(الصفحة421)
إلى أطراف الأصابع، و عليه جملـة من الـعامّـة كأحمد و ما لـك و الـشافعي في «ا لـقديم».
و عن علي بن بابويه وجوب استيعاب الـمسح إلى الـمرفقين، و هو الـمحكيّ عن أبي حنيفـة و الـشافعي في «ا لـجديد»، و عن ابن إدريس عن بعض أصحابنا أنّ الـمسح من اُصول الأصابع إلى رؤوسها، و روي عن ما لـك أيضاً أنّ الـتيمّم على الـكفّ و نصف الـذراع، و عن الـزهري: يمسح يديه إلى الـمنكب.
و يدلّ على الـمشهور روايتا زرارة الـمتقدّمتان الـحاكيتان لتيمّم رسول ا للّه (صلى الله عليه وآله وسلم)تعليماً لعمّار، الـمشتملـة إحداهما على قوله (عليه السلام): «ثمّ مسح جبينه (جبينيه) بأصابعه و كفّيه إحداهما بالاُخرى ...» و ثانيتهما على قوله (عليه السلام): «ثمّ مسح كفّيه كلّ واحدة على الاُخرى ...» و أصرح منهما صحيحـة زرارة الـمتقدّمـة أيضاً الـحاكيـة لتيمّم أبي جعفر (عليه السلام) الـمتضمّنـة لقوله: «ثمّ مسح وجهه و كفّيه، و لم يمسح الـذراعين بشيء».
نعم، في روايـة أبي أيّوب الـخزّاز الـمتقدّمـة: «ثمّ مسح فوق الـكفّ قليلاً»، و مثلها روايـة داود بن الـنعمان الـمتقدّمـة أيضاً، حيث قال: فمسح وجهه و يديه و فوق الـكفّ قليلاً، و الـظاهر أنّ الـمراد منه هو حدّ الـمفصل أو فوقه الـذي يتوقّف الـعلم بحصول الـمسح الـمأمور به عليه.
و احتمال كون الـمراد من «ا لـفوق» فيهما هو ظهر الـكفّ و ظاهره حينئذ عدم استيعاب ظاهر الـكفّ با لـمسح ففي غايـة الـبعد، خصوصاً في الـروايـة الـثانيـة الـتي يكون الـتعرّض فيها للفوق بعد الـتعرّض لليدين، كما لا يخفى.
و أمّا روايـة ليث الـمرادي الـمتقدّمـة أيضاً، الـمتضمّنـة لقوله (عليه السلام): «و تمسح بهما وجهك و ذراعيك»، و كذا روايـة محمّد بن مسلم قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن
(الصفحة422)
ا لـتيمّم، فضرب بكفّيه الأرض، ثمّ مسح بهما وجهه، ثمّ ضرب بشما لـه الأرض فمسح بها مرفقه إلى أطراف الأصابع، واحدة على ظهرها و واحدة على بطنها، ثمّ ضرب بيمينه الأرض، ثمّ صنع بشما لـه كما صنع بيمينه، ثمّ قال: «هذا الـتيمّم على ما كان فيه الـغسل، و في الـوضوء الـوجه و الـيدين إلى الـمرفقين و أ لـقى (أبقى) ما كان عليه مسح الـرأس و الـقدمين، فلا يؤمّم با لـصعيد»(1)
.
و كذا روايـة سماعـة قال: سأ لـته كيف الـتيمّم؟ فوضع يده على الأرض فمسح بها وجهه و ذراعيه إلى الـمرفقين(2)
. فمحمولـة على الـتقيّـة، و تظهر آثارها من روايـة محمّد بن مسلم.
نعم، الـروايـة الاُولى الـمشتملـة على الـذراعين من دون الـتعرّض للمرفق قابلـة للحمل على الـروايات الـموافقـة للمشهور; لأنّ مسح الـذراعين يتحقّق بمسح بعضهما، كما لا يخفى.
و هنا مرسلتان ظاهرتان في اجتزاء الـمسح على الأصابع:
إحداهما: مرسلـة حمادّ بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) أنّه سئل عن الـتيمّم فتلا هذه الآيـة: (وَ الـسّارِقُ وَ الـسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما)، و قال: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ)، قال: «فامسح على كفّيك من حيث موضع الـقطع»، و قال: (وَ ما كانَ رَبُّكَ نَسِيّاً)(3)
.
قال في «ا لـوسائل» ـ بعد نقل الـروايـة ـ: «أقول: فيه تعليم للسائل الاستدلال
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 12، الـحديث 5.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 13، الـحديث 3.
(3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمم، الـباب 13، الـحديث 2.
(الصفحة423)
على الـعامّـة بما يوافق مذهبهم في الـسرقـة، و يبطل مذهبهم في الـتيمّم، فكأنّه قال: لمّا أطلق الأيدي في آيـة الـسرقـة و الـتيمّم، و قيّدت في آيـة الـوضوء، علم أنّ الـقطع و الـتيمّم ليس من الـمرفقين».
ثانيتهما: مرسلـة «فقه الـرضا» الـدالّـة على كونه من أصل الأصابع.
ولكن من الـظاهر أنّ الـروايتين فاقدتان لوصف الاعتبار و الـحجّيـة في نفسهما، فضلاً عن صلاحيتهما للمقاومـة مع الـروايات الـكثيرة الـموافقـة للمشهور، فلامحيص حينئذ من الالتزام بما الـتزموا به.
