(الصفحة501)
و مراده ببعض علماء الـشيعـة ابن أبي عقيل كما قيل.
فإنّ مفاده أنّ مجرّد الإصابـة، يكفي في الـتطهير با لـماء الـكثير، من دون توقّف على تحقّق الـغسل، فضلاً عن تعدّده كما لا يخفى.
و يرد عليه: عدم صلاحيـة الـروايـة للاستدلال بها; لكونها مرسلـة، و لا جابر لإرسا لـها من عمل الأصحاب، بعد عدم وجودها في جوامع الـحديث، و كون الـناقل لها الـعلاّمـة في كتابه الـفقهي.
مضافاً إلى عدم ثبوت كون الـماء كثيراً; لأنّ وجود الـماء الـكذائي أعمّ من كونه كذلك.
نعم، في طهارة الـشيخ الأعظم (قدس سره) اُضيف قوله: «مشيراً إلى غدير الـماء» و الـغدير مشتمل على الـكثير نوعاً، ولكنّه لم يعلم مأخذه مع كون مراده هذا الـخبر، و هو أعرف بما قال. و على أيّ فا لـروايـة غير صا لـحـة للاستدلال.
ثا لـثها: ما أفاده في «ا لـمستمسك»: من أنّه يمكن أن يستفاد عدم اعتبار الـتعدّد ممّا ورد في ماء الـمطر من قوله (عليه السلام): «كلّ شيء يراه ماء الـمطر فقد طهر» بناءً على عدم الـقول با لـفصل بينه و بين الـكثير و الـجاري للأولويّـة.
و يرد عليه: مضافاً إلى كون الـروايـة مرسلـة ـ أنّ عدم الـقول با لـفصل إن كان مرجعه إلى الإجماع على عدم الـفصل، فا لـجواب: أنّ هذا الإجماع ـ مضافاً إلى كونه إجماعاً منقولاً و هو غير معتبر ـ غير متحقّق; لأنّهم قد فصّلوا بين ماء الـمطر و غيره بعدم اعتبارهم الـعصر في تحقّق الـطهارة با لـمطر، بخلاف غيره من سائر الـمياه.
و إن كان مرجعه إلى الأولويّـة كما هو ظاهر الـعبارة، فا لـجواب: أنّ الأولويّـة الـظنّيـة غير معتبرة، و الـقطعيـة غير متحقّقـة، خصوصاً مع ملاحظـة ما ذكرنا في
(الصفحة502)
مسأ لـة اعتبار الـعصر من الـتفصيل بين الـمطر و غيره، فهذا الـوجه أيضاً غير تامّ.
رابعها: إطلاق أدلّـة مطهّريـة الـماء من الآيات و الـروايات الـدالّـة على ذلك، و إطلاق ما دلّ على أنّ الـمتنجّس يطهر بمجرّد تحقّق غسله، من دون الـتقييد با لـعدد.
و يدفعه: أنّ هذا الإطلاق إنّما يصحّ الـرجوع إليه فيما إذا لم يكن في مقابله ما يدلّ على اعتبار الـعدد، و إلاّ فلا يبقى مجال للرجوع إليه، هذا من دون فرق بين أن يكون دليل الـعدد وارداً في مورد خاصّ كما في الـموارد الـمتقدّمـة الـتي قام الـدليل على اعتبار الـتعدّد فيها ـ كما في الـولوغ و شرب الـخمر و موت الـجرذ ـ و بين أن يكون دليل الـعدد مطلقاً; و كان مفاده اعتباره في جميع موارد الـتطهير با لـماء، فإنّ إطلاق دليله مقدّم على إطلاق دليل الـمطلق، كما لا يخفى.
خامسها: صحيحـة محمّد بن مسلم قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـثوب يصيبه الـبول.
قال: «اغسله فى الـمِرْكَن مرّتين، فإن غسلته في ماء جار فمرّة واحدة».(1)
بتقريب: أنّ الـجملـة الأخيرة بيان لبعض الـمفهوم الـمستفاد من الـجملـة الاُولى; حيث أنّ مفادها في ناحيـة الـمفهوم، عدم وجوب الـتعدّد مع الـغسل في غير الـمركن، و مقتضى إطلاقه عدم الـفرق بين الـجاري و الـكرّ و غيرهما من الـمياه الـمعتصمـة، و قد صرّح ببعض هذا الـمفهوم في الـجملـة الأخيرة، و لعلّ الـوجه في الـتصريح به كثرة وجود الـماء الـجاري بالإضافـة إلى غيره.
و اُورد عليه: بأنّه يمكن أن تعكس الـدعوى على الـمدّعي با لـقول: بأنّ الـجملـة
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 2، الـحديث 1. قال الـجوهري: الـمِرْكَن: الإجانـة الـتي تغسل فيها الـثياب.
(الصفحة503)
الاُولى بيان لبعض الـمفهوم الـمستفاد من الـجملـة الـثانيـة، حيث إنّ مفهومها عدم كفايـة الـمرّة في غير الـماء الـجاري، و متقضى إطلاقه أنّه لا فرق بين الـكثير و الـقليل، و قد صرّح ببعضه في الـجملـة الاُولى، و الـوجه فيه كثرة وجود الـماء الـقليل بالإضافـة إلى الـكرّ. فالاحتمالان متساويان، و الـصحيحـة غير قابلـة للاستدلال بها على أحدهما.
