(الصفحة681)
ا لـمرآة، هل يصلح إمساكها إذا كان لها حلقـة فضّـة؟
قال: «نعم، إنّما يكره استعمال ما يشرب به».
قال: و سأ لـته عن الـسرج و اللجام فيه الـفضّـة، أيركب به؟
قال: «إن كان مموّهاً لا يقدر على نزعه فلا بأس، و إلاّ فلا يركب به».(1)
فإنّ ظاهر الـسؤال الأوّل، إنّما هو الـسؤال بكلمـة «يصلح» عن الـجواز في مقابل الـحرمـة، و محطّ الـنظر أ نّه هل يكون جائزاً، أم محرّماً؟
و عليه فقوله (عليه السلام) في الـجواب: «إنّما يكره ...» ظاهر في أنّ الـمراد با لـكراهـة ما يقابل يصلح فا لـمراد بها إنّما هو «لايصلح» الـذي يكون الـمراد منه هي الـحرمـة، فا لـكراهـة في الـروايـة الـواردة في الـمقام، قد استعملت في الـحرمـة با لـقرينـة الـمذكورة.
و يؤيّده أيضاً: أنّه لو كانت بمعناها الاصطلاحي، لم يتمّ الـحصر فيها; لثبوت الـكراهـة بهذا الـمعنى في غير استعمال ما يشرب به أيضاً.
وأمّا كلمة «لاينبغي» فا لظاهر أنّ المراد منها في موارد استعما لها هو عدم التيسّر، و من الـظاهر أنّ عدم الـتيسّر في فعل الـمكلّف يرجع إلى عدم الـجواز شرعاً، و إلاّ فهو ميسور له و قد استعملت في الـكتاب وا لـسنّـة بهذا الـمعنى، واستعما لها في الـكراهة ـ إذا ثبت كونه اصطلاحاً ـ فهو اصطلاح مستحدث; لاينبغي حمل الـروايـة عليه.
و با لـجملـة: فا لـظاهر أنّ مقتضى الـقاعدة أيضاً هي الـحرمـة. مع أنّها من الأحكام الـمتسا لـم عليها بين الأصحاب، بل بين علماء الـمسلمين إلاّ من شذّ، كما عرفت.
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 67، الـحديث 5.
(الصفحة682)
في مطلق استعما لـها
ا لـمقام الـثاني: في أنّ متعلّق الـتحريم، هل هو خصوص الاستعمال في الأكل و الـشرب، كما ربّما يظهر من الاقتصار عليهما في كلمات جمع من الـقدماء، أو أنّ متعلّقه مطلق الاستعمال، فيعمّ سائر الاستعمالات; من الـوضوء و الـغسل و تطهير الـنجاسات، و غيرها ممّا يعدّ استعمالاً للآنيـة، كما عن بعض دعوى الإجماع أو ما يشابهه عليه؟
و قد استدلّ على الـتعميم بروايات:
منها: روايـة موسى بن بكر، عن أبي ا لـحسن موسى (عليه السلام) قال: «آنيـة الـذهب و الـفضّـة متاع الـذين لايوقنون».(1)
نظراً إلى أنّ «ا لـمتاع» بمعنى ما ينتفع به و يتمتّع، و منه متاع الـبيت، فا لـروايـة تدلّ حينئذ على أنّ مطلق الانتفاع بآنيتهما، حرام على الـموقنين، فتدلّ على حرمـة استعما لـهما مطلقاً; لأنّ استعمال الـشيء هو الانتفاع به.
و اُورد عليه ـ مضافاً إلى ضعف سند الـروايـة بسهل بن زياد، و موسى بن بكر على طريق الـكليني، و با لـثاني على روايـة «ا لـمحاسن» ـ بأنّ الـمتاع و إن كان بمعنى ما ينتفع به، إلاّ أنّ الانتفاع في كلّ متاع بحسبه; فإنّ الانتفاع با لـفرش إنما هو بفرشه، و في اللباس بلبسه وهكذا، ومن الظاهر أنّ الانتفاع بآنيتهما، إنّما يكون بالأكل والشرب فيهما; لأنّ الإناء إنّما اُعدّ لذلك، و عليه فلا دلالـة للروايـة على حرمـة سائر الاستعمالات.
و يدفعه: أنّ موسى بن بكر باعتبار روايـة صفوان بن يحيى عنه في بعض الـموارد، لا تبعد وثاقته، و الـتحقيق في محلّه.
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 65، الـحديث 4.
(الصفحة683)
و أمّا دعوى اختصاص الانتفاع بالآنيـة بالأكل و الـشرب، فمدفوعـة جدّاً; لظهور أنّ استعما لـها في مثل الـتطهير انتفاع بها، خصوصاً لو كان الإناء معدّاً لمثله.
و بعبارة اُخرى: الإناء تارة: يكون معدّاً للأكل و الـشرب، و اُخرى: لغيرهما كالإبريق مثلاً، و من الـواضح عدم صحّـة دعوى أنّ الانتفاع من الـثاني إنّما هو خصوص الأكل و الـشرب، بعد عدم كونه معدّاً لذلك.
كما أنّه في الأوّل أيضاً لاتبعد دعوى منع الاختصاص; فإنّ الـكأس الـمعدّ للأكل و الـشرب إذا استعمل في الـتطهير مثلاً، هل لا يكون ذلك انتفاعاً به؟! من الـواضح خلافه. فالإنصاف تماميـة هذا الـدليل.