في اعتبار الاستيعاب
ا لـجهـة الـثا لـثـة: في أنّه هل يعتبر استيعاب الـممسوح با لـمسح، أم لا؟
ظاهر جملـة من الأصحاب و صريح آخرين هو الـوجوب، و عن «ا لـرياض» دعوى الإجماع عليه هنا، و عن «ا لـروض» دعواه في الـوجه أيضاً.
و منشأه الانسباق إلى الـذهن من الأدلّـة، فإنّ الـمتفاهم عرفاً من الأمر بمسح الـجبهـة و الـكفّين إرادة الاستيعاب با لـمسح، و كذلك الـمنسبق إلى الـذهن من الـنصوص الـحاكيـة لفعل الـمعصوم من الـنبي و الإمام صلّى اللّه عليهما و آلهما هو الاستيعاب.
نعم، الـمراد منه هو الاستيعاب الـعرفي الـمتحقّق بإمرار الـيدين على ظاهر الـكفّين من الـزندين إلى أطراف الأصابع مرّة واحدة، و لا تلزم رعايته بنحو الـدقّـة الـعقلية التي توجب امتناع تحقّقه عادة في الـمرّة الاُولى، و ذلك لدلالـة بعض الأخبار الـحاكيـة على وقوع الـمسح مرّة واحدة، و هي لا تنفكّ غا لـباً عن الـخلل، فتدبّر.
(الصفحة424)
و أمّا الاستيعاب بلحاظ الـماسح، فقد مرّ الـكلام فيه.
في الـترتيب في الـجزء الـواحد
ا لـجهـة الـرابعـة: هل الـتعبير بكلمتي «من» و «إلى» في الـمتن و شبهه إنّما هو لتحديد الـممسوح، فلا تعرّض فيه و في مثله لكيفيـة الـمسح و لزوم الـشروع من الـزند إلى أطراف الأصابع، أو أنّه إنّما يكون بلحاظ الـكيفيـة و مرجعها إلى لزوم الـبدئـة من الـزند و الـختم بأطراف الأصابع؟ كما نسب إلى الـمشهور، بل عن «شرح الـمفاتيح» نسبته إلى ظاهر الأصحاب، و عن «ا لـمنتهى» نسبته إلى ظاهر عبارة الـمشائخ، و لعلّ منشأ الـنسبـة هو الـتعبير بمثل ما في الـمتن مع أنّه يحتمل قويّاً أن يكون لتحديد الـممسوح، كما في آيـة الـوضوء.
هذا، و مقتضى إطلاق الآيـة ـ بعد ما عرفت من كونها في مقام الـبيان و أنّه يجوز الـتمسّك بها في موارد الـشكّ ـ هو عدم اعتبار كيفيـة خاصّـة، فلا فرق بين أن يكون من الـزند أو إلى الـزند، و هكذا إطلاق بعض الـروايات الـمتقدّمـة، و أظهر منها هو سكوت أبي جعفر (عليه السلام) في مقام نقل قصّـة عمّار و تعليم الـنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) له الـتيمّم، مع كون هذا الـنقل لغرض إفادة الـحكم و بيان ماهيـة الـتيمّم عن الـتعرّض للخصوصيـة الـواقعيـة الـتي وقع بها تيمّم الـرسول، فإنّه لا محا لـة كان لها كيفيـة خاصّـة من هذه الـجهـة، ولكن سكوته عنها دليل على عدم اعتبار تلك الـخصوصيـة بوجه.
و أمّا الاستدلال على لزوم الـبدئـة من الـزند بتنزيل الـترابيـة منزلـة الـمائيـة و بدليتها منها الـمشعرة با لـمساواة، خصوصاً بعد ما ورد في بعض الأخبار من «أنّ الـتيمّم نصف الـوضوء»، و في صحيحـة زرارة الـمعروفـة من أنّه أثبت بعض الـغسل مسحاً،
(الصفحة425)
فا لـجواب عنه واضح، ضرورة عدم اقتضاء شيء ممّا ذكر لإفادة اللزوم من هذه الـجهـة.
نعم، استمرار سيرة الـمتشرّعـة على رعايـة الـكيفيّـة الـمعهودة الـمتداولـة ربّما يكشف عن عدم جواز الـتعدّي عنها، خصوصاً مع تصريح «ا لـفقه الـرضوي» بلزوم الابتداء من الأعلى في الـيدين، و عليه فالأحوط هي الـمراعاة.
في مسح مابين الأصابع
ا لـجهـة الـخامسـة: في أنّ ما بين الأصابع ليس من الـظاهر فلا يجب مسحها; إذ الـمراد به ما يماسّه ظاهر بشرة الـماسح، و لا ينافي ذلك عدم كونها من الـباطن أيضاً، فلا يجب تشريكها في الـضرب على الأرض أو الـوضع عليها أيضاً، لعدم الـدليل على لزوم اتّصاف أجزاء الـكفّ بكونها ظاهرة أو باطنـة، بل من الأجزاء ما لا يتّصف بشيء منهما، كما لايخفى.
(الصفحة426)
مسأ لـة 2: لو تعذّر الـضرب و الـمسح با لـباطن انتقل إلى الـظاهر، هذا إذا كان الـتعذّر مطلقاً.
و أمّا مع تعذّر بعض، أو بلا حائل، فالأحوط الـجمع بين الـضرب و الـمسح ببعض الـباطن، أو الـباطن مع الـحائل و بينهما با لـظاهر، و الانتقال إلى الـذراع مكان الـظاهر في الـدوران بينهما لا يخلو من وجه، و الأحوط الـجمع بينهما، و لا ينتقل من الـباطن لو كان متنجّساً بغير الـمتعدّي و تعذّرت الإزا لـة، بل يضرب بهما و يمسح.
