في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>


الصفحة 482

مسألة 4 ـ المتنجّس بالدم ليس كالدم في العفو عنه إذا كان أقلّ من الدرهم، ولكن الدم الأقلّ إذا أزيل عينه يبقى حكمه 1.

1 ـ امّا عدم كون المتنجّس بالدم كالدم كما في المتن، وعن المنتهى والبيان وبعض آخر فلاختصاص الأدلّة بالدم ومن الظاهر انّ المتنجّس بالدم لا يكون دماً. نعم قد يقال كما عن الذكرى والروض والمعالم والمدارك بأنّه كالدم لأنّ الفرع لا يزيد على أصله والمتنجّس بالدم انّما تستند نجاسته إليه فإذا لم يكن المستند إليه مقتضياً للبطلان فكيف يقتضيه المستند إليه ولكن هذه القواعد الاستحسانية خارجة عن الأدلّة التي يرجع إليها في الأحكام التعبّدية فالأقوى ما في المتن.

وامّا الدم الأقلّ الذي اُزيلت عينه فالظاهر ـ كما في المتن وجمع من الكتب ـ بقاء حكمه الذي هو العفو وعدم وجوب الإزالة للصلاة وما يمكن أن يكون وجهاً له أحد اُمور:

الأوّل: استصحاب العفو الثابت حال بقاء العين وعدم زوالها.

وأورد عليه بأنّه من الاستصحاب التعليقي الذي هو عبارة عن انّه لو وقعت الصلاة فيه حال بقاء العين كانت صحيحة جائزة والآن كما كان.

والجواب عدم كونه من الاستصحاب المذكور لأنّ المستصحب هو عدم مانعية الدم بعد زوال عينه فكان الدم في السابق غير مانع والآن كما كان وزوال العين لا يوجب انتفاء الموضوع ويمكن أن يكون المستصحب عدم مانعية الثوب المشتمل على الدم من الصلاة فيه وانّه الآن كما كان، ومن الظاهر انّ ثبوت المانعية وعدمها لا يتوقّف على تحقّق الصلاة ووجودها كيف والمانع يمنع عن تحقّقها فكيف يتوقّف على وجودها. نعم يمكن أن يقال: إنّ المانعية وعدمها وصفان للدم لا للثوب ومن المعلوم انّ الدم بعد زوال عينه لا يكون باقياً عرفاً وبقاء الموضوع المعتبر في الاستصحاب

الصفحة 483

لابدّ وأن يكون متحقّقاً بنظر العرف وعليه فلا يبقى مجال لغير الاستصحاب التعليقي فتدبّر.

الثاني: الأولوية القطعية عند العرف نظراً إلى انّه لا يكاد يشكّ في انّ الدم مع بقاء عينه إذا لم يكن مانعاً عن الصلاة فبعد زواله لا يكون مانعاً بطريق أولى لوضوح انّ أدلّة العفو لا دلالة لها عرفاً على شرطية وجود الدم في الحكم بصحّة الصلاة فانّها وردت تخصيصاً في أدلّة المانعية فتدلّ على عدم مانعية الدم الأقل لا على شرطية وجوده فإذاً فالأولوية القطعية ثابتة.

ويمكن الإيراد عليه بعدم وضوح الأولوية بعدما عرفت في المتنجّس بالدم من انّه لا سبيل في الأحكام التعبّدية إلى غير ما هو المتفاهم من ظواهر الأدلّة والمفروض في المقام انّ الدم قبل زوال العين كان دماً معفواً عنه لكونه أقلّ من مقدار الدرهم على ما هو المفروض والآن ليس في البين دم بل متنجّس بالدم ومجرّد ثبوت الدم في السابق لا يوجب الفرق.

وبعبارة اُخرى الفرق بين المقام وبين الفرض السابق وهو المتنجّس بالدم ليس إلاّ في مجرّد وجود الدم في السابق هنا دونه وهل هذا يصير فارقاً بين الفرضين وموجباً للحكم بالعفو هنا دونه ومن الظاهر انّ مرجع الفرق إلى مدخلية وجود الدم في السابق في الحكم بالعفو ولا يمكن الالتزام به.

الثالث: إطلاق بعض أدلّة العفو الشامل لما إذا زالت العين أيضاً فانّها على قسمين لأنّ منها ما فرض انّ الثوب مشتمل على وجود الدم حال الصلاة وهذا القسم خارج عن مورد الاستدلال.

ومنها: ما فرض اشتمال الثوب على الدم في مدّة قبل الصلاة حتّى انّه نسيه فصلّى كما في صحيحة ابن أبي يعفور «عن الرجل يكون في ثوبه نقط الدم فينسى أن

الصفحة 484

يغسله فيصلّي...» فإنّه قد فرض في مورد السؤال وجود النقط في الثوب قبل الصلاة ولم يستفصل الإمام (عليه السلام) في الجواب بين بقاء العين حال الصلاة وعدمه وترك الاستفصال دليل العموم على انّ مقتضى الطبع زوال العين باستمرار الزمان ولو ببعضها بل ظاهر الصحيحة زوالها بأجمعها لظهورها في انّ النقط انّما كانت في ثوبه بمدّة قبل الصلاة حتّى نسيها.

وهذا الوجه يمكن الاعتماد عليه وإن أمكن أن يقال إنّ ظاهر الصحيحة وجود النقط من دون زوال العين خصوصاً إذا كان الضمير في قوله «يغسله» أو «فيغسله» راجعاً إلى نقط الدم لا إلى الثوب الذي يكون النقط موجوداً فيه وخصوصاً مع استثناء صورة كون المقدار درهماً مجتمعاً فانّ احتمال شمول صورة بقاء اللون وملاحظته في التقدير دون بقاء العين في غاية البعد ومع ذلك فيقوى في النظر عدم كون زوال العين مغيّراً للحكم وإن كان الاحتياط لا ينبغي أن يُترك.

الصفحة 485

الثالث: كلّ ما لا تتمّ الصلاة فيه منفرداً كالتكة والجورب ونحوهما فانّه معفو عنه لو كان متنجساً ولو بنجاسة من غير مأكول اللحم، نعم لا يعفى عمّا كان متّخذاً من النجس كجزء ميتة أو شعر كلب أو خنزير أو كافر 1.

1 ـ العفو في الصلاة عمّا لا تتمّ فيه الصلاة منفرداً في الجملة ممّا لا خلاف فيه بل ادّعى عليه الاجماع ـ صريحاً وظاهراً ـ في كلمات غير واحد من الأصحاب ويدلّ عليه النصوص المستفيضة وقد تعرّضنا لأصل المسألة في كتاب الصلاة في شرح المسألة الثامنة من مسائل الستر والساتر فراجع، والذي ينبغي التعرّض له هنا عدم ثبوت العفو فيما إذا كان متّخذاً من الميتة أو من نجس العين كالكلب والخنزير.