و منها: صحيحـة محمّد بن مسلم الـمتقدّمـة في الـطائفـة الأولى، الـظاهرة في تعلّق الـنهي بنفس آنيـة الـذهب و الـفضّـة.
وصحيحـة ابن بزيع المتقدّمة في الـطائفة الـثانية، الـظاهرة في تعلّق الـكراهة بها أيضاً. و غيرهما من الـروايات الـناهيـة الـخا لـيـة عن الـتعرّض للأكل و الـشرب.
فإنّ ظاهرها ـ بعد عدم إمكان تعلّق الـنهي با لـذوات، و كذا الـكراهـة الـتشريعيـة الـتى هي مفاد الـروايـة قطعاً; فإنّ تعلّقها بها لامعنى له أصلاً ـ تعلّق الـنهي بكلّ ما يتعلّق بهما من فعل الـمكلّف.
و بعبارة اُخرى: لابدّ من الـتقدير في مثل هذه الـتعبيرات، و حيث إنّه لم يبيّن ما هو الـمقدّر، فا لـلازم أن يكون الـمقدّر عامّاً شاملاً لمطلق الاستعمالات.
ثمّ لايخفى اختلاف متعلّق الـتحريم في الأكل و الـشرب من الأواني الـمذكورة، و في غيرهما من سائر الاستعمالات; فإنّ الـمتعلّق فيهما هو الأكل، أو الـشرب منها، أو فيها، لاتناول الـمأكول و الـمشروب، و لا نفس الـمأكول و الـمشروب. و أمّا الـمتعلّق
(الصفحة684)
في غيرهما فنفس الاستعمال الـمتعلّق بها.
توضيح ذلك: أنّه قد تقدّم وجود روايات متعدّدة دالّـة على النهي عن الأكل في الآنيتين، أو الـشرب فيهما، فعنوان الأكل و الـشرب محرّم بمقتضى هذه الـروايات، و لايخا لـفها ما يوجب صرفها عن ظاهرها.
و عليه ففيما إذا أكل أو شرب من الآنيتين، يكون عنوان الأكل أو الـشرب متعلّقاً للنهي، و أمّا تناول الـمأكول و الـمشروب منهما، ففيما إذا لم يترتّب عليه الأكل و الـشرب، لا دليل على حرمته من جهـة هذا الـعنوان.
نعم، بناء على حرمـة مطلق الاستعمال يصير محرّماً; من جهـة كونه من مصاديق الاستعمال. و أمّا إذا ترتّب عليه الأكل و الـشرب، ففيه كلام يأتي الـتعرّض له إن شاء اللّه تعا لـى.
كما أنّ نفس الـمأكول و الـمشروب الـموجودين في الإناء، لا دليل على حرمتها بعنوانها، فا لـماء الـموجود في آنيـة الـذهب مثلاً، لايكون محرّماً شربه و إن نسب إلى الـمفيد (قدس سره) و ظاهر أبي ا لـصلاح و الـعلاّمـة الـطباطبائي الـقول بحرمـة الـمأكول و الـمشروب أيضاً، و يظهر من «ا لـحدائق» الـميل إليه، لكنّ الـمشهور عدم تعدّي الـحرمـة إلى الـمأكول و الـمشروب.
و قد رتّبوا على هذا الـنزاع: أنّه لو أكل طعاماً مباحاً من آنيـة الـذهب مثلاً في نهار شهر رمضان، لا يكون مفطراً على الـحرام; حتّى يجب عليه كفّارة الـجمع، كما إذا أفطر با لـخمر أو الـميتـة و نحوهما، بل يكون نفس الإفطار ـ بلحاظ كونه أكلاً من آنيـة الـذهب ـ حراماً، كما أنّه بلحاظ كونه إفطاراً من غير مجوّز أيضاً، يكون حراماً، لكنّ الـملاك في وجوب كفّارة الـجمع: أن يكون الإفطار با لـحرام; بأن يكون الـمفطر محرّماً
(الصفحة685)
في نفسه مع قطع الـنظر عن كونه مفطراً.
فعلى مسلك الـمشهور لايكون الـمفطر محرّماً، فلا تجب كفّارة الـجمع، و على مبنى غيرهم يكون كذلك فتجب.
هذا، ويمكن أن يقال: بعدم ترتّب هذه الثمرة على النزاع المذكور; لأنّ معنى تعلّق الـحرمـة با لـمأكول و الـمشروب ليس تعلّقها بذواتهما، فإنّ الـذوات لا يمكن تعلّق الـتكليف بها، بل معناها تعلّقها بالأكل وا لـشرب الـمتعلّق بها الـذي هو فعل المكلّف.
و عليه فمرجع كون الـمأكول أو الـمشروب محرّماً، إلى كون الأكل أو الـشرب كذلك، فإذا أكل طعاماً محرّماً في إحدى الآنيتين، يكون الأكل بعنوان كونه مضافاً إلى ذاك الـمأكول محرّماً، و بعنوان كونه في إحداهما أيضاً كذلك، و يستحقّ لأجله عقوبتين; لعدم الـمانع من اجتماع محرّمين هما: أكل الـميتـة مثلاً، و الأكل في آنيـة الـذهب كذلك.
فإذا فرض أنّ معنى الإفطار با لـحرام الـذي هو الـموضوع لثبوت كفّارة الـجمع: أن يكون الـمفطر ـ مع قطع الـنظر عن كونه مفطراً ـ محرّماً، يتحقّق هذا الـمعنى في الأكل من إحدى الآنيتين و إن كان الـمأكول مباحاً; لأنّ الأكل منها مع قطع الـنظر عن كونه مفطراً، يكون محرّماً، فلا فرق بين الـقولين في لزوم كفّارة الـجمع.
