(الصفحة461)
مسأ لـة 4: من قطعت إحدى يديه ضرب الأرض با لـموجودة و مسح بها جبهته، ثمّ مسح ظهرها بالأرض، و الأحوط الـجمع بينه و بين توليـة الـغير إن أمكن، بأن يضرب يده على الأرض و يمسح بها ظهر كفّ الأقطع.
و من قطعت يداه يمسح بجبهته على الأرض، و الأحوط توليـة الـغير أيضاً إن أمكن، بأن يضرب يديه على الأرض و يمسح بهما جبهته، هذا كلّه فيمن ليس له ذراع، وإلاّ فتيمّم بها و با لـموجودة، و الأحوط مسح تمام الـجبهـة و الـجبينين با لـموجودة بعد الـمسح بها و با لـذراع على الـنحو الـمتعارف، هذا في الـصورة الاُولى، و كذا الـكلام في الـثانيـة، فمقطوع الـيدين لو كان له الـذراع تيمّم بها، و هو مقدّم على مسح الـجبهـة على الأرض و على الاستنابـة، بل الأحوط تنزيل الـذراع منزلـة الـكفّين في الـمسح على ظهرهما في مقطوع الـيدين، و على ظهر الـمقطوع في الآخر1 .
(1) في هذه الـمسأ لـة فرعان:
فيمن قطعت إحدى يديه
الأوّل: الأقطع بإحدى الـيدين، و فيه فرضان:
ا لـفرض الأوّل: الأقطع بها و عدم ثبوت الـذراع له، و لا إشكال في وجوب الـتيمّم و عدم سقوطه بالإضافـة إليه، لقاعدة الـميسور، و مقتضاها الاكتفاء بضرب الـيد الـموجودة بالأرض و مسح الـجبهـة بها، ثمّ مسح ظهرها بالأرض، ولكنّ الاحتياط يقتضي الـجمع بينه، و بين توليـة الـغير مع الإمكان، بأن يضرب يده على الأرض و يمسح بها ظهر كفّ الأقطع.
(الصفحة462)
و الـظاهر أنّ الـمراد با لـيد فيه هي الـيد الـمغايرة لليد الـموجودة للأقطع، و هي الـيد الـتي تكون مكان يد الأقطع الـمقطوعـة.
ولكنّه ذكر في «ا لـعروة»: «و الأحوط الاستنابـة لليد الـمقطوعـة، فيضرب بيده الـموجودة مع يد واحدة للنائب و يمسح بها جبهته و يمسح الـنائب ظهر يده الـموجودة، و الأحوط مسح ظهرها على الأرض أيضاً».
أقول: رعايـة الـجمع بين الـكيفيات الـمحتملـة تقتضي الـجمع بين مسح تمام الـجبهـة با لـيد الـموجودة، و بين مسحه بها و بيد واحدة للنائب، كما أنّها تقتضي الـجمع بين مسح ظهر الـيد الـموجودة على الأرض، و بين مسح الـنائب إيّاها.
وعليه فكلّ من الكيفيتين المذكورتين إحداهما هنا، والاُخرى في «ا لعروة» بعنوان الاحتياط المقتضي للجمع، لايكون احتياطاً جامعاً للكيفيات الـمحتملة، كما لايخفى.
ا لـفرض الـثاني: الأقطع بإحدى الـيدين مع ثبوت الـذراع له، و هو تارة يكون مقطوع الإصبع فقط، و اُخرى تكون كفّاه مقطوعتين من الـزند.
ففي الأوّل: لا يبعد أن يقال بأنّ الـمستفاد من نفس الـخطاب الـمتوجّه إلى الـمكلّفين ـ و لو كان لأجل مناسبات مغروسـة في الأذهان ـ دخوله تحت الـخطاب، فيتيمّم با لـيد الـموجودة الـسليمـة و الـناقصـة، كما في باب الـوضوء، فإنّ قوله تعا لـى: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ إِلَى الْـمَرافِقِ) لا يكون منحصراً با لـسا لـم من جهـة الـوجه و الأيدي، ضرورة أنّ ذا الـيد الـناقصـة مثلاً لا يستفيد من الآيـة إلاّ وجوب غسلها أيضاً كا لـيد الـسليمـة، بل ذكر الـماتن دام ظلّه في «رسا لـة الـتيمّم»: «لا يبعد أن يقال: إنّ الـكفّ كا لـيد و الـرجل صادقـة على الـكلّ و الـبعض، لكن ينصرف مثل قوله: «اضرب كفّيك» إلى ضرب جميعهما، وهو يتمّ مع سلامـة الـكفّ، ومع
(الصفحة463)
نقصها، يصدق أنّه ضرب كفّيه على الأرض حقيقـة».
وفي الـثاني: مقتضى إطلاق المتن أنّه يتيمّم بها وبا لموجودة، وظاهره قيام الذراع مقام الـكفّ في الـمسح على الـجبهـة و الـمسح على ظهرها، فقيامها مقامه إنّما هو في جميع الـجهات، ولكنّ قوله في الـذيل: «بل الأحوط تنزيل الـذراع منزلـة الـكفّين ..» يشعر بعدم كون الـمراد من الـتيمّم بها وقيامها مقام الـكفّ إلاّ الـقيام مقامه في الـمسح على الـجبهـة، لا في الـمسح على ظهرها أيضاً، و وجه الـفرق عدم شمول الـخطابات للذراع; لعدم كونها جزء للكفّ، و عدم كون مسح الـذراعين ميسور مسح الـكفّين، و إلاّ لصحّ أن يقال بلزوم مسح الـرجل أو سائر الـجسد بدل الـيد إذا قطعت يداه من الأصل.