امّا إذا كان متّخذاً من الميتة فلأنّ مورد النصوص الدالّة على العفو هو المتنجّس دون النجس وذلك مثل موثقة زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) قال: كلّ ما كان لا تجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس بأن يكون عليه الشيء مثل القلنسوة والتكة والجورب. وروايته الاُخرى قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إنّ قلنسوتي وقعت في بول فأخذتها فوضعتها على رأسي ثمّ صلّيت، فقال: لا بأس. فإنّ عدم شمولهما لما إذا كان ما لاتتمّ متّخذاً من النجس بالذات واضح ولا دليل على التعدّي. هذا مضافاً إلى الروايات الواردة في المنع عن الصلاة في الخفّ إذا كان من الميتة، وفي السيف إذا كان فيه الميتة، وقد ورد في صحيحة ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الميتة قال: لا تصلِّ في شيء منه ولا شسع.

نعم في مقابل ما ذكر روايتان:

إحداهما: رواية الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: كلّ ما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه مثل التكة الابريسم والقلنسوة والخف والزنار يكون في السراويل ويصلّى فيه. لظهورها في انّ الاتصاف بعدم جواز الصلاة فيه وحده

الصفحة 486

يوجب رفع المانعية مطلقاً سواء كانت لأجل كونه متّخذاً من الحرير والابريسم أو كانت لأجل كونه مأخوذاً من الميتة كما هو مقتضى إطلاق نفي البأس عن الصلاة في الخف أو لأجل عروض النجاسة وحصول التنجّس أو لغيرها من الجهات.

ثانيتهما: موثقة إسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن لباس الجلود والخفاف والنعال والصلاة فيها إذا لم تكن من أرض المصلّين. فقال: امّا النعال والخفاف فلا بأس بهما. فإنّ ترك الاستفصال بين ما إذا كانت النعال والخفاف نجسة بالعرض وبين ما إذا كانت نجسة بالذات دليل العموم بل الظاهر وورود الرواية سؤالاً وجواباً في خصوص الثاني لأنّ تخصيص مورد السؤال بما يكون من جنس الجلد وتقييده بما إذا لم يكن من أرض المصلّين ظاهر في كون محطّ السؤال حيثية النجاسة الذاتية المحتملة الثابتة لأجل كونها ميتة فالتفصيل في الجواب بين اللباس وبين النعال والخفاف اللذين لا تتمّ الصلاة فيهمامنفرداً دليل على ان ما لا تتمّ إذا كانت ميتة أيضاً لا مانع من الصلاة فيه واحتمال شمول السؤال للنجاسة العرضية من جهة انّ عملها في أرض الكفّار التي هي مقابل أرض المصلّين الظاهرة في أرض المسلمين يلازم غالباً نجاستها عرضاً لأجل الملاقاة مع أيديهم ومع الآلات الملاقية لها في غاية البعد.

لكن عرفت انّ في مقابلهما صحيحة ابن أبي عمير المتقدّمة الظاهرة في عدم جواز الصلاة في جزء من أجزاء الميتة بوجه وكذا تخالفهما صحيحة محمّد ابن أبي نصر عن الرضا (عليه السلام) قال: سألته عن الخفاف يأتي السوق فيشتري الخف، لا يدري أذكيّ هو أم لا، ما تقول في الصلاة فيه وهو لا يدري، أيُصلّي فيه؟ قال: نعم أنا أشتري الخفّ من السوق ويصنع لي واُصلّي فيه وليس عليكم المسألة. حيث تدلّ على انّ الوجه في جواز الصلاة في الخف المشكوك هو اشترائه من سوق المسلمين

الصفحة 487

الذي هو امارة على التذكية وعلى عدم وجوب السؤال وانّه لو سأل فظهر كونه غير مذكّى لا تجوز الصلاة فيه. ومن الواضح انّه لو كان الخف من الميتة ممّا تجوز الصلاة فيه لأجل كونه ممّا لا تتمّ لما كان لذلك وجه أصلاً فلا فرق بين الاشتراء من سوق المسلمين وبين غيره وكذا بين المسألة وعدمها كما لا يخفى فقد تحقّق التعارض في بادئ النظر بين هاتين الصحيحتين وبين الروايتين المتقدّمتين ولكنّه عند التأمّل يظهر انّه لا معارضة في البين وذلك لأنّ رواية الحلبي دلالتها على الجواز انّما تكون بالإطلاق ومقتضى قاعدة حمل المطلق على المقيّد أن يقيّد بالمتنجّس ويحمل على خصوصه هذا مع انّه ربّما يناقش في سندها أيضاً باعتبار اشتماله على أحمد بن هلال المرمي بالغلوّ تارة وبالنصب اُخرى.

وامّا الموثقة فربّما يقال ـ كما مرّت الإشارة إليه ـ بأنّ دلالتها على الجواز انّما هي بالإطلاق ولكن قد عرفت ظهورها في خصوص بيان حكم الميتة المحتملة بل ربّما يقال بصراحتها في ذلك نظراً إلى انّ مقتضى الجواب التفصيل بين النعال والخفاف وبين لباس الجلود بالترخيص فيهما دونها ولو كان النظر إلى النجاسة العرضية أيضاً لما كان وجه لهذا التفصيل لأنّه مع الشكّ في النجاسة الذي هو مفروض السؤال يجوز الصلاة في جميع فروض السؤال لجريان قاعدة الطهارة فيها جميعاً فالتفصيل أوضح قرينة على انّ السؤال انّما كان من جهة الشكّ في التذكية الموجب للحكم بعدمها ما لم يكن هناك أمارة عليها كما لا يخفى ومع ذلك فكيف يمكن حمل الموثقة على النجاسة العرضية.

وقد يقال ـ والقائل بعض الأعلام ـ باختلاف مورد الموثقة مع مورد صحيحة البزنطي لأنّ الموثقة انّما سيقت بظاهرها لبيان جواز الصلاة فيما شكّ في تذكيته إذا لم تتمّ فيه الصلاة فلا تنافي عدم جوازها فيما اُحرز انّه ميتة وغير مذكّى لأنّ غير

الصفحة 488

المذكّى وإن كان بهذا العنوان مأخوذاً في موضوع الحكم بعدم جواز الصلاة فيه إلاّ انّ ذلك فيما تتمّ فيه الصلاة ومع الشكّ في التذكية يجري استصحاب عدمها ويحكم ببطلان الصلاة فيه، وامّا ما لا تتمّ فلم يؤخذ في موضوع الحكم بعدم جواز الصلاة فيه إلاّ كونه ميتة الذي هو عنوان وجودي ومع الشكّ فلا مانع من الحكم بصحّة الصلاة فيه كما هو مفاد الموثقة لأنّ استصحاب عدم التذكية لا يثبت به عنوان الميتة وإن كان مصداقهما حقيقة شيئاً واحداً.