و لو كانت الـنجاسـة حائلـة مستوعبـة، و لم يمكن الـتطهير و الإزا لـة، فالأحوط الـجمع بين الـضرب با لـباطن و الـضرب با لـظاهر، بل لاينبغي ترك الاحتياط با لـجمع في الـصورة الـمتقدّمـة أيضاً.
ولو تعدّت الـنجاسـة إلى الـصعيد، و لم يكن الـتجفيف، ينتقل إلى الـذراع أو الـظاهر حينئذ، ولو كانت الـنجاسـة على الأعضاء الـممسوحـة و تعذّر الـتطهير و الإزا لـة مسح عليها1 .
في الـتيمّم في غير حال الاختيار
(1) قد وقع الـتعرّض في هذه الـمسأ لـة لكيفيـة الـتيمّم في غير حال الاختيار، و منشأ عدم الاختيار إمّا الـتعذّر لأجل وجود الـحائل أو لأجل غيره من الـجهات الـموجبـة له، و إمّا الـنجاسـة. فا لـكلام يقع في مقامين:
في الـتعذّر لأجل الـحائل
الأوّل: في الـتعذّر لأجل الـحائل أو غيره، و الـتعذّر قد يكون مطلقاً، و قد يكون
(الصفحة427)
في الـجملـة، و يستفاد من الـمتن أنّ الـتعذّر لأجل الـحائل يترتّب عليه حكم الـتعذّر في الـجملـة لغيره، و عليه فا لـمراد من الـتعذّر الـمطلق هو الـتعذّر لأجل غير الـحائل، فهنا صورتان:
الاُولى: الـتعذّر الـمطلق بحيث لم يمكن الـضرب و الـمسح بشيء من أبعاض الـباطن، و قد حكم فيها في الـمتن أوّلاً بالانتقال إلى الـظاهر، ثمّ نفي الـخلوّ عن الـوجه في الانتقال إلى الـذراع مكان الـظاهر عند الـدوران بينهما، ثمّ احتاط با لـجمع بينهما، و هنا احتمال رابع و هو الـتخيير بين الـظاهر و باطن الـذراع.
و في «ا لـرسا لـة» نفى دام ظلّه الـبعد عن ترجيح احتمال الانتقال إلى باطن الـذراع، مستدلاًّ له بقوله: «إنّ أصل اعتبار كون الـماسح هو الـيد و الـكفّين غير مستفاد من الأدلّـة اللفظيـة كما مرّ، و إنّما قلنا باعتباره للسيرة و الإجماع، و الـمتيقّن منهما اعتباره حال عدم الـتعذّر و في صورة الاختيار، و أمّا مع الـتعذّر فالأصل و إن اقتضى عدم اعتبار إحدى الـخصوصيتين، لكن الـمتفاهم من الأدلّـة كما مرّت الإشارة إليه مخا لـفـة الـماسح للممسوح، و أنّ آلـة الـمسح موصلـة لأثر الأرض ولو أثراً اعتبارياً إلى ما لم يلمس الأرض، و مع الـقول بالانتقال إلى الـظاهر لابدّ من رفع الـيد عن هذا الـظاهر.
و بعبارة اُخرى: يعتبر في الـتيمّم حال الاختيار كون الـمسح بباطن الـكفّ، و مغايرة الآلـة للممسوح، و في حال الـتعذّر يرفع الـيد عن الـباطن، و تحفظ الـمغايرة مع حفظ آليـة الـيد، فيرجّح الـذراع على الـظاهر، لكن ما ذكرناه لا يساعد كلمات الـقوم ممّن تعرّض للمسأ لـة، و الاحتياط با لـجمع لا ينبغي تركه».
هذا، و الـمرجّح للانتقال إلى الـظاهر هو حفظ عنوان الـكفّ الـمأخوذ في معقد
(الصفحة428)
الإجماع و الـجاري عليه الـسيرة، و الانتقال إلى الـذراع و إن كان يوجب الـتحفّظ على الـمغايرة الـتي أفادها دام ظلّه، إلاّ أنّ عنوان الـكفّ ينتفي أيضاً، بخلاف الانتقال إلى الـظاهر، إلاّ أن يقال: إنّ ارتكاز الـتحفّظ على الـمغايرة بنحو يوجب انصراف الـذهن عن الانتقال إلى الـظاهر في صورة الـتعذّر، ولكنّه لم يثبت، فا لـظاهر هو الـتخيير و إن كان غير مساعد لكلمات الـمتعرّضين.
ا لـثانيـة: الـتعذّر في الـجملـة با لـمعنى الـمذكور الـشامل لوجود الـحائل على جميع الـباطن، و قد احتاط فيها با لـجمع، و نقول:
أمّا تعذّر بعض الـباطن فيمكن الـقول فيه بالاجتزاء بضربـة و الـمسح به، لقاعدة الـميسور و الإجماع على الاستيعاب، و كذا الـسيرة يختصّان بصورة عدم الـتعذّر، مضافاً إلى إطلاق الأمر بضرب الـيد بعد وضوح عدم كون الـمراد هو جميع أبعاضه، كما أنّ الـضرب ببعض الـباطن أقرب إلى الـماهيـة بنظر الـمعرف من ضرب الـظاهر لحفظ الـمغايرة الـمذكورة، ولكنّه يوجب ترجيح الـباطن على الـظاهر، و أمّا الـجمع بينهما كما هو مقتضى الاحتياط للعلم الإجما لـي بوجوب واحد منهما فلا ينافيه ما ذكر.
