيّنة ولابدّ من ملاحظة انّ البيّنة هل هي حجّة معتبرة في إثبات جميع الموضوعات الشرعية إلاّ ما خرج بالدليل كالزنا فانّه لا يكاد يثبت بالبيّنة بمعنى شهادة عدلين بل يعتبر في ثبوته شهادة أربعة عدول أو هي حجّة معتبرة مختصّة بباب القضاء؟

وليعلم انّ البيّنة في الكتاب والسنّة لم تستعمل إلاّ بمعنى مطلق ما به البيان وما يثبت به الشيء كما هو معناها لغةً فانّ البيّنة بمعنى شهادة عدلين اصطلاح جديد حدث بين الفقهاء ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ .

وإليك بعض الآيات من الكتاب الكريم والروايات من السنّة المستعملة فيهما لفظة «البيّنة»:

فمن الآيات قوله تعالى: (قل انّي على بيّنة من ربّي)(1) وقوله ـ عزّ من قائل ـ : (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبيّنات والزبر)(2) وقوله ـ عزّوجلّ ـ :


1 ـ الأنعام : 75 .
2 ـ النحل : 44 .

الصفحة 396

(ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حي عن بيّنة)(1) ومثلها من الآيات الكثيرة المستعملة فيها هذه اللفظة ولا يكون المراد منها إلاّ ما به البيان والدليل والحجّة.

ومن الروايات قوله (صلى الله عليه وآله) : «انّما أقضي بينكم بالبيّنات والايمان». فانّها فيه بمعنى الدليل والحجّة.

إن قلت: لو كانت البيّنة في الرواية بمعنى مطلق الدليل والحجّة فما وجه ذكر الايمان بعدها ولا يعلم له خصوصية موجبة لذلك؟

قلت: اليمين لا تكون من الأدلّة والحجج الشرعية بل هي بعد عدم الدليل والحجّة قاطعة للخصومة ورافعة للمرافعة.

وقوله (عليه السلام) في حديث مسعدة بن صدقة ـ الآتي إن شاء الله تعالى ـ بعد الحكم بحلّية الأشياء المشكوك فيها: والأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البيّنة فإنّ البيّنة فيها أيضاً لا تكون بمعنى شهادة عدلين لعدم انحصار الطريق بها في ثبوت حرمة الأشياء وكون المراد من الاستبانة العلم كما لا يخفى.

إن قلت: على ما ذكرت لا يكون هناك دليل على حجّية البيّنة بمعنى شهادة العدلين في الموضوعات الخارجية المترتّبة عليها بعض الآثار الشرعية.

قلت: قد أفاد بعض الأعلام في مقام الاستدلال على ذلك ما مرجعه إلى انّ النبي (صلى الله عليه وآله) لمّا طبّق البيّنة بهذا المعنى اللغوي على شهادة العدلين في باب القضاء يستكشف من ذلك اعتبار شهادتهما وانّها مصداق الدليل والبيّنة وهذا يقتضي اعتبارها في جميع الموارد إلاّ فيما قام الدليل على عدم اعتبارها فيه وحيث لم يرد دليل يمنع عن اعتبارها في النجاسة كما منع عنه في الزنا لا يبقى شبهة في ثبوت


1 ـ الأنفال: 42 .

الصفحة 397

النجاسة بشهادة عدلين.

ويمكن الإيراد عليه بأنّ غرض الشارع في باب القضاء إنّما تعلّق بفصل الخصومة وقطع المنازعة المنافية للاخوة الثابتة بين أفراد المؤمنين وعليه يجوز أن يكون الشيء حجّة في باب القضاء من دون أن يكون كذلك في غير ذلك الباب كاليمين فانّه حجّة في باب القضاء فقط.

لا يقال: البيّنة في النبوي ـ المتقدّم ـ بمعنى ما به البيان والدليل والحجّة ولكنّه يستفاد من تطبيقها على شهادة العدلين انّها أيضاً حجّة ودليل معتبر مطلقاً.

لأنّه يقال: هذا التطبيق هل هو شرعي تعبّدي أو عرفي؟ فعلى الأوّل لا مجال للاسراء إلى غير باب القضاء لعدم وقوع التطبيق الشرعي في غيره وعلى الثاني يتوجّه السؤال عن انّه ما وجه التطبيق على شهادة العدلين فقط لعدم انحصار ما به البيان فيها عرفاً وثبوت المصاديق الاُخر أيضاً من كتابة ونحوها، فيستكشف من ذلك انّ البيّنة في النبوي بمعنى شهادة العدلين فقط ويشهد لذلك انحصار الحجّة بها في باب القضاء وقبح أن يقول الرسول (صلى الله عليه وآله) : انّما أقضي بينكم بالبيّنات، بحيث كان المراد الاستعمالي مطلق ما به البيان والمراد الجدّي الذي يبتني عليه العمل خصوص شهادة العدلين. فالأولى أن يقال: إنّ المراد من البيّنة في النبوي خصوص شهادة العدلين ولا يمكن الاستدلال به على حجّيها في سائر الأبواب.