ويرد عليه ما عرفت من ظهور صحيحة البزنطي في كون الامارة على التذكية وهو الاشتراء من السوق الظاهر في سوق المسلمين موجبة لجواز الصلاة فيما شكّ في تذكيته مع انّه ممّا لا تتمّ فيه الصلاة فلو كان المأخوذ في الموضوع فيه عنوان الميتة لكان مجرّد الشكّ كافياً في الحكم بالجواز من دون حاجة إلى وجود الامارة على التذكية، إلاّ أن يقال: إنّ ذكر السوق في السؤال والجواب مع عدم ظهوره في خصوص سوق المسلمين انّما هو لإفادة منشأ الشكّ في التذكية وإن عدم العلم بها انّما هو لأجل اشتراء الخفّ من السوق وطبعه يقتضي الجهل بحاله.

ويؤيّد هذا القول انّ الروايات الواردة في مشكوك التذكية ممّا لا تتمّ ليس في شيء منها تقييد السوق بالمسلمين بلى في بعضها جعل الغاية لعدم الجواز العلم بكونه ميتة ولا بأس بنقل جملة منها فنقول:

منها: صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الخفاف التي تباع في السوق فقال: اشتر وصلِّ فيها حتّى تعلم انّه ميتة بعينه.

ومنها: رواية الحسن بن الجهم قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام) : اعترض السوق فأشتري خفّاً لا أدري أذكي هو أم لا؟ قال: صلِّ فيه، قلت: فالنعل، قال: مثل ذلك، قلت: إنّي اُضيق من هذا، قال: أترغب عمّا كان أبو الحسن يفعله.

الصفحة 489

ومنها: رواية علي بن أبي حمزة انّ رجلاً سأل أبا عبدالله (عليه السلام) وأنا عنده عن الرجل يتقلّد السيف ويصلّي فيه؟ فقال: نعم، فقال الرجل إنّ فيه الكيمخت؟ قال: وما الكيمخت؟ قال: جلود دواب منه ما يكون ذكياً ومنه ما يكون ميتة، فقال: ما علمت انّه ميتة فلا تصلِّ فيه.

ومنها: رواية سماعة بن مهران انّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن تقليد السيف في الصلاة وفيه الفراء والكيمخت فقال: لا بأس ما لم تعلم انّه ميتة. وهذا بخلاف الروايات الواردة فيما تتمّ الظاهرة في عدم الجواز مع الشكّ في التذكية.

وبذلك يظهر الفرق بين ما تتمّ وما لا تتمّ من هذه الجهة وانّه يعتبر في جواز الصلاة في الأوّل مع الشكّ في التذكية إحرازها ولو بالأمارة الشرعية ولا يعتبر في جواز الصلاة في الثاني إلاّ عدم العلم بكونها ميتة والشكّ في التذكية لا يمنع عن الصحّة بوجه.

وقد انقدح ممّا ذكرنا انّ دلالة الموثقة على الجواز مع الشكّ لا تلازم الدلالة عليه مع العلم بكونه ميتة فما لا تتمّ إذا علم بكونه كذلك لا تجوز الصلاة فيه.

ثمّ إنّه على تقدير ثبوت التعارض بين الموثقة والصحيحة وعدم إمكان ا لجمع بما ذكر تصل النوبة بعد التساقط إلى عموم ما دلَّ على المنع عن الصلاة في النجس وتصير النتيجة موافقة لما في المتن أيضاً، هذا كلّه بالإضافة إلى الميتة.

وامّا بالإضافة إلى نجس العين فقد قال في «المستمسك» بعد بيان حكم الميتة: «ومن هذا يظهر لك وضوح استثناء ما كان من نجس العين فانّه مع انّه ميتة لعدم قبول نجس العين للتذكية انّه نجس أيضاً قبل الموت فأولى بالمانعية».

وأورد عليه بعدم اختصاص الكلام باجزاء الميتة بل البحث فيما يعمّ الميتة وغيرها كما إذا صنع قلنسوة من شعر الكلب وهو حي أو من شعر خنزير أو مشرك

الصفحة 490

كذلك فانّه من أجزاء نجس العين وليس من الميتة في شيء لأنّه من الحي بل لو فرض موت الحيوان لا يؤثر ذلك في مثل الشعر من الأجزاء التي لا تحلّها الحياة فكونه مانعاً عن الصلاة انّما هو لكونه ممّا لا يؤكل لحمه ومن النجاسات الذاتية لا لأجل كونه ميتة كما هو ظاهر.

فالدليل على عدم العفو ـ حينئذ ـ هو قصور دليل العفو عمّا لا تتمّ من الشمول لأجزاء نجس العين لأنّ عمدته هي موثقة زرارة المتقدّمة الظاهرة في النجاسة العرضية وقد عرفت المناقشة في سند رواية الحلبي مع انّه على تقدير تمامية السند تكون دلالتها على العفو بالإطلاق ولا محيص عن تقييده لأنّ الحيوانات النجسة بالذات من مصاديق ما لا يؤكل لحمه وهذا العنوان بنفسه جهة مستقلّة في المانعية ولا فرق فيها بين ما تتمّ وما لا تتمّ أصلاً كما يدلّ عليه موثقة ابن بكير المعروفة التي هي عمدة الدليل في ذلك الباب وقد وقع فيها التصريح بالبطلان إذا وقعت الصلاة في شيء من أجزائه ولو كان مثل الروث والبول والبصاق وعبّر فيها بكلمة «كلّ» الظاهرة في العموم والشمول لجميع الأجزاء، وعليه فالموثقة تدلّ بالعموم ورواية الحلبي تدلّ بالإطلاق ولو قيل بأنّ التعبير فيها أيضاً بكلمة «كلّ» ظاهر في العموم فالتعارض بين العامين ـ حينئذ ـ نقول بعد حصول التعارض والتساقط يرجع إلى عموم ما دلّ على المنع عن الصلاة في النجس الذي كان دليل العفو على فرض تماميته مخصصاً له فتصير النتيجة أيضاً عدم ثبوت العفو في أجزاء نجس العين.

ثمّ إنّه لا منافاة بين ما ذكرنا من استفادة البطلان من جهة غير المأكولية وبين ما أفاده الماتن ـ دام ظلّه ـ من التصريح بعموم العفو ولو كان متنجّساً بنجاسة غير المأكول لأنّ صيرورة غير المأكول سبباً لحصول النجاسة العرضية لما لا تتمّ لا يستلزم وجود جزء منه فيه ودليل مانعية غير المأكول انّما يكون ناظراً إلى مانعية

الصفحة 491

نفس الأجزاء ولا دلالة لها على المنع فيها لو تأثّر شيء آخر بسبب الملاقاة مع الأجزاء كما لا يخفى.