و يدفعه: وضوح كون الـجملـة الـثانيـة بياناً لبعض الـمفهوم الـمستفاد من الـجملـة الاُولى دون الـعكس; و ذلك بقرينـة الـتفريع «با لـفاء» فإنّه لو كانت الـجملـة الـثانيـة مبتدئـة با لـواو لكان لهذا الاحتمال مجال، و أمّا مع الـتفريع با لـفاء فلاموقع له، كما في قوله تعا لـى: (وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ ...)(1)
فإنّه ظاهر في أنّ قوله (فَإِذا تَطَهَّرْنَ) تفريع على الـجملـة الاُولى و تصريح ببعض مفهومه.
نعم، يمكن الإيراد على الاستدلال با لـصحيحـة: بأنّ موردها الـبول، و الـمدعّى أعمّ منه و من سائر الـنجاسات غير الـولوغ و شبهه ممّا تقدّم.
و يمكن دفع الإيراد: بأنّه إذا لم يكن تطهير الـبول محتاجاً إلى الـتعدّد في الـمياه الـمعتصمـة، فغير الـبول لعلّه بطريق أولى; و ذلك لاعتبار الـتعدّد فيه في الـغسل با لـماء الـقليل بلا إشكال دون غيره، كما يأتي الـبحث عنه إن شاء اللّه تعا لـى.
و قد تحصّل ممّا ذكرنا: أنّ الأدلّـة الـتي اُقيمت على عدم اعتبار الـعدد في تطهير الإناء الـمتنجّس بغير الـولوغ و شبهه، لا تنهض لإثباته.
(1)
البقرة / 222.
(الصفحة504)
نعم، لا يكون هناك ما يدلّ على اعتباره أيضاً، فا لـلازم الـرجوع إلى إطلاق أدلّـة حصول الـطهارة للمتنجّس بمجرّد تحقّق الـغسل.
نعم، لو لم يكن هناك إطلاق، و وصلت الـنوبـة إلى الاُصول الـعملـيـة، لكان مقتضى استصحاب بقاء الـنجاسـة إلى أن يتحقّق الـتعدّد عدم كفايـة الـمرّة في التطهير، كما حكي اعتباره عن «ا لخلاف» و «ا لـمبسوط» و «ا لـمعتبر» وغيرها، و لعلّ وجهه عدم ثبوت الإطلاق لهذه الأدلّـة; لاختصاص موردها بغير الأواني، و عدم كون إطلاق أدلّـة مطهّريـة الـماء قابلاً للتمسّك; لعدم كونه في مقام الـبيان من هذه الـجهـة فتدبّر.
هذا، ولكن قد عرفت إمكان الـقول بتماميـة بعض الأدلّـة الـخمسـة الـمذكورة، كا لـدليل الأخير، و عليه فالأظهر كفايـة الـمرّة و إن كان الأحوط الـتعدّد.
تطهير ما لا ينفذ فيه الـماء غير الإناء
ا لـفرض الـثا لـث: الـمتنجّس الـذي لا يكون إناء، و لا ينفذ فيه الـماء و لا الـنجاسـة.
و قد حكم فيه في الـمتن بحصول الـطهارة له بمجرّد غمسه في الـماء الـجاري أو الـكرّ، بعد زوال عين الـنجاسـة، و إزا لـة الـمانع لو كان.
و مرجعه إلى أنّه لا يعتبر فيه الـعصر; لأنّ الـمفروض عدم نفوذ الـماء فيه، فلا معنى لعصره، و لا يعتبر فيه الـتعدّد أيضاً; لما عرفت من أنّ دليل الـتعدّد إمّا وارد في الـماء الـقليل، و إمّا في مورد الإناء مطلقاً، أو في الـجملـة، و أمّا في غير الإناء ـ مع فرض الـتطهير بغير الـماء الـقليل من الـمياه الـمعتصمـة ـ فلا يكون هنا ما يدلّ على اعتبار
(الصفحة505)
ا لـعدد و لزوم الـتعدّد أصلاً.
كما أنّه لا يعتبر فيه انفصال الـغسا لـة، فبمجرّد الـغمس يتحقّق له الـطهارة و إن لم يخرج من الـماء، لوضوح تحقّق عنوان الـغسل في مثل ذلك بمجرّد الـغمس، من دون توقّف على تحقّق انفصال الـغسا لـة.
نعم، سيأتي اعتباره في الـتطهير با لـماء الـقليل; و أنّ دليله يختصّ به ولا يجري في غيره.
تطهير ما ينفذ فيه الـماء غير الإناء مع عدم قابليته للعصر
ا لـفرض الـرابع: هو الـفرض الـثا لـث بعينه، مع الاختلاف في مجرّد نفوذ الـماء الـمتحقّق في هذا الـفرض دونه، مع الاشتراك في عدم الـقابليـة للعصر، و عدم كونه إناء كا لـخشب و الـصابون، بل الـكوز.
و قد حكم فيه في الـمتن بأنّه يطهر ظاهره بمجرّد غمسه فيهما، و أمّا باطنه فيتوقّف طهارته على نفوذ الـماء الـمطلق فيه; بحيث يصدق أنّه غسل به و لا يكفي نفوذ الـرطوبـة أو نفوذ الـماء مع عدم صدق الـغسل به كما هو الـغا لـب.
أقول: أمّا طهارة ظاهره بمجرّد الـغمس في أحدهما; فلما عرفت من أنّه لا يعتبر في مثله الـعصر، و لا الـتعدّد، و لا انفصال الـغسا لـة، فلا موقع للترديد و الإشكال فيه.
