(الصفحة601)
«فإن شرطه في العقد» زائداً غير محتاج إليه، بل العدول عن التعبير بالتضمين بالتعبير بالاشتراط في الجملة الثانية لعلّه ظاهر في اختصاص الجملة الاُولى بالتضمين الذي وقع خارج العقد، كما حكي عن الشهيد (رحمه الله) أنّه استظهر من العبارة أنّه ضمّنه بعد العقد(1) .
وكيف كان، فالأمر سهل والعمدة بيان حكم التضمين، وقد عرفت إمكان الحكم بصحّته، كما أنّك عرفت صحّة اشتراط ضمان العين في متن العقد، وأمّا الملازمة بين فساد الشرط على تقديره، وفساد المشروط الذي هو العقد فهي أيضاً ممنوعة كما حقّق في محلّه.
فتلخّص أنّ الأحكام الثلاثة التي تظهر من عبارة القواعد كلّها مخدوشة بل ممنوعة، والله أعلم بأحكامه وهو الهادي إلى سواء السبيل .
المسألة الرابعة : ضمان العين المقبوضة بالإجارة الفاسدة، والأقوال في هذه المسألة بين التصريح بعدم الضمان كما في القواعد(2) وعن التذكرة(3)، حيث حكم فيهما بالتسوية بين الإجارة الصحيحة والفاسدة، وهكذا عن جامع المقاصد(4)، واستظهر من إطلاق الباقين، واختاره صاحب مفتاح الكرامة(5) وبعض تلامذته(6)، ولكن حكي عن مجمع البرهان لمولانا المقدس الأردبيلي (قدس سره) أنّ المفهوم
(1) حكى عنه في مفتاح الكرامة: 1 / 252.
(2) قواعد الاحكام: 2 / 304.
(3) تذكرة الفقهاء: 2 / 318.
(4) جامع المقاصد: 7 / 258.
(5) مفتاح الكرامة: 7 / 252.
(6) جواهر الكلام: 27 / 251 ـ 253.
(الصفحة602)
من كلمات الأصحاب الضمان مع الجهل(1)، وكذا عن الرياض(2) في هذا المقام من غير تقييد بالجهل، معلّلاً له بعموم «على اليد»(3) مع الإشكال في صورة العلم، ولكن عنهما(4) في موضع آخر عدم الضمان.
وكيف كان، فالكلام يقع في مقامين :
المقام الأوّل : في حكم المسألة مع فرض الجهل بالفساد، لا ريب أنّ مقتضى الأصل الأوّلي مع قطع النظر عن عموم «على اليد» عدم الضمان; لأنّ الأصل براءة الذمّة منه .
وأمّا مع ملاحظة ذلك العموم، فإن قلنا بقصور دليل اليد عن الشمول لغير اليد القاهرة العادية، إمّا لاختصاصه في نفسه بها، أو لأجل استلزام الشمول لكثرة التخصيص، فيبقى مقتضى الأصل بحاله، ولا حاجة إلى إقامة الدليل على عدم الضمان .
وإن قلنا بالشمول للأيادي غير القاهرة العادية أيضاً فيصير مقتضى الأصل الثانوي المستفاد من دليل اليد الضمان، ولابدّ في الحكم بعدمه في مورد من إقامة الدليل عليه .
والتحقيق حينئذ أن يقال: إن كان المناط للحكم بعدم الضمان في الإجارة الصحيحة هو تحقّق التأمين المالكي الذي كان ملاكه التسليط على المال عن رضى المالك فلا شبهة في تحقّق هذا المناط في الإجارة الفاسدة أيضاً; لأنّ افتراقهما في
(1) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 50.
(2) رياض المسائل: 6 / 40.
(3) تقدّم في ص337 ـ 338.
(4) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 69، رياض المسائل: 6 / 40 ـ 41.
(الصفحة603)
ثبوت الاستحقاق وعدمه لا يؤثّر في الفرق من هذه الجهة لو لم نقل بكون عدم الاستحقاق واقعاً أوفق بتحقّق التأمين، كما لا يخفى .
وإن كان المناط للحكم بالعدم فيها كون الرجل أميناً ومورداً للوثوق على ما اخترناه فاللاّزم هنا أيضاً التفصيل بين كون المستأجر مؤتمناً لدى الأجير فلا يضمن، وعدم كونه كذلك فيضمن; لما عرفت من أنّ الحكم بعدم ضمان الأمين حكم كلّي لا اختصاص له بباب الإجارة فضلاً عن الصحيحة منها .
وإن كان المناط له هو قيام الدليل من النصّ والإجماع على عدم ثبوت الضمان بالنسبة إلى العين المستأجرة فلا ريب أنّ ظاهر ذلك الدليل هي الإجارة الصحيحة، ويمكن أن يستفاد منها بنحو الإشعار ، الاختصاص الذي لازمه ثبوت الضمان في الإجارة الفاسدة.
وكيف كان، فلابدّ في مقابل عموم «على اليد» المقتضي للضمان من إقامة الدليل على عدمه، كما هو الشأن في الإجارة الصحيحة أيضاً .
ويمكن أن يستدلّ له بقاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» بناءً على ثبوت العكس لها وقيام الدليل عليه، نظراً إلى أنّ الإجارة الصحيحة لا يكون فيها الضمان ففي فاسدها أيضاً كذلك .
وربما يورد على الاستدلال بهذه القاعدة للمقام بأنّ موردها ما إذا لم يكن في صحيحه الضمان، والضمان متحقّق في جميع المعاوضات; لأنّ المعاوضة الصحيحة توجب ضمان كلّ منهما ما وصل إليه بعوضه الذي دفعه، ويكون مع الفساد مضموناً بعوضه الواقعي الذي هو المثل أو القيمة، وليس في المعاوضات ما لا يضمن العوض بصحيحه حتّى لا يضمن بفاسده .