و أمّا وجود الـحائل على جميع الـباطن فإنّه مع تعذّر إزا لـته ـ كما هو الـمفروض ـ يصير بمنزلـة الـبشرة في صورة الـضرورة، و يؤيّده الـمسح على الـمرارة الـمأمور به في روايـة عبد الأعلى الـمعروفـة و عليه فمع الـقدرة على ضرب الـباطن مع ما عليه من الـحائل لا يعدل إلى الـظاهر، سيّما مع اقتضائه الـتحفّظ على الـمغايرة الـمذكورة.
ولكنّه يمكن أن يقال: إنّ الـضرورة كما يمكن أن تكون مؤثّرة في قيام الـحائل منزلـة الـبشرة، يمكن أن تكون مؤثّرة في الانتقال إلى الـظاهر مع تعذّر الـباطن بلا
(الصفحة429)
حائل، و لا ترجيح لأحد الأمرين على الآخر إلاّ أن يقال إنّ الـترجيح في الـتنزيل منزلـة الـبشرة بلحاظ حفظ عنوان الـباطن و الـمغايرة معاً، غايـة الأمر انتفاء الـبشرة، و في الانتقال إلى الـظاهر يبقى هذا الـعنوان و ينتفي الـعنوانان.
هذا، و الـظاهر ما أفاده دام ظلّه في الـمتن من الاحتياط للعلم الإجما لـي بوجوب أحد الأمرين إمّا الـضرب أو الـمسح با لـحائل، و إمّا الـضرب أو الـمسح با لـظاهر، فيجب الـجمع بينهما.
في الـتعذّر لأجل الـنجاسـة
ا لـمقام الـثاني: في وجود الـنجاسـة، و فيها فروع:
الأوّل: ما إذا كان الـباطن كلّه أو بعضه متنجّساً بنجاسـة غير حائلـة و لا غير متعدّيـة لا إلى الأرض و لا إلى الـممسوح و تعذّرت إزا لـتها، و قد حكم فيه في الـمتن بعدم الانتقال في هذا الـفرض إلى الـظاهر، بل يضرب و يمسح با لـباطن، ولكنّه دام ظلّه في «ا لـرسا لـة» حكم بالانتقال إلى الـذراعين، مجيباً عن دعوى أنّ حفظ الـذات أولى من حفظ الـوصف، فمع الانتقال إلى غير باطن الـكفّ ترك الأصل و الـذات حفظاً للوصف بخلاف الـمسح من الـباطن الـنجس، بأنّ أمثال هذه الاُمور الاعتباريـة و الـترجيحات الـظنّيـة غير معوّل عليها في الأحكام الـتعبدّيـة الـبعيدة عن الـعقول، مع ما عرفت من أنّ اعتبار باطن الـكفّ بل مطلق آليـة الـيد غير مستفاد من الأدلّـة لولا الإجماع و الـسيرة الـمفقودان في مثل الـمقام.
و الـظاهر ما أفاده هنا كما هو الـمصرّح به في «ا لـجواهر» و غيره، لأنّه لا دليل على اعتبار الـطهارة و شرطيتها في هذه الـصورة، بل لا دليل معتدّاً به على اشتراط خلوّ
(الصفحة430)
مواضع الـتيمّم مطلقاً حتّى مع الاختيار عن الـنجاسـة غير الـساريـة عدا الإجماع الـذي ادّعاه بعض و لم يثبت، خصوصاً في مقابل إطلاق الـكتاب و الـسنّـة، و سيأتي الـبحث فيه إن شاء اللّه تعا لـى، و على أىّ فلم يقم دليل على اعتبار الـطهارة في هذا الـفرض، فلا وجه للانتقال إلى الـظاهر، و لا إلى الـذراع.
ا لـثاني: ما إذا كانت الـنجاسـة حائلـة مستوعبـة، و لم تكن ساريـة، و لم يمكن الـتطهير و الإزا لـة، و قد احتاط فيه با لـجمع بين الـضرب با لـباطن و الـضرب با لـظاهر.
و مقتضى ما أفاده دام ظلّه في «ا لـرسا لـة» الانتقال إلى الـذراع هنا بطريق أولى; لأنّ الـمفروض وجود الـنجاسـة مع وصف الـحيلولـة الـمانعـة عن الـمسح با لـبشرة، هذا و مقتضى ما استظهرناه في الـمقام الأوّل في صورة وجود الـحائل هو لزوم الاحتياط هنا كما هناك.
ا لـثا لـث: ما إذا كانت الـنجاسـة متعدّيـة إلى الـصعيد مع عدم إمكان الـتجفيف، و الـمستفاد من الـمتن في هذه الـصورة ثبوت الـتخيير بين الـمسح با لـظاهر، و بين الـمسح بباطن الـذراع، ولكن ربّما يقال إنّ ظاهر الأدلّـة اعتبار طهارة الـصعيد عند ضرب الـيد عليه، فإذا صار قذراً با لـضرب لا يضرّ با لـتيمّم.
و اُورد عليه في «ا لـرسا لـة» بقوله: «و فيه أنّ ظاهر الآيـة ـ مع قطع الـنظر عن صحيحـة زرارة ـ اعتبار طهارته عند رفع الـيد منه أيضاً لمكان «منه»، فإنّ الـظاهر رجوع الـضمير إلى الـصعيد الـطيّب، فمع ابتدائيـة «من» كما هي الأرجح يكون الـمعنى: فامسحوا مبتدء من الـصعيد الـطيّب.