و أمّا باطنه، فتتوقّف طهارته على نفوذ الـماء الـمطلق; بحيث يصدق أنّه غسل به و وجهه واضح; للفرق بين الـرطوبـة الـنجسـة و الـرطوبـة الـطاهرة، من جهـة كفايـة الاُولى في تحقّق الـتنجّس; ضرورة أنّ سرايـة الـرطوبـة الـنجسـة تكفي في تحقّق الـنجاسـة في الأجزاء الـتي سرت الـرطوبـة إليها، و أمّا الـرطوبـة الـطاهرة فلا تكفي
(الصفحة506)
في الـتطهير; لأنّ مقتضى الـدليل أنّ الـمطهّر هو الـماء الـمطلق بعد تحقّق الـغسل به، فمجرّد سرايـة الـرطوبـة الـطاهرة غير كاف، بل الـلازم نفوذ الـماء الـمطلق.
بل مجرّد الـنفوذ الـذي مرجعه إلى الاتصال غير كاف; لأنّ الـلازم تحقّق عنوان الـغسل الـمتوقّف على إحاطـة الـماء لجميع أجزاء الـمتنجّس و وصوله إليها، و الاكتفاء بالاتصال با لـماء الـعاصم في مقام الـتطهير، إنّما هو على تقديره فيما إذا اُريد تطهير الـمياه الـمتنجّسـة، و أمّا غيرها فلا يكفي مجرّد الاتصال بوجه. فطهارة الـباطن في هذا الـفرض متوقّفـة على ما ذكر، و من الـمعلوم ندرة تحقّقه.
ثمّ لو شكّ في أصل نفوذ الـماء مع وصف كونه ماءً إلى الـباطن، أو شكّ ـ بعد الـعلم با لـنفوذ ـ في تحقّق الـغسل به; بأن لم يعلم إحاطـة الـماء لجميع أجزاء الـمتنجّس، فمقتضى استصحاب عدم الـنفوذ أو عدم تحقّق الـغسل، عدم الاكتفاء به في حصول طهارة الـباطن، كما أنّ مقتضى استصحاب بقاء الـنجاسـة أيضاً ذلك.
و أمّا لو شكّ بعد الـعلم با لـنفوذ و بتحقّق الـغسل به، في بقاء إطلاق الـماء بحا لـه في حال الـتطهير و عدمه، فمقتضى استصحاب بقاء الإطلاق تحقّق الـطهارة. و لا مجال حينئذ لاستصحاب بقاء الـنجاسـة; بعد كون الـشكّ فيه مسبّباً عن الـشكّ في بقاء الإطلاق و عدمه، كما لا يخفى. هذا تمام الـكلام فعلاً في الـتطهير با لـكرّ أو الـجاري.
(الصفحة507)
و أمّا الـتطهير با لـقليل، فا لـمتنجّس با لـبول غير الآنيـة يعتبر فيه الـتعدّد مرّتين، و الأحوط كونهما غير غسلـة الإزا لـة.
و الـمتنجّس بغير الـبول إن لم يكن آنيـة، يجزي فيه الـمرّة بعد الإزا لـة، و لايكتفى بما حصل به الإزا لـة. نعم، يكفي استمرار إجراء الـماء بعدها.
و يعتبر في الـتطهير به انفصال الـغسا لـة، ففي مثل الـثياب ـ ممّا ينفذ فيه الـماء و يقبل الـعصر ـ لابدّ منه أو ما يقوم مقامه، و فيما لا ينفذ فيه الـماء و إن نفذت الـرطوبـة كا لـصابون و الـحبوب، و لا يقبل الـعصر، يطهر ظاهره بإجراء الـماء عليه، و لا يضرّ به بقاء نجاسـة الـباطن، و لا يطهر الـباطن تبعاً للظاهر1 .
ا لـتطهير با لـقليل
(1) في هذه الـقطعـة من الـمتن فرعان:
ا لـفرع الأوّل: تطهير الـمتنجّس با لـبول غير الآنيـة با لـماء الـقليل
و قد اعتبر فيه الـتعدّد مرّتين، و قد نسبه في محكىّ «ا لـمعتبر» إلى علمائنا، و في «ا لـحدائق» إلى الـشهرة، و فى «ا لـجواهر» إليها مع الإضافـة إلى الـمتأخّرين.
و عن الـشيخ في «ا لـمبسوط» عدم وجوب الـتعدّد في غير الـولوغ، و اختاره الـشهيد في محكيّ «ا لـبيان» و استظهر ذلك عن الـعلاّمـة في جملـة من كتبه.
و عن «ا لـمنتهى» الـتفصيل بين صورة جفاف الـبول و عدمه; بالاكتفاء با لـمرّة في الاُولى دون الـثانيـة.
و عن صاحبي «ا لـمدارك» و «ا لـمعا لـم» الـتفصيل بين الـثوب و الـبدن;
(الصفحة508)
بالاكتفاء با لـمرّة في الـثاني دون الأوّل.
و كيف كان: فيدلّ على اعتبار الـتعدّد مطلقاً روايات:
منها: صحيحـة محمّد، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سأ لـته عن الـبول يصيب الـثوب.
قال: «اغسله مرّتين»(1)
.
و منها: صحيحـة ابن أبي يعفور قال: سأ لـت اباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـبول يصيب الـثوب.
قال: «اغسله مرّتين»(2)
.
و منها: صحيحـة أبي إسحاق الـنحوىّ، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سأ لـته عن الـبول يصيب الـجسد.
