تفصيل الشريعة
في
شرح تحرير الوسيلة
الوقف
تأليف : الفقيه الأصولي
آية الله العظمى الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني(دام ظلّه)
تحقيق و نشر : مركز فقه الأئمّة الأطهار (عليهم السلام)
(الصفحة7)
كتاب الوقف
والحبس والصدقة
(الصفحة8)
بسمه تعالى
هذا شرح كتاب الوقف وجملة من الكتب التي تعدّ من كتاب «تفصيل الشريعة» في شرح تحرير الوسيلة; للإمام الراحل الخميني قدّس سرّه الشريف ، وأنا الأقلّ الفاني محمّد الفاضل اللنكراني عفي عنه وعن والديه ، وكان تاريخ الشروع السادس من شهر صفر الخير من شهور سنة 1422 ، وأرجو من الله تعالى إتمام هذا الشرح وشرح الكتب التي لم تشرح بعد ، بحقّ أوليائه الطاهرين والأئمّة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين ، سيّما وليّ الله الأعظم روحي وأرواح العالمين له الفداء .
(الصفحة9)
كتاب الوقف
وأخـواتـه
وهو تحبيس العين وتسبيل المنفعة . وفيه فضل كثير وثواب جزيل ، ففي الصحيح عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «ليس يتبع الرجلَ بعد موته من الأجر إلاّ ثلاث خصال : صدقة أجراها في حياته فهي تجري بعد موته ، وسنّة هدىً سَنّها فهي يُعمل بها بعد موته ، وولد صالح يدعو له»(1) ، وبمضمونه روايات1 .
1 ـ الوقف الذي يعبّر عنه بالصدقة الجارية كما في الرواية المذكورة في المتن ، بل في غالب الروايات كما ذكره السيّد في الملحقات(2) ، وتوصيف الصدقة بهذه الصفة ـ أعني الجارية ـ يوجب امتيازها عن الصدقة المصطلحة التي هي عبارة عن الهبة مع قصد القربة ، كما مرّ في كتاب الهبة ، ولا مانع من التعبير عن الوقف بالصدقة ، كما أنّه قد استعملت الصدقة في الكتاب في الزكاة في قوله تعالى : {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ}(3) الخ ، ومن هذه الجهة تنقسم الصدقة إلى الصدقة الواجبة ، والصدقة المستحبّة .
(1) الكافي : 7 / 56 ح1 ، أمالي الصدوق : 87 ح56 ، تحف العقول : 363 ، التهذيب : 9/232 ح909 ، وعنها الوسائل : 19/171 ، كتاب الوقوف والصدقات ب1 ح1 .
(2) ملحقات العروة الوثقى : 2 / 184 .
(3) سورة التوبة : 9 / 60 .
(الصفحة10)
مسألة : يعتبر في الوقف الصيغة ; وهي كلّ ما دلّ على إنشاء المعنى المذكور ، مثل : «وقفت» و«حبست» و«سبّلت» بل و«تصدّقت» إذا اقترن به ما يدلّ على إرادته ، كقوله : «صدقة مؤبّدة لا تُباع ولا توهب» ونحو ذلك ، وكذا مثل : «جعلت أرضي موقوفة أو محبسة أو مسبّلة على كذا» ، ولا يعتبر فيه العربيّة ولا الماضويّة ، بل يكفي الجملة الاسميّة ، مثل : «هذا وقف» أو
وكيف كان ، فالوقف عبارة عن تحبيس العين وتسبيل المنفعة أو إطلاقها ، وقد وقع هذا التعبير في الرواية النبويّة(1) ، وفيه فضل كثير وثواب جزيل . والظاهر أنّه لا فرق فيه بين الوقف العامّ والوقف الخاصّ ; لإطلاق مثل الرواية المذكورة في المتن وإن كان بينهما فرق من جهة بعض الأحكام ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
ثمّ إنّ المحقّق الخراساني (قدس سره) صاحب كفاية الاُصول في رسالته في الوقف بعد أن حكى عن جماعة من الفقهاء في تعريف الوقف أنّه تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة ، وعن جماعة اُخرى أنّه عقدٌ ثمرته تحبيس الأصل وإطلاق المنفعة ، قال : وليس هذا خلافاً في حقيقته ; لما حقّقنا في البحث وغيره أنّ الأصحاب في تعاريفهم في سائر الأبواب إنّما هم بصدد شرح الاسم كاللغوي لا الحدّ أو الرسم ، وكيف كان ، فهو حبس خاصّ ، وهو المطلق منه المقابل للحبس لا مطلقه الشامل لهما ، والتفاوت بينهما إنّما يكون بالمرتبة ، كما يكون بين الإيجاب والاستحباب الخ(2) .
