الصفحة 422
لعدم بقاء شيء من آثار الخمر هل يكون هناك مانع عن جعل الخل فيه أم لا، وعليه فالتجفيف لا يكون له مدخلية أصلاً بل الملاك هو الغسل. غاية الأمر انّه أمر زائد عليه موجب لمحو آثار الخمر بالكلّية.
ومنها: روايه حريز عن الفضل أبي العبّاس عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث انّه سأله عن الكلب فقال: رجس نجس لا يتوضّأ بفضله، واُصيب ذلك الماء واغسله بالتراب أوّل مرّة ثمّ بالماء.
والظاهر من هذه الأخبار الواردة في الأواني انّ الأمر بغسلها انّما يكون للإرشاد إلى انّها منجسة لما يلاقيها برطوبة لأنّه لا يكون غسل الأواني النجسة من الواجبات الشرعية التكليفية ، والعجب من المحقّق الهمداني (قدس سره) حيث قال في مقام الجواب عن هذه الأخبار: «إنّ غاية ما يستفاد من الأمر بغسل الأواني ونحوها انّما هو حرمة استعمالها ومبغوضيته حال كونها قذرة ولا دلالة لها على انّها منجسة ومؤثّرة في نجاسة ما فيها بوجه.
وذلك لأنّ استعمال الاناء المتنجّس إذا لم يؤثّر في نجاسة ما فيه من الطعام والشراب ممّا لا حرمة له بضرورة الفقه فيتعيّن أن يكون الأمر بغسله إرشاداً إلى المنجسية لما يلاقيها.
وأظهر من هذه الأخبار ما ورد في غسل الفراش ونحوه فانّ الأمر بغسل مثله لا وجه له إلاّ مجرّد الإرشاد إلى عدم تنجّس ما يلاقيه من الألبسة التي يصلّى فيها وغيرها ولا مجال لاحتمال المحقّق الهمداني (قدس سره) فيها أصلاً.
وما ذكرنا من الروايات كما ترى مطلقة تشمل ما لو كان المتنجّس مايعاً أو غير مايع وما إذا كان الرطوبة في المتنجّس أو في الملاقى فما قال به المشهور هو الصحيح.
ويدلّ عليه أيضاً صحيحة محمد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن
الصفحة 423
الرجل يدخل يده في الاناء وهي قذرة؟ قال: يكفي الاناء. قال في القاموس كفأه كمنعه كبّه وقلبه كاكفأه. فانّها صريحة في منجسية المتنجّس ولو كان جافّاً والملاقى له مائعاً.
وموثقة سماعة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا أصاب الرجل جنابة فأدخل يده في الإناء فلا بأس إذا لم يكن أصاب يده شيء من المني. فإنّ مقتضى إطلاق مفهومها انّه لو كان أصاب يده شيء من المني ففيه بأس سواء كان المني باقياً في اليد أم لم يكن.
وما عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن الجنب يحمل (يجعل ـ خ ل) الركوة أو التور فيدخل اصبعه فيه؟ قال: إن كانت يده قذرة فاهرقه، وإن كان لم يصبها قذر فليغتسل منه هذا ممّا قال الله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) وهذه أيضاً ظاهرة في منجسية المتنجّس في الجملة التي هي المصود في المقام الأوّل.
وقد استدلّ القائل بعدم تنجيس المتنجّس أيضاً باُمور:
الأوّل: انّ الحكم بمنجسية المتنجّسات غير قابل للامتثال فلا يصدر من الحكيم، وذلك لاستلزامه القطع بنجاسة جميع الدور والبقاع بل وجميع أهل البلد وما في أيدي المسلمين وأسواقهم لكون النجاسة مسرية حسب الفرض فانّه لو فرض انّ آنية أو أواني متعدّدة قد وضعت في مكان يساورها أشخاص مختلفة من الصغير والكبير والمبالين لاُمور دينهم وغير المبالين كالحبات الموضوعة سابقاً ـ وفي بعض البلاد فعلاً أيضاً ـ في المساجد والمعابر ونحوهما فنقطع بالضرورة بنجاسة تلك الآنية أو الأواني للقطع بملاقاتها مع المتنجّس من يد أو شفه ونحوهما كما هو الشاهد المحسوس في أوقات الكثرة والازدحام، وكذلك الحال في أدوات البنائين وآلاتهم
الصفحة 424
حيث لا يزالون يستعملونها في جميع البقاع والأمكنة مع القطع بنجاسة بعضها كالكنيف ولم تجر عادتهم على غسلها بعد استعمالها في الكنيف فبذلك تتنجّس جميع أبنية البلاد.
وكذلك في المقاهي والمطاعم حيث يدخلها كلّ وارد وخارج من المسلم والكافر والمؤمن والفاسق والمبالين لدينهم وغير المبالين له ويشربون فيهما الشاي والماء ويأكلون الطعام وهذا يوجب القطع بسراية النجاسة إلى جميع البلاد، مع استقرار سيرة المتشرّعة على عدم الاجتناب عن مثل الأواني الموضوعة في أماكن الاجتماع، أو عن الدور والأبنية والبقاع، أو عن الأواني المستعملة في المقاهي وأمثالها، حيث يعاملون معها معاملة الطهارة بحيث لو تعدّى أحد عن الطريقة المتعارفة عندهم بأن اجتنب عن مثل هذه الاُمور يطعنه جميع المتشرّعة بالوسواس وعدم الاستواء والخروج عن جادّة الشرع.
والجواب عن ذلك أوّلاً: إنّ هذا الدليل أخصّ من المدعى لأنّ ما ذكر من التوالي الفاسدة انّما يثبت إذا قلنا بتنجيس المتنجّس على وجه الإطلاق والموجبة الكلّية، وامّا إذا اكتفينا بمنجّسيته إذا كان بلا واسطة فقط فلا يتحقّق القطع بنجاسة ما ذكر فهذا الدليل لا يثبت السلب الكلّي وإن كان نافياً للإيجاب الكلّي والمقصود في هذا المقام الإثبات بنحو الموجبة الجزئية كما عرفت.
