(الصفحة581)
و يرد على الـثاني: وضوح كونه مخا لـفاً للظاهر; فإنّ الـظاهر ارتباط الـبعض الـثاني بالأرض، فا لـحمل على بعض الـمتنجّسات في غايـة الـبعد.
مضافاً إلى أ نّه على هذا الـتقدير، لا يكون دخول مورد الـسؤال في الـبعض الـذي يطهّره بعض الأرض، غير معلوم، إلاّ من باب وقوعه تعليلاً له، و هو خلاف الـظاهر جدّاً.
فالإنصاف: أنّ الـتفسير الـثا لـث أظهر، و لا تكون الـروايـة مجملـة من حيث الـتعليل. و مقتضى هذا الـوجه عدم اختصاص الـحكم با لـرجل الـتي هى موردها; لأنّ مدلوله أنّ الأرض الـطاهرة تطهّر الأثر الـمترشّح من الأرض الـقذرة، من دون فرق بين أن يكون الـمتأثّر هو الـرجل، أو الـخفّ، أو غيرهما.
نعم، وقع هذه الـتعليل أيضاً في روايـة رابعـة، و هي حسنـة محمّد بن مسلم قال: كنت مع أبي جعفر (عليه السلام)، إذ مرّ على عَذِرة يابسـة، فوطأ عليها، فأصابت ثوبه.
فقلت: جعلت فداك، قد وطأت على عذرة، فأصابت ثوبك.
فقال: «أ لـيس هي يابسـة؟!».
فقلت: بلى.
قال: «لا بأس; إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً».(1)
و من الـمعلوم: أ نّه لا ارتباط بين مطهّريـة الأرض بعضها بعضاً ـ بأىّ معنى فرض ـ و بين عدم تنجّس الـثوب بسبب إصابـة الـعذرة الـيابسـة له ولكنّ ذلك لا يوجب الإجمال في مفاد الـتعليل في الـروايات الـثلاثـة الـمتقدّمـة الـواردة في الـمقام.
و منها: روايـة حفص بن أبي عيسى قال: قلت لأبي عبدا للّه (عليه السلام): إن وطأت على عذرة بخُفيّ، و مسحته حتّى لم أرَ فيه شيئاً، ما تقول في الـصلاة فيه؟
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 32، الـحديث 2.
(الصفحة582)
فقال: «لا بأس»(1)
.
و هذه الـروايـة واردة في الـخفّ.
و دعوى: أنّ نفي الـبأس عن الـصلاة فيه; لعلّه كان مستنداً إلى أنّ الـخفّ ممّا لا تتمّ الـصلاة فيه وحده، و نجاسته معفواً عنها، كما في غيره ممّا لا تتمّ، مدفوعـة بظهور الـروايـة في حصول الـطهارة للخفّ با لـمسح; بنحو تزول الـعذرة.
و بعبارة اُخرى: ظاهرها مدخليـة الـعمل الـمذكور في الـسؤال في نفي الـبأس الـمذكور في الـجواب، و هو لا يجتمع إلاّ مع حصول الـطهارة، و لو كان منشأ نفي الـبأس هو كونه ممّا لا تتمّ، لما كان الـعمل الـمذكور في الـسؤال له مدخليـة فيه أصلاً; لعدم الـفرق في الـعفو عمّا لا تتمّ بين صورة زوال الـعين با لـمسح على الأرض، و عدمها أصلاً، فا لـمناقشـة من هذه الـجهـة غير تامّـة. نعم الـروايـة ضعيفـة; لجها لـة حفص الـمذكور.
و منها: ما في حديث زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «جرت الـسنّـة في الـغائط بثلاثـة أحجار، أن يمسح العجان ولا يغسله، ويجوز أن يمسح رجليه، ولا يغسلهما»(2)
.
و هذه متعرّضـة للرجل أيضاً.
و منها: صحيحـة الأحول، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال في الـرجل يطأ على الـموضع الـذي ليس بنظيف، ثمّ يطأ بعده مكاناً نظيفاً.
قال: «لا بأس إذا كان خمسـة عشر ذراعاً أو نحو ذلك»(3)
.
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 32، الـحديث 6.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 32، الـحديث 10.
(3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 32، الـحديث 1.
(الصفحة583)
و هي مطلقـة من جهـة عدم الاستفصال بين وطئ الـموضع برجله الـحافيـة، و بين وطئه متنعّلاً، و هو دليل الـعموم. و يأتي الـبحث في اشتراط الـخمسـة عشر ذراعاً الـمذكور في الـجواب إن شاء اللّه تعا لـى.
و قد ظهر لك ممّا ذكرنا: أنّه يدلّ على عدم الاختصاص با لـرجل، الـتعليل الـوارد في الـروايات الـثلاثـة; بناءً على تفسيره بما عرفت، و كذا صحيحـة الأحول الـمذكورة آنفاً. و إعراض الـمشهور عن ذيلها الـمتضمّن لاعتبار خمسـة عشر ذراعاً، لا يقدح في حجّيتها بالإضافـة إلى إطلاق صدرها; لإمكان الـتفكيك بينهما في الـحجّيـة.
هذا على تقدير عدم صحّـة الـحمل على الاستحباب، أو على كون الـمشي با لـمقدار الـمذكور محقّقاً لزوال الـعين خارجاً، كما يؤيّده كلمـة «أو نحو ذلك»، فتدبّر.
و على أيّ: فا لـروايـة بالإضافـة إلى إطلاق الـصدر، قابلـة للتمسّك بها.