و قد ظهر ممّا ذكرنا: أنّ مقتضى الـروايات; كون الأكل أو الـشرب من إحدى الآنيتين بعنوانهما محرّماً، فا لـتناول منها من دون تحقّق شيء من الـعنوانين، لا يكون محرّماً بهذا الـعنوان. نعم حرمته إنّما هي لأجل كون استعما لـها محرّماً، على ما عرفت.
و أمّا إذا كان الـتناول مقدّمـة لشيء منهما، فهل يتحقّق هنا محرّمان; أحدهما: الـتناول من باب كونه استعمالاً، و الآخر: الأكل أو الـشرب بلحاظ تعلّق الـتحريم با لـعنوانين، أو أنّه لا يتحقّق إلاّ محرّم واحد و هو الـمحرّم الـثاني؟
(الصفحة686)
ا لـذي يخطر با لـبال في بادي الـنظر هو الأوّل; لتحقّق عنوانين محرّمين، و لا مانع من اجتماعهما في مورد واحد.
ولكن الـظاهر هو الـثاني; لأنّ الـمستفاد من الـروايات الـناهيـة عن الأكل أو الـشرب: أنّه لايتحقّق بشيء منهما إلاّ مخا لـفـة تكليف واحد; و أنّ الآكل أو الـشارب لا يكون مستحقّاً إلاّ لعقوبـة واحدة، خصوصاً بعد ملاحظـة توقّف الأكل نوعاً على الـتناول، و كذا الـشرب، كما لايخفى.
فا لـمتفاهم عرفاً من هذه الـروايات، ليس إلاّ ثبوت تكليف واحد في مورد الأكل أو الـشرب من إحدى الآنيتين، فا لـظاهر ـ بمقتضى هذا الـتفاهم ـ هو الـثاني.
و أمّا في غير الـمأكول و الـمشروب، فا لـظاهر أنّ الـنهي إنّما تعلّق بعنوان الاستعمال على ما استظهرنا من الـنهي الـمتعلّق بعنوان الآنيـة فالاستعمال ـ أي الـعمل الـمتعلّق بها، و الـفعل الـذي له إضافـة إليها ـ حرام، و أمّا ما هو خارج عن هذا الـعنوان فلا دليل على تحريمه، فإذا اغترف منها للوضوء يكون الاغتراف محرّماً، لا الـوضوء; لأنّ الاغتراف استعمال للآنيـة، لا الـوضوء الـمتحقّق عقيبه، و عليه فلا يكون الـوضوء محرّماً، فلا يكون باطلاً.
نعم، قد تقدّم الـكلام في فروع هذا الـفرض في باب الـوضوء، فراجع.
في مطلق الانتفاع بهما
ا لـمقام الـثا لـث: في أنّه بعد عدم اختصاص الـحرمـة في باب الأواني بخصوص استعما لـها في الأكل أو الـشرب، بل عمومها لمطلق الاستعمال، يقع الـكلام في دائرة متعلّق الـتّحريم; و أنّه هل هو أعمّ من الاستعمال أيضاً، بحيث يشمل مطلق الانتفاع ولو
(الصفحة687)
لم يعدّ استعمالاً، أو يختصّ بالاستعمال.
بل على الـتقدير الأوّل يمكن أن يقال: بأنّه أعمّ من الانتفاع أيضاً، فيشمل مثل الاقتناء و الـحفظ عن الـضياع أيضاً.
فنقول: قد عرفت أنّ الـروايات الـواردة في هذا الـباب على طائفتين:
طائفـة تدلّ على الـنهي عن عنواني الأكل و الـشرب من إحدى الآنيتين.
و طائفـة تدلّ على الـنهي عن نفسهما، و تعلّق الـكراهـة بهما.
أمّا الـطائفـة الاُولى، فقد تقدّم مفادها; و أنّه لايتعدّى عن الـعنوانين، و لا دلالـة لهما على حرمـة غيرهما.
و أمّا الـطائفـة الـثانيـة، فبعد لزوم الـتقدير فيها، و عدم كون الـمقدّر نفس وجود الآنيتين، يحتمل أن يكون الـمقدّر هو خصوص الأكل و الـشرب; بحيث كان مرجعها إلى الـطائفـة الاُولى الـمصرّحـة بالأكل أو الـشرب.
و يحتمل أن يكون الـمقدّر هو مطلق الاستعمال، فكلّ ما يصدق عليه أنّه استعمال للآنيـة فهو حرام.
و من الـواضح: أنّه بناءً على هذا الاحتمال، يكون الـمحرّم هو نفس الاستعمال بعنوانه، لا الأفعال الـمترتّبـة عليه، كالأكل و الـشرب و الـوضوء و نحوها; لأنّ الأكل منها ليس استعمالاً لها، بل تناول الـمأكول منها يكون استعمالاً لها.
و يحتمل أن يكون الـمقدّر أعمّ من الاستعمال; و هو مطلق الانتفاع، سواء عدّ استعمالاً أم لا.
و يؤيّده الـروايـة الـمتقدّمـة الـدالّـة على أنّ آنيـة الذهب و الفضّـة، متاع الذين لا يوقنون; لأنّ الـمراد با لـمتاع ـ كما عرفت ـ مطلق ما ينتفع و يتمتّع به.