قال: «صبّ عليه الـماء مرّتين»(3)
.
و منها: حسنـة الـحسين بن أبي ا لـعلاء قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـبول يصيب الـجسد.
قال: «صبّ عليه الـماء مرّتين; فإنّما هو ماء».
و سأ لـته عن الـثوب يصيبه الـبول.
قال: «اغسله مرّتين ...» الـحديث(4)
.
و منها: ما رواه ابن إدريس من كتاب «ا لـجامع للبزنطي» قال: سأ لـته عن الـبول يصيب الـجسد.
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 1، الـحديث 1.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 1، الـحديث 2.
(3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 1، الـحديث 3.
(4)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 1، الـحديث 4.
(الصفحة509)
قال: «صبّ عليه الـماء مرّتين; فإنّما هو ماء».
و سأ لـته عن الـثوب يصيبه الـبول.
قال: «اغسله مرّتين».(1)
و هذه الـروايات كما ترى، ظاهرة بل صريحـة في لزوم الـتعدّد مطلقاً; أي في الـثوب و الـبدن.
ولكن ربّما يستدلّ على عدم لزوم الـتعدّد بإطلاق أدلّـة طهوريّـة الـماء، و بإطلاق بعض الـنصوص الآمر با لـغسل من دون تقييده بمرّتين، كما فيما رواه عبدا للّه بن سِنان، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: «اغسل ثوبك من بول كلّ ما لا يؤكل لحمه».(2)
و غيره من بعض الـروايات الاُخر.
و بأصا لـة الـبرائـة عن لزوم الـتعدّد.
و بمرسلـة الـكليني قال: و روي: «أنّه يجزي أن يغسل بمثله من الـماء; إذا كان على رأس الـحشفـة أو غيره».(3)
و أنت خبير: بعدم كون الإطلاق في أدلّـة الـطهوريـة و كذا في بعض الـنصوص الـمذكور، مسوقاً لبيان هذه الـجهـة; و هي اعتبار الـتعدّد و عدمه، بل هو مسوق لبيان أصل الـمطهّريـة، و كذا بيان لزوم الـتطهير فيما أصابه الـبول من الـثوب أو الـجسد.
مضافاً إلى أنّ الـروايات الـمتقدّمـة الـظاهرة بل الـصريحـة في اعتبار الـتعدّد، تصلح للتقييد من دون مناقشـة.
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 1، الـحديث 7.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 8، الـحديث 3.
(3)
وسائل الـشيعـة، ابواب الـنجاسات، الـباب 1، الـحديث 5.
(الصفحة510)
و أمّا أصا لـة الـبرائـة، فمضافاً إلى أنّه لا مجال لها مع دلالـة الـنصوص على اعتبار الـتعدّد، يرد عليها: أنّه مع وصول الـنوبـة إلى الاُصول الـعمليـة، لابدّ من الـرجوع إلى الاستصحاب الـحاكم ببقاء الـنجاسـة مع عدم الـتعدّد، كما هو ظاهر.
و أمّا مرسلـة الـكليني، فهي غير معتبرة لا تقاوم الـروايات الـمتقدّمـة الـمتعدّدة الـمعتبرة. فهذا الـقول لا مجال له أصلاً.
نعم، ربّما يحتمل أن يكون مراد الـقائل به صورة زوال الـعين و جفافها، فيرجع إلى الـتفصيل الـمتقدّم الـمحكيّ عن «منتهى» الـعلاّمـة، حيث اكتفى با لـمرّة الـواحدة في صورة الـزوال و الـجفاف، دون صورة الـبقاء.
و ما يمكن أن يكون مستنداً له أمران:
أحدهما: روايـة الـحسين بن أبي ا لـعلاء الـمتقدّمـة، بناءً على نقل الـمحقّق فى «ا لـمعتبر» حيث رواها بزيادة «الاُولى للإزا لـة، و الـثانيـة للإنقاء» لدلالتها على أنّ الـغرض من الـغسلـة الاُولى إنّما هي الإزا لـة، و أنّ الـمطهّر هي الـغسلـة الـثانيـة، و عليه لا فرق في الإزا لـة بين أن تتحقّق با لـغسل أو بغيره كا لـجفاف مثلاً.
و يؤيّده ما رواه الـشهيد في «ا لـذكرى» عن الـصادق (عليه السلام): في الـثوب يصيبه الـبول.
«اغسله مرّتين: الاُولى للإزا لـة، و الـثانيـة للإنقاء».
هذا، ولكن ذكر صاحب «ا لـمعا لـم»: و لم أر لهذه الـزيادة أثراً في كتب الـحديث الـموجودة الآن بعد الـتصفّح بقدر الـوسع. و الـظاهر أنّ الـزيادة في كلام الـمحقّق ذكرت تفسيراً للروايـة، لا جزءً و تتمّـة لها، و أنّ الـشهيد إنّما أخذها عن الـمحقّق زاعماً كونها جزء لها.
(الصفحة511)
و بالآخرة لا دليل على كون الـزيادة جزء، و على تقديره لا دليل على اعتبارها; لعدم ظهور الـواسطـة الـتي نقل الـمحقّق منه الـروايـة كما لايخفى.