الصفحة 492

الرابع: ما صار من البواطن والتوابع كالميتة التي أكلها والخمر التي شربها، والدم النجس الذي أدخله تحت جلده، والخيط النجس الذي خاط به جلده فإنّ ذلك معفو عنه في الصلاة، وامّا حمل النجس فيها فالأحوط الاجتناب عنه خصوصاً الميتة وكذا المحمول المتنجّس الذي تتمّ فيه الصلاة، وامّا ما لا تتمّ فيه الصلاة مثل السكين والدراهم فالأقوى جواز الصلاة معه 1.

1 ـ والوجه في صحّة الصلاة في مثل الميتة والخمر والدم المذكورات في المتن انّها بعد الدخول في الجوف أو تحت الجلد وإن كان يصدق عليها عنوان المحمول بالنظر الدقيق إلاّ انّه لا يكون عند العرف معدوداً من المحمول ولا يتحقّق عنوان الصلاة في النجس أو معه عندهم بوجه لصيرورتها تابعة للبدن وعليه فلا يبقى مجال لاحتمال كونها من المحمول المتنجّس فيترتّب عليه حكمه من البطلان على تقدير القول به فيه فيلزم عليه القيء والإخراج ليتمكّن من الصلاة كما حكى نظره عن بعض الفقهاء فيما إذا أكل الإنسان مالاً مغصوباً حيث أوجب عليه القيء والإخراج لأنّ كونه في بطنه تصرّف في مال الغير واستيلاء عليه وهو حرام فيجب عليه الإخراج مقدّمة للردّ إلى المالك.

ولكن الظاهر كما عرفت عدم كونه معدوداً من المحمول في المقام لصيرورته تابعاً للبدن كما انّه في مثال الغصب يتحقّق التلف عرفاً ومع التلف لا معنى للتصرّف فيه حتّى يحكم بحرمته ووجوب ردّه إلى مالكه فلا مجال لوجوب القيء والإخراج. نعم ورد في هذا المورد رواية ربّما يستفاد منها ذلك والتحقيق في صلاحية الرواية للاستناد وعدمها في محلّه.

وامّا الخيط النجس فإن خاط به الثوب فلا إشكال في انّه يصير جزء من اللباس لأنّ من أجزائه الخيط وعليه فلا وجه للعفو عن نجاسته وإن خاط به الجلد فقد

الصفحة 493

حكم في المتن تبعاً للجواهر بعدم كونه من المحمول وبثبوت العفو فيه ولكن صرّح السيّد في «العروة» بكونه يعدّ من المحمول.

ويؤيّده انّه لا فرق ظاهراً بينه وبين العظم النجس الذي جبر به مع انّه لا خلاف ظاهراً كما عن المبسوط في عدم العفو عنه بل عن الذكرى والدروس الإجماع عليه. نعم لو اكتسى العظم المزبور اللحم فهو معفوّ عنه كما حكى عن بعض الكتب.

ويمكن الاستشهاد لما في المتن بأنّ الخيط بعد خياطة الجلد به يصير عرفاً تابعاً للبدن فإنّ البدن وإن لم يكن مركّباً من مثل الخيط بل له أجزاء خاصّة إلاّ انّه بعد خياطة جلده بالخيط يصير الخيط جزءً له عرفاً. وإن شئت قلت: إنّه لا يتحقّق عند العرف الصلاة في النجس أو معه في هذه الصورة فتدبّر.

وامّا المحمول ففيه فروض ثلاثة:

الأوّل: المحمول النجس وقد احتاط فيه وجوباً في المتن بالاجتناب خصوصاً إذا كان النجس من أجزاء الميتة أو نفسها وعن جماعة من أعلام الفقهاء(رض) المنع وقد استدلّ له بعدّة أخبار:

منها: صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يمرّ بالمكان فيه العذرة فتهب الريح فتسفى عليه من العذرة فيصيب ثوبه ورأسه يصلّي فيه قبل أن يغسله؟ قال: نعم ينفضه ويصلّي فلا بأس. نظراً إلى دلالتها على المنع عن الصلاة مع حمل أجزاء العذرة في الثوب إلاّ أن ينفضه.

وأورد عليه بأنّ الرواية أجنبية عمّا نحن فيه لأنّ الكلام في حمل العين النجسة في الصلاة لا في الصلاة في النجس ومورد الرواية هو الثاني لأنّ العذرة إذا وقعت على الثوب سواء نفذت في سطحه الداخل أم لم تنفذ فيه يعدّ جزء من الثوب ومعه تصدق الصلاة في النجس كما إذا كان متنجساً.

الصفحة 494

ويدفعه ـ مضافاً إلى صدق الصلاة في النجس إذا كان المحمول نجساً أيضاً كما يأتي ـ انّ الظاهر كون العذرة في مورد السؤال يابسة غير ملتصقة بالثوب أو اللباس على نحو تعدّ جزء لهما لأنّ كلمة «النفض» ظاهرة في انّه بالتحريك تزول مع انّها لو كانت رطبة لا تزول بجميع أجزائها بالنفض مع انّ هبوب الريح الموجب للإصابة انّما يكون في العذرة اليابسة دون الرطبة فتدبّر. وعليه فالرواية واردة في مورد المحمول.

ومنها: صحيحة عبدالله بن جعفر الحميري قال: كتبت إليه ـ يعني أبا محمّد (عليه السلام) ـ يجوز للرجل أن يصلّي ومعه فأرة المسك؟ فكتب: لا بأس به إذا كان ذكياً. بدعوى انّ ظاهرها رجوع الضمير إلى الفأرة لا إلى المسك لأنّها مورد السؤال فتدلّ بمفهومها على انّ الفأرة إذا لم تكن ذكية ففي الصلاة معها بأس.

وأورد عليه مضافاً إلى انّ ظاهرها اعتبار ذكاة المسك لا ذكاة الفأرة في مقابل المأخوذة من الضبي الميت بأنّه أخصّ من المدعى لاقتضائها عدم جواز حمل الميتة أو غير المذكى في الصلاة ولا يستفاد منها عدم جواز حمل مطلق العين النجسة.

ومنها: ما رواه الصدوق باسناده عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: سألته عن الرجل يصلّي ومعه دبة من جلد الحمار أو بغل؟ قال: لا يصلح أن يصلّي وهي معه إلاّ أن يتخوّف عليها ذهابها فلا بأس أن يصلّي وهي معه. الحديث. ورواه الحميري في قرب الإسناد عن علي بن جعفر مثله. ولكن رواه الشيخ (قدس سره) عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) في حديث قال: وسألته عن الرجل صلّى ومعه دبة من جلد حمار وعليه نعل من جلد حمار هل تجزيه صلاته أو عليه إعادة؟ قال: لا يصلح له أن يصلّي وهي معه إلاّ أن يتخوّف عليها ذهاباً فلا بأس أن يصلّي وهي معه.