قلت : إنّ التعبير بأنّه عقد ، يتوقّف على اعتبار القبول فيه ، وسيأتي إن شاء الله تعالى عدم الاعتبار(3) ، من دون فرق بين الوقف العامّ والوقف الخاصّ ، فانتظر .
(1) سنن ابن ماجة : 4 / 63 ح2397 ، السنن الكبرى للبيهقي : 9 / 135 ح12126 و22127 .
(2) الرسائل الفقهيّة للمحقّق الخراساني ، أوّل كتاب الوقف .
(3) في ص 15 ـ 16.
(الصفحة11)
«هذه محبسة أو مسبّلة»1 .
مسألة: لابدّ في وقف المسجد من قصد عنوان المسجديّة ، فلو وقف مكاناً على صلاة المصلّين وعبادة المسلمين صحّ ، لكن لم يصر به مسجداً ما لم يكن المقصود عنوانه ، والظاهر كفاية قوله : «جعلته مسجداً» وإن لم يذكر ما يدلّ على وقفه وحبسه ، والأحوط أن يقول : «وقفته مسجداً» أو « . . . على أن يكون مسجداً»2 .
1 ـ يعتبر في الوقف الصيغة الخاصّة ، لا بمعنى عدم وقوعه بالمعاطاة ، فإنّه يجيء في المسألة الثالثة كفاية المعاطاة في الجملة ، بل بمعنى أنّه إذا أراد الإنشاء باللفظ يعتبر فيه ذلك ; وهي كلّ لفظ دلّ على إنشاء المعنى المذكور ، كالأمثلة المذكورة في المتن ، ولا يعتبر فيه العربيّة والماضويّة ، بل تكفي الجملة الاسمية ، كالأمثلة المذكورة في المتن ومثلها ، كالتعبير بأنّها صدقة جارية للعلماء ، أو الفقراء ، أو لخصوص الأولاد ; وذلك لعدم الدليل على اعتبار لفظ خاصّ ، فيكفي كلّ ما له ظهور عرفيّ في ذلك ; فإنّك عرفت أنّ المعتمد عند العقلاء هي أصالة الظهور ، وهي أعمّ من أصالة الحقيقة ، فقوله : «رأيت أسداً يرمي» ظاهر في الرجل الشجاع وإن لم يكن حقيقة فيه .
2 ـ لابدّ في وقف المسجد من قصد عنوان المسجديّة ; فإنّه عنوان خاصّ لا يتحقّق إلاّ بقصده ولو فرضنا عدم اعتبار التأبيد فيه ، كاستئجار الأرض لأن يعمل مسجداً ، على ما ذكره السيّد في العروة في كتاب الإجارة(1) ، فلو وقف مكاناً على صلاة المصلّين صحّ ، لكن لم يصر به مسجداً ، كما هو المتداول في زماننا هذا في
(1) العروة الوثقى : 2 / 506، كتاب الإجارة، مسألة 3331 .
(الصفحة12)
مسألة : الظاهر كفاية المعاطاة في مثل المساجد ، والمقابر ، والطرق والشوارع ، والقناطر ، والرباطات المعدّة لنزول المسافرين ، والأشجار المغروسة لانتفاع المارّة بظلّها أو ثمرها ، بل ومثل البواري للمساجد ، والقناديل للمشاهد ، وأشباه ذلك ، وبالجملة : ما كان محبساً على مصلحة عامّة ، فلو بنى بناءً بعنوان المسجديّة وأذن في الصلاة فيه للعموم وصلّى فيه بعض الناس كفى في وقفه وصيرورته مسجداً . وكذا لو عيّن قطعة من الأرض لأن تكون مقبرة للمسلمين وخلّى بينها وبينهم وأذن إذناً عامّاً للدفن فيها ، فدفنوا فيها بعض الأموات ، أو بنى قنطرة وخلّى بينها وبين العابرين فشرعوا في العبور عليها ، وهكذا1 .