و كيف كان: فمقتضى الاحتياط مسح تمام الـجبهـة و الـجبينين با لـيد الـموجودة الـسليمـة بعد الـمسح بها و با لـذراع على الـنحو الـمتعارف، كما أنّ الأحوط تنزيل الـذراع منزلـة الـكفّين في الـمسح على ظهرها.
فيمن قطعت يداه
ا لـفرع الـثاني: الأقطع بكلتا الـيدين فإن لم يكن له ذراع أيضاً، فا لـلازم بعد عدم سقوط الـتيمّم لأجل أنّه لا تترك الـصلاة بحال مسح الـجبهـة على الأرض، ولكنّ الأحوط توليـة الـغير أيضاً، بأن يضرب يديه على الأرض و يمسح بهما جبهته.
و إن كان له ذراع، فإن كان مقطوع الإصبع فقط، فا لـحكم فيه ما تقدّم من وجوب الـتيمّم با لـيدين الـناقصتين، و عدم منافاته للضرب با لـكفّ الـمأمور به في باب الـتيمّم; لأنّ وجوب ضرب الـجميع إنّما هو مع سلامـة الـكفّ دون نقصها، فإنّه يكتفي فيه با لـمقدار الـموجود كما في باب الـوضوء.
(الصفحة464)
مسأ لـة 5: في مسح الـجبهـة و الـيدين يجب إمرار الـماسح على الـممسوح، فلا يكفي جرّ الـممسوح تحت الـماسح، نعم لا تضرّ الـحركـة الـيسيرة في الـممسوح إذا صدق كونه ممسوحاً1 .
و إن كان مقطوعاً من الـزندين، فا لـحكم فيه يعلم من مثله في الـفرع الأوّل من دون فرق، إلاّ في أنّه لا يجري هنا الاحتياط الـمذكور هناك في مسح الـجبهـة، كما لا يخفى.
في وجوب إمرار الـماسح
(1) وجوب إمرار الـماسح على الـممسوح و عدم كفايـة جرّ الـممسوح تحت الـماسح إنّما هو لعدم تحقّق معنى الـمسح بدونه، فإنّ الـمسح مغاير للمسّ الـذي يكفي فيه مجرّد الاتّصال و الـمماسّـة، ضرورة أنّه يعتبر فيه الـحركـة، كما أنّه لا يكفي فيه حركـة الـممسوح و جرّه تحت الـماسح، بل يعتبر فيه حركـة الـماسح و إمراره.
ولكنّه ذكر في «ا لـمستمسك»: «أنّه لا يخلو عن إشكال، لصحّـة قولنا: «مسحت يدي با لـجدار أو بالأرض» بلا عنايـة، و لا تجوّز، و حمله على الـقلب خلاف الـمرتكز منه عرفاً; إذ الـمصحّح لدخول الـباء على آلـة الـمسح ليس هو مرورها على الـممسوح مع سكونه، بل الـمصحّح كون الآلـة غير مقصودة بالأصا لـة، فإذا كانت الأرض قذرة صحّ قولنا: «امسح الأرض بيدك»، و لا يصحّ قولنا: «امسح يدك بالأرض»، و إذا كانت الأرض قذرة كان الأمر با لـعكس، و إذا اُريد تطهير الـجبهـة با لـيد لما في الـيد من الأرض صحّ قولنا: «امسح الـجبهـة بيدك»، و لايصحّ «امسح يدك با لـجبهـة» و إذا اُريد الـعكس كان الأمر با لـعكس، فا لـمصحّح لدخول الـباء على الـشيء و كونه ملحوظاً آلـة لإحداث أثر في الـممسوح، لا مروره و حركته على الـممسوح مع سكونه
(الصفحة465)
كما يظهر با لـتأمّل في موارد الاستعمال، فتأمّل جيّداً».
أقول: ليس الـبحث في الـمصحّح لدخول الـباء على الـشيء في باب الـمسح، بل الـكلام في معنى الـمسح و حقيقته الـمتقوّمـة بوجود الـماسح و الـممسوح، و أنّه يعتبر في تحقّق هذه الـحقيقـة إمرار الـماسح و جرّه على الـممسوح، و أنّه لا يكفي الـعكس، خصوصاً بعد عدم اشتمال آيـة الـتيمّم على آلـة الـمسح و عدم الـتعرّض لها، و كون الـباء في قوله تعا لـى: (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ ...) للتبعيض، كما عرفت الـكلام فيه مفصّلاً.
فا لـظاهر ما أفاده في الـمتن، نعم لا تضرّ الـحركـة الـيسيرة في الـممسوح مع صدق كونه ممسوحاً، لما مرّ من الـملاك.