وبالجملة: فالإجارة إن لوحظت بالنسبة إلى العوضين اللذين هما الاُجرة والمنفعة
(الصفحة604)
ففي صحيحها الضمان، ولازمه أن يكون في فاسدها أيضاً كذلك. وإن لوحظت بالإضافة إلى العين التي هي خارجة عن العوضين، فهي وإن لم يكن في صحيحها الضمان إلاّ أنّ قاعدة «ما لايضمن» لايشمل مثلها; لأنّ موردها ما هو طرف للعقد وهو واقع عليه، وإن شئت قلت : إنّ مورد القاعدة أصلاً وعكساً ما إذا كان العقد موجباً ومقتضياً للضمان أو لعدمه، وليس الحكم بعدم الضمان في الإجارة الصحيحة مقتضى نفس العقد كما هو غير خفيّ، بل مقتضاه الضمان بالنسبة إلى العوضين فقط .
والجواب عن هذا الإيراد : أنّه يتمّ لو كان طرفا المعاوضة في الإجارة هما الأجرة والمنفعة، مع أنّك عرفت(1) في تعريف الإجارة وبيان حقيقتها أنّ متعلّق الإجارة هي العين، وأنّها إضافة خاصّة بالنسبة إلى العين المستأجرة ونتيجتها نقل المنفعة، فأحد العوضين في الإجارة هي نفس العين دون المنفعة. وحينئذ يصحّ أن يقال: إنّ الإجارة مع كونها معاوضة لايكون فيها الضمان بالنسبة إلى صحيحها، ففي فاسدها أيضاً كذلك، ويؤيّد ما ذكرنا استدلال غير واحد(2) للحكم بعدم الضمان في المقام بهذه القاعدة، فتدبّر جيّداً .
ثمّ إنّه ربما يقال: بأنّ هذه القاعدة وإن كانت مقتضية لعدم الضمان في الإجارة الفاسدة، إلاّ أنّ النسبة بينها وبين دليل اليد بناءً على عدم الاختصاص باليد القاهرة العادية هي العموم من وجه، فيتعارضان في مثل المقام الذي هو مادّة الاجتماع .
ويرد على ذلك أنّ كون النسبة بين القاعدتين عموماً من وجه مبتنية على ثبوت مادّتي الافتراق لهما ، وفي المقام تكون مادّة الافتراق بالنسبة إلى دليل اليد متحقّقة،
(1) في ص8 ـ 10.
(2) تذكرة الفقهاء: 2 / 318، مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 69، جواهر الكلام: 27 / 252، مستمسك العروة الوثقى: 12 / 73، مستند العروة الوثقى، كتاب الإجارة: 223.
(الصفحة605)
ضرورة أنّ موارد ثبوت الضمان كالعين المغصوبة ونحوها خارجة عن قاعدة «ما لايضمن» . وأمّا بالنسبة إلى هذه القاعدة فلم يعرف لها مورد الافتراق أصلاً .
ودعوى كون مورده العقد الذي ليس في صحيحه الضمان قبل تحقّق القبض والإقباض; لخروجه حينئذ عن عموم دليل اليد بعد عدم تحقّق التسلّط والاستيلاء بعد .
مدفوعة بأنّ الحكم بالضمان أو بعدمه إنّما هو فيما إذا تحقّق استيلاء وتسلّط، ضرورة أنّ الحكم بعدم الضمان بالنسبة إلى مال الغير قبل وقوعه تحت استيلاء من يحكم له بعدم الضمان ممّا لا يعقل، فإنّه لامعنى للحكم بعدم ضمان المستأجر بالنسبة إلى العين المستأجرة قبل وقوع القبض والإقباض وتحقّق السلطة والاستيلاء ، والحكم بضمان البائع المبيع إذا تلف قبل قبضه إنّما هو لأجل انتقاله بالبيع إلى المشتري وزوال علقة البائع عنه بمجرّد العقد، مضافاً إلى أنّه ليس في الحقيقة حكماً بالضمان، وإلاّ لكان اللاّزم أداء المثل أو القيمة، بل هو كناية عن بطلان البيع وتلف المبيع في يد مالكه، واللاّزم حينئذ رجوع الثمن إلى المشتري. وكيف كان، فالظاهر أنّ قاعدة «ما لا يضمن» أخصّ من دليل اليد ويجب تخصيصه بها .
ثمّ إنّه يظهر من المستمسك في شرح العروة الاستدلال على عدم الضمان في الإجارة الفاسدة بوجه آخر، قال في ذيل الاستدلال على عدم الضمان بما دلّ على عدم ضمان المستأمن، نظراً إلى أنّ موضوع عدم الضمان هو الأمين العرفي وهو حاصل في الصحيحة والفاسدة : ودعوى أنّ الاستئمان مبنيّ على الإجارة فإذا تبيّن فسادها فقد تبيّن انتفاؤه . يدفعها أنّ ظاهر نصوص(1) عدم الضمان مع الاستئمان
(1) وسائل الشيعة: 19 / 79 ـ 81 ، كتاب الوديعة ب4.
(الصفحة606)
عموم الحكم لصورة التلف المؤدّي إلى فساد العقد من أوّل الأمر، فتدلّ تلك النصوص على نفي الضمان مع الاستئمان ولو كان في العقد الفاسد، فلاحظ تلك النصوص العامّة والخاصّة في مواردها، فإنّها تدلّ على ماذكرنا من أنّ الاستئمان المبنيّ على العقد موضوع لعدم الضمان وإن تبيّن بطلان العقد (1).