(الصفحة688)
و يحتمل أن يكون الـمقدّر كلّ فعل له إضافـة إلى الآنيـة و إن لم يعدّ انتفاعاً بها، فضلاً عن أن يكون استعمالاً لها، كالاقتناء بناءً على عدم كونه انتفاعاً.
هذا، و الـظاهر أنّه لامجال للاحتمال الأوّل; بعد عدم كون جميع الأواني معدّةً للأكل و الـشرب، لأنّ جملـة منها معدّة لغيرهما من الاستعمالات، و عدم كون الـنهي الـمتعلّق با لـمعدّ منها لها ظاهراً في خصوص الأكل و الـشرب، فهذا الاحتمال لامجال له أصلاً.
و أمّا الاحتمال الـثاني فلا دليل عليه; لعدم نهوض دليل على تعيّن خصوص الاستعمال، خصوصاً بعد وجود الـروايـة الـمذكورة الـتي عبّر فيها عنها با لـمتاع و هو أعمّ من الاستعمال، و قد مرّ اعتبار هذه الـروايـة و حجّيتها.
كما أنّ الاحتمال الـرابع لايمكن تتميمه بدليل، و لا يكون الـتفاهم الـعرفي مساعداً عليه.
فالإنصاف: أنّ الاحتمال الـثا لـث هو أظهر الاحتمالات، و لازمه حرمـة وضعها على الـرفوف أو غيرها للتزئين بها; فإنّ الـتزئين انتفاع بالآنيـة، كا لـتزئين بغيرها من الـنقوش و غيرها. و قد ذهب إلى هذا صاحب «ا لـجواهر» (قدس سره) و لافرق في ذلك بين أن يكون الـتزئين بها في مثل الـبيوت، و بين أن يكون في الـمساجد و الـمشاهد.
كما أنّ لازم هذا الـوجه، عدم حرمـة مثل الاقتناء و الـحفظ عن الـضياع; لعدم كون ذلك انتفاعاً بالآنيـة، و لادليل على حرمـة مطلق الـفعل الـمتعلّق بها و لو لم يكن انتفاعاً، و إلاّ فيلزم حرمـة الـنظر إليها أيضاً; لأنّه فعل متعلّق بها، خصوصاً إذا ترتّب عليه اللذّة و الـفرح و الانبساط، و من الـواضح عدم إمكان الالتزام بها.
ثمّ إنّه بناءً على ما ذكرنا: من عدم حرمـة اقتناء الأواني الـمذكورة يكون بيعها و شرائها جائزاً; لاشتما لـها على الـمنفعـة الـمحلّلـة الـمقصودة. و أمّا بناءً على حرمته
(الصفحة689)
أيضاً، فا لـتحقيق في جواز الـمعاملـة عليها و عدمه في محلّه.
في حكم بعض الانتفاعات
ا لـمقام الـرّابع: في بيان حكم بعض الـعناوين الاُخر.
فنقول:
منها: الـملبّس بأحدهما من الـصفر أو غيره، و الـوجه فيه الـتفصيل، فإنّه إذا كان على وجه لو انفصل كان إناء مستقلاًّ; بحيث كان من قبيل إناء في إناء، بحيث لو نزع الإناء الـصفر مثلاً عمّا لبّس به بقي لباسه إناء مستقلاًّ، فهذا حرام; لكونه حقيقـة إناء ذهب أو فضّـة.
وأمّا إذا لم يكن كذلك، كما إذا كان الذهب أو الـفضّة قطعات منفصلات، لبّس بهما الإناء من الـصفر داخلاً أو خارجاً، فلا إشكال في عدم الـحرمـة حينئذ; لعدم كون الإناء إناء ذهب أو فضّـة، بل هو إناء صفر مشتمل على قطعـة من أحدهما مثلاً، كما لايخفى.
و منها: الـمفضّض و الـمطلّي و الـمموّة بأحد من الـذهب و الـفضّـة، و الـمراد با لـمفضّض إمّا ما كانت الـفضّـة فيه جرماً و مادّة، كما ربّما يدّعى انصرافه إليه، و إمّا ما هو أعمّ منه و ممّا كانت فيه الـفضّـة لوناً و عرضاً.
فعلى الأوّل: يغاير الـمطلّي و الـمموّة.
و على الـثاني: يكون الـمطلّي و الـمموّة من مصاديق الـمفضّض.
كما أنّ الـظاهر أنّ الـمراد با لـمفضّض ما هو أعمّ من الـمذهّب، و الـتعبير به إنّما هو لأجل الـتبعيـة للروايـة; لاشتما لـها على هذا الـتعبير و سيأتي الـبحث فيه إن شاء اللّه تعا لـى.
(الصفحة690)
و كيف كان: فقد ورد في الـمفضّض روايات:
منها: روايـة الـحلبي الـمتقدّمـة عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: «لا تأكل في آنيـة من فضّـة، و لا في آنيـة مفضّضـة».
و منها: صحيحـة معاويـة بن وهب قال: سئل أبوعبدا للّه (عليه السلام) عن الـشرب في الـقدح فيه ضبّـة من فضّـة.
قال: «لا بأس إلاّ أن تكره الـفضّـة فينزعها».(1)
و منها: حسنـة عبدا للّه بن سنان، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: «لا بأس أن يشرب الـرجل في الـقدح الـمفضّض، و اعزل فمك عن موضع الـفضّـة».(2)
فمقتضى الـروايـة الاُولى حرمـة الأكل من الآنيـة الـمفضّضـة، كالآنيـة من فضّـة، و مقتضى الأخيرتين الـجواز، و قاعدة الـجمع تقتضي حمل الـنهي على الـكراهـة، و لا مانع من حمل الـنهي في روايـة واحدة على الـكراهـة في جملـة، و حفظ ظهورها في الـحرمـة في جملـة اُخرى و لايلزم استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد; لأنّ ظهور الـنهي في الـحرمـة معلّق على عدم الـترخيص في فعل الـمنهي عنه، و قد تحقّق الـترخيص في الـمكروه، دون الـجملـة الاُخرى الـمحرّمـة، فتدبّر.