وثانياً: لو كان المراد من العلم بنجاسة جميع الأبنية والبقاع والأواني بل جميع ما في العالم ممّا هو محل ابتلاء المكلّف هو العلم الفعلي فهو ممّا يكذبه الوجدان لعدم التفات جميع الناس إلى المقدّمات المذكورة الموجبة للعلم بها كيف ونحن ممّن نقول بمنجسية المتنجّس مطلقاً ومع ذلك لا علم لنا بنجاسة جميع المذكورات خصوصاً مع ملاحظة ثبوت مطهرات في البين من نزول المطر وتطهيره كثيراً من المذكورات
الصفحة 425
ولاسيما في زماننا هذا من كون جميع المياه الموجودة في الأماكن الاجتماعية معتصمة نوعاً لاتصالها بالمخزن المشتمل على مئات من الكر.
ولو كان المراد منه انّه ممّا ينبغي أن يتحقّق القطع به فالجواب انّ ما ينبغي أن يقطع به لا يترتّب عليه الآثار المترتّبة عليه على تقدير تعلّق القطع الفعلي به كوجوب الاجتناب ونحوه، وكثير من الأشياء ممّا ينبغي أن يحصل القطع به كوجود الصانع تعالى وتوحيده ـ مثلاً ـ ومع ذلك يترتّب على إنكاره حكم الكفر لعدم تحقّق القطع الفعلي به فتدبّر.
الأمر الثاني: جملة من الروايات الظاهرة في ذلك وهي كثيرة:
منها: موثقة حنان بن سدير قال: سمعت رجلاً سأل أبا عبدالله (عليه السلام) فقال: إنّي ربّما بلت فلا أقدر على الماء ويشتدّ ذلك عليَّ، فقال: إذا بلت وتمسّحت فامسح ذكرك بريقك فإن وجدت شيئاً فقل هذا من ذاك. بتقريب انّ المنجس لو كان منجساً لما أصابه كان مسح موضع البول المتنجّس به بالريق ونحوه موجباً لاتساع النجاسة وزيادتها لا موجباً لطهارته، فمنه يظهر انّ المتنجّس لا يكون منجساً لما أصابه.
وفيه ـ مضافاً إلى انّه على تقدير كون مفاد الرواية ما ذكر لا وجه للإرشاد إلى مسح الذكر بالريق الظاهر في كون ذلك طريقاً إلى عدم تنجّس مثل الثوب ضرورة انّ ظاهره كون احتمال نجاسة الثوب بعد وجدان الشيء ناشئاً من احتمال ملاقاته مع الموضع المتنجّس من الذكر لا من احتمال عروض البول مجدّداً فانّ الدافع لهذا الاحتمال وترتيب الأثر عليه هو التمسّح بعد البول المفروض في الرواية سواء تحقّق بعده مسح الذكر بالريق أم لم يتحقّق، فالرواية على هذا التقدير لا يعلم وجه الحكم المذكور فيها ـ انّ صريح السؤال انّ وقوعه في الاشتداد يكون من جهة عدم قدرته على الماء، ولو لم يكن المتنجّس منجّساً لما كان يقع في الاشتداد من جهته فتأثير
الصفحة 426
المتنجّس في نجاسة ملاقيه أمر يكون مفروغاً عنه عند السائل وقد قرّره الإمام (عليه السلام)ولم ينكره عليه حيث علمه طريقاً يتردّد بسببه في انّ الرطوبة من البلل المتنجّس أو من غيره.
والظاهر انّ المراد من قوله (عليه السلام) : فامسح ذكرك بريقك ليس هو الأمر بمسح الموضع المتنجّس منه وهو رأسه فانّه جزء منه بل المراد منه هو مسح موضع آخر منه غير متنجّس حتّى لا يعلم انّ الرطوبة من الموضع المتنجّس أو من غيره، وعلى تقدير عدم ظهوره في ذلك ـ وإن كان عدم الظهور في خلافه يكفي لسقوط الاستدلال ـ تكون المفروغية والتقرير قرينة على كون المراد منه ذلك كما لا يخفى.
ومنها: رواية سماعة قال: قلت لأبي الحسن موسى (عليه السلام) : إنّي أبول ثمّ أتمسّح بالأحجار فيجيء مني البلل ما يفسد سراويلي؟ قال: ليس به بأس. فإنّ نفي البأس عن البلل مع العلم بملاقاته للموضع المتنجّس بالبول لا يتمّ إلاّ على القول بعدم تنجيس المتنجّس.
وفيه أوّلاً: انّها ضعيفة من حيث السند.
وثانياً: انّه يحتمل أن يكون نظر السائل انّ المسح بالأحجار يوجب حصول الطهارة لمخرج البول كمخرج الغائط كما يقول به العامّة، وعليه فلابدّ من أن تحمل الرواية على التقية لموافقتها مع مذهب العامّة.
ومنها: صحيحة حكم بن حكيم انّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) فقال له: أبول فلا أصيب الماء وقد أصاب يدي شيء من البول فامسحه بالحائط والتراب ثمّ تعرف يدي فأمسح (فامسّ ـ خ ل) به وجهي أو بعض جسدي، أو يصيب ثوبي؟ قال: لا بأس به. فإنّ نفي البأس عن مسح الوجه أو بعض الجسد أو إصابة الثوب باليد المتنجّسة الرطبة لوجود العرق فيها مرجعه إلى عدم صلاحية المتنجّس للتنجيس ولو كان
الصفحة 427
هناك رطوبة متّصفة بالسراية كما هو المفروض في الرواية.