و كذا يدلّ على عدم الاختصاص الـروايـة الـواردة في الـخفّ; نظراً إلى أنّه لا مجال لاحتمال اختصاص الـحكم با لـخفّ; بحيث لا يشمل الـرجل أيضاً، فيكشف ذلك عن عموميـة الـحكم، و عدم كون ذكر الـرجل في أكثر الـروايات الـمتقدّمـة; لأجل اختصاص الـحكم بها، فكما أنّ الـحكم يتحقّق في مورد الـرجل، كذلك يتحقّق في كلّ ما يوقى به الـقدم، كما في الـمتن.
نعم، لا تبعد دعوى الاختصاص بما يتعارف استعما لـه لوقايـة الـرجل، فمثل الـخرقـة الـملفوفـة با لـرجل، أو الـجورب و نحوهما ـ ممّا لم يتعارف استعما لـه كذلك ـ خارج عن هذا الـحكم، خصوصاً إذا لم تجرِ الـعادة الـشخصيـة باستعما لـه أيضاً.
و في شمول الـحكم با لـنسبـة إلى خشبـة الأقطع و ركبتيه، و فخذي الـمقعد، و يدي من يمشي على يديه، و ماجرى مجراها، تأمّل. و كذا با لـنسبـة إلى ما يوقى به هذه
(الصفحة584)
ا لـمواضع. و أشكل منه إلحاق كلّ ما يستعان به على الـمشي، كما عن بعض.
ا لـمقام الثا لث: في الأمور الدخيلـة في مطهّريـة الأرض قطعاً أو احتمالاً
و هي على ما يستفاد من الـمتن، كثيرة:
الأوّل: تحقّق عنوان الـمسح أو الـمشي بحيث كان زوال الـنجاسـة مسبّباً عنه، و فيما إذا زا لـت الـنجاسـة قبلاً يعتبر أقلّ مسمّى الـمسح أو الـمشي و يدلّ عليه روايـة الـحلبي الـمتقدّمـة الـتي رواها في «ا لـسرائر» الـمشتملـة على قوله: «أ لـيس تمشي بعد ذلك في أرض يابسـة؟» فإنّ تفريع عدم الـبأس على الـجواب بـ «بلى» عن هذا الـسؤال، يدلّ على مدخليـة الـمشي فيه; و أنّه لا يتحقّق بدون تحقّق الـمشي في أرض يابسـة.
ولكنّها لا دلالـة لها على الانحصار بخصوص الـمشي، و على تقديرها فيدلّ على كفايـة الـمسح مكان الـمشي، صحيحـة زرارة الـمتقدّمـة أيضاً الـمشتملـة على قوله(عليه السلام): «ولكنّه يمسحها حتّى يذهب أثرها».
و يؤيّده تقييد الـسؤال في روايـة حفص ـ بعد فرض الـوطئ على الـعَذِرة با لـخَفّ ـ بقوله: «و مسحته حتّى لم أر فيه شيئاً» فا لـمستفاد من الـمجموع مدخليـة الـمشي أو الـمسح في مطهّريـة الأرض.
إلاّ أن يقال: إنّ جعل ذهاب الأثر، غايـة للمسح في روايـة زرارة، و كذا جعل عدم رؤيـة شيء من الـعَذرة غايةً للمسح في رواية حفص، يشعر بل يدلّ على أنّه لا مدخلية لنفس عنوان الـمسح بل الـغرض منه ذهاب الأثر، فإذا فرض زوا لـه قبل ذلك فتكفي الـمماسّـة الـمجرّدة من دون مسح.
(الصفحة585)
و من ذلك يظهر: أنّ الـسؤال في روايـة الـحلبي بقوله (عليه السلام): «أ لـيس تمشي بعد ذلك ...» لعلّه كان من جهـة مدخليـة الـمشي في زوال الـنداوة الـبوليـة الـملصقـة با لـرجل، لا مدخليته في الـمطهّريـة مطلقاً و لو زا لـت الـنداوة قبل الـمشي.
ولكن مع ذلك، لا تحصل الـطمأنينـة للنفس بعدم مدخليـة شيء من الـعنوانين، بعد كون الظاهر ثبوت الـمدخليـة، فالأحوط مراعاة أحد الأمرين، كما أفاده في المتن.
ا لـثاني: كون الـنجاسـة حاصلـة من الـمشي على الأرض الـنجسـة، و قد احتاط في الـمتن أيضاً في اعتبار هذا الأمر.
و الـوجه فيه ـ مضافاً إلى أنّ مورد الـروايات الـواردة في الـباب الـدالّـة على مطهّريـة الأرض، هي الـنجاسـة الـحاصلـة با لـمشي على الأرض، كا لـعَذِرة الـموجودة فيها الـموطؤئـة، وا لـطريق الـمتنجّس با لـبول الـذي يمرّ عليه، و لا دليل على الـتعميم ـ ما ورد في جملـة من الـروايات من الـتعليل بقوله (عليه السلام): «إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً» بناءً على ما رجّحناه في تفسيره: من أنّ الـمراد من الـبعض الـثاني هي الـنجاسـة الـحاصلـة من الأرض الـتي هي أثرها و لها إضافـة إليها، و على تقدير كون الـنجاسـة حاصلـة من الـخارج، لا يصحّ الـتعبير الـمذكور; لعدم إضافتها و استنادها إلى الأرض بوجه.
و دعوى: أنّ استبعاد مدخليـة مثل هذه الـخصوصيـة في موضوع الـحكم، مانع من أن يقف الـذهن دونها و إن كان اللفظ مشعراً باعتبارها، و لذا لم يفهم الأصحاب من هذه الـروايات الاختصاص، بل لا يتبادر من صحيحـة زرارة، بل و كذا من غيرها; حتّى هذه الأخبار الـمعلّلـة، و الأخبارِ الـتي وقع فيها الـتعبير بلفظ الاشتراط، كقوله: «إذا وطئ أحدكم الأذى ...» إلاّ أنّ كون الـمسح أو الـمشي على الأرض، طهوراً للرجل أو
(الصفحة586)
ا لـخفّ من الـعَذِرة، من غير أن يكون لكيفيـة وصولها إلى الـرجل دخل في الـحكم.
