في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


الصفحة 442

يجب تعفير الإناء الذي ولغ فيه الكلب كذلك يجب تعفير الإناء الثاني الملاقي مع الإناء الأوّل أم لا؟ واحتاط في المتن وجوباً بالجريان خصوصاً فيما إذا صبّ ماء الولوغ في إناء آخر.

والحقّ أن يقال: إنّه تارة يقال بكفاية الغسل مرّة واحدة في مطلق النجاسات وانّ الزائد عنها يحتاج إلى الدليل واُخرى يقال بعدم الاكتفاء به فيه بل اللازم الغسل إلى أن يحصل القطع بالطهارة أو يقوم الدليل على الكفاية.

فعلى الأوّل فالظاهر انّ المتنجّس الثاني لا يلزم فيه رعاية التعدّد لعدم قيام الدليل على اعتباره فيه فإنّ الدليل انّما دلّ على اعتبار التعدّد فيما أصابه البول وهذه الخصوصية لا تتجاوز عن المتنجس الأوّل بداهة انّ المتنجس الثاني لم يصبه البول وانّما أصابه المتنجس بالبول فلا مجال للالتزام به.

وعلى الثاني الذي يبتني على جريان استصحاب النجاسة وبقائها إلى أن يحصل المزيل ـ حقيقة أو تعبّداً ـ فلا مناص من رعاية التعدّد في المتنجّس الثاني والثالث وهكذا أيضاً لعدم حصول القطع بارتفاع النجاسة الحاصلة يقيناً عند الاكتفاء بالمرّة.

والظاهر انّ المبنى الصحيح هو الأوّل، لأنّ أصل النجاسة في أكثر الأعيان النجسة انّما استفيد من الأمر بغسل ملاقيها ومقتضى إطلاقه الاكتفاء بتحقّق مسمّى الغسل وحقيقته الحاصلة بمرّة واحدة ولو كان التعدّد معتبراً لكان عليهم البيان خصوصاً مع ملاحظة عدم اعتبار التعدّد عند العقلاء بوجه.

نعم يمكن أن يقال مع البناء على هذا المبنى : إنّ المستفاد ممّا دلّ على اعتبار التعدّد في البول ونحوه عدم الاختصاص بالمتنجس الملاقى له من دون واسطة بل يسري الحكم إلى المتنجّس مع الواسطة أيضاً لأنّ نجاسته انّما نشأت من البول أيضاً

الصفحة 443

كنجاسة المتنجّس الأوّل، فالدليل يدلّ على اعتبار التعدّد فيه أيضاً، لكنّه يرد على هذا القول انّ تنجّس المتنجّس الثاني لو كان مستفاداً من أصل دليل نجاسة البول لكان لهذا الاستفادة مجال ولكنّه لا يكون كذلك فانّ نجاسة البول انّما اُستفيدت من الأمر بغسل ملاقيه مرّتين ونجاسة المتنجّس الثاني انّما اُستفيدت من دليل آخر مفاده لزوم غسله من دون اعتبار التعدّد ولا ملازمة بينهما في الحكم من هذه الجهة.

وهكذا الكلام بالإضافة إلى التعفير الثابت في ولوغ الكلب فإنّ الدليل الدالّ على اعتبار التعفير انّما دلّ على اعتباره في الإناء الذي ولغ الكلب فيه ولا دلالة له على اعتباره في الإناء الآخر الذي لم يتحقّق فيه ولوغ الكلب. غاية الأمر انّه تنجّس بالملاقاة مع الإناء الأوّل الذي ولغ الكلب فيه بل لو لم يكن في البين دليل على أصل تنجّس الإناء الآخر لم نكن نلتزم بذلك فاللازم ملاحظة ذلك الدليل وهو خال عن اعتبار التعفير.

نعم ربّما يقال فيما إذا ولغ الكلب في إناء وصبّ مائه في إناء آخر من غير أن يصيب الكلب نفسه شيئاً من الإنائين بلزوم تعفير الإناء الثاني أيضاً لاشتراكه مع الإناء الأوّل فيما هو العلّة في تنجيسه وهو شرب الكلب من الماء المظروف مع فرض عدم إصابة نفسه وقد يوجه الاشتراك بأنّ لزوم التعفير انّما نشأ من انتقال بعض المكيروبات المضرّة إلى ما ولغ فيه الكلب وبعد الانتقال لا فرق بين بقائه في الإناء الأوّل أو صبّه ـ بأجمعه أو ببعضه ـ في الإناء الثاني وهكذا.

ولكنّه اُجيب عنه بأنّ العمدة في دليل التعفير هي صحيحة البقباق المتقدّمة الدالّة على انّ الكلب رجس نجس لا تتوضّأ بفضله واصبب ذلك الماء واغسله بالتراب أوّل مرّة ثمّ بالماء، ومرجع الضمير في قوله (عليه السلام) : واغسله، غير مذكور فيها ولكنّه يستفاد من القرينة الخارجية انّ المراد به هو الإناء الذي ولغ الكلب فيه وبقى

الصفحة 444

فيه فضله ويلزم صبّه، ومن المعلوم انّ الإناء الذي ولغ الكلب فيه هو الإناء الأوّل دون الثاني والثالث، وامّا حديث انتقال بعض الميكربات فالظاهر انّ النجاسة ووجوب التعفير لا يدوران مداره وإلاّ لزم الحكم بوجوب تعفير الثوب والبدن وغيرهما ممّا اُفرغ فيه شيء من الماء الذي ولغ الكلب فيه مع انّه لم يقل بذلك أحد لأنّ اعتباره مختصّ بالآنية.