وقد اُجيب عن ذلك بأنّ السائل لم يفرض في كلامه ان مسح وجهه أو بعض جسده أو ما أصاب الثوب انّما كان بما هو الموضع المتنجّس من يده لأنّه بعد ملاحظة انّ مسح الوجه أو بعض الجسد لم يكن بجميع أجزاء اليد حتّى يحصل العلم بملاقاة الموضع المتنجّس من اليد لهما وملاحظة انّ اليد لا يتنجس جميعها بسبب تنجّس موضع منها وتعرقها كما عرفت سابقاً نقول: إنّ الموضع المتنجّس من اليد امّا أن يكون معيناً معلوماً بالتفصيل، وامّا أن لا يكون كذلك، بل يعلم إجمالاً بنجاسة بعض أجزائها، ففي الصورة الاُولى يكون نفي البأس راجعاً إلى عدم العلم بكون الجزء الملاقى من اليد هل كان هو الجزء المتنجّس أو غيره من المواضع الطاهرة من اليد. ومن المعلوم انّ مقتضى الأصل في مثل ذلك من موارد الشكّ هي الطهارة، وفي الصورة الثانية نقول إنّ ملاقاة بعض أطراف الشبهة المحصورة في باب النجاسة لا يوجب الحكم بنجاسة الملاقى وبوجوب الاجتناب عنه ـ كما قد حقّق في محلّه ـ ففي كلتا الصورتين لم يظهر من الرواية ما ينطبق على نظر المستدلّ.
ويمكن أن يجاب عنه أيضاً بأنّ نفي البأس في الجواب انّما هو في فرض عدم إصابة الماء وانّه في هذا الفرض وإن كانت اليد والوجه وبعض الجسد متنجّساً جميعها ـ بعضها بالواسطة وبعضها من دونها ـ إلاّ انّه مع عدم القدرة على التطهير لفرض فقدان الماء حتّى بالمقدار الذي يكفي في تطهير مخرج البول الذي هو مثلاً ما على الحشفة من البلل كما مرّ لا مناص من الحكم بنفي البأس حتّى فيما إذا أصاب الثوب فإنّ الصلاة عارياً مع انحصار الساتر بالنجس انّما هي فيما إذا كان البدن طاهراً، وامّا مع نجاسة البدن أيضاً فالحكم بلزوم الصلاة كذلك يبتني على لزوم تقليل النجاسة بالمقدار الممكن ولابدّ من البحث فيه.
الصفحة 428
وبالجملة فالرواية لا دلالة لها على مدعى القائل.
ومنها: صحيحة العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل بال في موضع ليس فيه ماء فمسح ذكره بحجر وقد عرق ذكره وفخذاه؟ قال: قال: يغسل ذكره وفخذيه، وسألته عمّن مسح ذكره بيده ثمّ عرقت يده فأصابه ثوبه، يغسل ثوبه؟ قال: لا. حيث حكم (عليه السلام) بعدم وجوب غسل الثوب الذي لاقته اليد المتنجّسة بمسح الذكر.
وفيه: انّ صدرها صريح في منجسية المتنجس للأمر بغسل الذكر والفخذين مع انّهما متنجّسان، ونفي لزوم غسل الثوب في الذيل امّا لعدم العلم بإصابة اليد للموضع المتنجس من الذكر، وامّا لعدم العلم بإصابة الموضع المتنجّس من اليد للثوب مع انّه لو سلّمنا انّ الذيل مطلق لترك الاستفصال فيه ومقتضى الإطلاق عدم تنجيس المتنجّس إلاّ انّه لا مناص من تقييد إطلاقه بما دلّ على منجسية المتنجّس ومنه صدر هذه الرواية. وإن شئت قلت: إنّ الجمع بين الصدر والذيل يقتضي حمل الذيل على صورة عدم العلم لئلا يلزم المنافاة كما هو ظاهر.
ومنها: ما رواه علي بن مهزيار قال: كتب إليه سليمان بن رشيد يخبره انّه بال في ظلمة الليل وانّه أصاب كفّه برد نقطة من البول لم يشكّ انّه أصابه ولم يره وانّه مسحه بخرقة ثمّ نسى أن يغسله وتمسّح بدهن فمسح به كفّيه ووجهه ورأسه ثمّ توضّأ وضوء الصلاة فصلّى؟ فأجابه بجواب ـ قرأته بخطّه ـ : امّا ما توهّمت ممّا أصاب يدك فليس بشيء إلاّ ما تحقّق، فإن حقّقت ذلك كنت حقيقاً أن تعيد الصلوات اللواتي كنت صلّيتهن بذلك الوضوء بعينه ما كان منهن في وقتها، وما فات وقتها فلا إعادة عليك لها من قبل انّ الرجل إذا كان ثوبه نجساً لم يعد الصلاة إلاّ ما كان في وقت، وإذا كان جنباً أو صلّى على غير وضوء فعليه إعادة الصلوات
الصفحة 429
المكتوبات اللواتي فاتته لأنّ الثوب خلاف الجسد فاعمل على ذلك إن شاء الله.
حيث إنّ الرواية متضمّنة لبيان أمرين:
أحدهما: انّ الرجل قد تنجّست يده بالبول وانّه لم يغسلها وانّما مسحها بخرقة ثمّ تمسّح بالدهن ومسح به كفّيه ووجهه ورأسه ثمّ توضّأ وصلّى.
ثانيهما: إنّ من صلّى في النجس من ثوب أو بدن والتفت بعد ذلك فانّما يجب عليه إعادتها في الوقت ولا يجب قضائها خارج الوقت، ولكنّه لو صلّى محدثاً ثمّ التفت إلى حدثه بعد الصلاة تجب عليه إعادتها في الوقت، كما انّه يجب عليه القضاء خارجه، وقد علم من تطبيق الأمر الأوّل دون الأمر الثاني على مورد السؤال عدم منجّسية المتنجّس لأنّه لو كان منجساً لتعيّن الحكم ببطلان الوضوء لانفعال الماء المستعمل فيه بملاقاة اليد المتنجّسة ومعه تجب إعادة الصلاة في الوقت وقضائها في خارجه، مع انّه (عليه السلام) لم يحكم ببطلان الوضوء بل عدّ الرجل ممّن صلّى مع الوضوء.
وتوهّم انّ الوضوء في موردها غير صحيح مطلقاً سواء قلنا بمنجسية المتنجّس أم قلنا بعدمها، امّا على الأوّل فواضح، وامّا على الثاني فلتنجّس عضو الوضوء ـ على ما هو المفروض في موردها ـ .