نعم يمكن أن يستدل على حجّية البيّنة المصطلحة مطلقاً بوجهين:

الأوّل: الإجماع.

وقد يناقش فيه أوّلاً بأنّه غير مسلم لمخالفة ابن البراج وافتائه بأنّ النجاسة انّما تثبت بالعلم فقط.

والجواب عنه انّ العلم في كلام ابن البرّاج هو ما يقابل الظنّ المطلق الذي اعتقد

الصفحة 398

الحلبي (قدس سره) ثبوت النجاسة به وفتوى ابن البراج تكون في مقابل فتوى الحلبي فمراده من ثبوت النجاسة بالعلم فقط نفي ثبوتها بمطلق الظنّ ولا يكون المراد انحصار طريق الثبوت بالعلم في مقابل الظنّ مطلقاً.

وثانياً: إنّه من المحتمل بل الظاهر استناد المجمعين في إجماعهم إلى النبوي المذكور بضميمة إلغاء الخصوصية من باب القضاء أو إلى رواية مسعدة بن صدقة، فالإجماع لا يكون تعبّدياً كاشفاً عن قول المعصوم (عليه السلام) وبعبارة اُخرى ليس له أصالة أصلاً.

والجواب عنه انّ مستند المجمعين ليس الروايتين المذكورتين لوضوح عدم تمامية إلغاء الخصوية من النبوي الوارد في باب القضاء ومناقشة بعض المجمعين في رواية مسعدة فالإجماع سليم عن المناقشة.

الثاني: ما رواه الشيخ والكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سمعته يقول : كلّ شيء هو لك حلال حتّى تعلم انّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك: وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة، والمملوك عندك لعلّه حرّ قد باع نفسه، أو خدع فبيع قهراً، أو امرأة تحتك وهي اُختك أو رضيعتك، والأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البيّنة. فإنّ الظاهر انّ المراد من البيّنة فيها هي شهادة العدلين.

وقد استشكل على الاستدلال بالرواية بوجهين:

أحدهما: إنّها ضعيفة من حيث السند لوجود «مسعدة» فيه وقد ضعفه العلاّمة والمجلسي (قدس سرهما).

ويدفعه انّه قد ورد هنا تعبيرات يستفاد منها وثاقته; منها تعبير الشيخ الأعظم

الصفحة 399

الأنصاري (قدس سره) عن هذه الرواية بالموثقة في رسالة البراءة والاشتغال وهو يدلّ على اعتبارها عنده.

ومنها: ما عن الاستاذ الوحيد البهبهاني (قدس سره) من انّ روايات مسعدة متينة غير مضطربة توجد مضامينها في الروايات المعتبرة.

والعمدة في تصحيح رواية مسعدة هو وقوعه في سند بعض روايات «كامل الزيارات» الذي التزم مؤلِّفه ـ وهو محمد بن قولويه استاذ الشيخ المفيد (قدس سره) ـ في ديباجته بأنّه لا ينقل فيه إلاّ عن ثقات الأصحاب. ومن المعلوم انّه توثيق إجمالي لجميع رواة روايات الكتاب، ومن العجيب بعد ذلك انّ بعض الأعلام مع تصريحه بأنّ وقوع الراوي في سند بعض روايات الكتاب المذكور يكفي في وثاقته وجواز الاعتماد على خبره قد ضعف رواية مسعدة في المقام مع وقوعه في سند بعض تلك الروايات، فالمناقشة من حيث السند مدفوعة جدّاً.

ثانيهما: انّ البيّنة ـ في هذه الرواية ـ لم يرد منها معناها المصطلح عليه بل اُريد بهذا المعنى اللغوي وهو الدليل وما به البيان، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى انّه معناه لغةً ـ انّ المثبت في الموضوعات الخارجية غير منحصر بالعلم والبيّنة المصطلح عليها لأنّها كما تثبت بهما كذلك تثبت بالاستصحاب والإقرار. وقد استشكل بهذا الوجه أيضاً بعض الأعلام ـ على ما في تقريرات بحثه ـ .

والجواب عنه انّ المراد من البيّنة ـ في الرواية ـ لو كان هو مطلق الدليل والحجّة لم يكن وجه لذكر الاستبانة التي قد اُريد منها العلم قبل ذكر مطلق الدليل والحجّة لشمول المطلق له أيضاً فيكون من ذكر العام بعد الخاص ولا يعلم له وجه أصلاً.

نعم ذكر الخاص بعد العام ربّما يتداول إشعاراً بعناية خاصّة بالإضافة إلى الخاص، وامّا العكس كما في المقام فلا وجه له أصلاً إلاّ الترقي وإفادة عدم الانحصار

الصفحة 400

وهو خلاف ظاهر العبارة.