هذا ولكنّه مع ذلك كلّه يشكل الحكم بالفرق بين الإنائين فإنّ منشأ الحكم بالتعفير ـ على ما هو المتفاهم عند العرف ـ هو مجرّد ملاقاة الماء الذي ولغ فيه الكلب مع الإناء المفروض عدم إصابة الكلب نفسه شيئاً من الانائين فالإناء الأوّل لا وجه للزوم تعفيره إلاّ مجرّد الملاقاة مع الماء الكذائي ولا فرق بينه وبين الإناء الثاني من هذه الجهة أصلاً واحتمال مدخلية المظروفية حال الولوغ بعيد عن الأذهان إذ ليس للظرف خصوصية بل الخصوصية انّما هي في المظروف من ناحية الولوغ وشبهه كاللطع باللسان وهذه الخصوصية لا تنعدم مع تبدّل الظرف والاناء بوجه فالأحوط لو لم يكن أقوى رعاية التعفير في هذه الصورة.

الصفحة 445

مسألة 10 ـ ملاقاة ما في الباطن بالنجاسة التي في الباطن لا ينجسه، فالنخامة إذا لاقت الدم في الباطن، وخرجت غير متلطّخة به طاهرة. نعم لو اُدخل شيء من الخارج ولاقى النجاسة في الباطن فالأحوط الاجتناب عنه وإن كان الأقوى عدم لزومه 1.

1 ـ أقول: لهذه المسألة صور أربع:

الاُولى: ما إذا كانت النجاسة والملاقى كلاهما من الباطن كالدم الملاقي لمحلّه، والغائط الملاقي لظرفه، والملاقي في هذه الصورة محكوم بالطهارة بلا إشكال كالنخامة الملاقية للدم في الباطن الخارجة غير المتلطّخة به والنوى الخارج من الإنسان إذا لم يكن معه شيء من الغائط، والوجه في عدم النجاسة قصور الأدلّة الدالّة على نجاسة الملاقي للنجس عن الشمول لهذه الصورة مع إمكان الاستدلال عليه بما دلّ على طهارة البلل الخارج من فرج المرأة كما في رواية ابن أبي محمود مع ملاقاته لمجرى البول والدم والمني، وبما دلّ على طهارة المذي فانّه أيضاً قد لاقى موضع البول والمني، وبما دلّ على وجوب غسل الظاهر في الاستنجاء دون الباطن مع ملاقاته الغائط.

وبالجملة: لا دليل على نجاسة الباطن بوجه لأنّ النجاسة انّما تستفاد من الأمر بغسلها، ولم يرد أمر بغسل الباطن أصلاً فتستكشف طهارته، ولو قلنا بنجاسته ـ فرضاً ـ فلابدّ من الالتزام بطهارته بمجرّد زوال العين.

الثانية: ما إذا كانت النجاسة خارجية والملاقى من الأجزاء الداخلية كما إذا شرب مائعاً متنجّساً فانّه لا محالة يلاقي الفم والحلق وسائر الأجزاء الداخلية والملاقى في هذه الصورة أيضاً محكوم بالطهارة من دون أن يكون هناك فرق في الأجزاء الداخلية بين أن تكون محسوسة كداخل الفم والأنف، وبين أن تكون غير

الصفحة 446

محسوسة.

ووجهه كما عرفت في الصورة الاُولى قصور الأدلّة الدالّة على نجاسة الملاقى عن الشمول لهذه الصورة، ولو قلنا بالنجاسة ـ فرضاً ـ بدعوى إطلاق الأدلّة فلا محيص عن الالتزام بطهارته بمجرّد زوال العين، مضافاً إلى ما رواه عبد الحميد بن أبي الديلم قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : رجل ييشرب الخمر فيبصق فأصاب ثوبي من بصاقه؟ قال: ليس بشي. فإنّ داخل الفم لو كان يتنجس بالخمر لكان بصاق شارب الخمر أيضاً متنجّساً لا محالة.

الثالثة: ما إذا كانت النجاسة باطنية والملاقى خارجياً كما في الأسنان الصناعية الملاقية للدم المتكوّن في الفم أو الابرة النافذة في الجوف كما في التزريقات المتعارفة في زماننا هذا وهذه الصورة على قسمين:

أحدهما: ما إذا كانت النجاسة الداخلية في الجوف بحيث لم تكن قابلة للحسّ بإحدى الحواس كالنجاسة التي لاقيها شيشة الاحتقان أو الابرة ونحوهما.

ثانيهما: ما إذا كانت قبلة للحسّ كالدم المتكوّن في الفم أو في داخل الأنف أو غيره.

امّا القسم الأوّل: فالجسم الخارجي الملاقي له محكوم بالطهارة لأنّه لا دليل على نجاسة الدم في العروق، أو البول والغائط في محلّهما فضلاً عن أن يكون منجساً لملاقيه، وذلك لأنّ الأدلّة الدالّة على نجاسة المذكورات مختصّة بالدم الخارجي والبول والغائط الخارجيين لأنّ النجاسة فيها قد اُستفيدت من الروايات الآمرة بغسل ما أصابه شيء منها، والإصابة بنظر العرف انّما تتحقّق فيما إذا كانت المذكورات محسوسة، وإن شئت قلت: إنّه لا إطلاق لهذه الروايات يشمل هذا النحو من الإصابة ـ على تقدير صدق الإصابة عليه ـ فتدبّر.