مندفع: بأنّ اشتراط طهارة الأعضاء في الوضوء ممّا لم يرد به دليل، وانّما اعتبروها شرطاً في صحّته نظراً إلى انّ المتنجّس منجس عندهم حيث إنّه ـ بناءً عليه ـ تسري النجاسة من العضو المتنجّس إلى ماء الوضوء فيصير متنجّساً مع انّ طهارة الماء شرط في صحّة الوضوء بلا إشكال، فلو قلنا بعدم تأثير المتنجّس في تنجّس ملاقيه لا يبقى موقع لاشتراط الطهارة في أعضاء الوضوء فلابدّ على هذا التقدير من الحكم بصحّة الوضوء كما حكم (عليه السلام) بها. نعم يبقى المحلّ على نجاسته فتجب عليه الإعادة في خصوص الوقت.
الصفحة 430
وقد اعترف بعض الأعلام بظهور الرواية في المدعى وقال: بأنّه يؤكّد ذلك ـ أي الدلالة على عدم التنجيس ـ تقييد الإمام (عليه السلام) الحكم بالإعادة، بالصلوات اللواتي صلاّها بذلك الوضوء بعينه، والوجه في ذلك انّه بهذا القيد قد خرجت الصلوات الواقعة بغيره، ولا يتمّ هذا إلاّ على القول بعدم تنجيس المنجس وطهارة اليد المتنجّسة في الوضوء الثاني أو الثالث لتعدّد غسلها بتكرار الوضوء، لأنّ يده المتنجّسة لو كانت منجسة لما أصابها لأوجبت تنجّس الماء وجميع أعضاء الوضوء ولابدّ معه من الحكم ببطلان صلواته مطلقاً ـ سواء كان صلاّها بذلك الوضوء أم بغيره ـ لبقاء أعضاء الوضوء على نجاستها. إلى أن قال: بأنّ الصحيحة غير قابلة للمناقشة في دلالتها.
ثمّ أجاب عنها بأنّ الرواية مضمرة ولا اعتبار بالمضمرات إلاّ إذا ظهر من حال السائل انّه ممّن لا يسئل غير الإمام (عليه السلام) كما في زرارة ومحمد بن مسلم وهكذا علي بن مهزيار وأضرابهم والكاتب فيما نحن فهى ـ وهو سليمان بن رشيد ـ لم يثبت انّه ممّن لا يسئل غير الإمام (عليه السلام) حيث لا نعرفه ولا ندري مَنْ هو فلعلّه من أكابر أهل السنّة وقد سئل المسألة عن أحد المفتين في مذهبه، وغاية ما هناك انّ علي بن مهزيار ظنّ بطريق معتبر انّه سأل الإمام (عليه السلام) أو اطمئن به إلاّ انّ ظنّه أو اطمئنانه غير مفيد بالإضافة إلى غيره.
ويرد عليه انّ مثل علي بن مهزيار لا يكاد يروي في مقام نقل الحديث ما عن غير الإمام (عليه السلام) ومن الواضح ظهور الرواية في انّ علي بن مهزيار كان عالماً بالشخص الذي سئل وعدم التصريح باسمه المبارك لعدم الحاجة إليه أو لغرض آخر، وعدم الفائدة بالإضافة إلى غيره لا يختص بصورة الظنّ أو الاطمئنان بل يجري في صورة العلم والتصريح بالاسم أيضاً لأنّ علمه انّما يكون مفيداً له لا لغيره
الصفحة 431
فمثل هذا الاحتمال فيما لو كان الراوي مثل علي بن مهزيار لا وجه له ولا يوجب سقوط الرواية عن الاعتبار.
والتحقيق في مقام الجواب أن يقال: إنّ الرواية مجملة من جهات:
الاُولى: عدم وضوح مطابقة الجواب مع سؤال السائل لأنّه سأل فيها عن صورة نجاسة اليد التي هي من أعضاء البدن واُجيب فيها بأنّ ذلك من قبل أن الرجل إذا كان ثوبه نجساً لم يعد الصلاة ما كان في وقت.
الثانية: انّ قوله (عليه السلام) : كنت حقيقاً أن تعيد الصلوات اللواتي كنت صليتهنّ بهذا الوضوء بعينه، ظاهر في انّ البطلان يكون لأجل الوضوء مع انّه لو لم يكن المتنجّس منجساً لا يكون نقص في الوضوء أصلاً بل كان البطلان مستنداً إلى تنجّس اليد.
الثالثة: انّه لا يفهم المراد من قوله (عليه السلام) : لأنّ الثوب خلاف الجسد. فإنّ الجسد ظاهر في البدن ولا مغايرة في الحكم بين تنجّس الجسد والثوب، ولو كان المراد من الجسد، الروح، فمع انّه خلاف الظاهر لكان المناسب أن يقال. وذلك لأنّ البدن خلاف الجسد ـ أي الروح ـ كما هو ظاهر وقد مرّ الكلام سابقاً.
ومنها: ما دلّ على طهارة القطرات المنتضحة من الأرض في الإناء كصحيحة الفضيل قال: سُئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن الجنب يغتسل فينتضح من الأرض في الإناء؟ فقال: لا بأس هذا ممّا قال الله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج).
ورواية شهاب بن عبد ربّه عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه قال في الجنب: يغتسل فيقطر الماء عن جسده في الإناء فينتضح الماء من الأرض فيصير في الإناء، انّه لا بأس بهذا كلّه. حيث دلّت على انّ الأرض مطلقاً ـ ولو كانت منتجّسة ـ غير موجبة لتنجّس القطرات المنتضحة منها الواقعة في الإناء، ورواية عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أغتسل في مغتسل يبال فيه ويغتسل من الجنابة فيقع في الإناء ما ينزو
الصفحة 432
من الأرض؟ فقال: لا بأس به.