الصفحة 495

وقد استدلّ بها على عدم جواز الصلاة مع الدبة المتّخذة من الميتة مع انّ الرواية ـ بطرقها الثلاثة ـ خالية عن التقيد بالميتة. نعم وردت في طهارة الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره) مشتملة على كلمة «ميت» بعد لفظة «حمار» من دون ذكر الراوي والمروي عنه ولكنّه محمول على الاشتباه.

نعم يمكن دعوى ظهور نفس السؤال في انّ مورده هو جلد الحمار الميّت لأنّ الحمار المذكّى لا شبهة في جواز الصلاة في أجزائه بعد كونه غير محرم الأكل فلا مجال للسؤال عنه فلابدّ من حمل السؤال على الميّت ولكنّها مدفوعة بأنّه يمكن أن يكون الوجه فيه ما اشتهر في تلك الأزمنة من نجاسة أبوال الحمير والبغال وحرمة لحمهما كما التزم بذلك معظم العامّة. ومن المعلوم انّ حرمة اللحم تمنع عن الصلاة في أجزائه مطلقاً.

هذا مضافاً إلى انّ ظهور كلمة «لا يصلح» في البطلان والفساد ممنوع بل هي ظاهرة في الكراهة وعلى تقدير التسليم فغاية مفادها عدم جواز حمل الميتة في الصلاة لا مطلق النجس كما هو المدعى.

هذا والعمدة في دليل المنع انّ المستفاد من الأخبار الواردة في موارد مختلفة انّ الصلاة في النجس غير جائزة ويؤيّده رواية موسى بن اكيل عن أبي عبدالله (عليه السلام)في الحديد انّه حلية أهل النار إلى أن قال: لا تجوز الصلاة في شيء من الحديد فانّه نجس ممسوخ. فانّ النهي عن ذلك وإن كان محمولاً على الكراهة لجواز الصلاة في الحديد واختصاص المنع بما كان نجساً بالفعل إلاّ انّ تعليلها المنع بانّه نجس يدلّ على انّ عدم جواز الصلاة في النجس كبرى كلّية لا تختص بمورد دون مورد وكذا رواية خيران الخادم قال: كتبت إلى الرجل (عليه السلام) أسأله عن الثوب يصيبه الخمر ولحم الخنزير أيصلّى فيه أم لا؟ فإنّ أصحابنا قد اختلفوا فيه فقال بعضهم صلِّ فيه فإنّ

الصفحة 496

الله انّما حرّم شربها وقال بعضهم لا تصلِّ فيه، فكتب (عليه السلام) : لا تصلِّ فيه فانّه رجس. الحديث.

نعم ربّما يقال ـ والقائل بعض الأعلام ـ بأنّ الصلاة في النجس لا معنى له بظاهره لأنّ الصلاة نظير الأكل والشرب فعل من أفعال المكلّفين وللأفعال ظرفان ظرف زمان وظرف مكان وليست النجاسة شيئاً منهما فاسناد الظرفية إلى النجس في أمثال المقام غير صحيح على وجه الحقيقة. نعم لا بأس باسنادها إليه على وجه العناية والمجاز فيما إذا كان الفاعل لابساً للنجس بأن يكون الفاعل مظروفاً والنجس ظرفاً له، وامّا إذا لم يكن النجس ظرفاً للمصلّي وإنّما كان موجوداً عنده ومعه كما إذا كان في جيبه فاسناد الظرفية إلى النجس ليس بحقيقي ولا مجازي. نعم قد ورد في بعض الأخبار جواز الصلاة في السيف ما لم ترَ فيه دم كما انّه قد ورد في موثقة ابن بكير المعروفة: إنّ الصلاة في وبر كلّ شيء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكلّ شيء منه فاسدة، مع انّ السيف والبول والروث والألبان اُمور مقارنة للصلاة لا انّها ظرف لها ولا للفاعل ولا مناص في مثله من رفع اليد عن ظهور كلمة «في» في الظرفية وحملها على معنى «مع» والمقارنة وهذا لأجل قيام القرينة وهي عدم إمكان إبقائها على ظاهرها، وامّا مع عدم قيامها كما في المقام فلا مقتضى لرفع اليد عن ظهور لفظة «في» في الظرفية ولازمها عدم الانطباق على ما إذا كان المحمول نجساً لعدم تحقّق الظرفية للنجس ـ حينئذ ـ أصلاً.

ويرد عليه ـ مضافاً إلى وضوح تحقّق الظرفية بنظر العرف مع الحمل أيضاً وظهور عدم كون الروايتين محمولتين على خلاف ظاهرهما الذي هي الظرفية ـ التعبير بكلمة «في» في المحمول أيضاً في بعض الروايات وهي مرسلة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه قال: كلّ ما كان على الإنسان أو معه ممّا لا تجوز الصلاة

الصفحة 497

فيه وحده فلا بأس أن يصلّي فيه وإن كان فيه قذر مثل القلنسوة والتكة والكمرة والنعل والخفّين وما أشبه ذلك. فانّه مع كون المفروض في الموضوع هو كلّ ما كان على الإنسان أو معه ومن المعلوم شمول كلمة «مع» للمحمول بل اختصاصها به قد حكم بعدم البأس عن الصلاة فيه بصورة الظرفية فهي تدلّ على انّ دائرة الظرفية عامّة شاملة للمحمول وعليه فلا قصور في أدلّة المنع عن الصلاة في النجس للشمول للمحمول كما لا يخفى.

نعم يمكن أن يقال: بأنّ مرسلة ابن سنان يظهر منها جواز حمل النجس لأنّ قوله: وإن كان فيه قذر ظاهر في وجود عين النجاسة فمقتضى الرواية جواز حمل القذر، ولكن التخيص بما لا تتمّ يظهر منه انّ المراد هو المتنجّس لا عين النجاسة فالأحوط لو لم يكن أقوى الاجتناب عن حمل النجس في الصلاة.