ثمّ إنّ مقتضى روايـة ابن سنان، وجوب عزل الـفم عن موضع الـفضّـة، و قد افتى به الـمشهور.
و عن «ا لـمعتبر» و بعض الـكتب الاُخر: الاستحباب; حملاً للأمر عليه بقرينـة روايـة ابنوهب، نظراً إلى أنّ ترك الاستفصال فيها مع قيام الاحتمال، يفيد الـعموم.
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 66، الـحديث 4.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 66، الـحديث 5.
(الصفحة691)
هذا، ولكن إفادة الـعموم لا تنافي الـتخصيص; فإنّ روايـة ابن سنان صا لـحـة للتخصيص، فا لـظاهر حينئذ ما أفاده الـمشهور من وجود عزل الـفم عن موضع الـفضّـة.
و يؤيّده بعض الـروايات الاُخر، مثل ما رواه الـصدوق، بإسناده عن ثعلبـة بن ميمون، عن بريد، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام): أنّه كره الـشرب في الـفضّـة، و في الـقدح الـمفضّض، و كذلك أن يدهن في مدهن مفضّض، و الـمشطـة كذلك، فإن لم يجد بدّاً من الـشرب في الـقدح الـمفضّض عدل بفمه عن موضع الـفضّـة.(1)
وا لـظاهر أنّه ليس الـمراد من عدم وجدان الـبدّ هي الـضرورة الـمبيحـة للمحرّم، و إلاّ لم يكن وجه للتعرّض للمفضّض فقط; فإنّ الـضرورة بهذا الـمعنى مبيحـة للفضّـة أيضاً، بل الـمراد أنّه حيث يكون الـشرب في الـقدح الـمفضّض مكروهاً لا محرّماً، و من الـواضح أنّ الـعاقل لايختار الـمفضّض الـمكروه مع وجود غيره و كونه باختياره، فإذا لم يكن باختياره فعلاً ـ و إن كان يمكن تحصيله ـ فا لـلازم أن يعدل بفمه عن موضع الـفضّـة.
بقي في هذه الـجهـة أمران:
الأوّل: أنّ الـظاهر اختصاص وجوب الـعزل بما إذا اشتمل الإناء على قطعـة أو قطعات مشخّصـة من الـفضّـة، و أمّا إذا كان مطلّياً بها; بأن كان ماء الـفضّـة الـذي هو من قبيل الأعراض، و لا وجود له بالاستقلال، فلايأتي فيه هذا الـحكم; لأنّه ليس هناك فضّـة يعزل فمه عن موضعها، و عليه فلاوجه للجزم بذلك; لكونه من أفراد الـمفضّض،
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 66، الـحديث 3.
(الصفحة692)
كما عن «كشف الـغطاء» و الـمنسوب إلى الـعلاّمـة، و لا للاحتياط فيه كما في «ا لـعروة» و ذلك لأنّ احتمال دخوله في الـمفضّض أو الـجزم به، لايقتضي جريان هذا الـحكم فيه; بعد وضوح اختصاص موضوعه بما إذا كان موضع الـفضّـة مشخّصاً، كما لايخفى.
ا لـثاني: أنّه هل الـحكم بكراهـة الأكل و الـشرب في الإناء الـمفضّض، و وجوب عزل الـفم عن موضع الـفضّـة، يجري في الـمذهّب أيضاً، أم لا؟ و الأوّل محكيّ عن صاحب «ا لـحدائق».
و قد اُورد عليه: بأنّه لايمكن الـمساعدة عليه; لعدم الـدليل، بل الـقاعدة تقتضي الـجواز و إن كان الـذهب أعلى قيمـة من الـفضّـة; لأ نّه لا سبيل لنا إلى ملاكات الأحكام الـشرعيـة. ولو كان الـملاك غلاء الـقيمـة لكان مثل الـزبرجد و الألماس من الأحجار الـكريمـة الـتي هي أعلى قيمـة من الـفضّـة، أولى با لـكراهـة و الـوجوب.
نعم، في روايـة الـفضيل بن يسار قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـسرير فيه الـذهب، أيصلح إمساكه في الـبيت.
فقال: «إن كان ذهباً فلا، و إن كان ماء الـذهب فلا بأس».(1)
فإنّ الـسرير الـذي فيه الـذهب إذا لم يجز إمساكه في الـبيت، فالإناء الـذي فيه الـذهب بطريق أولى.
و يرد على هذا الـنحو من الاستدلال ـ مضافاً إلى أ نّه من الـواضح عدم حرمـة إمساك الإناء الـذي فيه الـذهب; لأنّ كراهـة الأكل أو الـشرب فيه محلّ كلام، فكيف يحتمل حرمـة إمساكه؟! و إلى جريان الـمناقشـة في الـروايـة سنداً و دلالـة; لعدم
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 67، الـحديث 1.
(الصفحة693)
حرمـة إمساك الـسرير الـذي فيه الـذهب بوجه ـ أنّه على تقدير الـتسليم فاستفادة حكم الـمقام لاتنطبق إلاّ على الـقياس، و دعوى الأولويـة ممنوعـة جدّاً، فتدبّر.