الصفحة 447

وقد استدلّ بعض الأعلام على الطهارة في هذا القسم بالأخبار الواردة في طهارة القيء كموثّقة عمّار قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يتقيّأ في ثوبه أيجوز أن يصلّي فيه ولا يغسله؟ قال: لا بأس. ونظيرها روايته الاُخرى. نظراً إلى انّ ملاقاة النجس الداخلي لو كانت موجبة للنجاسة لم يكن وجه للحكم بطهارة القيء لاتّصاله في المعدة بشيء من النجاسات لا محالة.

وأنت خبير بأنّ الاستدلال بها يتمّ لو ثبت اتّحاد محل الغائط مع ما لم يتحلّل من الغذاء أوّلاً والظاهر خلافه، ولم يشترط تساوي سظح النجس مع غيره أو علوّ سطح النجس عليه في انفعاله ثانياً، مع انّ الظاهر أيضاً الاشتراط كما قرّر في محلّه.

وامّا القسم الثاني: وهو ما إذا كانت النجاسة قابلة للحس كالدم المتكوّن في الفم فالظاهر عدم نجاسته أيضاً لحكم العرف بكونه باطنياً وانّ الأدلّة قاصرة عن الدلالة على نجاسته، ومجرّد كونه محسوساً لا يوجب الاتّصاف بها وإلاّ فلابدّ من الالتزام بوجوب الغسل في تطهيره مع انّهم لا يلتزمون به فما أفاده البعض المتقدّم من انّ الملاقى فيه محكوم بالنجاسة لكون ما دلّ على نجاسة ملاقي الدم شاملاً له غير واضح لنا.

الرابعة: ما إذا كانت النجاسة والملاقى كلاهما من الخارج ويكون الباطن ظرف الملاقاة فقط كما إذا ابتلع درهماً وشرب مائعاً متنجساً فتلاقيا في الفم ثمّ أخرج الدرهم نقياً، وفي هذه الصورة لا يمكن الحكم بطهارة الملاقي لشمول الأدلّة الدالّة على وجوب غسل ما أصابه الدم أو غيره من النجاسات للدرهم المذكور بلا إشكال لأنّه جسم خارجي لاقى نجساً خارجياً ومجرّد كون الملاقاة في الباطن لا يوجب الحكم بعدم النجاسة لعدم مدخلية لموضع الملاقاة في حصول الانفعال والتنجس والفرق بين هذه الصورة وبين القسم الأوّل من الصورة الثالثة واضح

الصفحة 448

فانّه في تلك الصورة لا تكون العين النجس أو المتنجّس بها محسوسة أصلاً ومعه لا تتحقّق الإصابة المفروضة في دليل النجاسة، وامّا هذه الصورة التي تكون العين النجس أو المتنجّس فيها محسوسة فالإصابة متحقّقة وإن كان ظرفها انّما هو الباطن فتدبّر.

الصفحة 449

القول فيما يعفى عنه في الصلاة

مسألة 1 ـ ما يعفى عنه من النجاسة في الصلاة اُمور: الأوّل: دم الجروح والقروح في البدن واللباس حتّى تبرء، والأحوط إزالته أو تبديل ثوبه إذا لم يكن مشقّة في ذلك على النوع إلاّ أن يكون حرجاً عليه فلا يجب بمقدار الخروج عنه فالميزان في العفو أحد الأمرين، امّا أن يكون في التطهير والتبديل مشقّة على النوع فلا يجب مطلقاً أو يكون ذلك حرجياً عليه مع عدم المشقّة النوعية فلا يجب بمقدار التخلّص عنه، وكون دم البواسير منها وإن لم تكن قرحة في الخارج، وكذا كلّ قرح أو جرح، باطني خرج دمه إلى الخارج لا يخلو من قوّة 1.

1 ـ العفو في الصلاة عن دم الجروح والقروح في الجملة ممّا لا خلاف فيه ولا إشكال، والخلاف انّما هو فيما اعتبر فيه، ظاهر المحقّق في الشرائع اعتبار قيد المشقّة الظاهرة في المشقّة الفعلية والسيلان فيه والمراد من السيلان أن لا يكون في البين فترة يمكن وقوع الصلاة فيها من دون الدم. وعن كاشف الغطاء نسبته اعتبار كلا القيدين تارة إلى الأكثر واُخرى إلى المشهور . وعن مفتاح الكرامة أيضاً ما يقرب من ذلك قال: «إنّ الظاهر من كلام الأكثر انّ المدار على المشقّة والحرج وكلامهم يعطي لزوم الاستمرار على وجه لا يتيسّر الصلاة بدون الدم فيكون حالهما حال

الصفحة 450

صاحب السلس والمبطون والمستحاضة ودائم النجاسة».

لكن عن ظاهر الصدوق وصريح جملة من المتأخّرين بل أكثرهم عدم اعتبار شيء من القيدين والعفوّ عنه مطلقاً حتّى يتحقّق البرء، وعن جملة من الأصحاب اعتبار أحد القيدين.