الفرض الثاني المحمول المتنجّس الذي تتمّ فيه الصلاة مقتضى ما ذكرنا من صدق الصلاة في النجس على المحمول أيضاً المنع كما نسب إلى ظاهر الأكثر مع انّ مقتضى مفهوم المرسلة المتقدّمة انّه إذا كان ما مع المصلّي ما تتمّ فيه الصلاة ففيه بأس إذا كان فيه قذر كما انّه ربّما يقال ـ والقائل سيّدنا الاستاذ البروجردي (قدس سره)ـ انّه يستفاد من إضافة الطهارة إلى المصلّي كما في قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة المعروفة في باب الاستصحاب: لأنّك كنت على يقين من طهارتك انّه يعتبر في صحّة الصلاة كون المصلّي طاهراً. غاية الأمر انّ صدقه يتوقّف على طهارة بدنه وثوبه معاً ولا يتحقّق بمجرّد طهارة بدنه فقط، وإلاّ لم يصحّ الاسناد مع نجاسة الثوب وإذا كانت نجاسة الثوب موجبة لعدم كون المصلّي طاهراً فمن المعلوم انّه لا فرق في ذلك بين ما إذا كان ثوبه نجساً أو كان ما استصحبه كذلك لأنّ الوجه في صحّة هذا الإطلاق هو كون المصلّي ملابساً له بلا خصوصية للثوب أصلاً، فلو كان محموله نجساً لا يصحّ اسناد

الصفحة 498

الطهارة إليه أيضاً، هذا مضافاً إلى انّ العرف إذا ألقى إليه هذا المعنى وهو اعتبار الطهارة في الثوب لا يفهم منه الاختصاص وتكون خصوصية الثوبية ملغاة بنظره.

وما أفاده (قدس سره) وإن كان قابلاً للمناقشة للفرق بين الملبوس والمحمول من جهة الإضافة إلى المصلّي والارتباط به وهو يوجب عدم إلغاء العرف خصوصية الثوبية إلاّ انّه يكفي في عدم الجواز ما ذكرنا من صدق الصلاة في النجس بضميمة مفهوم المرسلة فالأحوط في هذا الفرض أيضاً لو لم يكن أقوى هو الاجتناب.

الفرض الثالث المحمول المتنجّس الذي لا تتمّ فيه الصلاة والوجه فيه الجواز لدلالة رواية ابن سنان المتقدّمة على انّ ما مع الإنسان الظاهر في المحمول إذا كان ممّا لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه إذا كان فيه قذر ويمكن الاستدلال له أيضاً بموثقة زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) قال: كلّ ما كان لا تجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس بأن يكون عليه الشيء مثل القلنسوة والتكة والجورب. نظراً إلى انّ إطلاق نفي البأس يشمل ما اخذا كان محمولاً للمصلّي وإن كان من شأنه اللبس ولكنّه لم يتحقّق لبسه فعلاً في الصلاة بل كان محمولاً. ويمكن أن يقال: إنّ ما لا تتمّ إذا كان معفواً عنه في حال لبسه فالعفو عنه في حال حمله بطريق أولى كما لا يخفى ومن المعلوم انّه لا فرق بين القلنسوة وبين مثل السكين فتدبّر.

الصفحة 499

الخامس: ثوب المربية للطفل ـ امّاً كانت أو غيرها ـ فانّه معفوّ عنه إن تنجّس ببوله، والأحوط أن تغسل كلّ يوم لأوّل صلاة اُبتليت بنجاسة الثوب فتصلّي معه الصلاة بطهر ثمّ صلّت فيه بقية الصلوات من غير لزوم التطهير، بل هو لا يخلو عن وجه، ولا يتعدّى من البول إلى غيره، ولا من الثوب إلى البدن، ولا من المربية إلى المربي، ولا من ذات الثوب الواحد إلى ذات الثياب المتعدّدة مع عدم الحاجة إلى لبسهنّ جميعاً وإلاّ كانت كذات الثوب الواحد 1.

1 ـ الدليل على العفو عن النجاسة في هذا المقام لا يمكن أن يكون هو الإجماع كما ربما يستظهر من صاحب الحدائق لأنّ ثبوته ممنوع أوّلاً لتوقّف جماعة في أصل الحكم كالأردبيلي وأصحاب المعالم والمدارك والذخيرة، واصالته ممنوعة ثانياً لأنّه يحتمل قويّاً أن يكون مستند المجمعين في هذا الحكم ما رواه الشيخ (قدس سره)باسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن يحيى المعاذي عن محمد بن خالد عن سيف بن عميرة عن أبي حفص عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سُئل عن امرأة ليس لها إلاّ قميص واحد ولها مولود فيبول عليها كيف تصنع؟ قال: تغسل القميص في اليوم مرّة. والإشكال في سند الحديث باعتبار اشتماله على محمّد بن يحيى المعاذي الذي ضعفه العلاّمة واستثناه القمّيون من كتاب نوادر الحكمة وباعتبار اشتماله على محمد بن خالد وهو مردّد بين الطيالسي والأصم وكلاهما غير موثقين في الرجال وببعض الاعتبارات الاُخر لا يقدح بعد كونه رواية منحصرة في الباب دالّة على حكم مخالف لقاعدة المنع عن الصلاة في النجس واستناد المشهور إليها في هذا الحكم وقد ثبت في محلّه انّ الاستناد المذكور جابر لضعف سند الرواية فهي من جهة السند غير قابلة للمناقشة فأصل الحكم في الجملة لا ينبغي الارتياب فيه وانّما الإشكال والكلام في خصوصياته فنقول:

الصفحة 500

منها: انّ العفو هل يختص بالاُمّ أو يعمّ مطلق المربّية؟ ظاهر الرواية باعتبار قوله: ولها مولود، التعرّض للاُمّ لأنّ اللام للاختصاص ومعنى اختصاص المولود بها كونه ولداً لها وهي اُمّه فالرواية ظاهرة في الاُمّ ولكنّه ربّما يقال بانّ الاختصاص أعمّ من الاُمومة لصدقه في مقام التربية أيضاً، ولكنّه خلاف الظاهر لأنّ اللام ظاهرة في الاختصاص المطلق لا في مطلق الاختصاص حتّى يشمل الاختصاص في مقام التربية ولكنّه لا يبعد أن يقال بأنّ خصوصية الاُمومة ملغاة بنظر العرف فانّ الموجب للعفو على ما يستفاد عندهم هي التربية الموجبة للبول على القميص ويصعب نوعاً غسله وتحصيل الطهارة للصلاة فلا تبعد دعوى التعميم كما أفاده الماتن ـ دام ظلّه ـ .

ومنها: انّ العفو هل يختص بما إذا كان الطفل مذكّراً كما عن الشيخ والأكثر بل نسب إلى فهم الأصحاب أو يعمّ الاُنثى أيضاً كما نسب إلى أكثر المتأخّرين وظاهر إطلاق المتن أيضاً؟ فيه وجهان والظاهر هو الوجه الثاني لأنّه لا يستفاد من «المولود» ما يقابل المولودة بل ظاهره بنظر العرف هو طبيعي المولود الشامل للاُنثى أيضاً. نعم لو لم نعتمد على هذا الظهور ووصلت النوبة إلى مقام الشكّ فلابدّ من الاقتصار على المقدار المتيقّن وهو المذكر لما عرفت من كون أصل الحكم على خلاف القاعدة.