مملكتنا من تأسيس أمكنة كبيرة لصلاة الجمعة التي يجتمع فيها عدد كثير نوعاً يعبّرون عنها بالمصلّى باعتبار وقوع صلاة الجمعة فيها ، وهذه الأمكنة وإن كانت موقوفة على صلاة الجمعة أو مطلقاً ، لكنّها لا تكون مسجداً ، ولا يترتّب عليها أحكام المسجديّة من عدم جواز التنجيس ، وعدم مكث الجنب فيها ، وغيرهما من أحكام المسجد ; والسرّ فيه عدم كون عنوان المسجدية مأخوذاً في وقفه وحبسه ، ولذا ترى أنّ المتشرّعة يفرّقون بين تلك الأمكنة وبين المساجد ، كالتفريق بين المسجد والحسينية ، فتدبّر .
1 ـ والدليل على كفاية المعاطاة في مثل الأمثلة المذكورة في المتن ممّا كان محبساً على مصلحة عامّة أنّه لا دليل على اعتبار الإنشاء بالصيغة مثل الألفاظ المتقدّمة ، بل يكفي الإنشاء الفعلي; بأن بنى بناءً بعنوان المسجديّة وأذن في الصلاة فيه .
نعم ، ذكر السيّد في الملحقات أنّ ظاهر العلماء على اشتراط الصيغة في الوقف ،
(الصفحة13)
مسألة : ما ذكرنا من كفاية المعاطاة في المسجد إنّما هو فيما إذا كان أصل البناء بقصد المسجديّة ; بأن نوى ببنائه وتعميره أن يكون مسجداً ، خصوصاً إذا حاز أرضاً مباحة لأجل المسجد وبنى فيها بتلك النيّة . وأمّا إذا كان له بناء مملوك ـ كدار أو خان ـ فنوى أن يكون مسجداً وصرف الناس بالصلاة فيه ـ من دون إجراء الصيغة عليه ـ يشكل الاكتفاء به . وكذا الحال في مثل الرباط والقنطرة2 .
وأنّه بدونها غير صحيح ، ولكنّه قوّى نفسه الاكتفاء بالمعاطاة(1) ، كما هو المحكيّ عن ابن إدريس(2) ، والشهيد في الذكرى(3) في المسجد ولو مع عدم إجراء الصيغة ; لأنّ معظم المساجد في الإسلام على هذه الصورة .
والظاهر عدم اختصاص ذلك بالمسجد ، بل يجري في مثله من الاُمور المذكورة في المتن .
وأمّا ما يظهر منه من اعتبار صلاة بعض الناس فيما بناه بعنوان المسجدية ، أو دفن بعض الأموات فيما لو عيّن قطعة من الأرض لأن تكون مقبرة للمسلمين ، أو العبور على القنطرة فيما لو بنى قنطرة فالظاهر أنّه لا دليل عليه ، بل الظاهر كفاية البناء أو التعيين بقصد العناوين المذكورة والتخلية بينها وبين الناس في الاستفادة المناسبة وإن لم تتحقّق بالفعل ، وإلاّ يلزم شبه الدور ، فإنّ جواز الاستفادة متوقّف على الوقفيّة ، فلو كان العكس يلزم الدور ، فتدبّر .
2 ـ الغرض من هذه المسألة بيان أنّ ما ذكرنا في المسألة السابقة من كفاية
(1) ملحقات العروة : 2 / 189 مسألة 1 .
(2) السرائر : 1 / 280 .
(3) ذكرى الشيعة : 3 / 133 .
(الصفحة14)
مسألة : لا إشكال في جواز التوكيل في الوقف . وفي جريان الفضوليّة فيه خلاف وإشكال لا يبعد جريانها فيه ، لكن الأحوط خلافه1 .