(الصفحة466)
(الصفحة467)
ا لـقول في أحكام الـتيمّم
مسأ لـة 1: لا يصحّ الـتيمّم على الأحوط للفريضـة قبل دخول وقتها و إن علم بعدم الـتمكّن منه في الـوقت على إشكال، و الأحوط احتياطاً لا يترك لمن يعلم بعدم الـتمكّن منه في الـوقت إيجاده قبله لشيء من غاياته، و عدم نقضه إلى وقت الـصلاة مقدّمـة لإدراكها مع الـطهور في وقتها، بل وجوبه لا يخلو من قوّة.
و أمّا بعد دخول الـوقت، فيصحّ و إن لم يتضيّق مع رجاء ارتفاع الـعذر في آخره و عدمه، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط مع رجاء ارتفاعه، و مع الـعلم بالارتفاع يجب الانتظار، و الأحوط مراعاة الـضيق مطلقاً، و لا يعيد ما صلاّه بتيمّمه الـصحيح بعد ارتفاع الـعذر من غير فرق بين الـوقت و خارجه1 .
(1) الـكلام في هذه الـمسأ لـة يقع في مقامين:
في الـتيمّم قبل الـوقت
ا لـمقام الأوّل: ا لـتيمّم قبل دخول وقت الـفريضـة لأجلها، و لا خلاف ظاهراً في عدم صحّـة هذا الـتيمّم، و استفاض نقل الإجماع عليه، بل بلغ الـنقل من زمان الـمحقّق و من بعده إلى ثلاثـة عشر أو أكثر، و لو انضمّ إليه فحوى الإجماعات الـمنقولـة على عدم الـصحّـة في سعـة الـوقت يكاد يتجاوز عن الـعشرين.
و الـظاهر أنّ الـدليل على عدم الـجواز هي الـفتاوى الـكاشفـة عن الـمعهوديـة من الـصدر الأوّل، و لا يكون مستنداً إلى الـدليل الـعقلي الـمتوهّم في الـمقام، و هو أنّ الـصلاة من قبيل الـواجب الـمشروط بالإضافـة إلى الأوقات، و قبل مجيء وقتها
(الصفحة468)
لايكون الـتكليف بها فعلياً، و مع عدم فعليـة وجوب ذي الـمقدّمـة لا تعقل فعليـة وجوبها; لعدم إمكان تحقّق الـمعلول قبل علّته، و معه كيف يمكن أن يقع الـتيمّم صحيحاً مع توقّفه على الإتيان به بداعي الأمر و هو غير متحقّق؟!
أمّا أوّلاً: فلإمكان الـمناقشـة ـ بل الـنظر ـ في كون الـصلاة من قبيل الـواجب الـمشروط بالإضافـة إلى الـوقت، نظراً إلى إمكان دعوى ظهور الـكتاب و الـسنّـة في الـوجوب الـتعليقي، كقوله تعا لـى: (أَقِمِ الـصَّلاةَ لِدُلُوكِ الـشَّمْسِ إِلى غَسَقَ اللَّيْلِ)، و قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيحـة زرارة: «إنّما فرض اللّه عزّوجلّ على الـناس من الـجمعـة إلى الـجمعـة خمساً و ثلاثين صلاة».
فا لـوجوب فعلي و الـواجب استقبا لـي، لا لأجل عدم إمكان الـواجب الـمشروط على الـطريقـة الـمشهورة، بل لأجل الـظهور في غيره، كما هو ظاهر.
و أمّا ثانياً: فلعدم كون الـمقدّمـة واجبـة با لـوجوب الـشرعي الـغيري، و قد حقّقناه في محلّه من الاُصول.
و أمّا ثا لـثاً: فلعدم كون الأمر الـغيري صا لـحاً لتصحيح الـعباديـة، كما قرّر في محلّه أيضاً.
و أمّا رابعاً: فلإمكان وجوب الـمقدّمـة قبل وجوب ذيها; لأنّ مرجع الـملازمـة الـتي يدّعيها الـقائل بوجوب الـمقدّمـة ليس إلى ثبوت وجوب شرعي غير اختياري متعلّق با لـمقدّمـة، بحيث كان الـبعث إليها معلولاً للبعث إليه، و كان الآمر مقهوراً في الـبعث إليها من دون حصول مقدّمات الـبعث، بل مرجعها إلى ثبوت وجوب اختياري، ناش من مقدّماته الـتي هي عبارة عن تصوّر الـمقدّمـة و تصوّر الـمقدّميـة و الـتصديق بها و إدراك لزوم حصولها قبله بفعل الـعبد، و إذا كان كذلك لا يبقى فرق بين الـواجب
(الصفحة469)
ا لـمطلق و الـواجب الـمشروط بعد تحقّق شرطه، و بينه قبل تحقّقه، فإنّه للمولى أن يبعث إلى الـمقدّمـة قبل تحقّق شرط الـوجوب، لتماميـة مبادئ الـبعث إليها، خصوصاً فيما إذا رأى عجز الـمكلّف عن تحصيلها بعد تحقّق الـشرط الـمذكور، لكنّه لا ينحصر بصورة رؤيـة الـعجز، بل يعمّ غير هذه الـصورة أيضاً.