وقد أجاب بعض الأعلام عن هذه الأخبار بأنّها لا تكون ناظرة إلى عدم تأثير المتنجّس في نجاسة ملاقيه، وانّما سيقت لبيان انّ القطرات المنتضحة من غسالة الجنابة في الإناء لا تكون مانعة عن صحّة الاغتسال بالماء الموجود فيه ولا يوجب اتّصاف ذلك الماء بكونه مستعملاً في رفع الحدث الأكبر.
وفيه: انّه لو كان محطّ السؤال فيها ما أفاده وكون النظر إلى القطرات المستعملة في غسل الجنابة من حيث كونها ماءً مستعملاً في رفع الحدث الأكبر لما كان وجه لتقييد القطرات بوقوعها على الأرض وانتضاحها منه إلى الإناء كما لا يخفى ويدفع هذا المقال رواية عمر بن يزيد فتدبّر.
والصحيح في الجواب أن يقال: أوّلاً: انّه لا إطلاق في الروايات المذكورة لعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة حتّى يجوز التمسّك بإطلاقها.
وثانياً: انّه على تقدير ثبوت الإطلاق لا مانع من تقييدها بما إذا لم يكن الأرض معلوم النجاسة كما هو الغالب في المواضع التي يغتسل فيها بقرينة الأدلّة الدالّة على منجسية المتنجّس والاستدلال بالآية في الصحيحة انّما يلائم مع ما ذكرنا من كون المراد صورة الشكّ كما هو ظاهر.
ومنها: ما ورد في القطرات المنتضحة من الأرض على الثوب كرواية بريد بن معاوية قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أغتسل من الجنابة، فيقع الماء على الصفا فينزو فيقع على الثوب؟ فقال: لا بأس به.
ورواية عمّار بن موسى الساباطي قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يغتسل من الجنابة وثوبه قريب منه فيصيب الثوب من الماء الذي يغتسل منه؟ قال: نعم لا بأس به.
الصفحة 433
ورواية علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) ـ قال: سألته عن الكنيف يصبّ فيه الماء فينضح على الثياب ما حاله؟ قال: إذا كان جافّاً فلا بأس به. حيث إنّ ظاهرها نفي البأس عمّا ينضح على الثياب من الأرض الكنيف إذا كان جافّاً مطلقاً ـ سواء كان معلوم النجاسة أم لم يكن كذلك ـ ودعوى انّ التقييد بالجفاف انّما هو لملازمته مع الشكّ في نجاسة المكان وطهارته، كما انّ الرطوبة تلازم العلم بالنجاسة. مدفوعة بأنّ الجفاف لا يكون مستلزماً للشكّ في نجاسة الكنيف كما انّ الرطوبة غير مستلزمة للعلم بها لأنّ كلاً منهما قد يقترن مع العلم وقد يقترن مع الشكّ.
وقد اعترف بعض الأعلام بدلالة هذه الطائفة على المدعى وقال: «إنّ المستفاد من الأخبار الواردة في القطرات المنتضحة من الكنيف ـ بعد تقييد مطلقها بمقيّدها ـ عدم تنجيس المتنجّس الجاف للماء الوارد عليه إلاّ انّه لابدّ من الاقتصار فيها على موردها وهو الماء القليل الذي أصابه النجس من غير أن يستقرّ معه ولا يمكننا التعدّي عنه إلى غيره، فإنّ الالتزام بعدم انفعال الماء القليل في مورد الرواية لا يستلزم سوى ارتكاب تقييد المطلقات الواردة في انفعال الماء القليل بملاقاة النجس فيستثنى منها ما إذا لم يستقرّ القليل مع النجس ولا محذور في التقييد أبداً، إلى أن قال: بل يمكن أن يقال: إنّ الحكم بعدم انفعال الماء في مفروض الكلام ممّا لا يستلزمه أيّ محذور حتّى تقييد المطلقات، وذلك لأنّ ما دلّ على انفعال الماء القليل بملاقاة النجس أمران: أحدهما: مفهوم ما ورد من انّ الماء إذا بلغ قدر كرّ لا ينجسه شيء، وثانيهما: الأخبار الواردة في موارد خاصّة كالماء الذي وقعت فيه فأرة ميتة، أو الإناء الذي قطرت فيه قطرة من الدم، وغير ذلك من الموارد المتقدّمة. ولا إطلاق في شيء من الأمرين: امّا قوله (عليه السلام) : الماء إذا بلغ قدر كرّ لا ينجسه شيء، فلأنّ مفهومه انّ الماء إذا لم يبلغ قدر كرّ ينجسه شيء لا كلّ شيء ـ كما حقّق في محلّه ـ
الصفحة 434
وليكن ذلك هو الأعيان النجسة بل المتنجّسات أيضاً ولو كان الماء وارداً ـ على خلاف السيّد المرتضى (قدس سره) حيث فصل بين الوارد والمورود ـ ولا يستفاد من مفهومه انّ المنجس أو المتنجّس منجس للماء في جميع الأحوال والكيفيات وإن لم يستقر معه.
وامّا الروايات الخاصّة فلأنّه لم يرد شيء منها في انفعال الماء القليل غير المستقرّ مع النجس، وانّما وردت في القليل المستقرّ مع الميتة أو الدم ونحوهما، وعليه فلا إطلاق في شيء من الدليلين حتّى يشمل المقام ويكون القول بعدم انفعال القليل غير المستقرّ مع النجس تقييداً للمطلقات أو تخصيصاً للعمومات».
ولا يخفى ما في كلامه من وجوه النظر:
امّا أوّلاً: فلأنّ ظاهر رواية علي بن جعفر انّ الأرض لو كان نجساً وصار جافّاً يطهر بمجرّد الجفاف لمكان نفي البأس عن الموضع الجاف من الأرض مطلقاً ويؤيّد ما استظهرنا منها رواية معلى بن خنيس المذكورة في أوائل المسألة حيث إنّه قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الخنزير يخرج من الماء ويمرّ على الطريق فيسيل منه الماء أمرّ عليه حافياً؟ فقال: أليس ورائه شيء جاف؟ قلت: بلى، قال: فلا بأس انّ الأرض يطهِّر بعضه بعضاً. فإنّ ظاهرها ملازمة الجفاف مع الطهارة.