مضافاً إلى ما اُفيد: من أنّه لو سلّم ثبوت الـزيادة لا تصلح للتصرّف في الـنصوص الـمذكورة; لأنّه يؤدّي إلى حمل الـنصوص على صورة وجود الـعين، و هو خلاف الـغا لـب، و إلى حمل الأمر با لـغسلـة الاُولى على الـحكم الـعرفي; لا الـشرعيّ، و على الـتخييري لا الـتعييني; لأنّ الإزا لـة كما تكون با لـغسل، تكون با لـشمس و با لـهواء و با لـمسح بشيء و بغيرها، و كلّ ذلك خلاف الـظاهر، بل خلاف الـسياق مع الأمر با لـغسلـة الـثانيـة كما لا يخفى، و لا يمكن ارتكاب جميع ذلك بمجرّد هذه الـزيادة.
ثانيهما: أنّه يستفاد من الـنصوص الآمرة با لـتعدّد ـ و لو لأجل الـمناسبـة الـمركوزة بين الـحكم و موضوعه ـ أنّ الـغسلـة الاُولى للإزا لـة، و الـثانيـة للتطهير، و مع زوال الـعين بنفسها لا حاجـة إلى الـتعدّد بوجه.
و يدفعه: منع الاستفادة بعد ظهور الـنصوص في اعتبار الـغسلتين، و لزوم الاُولى كا لـثانيـة، و لم يقم دليل على كون الـغرض من الاُولى الإزا لـة; بحيث يقوم مقامها كلّ ما هو موجب للإزا لـة.
مع أنّه على تقديره، لا مجال لرفع الـيد عن ظهور الـنصوص في مدخليـة الـماء في تحقّق الإزا لـة; لأنّه يحتمل قويّاً أن يكون الـماء في الـغسلـة الاُولى موجباً لزوال الـمرتبـة الـشديدة من الـنجاسـة الـحاصلـة، و يتوقّف زوا لـها با لـمرتبـة الـناقصـة أيضاً على الـغسلـة الـثانيـة، فمدخليـة لزوم الـماء في زوال الـعين ـ بناءً على ذلك ـ لا دليل على خلافها بعد ظهور الـروايـة فيها.
(الصفحة512)
و لعلّه لأجل ما ذكر احتاط في الـمتن ـ وجوباً ـ بكون الـغسلتين غير غسلـة الإزا لـة; أي على تقدير تحقّق الإزا لـة با لـغسل، لا بغيره ممّا يقوم مقامه، و يأتي الـبحث فيه.
و أمّا الـتفصيل بين الـثوب و الـبدن الـمحكيّ عن صاحبي «ا لـمدارك» و «ا لـمعا لـم» فمستنده استضعاف نصوص الـتعدّد الـواردة في الـبدن، و الـرجوع إلى الـمطلقات.
و أجاب عنه في «ا لـمستمسك»: بأنّ الـروايات الـواردة في الـبدن هي الـروايات الـمذكورة أخيراً، و ليس في الاُولى ـ يعنى روايـة الـحسين ـ من يتوقّف في روايته إلاّ الـحسين; لعدم توثيق الـشيخ و الـنجاشي صريحاً إيّاه، ولكن حكى ابن داود عن شيخه ابن طاوس في «ا لـبشرى» تزكيته، و هو ظاهر عبارة الـنجاشي حيث قال في ترجمته: و أخواه علي و عبدا لـحميد، روى الـجميع عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) و كان الـحسين أوجههم ... إلى آخره، و قد نصّوا على توثيق عبدا لـحميد أخيه، فيدلّ الـكلام الـمذكور على أنّه أوثق منه. و حمل «الأوجه» على غير هذا الـمعنى خلاف الـظاهر.
و ليس في الـروايـة الـثانيـة ـ يعنى روايـة أبي إسحاق ـ من يتوقّف في روايته إلاّ أبواسحاق الـنحويّ، و هو ثعلبـة بن ميمون الـذي قال الـنجاشي في ترجمته: إنّه كان وجهاً من أصحابنا قارئاً فقيهاً نحوياً لغوياً راويـة، و كان حسن الـعمل، كثير الـعبادة و الـزهد ... و نحوه كلام غيره.
و قال في «ا لـكشّي»: ذكر حمدويـة عن محمّد بن عيسى: أنّ ثعلبـة بن ميمون مولى محمّد بن قيس الأنصاري هو ثقـة خيّر فاضل مقدّم معلوم في الـعلماء و الـفقهاء الأجلّـة من هذه الـعصابـة ... .
(الصفحة513)
و قال الـوحيد (قدس سره): هو من أعاظم الـثقات الـزهّاد و الـعبّاد و الـفقهاء و الـعلماء الأمجاد ... .
و أمّا الـثا لـثـة ـ يعنى روايـة ابن إدريس ـ ففيها ابن إدريس، و حا لـه في الـجلالـة و الـوثاقـة ممّا لا مجال للريب فيه، كما لا مجال للريب في صحّـة روايته عن الاُصول الـمذكورة في «مستطرفاته».
وقد انقدح من ذلك بطلان هذا الـتفصيل أيضاً، و أنّ الـصحيح هو ما اختاره الـمشهور من وجوب الـتعدّد في الـبول، من دون فرق بين الـثوب و الـبدن.
بقي في هذا الـفرع جهات من الـكلام
ا لـجهـة الاُولى: عدم الـفرق بين الـثوب و الـجسد و غيرهما
مقتضى إطلاق الـمتن أنّه لا فرق في الـمتنجّس با لـبول ـ غير الآنيـة ـ بين أن يكون ثوباً و جسداً، و بين أن يكون غيرهما، كا لـفرش و الـحصير و الـجدار و غيرها، فيعتبر في الـجميع تعدّد الـغسل.