وربّما يورد على من اعتبر القيدين معاً بأنّه على هذا التقدير لا تبقى خصوصية للدمين لأنّ كلّ دم بل كل نجاسة يكون معفوّاً عنها مع وجود هذين القيدين مع انّ ظاهرهم ثبوت الخصوصية لهما وان أفرادهما بالذكر لأجل هذه الخصوصية لا بمجرّد متابعة الرواية في التعرّض لهما ومن هنا يحتمل بل يغلب على الظنّ أن لا يكون مرادهم من المشقّة ما هو ظاهرها من المشقّة الفعلية بل المشقّة النوعية كما انّه ربّما يحتمل أن يكون مرادهم بالسيلان ومثله من التعابير المختلفة الواردة في الكلمات هو ما كان له استعداد الجريان لا ما كان جارياً بالفعل.

وكيف كان فالمتبع هي الروايات الواردة في الباب وما يفهم منها فنقول:

منها: رواية أبي بصير قال: دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) وهو يصلّي فقال لي قائدي: إنّ في ثوبه دماً فلمّا انصرف قلت له: إنّ قائدي أخبرني انّ بثوبك دماً، فقال لي: إنّ بي دماً ميل ولست أغسل ثوبي حتّى تبرء. وهذه الرواية مطلقة من جهة القيدين فانّه وإن كان من المحتمل وجود كلا القيدين في الدماميل التي كانت بالإمام (عليه السلام) إلاّ انّ بيان الحكم بصورة الإطلاق وعدم التقييد بشيء منهما ظاهر في عدم مدخليته مع انّ وجود القيد الثاني مظنون العدم لأنّه من المستبعد أن تكون إزالة الدم من الثوب أو تبديله مشقّة مشقّة على الإمام (عليه السلام). وبالجملة فالرواية خالية عن اعتبار شيء من القيدين بل جعلت الغاية فهيا البرء.

ومنها: صحيحة ليث المرادي قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الرجل تكون به

الصفحة 451

الدماميل والقروح فجلده وثيابه مملوّة دماً وقيحاً وثيابه بمنزلة جلده فقال: يصلّي في ثبابه ولا يغسلها ولا شيء عليه. ودلالتها على الإطلاق كالرواية المتقدّمة.

ومنها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن الرجل يخرج به القروح فلا تزال تدمى كيف يصلّي؟ فقال: يصلّي وإن كانت الدماء تسيل. فإنّ المفروض في كلام الراوي وإن كان هو استمرار الادماء إلاّ انّ تعميم الحكم في الجواب بكلمة «ان» الوصلية ينفي اعتباره بل مقتضى الكلمة انّ جواز الصلاة مع عدمالاستمرار يكون أظهر وبنحو أولى مع انّ الظاهر انّه ليس المراد من القيد هو استمراره بنحو لا يكون في البين فترة بمقدار الصلاة أيضاً، بل المتفاهم عند العرف هو تكرّر الخروج وشيوعه في مقابل انقطاعه بالمرّة.

ومنها: موثقة عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن الدمل يكون بالرجل فينفجر وهو في الصلاة، قال: يمسحه ويمسح يده بالحائط أو بالأرض ولا يقطع الصلاة. والأمر بمسحه كذا مسح يده بالحائط أو بالأرض ليس لأجل مدخليتهما في الصلاة بل انّما هو لأجل انّه لا مانع من مسحه ليزول ألمه بخروج القيح والدم مضافاً إلى عدم تلوث الثوب به لأنّه لا داعي إليه كما انّه الوجه في الأمر بمسح اليد فتدبّر.

ومنها: موثقة سماعة بن مهران عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه فلا يغسله حتّى يبرء وينقطع الدمّ.

وقد استشهد بهذه الرواية للقول باعتبار السيلان نظراً إلى توصيف الجرح بالسائل في موضوع القضية الشرطية وإلى عطف انقطاع الدم على البرء الظاهر في كونه من قبيل عطف الخاصّ على العامّ فالمراد بالبرء ـ حينئذ ـ وقوف الدم عن السِّيلان وإمساكه الصادق على الفترات الحاصلة في الأثناء.

والجواب انّ توصيف الجرح بالسائل انّما هو لكون المراد من الرواية نفي وجوب

الصفحة 452

غسل الثوب ومن المعلوم انّه مع عدم السيلان لا يصيب الثوب قهراً فالشرطية مسوقة لبيان الموضوع ولا مفهوم لها ـ حينئذ ـ وإن قلنا بثبوت المفهوم لها في غير هذه الصورة مع انّ جعل الغاية هو البرء الظاهر في انقطاع الدمّ من أصل وعدم جريانه ولو مع فترة ظاهر في عدم مدخلية السيلان وإلاّ لكان المناسب جعل الغاية غير البرء، ومنه يظهر انّ العطف يوجب حمل الانقطاع على الانقطاع الكلّي المساوق للبرء لا الانقطاع الموقّت الصادق مع الفترة أيضاً.

وبالجملة: لا مجال للاستشهاد بظهور الرواية على مدخلية قيد السيلان في العفو كما انّه لا دلالة على ذلك لرواية إسماعيل الجعفي قال: رأيت أبا جعفر (عليه السلام)يصلّي والدم يسيل من ساقه. ضرورة انّها حكاية فعل ولا تنافي الإطلاق بوجه.

ومنها: موثقة سماعة المضمرة قال: سألته عن الرجل به الجرح والقرح فلا يستطيع أن يربطه ولا يغسل دمه قال: يصلّي ولا يغسل ثوبه كل يوم إلاّ مرّة فانّه لا يستطيع أن يغسل ثوبه كلّ ساعة.