فانقدح: أنّه لا تكون الـفتاوى مستندة إلى الأمر الـعقلي الـمذكور لعدم تماميته، ولكن موردها ما إذا تيمّم قبل الـوقت للصلاة الـمشروطـة به، و بهذا يقع الإشكال في الـفرق بينه و بين الـوضوء الـتأهّبي الـتهيّوئي الـمفتى به عندهم، بناء على كون الـمراد به هو الـوضوء للصلاة قبل وقتها، لأنّ الـتهيّؤ للفريضـة عبارة اُخرى عن كونه لها، فإنّه حينئذ لا يبقى فرق بين الـوضوء و بين الـتيمّم.
نعم، لو كان الـمراد به هو الـوضوء لأجل الـكون على الـطهارة، أو قيل بأنّ نفس الـتهيّؤ للصلاة غايـة اُخرى غير كونه لها الـمساوق للغيريـة، يرتفع الإشكال.
و ربّما يقال في مقام الـفرق: بأنّ نظر الأصحاب في الإجماع على عدم صحّـة الـتيمّم قبل الـوقت ما يقابل صحّته آخر الـوقت و صحّته في الـسعـة، فإنّ عباراتهم في بيان الـحكم الـمذكور هكذا: «لا يصحّ الـتيمّم قبل الـوقت إجماعاً، و يصحّ في آخر الـوقت إجماعاً، و في صحّته في سعـة الـوقت خلاف».
فكأنّ نظرهم إلى أنّ فقدان الـماء قبل الـوقت غير مجز في صحّـة الـتيمّم و صحّـة الـصلاة به إجماعاً، و فقدانه في سعـة الـوقت محلّ الـخلاف، و فقدانه في آخر الـوقت مجز في الـصحّـة إجماعاً، فكأنّهم قصدوا الإجماع على اعتبار الـفقدان في الـوقت في مقابل الـفقدان قبله فإنّه لا يكفي في صحّـة الـتيمّم و لو قلنا بتعلّق الأمر الـغيري به لعدم الدليل على الاجتزاء بذلك، وأدلّة الـتشريع واردة في فقدان الـماء في الـوقت لاغير.
(الصفحة470)
و يمكن الاستشكال فيه: بأنّ مقتضى إطلاق كلامهم عدم صحّـة الـتيمّم قبل الـوقت و لو مع الـعلم با لـفقدان فيه و في جميع الـوقت، بحيث كان نظرهم إلى نفس وقوعه قبل الـوقت الـذي يكون الـوجوب مشروطاً به، و عليه فلا مجال لحمل عباراتهم على الـفقدان.
نعم، يمكن أن يقال: بأنّ الـقدر الـمتيقّن من معاقد الإجماعات الـمنقولـة الـمستفيضـة صورة عدم الـعلم ببقاء الـفقدان في تمام أجزاء الـوقت، ولكن مع ذلك حمل عباراتهم على ما ذكر بلا شاهد.
و أشدّ إشكالاً ممّا ذكر: أنّ الأصحاب مع حكمهم بعدم صحّـة الـتيمّم قبل الـوقت، قد ادّعي إرسا لـهم صحّـة الـتيمّم قبل الـوقت لغايـة اُخرى حتّى الـكون على الـطهارة إرسال الـمسلّمات.
و الـوجه في الإشكال: أنّ مورد الإجماع الأوّل ـ كما عرفت ـ و إن كان هو الـتيمّم للفريضـة بحيث كانت الـفريضـة غايـة له، إلاّ أنّ الـظاهر كون الـطهارة الـمترتّبـة على الـتيمّم واسطـة، بمعنى كون الـصلاة مشروطـة با لـطهارة، و الـغايـة الأوّليـة ليست إلاّ نفس الـطهارة، و عليه فا لـتيمّم للفريضـة مرجعه إلى الـتيمّم للطهارة الـتي هي شرط الـفريضـة من دون فرق بين الـوقت و قبله.
وحينئذ كيف يجتمع الحكم بعدم الـصحّة قبل الـوقت إذا أتى به لغايـة الـفريضة، مع الـحكم با لـصحّـة قبله إذا أتى به لغايـة اُخرى، حتّى الـكون على الـطهارة، مع أنّ الـغايـة الأوّليـة الـمترتّبـة دائماً هي الـطهارة، و الـفريضـة مشروطـة بها؟!
إلاّ أن يقال با لـفرق من جهـة الـغايـة الـثانويـة، و أنّها إذا كانت الـفريضـة فيتحقّق الـبطلان في الـتيمّم قبل الـوقت، و إذا كانت غيرها، أو لم تكن هناك غايـة
(الصفحة471)
ثانويـة، فا لـلازم هي الـصحّـة، ولكنّه بعيد جدّاً.
و كيف كان: إن فرض فرق فهو مستند لا محا لـة إلى الإجماع، و لا يمكن تطبيقه على الـقواعد، فتدبّر.