ولكن ربّما يقال: بعدم لزوم الـتعدّد في غير الـثوب و الـبدن; لأنّ الـنصوص الآمرة با لـتعدّد واردة فيهما، و لا دليل على إلغاء خصوصيتي الـثوب و الـبدن بعد أنّه يحتمل ـ قويّاً ـ أنّ الـشارع أراد فيهما الـمحافظـة على الـمرتبـة الـشديدة من الـطهارة، و الأحكام الـشرعيـة تختلف باختلاف موضوعاتها مع أنّها قد تجمعها طبيعـة واحدة، فترى أنّ الـشارع حكم بوجوب الـغسل ثلاث مرّات في الإناء، و لم نر من الأصحاب من تعدّى عنه إلى غيره ممّا صنع من مادّته من صفر أو خزف أو غيرهما.
و كذا نرى أنّ الـشارع حكم بطهارة مخرج الـغائط با لـتمسّح بالأحجار مثلاً،
(الصفحة514)
ولايحكم بطهارة هذا الـموضع إذا تنجّس بغير الـغائط من الـنجاسات بمجرّد إزا لـتها، بل يجب غسله با لـماء.
و لأجل ذلك لا يحصل الـقطع بإلغاء الـخصوصيتين في الـمقام، ففي غيرهما إطلاقات مطهّريـة الـغسل الـمقتضيـة للاكتفاء با لـغسل مرّة واحدة، محكّمـة.
هذا، و الـظاهر عدم الاختصاص; و ذلك لأنّه مضافاً إلى أنّ الـمتفاهم عند الـعرف أنّ ذكر الـثوب و الـبدن في الـنصوص ليس لأجل خصوصيـة فيهما من جهـة الـحكم، بل إنّما هو من جهـة شدّة الابتلاء بهما، و أنّ الـبول الـمصيب إنّما يصيب أحدهما غا لـباً، و لأجله لو لم يكن في الـروايـة إلاّ تعرّض لأحدهما لايستفاد الـعرف حكم الآخر منه أيضاً، و ما تقدّم من تصحيح روايات الـجسد إنّما هو من جهـة أنّه لم يكن حاجـة إلى الإلغاء، بعد وجود رواية صحيحة دالّة على الحكم ـ لايكون هناك إطلاقات دالّـة على مطهّرية الـغسل حتّى نتمسّك بها; لأنّها بأجمعها واردة في الـثوب، كما تظهر با لمراجعة، و ليس لنا إطلاق دالّ على لزوم الـتطهير من الـبول غير وارد في مثل الـثوب، و عليه فمع الـشكّ أيضاً يكون مقتضى الاستصحاب لزوم رعايـة الـتعدّد في غيرهما أيضاً.
ا لـجهـة الـثانيـة: عدم الـفرق بين بول الآدمي و غيره
مقتضى إطلاق الـمتن ـ تبعاً لإطلاق الـنصوص ـ أنّه لا فرق في وجوب الـتعدّد بين بول الآدميّ و غيره من الأبوال الـنجسـة، كما أنّه لا فرق في الآدمي بين الـمسلم و غيره، و في غيره بين نجس الـعين و غيره. نعم، يمكن دعوى كون الـنظر إلى الـنجاسـة الـبوليّـة، و أمّا من حيث إضافته إلى نجس الـعين، فيرجع في تطهيرها إلى ما يرجع إليه في نجاسـة سائر الـنجاسات.
(الصفحة515)
هذا، ولكن ربّما يقال ـ كما قيل ـ : باختصاص الـنصوص الآمرة با لـتعدّد ببول الآدمي; لأنّهم كانوا يبولون على وجه الأرض، و هي في الأغلب صلبـة، فكان يترشّح منها الـبول إلى أبدانهم و أثوابهم، و من أجل ذلك تصدّوا للسؤال عن حكمه، و حينئذ لاتبعد دعوى الانصراف إلى بول الآدمىّ، و لعلّ هذا هو الـوجه في عدم استفصا لـهم عن كون الـبول ممّا لا يؤكل لحمه أو من غيره، مع طهارة الـبول ممّا يؤكل لحمه.
أقول: الـوجه في عدم الاستفصال، وضوح كون الـمفروض في الـسؤال هو الـبول الـنجس، وهو يختصّ بغير الـمأكول.
نعم، دعوى الانصراف غير بعيدة، و لا يدفعها استبعاد لزوم الـتعدّد في بول الآدمي، وعدم لزومه في بول الـكلب و الـخنزير; لما عرفت من أنّه لا مجال لمثل ذلك في الأحكام الـشرعيـة الـتعبّديـة أصلاً.
نعم، هنا روايـة يمكن أن تتوهّم دلالتها على لزوم الـتعدّد في غير الآدمي في الـجملـة و إن قلنا: باختصاص الـنصوص ـ انصرافاً ـ به، و هي موثّقـة سَماعـة قال: سأ لـته عن أبوال الـسنّور و الـكلب و الـحمار و الـفرس.
قال: «كأبوال الإنسان»(1)
.
ولكنّها ـ مضافاً إلى اشتما لـها على أبوال الـحمار و الـفرس مع أنّهما طاهران ـ يكون مورد الـسؤال فيها مجرّد الـنجاسـة و عدمها، فا لـتشبيه ببول الإنسان إنّما هو من هذه الـجهـة، لا في جميع الـجهات حتّى يشمل لزوم الـتعدّد في مقام الـتطهير أيضاً.
ثمّ الـظاهر أنّ لزوم الـتعدّد في بول الآدمي، إنّما هو با لـنسبـة إلى غير مخرج
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 8، الـحديث 7.