حكم الـممتزج منهما
و من الـعناوين الـممتزج، و هو على قسمين:
الأوّل: ا لـممتزج من الـذهب و الـفضّـة معاً، بحيث يكون مركّباً منهما، و لايكون فيه شيء غيرهما.
و قد ذكر في الـمتن: أنّه بحكم أحدهما و إن لم يصدق عليه اسم أحدهما.
و الـوجه فيه فيما إذا صدق عليه اسم أحدهما: هو شمول الأدلّـة اللفظيـة الـواردة في الـباب، و عمومها له; لأنّ الـمفروض صدق أحد الاسمين، و تحقّق واحد من الـعنوانين.
و أمّا إذا لم يصدق عليه اسم أحدهما، فالأدلّـة اللفظيّـة و إن كانت قاصرة عن الـشمول; لعدم تحقّق عنوان موضوعها على ما هو الـمفروض، إلاّ أنّ مقتضى الـفهم الـعرفي و الارتكاز الـعقلائي في مثل الـمقام، هو جريان الـحكم; فإنّ اختلاط أحد الـمحرّمين بالآخر و الامتزاج بينهما، لايوجب سلب حكم الـتحريم، و تغيّر الـنهي عندهم بوجه، فهل يوجب الـخلط بين الـميتـة و الـدم مثلاً، زوالَ حكم الـحرمـة و ارتفاعها و إن لم يصدق على الـمخلوط شيء من الـعنوانين، كما هو ظاهر؟!
و دعوى: أنّه يحتمل أن يكون الـخلوص معتبراً في موضوع الـحكم، و هو غير حاصل في الـممتزج منهما، مدفوعـة بكون هذا الاحتمال غير معتنى به عند الـعقلاء، بعد ملاحظـة الأدلّـة.
(الصفحة694)
ا لـثاني: الـممتزج منهما أو من أحدهما بغيرهما، كا لـصفر و الـنحاس مثلاً، ففيما إذا لم يتحقّق شيء من الـعنوانين، و لم يصدق أحد الاسمين، لامجال لثبوت الـحكم با لـحرمـة; لدورانه مدار صدقهما على نحو الـحقيقـة، و لايكفي الـتسامح و الـمجاز.
و أمّا مع تحقّق شيء منهما، كما إذا كان الـخليط قليلاً، فا لـظاهر ثبوت الـحرمـة، و لادليل على اعتبار الـخلوص و الـخلوّ من الـخليط، بل الـملاك هو صدق اسم الـموضوع، و الـمفروض تحقّقه.
في الـذهب و الـفضّـة من غير الأواني
بقي الـكلام في حكم غير الأواني إذا كان من الـذهب و الـفضّـة، كا للوح و الـحلّى و غلاف الـسيف و الـسكّين و الـقنديل و نقش الـكتب و الـسقوف و الـجدران بهما.
و في «ا لـجواهر»: «لا أجد فيه ـ أي في الـجواز ـ خلافاً» بل استظهر الـوفاق عليه في بعض الـكتب.
و يدلّ عليه ـ مضافاً إلى الأصل بعد اختصاص الأخبار الـناهيـة بالآنيـة، كما عرفت، و إلى عمومات الـحلّ ـ خصوص جملـة من الـروايات:
مثل صحيحـة علي بن جعفر، عن أخيه (عليهما السلام) قال: سأ لـته عن الـمرآة، هل يصلح إمساكها إذا كان لها حلقـة فضّـة؟
قال: «نعم، إنّما يكره استعمال ما يشرب به».(1)
وا لمستفاد منها مضافاً إلى الجواز في موردها، اختصاص الحكم با لـكراهـة ـ أى
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 67، الـحديث 5.
(الصفحة695)
ا لـحرمـة ـ بالآنيـة الـمستعملـة في الـشرب، و مفهومها الـجواز في غير الآنيـة مطلقاً.
و ما ورد في ذات الـفضول; درع الـنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و أنّها كان لها حلق من فضّـة ثلاث(1)
أو أربع.(2)
و ما ورد في ذي الـفقار سيفه (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً: من أنّه «نزل به جبرئيل من الـسماء، و كانت حلقته فضّـة».(3)
و غير ذلك من الـروايات الـواردة في موارد خاصّـة الـدالّـة على عدم المنع، فراجع.
نعم، ربّما يقال بحرمـة غير الأواني منهما; نظراً إلى دلالـة جملـة من الأخبار عليها:
منها: خبر الـفضيل بن يسار قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـسرير فيه الـذهب، أيصلح إمساكه في الـبيت؟
فقال: «إن كان ذهباً فلا، و إن كان ماء الـذهب فلا بأس».(4)
و اُورد على الاستدلال بها: أنّ إمساك الـذهب لم يقم دليل على حرمته حتّى في الآنيـة; لأنّ الـمحرّم إنّما هو استعما لـها في خصوص الأكل و الـشرب، أو مطلقاً، و أمّا الإمساك فلا دليل على حرمته.
ولكن الـظاهر أنّ الـمراد من الإمساك في الـروايـة ليس مجرّد الاقتناء و الـتحفّظ عن الـضياع، بل الإمساك بنحو يتحقّق فيه الاستعمال الـمناسب له; و هو الـنوم عليه، أو الاتّكاء كذلك.
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 67، الـحديث 7.
(2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 67، الـحديث 4.
(3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 67، الـحديث 3.
(4)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 67، الـحديث 1.