وامّا ثانياً: فلأنّ المتفاهم العرفي من قوله (عليه السلام) إذا كان جافّاً فلا بأس، الملازمة النوعية بين الجفاف والشكّ في النجاسة، فإنّ الإنسان يشكّ ـ نوعاًـ في نجاسة الموضع الجاف من الكنيف بخلاف ما لو كان مرطوباً فإنّ الرطوبة امّا أن تكون من نفس البول والعذرة، وامّا أن تكون من الماء الملاقي لهما أو للموضع المتنجّس بهما، فالجفاف ملازم للشكّ في النجاسة نوعاً.
وامّا ثالثاً: فلأنّه لو سلم عدم الملازمة بين الجفاف والشكّ في النجاسة وبين
الصفحة 435
الرطوبة والعلم بها نوعاً نقول: إنّ النسبة بين رواية علي بن جعفر المفصلة بين الجفاف والرطوبة وبين أدلّة تنجيس المتنجّس عموم من وجه ومادّة الاجتماع لهما ما لو كان أرض الكنيف جافّاً معلوم النجاسة ولا وجه لترجيح الرواية على تلك الأدلّة لو لم نقل بترجيح العكس نظراً إلى كثرة الروايات الدالّة عليه واعتبارها فتدبّر.
وامّا رابعاً: فلأنّه لو لم يكن في أدلّة انفعال الماء القليل إطلاق يشمل مطلق المياه القليلة الملاقية للنجس فلا محيص من اختيار التفصيل الذي ذهب إليه السيّد (قدس سره)والحكم بثبوت الفرق بين ما لو ورد النجس على الماء القليل فينجس وما لو ورد الماء على النجس فلا ينجس مطلقاً من دون فرق بين صورة الاستقرار وعدمه لورود أدلّة الانفعال في الأوّل فقط والمفروض انّه لا إطلاق في المسألة أصلاً.
وبالجملة: امّا أن يقال بإلغاء الخصوصية من الأدلّة الخاصّة الواردة في انفعال الماء القليل، وامّا أن يقال بالعدم؟ فعلى الأوّل لابدّ من الالتزام بأنّ الملاك في الانفعال مجرّد الملاقاة من دون فرق بين ورود النجس على الماء والعكس وبين الاستقرار وعدمه. وعليه فمقتضى الأدلّة الانفعال في مورد رواية علي بن جعفر أيضاً فالأخذ بها يوجب التقييد فيها لا محالة، وعلى الثاني لا محيص عن الأخذ بفتوى السيّد والتفصيل الذي يقول به كما لا يخفى، فالجمع بين نفي التفصيل وعدم ثبوت الإطلاق في أدلّة الانفعال وإلغاء الخصوصية من الأدلّة الواردة في الموارد الخاصّة والالتزام بمفاد رواية علي بن جعفر من دون أن يكون مستلزماً للتقييد ممّا لا يستقيم والحقّ ما عرفت من انّه لا وجه لتقديم الرواية على تلك الأدلّة بعد كون النسبة عموماً من وجه لو لم يكن الترجيح معها لما مرّ. وقد انقدح من جميع ما ذكرنا في هذا المقام كون المتنجّس منجساً في الجملة وانّ أدلّة القائل بالعدم كلّها مندفعة،
الصفحة 436
هذا تمام الكلام في المقام الأوّل.
المقام الثاني: في انّه هل المتنجس منجس في خصوص ما إذا كان تنجّسه بملاقاة النجس بلا واسطة أو يعمّ المتنجّس مع الواسطة أيضاً، وعلى التقدير الثاني هل يختص الحكم بما إذا كانت الواسطة قليلة كالواحدة والاثنتين أو يعمّ ما إذا كانت الواسطة كثيرة أيضاً؟ والشهرة مع التعميم مطلقاً.
واستدلّ للمشهور بروايات:
ومنها: صحيحة البقباق قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن فضل الهرة والشاة والبقرة والإبل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع فلم أترك شيئاً إلاّ سألته عنه فقال: لا بأس به حتّى انتهيت إلى الكلب فقال: رجس نجس لا تتوضّأ بفضله واصبب ذلك الماء، واغسله بالتراب أوّل مرّة ثمّ بالماء.
والاستدلال بها يتوقّف:
أوّلاً: على كون قوله (عليه السلام) : رجس نجس، علّة للحكم بعدم جواز شربه والتوضّأ منه فهي تعمّم الحكم بعدم الجواز من الكلب إلى كل نجس لأنّ العلّة تعمّم الحكم كما انّها قد تخصّصه.
وثانياً: على صحّة إطلاق الرجس والنجس على المتنجّس واستعمالهما فيه حقيقة كما في النجس، وعلى ما ذكر فيقال في الملاقي الأوّل للمتنجس هذا الشيء لاقى النجس وكل ما لاقى النجس لا يجوز شربه ولا التوضّأ منه وهكذا يقال في الملاقي للمتنجّس الثاني أو الثالث فصاعداً.
ولكن التحقيق يقتضي خلاف ذلك وانّ قوله: رجس نجس لا يكون علّة للحكم بعدم جواز الشرب والتوضأ كيف وقد ذكر في ذيل الصحيحة حكم لا يمكن أن يكون معلّلاً بهذه العلّة وهو وجوب الغسل بالتراب أوّل مرّة ثمّ بالماء وهل ترى
الصفحة 437
من نفسك أن تقول كل نجس لابدّ أن يغسل بالتراب أوّل مرّة ثمّ بالماء لأنّه رجس نجس؟! مع انّ إطلاق الرجس على كل نجس فضلاً عن المتنجّس ممنوع لما عرفت سابقاً من انّ الرجس بمعنى الخباثة والقذارة المعنوية الثابتة في بعض الأعيان النجسة كالكلب ونحوه ولا يصحّ إطلاقه على المتنجّس بوجه، فالاستدلال بالرواية لمذهب المشهور غير تامّ.