(الصفحة516)
ا لـبول; لاختصاص الـسؤال و الـجواب في نصوص الـتعدّد في الـجسد با لـموضع الـذي يمكن أن يصيبه الـبول، و يمكن أن لا يصيبه، و أمّا مخرج الـبول الـذي هو في معرض الإصابـة دائماً، فلا تشمله الـنصوص أصلاً، فلو دلّ الـدليل على عدم لزوم الـتعدّد فيه ـ كما ذكرناه سابقاً ـ فلا منافاة بينه و بين هذه الـنصوص و لو بنحو الإطلاق و الـتقييد، كما لا يخفى.
ا لـجهـة الـثا لـثـة: في تعداد الـغسلات
قد مرّ أنّه احتاط في الـمتن: بكون الـغسلتين غير غسلـة الإزا لـة، و مرجعه إلى أنّه على تقدير إرادة الإزا لـة با لـغسل، لابدّ من الـتعدّد ثلاث غسلات: الاُولى للإزا لـة، و الأخيرتان للتطهير، مع أنّ الـنصوص الآمرة با لـتعدّد مرّتين، لا يستفاد منها أنّ الـتعدّد إنّما هو بعد الإزا لـة و تحقّقها; فإنّ مفادها أنّ الـثوب أو الـبدن الـذي أصابه الـبول، لابدّ في اتّصافه با لـطهارة من غسله مرّتين، أو صبّ الـماء عليه مرّتين.
بل الـتعليل الـوارد في روايـة حسين بن أبي ا لـعلاء الـمتقدّمـة ـ بعد الـحكم بوجوب صبّ الـماء على الـجسد مرّتين بقوله: «فإنّما هو ماء» ـ ظاهر في عدم زوال الـماء قبل الـمرّتين بغسلـة خاصّـة به، و أنّ مجرّد صبّ الـماء مرّتين على الـماء يكفي في حصول الـطهارة له.
بل ربّما يقال: إنّ الـمناسبه الـمرتكزة بين الـحكم و موضوعه، أنّ الـغسلـة الاُولى للإزا لـة، و الـثانيـة للإنقاء.
و كيف كان: فلم يقم دليل على اعتبار وقوع الـغسلتين أو الـصبّين بعد الإزا لـة، لو لم نقل بظهور الـدليل في خلافه. نعم مراعاة الاحتياط حسن على كلّ حال.
(الصفحة517)
ا لـجهـة الـرّابعـة: في حكم بول الـرضيع
استثنى الـمشهور من الـحكم الـمتقدّم في الـبول ـ الـذي هو عبارة عن تعدّد الـصبّ أو الـغسل ـ بول الـرضيع غير الـمتغذّي با لـطعام، فقد حكموا فيه بكفايـة صبّ الـماء مرّة، خلافاً لما حكي عن «كشف الـغطاء» من اعتبار الـصبّ مرّتين.
و الاستثناء إنّما يتفرّع على الـقول بنجاسـة أيضاً، خلافاً لما يظهر من عبارة ابن الـجنيد من عدم الـنجاسـة، حيث قال: إلاّ أن يكون غير الـبا لـغ صبيّاً ذكراً، فإنّ بوله و لبنه ـ ما لم يأكل اللحم ـ ليس بنجس. و قد تقدّم الـبحث معه من هذه الـجهـة في كتاب الـنجاسات، فراجع.
و الأصل في هذا الاستثناء ما ورد في ذيل روايـة حسين بن أبي ا لـعلاء الـمتقدّمـة من قوله: و عن الـصبيّ يبول على الـثوب.
قال: «تصبّ عليه الـماء قليلاً ثمّ تعصره»(1)
.
فإنّ الـحكم بذلك ـ بعد الـحكم بوجوب تعدّد الـغسل في الـثوب الـذي أصابه الـبول ـ ظاهر في امتياز بول الـصبي من جهـة عدم وجوب الـغسل و لو مع الإصابـة با لـثوب; للتعبير با لـصبّ بعد الـحكم با لـغسل في غيره، خصوصاً بعد توصيف الـماء با لـقلّـة و من جهـة عدم لزوم الـتعدّد; لعدم الـتعرّض له بعد الـتصريح به في الـثوب و الـبدن في غيره. فهذه الـروايـة الـظاهرة في الـتفصيل، دليل على الاستثناء الـمذكور.
نعم، في موثّقـة سَماعـة الـتعبير با لـغسل حيث قال: سأ لـته عن بول الـصبي يصيب الـثوب.
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 3، الـحديث 1.
(الصفحة518)
فقال: «اغسله».
قلت: فإن لم أجد مكانه.
قال: «اغسل الـثوب كلّه»(1)
.
ولكنّه لامانع من حمل الـغسل على الـصبّ بعد كونه أيضاً نوعاً من الـغسل، و بعد دلالـة الـروايـة الـمتقدّمـة على الاكتفاء با لـصبّ.
و إن أبيت عن ذلك نقول: هنا روايـة ثا لـثـة وقع فيها الـتفصيل، و هي شاهدة للجمع بين الـروايتين الـمتقدّمتين; و هي صحيحـة الـحلبي أو حسنته قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام)عن بول الـصبيّ.
قال: «تصبّ عليه الـماء، فإن كان قد أكل فاغسله با لـماء غسلاً، و الـغلام و الـجاريـة في ذلك شرع سواء»(2)
. هذا من جهـة الـصبّ.