وقد أُورد عليه بأنّه قد وقع في كلامه الخلط بين كون مبنى الاستدلال هو الاستئمان المتحقّق في الإجارة، وبين كون المبنى هي النصوص الدالّة على عدم الضمان في الإجارة من دون لحاظ الاستئمان، واللاّزم هو التفكيك بين الأمرين، ضرورة أنّه إن كان الملاك في عدم الضمان في الإجارة الصحيحة هو تحقّق الاستئمان فلا شكّ في وجود هذا الملاك في الإجارة الفاسدة أيضاً كما عرفته منّا ، وإن كان الملاك فيه هي النصوص الدالّة على عدم الضمان، نظراً إلى عمومها لصورة التلف المؤدي إلى فساد العقد من أوّل الأمر، فيمكن أن يورد عليه بابتناء ذلك على كون التلف موجباً للفساد من أوّل الأمر مع أنّ الشهرة على خلافه، كما سيأتي في محلّه .
هذا، مضافاً إلى أنّه على تقدير تسليم ذلك يمكن أن يقال: بأنّ ورود تلك النصوص في مورد الإجارة مع ظهورها في الإجارة التي تكون موصوفة بوصف الصحّة الواقعية يمنع عن شمولها لصورة التلف المؤدّي إلى الفساد من الأوّل، الموجب لكون الإجارة موصوفة بوصف الصحّة الظاهرية .
ولو قيل : بأنّ ذلك إنّما يتمّ فيما إذا اُريد استفادة حكم صورة التلف من العموم، مع أنّ غير واحد من تلك النصوص وارد في خصوص صورة التلف ومتعرّض لحكم هذه الصورة فقط .
(1) مستمسك العروة الوثقى: 12 / 74.
(الصفحة607)
فيمكن أن يقال في الجواب : بأنّ غاية الأمر دلالتها على عدم الضمان فيما إذا تبيّن البطلان من ناحية تلف العين، والمدّعى أعمّ من ذلك; لأنّ الكلام في مطلق الإجارة الفاسدة، سواء كان منشأ الفساد هو التلف، أو خللاً آخر في العقد، أو المتعاقدين، أو العوضين. هذا ما يمكن أن يورد على مثل هذا الاستدلال، وإن كان لا يخلو عن المناقشة بل المنع، فتدبّر .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا أنّ مقتضى قاعدة «ما لا يضمن» في المقام هو عدم الضمان، وأنّ الملاك لعدم الضمان في الصحيحة إن كان هو اتّصاف المستأجر بكونه مؤتمناً فاللاّزم في الفاسدة أيضاً التفصيل بمقتضى هذا الملاك ، وأمّا النصوص الواردة في مورد الإجارة مع قطع النظر عن الائتمان فلا يستفاد منها حكم المقام; لعدم كون التلف موجباً للفساد من أوّل الأمر كما مرّ .
المقام الثاني: في حكم صورة العلم بالفساد، والكلام فيه هو الكلام في المقام الأوّل إلاّ أنّ الحكم بعدم الضمان هنا أولى; لعدم جريان بعض الإشكالات الجارية هناك في هذا المقام، كالإشكال بكون التسليط على العين مبنيّاً على تخيّل الصحّة، ولأجله لايكون في الواقع راضياً بكون العين في يد المستأجر وإن كان في الظاهر كذلك ; لأجل اعتقاد صحّة الإجارة، فإنّ مثل هذا الإشكال لايجري في صورة العلم، ولذا استشكل في هذه الصورة بعض من حكم بالضمان في الصورة المتقدّمة كصاحب الرياض(1)، وقد تقدّم(2) أنّ المحكي عن الأردبيلي نسبة الحكم بالضمان في صورة الجهل إلى المفهوم من كلمات الأصحاب، وإن اختار هو عدم الضمان(3) فيما
(1) رياض المسائل: 6 / 40 ـ 41.
(2) في ص601 ـ 602
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 10 / 69.
(الصفحة608)
حكاه عنه في شرح العروة في مسألة عدم ضمان المستأجر، مستدلاًّ بالأصل وقاعدة «ما لا يضمن»(1) .
وممّا ذكرنا ظهر أنّه لا يكون في مسألتنا هذه شهرة أصلاً لا في المقام الأوّل ولا في المقام الثاني، فلا وجه لما في شرح العروة من نسبة عدم الضمان إلى المشهور (2).
***
[قال المؤلّف دام ظلّه في كتاب الإجارة الثاني]:
إذا تعدّى في العين المستأجرة ، قال المحقّق في الشرائع : ضمن قيمتها وقت العدوان ، ولو اختلفا في القيمة كان القول قول المالك إن كانت دابّة . وقيل : القول قول المستأجر على كلّ حال وهو أشبه(3) ، انتهى .
والظاهر كون الظرف قيداً للقيمة ، وأنّ المضمون هي القيمة الموجودة حال العدوان لا أنّه قيد للضمان ، كما فسّر العبارة بهذا النحو في الجواهر ، حيث قال : معناها دخولها في ضمانه من حين العدوان لا ضمان قيمة يومه(4) ، وهذا أي كونه مخالفاً للظاهر هو الذي يمكن أن يُجاب به عن صاحب الجواهر ، وإلاّ فمذهب المحقّق في المقبوض بالبيع الفاسد(5) ـ حيث اختار ضمان قيمة يوم القبض ـ لا يصير قرينة على كون الظرف في هذه العبارة قيداً للقيمة ; لأنّه اختار في باب الغصب(6) ضمان أعلى القيم ،
(1) مستمسك العروة الوثقى: 12 / 74.
(2) مستمسك العروة الوثقى: 12 / 73.
(3) شرائع الإسلام : 2 / 187 .
(4) جواهر الكلام : 27 / 316 .
(5) شرائع الإسلام : 2 / 17 .
(6) شرائع الإسلام : 3 / 240 .