و ممّا ذكرنا ظهر وجه استشكال الـمتن في الـحكم بعدم الـصحّـة مع الـعلم ببقاء الـفقدان إلى آخر الـوقت، كما أنّه ظهر وجه الاحتياط في صورة الـعلم الـمذكورة بالإتيان با لـتيمّم قبل الـوقت لغايـة اُخرى غير الـفريضـة، ثمّ إبقائه و عدم نقضه إلى أن يصلّي معه، كما أنّه ظهر أيضاً أنّ عدم خلو الـحكم با لـوجوب عن الـقوّة الـراجع إلى الـفتوى به إنّما هو لما ذكرناه أخيراً.
في الـتيمّم في الـوقت
ا لـمقام الـثاني: في الـتيمّم في الـوقت، و الـكلام فيه يقع في فرضين:
الأوّل: في الـتيمّم في ضيق الـوقت، و لا إشكال و لا كلام في صحّته، و قد عرفت الإجماع عليها، و هو الـقدر الـمتيقّن من موارد الـتيمّم، و قد تقدّم أنّه من جملـة الأعذار الـمسوّغـة للتيمّم ضيق الـوقت عن استعمال الـماء الـموجود، فمع فقدانه أو سائر الأعذار يصحّ الـتيمّم بلا ريب.
ا لـثاني: الـتيمّم في سعـة الـوقت، و فيه خلاف، فا لـمنسوب إلى الـمشهور أو الأشهر أو الأكثر أو الإجماع هو عدم الـجواز مطلقاً، و عن جملـة من كتب الأساطين من الـمتقدّمين و الـمتأخّرين هو الـجواز مطلقاً، بل عن «ا لـمهذّب الـبارع» أنّه مشهور كا لـقول الأوّل، و حكى إطباق جمهور الـعامّـة عليه.
وعن جماعة الـتفصيل بين صورة الـعلم باستمرار العجز فيصحّ، وعدمه فلايصحّ،
(الصفحة472)
و عن «جامع الـمقاصد» أنّ عليه أكثر الـمتأخّرين، و عن «ا لـروضـة» أنّه الأشهر بين الـمتأخّرين.
و هنا قول رابع: و هو الـتفصيل بين صورة الـعلم برفع الـعذر فلا يجوز، و غيرها فيجوز، و اختاره جماعـة من متأخّري الـمتأخّرين، و يحتمل أن يكون الـقول الأوّل راجعاً إليه، بدعوى انصرافه عن هذه الـصورة كما لا تبعد.
و كيف كان: فا لـلازم ملاحظـة الأدلّـة اللفظيـة بعد تراكم الآراء، و عدم سهولـة تحصيل الـشهرة، فضلاً عن الإجماع، بل عدم إمكانه.
فنقول: قد استدلّ للجواز مطلقاً با لـكتاب و الـسنّـة:
أمّا الـكتاب: فإطلاق الآيـة الـكريمـة الـواردة في الـتيمّم حيث إنّ مقتضاها تسويغ الـتيمّم مع الـعذر في أيّ زمان أراد الـصلاة.
و قد استشكل في الاستدلال بها الـسيّد الـمرتضى (قدس سره) في «الانتصار»، و ملخّصه: «أنّ الـمراد من قوله تعا لـى: (إِذا قُمْتُمْ إِلى الـصَّلاةِ ...) إذا أردتم الـقيام بلا خلاف، ثمّ أتبع ذلك بحكم الـعادم للماء، فمن تعلّق بالآيـة لجواز الـتيمّم في أوّل الـوقت لابدّ أن يدلّ على جواز إرادته الـقيام للصلاة، فإنّا نخا لـف ذلك و نقول ليس لمن عدم الـماء أن يريدها أوّل الـوقت، و إرادة الـصلاة شرط في الـجملتين، و إلاّ لزم وجوب الـتيمّم على الـمريض و الـمسافر إذا حدثا و إن لم يريدا الـصلاة، و هذا لا يقول به أحد».
و قد اُجيب عنه:
أوّلاً: بعدم كون إرادة الـقيام إلى الـصلاة شرطاً للوضوء أو الـتيمّم أو وجوبهما، بل الآيـة الـكريمة مسوقة لإفادة شرطية الطهور للصلاة، كما هو الـمتفاهم عرفاً في أشباه هذه التراكيب، سيّما في مثل العناوين الآلية وا لـطريقيـة الـمأخوذة في تلو الـشرط.
(الصفحة473)
و ثانياً:بأنّ إرادة الـقيام إلى الـصلاة ـ على تقدير شرطيتها ـ تكون مدخليتها في الـوضوء و الـغسل و الـتيمّم على نسق واحد، كما يقتضيه ظاهر الـكريمـة، ففي كلّ مورد أراد الـقيام إلى الـصلاة يجب عليه الـطهارة الـمائيـة مع الإمكان، و الـترابيـة مع الـعجز من دون فرق و تفكيك بين الـطهارتين الـمائيـة و الـترابيـة من هذه الـجهـة، فإذا أراد الـقيام إلى الـصلاة أوّل الـوقت يتحقّق بالإضافـة إليه شيء كلا الـفرضين، كما أنّه في آخر الـوقت كذلك، فلا مجال للتفكيك أصلاً.
فالإنصاف: تماميـة إطلاق الآيـة و صلاحيتها للاستدلال بها على جواز الـتيمّم في الـسعـة، خصوصاً مع ملاحظـة الـذيل الـدالّ على أنّ تشريع الـتيمّم إنّما هو لدفع الـحرج عن الـمريض و غيره، فإنّ مقتضاه عدم لزوم الـصبر على الـمريض و الـفاقد إلى الـغروب و إلى نصف الليل أو آخره، كما لا يخفى.