و أمّا من جهـة الاكتفاء با لـمرّة، فليس في مقابل روايـة الـحسين الـظاهرة في عدم اعتبار الـتعدّد، ما يدلّ على اعتباره، و لا يلازم ذلك جواز الاكتفاء با لـغسل مرّة في الـصبيّ الآكل في روايـة الـحلبي، بعد ظهورها في الـتفصيل من جهـة الـصبّ و الـغسل، و عدم الـتعرّض لجهـة الـوحدة و الـتعدّد.
نعم، مقتضى روايـة سماعـة بعد الـحمل على الـصبيّ الآكل، جواز الاكتفاء با لـمرّة في الـغسل، ولكن الـروايات الـمتقدّمـة الـصريحـة في الـتعدّد كافيـة في تقييد هذا الإطلاق، فتدبّر.
ثمّ إنّه قد ورد في قضيّـة الـحسنين (عليهما السلام) في روايـة الـراوندي و «ا لـجعفريات»
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 3، الـحديث 3.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 3، الـحديث 2.
(الصفحة519)
عن علي (عليه السلام): «أنّه لم يغسل رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ثوبه من بولهما قبل أن يطعما».
و الـظاهر أنّه لا منافاة بينه و بين ما دلّ على وجوب الـصبّ; لانصراف الـغسل إلى ما يتعارف من انفصال الـغسا لـة.
و الـشاهد على عدم الـمنافاة: ما رواه الـصدوق في «معاني الأخبار» من أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أتى با لـحسن بن علىّ، فوضع في حجره فبال، فقال: «لا تزرموا ابني» ثمّ دعا بماء فصبّ عليه(1)
.
قال الأصمعيّ: الإزدام الـقطع، يقال للرجل إذا قطع بوله: قد أزدمت بولك.
و لا يبعد أن تكون الـقضيّـة واحدة، بل ورد في مولينا الـحسين (عليه السلام) شبه الـقضيّـة، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «مهلاً يا اُمّ الـفضل، فهذا ثوبي يغسل، و قد أوجعت ابني»(2)
مضافاً إلى ظهور كون هذه الـروايات غير قابلـة للركون عليها في إثبات الـحكم.
بقي في هذه الـجهـة أمران:
الأوّل: الـظاهر أنّه لا يعتبر في تطهير بول الـصبيّ الـعصر، بل يكفي مجرّد تحقّق الـصبّ، و الـظاهر تحقّق الإجماع عليه، و لأجله حمل روايـة الـحسين الـمتقدّمـة الـدالّـة بظاهرها على وجوب العصر بعد الصبّ على الصبيّ المتغذّي; نظراً إلى عدم وجوب الـعصر في غير الـمتغذّي إجماعاً.
ولكنّ الـظاهر أنّ الـحمل على الاستحباب أولى; لاقتضاء الـحمل الأوّل الـحكم بوجوب الـتعدّد أيضاً، مع أنّه خلاف ظاهر الـروايـة جدّاً.
و يؤيّد الـحمل على الاستحباب ما قد يقال: من كفايـة الـعصر مع الـصبّ على
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 8، الـحديث 4.
(2)
وسائل الـشيعة، أبواب الـنجاسات، الـباب 8، الـحديث 5.
(الصفحة520)
تقدير اعتباره أيضاً، و لا يعتبر تأخّر الأوّل عن الـثاني، كما هو ظاهر الـروايـة; من جهـة الـعطف بكلمـة «ثمّ». مع أنّه يحتمل عدم الاستحباب أيضاً; و أنّ الـحكم با لـعصر في الـروايـة قد جرى مجرى الـعادة و الـغلبـة. ولكن هذا الاحتمال بعيد.
وكيف كان: فا لـظاهر عدم وجوب الـعصر فيما قلنا فيه بكفايـة الـصبّ.
ا لـثاني: ظاهر كلمـة «ا لـصبيّ» الـواردة في الـروايات هو الـذكر; فإنّها و إن كانت ربّما تطلق و يراد منها الـجنس الـشامل للاُنثى أيضاً، إلاّ أنّ ظهورها مع الإطلاق في خصوص الـذكر ممّا لا ينبغي أن ينكر، خصوصاً في الـحكم الـمخا لـف للقواعد الـعمومات، كما في مثل الـمقام.
نعم، في روايـة الـحلبي الـمتقدّمـة قوله (عليه السلام): «و الـغلام و الـجاريـة في ذلك شرع سواء» و ظاهره الـتساوي بين الـذكر و الاُنثى في هذا الـحكم.
ولكنّه ربّما يقال: بعدم إمكان الاستدلال به; لإجمال الـمشارإليه في قوله: «في ذلك» لأنّ الـمتقدّم عليه أمران:
أحدهما: قوله: «يصبّ عليه الـماء».
و ثانيهما: قوله: «فإن كان قد أكل فاغسله با لـماء غسلاً».
و لم يعلم أنّ الـمماثلـة هل هي بالإضافـة إلى الـصبّ، أم با لـنسبـة إلى الـغسل فيما إذا أكل، و معه يشكّ في الـتحاق بول الـصبيّـة ببول الـصبيّ، فا لـلازم الـرجوع فيه إلى الأدلّـة الـدالّـة على لزوم تعدّد الغسل، فا لـظاهر حينئذ هوما ذهب إليه الأكثر بل المشهور من الاختصاص، خلافاً لظاهر الـصدوقين من الـتعميم، و اختاره في «ا لـحدائق» أيضاً.
|