المعاطاة في المسجد إنّما هو فيما إذا كان أصل البناء وإحداثها بقصد المسجديّة ; كأن كان له أرض مملوك ، أو حاز أرضاً مباحة لأجل المسجد وبنى فيها بتلك النيّة . أمّا إذا كان له بناء مملوك قد أحدث بغير هذا العنوان ـ كدار أو خان ـ فنوى أن يكون مسجداً وصرف الناس بالصلاة فيه من دون إجراء الصيغة عليه ، فقد استشكل في المتن في الاكتفاء به .
ولعلّ السرّ في الإشكال أنّ تعيّنه للوقفيّة بعنوان المسجديّة إمّا أن يكون لأجل النيّة ، أو بضميمة صرف الناس بالصلاة فيه ، والأوّل لا يوجب التعيّن لاحتياج الوقف إلى الصيغة ولو قلنا بالاكتفاء مقامها بالمعاطاة ، فإنّ مجرّد النيّة لا يوجب ذلك ، وصرف الناس بالصلاة فيه لازم أعمّ من المسجديّة ، ومن الممكن أن يريد صلاة الناس في داره من غير أن تكون مسجداً ، وهذا بخلاف ما إذا كان أصل الإحداث بقصد المسجديّة ، خصوصاً مع الصرف المذكور ، وهكذا الحال في مثل الرباط والقنطرة .
هذا ، ولكن الظاهر الجواز خصوصاً في الصورة المذكورة ; لتقوّم عنوان المسجدية بالقصد ، وإلاّ فالبناء من حيث هو لا دلالة له على ذلك ، فأيّ فرق بين الإحداث وتغيير النيّة في مثل الدار والخان ، كما لا يخفى .
1 ـ نفى الإشكال عن جواز التوكيل في الوقف ; سواء كانت دائرة التوكيل متّسعة شاملة لأصل إحداث البناء بهذا العنوان ، أم غير متّسعة ، كما إذا كانت في إنشاء صيغة الوقف ، أو إجراء المعاطاة فيه ; لعدم الدليل على لزوم المباشرة ، كما أنّه
(الصفحة15)
مسألة : الأقوى عدم اعتبار القبول في الوقف على الجهات العامّة ، كالمساجد والمقابر والقناطر ونحوها ، وكذا الوقف على العناوين الكلّية ، كالوقف على الفقراء والفقهاء ونحوهما ، وأمّا الوقف الخاصّ ـ كالوقف على الذرّية ـ فالأحوط اعتباره فيه ، فيقبله الموقوف عليهم ، ويكفي قبول الموجودين ، ولا يحتاج إلى قبول من سيوجد منهم بعد وجوده ، وإن كان الموجودون صغاراً أو فيهم صغار قام به وليّهم ، لكن الأقوى عدم اعتبار القبول في الوقف الخاصّ أيضاً ، كما أنّ الأحوط رعاية القبول في الوقف العامّ أيضاً ، والقائم به الحاكم أو المنصوب من قبله1 .
لا تلزم المباشرة في إحداث البناء بلا إشكال ، وقد وقع الخلاف والإشكال في جريان الفضوليّة فيه ، وقد نفى البُعد عن جريانها ، ولكن جعل مقتضى الاحتياط الاستحبابي خلاف ذلك ، والظاهر أنّ الحكم يدور مدار أنّ صحّة الفضولي في مواردها كالبيع والنكاح ومثلهما ، هل تكون على وفق القاعدة ، كما هو الظاهر فتجري في المقام ; لعدم خصوصيّة مقتضية للمنع ، أو على خلاف القاعدة ، فيقتصر في مواردها على المتيقّن ، وهو غير المقام بشهادة الاختلاف؟ والوجه في الاحتياط المذكور واضح غير خفيّ .
1 ـ قد وقع الخلاف بينهم في اعتبار القبول في الوقف مطلقاً ، وعدم اعتباره كذلك ، والتفصيل بين الوقف الخاصّ وبين الوقف العامّ ، فيعتبر في الأوّل دون الثاني ، وقد قوّى في المتن عدم الاعتبار مطلقاً ، واحتاط الاعتبار كذلك ، والظاهر أنّه لا دليل على اعتبار القبول في الوقف وكونه من العقود المفتقرة إلى إيجاب وقبول ، خصوصاً في الوقف على الجهات والمصالح العامّة ، والوقف على العناوين
(الصفحة16)
مسألة : الأقوى عدم اعتبار قصد القربة حتّى في الوقف العامّ وإن
الكلّية كالفقراء والفقهاء مثلاً .