ومثلها المضمر المرويّ في مستطرفات السرائر عن البزنطي عن العلاء عن محمد بن مسلم، قال: قال: إنّ صاحب القرحة التي لا يستطيع ربطها ولا حبس دمها يصلّي ولا يغسل ثوبه في اليوم أكثر من مرّة.

وقد استدلّ بقوله (عليه السلام) في مضمرة سماعة: فانّه لا يستطيع أن يغسل ثوبه كلّ ساعة، تارة على اعتبار السّيلان نظراً إلى انّ الغسل كل ساعة انّما يكون مع السيلان وعدم الفترة في البين إذ مع وجودها لا حاجة إلى الغسل كلّ ساعة، واُخرى على اعتبار المشقّة وعدم الاستطاعة لظهوره في كونه علّة للعفو وعدم وجوب الغسل فيدلّ على انّ الملاك هو المشقّة وهي الموجبة للعفو.

والجواب عن الأوّل وضوح عدم كونه بظاهره علّة للحكم ضرورة انّه مع

الصفحة 453

الاستطاعة وعدم ثبوت المشقّة أيضاً لا يجب عليه الغسل كلّ ساعة لعدم وجوب الصلاة التي تكون طهارة الثوب شرطاً لها واجبة في كلّ ساعة فاللازم أن يكون المراد امّا ساعات وجوب الصلاة وامّا حمله على كونه تعبيراً عرفياً كناية عن التكرّر والتعدّد كما هو المتداول في تعبيراتنا العرفية في هذه الأزمنة أيضاً وعلى التقديرين لا دلالة له على اعتبار السيلان المدعى في المقام.

واُجيب عن الثاني تارة ـ كما في شرح بعض الأعلام على العروة ـ بأنّ الإمام (عليه السلام)انّما ذكر ذلك لأجل انّه مفروض السؤال فإنّ سماعة انّما سأله عمّن به جرح أو قرح لا يستطيع أن يغسله ويربطه فكأنّه (عليه السلام) قال: وحيث انّ مفروض المسألة عدم تمكّن الرجل من الغسل فلا يغسله إلاّ مرّة في كلّ يوم لا لأجل اعتباره في العفوّ.

واُخرى ـ كما في المستمسك ـ بأنّ الظاهر من قوله: ولا يغسل دمه انّه معطوف على «يربطه» ويكون التقدير ولا يستطيع أن يغسل دمه ولكنّه ينافيه الأمر بغسل الثوب في كلّ يوم مرّة لامتناع التكلف بغير المستطاع فلابدّ أن يحمل إرادة نفي الاستطاعة على الغسل في كلّ يوم مرّة ويشهد به التعليل بقوله (عليه السلام): فإنّه لا يستطيع الخ. فتدلّ الرواية على العفو عن الدم إذا كان التطهير في مجموع المدّة غير مستطاع وهذا أجنبي عن اعتبار المشقّة في كلامهم حتّى لو حمل نفي الاستطاعة على المشقّة لأنّ المشقّة في تمام المدّة غير ما يظهر من المشقّة في كلامهم التي هي المشقّة في كلّ وقت من أوقات الابتلاء مع قطع النظر عن غيره.

وأنت خبير بأنّ الاستطاعة المنفية في السؤال غير الاستطاعة المنفية في الجواب، فإنّ المراد منها في السؤال هي الاستطاعة على غسل الدم عن محلّه الذي هو البدن وبتعبير آخر هو حبس الدم وقطعه كما وقع التعبير به في رواية محمد بن مسلم والاستطاعة المذكورة في الجواب راجعة إلى استطاعة غسل الثوب وتطهيره

الصفحة 454

عن الدم. ومن المعلوم انّه لا ملازمة بين الاستطاعتين وعليه فلا يبقى مجال لشيء من الجوابين.

والإنصاف ظهور المضمرة ـ بعد حملها التعليل فيها على ما ذكرنا وبعد وضوح كون المراد من الاستطاعة هي الاستطاعة العرفية التي تكون نقيضاً للمشقّة العرفية وبعد عدم كون المفروض في السؤال عدم ثبوت هذه الاستطاعة للرجل وهو يدلّ على كون المراد هي الاستطاعة النوعية لا الشخصية كما لا يخفى ـ في انّ الملاك للعفو هي المشقّة العرفية في غسل الثوب متعدّداً وبالإضافة إلى كلّ صلاة ولا يقدح في الاستدلال بها الإضمار بعد كون منشأه ذكر الإمام (عليه السلام) المروي عنه في أوّل الكتاب ثمّ الإشارة بالضمير إليه في باقي الكتاب ويؤيّده تكثّر مضمراته. نعم هي دالّة على وجوب غسل كلّ يوم مرّة. ومن المعلوم انّ المراد باليوم فيه هو اليوم والليلة ولم يلتزم به الأصحاب وسيأتي البحث فيه.