(الصفحة696)
فالإنصاف: دلالـة الـروايـة في نفسها على الـحرمـة; بعد كون الـمراد من الـصلاح في الـسؤال هو الـجواز، و نفيه في الـجواب ظاهر في الـحرمـة.
و منها: ذيل صحيحـة علي بن جعفر الـمتقدّمـة قال: و سأ لـته عن الـسرج و اللجام فيه الـفضّـة، أيركب به؟
قال: «إن كان مموّهاً لايقدر على نزعه فلا بأس، وإلاّ فلا يركب به».(1)
و الـظاهر أنّ هذا الـسؤال و الـجواب، إن كان واقعاً بعد صدر الـروايـة بلافصل، فمن الـمعلوم أنّ إلقاء الـضابطـة الـكلّيـة في الـصدر، دليل على عدم حرمـة الـركوب في الـذيل، لأنّ مقتضى تلك الـضابطـة كون الـمحرّم خصوص استعمال ما يشرب به، فلا معنى لتحقّقه في غيره، فا لـصدر قرينـة على عدم الـحرمـة في الـذيل.
و إن لم يكن واقعاً بعده، بل كان كلاماً مستقلاًّ مشتملاً على سؤال و جواب، و الـمقارنـة بينه و بين الـصدر قد وقعت في مقام الـنقل أو الـكتابـة، من دون أن يكون بينهما ارتباط، فا لـروايـة ظاهرة في نفسها في الـحرمـة.
نعم، ربّما يمنع ذلك; نظراً إلى أنّ تعليق الـحرمـة على الـتمكّن من الـنزع، ظاهر في عدمها; فإنّه لو كانت الـحرمـة ثابتـة كا لـحرمـة في الآنيـة، لما كانت تزول بعدم الـقدرة على الـنزع، فإنّه لايوجب انتفائها، بل يلزم الـتعويض، أو تعويض الـمركب أو غيرهما، و لم يفرض في الـروايـة الاضطرار إلى الـركوب بهذه الـكيفيـة.
ثمّ إنّه على تقدير الـدلالـة على الـحرمـة، فهي أخصّ من الـمدّعى; لأنّ مفادها الـحرمـة في الـسرج و اللجام فيه الـفضّـة، و لا دلالـة لها على أزيد من ذلك.
و منها: صحيحـة محمّد بن إسماعيل بن بَزيع قال: سأ لـت أباا لـحسن الـرضا (عليه السلام)
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 67، الـحديث 6.
(الصفحة697)
عن آنيـة الـذهب و الـفضّـة، فكرههما.
فقلت: قد روى بعض أصحابنا: أنّه كان لأبي ا لـحسن (عليه السلام) مرآة ملبّسـة فضّـة.
فقال: «لا الـحمد للّه» على نقل «ا لـكافي» أو «لا و اللّه» على نقل «ا لـتهذيب» «إنّما كانت لها حلقـة من فضّـة، و هي عندي».
ثمّ قال: «إنّ الـعباس حين عذر عمل له قضيب ملبّس من فضّـة من نحو ما يعمله الـصبيان، تكون فضّـة نحواً من عشرة دراهم، فأمر به أبوا لـحسن (عليه السلام) فكسر».(1)
فإنّه لو لا حرمـة استعمال الـذهب و الـفضّـة في غير الأواني أيضاً، لم يكن وجه لتشديده (عليه السلام) في الإنكار.
و اُورد عليه: بأنّ استنكاره (عليه السلام) إنّما هو لكذبهم في اخبارهم، كيف؟! فإنّ الـمرآة الـملبّسـة لاتناسب آحاد الـمؤمنين، فضلاً عن الإمام (عليه السلام).
هذا، و الـروايـة لا تخلو من الاضطراب أيضاً; فإنّ ظاهرها أنّ الـسؤال الـثاني، إنّما كان بصورة الاعتراض على كراهـة الإمام (عليه السلام) في مقام الـجواب عن الـسؤال الأوّل، مع أنّه وارد في الآنيـة، و كراهـة الآنيـة لاتستلزم كراهـة الـمرآة الـملبّسـة; فإنّ الـمرآة لاتكون آنيـة بوجه كما سيأتي، فلا وقع للاعتراض، و بذلك تصير الـروايـة مضطربـة.
و منها: الـروايـة الـنبويـة الـمرويـة في كتب الـعامّـة الـحاكيـة لقول الـنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)بعد أن أخذ بيمينه حريراً، و بشما لـه ذهباً، و رفع بهما يديه: «إنّ هذين حرام على ذكور اُمّتي» أو مع زيادة «حلّ لإناثهم».
و الـجواب ـ مضافاً إلى كونها غير ثابتـة من طرقنا، و إلى عدم شمولها للفضّـة
(1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 65، الـحديث 1.
(الصفحة698)
ا لـتي هي أيضاً جزء الـمدّعى، و إلى عدم دلالتها على الـحرمـة في الـنساء، مع أنّ الـمدّعى أعمّ كما في الآنيـة ـ أنّ اقتران الـذهب با لـحرير دليل على أنّ الـمراد لبسه، كلبس الـحرير، و من الـمعلوم حرمـة لبسه على الـرجال كما ثبت في محله.
و يؤيّده: أنّ الـروايـة في بعض الـكتب قد نقلت هكذا: «حرام لباس الـحرير و الـذهب على ذكور اُمّتي، و اُحلّ لإناثهم» فقد صرّح فيه با للبس.