ودعوى أنّه من المعلوم أنّه لا تدخل العين أو المنفعة في ملك الغير بسبب اختياري ابتداءً من غير قبول ، يدفعها أنّ كون السبب اختياريّاً محتاجاً إلى القبول أوّل الكلام ، فلِمَ لا يكون غير اختياري كالإرث؟ مع أنّه من الواضح عدم اعتبار الطبقة اللاحقة في الوقف الخاصّ الذين يوجدون بعداً ، خصوصاً مع موت الواقف وعدم وجوده في ذلك الزمان ، مع أنّه لا فرق بينهم وبين الطبقة السابقة من هذه الجهة أصلاً .
مضافاً إلى خلوّ الأخبار المشتملة على أوقاف الأئمّة (عليهم السلام) عن ذكر القبول .
ومنها : ما اشتهر عن مولى الموحِّدين عليه أفضل صلوات المصلّين في قصّة «عين ينبع» من أنّها صدقة بتّة بتلاً في حجيج بيت الله ، وعابري سبيل الله ، لا تباع ولا توهب ولا تورث(1) .
هذا ، ولكن ذكر المحقّق الخراساني (قدس سره) أنّ الذي تقتضيه الاُصول اعتبار القبول ; لعدم نهوض أمارة معتبرة أو أصل مقبول على عدم اعتباره ، والأصل عدم حصول الأثر بلا قبول(2) . ثمّ إنّه على تقدير اعتبار القبول أو رعاية الاحتياط يكون المتصدّي له في الأوقاف العامّة هو الحاكم أو المنصوب من قبله ، وفي الوقف الخاصّ هو الموقوف عليهم ، وإن كانوا جميعاً صغاراً أو فيهم صغار يقوم بذلك وليّهم الشرعي ، كما في سائر الموارد .
(1) الكافي : 7 / 54 ح9 ، التهذيب : 9 / 148 ح609 ، وعنهما الوسائل : 19 / 186 ، كتاب الوقوف والصدقات ب6 ح2 .
(2) الرسائل الفقهيّة للمحقّق الخراساني ، أوّل كتاب الوقف .
(الصفحة17)
كان الأحوط اعتباره مطلقاً1 .
مسألة : يشترط في صحّة الوقف القبض ، ويعتبر فيه أن يكون بإذن الواقف ، ففي الوقف الخاصّ يعتبر قبض الموقوف عليهم ، ويكفي قبض الطبقة الاُولى عن بقيّة الطبقات ، بل يكفي قبض الموجودين من الطبقة الاُولى عمّن سيوجد ، ولو كان فيهم قاصر قام وليّه مقامه ، ولو قبض بعض الموجودين دون بعض صحّ بالنسبة إلى من قبض دون غيره . وأمّا الوقف على الجهات العامّة والمصالح كالمساجد وما وقف عليها ، فإن جعل الواقف له قيّماً ومتولّياً اعتبر قبضه أو قبض الحاكم ، والأحوط عدم الاكتفاء بالثاني مع وجود الأوّل ، ومع عدم القيّم تعيّن الحاكم .
1 ـ المشهور اشتراط القربة في صحّة الوقف ، ولكن قوّى في المتن تبعاً للسيّد في الملحقات وجماعة عدم الاشتراط(1) ; للإطلاقات ولصحّته من الكافر ، وإطلاق الصدقة عليه ـ مع أنّه يعتبر فيها قصد القربة ـ إنّما هو باعتبار الأفراد التي يقصد فيها القربة ، ولا يلزم أن يكون جميع أفراده كذلك ، بل ربما لا يلائم الاعتبار مع الوقف الخاصّ الذي يكون المقصود منه حبس العين الموقوفة لانتفاع جميع الطبقات بها ، كالوقف على الأولاد مثلاً ، وقد أيّد عدم الاعتبار بما في الأخبار من انتفاع الميّت بالولد الصالح(2) ، مع أنّه لم يقصد القربة نوعاً في طلبه ، بل كان المقصود لذّة النفس أو أصل حصول الأولاد .