ومنها: رواية معاوية بن شريح قال: سأل عذافر أبا عبدالله (عليه السلام) وأنا عنده عن سؤر السنور والشاة والبقرة والبعير والحمار ولافرس والبغل والسباع يشرب منه أو يتوضّأ منه؟ فقال: نعم اشرب وتوضأ منه، قال: قلت له: الكلب؟ قال: لا، قلت: أليس هو سبع؟ قال: لا والله انّه نجس لا والله انّه نجس. فإنّ ظاهرها انّ العلّة في الحكم بعدم جواز الشرب والتوضؤ من سؤر الكلب انّما هي نجاسة ما باشره وهو الكلب فيتعدّى منه إلى كل ما هو نجس أو متنجّس لإطلاق النجس على المتنجس كإطلاقه على الأعيان النجسة وقد عرفت انّ إطلاق المتنجس في مقابل النجس اصطلاح حادث ولا يرى منه في الروايات عين ولا أثر فتدبّر.
هذا ولكن الرواية ضعيفة ـ سنداً ـ بمعاوية ـ مع انّ العلّية فيها لا تكون بواضحة.
ومنها: حسنة زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) : ألا أحكي لكم وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فقلنا: بلى، فدعا بقعب فيه شيء من ماء فوضعه بين يديه ثمّ حسر عن ذراعيه ثمّ غمس فيه كفّه اليمنى ثمّ قال: هكذا إذا كانت الكفّ طاهرة الحديث.
فإنّ مفهومها انّ الكفّ إذا لم تكن طاهرة فلا يجوز التوضّي بإدخالها في الماء القليل ولا وجه له إلاّ تنجّس الماء القليل وانفعاله بملاقاة اليد المتنجّسة، وإطلاقها يشمل الكفّ المتنجسة مطلقاً ـ سواء كانت متنجّسة بلا واسطة أو معها ـ .
ودعوى انّه لا تكون الرواية ظاهرة في انّ عدم جواز إدخال اليد المتنجسة في
الصفحة 438
الماء القليل يكون مستنداً إلى كونها منجسة للماء لاحتمال استناده إلى عدم جواز الغسل والوضوء من الماء المستعمل في رفع الخبث كالمستعمل في رفع الحدث مع ثبوت الطهارة له في نفسه.
مدفوعة أوّلاً: بأنّه خلاف ما هو المتفاهم من الرواية عرفاً لأنّ الظاهر منها كذلك انّ المنع عن التوضؤ بذلك الماء يكون معلولاً للنجاسة الحاصلة له من ملاقاة اليد المتنجسة وتأثره بها كما لا يخفى.
وثانياً: بأنّ الماء الذي أدخل فيه اليد المتنجسة لا يطلق عليه كونه مستعملاً في رفع الخبث فإنّ الملاقاة مع الخبث أمر والاستعمال في رفعه أمر آخر، ومجرّد كون الماء أحد طرفي الملاقاة لا يصحّح هذا الإطلاق بوجه كما يظهر بمراجعة العرف.
وثالثاً: بأنّه لو كان الاستناد إلى كونه مستعملاً في رفع الخبث لكان اللازم تخصيص الحكم بعدم الجواز بمثل الوضوء فلا يكون ـ حينئذ ـ مانع من جواز شربه ولا سائر الانتفاعات به مع انّ صحيحة محمد بن أبي نصر ـ المتقدّمة ـ التي سأل فيها عن الرجل يدخل يده في الإناء وهي قذرة، وأجاب (عليه السلام) بأنّه يكفي الإناء ظاهر في المنع عن استعماله مطلقاً وهي قرينة على عدم كون الحكم في هذه الرواية له خصوصية بل المراد عدم الجواز كذلك ولا ينطبق ذلك إلاّ على حصول الانفعال له بملاقاة الكفّ المتنجّسة كما هو ظاهر.
ثمّ إنّ بعض الأعلام في الشرح بعد الاعتراف بدلالة الأخبار على منجسية المتنجّس ولو مع الواسطة وانّها غير قابلة للمناقشة قال ما ملخّصه: «انّا مع هذا كلّه نحتاج من التشبّث بذيل الإجماع وعدم القول بالفصل لأنّ مورد الاخبار انّما هو الماء وهو الذي لا يفرق فيه بين المتنجّس بلا واسطة والمتنجّس معها، والتعدّي عنه إلى الجوامد لا يتمّ إلاّ بالإجماع وعدم القول بالفصل بين الماء وغيره لأنّا نحتمل
الصفحة 439
أن يكون تأثير المتنجّس في الماء مطلقاً من أجل لطافته وتأثّره بما لا يتأثّر به غيره. ومن هنا اهتمّ الشارع بحفظه ونظافته ومع هذا الاحتمال لا مسوغ للتعدّي عن الماء إلى غيره، على انّ السراية المعتبرة في نجاسة الملاقى أمر ارتكازي ولا إشكال في عدم تحقّقها عند تعدّد الواسطة وكثرتها إلى أن قال: ولولا مخافة الإجماع المدعى والشهرة المحقّقة على تنجيس المتنجس مطلقاً لاقتصرنا في الحكم بتنجيس المتنجس على خصوص الماء أو المايعات».