وممّا ذكرنا ظهر حال صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة المروية في السرائر وانّه لا دلالة لقوله (عليه السلام) : ولا حبس دمها على استمرار السيلان ودوام الجريان فانّ الظاهر انّ المراد منه هو الحبس بنحو الانقطاع الكلّي المساوق للبرء لا حبسه ولو في ساعة أو لحظة ـ مثلاً ـ وقد عرفت انّ عطف الانقطاع على البرء في بعض الروايات عطف تفسير وتوضيح. نعم يبقى الدلالة على وجوب غسل الثوب في كل يوم مرّة ولا مانع من الحمل على الاستحباب لصراحة بعض الروايات المتقدّمة في عدم الوجوب كرواية أبي بصير المشتملة على قوله (عليه السلام) : ولست أغسل ثوبي حتّى تبرء وغيرها ممّا يأبى عن تقييده بالغسل مرّة في كلّ يوم مع انّ ظهورهما في الوجوب في نفسه ضعيف لأنّهما مسوقتان لنفي وجوب الزائد على المرّة لا لإفادة وجوبها كما لا يخفى.

الصفحة 455

وقد انقدح ممّا ذكرنا صحّة ما أفاده الماتن ـ دام ظلّه ـ من انّ الميزان في العفو أحد الأمرين; امّا أن يكون في التطهير والتبديل مشقّة على النوع فلا يجب مطلقاً أو يكون ذ لك حرجياً عليه مع عدم المشقّة النوعية فلا يجب بمقدار التخلّص عنه. فإنّ الأمر الأوّل هو الذي يستفاد من المضمرة بالتقريب الذي ذكرنا والأمر الثاني هو الذي يدلّ عليه دليل نفي الحرج الظاهر في الحرج الشخصي. نعم ظاهر المتن انّ ذلك مقتضى الاحتياط وانّ الفتوى هو كون دم الجروح والقروح معفوّاً عنه مطلقاً حتّى يتحقّق البرء ولعل منشأه إمكان المناقشة في حجّية المضمرة من جهة الإضمار أو استبعاد حمل المطلقات على صورة وجود المشقّة وقد عرفت انّ الاضمار في الرواية لا يقدح في اعتبارها لأنّ منشأه ما ذكرنا والاستبعاد في غير محلّه لما عرفت من انّه مع عدم فرض وجود المشقّة العرفية النوعية في مورد رواية سماعة قد جعله الإمام (عليه السلام) في الجواب علّة للعفو وعدم وجوب غسل الزائد على المرّة فيستفاد من ذلك وجود هذه المشقّة نوعاً وعليه فلا استبعاد في حمل المطلقات على صورة وجودها فالأحوط الوجوبي رعايتها كما لا يخفى.

بقي الكلام في حكم دم البواسير التي هي علّة وقروح باطنية في أطراف المقعدة قد تنفجر وتسيل دمها في مقابل النواسير التي هي قروح خارجية حوالي المقعدة أو غيرها وكذا حكم سائر القروح والجروح الباطنية الخارج دمها إلى الظاهر وقد نفى في المتن خلوّ كونه كسائر القروح والجروح عن القوّة ولكنّه ربّما يشكل بأنّ عموم الحكم للباطني من القروح والجروح غير ظاهر لأنّ إطلاق اللفظين ظاهر في الظاهر والباطن يحتاج إلى التقييد ولا يفهم من قول القائل زيد فيه جرح أو قرح إلاّ الجرح والقرح الظاهران.

ويندفع الإشكال بمنع الظهور في الظاهر ضرورة أنه يصحّ أن يقال للمبتلى بدم

الصفحة 456

البواسير انّ به قرحة من دون تقييد الباطن. نعم لا ملازمة بينه وبين سائر القروح الباطنية كقرح الصدر أو المعدة أو نحوهما لأنّها وإن كان يصدق عليها الفرج حقيقة ولا حاجة فيها إلى التقييد أيضاً إلاّ انّ الظاهر انصراف القرح الوارد في الفتاوى والنصوص عن مثلها لأنّ المتفاهم منه عرفاً هو القرح الذي يصيب دمه الثوب والبدن عادة ومن الواضح عدم ثبوت هذا الوصف فيها فلا مجال لتوهّم شمول الأدلّة لها خصوصاً إذا كان مثل دم الاستحاضة.

ويمكن أن يكون إطلاق المتن أيضاً ناظراً إلى هذه الصورة ولم يكن المراد كل قرح باطني خرج دمه إلى الظاهر حتّى يشمل مثل قرح الصدر والمعدة بل المراد القروح الباطنية التي يخرج دمها إلى الظاهر ويصيب الثوب أو البدن عادة مثل دم البواسير فتدبّر، كما انّه لا تبعد دعوى انّ العفو في القروح والجروح الظاهرية انّما هو بالإضافة إلى الدم الواقع في المحل الذي يصيبه عادة من الثوب والبدن، وامّا إذا أصاب ما يكون أجنبياً بالإضافة إليه كما لو أصاب دم القرحة التي في رجله رأسه أو عمامته فلا يتحقّق العفو بالنسبة إليه.

الصفحة 457

الثاني: الدم في البدن واللباس إن كانت سعته أقلّ من الدرهم البغلي ولم يكن من الدماء الثلاثة: الحيض والنفاس والاستحاضة، ونجس العين والميتة على الأحوط في الاستحاضة وما بعدها وإن كان العفو عمّا بعدها لا يخلو عن وجه، بل الأولى الاجتناب عمّا كان من غير مأكول اللحم، ولما كانت سعة الدرهم البغلي غير معلومة يقتصر على القدر المتيقّن وهو سعة عقد السبابة 1.