ومنها: إنّ مورد الرواية هو البول ولا يجوز التعدّي منه إلى غيره كالغائط والدم وإلغاء الخصوصية غير ظاهر بعد كون اختصاصه بالتكرّر محتملاً لأن يكون موجباً للعفو فيختصّ الحكم بالبول.

ومنها: إنّ مورد الرواية هو نجاسة القميص بالبول ولا يتعدّى عنه إلى البدن الذي تعتبر طهارته في الصلاة أيضاً لما مرّ من كون الحكم على خلاف القاعدة. نعم

الصفحة 501

المراد بالقميص هو الثوب الذي تصلّي فيه المرأة فلو كان لها بدل القميص ملحفة وتنجّست ببوله يكون معفوّاً عنها لعدم استفادة خصوصية للقميص بعنوانه. نعم لو تنجّس خمارها ببوله يشكل الحكم لعدم كون الخمار مورداً للابتلاء بالنجاسة نوعاً.

ومنها: انّه هل المراد باليوم الذي يجب الغسل فيه مرّة هو النهار المقابل للّيل فاللازم وقوع الغسل في النهار أو انّ المراد به ما يشمل الليل بمعنى اليوم والليلة؟ وجهان ربّما يقال بالأوّل، امّا لأنّ اليوم ظاهر فيه، ولا ينافيه الاكتفاء بالغسل الواحد له ولليل لأنّ ذلك كان بقرينة عدم التعرّض للّيل لا لظهور اليوم فيما يعمّه والليل، وامّا لإجمال اليوم الموجب لحمله على النهار لأنّه القدر المتيقّن في جواز الخروج عن القواعد العامة المقتضية لتكرار الغسل.

وقد جزم صاحب الجواهر (قدس سره) في أوّل كلامه بأنّ المراد باليوم ما يشمل الليل وان تأمّل فيه بعد ذلك، وللتأمّل مجال بملاحظة انّ التنجّس الحاصل نوعاً بسبب إصابة بول الصبي إليه انّما هو في اليوم غالباً لأنّ التماسّ الحاصل لأجل التربية يقع فيه دون الليل وعليه فحمل اليوم على ما يعمّ الليل يحتاج إلى مؤونة زائدة فالظاهر هو الوجه الأوّل.

ومنها: انّ الظاهر انّ الأمر بالغسل ليس أمراً مولوياً تعبّدياً بحيث يترتّب على مخالفته استحقاق العقوبة بل أمر إرشادي إلى شرطية الطهارة الحاصلة بسبب الغسل للصلاة كما في سائر موارد الأمر بغسل الثوب أو البدن فالغرض منه بقاء شرطية الطهارة ولو في الجملة ـ كما يأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى ـ ومنه يظهر انّ ما استظهره جامع المقاصد ـ فيما حكي عنه ـ من اعتبار كونه في وقت الصلاة لأنّ الأمر بالغسل للوجوب ولا وجوب في غير وقت الصلاة ممنوع.

الصفحة 502

وهل ظاهر الرواية الواردة في الباب انّ الغسل المذكور ملحوظ من حيث كونه يترتّب عليه الطهارة في الجملة سواء بقيت إلى حال الصلاة أم لا أو انّ المراد شرطية الطهارة حال الصلاة بحيث وقعت الصلاة مع الطهارة؟ ربّما يقال بعد الاعتراف بأنّ الظاهر في سائر الموارد وإن كان هو الثاني إلاّ انّه في المقام يكون الظاهر هو الأوّل والفرق انّ المقام مقام تخفيف ورفع اليد عن اعتبار الطهارة.

هذا والظاهر هو الثاني لعدم كون الرواية في مقام إلغاء اشتراط الطهارة عن صلوات المربية بالمرّة والاكتفاء بالغسل ولو مع حصول التنجس بعدل الظاهر انّها ناظرة إلى أدلّة الاشتراط وحاكمة بالاعتبار غاية الأمر لا في جميع صلوات المربية بل في صلاة واحدة منها والدليل على ما ذكر فهم العرف وما يستفيده من ضمّ هذه الرواية إلى أدلّة الاشتراط وملاحظتهما معاً، وعليه فاللاّزم غسل القميص بحيث تقدر على إيقاع صلاة فيه مع الطهر. نعم لو لم نقدر على ذلك ـ والفرض نادر ـ لا يبعد أن يقال بعدم لزوم الغسل أصلاً كما انّه يمكن أن يقال بلزومه تخفيفاً للنجاسة لا تحصيلاً للطهارة.

وكيف كان فالظاهر انّ الغسل المذكور انّما يكون ملحوظاً من جهة وقوع الصلاة ـ ولو صلاة واحدة ـ مع الطهارة الحاصلة بسببه ومنه ينقدح انّ الرواية انّما تكون ناظرة إلى استثناء صلوات المربية إلاّ صلاة واحدة عن أدلّة الاشتراط ولا يكون مفادها تغيير كيفية الشرطية بحيث كانت أدلّة الاشتراط متعرّضة لإفادة الشرط المقارن وهذه الرواية دالّة على الاعتبار بنحو الشرط المتقدّم فقط أو المتأخّر فقط أو كليهما بحيث كان لازم الأوّل لزوم الغسل قبل صلاة الصبح ليتحقّق الشرط بالإضافة إلى جميع الصلوات وكان لازم الثاني لزومه بعد صلاة العشاء ليتحقّق الشرط كذلك وكان لازم الثالث لزومه بين الصلوات لذلك وذلك لظهور عدم كون

الصفحة 503

الرواية مغيرة لكيفية اشتراط الطهارة وصارفة له عن التقارن إلى التقدّم أو التأخّر أو كليهما ومنه يظهر ما في «المستمسك» من وجوب تقديم الغسل على صلاة الصبح لأنّ إطلاق الشرطية يقتضي الحمل على كونها بنحو الشرط المتقدّم فيجب تقديمه على جميع صلوات اليوم لكن ذكر بعده: «لا أعرف قائلاً بذلك. نعم في الجواهر مال إلى انّه شرط على نحو الشرط المتقدّم بالنسبة إلى صلوات اليوم في الجملة، امّا بأن يراد من اليوم نفس الزمان فإذا أوقعته في زمان من اليوم يكون شرطاً في جميع الصلوات المشروعة من ذلك الزمان إلى مثله من اليوم الثاني أو يراد من اليوم الصلوات الخمس فإذا أوقعته قبل الصبح كان شرطاً للخمس التي آخرها العشاء وإذا أوقعته بعد الصبح كان شرطاً للخمس التي آخرها الصبح وإذا أوقعته بعد الظهر كان شرطاً للخمس التي آخرها الظهر وهكذا فهو مع التزامه بأنّه على نحو الشرط المتقدّم بالنسبة إلى تمام الخمس اللاحقة التزم بالتخيير بناء منه على انّ المراد بالخمس كلّي الخمس المنطبقة على الخمس في الصور المذكورة وغيرها».