(الصفحة609)
كما أنّ دعوى كون الضمان بالتعدّي لا يعقل أن يكون في غير وقت التعدّي ، مدفوعة بمنع عدم المعقولية ; ضرورة أنّه يمكن أن يكون التعدّي كاشفاً عن ثبوت الضمان قبله من حين القبض، وعليه فالقيد إنّما أتي به لأجل دفع هذا الاحتمال ، وأنّ التعدّي سبب لتحقّق الضمان لا أنّه كاشف عنه ، ودعوى أنّه لا يعقل الكشف في الضمان المتّصف بكونه ناشئاً عن التعدّي ، مدفوعة بأنّه وإن كان غير معقول إلاّ أنّ المحقّق علّق مطلق الضمان على التعدّي ، لا الضمان الموصوف .
وكيف كان ، يكفي في مقام الجواب عن استظهار صاحب الجواهر مجرّد كونه خلافاً لما هو المستفاد من الكلام عند العرف .
وبالجملة : فهذه المسألة من جزئيات ضمان المغصوب القيمي ، ويجري فيها جميع الأقوال والوجوه المذكورة هناك من قيمة يوم العدوان(1) ، وقيمة يوم التلف كما نسب إلى المشهور(2) ، وأعلى القيم من يوم العدوان إلى يوم التلف(3) ، وأعلى القيم من حين العدوان إلى حين دفع القيمة وأدائها(4) ، وخصوص قيمة يوم الدفع والأداء كما اختاره غير واحد من محقّقي المتأخّرين(5) .
نعم ، هنا قولان آخران يختصّ أحدهما بباب المقبوض بالبيع الفاسد ; وهو أنّ الاعتبار بقيمة يوم البيع فيما كان فساده من جهة التفويض إلى
(1) المختصر النافع : 368 ، شرائع الإسلام : 3 / 240 .
(2) الدروس الشرعية : 3 / 113 ، مختلف الشيعة : 6 / 81 ـ 82 مسألة 67 .
(3) المبسوط : 3 / 72 و75 ، السرائر : 2 / 481 .
(4) حكاه الشهيد الثاني عن المحقّق في الروضة البهية : 7 / 40 ، والسيّد الطباطبائي عن العلاّمة في رياض المسائل : 8 / 345 .
(5) العروة الوثقى : 5 / 65 مسألة 2 ، وراجع بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 273 .
(الصفحة610)
حكم المشتري(1) ، وثانيهما بهذا المقام أي الإجارة ; وهو ما عن الوسيلة(2) من التفصيل في عدوان المستأجر بين التعدّي والتفريط ، بثبوت أكثر القيم من يوم العدوان إلى يوم التلف في الأوّل ، ويوم التلف في الثاني. والعمدة في هذا الباب صحيحة أبي ولاّد المعروفة الواردة في التعدّي في العين المستأجرة ، ولابدّ من نقلها والنظر فيما يستفاد منها للحكم على طبقها، أعمّ من أن يكون على وفق القواعد في باب الضمان أو على خلافها ، فإنّه على كلا التقديرين لا محيص عن الأخذ بها كما لا يخفى ، فنقول :
روى الكليني في الكافي عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد . وروى الشيخ في كتابيه بإسناده عن أحمد بن محمّد ـ وسنده إليه صحيح ـ عن ابن محبوب ، عن أبي ولاّد الحنّاط قال : اكتريت بغلاً إلى قصر ابن هبيرة ذاهباً وجائياً بكذا وكذا ، وخرجت في طلب غريم لي ، فلمّا صرت قرب قنطرة الكوفة خبّرت أنّ صاحبي توجّه إلى النيل ، فتوجّهت نحو النيل ، فلمّا أتيت النيل خبّرت أنّ صاحبي توجّه إلى بغداد ، فأتبعته وظفرت به وفرغت ممّا بيني وبينه ورجعنا إلى الكوفة ، وكان ذهابي ومجيئي خمسة عشر يوماً ، فأخبرت صاحب البغل بعذري ، وأردت أن أتحلّل منه ممّاصنعت واُرضيه، فبذلت له خمسة عشر درهماً فأبى أن يقبل ، فتراضينا بأبي حنيفة فأخبرته بالقصّة وأخبره الرجل ، فقال لي : ما صنعت بالبغل ؟ فقلت : قد دفعته إليه سليماً ، قال : نعم بعد خمسة عشر يوماً .
قال : فما تريد من الرجل ؟ فقال : اُريد كراء بغلي فقد حبسه عليَّ خمسة عشر يوماً، فقال : ما أرى لك حقّاً ; لأنّه اكتراه إلى قصر ابن هبيرة ، فخالف
(1) المقنعة : 593 ، ونسب هذا القول إلى القاضي والحلبي الشيخ الأنصاري في كتاب المكاسب : 3/255 .
(2) الوسيلة : 267 .
(الصفحة611)
وركبه إلى النيل وإلى بغداد فضمن قيمة البغل وسقط الكراء ، فلمّا ردّ البغل سليماً وقبضته لم يلزمه الكراء .
قال: فخرجنا من عنده وجعل صاحب البغل يسترجع فرحمته ممّا أفتى به أبو حنيفة، فأعطيته شيئاً وتحلّلت منه ، وحججت تلك السنة فأخبرت أبا عبدالله (عليه السلام)بما أفتى به أبو حنيفة ، فقال : في مثل هذا القضاء وشبهه تحبس السماء ماءها ، وتمنع الأرض بركتها ، قال : فقلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : فما ترى أنت ؟ فقال : أرى له عليك مثل كراء بغل ذاهباً من الكوفة إلى النيل ، ومثل كراء بغل راكباً من النيل إلى بغداد ، ومثل كراء بغل من بغداد إلى الكوفة توفّيه إيّاه ، قال : فقلت : جعلت فداك قد علّفته بدراهم فلي عليه علفه ؟ فقال : لا ، لأنّك غاصب ، قال : فقلت له : أرأيت لو عطب البغل ونفق أليس كان يلزمني ؟ قال : نعم قيمة بغل يوم خالفته ، قلت : فإن أصاب البغل كسر أو دبر أو غمز ؟ فقال : عليك قيمة ما بين الصحّة والعيب يوم تردّه عليه .