نعم، بناء على رجوع الـضمير إلى الـتيمّم كما في صحيحـة زرارة الـمفسّرة
(الصفحة431)
للآيـة، يشكل استفادة ما ذكر منها كما تقدّم بعض الـكلام فيها، إلاّ أن يقال إنّ الـمراد من قوله: «ذلك الـتيمّم»، ذلك الـضرب الـواقع على الـصعيد الـطيّب، و مع قذارته با لـضرب يخرج من ذلك الـعنوان، فتأمّل».
أقول: قد تقدّم تفصيل الـكلام في معنى الآيـة الـشريفـة، و ذكرنا هناك أنّه من الـبعيد جدّاً أن تكون الآيـة الـمشتملـة على كلمـة «منه» مفيدة لخصوصيـة مغايرة للآيـة الـخا لـيـة عن هذه الـكلمـة، و ذكرنا أيضاً أنّ الآيـة بملاحظـة الـروايـة الـواردة في تفسيرها ظاهرة في كون كلمـة «منه» متعلّقـة بخصوص الأيدي، و الـغرض الـتيمّم من نفس ذلك الـضرب الـواقع أوّلاً من دون لزوم ضرب آخر، و عليه فلا يستفاد منها ما أفاده دام ظلّه، و لعلّه يأتي الـكلام في هذه الـجهـة فيما بعد أيضاً.
و كيف كان: فا لـظاهر هو الـتخيير الـذي أفاده هنا، و يظهر وجهه ممّا ذكرنا في حكم الـصورة الاُولى في الـمقام الأوّل.
ا لـرابع: ما لو كانت الـنجاسـة على الأعضاء الـممسوحـة، و تعذّر الـتطهير و الإزا لـة، و قد حكم في الـمتن بلزوم الـمسح عليها، و الـظاهر أنّ مراده ما إذا لم تكن الـنجاسـة حائلـة و إن كان الـتعبير بالإزا لـة بعد الـتطهير يشعر بعموم الـحكم، موجه إلاّ أنّه مع الـعطف با لـواو يكون الـظاهر أنّ مراده صورة عدم الـحيلولـة، فتدبّر.
و مرجع ما أفاده إلى عدم اعتبار الـطهارة في هذه الـصورة الـتي يكون الـمفروض فيها تعذّر الـتطهير، مع أنّ أصل دليل اعتبار الـطهارة في الـعضو الـممسوح ليس بمسلّم، فإنّ الإجماع الـمدّعى على ذلك غير ثابت، كما أنّ الاستدلال عليه بأنّ بدليته من الـطهارة الـمائيـة تقتضي مساواته لها في جميع الأحكام الـتي لم يدلّ دليل على خلافها أيضاً لا ينبغي الالتفات إليه، لعدم استفادة ذلك من أخبار الـتيمّم بوجه.
(الصفحة432)
و على تقديره فربّما يقال: إنّ اشتراط طهارة الـمحلّ في الـطهارة الـمائيـة إنّما هو لحفظ الـماء عن الانفعال، فلا يقتضي دليل الـتنزيل الـمنع من الـنجاسـة غير الـساريـة هنا كما هو الـمفروض.
و منه يظهر الـجواب عن استدلال الـعلاّمـة (قدس سره) في محكيّ «ا لـتذكرة» على اشتراط طهارة الأعضاء الـممسوحـة في الـتيمّم، بأنّ الـتراب ينجس بملاقاة الـنجس، فلا يكون طيّباً.
مضافاً إلى أنّ زوال وصف «ا لـطيّب» بناء على كونه بمعنى الـطاهر الـشرعي، كما استفدناه من مجموع الأدلّـة الـتى اُقيمت على إثباته بسبب الـمسح و الـملاقاة مع الـعضو الـممسوح لا يقدح ظاهراً، خصوصاً بالإضافـة إلى الأيدي الـتي لايكون بعدها مسح، فا لـظاهر ما اُفيد في الـمتن من الـمسح على الـعضو الـنجس.
(الصفحة433)
ا لـقول فيما يعتبر في الـتيمّم
مسأ لـة 1: يعتبر الـنيّـة في الـتيمّم على نحو ما مرّ في الـوضوء قاصداً به الـبدليـة عمّا عليه من الـوضوء أو الـغسل، مقارناً بها الـضرب الـذي هو أوّل أفعا لـه.
و يعتبر فيه الـمباشرة و الـترتيب حسب ما عرفته.
و الـموالاة: بمعنى عدم الـفصل الـمنافي لهيأته و صورته.
و الـمسح من الأعلى إلى الأسفل في الـجبهـة و الـيدين بحيث يصدق ذلك عليه عرفاً.
و رفع الـحاجب عن الـماسح و الـممسوح حتّى مثل الـخاتم، و الـطهارة فيهما، و ليس الـشعر الـنابت على الـمحلّ من الـحاجب فيمسح عليه، نعم يكون منه الـشعر الـمتدلّي من الـرأس إلى الـجبهـة إذا كان خارجاً عن الـمتعارف، و يعدّ حائلاً عرفاً، لا مثل الـشعرة و الـشعرتين فيجب رفعه، هذا كلّه مع الاختيار، أمّا مع الاضطرار فيسقط الـمعسور، ولكن لا يسقط به الـميسور1 .