و أمّا الـسنّـة: فعلى طوائف:
ا لـطائفـة الاُولى: ما دلّت على الـصحّـة مع الـتصريح بسعـة الـوقت مع الـحكم بعدم لزوم الإعادة، مثل موثّقـة أبي بصير قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن رجل تيمّم و صلّى، ثمّ بلغ الـماء قبل أن يخرج الـوقت.
فقال: «ليس عليه إعادة الـصلاة»(1)
.
و صحيحـة يعقوب بن سا لـم أو موثّقته، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) في رجل تيمّم و صلّى، ثمّ أصاب الـماء و هو في وقت.
قال: «قد مضت صلاته و ليتطهّر»(2)
.
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 14، الـحديث 11.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 14، الـحديث 14.
(الصفحة474)
و روايـة علي بن أسباط، عن علي بن سا لـم، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: قلت له: أتيمّم و اُصلّي، ثمّ أجد الـماء و قد بقي عليّ وقت.
فقال: «لا تعد الـصلاة، فإنّ ربّ الـماء هو ربّ الـصعيد ...». الـحديث(1)
.
و صحيحـة زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): فإن أصاب الـماء و قد صلّى بتيمّم و هو في وقت.
قال: «تمّت صلاته و لا إعادة عليه»(2)
.
و الـظاهر أنّ قول الـسائل: «و هو في وقت» متعلّق بقوله: «فإن أصاب الـماء»، لا بقوله: «و قد صلّى بتيمّم»، خصوصاً مع الـتعبير بنفي الإعادة.
و روايـة معاويـة بن ميسرة قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل في الـسفر لا يجد الـماء، تيمّم فصلّى، ثمّ أتى الـماء و عليه شيء من الـوقت، أيمضي على صلاته، أم يتوضّأ و يعيد الـصلاة؟
قال: «يمضي على صلاته، فإنّ ربّ الـماء هو ربّ الـتراب»(3)
.
و الـمستفاد من هذه الـروايات مفروغيـة جواز الـتيمّم و صحّته في سعـة الـوقت و الـدخول معه في الـصلاة، و إنّما كان مورد الـسؤال و الـشكّ هى الإعادة و لزومها بعد وجدان الـماء و قد بقي من الـوقت مقدار الـصلاة مع الـوضوء، فأصل الـحكم مفروغ عنه عند الـسائلين، و قد قرّرهم الإمام (عليه السلام) على ذلك.
و من هذه الـطائفـة مرسلـة حسين الـعامري، عمّن سأ لـه عن رجل أجنب فلم
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 14، الـحديث 17.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 14، الـحديث 9.
(3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 14، الـحديث 13.
(الصفحة475)
يقدر على الـماء، و حضرت الـصلاة فتيمّم با لـصعيد، ثمّ مرّ با لـماء و لم يغتسل، و انتظر ماء آخر وراء ذلك، فدخل وقت الـصلاة الاُخرى و لم ينته إلى الـماء، و خاف فوت الـصلاة.
قال: «يتيمّم و يصلّي، فإنّ تيمّمه الأوّل انتقض حين مرّ با لـماء و لم يغتسل»(1)
.
و غير ذلك من الـروايات الـواردة في الأبواب الـمتفرّقـة الـظاهرة في جواز الـتيمّم في الـسعـة، و عدم لزوم الإعادة.
ا لـطائفـة الـثانيـة: ما تدلّ بالإطلاق على الـصحّـة في الـسعـة مع الـتصريح بعدم لزوم الإعادة.
مثل: صحيحـة الـحلبي أنّه سأل أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل إذا أجنب و لم يجد الـماء.
قال: «يتيمّم با لـصعيد فإذا وجد الـماء فليغتسل و لا يعيد الـصلاة»(2)
.
و صحيحـة الاُخرى قال: سمعت أباعبدا للّه (عليه السلام) يقول: «إذا لم يجد الـرجل طهوراً و كان جنباً فليتمسّح من الأرض و ليصلّ، فإذا وجد ماء فليغتسل و قد أجزأه صلاته الـتي صلّى»(3)
.
و مثلها صحيحـة ابن سنان،(4)
و غيرها من الـروايات الـواردة بهذا الـمضمون.
ا لـطائفـة الـثا لـثـة: ما تدلّ على الـصحّـة مع الأمر بالإعادة في الـوقت عند ارتفاع الـعذر:
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 19، الـحديث 2.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 14، الـحديث 1.
(3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 14، الـحديث 4.
(4)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 14، الـحديث 7.
(الصفحة476)
مثل: صحيحـة عبدا للّه بن سنان أنّه سأل أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل تصيبه الـجنابـة في الليلـة الـباردة، و يخاف على نفسه الـتلف إن اغتسل.
فقال: «يتيمّم و يصلّي، فإذا أمن من الـبرد اغتسل و أعاد الـصلاة»(1)
.
و مثلها مرسلـة جعفر بن بشير، عمّن رواه عن أبي عبدا للّه (عليه السلام)(2)
.