فقلت : من يعرف ذلك ؟ قال : أنت وهو ، إمّا أن يحلف هو على القيمة فيلزمك ، فإن ردّ اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمه ذلك ، أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أنّ قيمة البغل حين اكترى كذا وكذا فيلزمك ، قلت : إنّي كنت أعطيته دراهم ورضي بها وحلّلني ، فقال : إنّما رضي بها وحلّك حين قضى عليه أبو حنيفة بالجور والظلم ، ولكن ارجع إليه فأخبره بما أفتيتك به ، فإن جعلك في حلّ بعد معرفته فلا شيء عليك بعد ذلك ، قال أبو ولاّد : فلمّا انصرفت من وجهي ذلك لقيت المكاري فأخبرته بما أفتاني به أبو عبدالله (عليه السلام) ، وقلت له : قل ما شئت حتّى أعطيكه ، فقال : قد حبّبت إليّ جعفر بن محمّد ، ووقع في قلبي له التفضيل وأنت في
(الصفحة612)
حلّ ، وإن أحببت أن أردّ عليك الذي أخذت منك فعلت(1) .
وقد استدلّ بهذه الصحيحة تارةً على اعتبار أعلى القيم من يوم العدوان إلى يوم التلف ، كما هو المحكي عن الشهيد الثاني (قدس سره) في الروضة(2) ، واُخرى على اعتبار خصوص يوم الغصب كما عليه أكثر المستدلّين بالحديث(3) .
وتقريب الاستدلال بها على الثاني على ما أفاده الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره) ، أنّه يدلّ على اعتبار يوم الغصب فقرتان :
الاُولى : قوله (عليه السلام) : «نعم ، قيمة بغل يوم خالفته» إلى ما بعد ، قال : فإنّ الظاهر أنّ اليوم قيد للقيمة ، إمّا بإضافة القيمة المضافة إلى البغل إليه ثانياً ; يعني قيمة يوم المخالفة للبغل ، فيكون إسقاط حرف التعريف من البغل للإضافة ، لا لأنّ ذا القيمة بغل غير معيّن حتّى توهم الرواية مذهب من جعل القيمي مضموناً بالمثل ، والقيمة إنّما هي قيمة المثل ، وإمّا بجعل اليوم قيداً للاختصاص الحاصل من إضافة القيمة إلى البغل .
وأمّا ما احتمله جماعة(4) من تعلّق الظرف بقوله (عليه السلام) : «نعم» القائم مقام قوله (عليه السلام) : «يلزمك» ـ يعني يلزمك يوم المخالفة قيمة بغل ـ فبعيد جدّاً . بل غير ممكن ; لأنّ السائل إنّما سأل عمّا يلزمه بعد التلف بسبب المخالفة بعد العلم بكون زمان المخالفة زمان حدوث الضمان ، كما يدلّ عليه : «أرأيت لو
(1) الكافي : 5 / 290 ح6 ، التهذيب : 7 / 215 ح943 ، الاستبصار : 3 / 134 ح483 ، وسائل الشيعة : 19/119 ، كتاب الإجارة ب17 ح1 .
(2) الروضة البهية : 7 / 43 ـ 44 .
(3) راجع رياض المسائل: 6 / 42 ومفتاح الكرامة: 7 / 254.
(4) كالسيّد العاملي في مفتاح الكرامة : 6 / 244 ، والمحقّق النراقي في مستند الشيعة : 14/290 ، والشيخ النجفي في جواهر الكلام : 37 / 101 ـ 102 .
(الصفحة613)
عطب البغل أو نفق أليس كان يلزمني ؟» فقوله : «نعم» يعني يلزمك بعد التلف بسبب المخالفة قيمة بغل يوم خالفته ، وقد أطنب بعض في جعل الفقرة ظاهرة في تعلّق الظرف بلزوم القيمة عليه(1) ، ولم يأت بشيء يساعده التركيب اللغوي ولا المتفاهم العرفي .
الثانية : قوله (عليه السلام) : «أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أنّ قيمة البغل يوم اكترى كذا وكذا» فإنّ إثبات قيمة يوم الاكتراء من حيث هو يوم الاكتراء لاجدوى فيه ; لعدم الاعتبار به ، فلابدّ أن يكون الغرض منه إثبات قيمة يوم المخالفة، بناءً على أنّه يوم الاكتراء ; لأنّ الظاهر من صدر الرواية أنّه خالف المالك بمجرّد خروجه من الكوفة ، ومن المعلوم أنّ اكتراء البغل لمثل تلك المسافة القليلة إنّما يكون يوم الخروج ، أو في عصر اليوم السابق ، ومعلوم أيضاً عدم اختلاف القيمة في هذه المدّة القليلة(2) ، انتهى موضع الحاجة من كلامه رفع الله في الجنان مقامه .
والظاهر أنّ مراده (قدس سره) من التقريب الأوّل للاستشهاد بالفقرة الاُولى هو ترامي الإضافات وتتاليها ، لا إضافة القيمة تارةً إلى البغل ، واُخرى إلى يوم المخالفة حتّى يورد عليه بعدم جواز إضافة الشيء المضاف إلى شيء إلى آخر ثانياً ، كما اختاره بعض المحشّين(3) ، أو بامتناع ذلك واستحالته ، كما اختاره بعض آخر من محقّقيهم(4) ، والدليل على ما ذكرنا ما أفاده من أنّ إسقاط حرف التعريف من البغل إنّما هو لأجل الإضافة ، وذلك لأنّه على تقدير عدم كون البغل مضافاً إلى اليوم، وكونه مضافاً إليه
(1) راجع جواهر الكلام : 37 / 102 .