1 ـ في هذا الأمر جهات من الكلام:

الاُولى: لا إشكال ولا خلاف في ثبوت العفو عمّا دون الدرهم من الدم، بل عن جمع من الأصحاب دعوى الإجماع بالنسبة إلى الثوب ويأتي البحث في مشاركة البدن للثوب في الجهة الثانية ـ إن شاء الله تعالى ـ كما انّه لا شبهة في عدم ثبوت العفو فيما زاد على الدرهم وانّما الإشكال والخلاف فيما إذا كان بقدره من غير زيادة ولا نقصان وإن كان هذا الفرض نادر التحقّق وإحرازه صعباً فالمستفاد من مثل المتن ممّا علق فيه الحكم بالعفو على ما إذا كانت سعته أقلّ من الدرهم أو ما إذا كان دونه أو مثلهما من التعبيرات عدم ثبوت العفو في المساوي كما ربّما نسب إلى المشهور بل عن الخلاف الإجماع عليه وعن كشف الحقّ نسبته إلى الإمامية.

ولابدّ من ملاحظة الروايات فنقول:

منها: صحيحة عبدالله بن أبي يعفور في حديث قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): الرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثمّ يعلم فينسى أن يغسله فيصلّي ثمّ يذكر بعدما صلّى، أيعيد صلاته؟ قال: يغسله ولا يعيد صلاته إلاّ أن يكون مقدار الدرهم مجتمعاً فيغسله ويعيد الصلاة. ودلالتها على عدم ثبوت العفو في المساوي ظاهرة.

ومنها: مرسلة جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) انّهما قالا: لا بأس أن يصلّي الرجل في الثوب وفيه الدم متفرّقاً شبه

الصفحة 458

النضح وإن كان قد رآه صاحبه قبل ذلك فلا بأس به ما لم يكن مجتمعاً قدر الدرهم. وهي أيضاً تدلّ على ذلك لكنها بالمفهوم.

ومنها: مصحّحة إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال في الدم يكون في الثوب إن كان أقلّ من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة، وإن كان أكثر من قدر الدرهم وكان رآه فلم يغسل حتّى صلّى فليعد صلاته، وإن لم يكن رآه حتّى صلّى فلا يعيد الصلاة.

والاحتمالات الجارية في الرواية ثلاثة:

أحدها: أن تكون مهملة غير متعرّضة لفرض المساوي بلا زيادة ولا نقصان نظراً إلى ندرة تحقّقه وصعوبه إحرازه كما مرّ فلا دلالة لها على حكمه بوجه.

ثانيها: أن تكون متعرّضة لبيان حكمه أيضاً، غاية الأمر بالمفهوم وهو مفهوم الجملة الاُولى الدال على وجوب الإعادة فيما إذا لم يكن أقلّ من قدر الدرهم، وعليه فالجملة الثانية يكون تصريحاً بحكم أحد فردى المفهوم للجملة الاُولى والوجه في التصريح به كون الفرد الظاهر غير نادر التحقّق.

ثالثها: عكس الثاني وهو أن تكون الرواية دالّة على بيان حكم المساوي بمفهوم الجملة الثانية الدالّة على وجوب الإعادة فيما إذا كان أكثر من قدر الدرهم وكان رآه فلم يغسل حتّى صلّى وتكون الجملة الاُولى تصريحاً بحكم أحد فردي المفهوم للجملة الثانية والوجه في التصريح به ما مرّ.

ثمّ انّ الاحتمال الأوّل مخالف لظاهر الرواية حيث إنّها ظاهرة في التعرّض لحكم جميع فروض المسألة والإهمال بالنسبة إلى بعض الفروض ينافي ذلك والاحتمال الثالث بعيد لأنّ التصريح بالمفهوم قبل المنطوق خصوصاً مع كون المفهوم المصرّح به بعض الأفراد لإتمامه خلاف ما هو المتفاهم عند العرف في مثل هذا النحو من التعبيرات وهذا بخلاف التصريح به بعد المنطوق فإنّه أمر شائع، وعليه فالرواية

الصفحة 459

أيضاً تدلّ على عدم العفو في المساوي ولا أقلّ من كون الرواية مجملة محتملة لأحد الاحتمالين الأخيرين من دون أن يكون هناك ترجيح في البين و ـ حينئذ ـ فمثل صحيحة ابن أبي يعفور ـ المتقدّمة ـ تصلح لرفع الإجمال وان تصير قرينة على تعين الاحتمال المطابق لها كما لا يخفى.

ومنها: صحيحة محمد بن مسلم قال: قلت له: الدم يكون في الثوب عليّ وأنا في الصلاة؟ قال: إن رأيته وعليك ثوب غيره فاطرحه وصلِّ في غيره، وإن لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك ولا إعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم وما كان أقلّ من ذلك فليس بشيء رأيته قبل أو لم تره، وإذا كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيّعت غسله وصلّيت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صلّيت فيه.

وعن التهذيب زيادة لفظة «واو» قبل قوله: «ما لم يزد» وإسقاط قوله: «وما كان أقلّ من ذلك» وعليه تكون جملة: «ما لم يزد الخ» جملة مستأنفة خبرها قوله فليس بشيء، وحيث إنّ الشيخ (قدس سره) رواها في «التهذيب» عن كتاب «الكافي» فيدلّ ذلك على انّ النسخة الموجودة عنده منه كانت مطابقة لما في التهذيب فلا مجال للقول بأنّ ما في الكافي أضبط ممّا في غيره.