و صحيحـة يعقوب من يقطين قال: سأ لـت أباا لـحسن (عليه السلام) عن رجل تيمّم فصلّى، فأصاب بعد صلاته ماءً، أيتوضّأ و يعيد الـصلاة، أم تجوز صلاته.
قال: «إذا وجد الـماء قبل أن يمضي الـوقت توضّأ و أعاد، فإن مضى الـوقت فلا إعادة عليه»(3)
.
و موثّقـة منصور بن حاذم، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) في رجل تيمّم فصلّى، ثمّ أصاب الـماء.
فقال: «أمّا أنا فكنت فاعلاً، إنّي كنت أتوضّأ و اُعيد»(4)
.
و هذه الـطوائف الـثلاث مشتركـة في إفادة صحّـة الـتيمّم في الـسعـة الـتي هي محلّ الـبحث في الـمقام، و إن كان بينها اختلاف من جهـة لزوم الإعادة في الـوقت و عدمه، و هي مسأ لـة اُخرى سيأتي الـبحث عنها، و إن كان الـظاهر فيها عدم اللزوم من جهـة صراحـة الـطائفـة الاُولى في عدم وجوب الإعادة، و مقتضى الـقاعدة حمل الـطائفـة الأخيرة الـظاهرة في الـوجوب على الاستحباب، بل موثّقـة منصور الأخيرة يمكن دعوى إشعارها بل ظهورها في عدم الـوجوب، كما لا يخفى.
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 14، الـحديث 2.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 14، الـحديث 6.
(3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 14، الـحديث 8.
(4)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 14، الـحديث 10.
(الصفحة477)
و أمّا ما استدلّ به على عدم الـجواز فروايات:
منها: صحيحـة محمّد بن مسلم، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «إذا لم تجد ماءً، و أردت الـتيمّم فأخّر الـتيمّم إلى آخر الـوقت، فإن فاتك الـماء لم تفتك الأرض»(1)
.
و قد نوقش في الاستدلال بها: بأنّ قوله (عليه السلام): «فإن فاتك الـماء ...» الـذي هو بمنزلـة الـتعليل للحكم بتأخير الـتيمّم إلى آخر الـوقت، ظاهر في أنّ الأمر با لـتأخير إنّما هو لاحتمال وجدان الـماء و إمكان تحصيل الـطهارة الـمائيـة الـتي هي الـمصداق الأرجح، لا لعدم كون الـتيمّم مع الـسعـة غير مؤثّر في حصول الـطهارة، خصوصاً مع قوله: «و أردت الـتيمّم» الـظاهر في جوازه و صحّته، كما هو ظاهر.
و منها: موثّقـة عبدا للّه بن بكير، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: قلت له: رجل أمّ قوماً و هو جنب، و قد تيمّم و هم على طهور.
قال: «لا بأس، فإذا تيمّم الـرجل فليكن ذلك في آخر الـوقت، فإن فاته الـماء فلن تفوته الأرض»(2)
.
و منها: موثّقته الاُخرى قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن رجل أجنب فلم يجد ماءً، يتيمّم و يصلّي؟
قال: «لا، حتّى آخر الـوقت، أنّه إن فاته الـماء لم تفته الأرض»(3)
.
و يجري في الـموثّقتين الـمناقشـة الـمذكورة في الـصحيحـة، فتدبّر.
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 22، الـحديث 1.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 22، الـحديث 3.
(3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 22، الـحديث 4.
(الصفحة478)
و منها: صحيحـة زرارة، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «إذا لم يجد الـمسافر الـماء فليطلب مادام في الـوقت، فإذا خاف أن يفوته الـوقت فليتيمّم و ليصلّ في آخر الـوقت، فإذا وجد الـماء فلا قضاء عليه، و ليتوضّأ لما يستقبل»(1)
.
و في نقل آخر: «فليمسك» بدل: «فليطلب».
و قد نوقش في الاستدلال بها ـ على الـنقل الأوّل ـ : أنّ ظاهرها وجوب الـطلب إلى آخر الـوقت، و هو مع مخا لـفته لتحديده بغلوة سهم أو سهمين مخا لـف لفتوى الأصحاب، فلابدّ من حملها على الاستحباب، أو تأويلها بأن يقال: إنّ الـمراد منه أنّه يجب الـطلب إذا كان في الـوقت، و كان واسعاً له من غير تعرّض لمقدار الـطلب، و مع عدم سعته له يتيمّم، فحينئذ تدلّ على جواز الـتيمّم في سعته; لأنّ قوله: «فليطلب» إذا كان في سعـة ظاهر في أنّه يتيمّم بعد الـطلب في سعته، خصوصاً مع مقابلته لخوف الـفوت، فكأنّه قال: مع خوف الـفوت يتيمّم بلا طلب، و مع سعـة بعد الـطلب.