(1) ملحقات العروة الوثقى : 2 / 186 مسألة 3 ، الدروس الشرعيّة : 2 / 264 ، مسالك الأفهام : 5/350 و408ـ409 ، الروضة البهيّة : 3 / 164 ـ 165 ، مفاتيح الشرائع : 3 / 207 .
(2) وسائل الشيعة : 19 / 171 ـ 175 ، كتاب الوقوف والصدقات ب1 .
(الصفحة18)
وكذا الحال في الوقف على العناوين الكلّية كالفقراء والطلبة ، وهل يكفي قبض بعض أفراد ذلك العنوان; بأن يقبض فقير في الوقف على الفقراء مثلاً؟ لعلّ الأقوى ذلك فيما إذا سلّم الوقف إلى المستحقّ لاستيفاء ما يستحقّ ، كما إذا سلّم الدار الموقوفة على الفقراء للسكنى إلى فقير فسكنها ، أو الدابّة الموقوفة على الزوّار والحجّاج للركوب إلى زائر وحاجّ فركبها . نعم ، لا يكفي مجرّد استيفاء المنفعة والثمرة من دون استيلاء على العين ، فإذا وقف بستاناً على الفقراء لا يكفي في القبض إعطاء شيء من ثمرته لبعض الفقراء مع كون البستان تحت يده ، بل لا يكفي ذلك في الإعطاء لوليّ العامّ أو الخاصّ أيضاً1 .
1 ـ في هذه المسألة جهات من الكلام :
الاُولى : في أصل اعتبار القبض في صحّة الوقف وعدمه ، وقد ادّعي أنّه لا خلاف في شرطيّته ، ويدلّ عليه صحيحة صفوان، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يقف الضيعة ، ثمّ يبدو له أن يحدث في ذلك شيئاً؟ فقال : إن كان وقفها لولده ولغيرهم ثمّ جعل لها قيّماً لم يكن له أن يرجع فيها ، وإن كانوا صغاراً وقد شرط ولايتها لهم حتّى يبلغوا فيحوزها لهم لم يكن له أن يرجع فيها ، وإن كانوا كباراً لم يسلّمها إليهم ولم يخاصموا حتّى يحوزوها عنه فله أن يرجع فيها ; لأنّهم لا يحوزونها عنه وقد بلغوا(1) .
وما ورد عنه (عليه السلام) في جواب مسائل محمّد بن عثمان العمري من قوله (عليه السلام) : وأمّا ما سألت عنه من أمر الوقف على ناحيتنا ، وما يجعل لنا ثمّ يحتاج إليه صاحبه فكلّ ما لم يسلّم فصاحبه فيه بالخيار ، وكلّ ما سلّم فلا خيار فيه لصاحبه ، احتاج أو لم
(1) الكافي : 7 / 37 ح36 ، الفقيه : 4 / 178 ح626 ، التهذيب : 9 / 134 ح566 ، الاستبصار : 4/102 ح392 ، وعنها الوسائل : 19 / 180 ، كتاب الوقوف والصدقات ب4 ح4 .
(الصفحة19)
يحتج ، افتقر إليه أو استغنى عنه ـ إلى أن قال : ـ وأمّا ما سألت عنه من أمر الرجل الذي يجعل لناحيتنا ضيعة ويسلّمها من قيّم يقوم فيها ويعمّرها ويؤدّي من دخلها خراجها ومؤنتها ، ويجعل ما بقي من الدخل لناحيتنا ، فإنّ ذلك جائز لمن جعله صاحب الضيعة قيّماً عليها ، إنّما لا يجوز ذلك لغيره(1) .
وما دلّ على أنّه لو مات الواقف قبل القبض يرجع الوقف ميراثاً(2) .
فلا ينبغي الإشكال في أصل الشرطيّة ، والظاهر أنّ مدخليّته في الصحّة إنّما هي على سبيل الإجازة بناءً على كونها ناقلة . ويدلّ عليه الوجه الأخير وإن كان لا دلالة للروايتين على ذلك ، مضافاً إلى أنّ مقتضى الاستصحاب ذلك أيضاً .