وكيف كان فالرواية على نقل الشيخ أشبه بكونها صادرة من الإمام (عليه السلام)لخلوّها ـ حينئذ ـ عن التكرار كما لا يخفى ومقتضاها على هذا التقدير ثبوت العفو عن المساوي وان الحكم بوجوب الإعادة انّما هو فيما إذا كان أكثر من الدرهم، كما انّه على التقدير الآخر يكون مقتضاها ذلك لأنّ المشار إليه بقوله: وما كان أقلّ من ذلك ليس هو الدرهم بل الزائد عليه المدلول عليه بقوله ما لم يزد على مقدار الدرهم ومن المعلوم انّ المساوي يكون أقلّ من الزائد عليه فالرواية تدلّ على العفو عنه.

الصفحة 460

نعم لو كان المشار إليه هو نفس الدرهم يتحقّق التعارض بين مفهومه وبين الجملة اللاحقة ويجري فيه ما ذكرناه في الرواية السابقة ومقتضى تقديم الجملة الاُولى عدم ثبوت العفو في المساوي أيضاً.

وحيث إنّ ظهور الرواية في العفو قابل للمناقشة كما عرفت مع عدم خلوّها عن الاضطراب أيضاً من جهة إطلاق الحكم بوجوب طرح الثوب الذي يكون المراد به إزالة الدم لوضوح عدم خصوصية فيه ورواية ابن أبي يعفور المتقدّمة ظاهرة في عدم العفو فلا مجال للأخذ بهذه الرواية بل اللازم الفتوى على طبق تلك الرواية والحكم بلحوق المساوي بالزائد كما هو مقتضى إطلاق أدلّة مانعية الدم.

الجهة الثانية: في عدم اختصاص الحكم بالعفو الذي عرفت بخصوص الثوب بل يجري في البدن أيضاً كما ادّعى عليه الإجماع في كتب متعدّدة ويشمله إطلاق معقد الإجماع في كتب اُخر والاقتصار على الثوب في النصوص وفي جملة من الكتب تبعاً لها ليس لإفادة الانحصار بل لعلّه لأجل كون البدن مستوراً به غالباً وانّه لا يصيب البدن الدم نوعاً غير دم القروح والجروح مع انّ العرف لا يفهم منها الاختاص بوجه، وامّا رواية مثنّى بن عبد السلام عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت له: إنّي حككت جلدي فخرج منه دم فقال: إن اجتمع قدر حمّصة فاغسله وإلاّ فلا.

فهي ظاهرة في عدم نجاسة ما دون الحمصة لأنّ الأمر بالغسل إرشاد إليها ونفي وجوبه إرشاد إلى عدمها وهذا ممّا لم يقل به أحد عدى الصدوق وقد تقدّم نقله وجوابه مع انّ الرواية ضعيفة سنداً لعدم ثبوت وثاقة مثنى وإن كان رواية صفوان والبزنطي عنه في بعض الموارد أمارة على وثاقته كما اعترف به جماعة من أجلاّء هذا الفن كالشيخ الطوسي والوحيد البهبهاني (قدس سرهما) والتحقيق في محلّه.

الجهة الثالثة: في انّ الحكم بالعفو عمّا دون الدرهم من الدم لا يكون مطلقاً

الصفحة 461

شاملاً لجميع الدماء بل هنا دماء خارجة عن هذا الحكم:

منها: دم الحيض والظاهر عدم الخلاف في عدم العفو عنه بل عن جملة من الأصحاب دعوى الإجماع عليه ويدلّ عليه رواية أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) أو أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا تعاد الصلاة من دم لا تبصره غير دم الحيض فانّ قليله وكثيره في الثوب إن رآه أو لم يره سواء. وضعفها مجبور بالعمل كما انّ روايتها مقطوعة وغير مسندة إلى الإمام (عليه السلام) في بعض نسخ التهذيب لا تقدح بعد كونها مروية مسندة في الكافي وفي بعض آخر من نسخه وظهورها في عدم استثناء الأقلّ من الدرهم في دم الحيض لا خفاء فيه لدلالتها على خصوصية لدم الحيض غير موجودة في غيره.

وبعد ملاحظة ما ذكر لا حاجة إلى الاستدلال لعدم العفو في دم الحيض بإطلاق بعض الأخبار الخاصّة الدالّة على وجوب غسل دم الحيض بدعوى انّ النسبة بينها وبين ما دلّ على العفو عمّا دون الدرهم عموم من وجه وبعد التعارض في مورد الاجتماع يرجع إلى أدلّة المانعية، وكذا لا حاجة إلى الاستدلال بعموم ما دلّ على وجوب الاجتناب عن الدم أو مطلق النجس بعد دعوى قصور أدلّة العفو عن الشمول لدم الحيض لأنّ المفروض في موردها هو الرجل الذي لا يصيبه مثل دم الحيض إلاّ نادراً.

مضافاً إلى ضعف كلا الدليلين لأنّ ما يدلّ على وجوب غسل دم الحيض ليس إلاّ مثل ما يدل على وجوب غسل مطلق الدم في انّ مفاده مجرّد النجاسة وهو لا ينافي أدلّة العفو بوجه بل تكون هذه الأدلّة حاكمة عليها كما لا يخفى. كما انّ دعوى قصور أدلّة العفو ممنوعة لظهور كون الرجل مذكوراً فيها بعنوان المثال ضرورة انّه لا تنبغي المناقشة في استفادة حكم النساء من هذه الأدلّة وانّ الدم غير الحيض إذا

<<التالي الفهرس السابق>>