و لذا لا يتوهّم أحد فرقاً بين كيفيات الـوصول، و لا بين أن تكون الـعذرة الـتي يطأها برجله مطروحـة على الأرض، أو على الـفراش و نحوه; فإنّ مثل هذه الـخصوصيات، ليست من الـخصوصيات الـموجبـة لتخصيص الـحكم بنظر الـعرف، كما في سائر الـموارد.
مدفوعـة: بما اُفيد من كونها خارجـة عن محلّ الـكلام; لأنّ الـكلام في الـمقام غير راجع إلى الـنجاسـة الـمستندة إلى الـمشي و إن لم تكن ناشئـة من الأرض; إذ قد لا تصل الـنعل أو الـرجل إلى الأرض أصلاً، لحيلولـة الـعذرة مثلاً بينهما، كما اُشير إليه في صحيحـة زرارة حيث قال: «فساخت رجله فيها ...» أولكون الـعذرة الـموطوئـة مطروحـة على خرقـة أو خشبـة أو غيرهما من الأشياء الـموجودة في الـطريق.
فلا يعتبر أن تكون الـنجاسـة ناشئـة من الأرض، و إنّما يعتبر استناد الـنجاسـة إلى الـمشي; سواء كانت الـعذرة واقعـة على الأرض، أم على الـفراش، فمحلّ الـكلام ما إذا استندت الـنجاسـة إلى الـخارج و غير الـمشي، فإن قام دليل على عدم الـفرق، و إلاّ فلابدّ من الاقتصار على الـقدر الـمتيقّن، و الـرجوع في الـمقدار الـزائد إلى الـعموم أو الإطلاق، و هما يقتضيان اعتبار الـغسل با لـماء في تحقّق الـتطهير.
نعم ربّما يقال: بدلالـة صحيحـة زرارة الـمتقدّمـة الـواردة في الاستنجاء الـمشتملـة على قوله: «و يجوز أن يمسح رجليه، و لايغسلهما» على عدم اختصاص الـحكم بخصوص الـنجاسـة الـحاصلـة من الـمشي على الأرض; فإنّ قوله (عليه السلام): «ويجوز أن يمسح ...» يدلّ بإطلاقه على مطهّريـة الـمسح في كلّ من الـنجاسـة الـناشئـة من الأرض، و الـنجاسةِ الـناشئة من غيرها.
(الصفحة587)
و الـجواب أوّلاً: أنّه يحتمل أن يكون الـمراد من هذا الـقول، هو الـمسح في الـوضوء; لنفي ما يزعمه الـعامّـة من اعتبار غسل الـرجلين في باب الـوضوء، غايـة الأمر أنّ هذا الـنحو من الـتعبير، قد جرى مجرى الـتقيّـة.
و ثانياً: أنّه لا إطلاق لهذا الـقول; لأنّه في مقام الإيجاب الـجزئي في قبال الـسلب الـكلّي; للقطع بعدم كون الـمسح مطهّراً مطلقاً، كا لـمسح با لـخرقـة أو الـخشب و نحوهما، فلا مجال للاستدلال بإطلاقه.
ا لـثا لـث: كون الأرض طاهرة، و قد حكي اعتباره عن جماعـة، و ما يمكن الاستدلال به عليه أمران:
الأوّل: أنّ الـمتبادر من قوله (عليه السلام): «الأرض يطهّر بعضها بعضاً» و كذا من سائر الـروايات; بواسطـة الـمناسبـة الـمغروسـة في الـذهن ـ من اشتراط كون الـمطهّر طاهراً; لأنّ فاقد الـشيء لا يجوز أن يكون معطياً له ـ إنّما هو إرادة خصوص الأرض الـطاهرة.
ا لـثاني: صحيحـة الأحول الـمتقدّمـة، الـمشتملـة على قوله (عليه السلام) في الـرجل يطأ على الـموضع الـذي ليس بنظيف، ثمّ يطأ بعده مكاناً نظيفاً.
قال «لا بأس إذا كان خمسـة عشر ذراعاً أو نحو ذلك».
فإنّ الـضمير في «كان» يعود إلى الـمورد الـمفروض في الـسؤال، فا لـمستفاد منه اشتراط الـخصوصيـة، و كون الـطهارة متوقّفـة على كون الأرض نظيفـة. و عدم اعتبار الـحدّ الـمذكور عند الـمشهور، لا يستلزم رفع الـيد عن الـرّوايـة باعتبار الـدلالـة على اعتبار الـطهارة، كما هو ظاهر.
و اُورد على هذا الـدليل: بأنّ عود الـضمير إلى ما كان مفروضاً في الـسؤال،
(الصفحة588)
لايقتضي كون الـخصوصيـة الـمفروضـة من مقوّمات موضوع الـحكم، فهذه الـروايـة لاتصلح أن تكون مقيّدة لغيرها من الـروايات الـخا لـيـة عن هذا الـقيد.
و عن «ا لـحدائق»: الاستدلال لاعتبار الـطهارة بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «جعلت لي الأرض مسجداً و طهوراً» نظراً إلى أنّ الـطهور لغـة هو الـطاهر الـمطهّر، و هو أعمّ من أن يكون مطهّراً من الـحدث و الـخبث.