الثانية : أنّه لابدّ أن يكون القبض بإذن الواقف كما هو المشهور(3) ، وعن صاحب الكفاية التوقّف(4) ; لعدم الدليل ، ويدلّ على المشهور ظهور الرواية المتقدّمة في ذلك ، حيث إنّه نسب التسليم فيها إلى صاحب الوقف ، ولكن في صحيحة محمّد بن مسلم، وخبر عبيد بن زرارة وقع التعبير بقوله (عليه السلام) : إذا لم يقبضوا حتّى يموت فهو ميراث(5) ، وفي صحيحة صفوان المتقدّمة قوله (عليه السلام) : ولم يخاصموا حتّى يحوزوها عنه . فإنّ ظاهره جواز المخاصمة مع الواقف للقبض ، ومقتضى أصالة عدم ترتّب الأثر هو اعتباره ، وكيف كان ، فالمسألة مشكلة .
(1) كمال الدّين : 520 ح49 ، الاحتجاج : 2 / 558 رقم 351 ، وعنهما الوسائل : 19 / 182 ، كتاب الوقوف والصدقات ب4 ح8 .
(2) مثل رواية عبيد بن زرارة ومحمّد بن مسلم الآتيتين .
(3) الحدائق الناضرة: 22 / 147، ملحقات العروة الوثقى: 2 / 182.
(4) كفاية الأحكام : 140 .
(5) الكافي : 7 / 31 ح7 ، التهذيب : 9 / 135 ح569 وص137 ح577 ، الاستبصار : 4 / 101 ح387 وص102 ح390، الفقيه: 4/182 ح639، وعنها الوسائل: 19/178، كتاب الوقوف والصدقات ب4 ح1 وص180 ح5.
(الصفحة20)
الثالثة : في المتصدّي للقبض ، وفي المتن أنّه في الوقف الخاصّ يعتبر قبض الموقوف عليهم ، ويكفي قبض الطبقة الاُولى عن بقيّة الطبقات ، بل يكفي قبض الموجودين من الطبقة الاُولى عمّن سيوجد ، ووجه الاكتفاء أنّ بقاء الوقف بالنسبة إلى جميع الطبقات لا يلائم مع اعتبار قبض الجميع ، خصوصاً مع أنّ الواقف لا يكون موجوداً نوعاً ، ولو كان في الموجودين صغير أو صغار قام الوليّ مقامه ، كما في سائر الموارد .
ولو تحقّق القبض من بعض الموجودين دون البعض الآخر فالظاهر عدم بطلان الوقف بالإضافة إلى الجميع ، بل يصحّ بالنسبة إلى من قبض دونه ، كما في بيع مال نفسه مع مال غيره في فرض عدم إذنه وإجازته أصلاً .
وأمّا بالنسبة إلى الوقف العامّ; أعمّ من الوقف على المصالح العامّة وعلى العناوين الكلّية ، فإن جعل له متولّياً فالمعتبر هو قبضه ، ولا مجال لاحتمال الاكتفاء بقبض الحاكم في هذه الصورة . نعم ، في صورة عدم جعل المتولّي يتعيّن قبض الحاكم ; لأنّه لا يحتمل اعتبار قبض غيره ، وقد قوّى في المتن في الوقف على العناوين الكلّية كالفقراء مثلاً الاكتفاء بقبض بعض أفراد ذلك العنوان ، كفقير واحد إذا سلّمه إليه لاستيفاء ما يستحقّه ، كدار سلّمها إلى فقير في صورة الوقف لسكونة الفقراء لأن ينتفع بها بهذا العنوان .
الرابعة : أنّه لابدّ في تحقّق القبض من الاستيلاء على العين الموقوفة وكونها تحت يده وباختياره ، فلو وقف بستاناً على الفقراء لا يكفي إعطاء شيء من ثمرته بل جميع الثمر لبعض الفقراء مع كون البستان تحت يده واستيلائه ، بل لابدّ من جعله تحت استيلاء الموقوف عليهم ، كما أنّ الأمر بالنسبة إلى وليّ العامّ أو الخاصّ كذلك ، والسرّ في الجميع عدم صدق القبض بدون الاستيلاء ، كما لا يخفى .
|