(1) يعتبر في الـتيمّم على ما في الـمتن اُمور:
في قصد الـقربـة
أحدها: قصد الـقربـة الـراجع إلى قصد عنوان الـتيمّم و الإتيان به بما يؤتى به سائر الـعبادات، و الـوجه في اعتباره في الـتيمّم ـ مع أنّ مقتضى إطلاق الآيـة الـواردة في الـتيمّم اللفظي أو الـمقامي، و كذا إطلاق جملـة من الـروايات هو عدم الاعتبار ـ هو الإجماع الـذي تظافرت دعويه من جمع كثير من أعلام الـفقهاء و أعاظم الأصحاب، بل
(الصفحة434)
ربّما تدّعي الـضرورة على أنّ الـتيمّم إنّما هو كمبدله من الـوضوء و الـغسل في هذه الـجهـة، فلا ينبغي الارتياب في عباديته الـمتقوّمـة بنيّـة الـقربـة.
و يعتبر في نيّته أمران:
في اعتبار قصد الـبدليـة في الـتيمّم
الأوّل: قصد الـبدليـة عمّا عليه من الـوضوء أو الـغسل، و الـدليل عليه على ما في «ا لـمصباح» أنّه لمّا كان الـتيمّم مختلفاً با لـنوع ـ لوقوعه بدلاً من الـوضوء و غسل الـجنابـة و الـحيض و غيرها من الأغسال الـمختلفـة با لـنوع، من غير أن يجتزئ بما يقع بدلاً من بعض عمّا يقع بدلاً من آخر، إلاّ أن يكون مبدله كذلك ـ وجب تمييز كلّ نوع عند إرادة امتثال الأمر الـمتعلّق به عمّا يشاركه في الـجنس حتّى يصحّ وقوعه امتثالاً لذلك الأمر الـمتعلّق با لـنوع، و حيث إنّه لا سبيل لنا إلى تشخيص تلك الـطبائع بغير الـقصد، وجب علينا عند إرادة الإتيان بشيء من تلك الأنواع الـقصد إلى وقوعه بعنوان يخصّ ذلك الـنوع، ككونه بدلاً من الـوضوء أو غيره أو ما يؤدّي مؤدّاه في الـتمييز و إن لم يقصد به عنوان الـبدليـة، كأن قصد مثلاً بفعله تيمّماً، يقع امتثالاً للأمر الـناشئ من خروج الـبول أو الـمنيّ أو غير ذلك ممّا يوجب تمييز الـمأمور به عن غيره ولو بتوصيفه با لـوجوب، كما إذا انحصر الـواجب في حقّه في نوع، فنوى بفعله الإتيان بذلك الـتيمّم الـذي وجب عليه با لـفعل.
ولكنّه دام ظلّه في «ا لـرسا لـة» أنكر اعتبار قصد الـبدليـة و لو مع الـقول بأنّه بدل; لعدم الـدليل عليه، بل مقتضى الإطلاق عدمه، لأنّ عنوان الـبدليـة ـ بناء عليه ـ ثابت لنفسه من غير دخا لـة للقصد فيه.
(الصفحة435)
ثمّ أفاد أنّه لا دليل على كونه بدلاً، خصوصاً إن اُريد كونه بدل الـطهور لكونه مخا لـفاً للأدلّـة، و مجرّد كون الـتيمّم أمراً ثابتاً في حال الاضطرار لا يستلزم الـبدليـة، فإن اُريد بها ذلك فلا معنى للنزاع فيه، و إن اُريد بها أمر زائد على ذلك بحيث كان عنواناً ملازماً للمصداق الاضطراري فهو ممنوع; لأنّ الـمصداق الاضطراري يمكن أن يكون مستقلاًّ في الـتأثير في ظرفه، لا نائباً عن غيره و بدلاً عنه، فلا ملازمـة بينهما عقلاً و لا عرفاً.
ثمّ قال: «و دعوى استفادة ذلك من بعض الأخبار كصحيحـة حمّاد بن عثمان قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل لا يجد الـماء، أيتيمّم لكلّ صلاة؟
فقال: «لا، هو بمنزلـة الـماء»(1)
.
و صحيحـة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: كيف الـتيمّم؟
فقال: «هو ضرب واحد للوضوء و الـغسل من الـجنابـة»(2)
.
و موثّقـة عمّار، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سأ لـته عن الـتيمّم من الـوضوء و الـجنابـة و من الـحيض للنساء سواء.
فقال: «نعم»(3)
.
مدفوعـة، لأنّ كونه بمنزلـة الـماء في جواز إتيان الـصلوات الـكثيرة به لا يلازم كونه بدلاً منه، فإنّ وحدة منزلـة شيئين في حصول أمر لو لم نقل بكونها دليلاً على استقلال كلّ في حصوله لا يكون دليلاً على نيابـة أحدهما عن الآخر أو بدليته.
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 20، الـحديث 2.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 12، الـحديث 4.
(3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 12، الـحديث 6.
(الصفحة436)
و با لـجملـة: لا يستفاد منه إلاّ كون الـتيمّم مثل الـوضوء في الـحكم الـمذكور أو مطلقاً، نظير قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أنت منّي بمنزلـة هارون من موسى». فإنّ كون أميرا لـمؤمنين (عليه السلام)بمنزلـة هارون لا يستلزم نيابته عن هارون، و أصا لـة هارون في نيابته عن موسى، و عدم أصا لـة الـمولى (عليه السلام) في نيابته عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم).