وقد عرفت انّ الرواية لا تكون مغيّرة لكيفية الشرطية بل هي متصرّفة في أدلّة الاشتراط بإخراج ما عدا واحدة من صلوات المربية منها والحكم ببقائه بالإضافة إلى واحدة، ومقتضى إطلاقها التخيير في إتيان أية صلاة شاءت مع الطهارة.

نعم لا يبعد أن يقال: بأنّه لا يستفاد من الرواية الترخيص في الصلاة في النجس قبل الغسل مرّة بل غاية مفادها الترخيص فيها بعده، وعليه فاللازم غسل الثوب لأوّل صلاة اُبتليت بنجاسته والإتيان بالصلاة مع الطهارة ثمّ الإتيان ببقية الصلوات من دون غسل كما انّه لا يستفاد منها الترخيص في الإتيان بالصلاة اللاحقة مع النجاسة مع التمكّن من الإتيان بها مع الطهارة الحاصلة بالغسل مرّة فلو تمكّن من الجمع بين صلاتين أو أكثر من فرائضها بالطهارة وجب تحفّظاً على الشرط.

الصفحة 504

ثمّ إنّه يظهر ممّا ذكرنا من انّ الترخيص انّما هو بعد الغسل مرّة انّه لو لم تغسل ثوبها أصلاً لكان اللازم بطلان جميع الصلوات الواقعة فيه مع النجاسة وذلك لاشتراط الطهارة في الصلاة الاُولى وكون الترخيص مقيّداً بالغسل مرّة والمفروض انّه لم يتحقّق وليس البطلان في هذا الفرض متوقّفاً على كون الغسل الواحد شرطاً لجميع الصلوات كما ربّما يقال بل يجتمع مع ما ذكرنا.

ومنها: انّه يشترط في العفو في هذا المقام امّا أن لا يكون للمربية إلاّ ثوب واحد كما هو مورد الرواية حيث قال: ليس لها إلاّ قميص واحد، وامّا أن تكون محتاجة إلى لبس جميع ما عندها من الثياب فانّه وإن لم يقع التعرّض له في الرواية إلاّ انّ المتفاهم العرفي انّ المراد من قوله ليس لها إلاّ قميص واحد الحاجة إلى لبس ذلك القميص وعدم التمكّن من الصلاة في غيره، فمع الاحتياج إلى لبس الجميع كأنه لا يكون لها إلاّ واحد ومنه يظهر الحال فيما إذا كان لها ثوب آخر لا يحتاج إلى لبسه ولكنّه لا يجوز لها الصلاة فيه لرقّته أو نجاسته أو كونه من غير المأكول أو غير ذلك من الموانع، وامّا مع وجود أثواب متعدّدة غير محتاجة إلى لبسها وتمكّنت من إيقاع الصلاة فيها فلا إشكال في خروجها عن موضوع العفو في الرواية.

ومنها: انّه هل يلحق المربي بالمربية أم لا؟ فيه وجهان من انّ الرواية الواردة في العفو الذي هو حكم على خلاف القاعدة قد وردت في المربية ولا دليل على الإلحاق ومن انّ العلّة الموجبة للعفو في المرأة هي المشقة والحرج وهي متحقّقة في الرجل ولكن ذلك لا يوجب القطع بالاشتراك والظنّ به لا دليل على اعتباره فالظاهر اختصاص الحكم بالمربية.

بقي الكلام في انّه ذهب جماعة ـ كما حكى ـ إلى إلحاق من كثر وتواتر بوله بالمربية في العفو وعدم لزوم الغسل إلاّ مرّة في كل يوم واستدلّ له ـ تارةًـ بالحرج

الصفحة 505

والمشقّة و ـ اُخرى ـ برواية عبد الرحيم القصير قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) في الخصي يبول فيلقى من ذلك شدّة، ويرى البلل بعد البلل، قال: يتوضّأ وينتضح في النهار مرّة واحدة. ورواه الكليني عن الحسين بن محمد عن أحمد بن محمد عن أحمد بن إسحاق عن سعدان بن عبد الرحمان قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) وذكر مثله، ورواه الصدوق مرسلاً عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) مثله إلاّ انّه قال ثمّ ينضح ثوبه.

أقول: امّا الحرج والمشقّة فمع تحقّقه شخصاً في مورد يوجب العفو نظراً إلى قاعدته ولكن المدعى أعمّ من ذلك، وامّا الرواية ـ التي ليست إلاّ رواية واحدة والاختلاف في طريق النقل وكذا في المتن لا يوجب التعدّد بوجه ـ فربّما يشكل في سندها من جهة انّ عبد الرحيم القصير لم يوثق في الرجال وكذا سعدان بن مسلم الراوي عنه، وانّ سعدان بن عبد الرحمان مجهول لعدم ذكره في الرجال والطريق الأخير مرسل ولكنّه:

ربما يقال: إنّ رواية صفوان وابن أبي عمير عن سعدان بن مسلم ورواية ابن أبي عمير وغيره عن عبد الرحيم القصير تدلّ على وثاقتهما والاعتماد على روايتهما.

وامّا من جهة الدلالة فمضافاً إلى عدم دلالتها على وجوب الغسل كل يوم بل غاية مفادها وجوب النضح وإلى انّ النظر في الرواية إلى جهة الوضوء لا الغسل يرد عليها انّه يحتمل قوياً أن يكون المراد منها وجوب التوضي عقيب البول المعلوم واستحباب النضح عقيب البلل المشتبه بين البول وغيره لعدم ظهورها في كون البلل معلوم البولية بل هو مشتبه مردّد بين البول وغيره وفي صورة الاشتباه لا يجب الوضوء لعدم إحراز ناقضه ويستحب نضح الثوب من جهة احتمال نجاسته ويؤيّده استحباب النضح في موارد شبهة النجاسة كما في الأخبار الكثيرة فالرواية

الصفحة 506

لا دلالة لها على حكم المقام أصلاً.

هذا تمام الكلام في أحكام النجاسات وبه يتمّ هذا الجزء وقد وقع الفراغ من إتمامه بيد العبد المفتاق إلى رحمة ربه الغني محمد الموحدي اللنكراني الشهير بالفاضل ابن العلاّمة الفقيه فاضل اللنكراني حشره الله مع نبيّه وأوليائه عليه وعليهم أفضل صلوات وتحيّاته، ومن الله أسأل التوفيق لإتمام باقي الأجزاء من هذا الشرح وكان ذلك في اليوم الثامن عشر من شهر شعبان المعظّم من شهور سنة 1398 من الهجرة النبوية على هاجرها آلاف الثناء والتحية والسلام خير ختام.

<<التالي الفهرس السابق>>