و الـجواب: أنّ ثبوت الـوصفين للأرض، لا دلالـة له على مدخليـة الـوصف الأوّل في ثبوت الـوصف الـثاني، فإنّ كون الأرض في حدّ ذاتها طاهرة، لا يستلزم مدخليـة وصف الـطهارة الـمجعولـة للأرض في الـمطهّريـة الـمجعولـة لها أيضاً.
فا لـدليل الـوحيد في هذا الـباب هو الأمر الأوّل، و لا مجال للمناقشـة فيه: بأنّ مطهّريـة الأرض من الاُمور الـتعبّديـة الـمحضـة، و لا ارتكاز للعرف في هذا الـباب أصلاً، و عليه فلا مجال لإعمال الارتكاز الـعرفي فيها، الـمبتني على أنّ الـفاقد لا يمكن أن يكون معطياً. فإنّ هذه الـمناقشـة مدفوعـة: بأنّ هذا الارتكاز يوجب أن يكون للكلام الـملقى إليهم، دلالـة خاصّـة، لا يفهمون من ذلك الـكلام إلاّ ماينطبق على ارتكازهم، فا لـمستفاد عندهم من الـروايات الـدالّـة على مطهّريـة الأرض، هو أنّ المراد منها خصوص الأرض الـطاهرة، و لا مجال للإغماض من هذا الارتكاز و إن كان أصل الـمطهّريـة أمراً تعبّدياً، فتدبّر.
و عليه فلا موقع للاستدلال بإطلاق الـنصّ على عدم اعتبار الـطهارة، كما حكي عن الـشهيد الـثاني (قدس سره).
ا لـرابع: جفاف الأرض كما عن الإسكافي و «جامع الـمقاصد» و «ا لـمسا لـك» و غيرهم.
(الصفحة589)
و عن «ا لـروضـة» الـتصريح بعدم الـفرق في الأرض بين الـجافّـة و الـرطبـة.
و يدلّ على اعتبار هذا الأمر، قوله (عليه السلام) في روايـة الـحلبي الـمتقدّمـة: «أ لـيس تمشي بعد ذلك في أرض يابسـة».
و في روايـة الـمعلىّ الـمتقدّمـة أيضاً: «أ لـيس ورائه شيء جافّ».
هذا مضافاً إلى قصور الإطلاقات في نفسها; لانصرافها إلى الـمتعارف و هو الإزا لـة با لـجافّ، و إلى لزوم تنجّس الأرض با لـمماسّـة، الـمؤدّي إلى سرايـة الـنجاسـة إلى ما يراد تطهيره من الـقدم.
و قد نوقش في الاستدلال با لـروايتين تارة: من جهـة الـسند، و اُخرى: من جهـة الـدلالـة:
أمّا الاُولى: فلأنّ في سند إحداهما مفضّل بن عمر، و الـرواي في الاُخرى معلّى بن خنيس، و هما ضعيفان.
و أمّا الـثانيـة: فلأنّه يحتمل قريباً أن يكون الـمراد با لـجافّ ما يقابل الـمتبلّ بما يسيل من الـخنزير، و با لـيابسـة ما يقابل الـنديـة با لـبول، فا لـمقصود وجود قطعـة خا لية عن الـنجاسة الحاصلة للرجل وا لـقدم، لاوجود قطعـة جافّـة كما هو المدّعى.
و يدفع الاُولى: أنّ الـظاهر وثاقـة الـرجلين، و قد صرّح بوثاقـة الأوّل الـشيخ الـمفيد(قدس سره)في «الإرشاد» و الـتحقيق في محلّه.
و يدفع الـثانيـة: كون الاحتمال الـمذكور خلاف الـظاهر; فإنّ الـتعبير با لـجفاف في مقام إرادة عدم وجود الـنجاسـة الـسائلـة من الـخنزير، ممّا لا ينطبق على الـظاهر، و كذا الـتعبير با لـيبوسـة في مقام إرادة عدم وجود الـنداوة الـبوليّـة. فالإنصاف كون الاحتمال مخا لـفاً للظاهر.
(الصفحة590)
و أمّا سائر الـوجوه، فعلى تقدير جريان الـمناقشـة فيها، لا يقدح بعد ظهور الـروايتين في الاعتبار، و تماميتهما من جهـة الـسند و الـدلالـة، كما عرفت.
ا لـمقام الـرابع: في حدود الـمطهّر و خصوصياته الـموجبـة للتضييق أو الـتوسعـة
قد عرفت: أنّه قد وقع الـتعبير عن عنوان هذا الـمطهّر في بعض الـكتب الـفقهيـة با لـتراب و عرفت أنّ الـمراد به هو الأرض; لوقوع الـتعبير بها في الـنصوص و الـفتاوى، دون الـتراب. و لا فرق في ذلك بين ما إذا كانت الأرض ذات رمل أو حجر أو تراب; لإطلاق الأرض و شمولها لجميع الأقسام.
نعم، فيما إذا كانت هذه الاُمور من الابتداء، فلا إشكال في ذلك، و أمّا إذا كانت با لـعرض كما إذا كانت مفروشـة با لـحجر مثلاً، فا لـظاهر أنّه لا ينبغي الإشكال فيه أيضاً; لأنّ الـمفروشـة با لـحجر مثلاً يصحّ أن يقال إنّها أرض حقيقـة; لأنّ انتقال الـحجر من مكان إلى آخر و كذا نصبه مثلاً، لا يوجب الـخروج عن عنوان الأرض كما أنّه لا مجال لدعوى انصراف الـنصوص عن مثله، بعد عدم كون الـفرض من الـفروض الـنادرة، و غلبـة وجود مثل ذلك في الـطرق و الأزقّـة الـتي يمرّ الـناس عليها.