و أمّا الـروايـة الـثانيـة فلا إشعار فيه للمدّعى، فإنّ كون الـتيمّم للوضوء لا معنى له بحسب ظاهره، و الـظاهر أنّ ذكر الـوضوء و غسل الـجنابـة لمجرّد الـمعرّفيـة عن الـتيمّم الـذي هو للحدث الأصغر و الأكبر، فلا يستفاد منه الـبدليـة بوجه.
و كذا لا تستفاد من الـثا لـثـة، لأنّ قوله: «من الـوضوء»، لو لا تعقّبه بقوله: «و الـجنابـة و عن الـحيض» لا يبعد ظهوره في الـبدليـة و إن كان وقوعه في لفظ الـراوي لا يفيد شيئاً، و ليس قول الإمام (عليه السلام) تقريراً لذلك، لكن مع تعقّبه به يدفع ذلك.
و الإنصاف: أنّ تلك الـروايات لا تكون في مقام إفادة بدليـة الـتيمّم و أصا لـة الـوضوء و الـغسل، بل هي بصدد مجرّد الـمعرفيّـة، نظير قوله (عليه السلام) في صحيحـة محمّد بن مسلم بعد بيان الـتيمّم: «هذا الـتيمّم على ما كان فيه الـغسل ...»(1)
بل الـظاهر من مثل قوله: «ا لـتراب أحد الـطهورين» و قوله: «إنّ اللّه جعلهما طهوراً: الـماء و الـصعيد» عدم الـبدليـة».
و قد ظهر ممّا أفاده دام ظلّه أنّه لا دليل على الـبدليـة بوجه حتّى يبحث في اعتبار قصدها و عدمه، و عليه ففيما إذا اتّحد ما عليه من الـتيمّم لا يجب الـتعيين للمبدل منه، و لا الإشارة إليه أصلاً; لأنّ الـواجب هو الـتيمّم الـواحد و قصد الـبدليـة غير معتبر.
و أمّا مع الـتعدّد كا لـحيض و مسّ الـميت مثلاً، فا لـظاهر لزوم الـتعيين، لا لأجل
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 12، الـحديث 5.
(الصفحة437)
اقتضاء الـبدليـة ذلك، بل لأنّ تعيّن نوع واحد من بين الأنواع لا طريق له غير الـقصد، كما عرفت من «ا لـمصباح».
في اعتبار مقارنـة الـنيّـة للضرب
ا لـثاني: الـمقارنـة للضرب و اعتبارها واضح على تقدير كون الـضرب من أجزاء الـتيمّم و أفعا لـه، و ذلك لاعتبار مقارنـة الـنيّـة لأوّل أفعال الـعبادة، بداهـة عدم جواز تأخيرها عنه.
و أمّا على تقدير كون الـضرب معتبراً في الـتيمّم على نحو الـشرطيـة، فقد مرّ في مبحث الـضرب أنّه ربّما يقال بجواز تأخير الـنيّـة عنه، ولكن عرفت هناك اندفاعه، و أنّه لا فرق بين الـجزئيـة و الـشرطيـة من هذه الـجهـة، فراجع.
في الـمباشرة
ثانيها: الـمباشرة، و الـدليل على اعتبارها في الـتيمّم هو الـدليل على اعتبارها في الـوضوء و شبهه، و قد فصّلنا الـقول في ذلك في باب الـوضوء، و لا حاجـة معه إلى الإعادة.
في اعتبار الـترتيب في الـتيمّم
ثا لـثها: الـترتيب بين أفعال الـتيمّم بنحو عرفت، و قد ادّعي الإجماع على اعتباره كما في محكيّ «ا لـغنيـة» و «ا لـمنتهى» و «إرشاد الـجعفريـة» و «ا لـمدارك» و «ا لـمفاتيح»، و استظهر من «ا لـتذكرة» و «ا لـذكرى».
(الصفحة438)
و عن الـمرتضى أنّ كلّ من أوجب الـترتيب في الـوضوء أوجبه فيه، فمن فرّق بينهما خرق الإجماع.
و عن بعضهم ترك ذكر الـترتيب مطلقاً، أو فيما هو بدل عن الـوضوء، و عن جماعـة ترك ذكره بين الـكفّين.
و مثله يوجب الـوهن في الاستناد إلى الإجماع الـذي ربّما يقال بأنّه هو الـعمدة في دليل اعتبار الـترتيب، نعم لا يبعد جواز الاتّكال على الـشهرة الـتي لا ارتياب في تحقّقها، لا لأجل كونها حجّـة في نفسها، بل لأجل أنّ تحقّقها في الـمقام ـ بعد كون مقتضى إطلاق الـكتاب و الـسنّـة عدم اعتباره بين الـكفّين ـ يكشف عن وجود دليل عليه، كما أنّه يمكن الاستدلال عليه با لـسيرة الـعمليـة الـمستمرّة من الـمتشرّعـة في مثل هذه الـمسأ لـة الـتي تعمّ بها الـبلوى، فإنّ الـظاهر اتّصا لـها إلى زمن الـمعصوم الـكاشف عن الأخذ منه.
و أمّا الأدلّـة اللفظيـة، فمقتضى إطلاق الـكتاب عدم اعتباره أصلاً إلاّ بالإضافـة إلى الـضرب على الأرض على سائر الأجزاء; لعدم تحقّق الـمسح بدونه، و هو كا لـضروري، و أمّا في غيره فلا دلالـة له عليه.