أقول: البحث معه انّما هو من جهتين فانّه تارة يبحث في انّ الأدلّة الدالّة على تنجيس المتنجّس هل تعمّ ما إذا كان المتنجّس جامداً أو تختص بخصوص الماء أو مطلق المايعات؟ واُخرى في انّ تلك الأدلّة هل تشمل ما إذا كانت الواسطة متكثّرة كما إذا زادت على الاثنتين أم لا؟
امّا من الجهة الاُولى فالظاهر شمول الأدلّة للجامد أيضاً وعدم اختصاصها بالمايعات فضلاً عن الماء الذي هو موردها وذلك لأنّ مثل رواية حريز ـ المتقدّمة ـ التي قد أمر فيها بغسل الإناء الذي شرب منه الكلب ظاهر في عدم الاختصاص لأنّ الإناء الذي أمر بغسله جامد والأمر بغسله إرشاد إلى تنجّس ما يلاقى معه سواء كان الملاقي مائعاً أم جامداً. غاية الأمر انّه في صورة كون الملاقى جامداً لابدّ من أن يكون هناك رطوبة مسرية في البين امّا في الجامد الملاقى وامّا في الإناء الذي وقعت الملاقاة معه فالرواية ظاهرة في عدم الاختصاص بالمتنجّس المايع، ومع فرض كون الملاقي للإناء نوعاً هو المائع نقول: ظاهر كلامه عدم استفادة نجاسة نفس الإناء من الروايات وإن كانت الواسطة هي الماء لأنّ مدّعاه اعتبار الميعان في الملاقي للمتنجس لا في نفس المتنجّس كما يظهر من تعليله بلطافة الماء وتأثّره بما لا يتأثّر به غيره فالإنصاف انّ مثل رواية حريز شاهدة على خلافه مع انّه ما يرد
الصفحة 440
عليه انّه على تقدير الاعتراف بكون مورد الاخبار هو الماء السؤال عن انّه الوجه في التعدّي عنه إلى مطلق المايعات خصوصاً مع عدم كونها في اللطافة والتأثر مثل الماء إلاّ أن يقال بدلالة مثل صحيحة محمّد بن أبي نصر ـ المتقدّمة ـ الدالّة على انّه يكفي الإناء على عدم الاختصاص بالماء لعدم وضوح كون ما في الإناء ماء كما لا يخفى فترك الاستفصال دليل العموم لسائر المائعات.
وامّا من الجهة الثانية فالحقّ معه لأنّ غاية ما يستفاد من الأخبار الواردة في تأثير المتنجّس هو التنجيس في المتنجس مع واسطة واحدة أيضاً لأنّ مثل رواية حريز الدالّة على نجاسة الإناء وتأثيرها في تنجس ملاقيه لا يدلّ على أزيد من ذلك ضرورة انّ الإناء لا يكون إلاّ متنجّساً مع واسطة واحدة والملاقى له وإن كان متنجّساً مع واسطتين إلاّ انّه لم يعلم من الرواية تأثيره في نجاسة ملاقيه أيضاً. فغاية ما هو مدلول الرواية التأثير في المتنجّس مع واسطة واحدة وعليه فلا يعلم وجه عطف الواسطتين على الواسطة الواحدة والحكم بالتنجيس فيهما كالحكم به فيها ويمكن أن يكون مرادهم تعدّد المتنجّس وتكثّره لا تكثر الواسطة. نعم لو كان نجاسة ما في الإناء في مورد رواية حريز مستنداً إلى ملاقاته مع المتنجّس كاليد المتنجّسة لا إلى مثل شرب الكلب الذي هو نجس لتمّت دلالتها على ثبوت الحكم فيما كانت هناك واسطتان أيضاً، لكن المفروض فيها شرب الكلب من الإناء فالماء هو المتنجّس الأوّل كما انّه لو كان مثل صحيحة محمد بن أبي نصر ـ المتقدّمة ـ الدالّ على نجاسة ما في الإناء بإدخال اليد القذرة فيه دالاًّ على لزوم غسل الإناء أيضاً الذي هو إرشاد إلى نجاسة ما يلاقيه لكانت دلالتها عليه أيضاً ظاهرة لكنّها خالية عن الدلالة على لزوم غسل الاناء.
وبالجملة: مورد ما يدلّ على غسل الإناء هو الملاقاة مع عين النجس، وما كان
الصفحة 441
مورده الملاقاة مع المتنجّس يكون خالياً عن الأمر بغسل الإناء إلاّ أن يقال بأنّ ملاحظتهما وضمّ كلّ منهما إلى الآخر يوجب ثبوت الحكم مع تعدّد الواسطة أيضاً بمقتضى الروايات لكن الذي يوهن ذلك انّ ضمّ كلّ منهما إلى الآخر واستفادة ذلك منهما إن كان مع قطع النظر عن الإجماع وعدم القول بالفصل فهو ممنوع وإن كان مع ملاحظتهما فلا حاجة إلى الضمّ أيضاً.
نعم صحيحة العيص بن القاسم المتقدّمة يمكن استفادة تعدّد الواسطة منها بناءً على أن يكون المراد من قوله (عليه السلام) : إن كان من بول أو قذر شاملاً لما إذا كان ما في الطشت غسالة لتطهير المتنجّس بالبول أو القذر أيضاً وان يكون المراد من قوله (عليه السلام): فيغسل ما أصابه وجوب غسل مطلق ما أصابه ولو نفس الطشت ومثله فانّها على هذين التقديرين تدلّ على ثبوت الحكم مع تعدّد الواسطة أيضاً فإنّ ما في الطشت ربّما يكون متنجّساً مع واسطة واحدة والطشت أو مثله المأمور بغسله يكون متنجّساً مع واسطتين كما لا يخفى، ولكن التقديران خصوصاً الأوّل منهما غير ظاهرين فتدبّر.
والحاصل: انّه لا يستفاد من الروايات أزيد من التنجيس فيما إذا كانت الواسطة واحدة والظاهر انّه لا يكون هناك إجماع بعد كون أصل المسألة خلافية فإثبات الحكم مع تعدّد الواسطة سواء كانت اثنتين أو أزيد مشكل ولكن الاحتياط لا ينبغي بل لا يجوز تركه في مثل المقام.
المقام الثالث: في انّه هل يجري على المتنجّس بالمتنجّس جميع الأحكام الخاصّة المترتّبة عليه من لزوم تعدّد الغسل فيما إذا تنجّس بالبول أو لزوم التعفير أوّلاً فيما إذا تنجّس بولوغ الكلب فيه، فكما انّه يجب رعاية التعدّد في المتنجّس بالبول كالثوب مثلاً كذلك تجب رعايته في الثوب الآخر المتنجّس بالملاقاة مع الثوب الأوّل، وكما
|