و قد ظهر ممّا ذكرنا: أنّ أكثر الـروايات الـتي استدلّ بها على الـحرمـة، غير ناهضـة لإثباتها، و ما عداها و إن كانت ظاهرة فيها و صا لـحـة لإثباتها، إلاّ أنّ دلالـة الـروايات الـمتقدّمـة على عدم الـحرمـة ـ خصوصاً صحيحـة علي بن جعفر الـمشتملـة على بيان الـضابطـة، و الـظاهرة في الـحصر على ما عرفت ـ تصير قرينـة على الـتصرّف في هذا الـظهور با لـحمل على الـكراهـة.
و أمّا سائر الـوجوه الـمستدلّ بها على الـتحريم، فهي وجوه اعتباريـة غير صا لـحـة لإثبات الـتحريم في نفسها، و غير مقاومـة للروايات الـمتقدّمـة الـدالّـة على الجواز على تقدير الـصلاحيـة، كما لايخفى.
(الصفحة699)
مسأ لـة 3: الـظاهر أنّ الـمراد بالأواني ما يستعمل في الأكل و الـشرب و الـطبخ و الـغسل و الـعجن، مثل الـكأس و الـكوز و الـقصاع و الـقدور و الـجفان و الأقداح و الـطست و (ا لـسماور) و (ا لـقوري) و الـفنجان، بل و كوز (ا لـقليان) و (ا لـنعلبكي) بل و الـملعقـة على الأحوط، فلا يشمل مثل رأس (ا لـقليان) و رأس الـشطب، و غلاف الـسيف و الـخنجر و الـسّكين و الـصندوق، و ما يصنع بيتاً للتعويذ و (قاب) الـساعـة، و الـقنديل، و الـخلخال و إن كان مجوّفاً، و في شمولها للهاون و الـمجامر و الـمباخر و ظروف الـغا لـيـة و الـمعجون و (ا لـترياك) و نحو ذلك، تردّد و إشكال، فلايترك الاحتياط1 .
في معنى الآنيـة
(1) قد عرفت وقوع لفظ الآناء أو الآنيـة الـتي هي جمع الإناء في موضوع الـحكم بحرمـة الأكل، أو الـشرب، أو مطلق الاستعمال، فا لـلازم تحقيق معناه.
ولكن لاسبيل إليه; لعدم استعما لـه في عرف الـيوم، و لا يعلم مرادفه في سائر اللغات، و الـمراجعـة إلى اللغـة غير مجديـة; لعدم حجّيـة قول اللغوي أوّلاً; لعدم كونه من أهل الـخبرة و الـتشخيص في تمييز الـمعنى الـحقيقي عن غيره، بل شأنه تتبّع موارد الاستعمال و بيانها.
و عدم الـفائدة في الـمراجعـة إليها على تقدير الـحجّيـة ثانياً; للاختلاف الـواقع بين من تصدّى لتعريفه من دون أن يهمله، أو يكتفي بأنّه معروف:
ففي «ا لـمصباح»: «أنّه الـوعاء».
و في «ا لـمفردات»: «أنّه ما يوضع فيه الـشيء».
(الصفحة700)
و فى محكيّ «مرآة الأنوار و مبادى اللغـة»: «أنّه الـظرف».
و في «ا لـمقاييس»: «أنّه ظرف من الـظروف».
هذا مضافاً إلى وضوح كون مثل الـتفسير با لـوعاء تفسيراً بالأعمّ; لعدم صدق الإناء على مثل الـصندوق و الـقربـة و نحوهما، و صدق الـوعاء عليه قطعاً.
و قد استعمل الـوعاء في كلام الـمؤسّس للأدبيـة; مولى الـموحّدين أميرا لـمؤمنين، عليه أفضل صلوات الـمصلّين، في قوله (عليه السلام): «يا كميل بن زياد، إنّ هذه الـقلوب أوعيـة، فخيرها أوعاها».
فإنّ هذا الاستعمال و إن كان على سبيل الـمسامحـة و الـعنايـة ظاهراً، إلاّ أنّه لايجوز استعمال الإناء مكان الـوعاء بهذه الـملاحظـة أيضاً، فيشكل الأمر بعد ذلك. و الرجوع إلى الارتكاز إنّما يفيد بالإضافة إلى بعض حدود المعنى لاتمامه; بحيث يتبيّن الـخارج من الـداخل، و ليس في الـروايات الـمتقدّمـة ما يستفاد منه معنى الآنيـة.
نعم، يمكن أن يقال: بأنّ صحيحـة ابن بزيع الـمتقدّمـة، لها دلالـة على بيان معناها في الـجملـة، حيث إنّه بعد الـسؤال عن آنيـة الـذهب و الـفضّـة، و بيان كراهـة الإمام (عليه السلام)إيّاهما كأنّه اعترض عليه (عليه السلام): بأنّه قد روى بعض أصحابنا: أنّه كان لأبيك أبي ا لـحسن (عليه السلام) مرآة ملبّسـة فضّـة.
و نحن و إن جعلنا اشتمال الـروايـة على هذا الاعتراض دليلاً على اضطرابها; لعدم كون الـمرآة آنيـة، إلاّ أنّه يمكن أن يقال: بأنّ نفس هذا الاعتراض دليل على كون الإناء له معنى وسيع; يشمل الـمرآة أيضاً، و أنّ استنكاره (عليه السلام) إنّما هو لأجل ذلك، لا لمجرّد الـكذب في الـروايـة، كما عرفت في الإيراد على الاستدلال بها لحرمـة الـذهب و الـفضّـة من غير الأواني أيضاً.
|