نعم، ذكر الـعلاّمـة الـماتن دام ظلّه في «ا لـرسا لـة» ما ملخّصه: «أنّه يستفاد من الآيـة بضميمـة الارتكاز الـعقلائي أنّ فاقد الـماء يقصد الـصعيد لتحصيل الـطهور الـذي كان يحصل با لـماء، و أنّه يجب أن يفعل معه ما يفعل مع الـماء عند فقده، فلو لم تتعرّض الآيـة لكيفيته، و اقتصرت على قوله: (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) لكان الـمتفاهم الـعرفي منها قيام الـصعيد مقام الـماء، فيفهم منه ما فهمه عمّار من الـتمعّك على الـصعيد للغسل و مسح أعضاء الـوضوء با لـكيفيـة الـتي فيه للحدث الأصغر.
(الصفحة439)
و با لـجملـة: الـمتفاهم منه وضع الـتراب موضع الـماء من غير تغيير و تبديل في الـكيفيـة، و أنّ الـتبديل إنّما هو فيما يتطهّر به فقط، و حينئذ نقول مع تعقّب ذلك بقوله: (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ) منه يستفاد منه سقوط الـمسح على الـرجل و الـرأس، و عدم كونه إلى الـمرفق و لا على جميع الـوجه لمكان الـباء.
و أمّا سائر ما يعتبر فيه من الـشرائط و الـموانع فبقيت على حا لـها، كا لـبدئـة با لـوجه، و با لـيمنى، و طهارة الـمحالّ، و سائر الـشرائط.
أقول: بعد عدم دلالـة الآيـة على اعتبار الـترتيب في الـوضوء، و استفادة اعتباره من غيرها، كيف يمكن استفادته في الـتيمّم من آيته؟! إلاّ أن يقال إنّه لا منافاة بين عدم دلالـة الآيـة على اعتباره في الـوضوء، و دلالـة آيـة الـتيمّم على اعتبار كلّ ما يعتبر في الـوضوء في الـتيمّم و لو استفيد اعتباره من دليل خارج، نظراً إلى أنّ مفادها قيام الـصعيد مقام الـماء، و ثبوت الاختلاف في خصوص ما تدلّ عليه، و ليس من موارده الـترتيب.
و أمّا الـروايات: فلا إشكال في دلالتها على تقدّم مسح الـوجه على مسح الـكفّين، و لأجلها يقيّد إطلاق الـكتاب و بعض الـروايات، إنّما الإشكال في استفادة الـترتيب بين الـكفّين منها، و ربّما يستدلّ لها بموثّقـة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «أتى عمّار بن ياسر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول اللّه، إنّي أجنبت الليلـة فلم يكن معي ماء.
قال: كيف صنعت؟
قال: طرحت ثيابي و قمت على الـصعيد فتمعّكت فيه.
فقال: هكذا يصنع الـحمار، إنّما قال اللّه عزّوجلّ: (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً). فضرب
(الصفحة440)
بيديه على الأرض، ثمّ ضرب إحداهما على الاُخرى، ثمّ مسح بجبينه، ثمّ مسح كفّيه كلّ واحدة على ظهر الاُخرى، فمسح اليسرى على الـيمنى، وا لـيمنى على اليسرى»(1)
.
نظراً إلى أنّ حكايـة أبي جعفر (عليه السلام) قصّـة عمار لم تكن لمجرّد بيان الـقصّـة و حكايـة أمر تأريخي، بل كانت لمجرّد بيان الـحكم الـشرعي الإلهي، و عليه فلا مجال لأن يقال بعدم الـدلالـة على الـوجوب، لأنّ مجرّد وقوع الـترتيب بين الأفعال لا يدلّ على وجوبه، لأنّه من ضروريات الأفعال الـتي لا يمكن الـجمع بينها، فإنّ الـظاهر أنّ مثل هذه الـحكايـة لا يقصر عن الـبيان الابتدائي.
و حينئذ نقول: إنّه لو لم يكن الـترتيب بين الـكفّين معتبراً لاقتصر على قوله (عليه السلام): «فمسح كفّيه كلّ واحدة على ظهر الاُخرى» لكفايته في مقام بيان الـحكم، فلابدّ أن يكون لقوله (عليه السلام) بعد ذلك: «فمسح الـيسرى على الـيمنى ...» نكتـة، و لابدّ و أن تكون هي مسأ لـة الـترتيب، لعدم تصوّر نكتـة اُخرى غيرها، إلاّ أن يقال: إنّ الإتيان بكلمتي «ثمّ»، أو «ا لـفاء» في غير الـيدين، و الـعطف با لـواو في خصوصهما، ينفى كون الـنظر إلى الـترتيب، لأنّه مع إرادته لكان الـلازم الـعطف بإحداهما، كما لايخفى.
و الإنصاف: أنّ الـروايـة لا تخلو عن إشعار بل دلالـة على اعتبار الـترتيب بين الـيدين.
و يؤيّده ما عن «ا لـعيّاشي»، عن زرارة قال: سأ لـت أباجعفر (عليه السلام) عن الـتيمّم. فقال: «إن ّ عمّاراً ...» ثمّ ساقها باختلاف يسير مع الـموثّقـة، و قال في ذيلها: «ثمّ دلك إحدى يديه بالاُخرى على ظهر الـكفّ بدأ با لـيمنى»(2)
.
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 11، الـحديث 9.
(2)
مستدرك الـوسائل، أبواب الـتيمّم، الـباب 11، الـحديث 3.
|