ثمّ إنّه ربّما يقال: إنّه على تقدير الـشكّ في صدق الأرض على الـمفروشـة بمثل الـحجر، يجري هنا استصحابان ابتداء، و با لـمعارضـة يتساقطان:
أحدهما: استصحاب الـنجاسـة الـحاصلـة للرجل مثلاً، الـمشكوك زوا لـها با لـمشي أو الـمسح على الأرض الـمفروشـة.
ثانيهما: استصحاب مطهّريـة الأرض، بل استصحاب أرضيـة الأرض، لو لم يناقش
(الصفحة591)
في خصوص الـثاني: بأنّه من قبيل استصحاب الـمفهوم الـمردّد، غايـة الأمر أنّ الاستصحاب الـثاني تعليقي، ولكن في جميع موارد الاستصحاب الـتعليقي، يكون الـتعارض بينه و بين الاستصحاب الـتنجيزي متحقّقاً، و الـمرجع بعد الـتعارض في الـمقام قاعدة الـطهارة، ففي صورة الـشكّ أيضاً تصير الـنتيجـة الـطهارة.
و اُورد عليه: بأنّ الـمقام ليس من موارد الـرجوع إلى قاعدة الـطهارة، بل لابدّ من الـرجوع إلى الإطلاقات الـمقتضيـة لاعتبار الـغسل با لـماء في تطهير الـمتنجّسات; فإنّ الـقدر الـمتيقّن ممّا خرج عن تلك الـمطلقات، إنّما هو صورة الـمسح أو الـمشي على الأرض غير الـمفروشـة، و أمّا الـزائد الـمشكوك فيه، فيبقى تحت الـمطلقات لا محا لـة.
هذا، ولكن الـتحقيق: عدم الـتعارض بين الاستصحابين; لأنّ استصحاب الـمطهّريـة ليس من قبيل الاستصحاب الـتعليقي; لأنّ عنوان الـمطهّريـة ـ بمعنى صلاحيـة الأرض لحصول الـتطهير بها ـ أمر فعلي و حكم تنجيزيّ ثابت للأرض، سواء تحقّق الـمسح، أو الـمشي عليها في الـخارج، نعم حصول الـطهارة للمطهَّر ـ با لـفتح ـ أمر تعليقى يتوقّف على أحد الأمرين، و ليس عنوان الـمطهّر للأرض إلاّ كعنوانه للماء; فإنّ الـماء مطهّر فعلاً ولو لم يكن هناك شيء يحتاج إلى الـتطهير به.
و بعد ذلك نقول: إنّ استصحاب الـنجاسـة لا مجال لجريانه; لكون الـشكّ فيها مسبّباً عن الـشكّ في الـمطهّريـة، و بعد جريان الاستصحاب في الـسبب لايبقى موقع لجريانه في الـمسبّب. هذا في الـمفروشـة بمثل الـحجر.
و قد قوّى في الـمتن لحوق الـمفروشـة بالآجر أو الـجصّ، با لـمفروشـة با لـحجرو نحوه، و الـوجه فيه كون الآجر و الـجصّ و مثلهما، لم يخرج عن عنوان
(الصفحة592)
الأرض و الأجزاء الأرضيـة، و الـمطبوخيـة لم تصر موجبـة للخروج، فالآجر الـذي هو الـتراب الـمطبوخ باق على عنوانه الأوّلي، و كذا الـجصّ و مثله، بخلاف الـمطلّي با لـقير، و الـمفروش با لـخشب أو الـصوف أو الـقطن أو نحوها، فإنّها خارجـة عن صدق عنوان الأرض و الاشتمال على بعض الأجزاء الأرضيـة في بعضها، لا يوجب بقاء الـعنوان.
نعم، يمكن أن يقال: بأنّ موضوع الـحكم أوسع من الأرض; لأنّه قد ورد في صحيحـة الأحول عنوان «ا لـمكان الـنظيف» و في روايـة الـمعلّى عنوان «ا لـشيء الـجافّ» و مقتضى إطلاقهما الـشمول لمثل الـمطلّي با لـقير و الـمفروش با لـخشب.
ولكن مقتضى الـتعليل الـوارد في جملـة من الأخبار الـمتقدّمـة ـ و هو قوله (عليه السلام): «الأرض يطهّر بعضها بعضاً» ـ هو اختصاص الـحكم بخصوص عنوان الأرض و لاسيّما مع ملاحظـة عدم إمكان الالتزام بعموم الـشيء الـجافّ في روايـة الـمعلّى، و عليه فيشكل الأمر في هذه الأزمنـة الـتي تكون أكثر الأراضي الـتي يمرّ الـناس عليها مطلّيـة با لـقير.
و ممّا ذكرنا يظهر: أنّه لامجال للأخذ بإطلاق الأمر با لـمسح في صحيحـة زرارة، على تقدير كون الـمراد من الـمسح ما هو الـمراد في الـمقام، فالإشكال بحا لـه و إن حكي عن ابن ا لـجنيد و صاحب «ا لـمستند» الـحكم با لـكفايـة.
(الصفحة593)
ثا لـثها: الـشمس، فإنّها تطهّر الأرض، و كلّ ما لا ينقل من الأبنيـة، و ما اتصلّ بها من الأخشاب و الأبواب و الأعتاب و الأوتاد، الـمحتاج إليها في الـبناء، الـمستدخلـة فيه، لا مطلق ما في الـجدار على الأحوط.
و الأشجار و الـنبات و الـثمار و الـخضروات و إن حان قطعها، و غير ذلك حتّى الأواني الـمثبتـة، و كذا الـسفينـة. ولكن لا تخلو الأشجار و ما بعدها من الإشكال، و إن لا تخلو من قوّة.
و لا يترك الاحتياط في الـطرّادة، و كذا الـعربـة و نحوها. و الأقوى تطهيرها للحصر و الـبواري1 .