(2) كتاب المكاسب للشيخ الأنصاري : 3 / 247 ـ 249 .
(3) كالمامقاني في غاية الآمال : 314 .
(4) كالآخوند في حاشيته على المكاسب : 41 ، والمحقّق الإصفهاني في حاشيته على المكاسب : 1/101 .
(الصفحة614)
للقيمة فقط لا وجه لإسقاط حرف التعريف ، فإنّ ما يسقط حرف التعريف منه إنّما هو المضاف لا المضاف إليه ، وعليه فيكون المراد ترامي الإضافات وإضافة البغل إلى يوم المخالفة، كإضافة القيمة إلى البغل . ودعوى أنّ ذلك لا يقتضي اختصاص القيمة بيوم المخالفة ، مدفوعة بأنّ بغل يوم المخالفة لا معنى له إلاّ قيمته في ذلك اليوم . نعم ، ربّما يورد على ما أفاده من عدم إمكان تعلّق الظرف بقوله (عليه السلام) : «نعم» القائم مقام قوله (عليه السلام) : «يلزمك» بأنّه يحتمل أن يكون اعتقاد السائل أن يكون البغل في ضمانه حين دخل تحت يده جهلاً منه بأمانة المستأجر مطلقاً ، أو في خصوص الدابّة إذا لم يكن صاحبها معها حسبما هو المتعارف بين المكاريين ، وعليه فلا مانع من جعل «يوم» ظرفاً لقوله (عليه السلام) : «نعم» بل استظهر هذا واستقربه السيّد الطباطبائي (قدس سره)في حاشيته على متاجر الشيخ الأعظم (قدس سره)(1).
هذا ، والاستظهار ممنوع، بل لو كان قوله (عليه السلام) : «يوم خالفته» متّصلاً بقوله (عليه السلام) : «نعم» ولم يكن بينهما فصل لما كان الظاهر هو هذا المعنى، فإنّ مجرّد كون كلمة «نعم» قائمة مقام الفعل ومفيدة لمعناه لا يسوّغ إجراء أحكام الفعل عليها ، وتعلّق الظرف بنفسها مع قطع النظر عن إقامة الفعل مقامها ممّا لا ينبغي ، وهذا بخلاف تعلّق الظرف بالقيمة كما لايخفى . وبالجملة فالظاهردلالة هذه الفقرة على أنّ الاعتبار بيوم الغصب والمخالفة.
وأمّا الفقرة الثانية ، فربما يستشكل على تقريب الاستدلال بها لما ذكر ـ كما مرّ في كلام الشيخ (قدس سره) ـ بمنع كون الغرض من يوم الاكتراء إثبات قيمة يوم المخالفة نظراً إلى اتّحادهما ، وذلك لاحتمال ابتنائه على اتّحاد قيمة البغل من يوم الاكتراء إلى يوم الردّ ، كما هو الغالب بالنظر إلى
(1) حاشية المكاسب للسيّد الطباطبائي اليزدي : 1 / 104 .
(الصفحة615)
مجاري العادات على اتّحاد الأسعار وقيمة الأشياء في الأعصار المتقدّمة ، خصوصاً في مثل خمسة عشر يوماً كما هو المفروض في الرواية ، فيكون تخصيص يوم الاكتراء بالذكر من بين سائر الأيّام لتعذّر إقامة الشهود أو تعسّرها في غيره .
هذا ، ولكن هذا الاحتمال في غاية الضعف ، والظاهر ابتناؤه على اتّحاده مع يوم المخالفة ، والوجه في العدول عنه إليه إنّما هو التنبيه على سهولة إقامة الشهود على قيمته في زمان الاكتراء ، لكون البغل فيه غالباً بمشهد من الناس وجماعة المكارين ، بخلاف زمان المخالفة من حيث إنّه زمان المخالفة ، فتغيير التعبير إنّما هو لأجل ذلك لا لكون العبرة بزمان الاكتراء من حيث هو ، فالإنصاف تماميّة دلالة الرواية على أنّ الاعتبار بيوم المخالفة كما أفاده الشيخ (قدس سره) ، لكنّه بضميمة أمر آخر ; وهو أنّ المراد بيوم المخالفة الواقع في الرواية يوم حدوث المخالفة والعدوان ، فإنّه على تقدير أن يكون المراد به أعمّ من يوم الحدوث وأيّام البقاء ـ كما يحتمل فيه ; لأنّه يصدق على كلّ منهما أنّه يوم المخالفة ، ضرورة أنّ اليوم الثاني والثالث وهكذا يتّصف كلّ واحد منهما بأنّه يوم المخالفة ـ تكون الرواية دالّة على اعتبار أعلى القيم من يوم حدوث المخالفة إلى يوم التلف .
فإنّ الرواية على هذا التقدير تكون بصدد دفع توهّم أن يكون الاعتبار بالقيمة التي أدّاها صاحب البغل حين اشترائه له ، وبيان أنّ الاعتبار بقيمة العين وماليّتها في زمن كونها تحت استيلاء اليد العادية ، من غير دخالة للحدوث بما هو حدوث فيه ، فمقتضى الرواية حينئذ أنّ الاعتبار بقيمة البغل حين كونه مغصوباً وباختيار اليد العادية ، وعليه فيصدق على أعلى القيم في تلك المدّة أنّه قيمة العين في يوم المخالفة ويصدق على أدائها أداء قيمة العين في ذلك اليوم ، وهذا بخلاف ما لو لم يؤدّ أعلى القيم ، بل
(الصفحة616)
اقتصر على بعض القيم النازلة ، فإنّه لا يصدق على أدائه أداء قيمة العين في ذلك اليوم ، كما لا يخفى .