و قد ظهر ممّا ذكرنا: أنّ الأخبار الـمانعـة لا تصلح في نفسها للاستدلال بها على الـمنع; لجريان الـمناقشـة في جميعها، و عليه فلا تصل الـنوبـة إلى مقام الـجمع بحمل الأخبار الـمجوّزة على صورة اعتقاد الـضيق خطأً، أو على صورة وجدان الـماء قبل الـفراغ من الـصلاة مع الـتيمّم، أو على كون الـتيمّم قبل الـوقت لغايـة فدخل وقت الـصلاة فصلاّها في الـسعـة، أو على صورة الـجهل بأنّ الـحكم الـمضايقـة، أو حمل آخر الـوقت في الأخبار الـمانعـة على الآخر الـعرفي، الـذي لا ينافيه وجدان الـماء فيه بعد الـصلاة، بحيث كان مدلولها هو الـمنع عن الـسعـة في الـجملـة، أو غير ذلك من وجود الـجمع.
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 14، الـحديث 3.
(الصفحة479)
ثمّ إنّه مع الإغماض عمّا ذكر، فلا شبهـة في أنّ مورد الـروايات الـمانعـة هو ما إذا احتمل ارتفاع الـعذر و الـعثور على الـماء.
أمّا ما اشتمل منها على الـتعليل بقوله: «فإن فاتك الـماء لم تفتك الأرض» فالأمر فيه واضح، ضرورة ظهور الـتعليل في احتمال زوال الـعذر و الـوصول إلى الـماء.
و أمّا صحيحـة زرارة، فعلى تقدير كون الـروايـة: «فليمسك»، فظاهرها الـبدوي و إن كان وجوب الإمساك في نفسه إلاّ أنّ الـعرف لا يكاد يفهم من ذلك الـموضوعيـة، بعد كون الـصلاة مع الـطهارة الـمائيـة فرد الـمطلوب الأعلى، خصوصاً مع استحباب الإتيان با لـصلاة في أوّل وقتها، و استحباب الـمسارعـة إلى الـخيرات و الـمغفرة من الـربّ، بل الـمتفاهم الـعرفي ليس إلاّ أنّ الأمر بالإمساك و وجوب الـتأخير إنّما هو لاحتمال إمكان تحصيل الـطهارة الـمائيـة، و الـوصول إلى فرد الـمطلوب الأعلى، لا لكون الإمساك مطلوباً نفساً، أو أن الـتيمّم مشروط بضيق الـوقت.
و من هنا يمكن أن يقال: بأنّ الـروايات الـمشتملـة على الـتعليل الـمذكور لو كانت خا لـيـة عنه لكان الـمتفاهم الـعرفي منها أيضاً ذلك، و أنّ وجوب الـتأخير إنّما هو بلحاظ إمكان الـوصول إلى الـمطلوب الأعلى، لا لخصوصيـة في الـتأخير من حيث هو.
و كيف كان: فمحطّ الـروايات الـمانعـة بأجمعها هي صورة احتمال ارتفاع الـعذر، و إمكان الـعثور على الـماء.
و عليه فربّما يقال في مقام الـجمع بينها و بين الـروايات الـمجوّزة، أنّها محمولـة على صورة الـعلم بعدم ارتفاع الـعذر و بقاء الـعجز، فينتج الـقول با لـتفصيل بين رجاء ارتفاع الـعذر و عدمه، و قد تقدّم نقله.
(الصفحة480)
ولكنّ الإنصاف: أنّه لا مجال لحمل الآيـة الـكريمـة و الـروايات الـمتكثّرة الـمتقدّمـة الـواردة في مقام الـبيان و تعيين الـوظيفـة من غير إشارة إلى الـقيد الـمذكور مع ندرة تحقّقه، ضرورة أنّ مورد الـعلم بعدم ارتفاع الـعذر و بقاء الـعجز في غايـة الـقلّـة.
و توهّم عدم الـندرة بلحاظ قلّـة الـماء في زمن صدور الـروايات، خصوصاً في الـسفر لقلّـة الـماء في الـبوادي، مدفوع بمنع ذلك بعد كون جزيرة الـعرب محاطـة با لـبحار، و معرضاً للأمطار الـكثيرة الـعزيزة في كثير من الأوقات، فكيف يصحّ معه حملها على مورد نادر كما هو ظاهر، خصوصاً مع عدم كون الـسائل في كثير منها من أهل الـجزيرة، مثل زرارة، و محمّد بن مسلم، و منصور بن حازم، و غيرهم من الـكوفيين، و الـبغداديين، و غيرهم؟! فا لـحمل الـمذكور غير وجيه.
و الـظاهر أنّ الـروايات الـمانعـة على تقدير تماميتها في نفسها محمولـة على الاستحباب، حملاً للظاهر على الـنصّ على فرض ظهور الأمر في الـوجوب، مع أنّه أيضاً محلّ الـكلام، كما قرّر في محلّه.
و يشهد لهذا الـحمل: روايـة محمّد بن حمران، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: قلت له: رجل تيمّم ثمّ دخل في الـصلاة، و قد كان طلب الـماء فلم يقدر عليه، ثمّ يؤتى با لـماء حين تدخل في الـصلاة.
قال: «يمضي في الـصلاة، و اعلم أنّه ليس ينبغي لأحد أن يتيمّم إلاّ في آخر الـوقت»(1)
.
فإنّ الـحكم با لـمضّي في الـصلاة من دون استفصال عن الـسعـة و الـضيق إنّما
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 21، الـحديث 3.
|