ا لـثا لـث: في مطهّريـة الـشمس
(1) يقع الـكلام في هذه الـقطعـة من الـمتن في مقامات:
ا لـمقام الأوّل: في أصل مطهّريـة الـشمس في الـجملـة
و الـمشهور بين الأصحاب ـ رضوان اللّه تعا لـى عليهم أجمعين ـ ، هي كونها مطهّرة في الـجملـة كا لـماء.
و عن الـمفيد و جماعـة من الـقدماء و الـمتأخّرين الـقول با لـعفو، و أنّ جواز الـتيمّم و الـسجود على ما جفّفته الـشمس من الـمواضع الـمتنجّسـة، لا يكون مستنداً إلى طهارتها، بل الـشمس قد أثّرت في الـعفو، مع بقاء تلك الـمواضع على الـنجاسـة.
و قد استدلّ للمشهور بجملـة من الأخبار الـمستفيضـة:
منها: صحيحـة زرارة قال: سأ لـت أباجعفر (عليه السلام) عن الـبول، يكون على الـسطح أو في الـمكان الـذي يصلّى فيه.
(الصفحة594)
فقال: «إذا جفّفته الـشمس فصلّ عليه، فهو طاهر»(1)
.
و مقتضاها بمناسبـة الـتعليل بقوله: «فهو طاهر» أنّ جواز الـصلاة على الـسطح أو في الـمكان الـذي يصلّى فيه ـ إذا كان الـبول عليهما، و قد جفّفته الـشمس ـ مستند إلى حصول الـطهارة له بسبب الـشمس و تجفيفها، لا إلى الـعفو مع بقاء الـموضع على نجاسته الأوّليـة.
و دعوى عدم كون الـطهارة في عرفهم، حقيقـة في الـمعنى الاصطلاحي الـمقابل للنجاسـة، مدفوعة بوضوح كون هذه الـكلمة في عصر الـصادقين و من بعدهما (عليهم السلام)، ظاهرة في الـمعنى الـشرعي، فا لـروايـة في كمال الـظهور في مرام الـمشهور.
ومنها: صحيحة زرارة وحديد بن حكيم الأزدي جميعاً قالا: قلنا لأبي عبدا للّه (عليه السلام): الـسطح يصيبه الـبول أو يبال عليه، يصلّى في ذلك الـمكان؟
فقال: «إن كان تصيبه الـشمس و الـريح و كان جافّاً فلابأس به، إلاّ أن يكون يتّخذ مبالاً»(2).
و الاستدلال بها مبنيّ على أنّ الـظاهر أنّ نفي الـبأس عن الـصّلاة في الـمورد الـمفروض مع إصابـة الـشمس و الـريح، إنّما هو لأجل حصول الـطهارة له بذلك، و الـسر فيه أنّ الـسائلين قد اعتقدا عدم جواز الـصلاة في الأرض الـنجسـة، و عدم ثبوت الـعفو عنه، و هو (عليه السلام) لم يردعهما عن هذا الاعتقاد، فنفي الـبأس مع الإصابـة، ظاهر في حصول الـطهارة و زوال الـنجاسـة.
و الاشتمال على الـريح لايقدح بعد عدم مدخليتها بوجه; لأنّ الـظاهر أنّ ذكرها
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 29، الـحديث 1.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 29، الـحديث 2.
(الصفحة595)
إنّما هو لبيان أمر عادي; لأنّ استناد الـجفاف إلى الـشمس و إشراقها، لا ينفكّ عن مدخليـة هبوب الـريح و جريان الـهواء.
و لعلّ هذه الـروايـة كانت مستنداً للشيخ (قدس سره) حيث حكي عنه في موضع من «ا لـخلاف» إلحاق الـريح با لـشمس في الـمطهّريـة، حيث قال: الأرض إذا أصابتها نجاسـة مثل الـبول و ما أشبهه، و طلعت عليه الـشمس، أو هبّت عليه الـريح حتّى زال عين الـنجاسـة، طهّره.
غايـة الأمر أنّه حمل الـروايـة على كفايـة أحد الأمرين، لا اعتبار الـمجموع.
و يمكن الـمناقشـة في دلالتها بوجهين:
أحدهما: أنّه فرق بين «ا لـصلاة في الـشيء» و بين «ا لـصلاة على الـشيء» فإنّ الأوّل لايكاد يستعمل بمعنى الـسجدة على الـشيء; لأنّ الـسجود إنّما هو عليه لا فيه، إذا كان هو الـمسجود عليه، و الـثاني يستعمل بمعنى الـسجدة عليه، و بعد ملاحظـة أنّ الـمعتبر في باب الـصّلاة هو كون سجودها على الـشيء الـطاهر لعدم اعتبار الـطهارة في مكان الـمصلّي بما هو مكانه، و ملاحظةِ أنّ الـتعبير في الـرواية إنّما هو بكلمة «في» لا «على» لايستفاد من الـروايـة أنّ إصابـة الـشمس و الـريح و الـجفاف، قد صار موجباً لزوال الـنجاسـة و حصول الـطهارة; لأنّه يجتمع جواز الـصّلاة في الـسطح مع عدم حصول الـطهارة.
إلاّ أن يقال: إنّه لا محيص من حمل محطّ الـسؤال على كون الـنظر إلى الـسجود الـذي هو من أركان الـصّلاة; و ذلك لأجل أنّه ـ مضافاً إلى استبعاد كون معتقد مثل زرارة، مدخليةَ الـطهارة في مكان الـمصلّى بما هو مكانه، كاعتبار الإباحة و نحوها ـ يكون تقييد نفي الـبأس في الـجواب بما إذا أصابته الـشمس و الـريح، بلا وجه; لعدم
(الصفحة596)
ا لـفرق في جواز الـصّلاة فيه بين صورتي الإصابـة و عدمها، كما لا يخفى.