هذا ، ويرد على هذا التقريب أنّ الظاهر من يوم المخالفة إنّما هو يوم حدوثها لا الأعمّ منه ومن أيّام البقاء ، مضافاً إلى أنّه على هذا التقدير أيضاً لا دلالة للرواية على اعتبار خصوص أعلى القيم ، فإنّه يصدق على القيم النازلة أيضاً أنّها قيمة العين في يوم المخالفة ، فيكفي أداؤها ، ولا وجه لتعيّن خصوص اليوم الذي تكون قيمة العين فيه أعلى القيم ، ثمّ على تقدير تسليم كون المراد من يوم المخالفة هو المعنى الأعمّ ، وأنّه لابدّ من رعاية أعلى القيم ، يمكن أن يمنع كون الغاية يوم التلف ، بل يحتمل أن تكون يوم الأداء ، وعليه فاللاّزم رعاية أعلى القيم من يوم المخالفة إلى يوم الأداء . ودعوى أنّه لا يصدق على ما بعد التلف عنوان يوم المخالفة ولو بقاءً ، مدفوعة بأنّ ما لا يصدق على ما بعد التلف إنّما هو وصف العين التالفة ، وأمّا وصف الغاصب واتّصافه بهذه الصفة فهو بعد باق ، ولذا يجب عليه أداء قيمتها فتأمّل .
وقد انقدح ممّا ذكرنا أنّ الرواية ظاهرة في أنّ الاعتبار بخصوص يوم حدوث المخالفة والعدوان ، وعليه فلا محيص من الأخذ بها والحكم على طبقها ، سواء كان موافقاً للقاعدة الأوّلية في باب ضمان المضمونات أو مخالفاً لها . نعم ، يشكل الأمر على تقدير كون مفاد «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي»(1) هو العبرة بيوم التلف ، أو بيوم الدفع والأداء كما لعلّه الأنسب بملاحظة الغاية ، فإنّه يقع التعارض بين الدليلين والاختلاف بين الروايتين ، فإنّ رواية قاعدة اليد متلقّاة بالقبول عند الأصحاب ، ويستدلّون
(1) تقدّم في ص337 ـ 338.
(الصفحة617)
بها في كثير من المقامات . نعم ، على تقدير كون مفادها هو العبرة بيوم القبض ووضع اليد على العين ـ كما ربّما يحتمل ـ يقع بينهما التوافق ويرتفع الاختلاف .
هذا ، ولا وجه للجمع بينهما بحمل الصحيحة على مورد خاصّ ; وهو العين المستأجرة التي تعدّى فيها أو الدابّة المستأجرة كذلك ، وحمل رواية اليد على ما عدا ذلك المورد ، وذلك لظهور الصحيحة في أنّ ذلك إنّما هو حكم الغصب مطلقاً لا خصوص العين المستأجرة الكذائية . نعم ، لا ينبغي الارتياب في أنّ ظهور الصحيحة في اعتبار يوم المخالفة أقوى من ظهور الرواية في غيره ، خصوصاً بعد جريان احتمال اعتبار يوم المخالفة فيها أيضاً ، فتدبّر جيّداً .
بقي الكلام في حكم اختلاف المالك والمستأجر ، الذي تعرّض له المحقّق (قدس سره) في عبارته المتقدّمة في صدر المسألة ، والمحكيّ عن الشيخ (قدس سره)(1) أنّه يقدّم قول المالك إذا كانت العين المستأجرة دابّة ، وذهب المشهور(2) إلى تقديم قول المستأجر مطلقاً ، والظاهر أنّ مستند الشيخ (قدس سره)إنّما هي صحيحة أبي ولاّد المتقدّمة ، المشتملة على قوله : فقلت : من يعرف ذلك ؟ قال (عليه السلام) : «أنت وهو ، إمّا أن يحلف هو على القيمة فيلزمك ، فإن ردّ اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمه ذلك» فإنّها صريحة في أنّ الحلف وظيفة المالك ، وأنّه إذا حلف على أيّة قيمة تلزم على المستأجر ، وحيث إنّ هذا الحكم مخالف للقاعدة المعروفة ; وهي أنّ البيّنة على المدّعي واليمين
(1) النهاية : 446 .
(2) السرائر : 2 / 465 ، شرائع الإسلام : 2 / 187 ، مختلف الشيعة : 6 / 114 مسألة 11 ، مسالك الأفهام : 5/221ـ222 .
(الصفحة618)
على من أنكر ، ويؤيّده قول الإمام (عليه السلام) بعد ذلك : «أو يأتي صاحب البغل بشهود» الخ ، اقتصر في الحكم المخالف للقاعدة على خصوص مورد الصحيحة ; وهي الدابّة المستأجرة ، ولم يتعدّ عنه إلى غيره .
أقول : هنا مطلبان قابلان للبحث :
أحدهما : الجمع بين اليمين والبيّنة بالإضافة إلى المالك في الصحيحة في الفقرة التي نقلناها آنفاً .
ثانيهما : أنّ يمين المالك هل تكون موافقة لقاعدة «اليمين على من أنكر» أم لا تكون كذلك ؟ فعلى تقدير الموافقة لا يبقى مجال لتخصيص الحكم بخصوص الدابّة المستأجرة . نعم ، على تقدير المخالفة للبحث فيه مجال واسع .
أمّا المطلب الأوّل : فهو وإن كان مرتبطاً بباب الإجارة الذي هو محلّ بحثنا ، إلاّ أنّه حيث يكون المفروض صورة فقدان البيّنة نحيل البحث في ذلك إلى مقام آخر ، وإن وقع التعرّض له في كلام الشيخ الأعظم(1) وجمع من الأعلام قدّس الله أسرارهم(2) .