وإن كان المراد منها هو الدليل غير القطعي والحجّة غير القاطعة بشهادة وقوعها في مقابل الاستبانة فما المانع من أن تكون البيّنة المصطلحة من مصاديقها بل هي مصداق واضح لها.

فالأولى أن يقال: إنّ البيّنة في الرواية بمعنى شهادة العدلين كما كان كذلك في النبوي المتقدّم، وعلى ما ذكرنا يتحقّق الاختلاف بين الكتاب والسنّة من جهة استعمالها فيه في المعنى اللغوي مطلقاً واستعمالها فيها في المعنى الاصطلاحي كما في الروايتين.

وامّا ما استدلّ به لإثبات مرامه من عدم انحصار المثبت في الموضوعات الخارجية بالعلم والبيّنة المصطلح عليها وثبوتها بالاستصحاب والإقرار ونحوهما ففيه انّا لا نضائق من ذلك لكن رواية مسعدة لا تكون في مقام حصر الحجّة في البيّة والعلم ولا منافاة بينها وبين ما يدلّ على الثبوت بالاستصحاب والإقرار وعلى تقدير كونها ظاهرة في ذلك نرفع اليد عن هذا الظهور بمقتضى أدلّة المثبتات الاُخر.

نعم يبقى شيء وهو انّ الرواية واردة في مورد الحلّية والحرمة والكلام في باب الطهارة والنجاسة والجواب وضوح عدم الفرق بين الحكمين من هذه الجهة. فانقدح انّ رواية مسعدة تدلّ على حجّية شهادة العدلين في جميع الموضوعات الخارجية المترتّبة عليها بعض الآثار الشرعية، وتؤيّدها ما ورد في الجبن من انّه حلال حتّى يجيئك شاهدان يشهدان عندك انّ فيه الميتة. وهذه الرواية وإن كانت ضعيفة سنداً إلاّ انّ صلوحها للتأييد غير قابل للمناقشة.

رابعها: خبر العدل الواحد وقد استشكل في المتن في الاكتفاء به في مقام ثبوت النجاسة وكذا طهارة ما ثبتت نجاسته ونهى عن ترك الاحتياط في الصورتين ولكنّه

الصفحة 401

لا يخفى انّ لنا في الشريعة موضوعات تثبت بخبر العدل الواحد بلا إشكال كاخبار المؤذِّن بدخول الوقت بسبب أذانه إذا كان عادلاً بل وكذلك إذا كان موثّقاً، وكاخبار عدل واحد بعزل الموكّل للوكيل، وكما لو اخبر البائع بوزن المبيع مطلقاً ـ أي ولو لم يكن عادلاً ـ فهو حجّة معتبرة في هذه الموارد بلا إشكال كما انّه لا إشكال في عدم اعتباره في الدعاوى والترافع وفي مثل الزنا. انّما الإشكال في سائر الموارد كالقبلة والنجاسة ونحوهما وانّه هل يكون خبر العدل الواحد حجّة فيها كما تكون حجّة في باب الأحكام والروايات أم لا يكون كذلك؟ وقد ذهب المشهور إلى عدم حجّيته في الموضوعات والفرق بينها وبين الأحكام والروايات.

ولكنّه قد استدلّ على الحجّية في الموضوعات أيضاً بوجوه ثلاثة:

الأوّل: إلغاء الخصوصية من الموارد التي يكون فيها حجّة بلا كلام وإثبات حجّيته في جميع الموارد إلاّ ما خرج بالدليل.

وفيه أوّلاً: انّه لا يصحّ إلغاء الخصوصية من تلك الموارد فإنّ مورد إلغاء الخصوصية ما لا يكاد ينسبق إلى الذهن ولا يحتمل فيه اعتبار الخصوصية ومدخليتها مثل قوله: رجل شكّ بين الثلاث والأربع حيث لا يخطر بالبال مدخلية الرجولية في الحكم المترتّب على الشكّ بين الثلاث والأربع بل الموضوع فيه انّما هو نفس الشكّ بينهما، وفي المقام لا مجال لهذا الكلام فإنّ الدليل الدال على اعتبار خبر المؤذِّن وأذانه أو اعتبار أخبار العدل بعزل الوكيل لا يفهم منه عرفاً انّ الموضوع للاعتبار انّما هو نفس اخبار العدل ولا تكون خصوصية الاذان ومثله دخيلة في الحكم أصلاً.

وثانياً: إلغاء الخصوصية من الموارد التي يكون خبر الواحد فيها حجّة والحكم بثبوتها في جميع الموارد إلاّ ما خرج بالدليل ليس بأولى من إلغاء الخصوصية من

<<التالي الفهرس السابق>>