فا لـتقييد يكشف عن كون محطّ الـسؤال هو الـسجدة عليه، و لذا قد عبّر في الـروايـة الـسابقـة بكلمـة «على» في الـجواب، و من الـظاهر ظهور نفي الـبأس عن الـسجود عليه ـ مع ملاحظـة اعتبار الـطهارة فيما يسجد عليه ـ في زوال الـنجاسـة و حصول الـطهارة.
إلاّ أن يمنع هذا الـظهور أيضاً: بأنّه يجتمع نفي الـبأس مع الـقول با لـعفو أيضاً.
ثانيهما: أنّه لا دلالـة للروايـة على اعتبار كون الـجفاف مستنداً إلى الـشمش; لأنّه قد جعل اعتباره في عرض اعتبار الإصابـة فا لـشرط أمران: الإصابـة، و الـجفاف، و من الـممكن أن يستند الـجفاف إلى شيء آخر غير إشراق الـشمس.
بل يمكن أن يقال: بظهور الـروايـة في اعتبار الـجفاف حال الـصلاة، و لازمه عدم الاكتفاء با لـجفاف الـحاصل بالإشراق إذا زال الـجفاف حال الـصّلاة، فا لـروايـة تدلّ حينئذ على أمر ثا لـث مغاير لكلا الـقولين.
وكيف كان: فا لـروايـة غير تامّـة الـدلالـة على الـقول با لـطهارة الـذي هو مختار الـمشهور.
ومنها: موثّقـة عمّار الـساباطي، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) في حديث قال: سئل عن الـموضع الـقذر يكون في الـبيت أو غيره، فلا تصيبه الـشمس، ولكنّه قد يبس الـموضع الـقذر.
قال: «لا يصلّى عليه، و أعلم موضعه حتّى تغسله».
و عن الـشمس هل تطهّر الأرض؟
قال «إذا كان الـموضع قذراً من الـبول أو غير ذلك، فأصابته الـشمس، ثمّ يبس
(الصفحة597)
ا لـموضع، فا لـصلاة على الـموضع جائزة، و إن أصابته الـشمس و لم ييبس الـموضع الـقذر، و كان رطباً، فلا يجوز الـصلاة حتّى ييبس، و إن كانت رجلك رطبـة و جبهتك رطبـة، أوغير ذلك منك ما يصيب ذلك الـموضع ا لـقذر، فلا تصلّ على ذلك الـموضع حتّى ييبس، و إن كان غير الـشمس أصابه حتّى ييبس فإنّه لا يجوز ذلك»(1).
و حيث إنّ الـسؤال إنّما هو عن مطهّريـة الـشمس للأرض، فا لـحكم با لـجواز في الـجواب يدلّ على طهارة الـموضع و زوال الـنجاسـة عنه، خصوصاً مع ملاحظـة عدم إشعار الـسؤال بخصوص الـصلاة على الأرض الـنجسـة، حتّى يتوهّم أنّ الـمراد من الـطهارة فيه هو جواز الـصلاة الـذي ـ يجتمع مع الـقول با لـعفو أيضاً; بداهـة أنّ الـسؤال إنّما هو عن نفس الـمطهّريـة ليترتّب عليها جميع الآثار الـمترتّبـة على طهارة الأرض، كما هو ظاهر.
ولكن مع ذلك، ربّما يقال: إنّه لا يستفاد من هذه الـموثّقـة، أزيد من سببيـة تجفيف الـشمس لجواز الـصلاة، فلا تدلّ على الـطهارة، بل ربّما يستشعر ـ من عدول الإمام (عليه السلام)إلى الـجواب بجواز الـصلاة ـ عدمها، فتكون حينئذ شاهدة للقائلين با لـعفو كما أنّ قوله (عليه السلام): «و إن كانت رجلك رطبـة ...» ظاهر في ذلك بناءً على رجوع ضمير «حتّى ييبس» إلى ما كان منك رطباً، لا إلى الـموضع.
و يؤكّده ما عن بعض نسخ «ا لـتهذيب» من قوله (عليه السلام): «و إن كان عين الـشمس» با لـعين الـمهملـة و الـنون بدل «غير الـشمس» كما أنّه قد رواه بهذه الـصورة «ا لـوافي» و «حبل الـمتين» فيما حكي عنهما، فإنّها على هذا الـتقدير، صريحـة في عدم طهارة الـموضع بإصابـة الـشمس وإشراقها عليه، و كلمـة «إن» حينئذ وصليـة،
(1) وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 29، الـحديث 4.
(الصفحة598)
كما أنّ قوله (عليه السلام): «فإنه لايجوز ذلك» تأكيد لعدم جواز الـصلاة على ذلك الـموضع حتّى ييبس.
و يردّ هذا الـقول اُمور:
الأوّل: ما عرفت من ظهور الـسؤال في كونه راجعاً إلى الـطهارة، مع عدم إشعار فيه بخصوص الـصّلاة، بل هو ناظر إلى أمر كلّي; و هو أنّ الـشمس هل تكون مطهّرة للأرض أم لا؟ و لا معنى للعدول عن الـجواب إلى الـجواب بجواز الـصّلاة إلاّ على تقدير كونه مساوقاً لبيان الـطهارة الـتي هي محطّ سؤا لـه، فالاستشعار الـمذكور في غير محلّه، بل ظاهر الـسؤال بحا لـه.