وأمّا المطلب الثاني : فالذي تقتضيه القاعدة في بادئ النظر أنّ يمين المالك مخالفة للقاعدة ; لأنّه مدّع والمستأجر منكر ، وذلك لأنّ المالك يدّعي الزيادة المخالفة للأصل والمستأجر ينكرها . نعم ، لو كانت القيمة الزائدة ثابتة للعين سابقاً ، وادّعى المستأجر نقصانها عن تلك القيمة يوم حدوث المخالفة يكون قول المالك موافقاً للأصل .
(1) كتاب المكاسب للشيخ الأنصاري : 3 / 251 .
(2) منهم : المحقّق الرشتي في كتاب الإجارة : 323ـ 324 ، والمحقّق الآشتياني في كتاب الإجارة : 232ـ233 ، والمحقّق الإيرواني في حاشيته على المكاسب : 1 / 102 .
(الصفحة619)
هذا ، ولكن يمكن أن يقال كما قاله المحقّق الإصفهاني (قدس سره): تارةً بأنّ موافقة قول المالك للأصل إنّما يبتني على ما إذا قلنا في باب الضمان ببقاء نفس العين المضمونة في العهدة وأنّها لا تسقط إلاّ بأداء بدلها ، فإنّه حينئذ لا يحصل القطع بسقوط العهدة المتيقّنة مع أداء الأقلّ ، والأصل بقاؤها حتّى يحصل القطع بالسقوط بأداء الأكثر ، وأمّا إذا قلنا في باب الضمان بأنّ الثابت مجرّد وجوب دفع القيمة على تقدير التلف، أو قلنا بتبدّل عهدة العين بعد تلفها بذمّة المثل أو القيمة ، فقول المالك مخالف للأصل ; لأنّ مقتضى الأصل البراءة عن وجوب دفع القيمة الزائدة ، كما أنّ الأصل عدم اشتغال الذمّة بأزيد من المتيقّن .
واُخرى بأنّه على جميع المباني الثلاثة المذكورة يكون قول المالك موافقاً للأصل ، وذلك لأنّ المالية لها اعتبارات ثلاثة ; وهي اعتبار بشرط شيء ، وبشرط لا ، ولا بشرط ، والأوّلان وإن كانا متضمّنين لخصوصية وجودية أو عدميّة يجب التنبيه عليها دون المطلق واللابشرط القسمي ، فإنّه يكفيه عدم الدالّ على إحدى الخصوصيتين ، إلاّ أنّه قد اعتبرت في باب القيميات بشرط لا ; لأنّ كلّ ماهية بالإضافة إلى ماهية اُخرى بشرط لا وإن كانت طولية ، فماهيّة الشجر مثلاً لها جهة وجدان الجسميّة والقوّة النباتية وجهة فقدان سائر الأشياء ، ولذا لا يدخل الشجر في حدّ الإنسان ، والداخل فيه جهة وجدانها فقط ; وهي الجسميّة والنموّ ، وعليه فالمالية القائمة بماهية هي بشرط لا بالإضافة إلى ما عداها هي التالفة وهي المتداركة ، وليس في الخارج ما يتمحّض في المالية ، ولا حيثية له إلاّ حيثيّة المالية ، إلاّ النقود المجعولة أعواضاً لمجرّد ماليّتها ، لكن الذمّة لا تشتغل بالدينار والدرهم أو غيرهما من النقود الرائجة في المعاملات ; لعدم تعيّن شيء منها ، ولاستحالة الاشتغال بأحدها المردّد ، ولا جامع إلاّ
(الصفحة620)
المالية ; وهي أمر بسيط ليس له قلّة وكثرة وزيادة ونقص إلاّ باعتبار ما يتحقّق به في الخارج ; وهي أنواع النقود ، فما تشتغل به الذمّة أو يجب شرعاً تداركه ليس فيه قلّة وكثرة حتّى يجري فيه الأصل ، بل القلّة والكثرة فيما يتحقّق به ما اشتغلت به الذمّة ، وعليه فحال الضمان بمعنى وجوب دفع القيمة وبمعنى اشتغال الذمّة حال العهدة في أنّ الأصل فيها الاشتغال وبقاء تلك المالية إلى أن يتحقّق في الخارج قطعاً ، والأصل حينئذ على جميع المباني مع المالك(1) ، انتهى .
ومحصّل ما أفاده أنّ المقام من قبيل الشكّ في المحصّل والمحقّق الذي هو مجرى أصالة الاشتغال ، ولكنّه يمكن الإيراد عليه بأنّه ليست المالية أمراً وراء هذه الاُمور بحيث تكون هذه الاُمور محصّلة لها ، بل هي أمر جامع بينها، ويتصوّر فيها الزيادة والنقيصة والكثرة والقلّة ، وإلاّ يلزم أن لا يكون بين المحقّقات اختلاف من الجهة الراجعة إلى حيثية المالية ، مع وضوح الاختلاف بينها من هذه الجهة ، فلعشرة دراهم شأن مخصوص من هذه الجهة ولمائة درهم شأن آخر .
وبعبارة اُخرى الماليّة المتحقّقة في الاُولى تغاير المالية المتحقّقة في الثانية من حيث القلّة والكثرة ، وعليه لا يكون قول المالك موافقاً للأصل بناءً على المبنيين من المباني الثلاثة المتقدّمة ; لأنّ الأصل براءة الذمّة عن وجوب دفع المالية الزائدة على المقدار المتيقّن ، كما أنّ الأصل عدم اشتغال ذمّة المستأجر بأزيد من ذلك المقدار ، فتدبّر جيّداً . [انتهى كلامه دام ظلّه من كتاب الإجارة الثاني].
(1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 276 ـ 278 .
|