ا لـثاني: ما قد يقال: من أنّ الـضمير في «ييبس» غير راجع إلى الـجبهـة أو الـرجل، بل الـظاهر رجوعه إلى الـموضع; لقربه، و لأنّ مرجع الـضمير لو كان هو الـجبهـة أو الـرجل، لكان الأولى أن يقول: «حتّى تيبس» بدلاً عن «حتّى ييبس» و ذلك لأنّ الـجبهـة و الـرجل مؤنّثـتان، إحداهما: لفظيـة، و الاُخرى: سماعيـة.
هذا، و الـظاهر عدم تماميـة هذا الإيراد; و ذلك لأنّ رجوع الـضمير إلى الـموضع يستلزم ـ مضافاً إلى تحقّق الـتكرار في الـكلام; لأنّه (عليه السلام) قد صرّح في الـجملـة الاُولى; أي الـسابقـة على هذه الـجملـة: بعدم جواز الـصلاة على الـموضع الـقذر إذا كان رطباً قبل أن ييبس، و لا وجه للتكرار أصلاً ـ أخذ بعض الـقيود غير الـدخيلـة; فإنّ توقّف جواز الـصلاة على الـموضع الـقذر مع الـرطوبـة ـ الـمستفادة من قوله «حتّى ييبس» على هذا الـتقدير ـ على حصول الـيبس، أمر متحقّق بنحو الإطلاق، و لا فرق فيه بين أن تكون الـجبهـة أو الـرجل رطبـة أو يابسـة، ففرض رطوبـة الـعضو الـمماسّ مع الأرض، يكشف عن مدخليته في الـحكم الـمذكور في هذه الـجملـة، و هو لا يتمّ إلاّ
(الصفحة599)
على تقدير رجوع الـضمير إلى الـعضو الـرطب، و على هذا الـتقدير ينطبق على الـقول با لـعفو.
ا لـثا لـث:ما قد يقال أيضاً: من أنّ كلمـة «إن» لو كانت وصليـة، لكان الـمتعيّن أن يقول: «حتّى يبس» بدلاً عن «حتّى ييبس» لأنّ «إن» الـوصليـة إنّما يؤتى بها في الاُمور مفروضـة الـتحقّق و الـوجود، الـتي تدلّ عليها الأفعال الـماضيـة، دون الـمستقبلـة.
نعم، في كلمـة «إن» الـشرطيـة لا يفرّق الـحال بين الـماضي و الـمضارع.
أقول: الـظاهر أنّه لا فرق بين «إن» الـوصليـة و «إن» الـشرطيـة في جواز استعمال كلّ منهما في الـماضي و الـمضارع، فيجوز أن يقول الـوا لـد لولده مثلاً: «اجتهد في تحصيل الـعلم و إن لا تبلغ شيئاً منه» إلاّ أنّ فرض الإصابـة بنحو الـماضي في الـمقام، يقتضي أن تكون الـيبوسـة مفروضـة بصيغـة الـماضي، فا للزوم إنّما نشأمن هذه الـجهـة، لا من اقتضاء «إن» الـوصليـة، كما لايخفى.
هذا كلّه، مع أنّه لا معنى محصّل لإصابـة عين الـشمس شيئاً; لأنّ عينها ـ بمعنى شخصها و نفسها ـ لا تصيب شيئاً أبداً، و إنّما يصيب نورها و شعاعها. خصوصاً مع أنّه لاخصوصيـة في هذه الـجملـة من جهـة إضافـة لفظ الـعين بعد إسناد الإصابـة إلى الـشمس في الـجملات الـمتعدّدة قبل ذلك.
فالإنصاف:أنّ هذه الـنسخـة غير صحيحـة، خصوصاً مع ملاحظـة استدلال الـشيخ(قدس سره)في «ا لـتهذيب» ـ على ما حكي ـ بهذه الـروايـة على الـقول با لـطهارة، و هو لا ينطبق على هذه الـنسخـة، فا لـنسخـة الـمعروفـة صحيحـة، و الـروايـة بتلك الـنسخـة ظاهرة الـدلالـة على الـقول با لـطهارة، و إن كان بعض جملاتها مشعراً با لـقول با لـعفو، كما عرفت.
(الصفحة600)
و منها: روايـة أبي بكر الـحضرمي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «يا أبابكر، ما أشرقت عليه الـشمس فقد طهر»(1).
أو «كلّ ما أشرقت عليه الـشمس فهو طاهر»(2).
و هي من جهـة الـدلالـة على الـطهارة، ظاهرة غير قابلـة للمناقشـة فيها، إلاّ أنّه لابدّ من تقييدها من جهتين:
إحداهما: من جهـة الـيبوسـة و عدمها; حيث إنّه لامناص من تقييدها بما إذا حصلت الـيبوسـة بإشراقها.
و ثانيتهما: من جهـة كون الـمتنجّس ممّا ينقل أو من غيره، كا لـثوب و الـبدن، مع عدم الالتزام با لـمطهّريـة أو با لـعفو في مثلهما من الاُمور الـقابلـة للانتقال الـمتداول غسلها.
هذه هي الـروايات الـدالّـة على القول با لـطهارة، و في مقابلها صحيحـة محمّد بن إسماعيل بن بزيع قال: سأ لـته عن الأرض و الـسطح يصيبه الـبول و ما أشبهه، هل تطهّر الـشمس من غير ماء؟
قال: «كيف يطهّر من غير ماء؟!»(3).
نظراً إلى دلالتها على عدم مطهّريـة الـشمس.
هذا، ولكنّ الـظاهر أنّه لا معارضـة بين هذه الـصحيحـة و بين تلك الـروايات بوجه; لأنّ مورد الـسؤال ليس هي مطهّريـة الـشمس و عدمها، بل مورده أنّ الـشمس
1ـ وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 29، الـحديث 5 و 6.
2ـ وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 29، الـحديث 5 و 6.
3ـ وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 29، الـحديث 7.
|